النَّظَافَةُ

المَوْضُوعُ: النَّظَافَةُ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ: "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، لَقَدْ عُنِيَ الإِسْلَامُ بِالنَّظَافَةِ بِمَعْنَاها الشَّامِلِ: النَّظَافَةِ المَعْنَوِيَّةِ البَاطِنَةِ، وَالنَّظَافَةِ الحِسِّيَّةِ الظَّاهِرَةِ، النَّظَافَةِ الشَّخْصِيَّةِ الخَاصَّةِ، وَالنَّظَافَةِ البِيئِيَّةِ العَامَّةِ.

لَقَدْ تَوَافَرَتِ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ الآمِرَةُ وَالحَاثَّةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالنَّظَافَةِ وَالتَّجَمُّلِ وَالتَّطَيُّبِ بِجَمِيعِ أَشْكَالِهَا.

قَالَ تَعَالَى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ).

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الإِثْمِ. وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ الذُّنُوبِ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: طَهِّرْهَا مِنَ المَعَاصِي. رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا كَانَ خَبِيثَ العَمَلِ، قَالُوا: فُلَانٌ خَبِيثُ الثِّيَابِ، وَإِذَا كَانَ حَسَنَ العَمَلِ، قَالُوا: فُلَانٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ. انْتَهَى.

وَالآيَةُ تَعُمُّ إِصْلَاحَ العَمَلِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَهَمُّهَا إِصْلَاحُ القَلْبِ، وَسَلَامَةُ الصَّدْرِ، وَصِيَانَةُ البَطْنِ، وَحِفْظُ الجَوَارِحِ.

وَيَدْخُلُ فِي تَفْسِيرِ الآيَةِ الطَّهَارَةُ الحِسِّيَّةُ، طَهَارَةُ الثِّيَابِ، وَيَلْحَقُ بِهَا طَهَارَةُ البَدَنِ وَالبُقْعَةِ مِنَ النَّجَاسَةِ؛ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) قَالَ: اغْسِلْهَا بِالمَاءِ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ المُشْرِكُونَ لَا يَتَطَهَّرُونَ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ، وَيُطَهِّرَ ثِيَابَهُ. رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَقَالَ: هَذَا القَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ، وَالَّذِي قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ زَكَرِيَّا قَوْلٌ عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ، مِنْ أَنَّهُ عَنِيَ بِهِ: جِسْمَكَ فَطَهِّرْ مِنَ الذُّنُوبِ. انْتَهَى.

وَأَعْظَمُ الطَّهَارَةِ التَّوْحِيدُ وَإِخْلَاصُ العَمَلِ للهِ تَعَالَى، وَأَعْظَمُ النَّجَاسَةِ الشِّرْكُ فِي الأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ).

وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: "المُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا". رَوَاهُ البُخَارِيُّ مُعَلَّقًا.

وَالمَقْصُودُ بِنَجَاسَةِ المُشْرِكِ وَطَهَارَةِ المُؤْمِنِ النَّجَاسَةُ وَالطَّهَارَةُ المَعْنَوِيَّةُ.

وَأَمَّا النَّظَافَةُ وَالطَّهَارَةُ الحِسِّيَّةُ، وَهِيَ النَّزَاهَةُ مِنَ النَّجَسِ وَالرِّجْسِ وَالخَبَثِ وَالقَذَرِ؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ»، هَذَا قَدْ جَاءَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ». خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ. وَالطَّيِّبُ هُنَا: مَعْنَاهُ الطَّاهِرُ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُقَدَّسٌ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ كُلِّهَا، وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ: (وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)، وَالْمُرَادُ: الْمُنَزَّهُونَ مِنْ أَدْنَاسِ الْفَوَاحِشِ وَأَوْضَارِهَا.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: "«لَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا»" أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَعْمَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا طَاهِرًا مِنَ الْمُفْسِدَاتِ كُلِّهَا، كَالرِّيَاءِ وَالْعُجْبِ، وَلَا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَّا مَا كَانَ طَيِّبًا حَلَالًا، فَإِنَّ الطَّيِّبَ يُوصَفُ بِهِ الْأَعْمَالُ وَالْأَقْوَالُ وَالِاعْتِقَادَاتُ، فَكُلُّ هَذِهِ تَنْقَسِمُ إِلَى طِيِّبٍ وَخَبِيثٍ.

وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) هَذَا كُلُّهُ. انْتَهَى.

فَأَصْلِحْ يَا عَبْدَ اللهِ سَرِيرَتَكَ وَسِيرَتَكَ، وَأَصْلِحْ بَدَنَكَ وَبِيئَتَكَ.

وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ الاهْتِمَامُ بِالنَّظَافَةِ وَالنَّزَاهَةِ العَامَّةِ، نَظَافَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ، وَالأَمَاكِنِ العَامَّةِ، وَالمَرَافِقِ وَالخِدْمَاتِ المُعَدَّةِ لِلْمُسَافِرِينَ وَالمُتَنَزِّهِينَ.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّريقِ، كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لِأُنَحِّينَّ هَذَا عنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤْذِيهِمْ، فأُدْخِلَ الْجَنَّةَ".

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ".

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ، أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْهُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ علَيْهِ صَدَقةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقةٌ، وَبِكُلِّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: "عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي المَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ: أَنَّ بَعْضَ المُسْلِمِينَ لَا يُبَالِي بِتَوْسِيخِ الطُّرُقَاتِ بِالقَاذُورَاتِ، وَلَا بِتَوْسِيخِ الخِدْمَاتِ العَامَّةِ، كَدَوْرَاتِ المِيَاهِ، وَالحَدَائِقِ، وَالمُنْتَزَهَاتِ، وَأَمَاكِنِ السِّيَاحَةِ، وَالمَرَافِقِ التَّرْوِيحِيَّةِ، وَالبَرَارِي القَرِيبَةِ مِنَ النَّاسِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ: الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ ظِلِّهِمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُعَاذٍ: وَالمَوَارِدِ، وَلَفْظُهُ: "اتَّقُوا المَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: البُرَازُ فِي المَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ". وَفِيهِ ضَعْفٌ، قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ، لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، فَيَحْرُمُ عَلَى المُسْلِمِ إِيذَاءُ المُسْلِمِينَ بِالمُخَلَّفَاتِ وَالقَاذُورَاتِ فِي مَوَارِدِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ الجَمِيلِ الطَّيِّبِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّظَافَةَ الشَّخْصِيَّةَ، وَالنَّزَاهَةَ الخَاصَّةَ، وَالطَّهَارَةَ مِنْ كُلِّ خَبَثٍ وَقَذَرٍ وَدَنَسٍ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ؛ فَعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟)، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: (فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ؛ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَدَلَّ الحَدِيثُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ الحِسِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ.

وَعَنْهُ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ ... الحَدِيثَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «حَقٌّ للهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَهَذَا عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ اليَوْمُ يَوْمَ الجُمُعَةِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، زَوْجِ النَّبِيِّ - صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَتْ: (كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالعَوَالِي، فَيَأْتُونَ فِي الغُبَارِ، يُصِيبُهُمُ الغُبَارُ وَالعَرَقُ، فَيَخْرُجُ مِنْهُمُ العَرَقُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: (الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَأَنْ يَسْتَنَّ، وَأَنْ يَمَسَّ طِيبًا إِنْ وَجَدَ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِالْهُدَى، وَزَيِّنَّا بِالتَّقْوَى، وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَعَطَائِكَ رِزْقًا طَيِّبًا مُبَارَكًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ، وَقَضَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِالِاسْتِجَابَةِ، وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ وَعْدَكَ، وَلَا تَكْذِبُ عَهْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْتَ مِنْ خَيْرٍ فَحَبِّبْهُ إِلَيْنَا وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَمَا كَرِهْتَ مِنْ شَيْءٍ فَكَرِّهْهُ إِلَيْنَا وَجَنِّبْنَاهُ، وَلَا تَنْزِعْ عَنَّا الْإِسْلَامَ بَعْدَ إِذْ أَعْطَيْتَنَا.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَ النَّجَاةِ، وَخَيْرَ الْعَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوَابِ، وَخَيْرَ الْحَيَاةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَثَبِّتْنَا وَثَقِّلْ مَوَازِينِنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فَوَاتِحَ الْخَيْرِ وَخَوَاتِمَهُ، وَجَوَامِعَهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ، وَالدَّرَجَاتِ الْعُلَى مِنَ الْجَنَّةِ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.