قُلْ خَيْرًا أَوِ اصْمُتْ

المَوْضُوعُ: قُلْ خَيْرًا أَوِ اصْمُتْ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، شُعْبَةٌ مِنْ شُعَبِ الإِيمَانِ، وَخَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الإِحْسَانِ، تَتَعَلَّقُ بِوَظِيفَةِ اللِّسَانِ، مَنْ رَاقَبَ فِيهَا الرَّحْمَنُ، يُرْجَى لَهُ الجِنَان، وَالنَّجَاةُ مِنَ النِّيرَانِ؛ إِنَّهَا قَوْلُ الخَيْرِ أَوِ الصَّمْتُ؛ فَعَنْ أَبِي هُريْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُتْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (كُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّكَ لَنْ تَزَالَ سَالِمًا مَا سَكَتَّ، فَإِذَا تَكَلَّمْتَ، كُتِبَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ، وَرِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ صَمَتَ نَجَا). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.

وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: (امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ .. الحَدِيثَ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، وَصَحَّحَهُ غَيْرُهُ.

وَقَالَ رَجُلٌ لِسَلْمَانَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لَا تَكَلَّمْ، قَالَ: مَا يَسْتَطِيعُ مَنْ عَاشَ فِي النَّاسِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ، قَالَ: فَإِنْ تَكَلَّمْتَ، فَتَكَلَّمْ بِحَقٍّ أَوِ اسْكُتْ.

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ اللِّسَانَ هُوَ قَائِدُ الجَوَارِحِ وَالجَنَانِ، فَإِنِ اسْتَقَامَ اسْتَقَامُوا، وَإِنْ مَالَ مَالُوا.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ، فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، تَقُولُ: اتِّقِ اللهَ فِينَا، فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ: فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنَا، وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَجَّحَ وَقْفَهُ، وَحَسَّنَهُ غَيْرُهُ.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَأْخُذُ بِلِسَانِهِ، وَيَقُولُ: هَذَا أَوْرَدَنِي المَوَارِدَ.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَاللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا عَلَى الأَرْضِ أَحَقُّ بِطُولِ سَجْنٍ مِنَ اللِّسَانِ.

اِحْفَظْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ ... لَا يَلْدَغَنَّكَ إِنَّهُ ثُعْبَانُ

قَالَ طَاوُس: لِسَانِي سَبُعٌ، إِنْ أَرْسَلْتُهُ أَكَلَنِي.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ).

وَهَذَا يَعْنِي أَنَّكَ لَا تَقُولُ - يَا عَبْدَ اللهِ - كَلَامًا إِلَّا وَهُوَ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كَمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ، إِلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرُ اللهِ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.

وَعَنِ النَّخَعِيِّ، قَالَ: يَهْلِكُ النَّاسُ فِي فُضُولِ المَالِ وَالكَلَامِ.

وَقَالَ الحَسَنُ: مَا عَقَلَ دِينَهُ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ لِسَانَهُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا لَيْسَ بِخَيْرٍ مِنَ الكَلَامِ، فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا تَدْعُو إِلَيْهِ الحَاجَةُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: إِيَّاكُمْ وَفُضُولَ الكَلَامِ، حَسْبُ امْرِئٍ مَا بَلَغَ حَاجَتَهُ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الإِكْثَارَ مِنَ الكَلَامِ الَّذِي لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، يُوجِبُ قَسَاوَةَ القَلْبِ، كَمَا فِي "التِّرْمِذِيِّ" مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا: (لَا تُكْثِرُوا الكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللهِ يُقَسِّي القَلْبَ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ اللهِ القَلْبُ القَاسِي). انْتَهَى.

وَقَالَ عُمَرُ: "مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ، كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ، كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ".

وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "يُعْرَضُ عَلَى ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ سَاعَاتُ عُمُرِهِ، فَكُلُّ سَاعَةٍ لَمْ يَذْكُرِ اللهَ فِيهَا تَتَقَطَّعُ نَفْسُهُ عَلَيْهَا حَسَرَاتٍ".

وَعَنْ أَسْوَدَ بْنِ أَصْرَمَ المُحَارِبِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: "هَلْ تَمْلِكُ لِسَانَكَ؟ "قُلْتُ: مَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ لِسَانِي؟ قَالَ: "فَهَلْ تَمْلِكُ يَدَكَ؟" قُلْتُ: فَمَا أَمْلِكُ إِذَا لَمْ أَمْلِكْ يَدِي؟ قَالَ: "فَلَا تَقُلْ بِلِسَانِكَ إِلَّا مَعْرُوفًا، وَلَا تَبْسُطْ يَدَكَ إِلَّا إِلَى خَيْرٍ". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ الهَيْثَمِيُّ.

وَحَسْبُكَ زَاجِرًا عَنِ الكَلَامِ دُونَ رِقَابَةِ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.

 

وَعَنْ بِلَالِ بْنِ الحَارِثِ المُزَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ اللهِ تَعَالَى مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ، يكْتُبُ اللهُ لَهُ بهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا كَانَ يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ، يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ).

رَوَاهُ مَالِكٌ فِي "المُوَطَّإِ"، وَالتِّرْمِذِيُّ - وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ -، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ.

وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَال: "هَذَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟ "قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "رأْسُ الأَمْرِ الإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟" قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: "كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَحَصَائِدُ الأَلْسِنَةِ عَدِيدَةٌ، كَالطَّعْنِ، وَاللَّعْنِ، وَالفُحْشِ، وَالبَذَاءَةِ، وَالسَّبِّ، وَالشَّتْمِ، وَالغِيبَةِ، وَالنَّمِيمَةِ، وَالكَذِبِ، وَالقَوْلِ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ ارْتَقَى الصَّفَا، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، فَقَالَ: يَا لِسَانُ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (أَكْثَرُ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ). قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَحَسَّنَهُ غَيْرُهُ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: (تَقْوَى اللهِ، وَحُسْنُ الخُلُقِ)، وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ: (الفَمُ وَالفَرْجُ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَلَا فَقَهَرَ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ، وَمَلَكَ فَقَدَرَ، الْحَمْدُ للهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ، فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: «هَذَا». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

فَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى خَطَرِ اللِّسَانِ؛ لِأَنَّ سَقَطَاتِهِ وَفَلَتَاتِهِ كَالسِّنَانِ، وَحَصَائِدَهُ وَآفَاتِهِ كَالكُثْبَانِ، فَيَنْبَغِي إِشْغَالُهُ بِعُبُودِيَّةِ الذِّكْرِ، قَالَ تَعَالَى: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "سَبَقُ المُفَرِّدُونَ" قَالُوا: وَمَا المُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَحَبُّ الكَلَامِ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمْدُ للهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، اللَّهُمَّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلَا بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلَا هَادِيَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلَا مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلَا مُبْعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ يَوْمَ الْعَيْلَةِ، وَالْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ، اللَّهُمَّ عَائِذِينَ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا، وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ مِنَّا، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ، وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، وَأَحْيِنَا مُسْلِمِينَ، وَأَلْحِقْنَا بِالصَّالِحِينَ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا مَفْتُونِينَ.

عِبَادَ اللهِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.