خِتَامُ العَامِ

المَوضُوعُ: خِتَامُ العَامِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ، "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - ﷺ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِي تَصَرُّمِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ، وَمُرُورِ أَحْدَاثِهَا كَالأَحْلَامِ، لَعِبْرَةً وَعِظَةً لِلْأَنَامِ، وَهَذِهِ حَالُ الدُّنْيَا الحُطَامِ.

أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ *** إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ

قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ).

وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلَّا مَــــــرَاحِــلُ *** يَحُثُّ بِهَا حَادٍ إِلَى المَوْتِ قَاصِدُ

وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا *** مَنَازِلُ تُطْـَوى وَالمُسَـــافِرُ قَــــاعِدُ

فَمِنَ العِبَرِ يَا عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عُمْرَ الإِنْسَانِ قَصِيرٌ، وَاللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ بِسُرْعَةٍ تَسِيرُ.

دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ

فَنَبَضَاتُ القَلْبِ مَحْسُوبَةٌ، وَالأَنْفَاسُ مَعْدُودَةٌ مَحْدُودَةٌ.

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَالحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا مَضَى مِنْكَ يَوْمٌ مَضَى بَعْضُكَ.

إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا *** وَكُلُّ يَوْمٍ مَـضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالخُـسْرَانُ فِي العَمَلِ

قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ، وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمُرَهُ؟ كَيْفَ يَفْرَحُ مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى أَجَلِهِ وَحَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ؟

قَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً. قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ

سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ يُوشِكُ أَنْ تَصِلَ.

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْـظَةٍ *** وَأَعْمَارُنَا تُطْــوَى وَهُنَّ مَــرَاحِلُ

تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى *** فَعُمْــــــرُكَ أَيَّامٌ وَهُنَّ قَـلَائِـلُ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا.

عِبَادَ اللهِ:

أَلَيْسَ مِنَ الخُـسْرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا *** تَمُرُّ بِلَا نَفْعٍ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي؟

بَلَى وَاللهِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ - حَيٍّ مِنْ قُضَاعَةَ - أَسْلَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ، - يَعْنِي رُؤْيَةَ مَنَامٍ - فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ، وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ سَنَةٍ؟». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ يَكْفِينِيهِمْ؟". قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، قَالَ: فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا آخَرَ، فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ. قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَخِيرًا يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: "وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ لِتَسْبِيحِهِ، وَتَكْبِيرِهِ، وَتَهْلِيلِهِ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فَوَصَلَ بَعْضَهُ، وَأَرْسَلَ أَوَّلَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، فَقَالَا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ طَلْحَةَ، فَوَصَلَاهُ بِنَحْوِهِ، وَرِجَالُهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّي الآخَرُ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الآخَرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ!

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - قَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ -، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالشُّكْرُ لَهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنَ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، فَأَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ خَاسِرٌ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الأَصْلِ إِلَّا مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ الأَرْبَعَةِ: الإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَاصِي بِالحَقِّ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ عَلَى الحَقِّ؛ فَهَذِهِ السُّورَةُ مِيزَانٌ لِلْأَعْمَالِ، يَزِنُ المُؤْمِنُ بِهَا عَمَلَهُ، وَيُقَيِّمُ بِهَا نَفْسَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا لَكَفَتْهُمْ.

عِبَادَ اللهِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمَنَّوُا الْمَوْتَ؛ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ، وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْإِنَابَةَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، إِذَا سَدَّدُوا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُهُ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "كُلُّ يَوْمٍ يَعِيشُ فِيهِ المُؤْمِنُ غَنِيمَةٌ".

فَالمُؤْمِنُ لَا يَزِيدُهُ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا، فَمِنْ سَعَادَتِهِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ وَيَرْزُقَهُ اللهُ التَّوْبَةَ وَالإِنَابَةَ،

وَطُولُ عُمْرِ المُؤْمِنِ مَكْسَبٌ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ، بِخِلَافِ الكَافِرِ.

قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوٓاْ إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: لَا خَيْرَ فِي الحَيَاةِ إِلَّا لِتَائِبٍ، أَوْ رَجُلٍ يَعْمَلُ فِي الدَّرَجَاتِ.

وَسُئِلَ أَبُو حَازِمٍ: كَيْفَ القُدُومُ عَلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَمَّا المُطِيعُ فَقُدُومُ الغَائِبِ عَلَى أَهْلِهِ المُشْتَاقِينَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا العَاصِي فَكَقُدُومِ الآبِقِ عَلَى سَيِّدِهِ الغَضْبَانِ".

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِذَا بَلَغَ الأَرْبَعِينَ تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ.

