مَا يُشْرَعُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ، وَبِفَضْلِهِ تَتَنَزَّلُ الخَيْرَاتُ وَالبَرَكَاتُ، وَبِرَحْمَتِهِ تُغْفَرُ السَّيِّئَاتُ، وَتُضَاعَفُ الحَسَنَاتُ، وَبِجُودِهِ وَكَرَمِهِ تُرْفَعُ الدَّرَجَاتُ، وَبِتَوْفِيقِهِ تَتَحَقَّقُ الغَايَاتُ وَالأُمْنِيَاتُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ، وَفِي خِتَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ يُشْرَعُ لَنَا مَا يَلِي:

الجِدُّ وَالاجْتِهَادُ فِيمَا تَبَقَّى مِنَ الشَّهْرِ، وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ لَيْلَةِ القَدْرِ.

رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «التَمِسُوهَا فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، إِلَى قَوْلِهِ: أَوَاخِرِ لَيْلَةٍ».

وَأَدُّوا عِبَادَ اللهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ أَنْفُسِكُمْ وَعَمَّنْ تَمُونُونَ، قَالَ تَعَالَى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ).

وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ: نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ».

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَلِلْبُخَارِيِّ: (وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ).

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ». أَخْرَجَاهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ... الحَدِيثُ».

فَيَجِبُ إِخْرَاجُ زَكَاةِ الفِطْرِ صَاعًا، وَقَدْرُهُ كِيلُوَانِ وَنِصْفٌ تَقْرِيبًا مِنْ قُوتِ البَلَدِ الجَيِّدِ، عَنْ كُلِّ نَفْسٍ تَمْلِكُ مَا يَزِيدُ عَنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَتُسْتَحَبُّ عَنِ الحَمْلِ وَلَا تَجِبُ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَةَ تُصْرَفُ فِي الْمَسَاكِينِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تُجْمَعَ زَكَاةُ البَيْتِ الوَاحِدِ فَتُدْفَعَ كُلُّهَا لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ.

وَمِمَّا يُشْرَعُ لَيْلَةَ عِيدِ الفِطْرِ: التَّكْبِيرُ وَإِظْهَارُهُ.

قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: حَقٌّ عَلَى المُسْلِمِينَ إِذَا نَظَرُوا إِلَى هِلَالِ شَوَّالٍ أَنْ يُكَبِّرُوا اللهَ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنْ عِيدِهِمْ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَقُولُ: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ). رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأَمَّا صِفَةُ التَّكْبِيرِ؛ فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ، مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: "كَبِّرُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا".

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: "صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ ثَلَاثٌ ثَلَاثٌ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ.

وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، وَللهِ الحَمْدُ.

وَفِي رِوَايَةٍ بِتَثْلِيثِ التَّكْبِيرِ.

وَرَوَى المَحَامِلِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، اللهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ.

وَعَنِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ إِظْهَارِ التَّكْبِيرِ فِي العِيدَيْنِ، قَالَا: نَعَمْ، كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُظْهِرُهُ فِي يَوْمِ الفِطْرِ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ.

وَصَحَّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ، قَالَ: (كَانُوا فِي الفِطْرِ أَشَدَّ مِنْهُمْ فِي الأَضْحَى)، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي التَّكْبِيرَ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ.

 

وَصَلَاةُ العِيدِ فَرْضٌ: إِمَّا عَيْنًا أَوْ عَلَى الكِفَايَةِ.

وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى: الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلَاةَ، وَفِي لَفْظٍ: الْمُصَلَّى، وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ». رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.

وَيُسْتَحَبُّ التَّجَمُّلُ لِلْعِيدِ؛ لِقِصَّةِ إِهْدَاءِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ جُبَّةً لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لِلْعِيدَيْنِ وَيَوْمِ الجُمُعَةِ. رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ.

وَصَحَّ فِي المُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى.

وَاسْتَحَبَّ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ الإِتْيَانَ إِلَى مُصَلَّى العِيدِ مَشْيًا عَلَى الأَقْدَامِ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالذَّهَبِيُّ، وَالبُوصِيرِيُّ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ العِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تُقُبِّلَ مِنَّا وَمِنْكَ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ عُثَيْمِينَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَمِمَّا يُفْعَلُ يَوْمَ العِيدِ مُعَانَقَةُ الرِّجَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ.

قَالَ مُعَلَّى بْنُ الفَضْلِ: كَانُوا يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ رَمَضَانَ، وَيَدْعُونَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْهُمْ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: كَانَ مِنْ دُعَائِهِمْ: اللَّهُمَّ سَلِّمْنِي إِلَى رَمَضَانَ، وَسَلِّمْ لِي رَمَضَانَ، وَتَسَلَّمْهُ مِنِّي مُتَقَبَّلًا.

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَسَائِرَ الأَعْمَالِ، وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَعَافِنَا وَارْزُقْنَا، وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ.

اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.