خُطْبَةُ عِيدِ الفِطْرِ

الخُطْبَةُ الأُولَى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، واللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ، مُخْلِصِينَ له الدَّيْنَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وصَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِي آخِرِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ: يَا لَيْتَ شِعْرِي، مَنْ هَذَا المَقْبُولُ فَنُهَنِّيَهُ؟ وَمَنْ هَذَا المَحْرُومُ فَنُعَزِّيَهُ؟

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "مَنْ هَذَا المَقْبُولُ مِنَّا فَنُهَنِّيَهُ؟ وَمَنْ هَذَا المَحْرُومُ مِنَّا فَنُعَزِّيَهُ؟ أَيُّهَا المَقْبُولُ: هَنِيئًا لَكَ، أَيُّهَا المَرْدُودُ: جَبَرَ اللهُ مُصِيبَتَكَ!".

سَلَامٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَوَانِ ... عَلَى خَيْرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وَزَمَانِ

سَلَامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ فَإِنَّهُ ... أَمَانٌ مِنَ الرَّحْمَنِ كُلَّ أَمَانِ

تَرَحَّلْتَ يَا شَهْرَ الصِّيَامِ بِصَوْمِنَا ... وَقَدْ كُنْتَ أَنْوَارًا بِكُلِّ زَمَانِ

عَلَيْكَ سَلَامُ اللهِ كُنْ شَاهِدًا لَنَا ... بِخَيْرٍ رَعَاكَ اللهُ مِنْ رَمَضَانِ

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، والْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا.

عِبَادَ اللهِ، جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَقَوْلُهُ: (إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ)؛ أَيْ: يَفْرَحُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ وَعِبَادَتِهِ.

وَقَوْلُهُ: (وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ)؛ أَيْ: بِقَبُولِ صَوْمِهِ، وَتَرَتُّبِ الجَزَاءِ الوَافِرِ عَلَيْهِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).

قَالَ الحَسَنُ فِي قَوْلِهِ: (وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) قَالَ: بِالمَعَاصِي.

وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخَافُونَ أَنْ يُبْطِلَ الذَّنْبُ أَعْمَالَهُمْ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يُبْطِلَ عَمَلًا صَالِحًا بِعَمَلٍ سَيِّئٍ؛ فَلْيَفْعَلْ.

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَمُحْبِطَاتُ الأَعْمَالِ وَمُفْسِدَاتُهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي العَمَلِ، إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي حِفْظِ العَمَلِ مِمَّا يُفْسِدُهُ وَيُحْبِطُهُ".

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)؛

فَقَوْلُهُ: (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ)؛ أَيْ: وَلِتَذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِبَادَتِكُمْ، كَمَا قَالَ: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا)، وَقَالَ: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

وَقَوْلُهُ: (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)؛ يَعْنِي: إِنْ حَافَظْتُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمُ الصَّالِحَةِ دَائِمًا وَأَبَدًا بِحِفْظِ أَوَامِرِ اللهِ وَاجْتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَإِنْ وَقَعْتُمْ فِي مَعْصِيَةٍ جَهَالَةً؛ فَأَحْدِثُوا تَوْبَةً قَرِيبَةً صَادِقَةً، وَعَسَى أَنْ تَكُونُوا بِذَلِكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، جَاءَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

فَالدُّفُّ وَالغِنَاءُ النَّزِيهُ، يُشْرَعُ فِي يَوْمِ العِيدِ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً دُونَ الرِّجَالِ.

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا.

أَمَّا بَعْدُ: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ، فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ، تَصَدَّقْنَ، فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ)، فَقُلْنَ: وَبِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: (لأنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ). أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، قَالَ حَرْبٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ قَوْلِ النَّاسِ فِي الْعِيدَيْنِ: تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، يَرْوِيهِ أَهْلُ الشَّامِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.