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِيَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قُلُوبَنَا، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثَنَا، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتَنَا، وَتُصْلِحُ بِهَا دِينَنَا، وَتَحْفَظُ بِهَا غَائِبَنَا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدَنَا، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلَنَا، وَتُبَيِّضُ بِهَا وُجُوهَنَا، وَتُلْهِمُنَا بِهَا رُشْدَنَا، وَتَعْصِمُنَا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا إِيمَانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

خطب الجمعة

خطب الوظائف الزمانية

المَوضُوعُ: خِتَامُ العَامِ.

الخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

أَمَّا بَعْدُ، "فإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - ﷺ -، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ".

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ فِي تَصَرُّمِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ، وَمُرُورِ أَحْدَاثِهَا كَالأَحْلَامِ، لَعِبْرَةً وَعِظَةً لِلْأَنَامِ، وَهَذِهِ حَالُ الدُّنْيَا الحُطَامِ.

أَحْلَامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ *** إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لَا يُخْدَعُ

قَالَ تَعَالَى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)، وَقَالَ تَعَالَى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ).

وَمَا هَذِهِ الأَيَّامُ إِلَّا مَــــــرَاحِــلُ *** يَحُثُّ بِهَا حَادٍ إِلَى المَوْتِ قَاصِدُ

وَأَعْجَبُ شَيْءٍ لَوْ تَأَمَّلْتَ أَنَّهَا *** مَنَازِلُ تُطْـَوى وَالمُسَـــافِرُ قَــــاعِدُ

فَمِنَ العِبَرِ يَا عِبَادَ اللهِ، أَنَّ عُمْرَ الإِنْسَانِ قَصِيرٌ، وَاللَّيَالِيَ وَالأَيَّامَ بِسُرْعَةٍ تَسِيرُ.

دَقَّاتُ قَلْبِ المَرْءِ قَائِلَةٌ لَهُ *** إِنَّ الحَيَاةَ دَقَائِقٌ وَثَوَانِ

فَنَبَضَاتُ القَلْبِ مَحْسُوبَةٌ، وَالأَنْفَاسُ مَعْدُودَةٌ مَحْدُودَةٌ.

قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَالحَسَنُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، كُلَّمَا مَضَى مِنْكَ يَوْمٌ مَضَى بَعْضُكَ.

إِنَّا لَنَفْرَحُ بِالأَيَّامِ نَقْطَعُهَا *** وَكُلُّ يَوْمٍ مَـضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَلِ

فَاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّمَا الرِّبْحُ وَالخُـسْرَانُ فِي العَمَلِ

قَالَ بَعْضُ الحُكَمَاءِ: كَيْفَ يَفْرَحُ بِالدُّنْيَا مَنْ يَوْمُهُ يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وَشَهْرُهُ يَهْدِمُ سَنَتَهُ، وَسَنَتُهُ تَهْدِمُ عُمُرَهُ؟ كَيْفَ يَفْرَحُ مَنْ يَقُودُهُ عُمْرُهُ إِلَى أَجَلِهِ وَحَيَاتُهُ إِلَى مَوْتِهِ؟

قَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَى عَلَيْكَ؟ قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً. قَالَ لَهُ: أَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ

سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ يُوشِكُ أَنْ تَصِلَ.

نَسِيرُ إِلَى الآجَالِ فِي كُلِّ لَحْـظَةٍ *** وَأَعْمَارُنَا تُطْــوَى وَهُنَّ مَــرَاحِلُ

تَرَحَّلْ مِنَ الدُّنْيَا بِزَادٍ مِنَ التُّقَى *** فَعُمْــــــرُكَ أَيَّامٌ وَهُنَّ قَـلَائِـلُ

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ". رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا.

عِبَادَ اللهِ:

أَلَيْسَ مِنَ الخُـسْرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا *** تَمُرُّ بِلَا نَفْعٍ وَتُحْسَبُ مِنْ عُمْرِي؟

بَلَى وَاللهِ.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ». رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ - حَيٍّ مِنْ قُضَاعَةَ - أَسْلَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ، - يَعْنِي رُؤْيَةَ مَنَامٍ - فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ، وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ سَنَةٍ؟». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

 

