الإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ

المَوْضُوعُ: الإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

أَيُّهَا المُصَلُّونَ، أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ المَكْتُوبَاتِ، وَالتَّزَوُّدِ مِنَ النَّوَافِلِ وَالتَّطَوُّعَاتِ؛ فَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأعطينَّه، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأعيذنَّه).

وَأَعْظَمُ مَا افْتَرضَ اللهُ عَلَيْنَا بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ؛ فَالتَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا، وَإِحْسَانِ وُضُوئِهَا وَخُشُوعِهَا، وَإِتْمَامِ أَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا، مِنْ أَعْظَمِ القُرَبِ إِلَى اللهِ وَأَحَبِّ العُبُودِيَّةِ إِلَيْهِ.

وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَا مِنِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ، فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا، وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا، إِلَّا كَانَتْ كَفَّارةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمَنْ تَأَمَّلَ وَاقِعَ كَثِيرٍ مِنَ المُصَلِّينَ فِي عَصْرِنَا الحَاضِرِ، وَجَدَ إِخْفَاقًا مَلْحُوظًا فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِقَامَتِهَا، إِخْفَاقًا فِي الطُّمَأْنِينَةِ وَالخُشُوعِ وَحُضُورِ القَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ لِكَثْرَةِ الصَّوَارِفِ وَالمُلْهِيَاتِ.

وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمُنُهَا، سُبُعُهَا، سُدُسُهَا، خُمُسُهَا، رُبُعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُ.

وَعَنْ أَبِي الْيُسْرِ صَاحِبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً، وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ، وَالثُّلُثَ، وَالرُّبُعَ، وَالْخَمُسَ، حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي فَمَا يُكْتَبُ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، فَالتُّسْعُ، فَالثُّمُنُ، فَالسُّبُعُ، حَتَّى تُكْتَبَ صَلَاتُهُ تَامَّةً». رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَقَدْ قِيلَ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ صَلَاتِهِ إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا.

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَاعْلَمُوا - رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ - أَنَّ النَّوَافِلَ فِيهَا أَجْرٌ وَثَوَابٌ وَسَبَبٌ لِلنَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ وَالعِقَابِ.

وَمِنْ فَضْلِهَا وَفَوَائِدِهَا: أَنَّهُ يُكَمَّلُ بِهَا مَا انْتَقَصَ المُصَلِّي مِنْ فَرِيضَتِهِ، وَهَذَا لُطْفٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى. 

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ، فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا، قَالَ الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ -: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ مِنْهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ أَعْمَالِهِ عَلَى هَذَا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

فَيَدْخُلُ فِي هَذَا الحَدِيثِ التَّطَوُّعُ بِالنَّوَافِلِ المُطْلَقَةِ وَالنَّوَافِلِ المُقَيَّدَةِ.

وَسَأَسْرُدُ عَلَيْكُمْ جُمْلَةً مِنَ الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ فِي فَضْلِ النَّوَافِلِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

عَنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حبِيبَةَ رَمْلةَ بِنتِ أَبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: "مَا مِنْ عبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالَى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ الفَرِيضَةِ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ، أَوْ: إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ ثَابَرَ عَلَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ). رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَقدْ صُحِّحَ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ قبْلَ الغَدَاةِ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَأَرْبعٍ بَعْدَهَا، حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ.

وَعَنْ سَلمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفرِّقُ بَيْنَ اثَنيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تكَلَّم الإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ الأُخْرَى". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ، فَلْيُصَلِّ بعْدَهَا أَرْبعًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلَائِكَةِ المُقَرَّبِينَ، وَمَنْ تبِعَهُمْ مِنَ المسْلِمِين وَالمؤمِنِينَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "رَحِمَ اللهُ امْرَءًا صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ العَصرِ رَكْعَتَيْنِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ". وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. والمُرَادُ بِالأَذَانَيْنِ: الأَذَانُ وَالإِقَامَةُ.

وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ"، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتيْنِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ: فَكُلُّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبِلَالٍ: "يَا بِلَالُ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلَامِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بيْنَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ"، قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي مِنْ أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: (جِئْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ). رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَقَدْ صُحِّحَ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "بِتُّ فِي بَيْتِ خَالَتِي مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ ... الحَدِيثَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فِي الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ، يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَقَدْ حُسِّنَ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتيْنِ، ويُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الْبَحْرِينِ فِي تِجَارَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ، قَالَ لِي: (ادْخُلِ المَسْجِدَ، فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِذَا دَخَلْتَ مَنْزِلَكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَمْنَعَانِكَ مَدْخَلَ السُّوءِ، وَإِذَا خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ تَمْنَعَانِكَ مَخْرَجَ السُّوءِ». رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ، وَقَالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ، وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ.

وَمِنَ النَّوَافِلِ: صَلَاتَا العِيدِ، وَصَلَاةُ الكُسُوفِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، وَالجَنَازَةِ، وَالاسْتِخَارَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ صَلَاةَ الحَاجَةِ وَصَلَاةَ التَّوْبَةِ.

وَالخُلَاصَةُ أَنَّهُ يَنْبَغِي عَلَى المُسْلِمِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى النَّوَافِلِ المُقَيَّدَةِ، وَيُكْثِرَ مِنَ النَّوَافِلِ المُطْلَقَةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي اسْتَسْلَمَ لِقُدْرَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي ذَلَّ لِعِزَّتِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي تَوَاضَعَ لِعَظَمَتِهِ كُلُّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَشَعَ لِمُلْكِهِ كُلُّ شَيْءٍ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الحَيَّ فُرْصَتُهُ أَنْ يَتَغَانَمَ أَيَّامَهُ، فَيُكْثِرَ مِنَ النَّوَافِلَ، فَإِنَّ الدُّنْيَا كَظِلٍّ زَائِلٍ لَا يَغْتَرُّ بِهَا المُوَفَّقُ العَاقِلُ.

وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ؛ قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: "سَلْ"، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟" قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّكَ مَا كُنْتَ فِي صَلَاةٍ فَإِنَّكَ تَقْرَعُ بَابَ الْمَلِكِ، وَمَنْ يُكْثِرُ قَرْعَ بَابِ الْمَلِكِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَلِابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَهُ أَيْضًا: مَثَلُ الَّذِي يُدِيمُ الصَّلَاةَ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَعُ الْبَابَ، وَمِنْ يُدِيمُ قَرْعَ الْبَابِ يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لَهُ.

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْلَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَا: كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْجُدُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ سَجْدَةٍ. قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ. وَحُكِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَرَدَّهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: "كَانَ أَبِي يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثَمِائَةِ رَكْعَةٍ، فَلَمَّا مَرِضَ مِنْ تِلْكَ الأَسْوَاطِ أَضْعَفَتْهُ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِائَةً وَخَمْسِينَ رَكْعَةً، وَكَانَ قُرْبَ الثَّمَانِينَ". رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ. وَكَانَ عَبْدُ الغَنِيِّ المَقْدِسِيُّ يُصَلِّي نَحْوَ هَذَا العَدَدِ.

وَالمَقْصُودُ الإِكْثَارُ مِنَ النَّوَافِلِ وَالاسْتِمْرَارُ دُونَ تَكَلُّفٍ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: (مَنْ هَذِهِ). قُلْتُ: فُلَانَةُ، لَا تَنَامُ بِاللَّيْلِ، تَذْكُرُ صَلَاتَهَا، فَقَالَ: (مَهْ، عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلَا حَاجَةً هِي لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيْتَهَا، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ".

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، وَاهْدِنَا، وَارْزُقْنَا، وَعَافِنَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ المُقَامِ يَوْمَ القِيَامَةِ.

اللَّهُمَّ لَا تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلَا فَقْرًا إِلَّا جَبَرْتَهُ، وَلَا عَدُوًّا إِلَّا أَهْلَكْتَهُ، وَلَا عُرْيَانًا إِلَّا كَسَوْتَهُ، وَلَا دَيْنًا إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلَا أَمْرًا لَنَا فِيهِ صَلَاحٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَيْتَنَاهُ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.