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: «أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ ثَلَاثَةً أَتَوُا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ يَكْفِينِيهِمْ؟". قَالَ طَلْحَةُ: أَنَا، قَالَ: فَكَانُوا عِنْدَ طَلْحَةَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْثًا، فَخَرَجَ فِيهِ أَحَدُهُمْ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْثًا آخَرَ، فَخَرَجَ فِيهِ آخَرُ فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَاتَ الثَّالِثُ عَلَى فِرَاشِهِ. قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ الْمَيِّتَ عَلَى فِرَاشِهِ أَمَامَهُمْ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَخِيرًا يَلِيهِ، وَرَأَيْتُ الَّذِي اسْتُشْهِدَ أَوَّلَهُمْ آخِرَهُمْ. قَالَ: فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: "وَمَا أَنْكَرْتَ مِنْ ذَلِكَ؟ لَيْسَ أَحَدٌ أَفْضَلَ عِنْدَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَمَّرُ فِي الْإِسْلَامِ لِتَسْبِيحِهِ، وَتَكْبِيرِهِ، وَتَهْلِيلِهِ". قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ فَوَصَلَ بَعْضَهُ، وَأَرْسَلَ أَوَّلَهُ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، فَقَالَا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ طَلْحَةَ، فَوَصَلَاهُ بِنَحْوِهِ، وَرِجَالُهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الآخَرِ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ الآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّي الآخَرُ مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحَدَّثُوهُ الحَدِيثَ، فَقَالَ: مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الآخَرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ!

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ). رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ - قَالَ البُوصِيرِيُّ: هَذَا إِسْنَادٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ -، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ عَلَى الدَّوَامِ، وَالشُّكْرُ لَهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنَ الأَيَّامِ وَالأَعْوَامِ، أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، فَأَقْسَمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ خَاسِرٌ، هَذَا هُوَ الأَصْلُ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا الأَصْلِ إِلَّا مَنِ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الأَوْصَافِ الأَرْبَعَةِ: الإِيمَانِ، وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّوَاصِي بِالحَقِّ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ عَلَى الحَقِّ؛ فَهَذِهِ السُّورَةُ مِيزَانٌ لِلْأَعْمَالِ، يَزِنُ المُؤْمِنُ بِهَا عَمَلَهُ، وَيُقَيِّمُ بِهَا نَفْسَهُ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فِيهَا لَكَفَتْهُمْ.

عِبَادَ اللهِ، رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمَنَّوُا الْمَوْتَ؛ فَإِنَّ هَوْلَ الْمَطْلَعِ شَدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ، وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - الْإِنَابَةَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا». وَفِي رِوَايَةٍ: «أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.

وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟». قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، إِذَا سَدَّدُوا». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَثَبَتَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَسَاءَ عَمَلُهُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَهُ شَوَاهِدُ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ».

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ مِثْلُهُ، قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "كُلُّ يَوْمٍ يَعِيشُ فِيهِ المُؤْمِنُ غَنِيمَةٌ".

فَالمُؤْمِنُ لَا يَزِيدُهُ عُمْرُهُ إِلَّا خَيْرًا، فَمِنْ سَعَادَتِهِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُهُ وَيَرْزُقَهُ اللهُ التَّوْبَةَ وَالإِنَابَةَ،

وَطُولُ عُمْرِ المُؤْمِنِ مَكْسَبٌ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ، بِخِلَافِ الكَافِرِ.

قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوٓاْ إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: لَا خَيْرَ فِي الحَيَاةِ إِلَّا لِتَائِبٍ، أَوْ رَجُلٍ يَعْمَلُ فِي الدَّرَجَاتِ.

وَسُئِلَ أَبُو حَازِمٍ: كَيْفَ القُدُومُ عَلَى اللهِ؟ قَالَ: "أَمَّا المُطِيعُ فَقُدُومُ الغَائِبِ عَلَى أَهْلِهِ المُشْتَاقِينَ إِلَيْهِ، وَأَمَّا العَاصِي فَكَقُدُومِ الآبِقِ عَلَى سَيِّدِهِ الغَضْبَانِ".

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كَانَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِذَا بَلَغَ الأَرْبَعِينَ تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ.

مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ.

وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَقِيَ غُفِرَ لَهُ مَا مَضَى، وَمَنْ أَسَاءَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذَ بِمَا مَضَى وَبِمَا بَقِيَ». قَالَ الهَيْثَمِيُّ: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ.

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ أُنَاسٌ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالَ: «أَمَّا مَنْ أَحْسَنَ مِنْكُمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا، وَمَنْ أَسَاءَ أُخِذَ بِعَمَلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قُلُوبَنَا، وَتَجْمَعُ بِهَا شَمْلَنَا، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثَنَا، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتَنَا، وَتُصْلِحُ بِهَا دِينَنَا، وَتَحْفَظُ بِهَا غَائِبَنَا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدَنَا، وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلَنَا، وَتُبَيِّضُ بِهَا وُجُوهَنَا، وَتُلْهِمُنَا بِهَا رُشْدَنَا، وَتَعْصِمُنَا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا إِيمَانًا صَادِقًا، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.