إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار
المؤلف: صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله العَمْري المعروف بالفُلَّاني المالكي (المتوفى: 1218هـ)
عدد الأجزاء: 1
 
خطْبَة الْكتاب
حمدا لمن جعل أهل الحَدِيث حراس الدّين وَصرف عَنْهُم كيد المعاندين وشكرا لمن ألهمهم التَّمَسُّك بِالشَّرْعِ الْمُبين وهداهم لإقتفاء آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَصَلَاة وَسلَامًا على من ببعثته كل مُنكر مَتْرُوك وموضوع وكل مَعْرُوف مَوْصُول غير مَقْطُوع وَلَا مَمْنُوع الْمنزل عَلَيْهِ أحسن الحَدِيث والمبجل بَين الورى فِي الْقَدِيم والْحَدِيث وَرَحْمَة مَوْصُولَة بطرائق الاكرام من الْملك العلام مكفولة لأنصار السّنة المطهرة وحماتها وأبطال الكفاح عَنْهَا وكماتها الرامين بشهب التَّحْقِيق الثاقبة شُبْهَة التحريف والانتحال المحرقين بصواعق الْحجَج الْبَالِغَة بدع أهل الزيغ والضلال الَّذين جعلهم الله اركان الشَّرِيعَة وَهدم بهم كل بِدعَة شنيعة
أما بعد فَيَقُول الْفَقِير الى مَوْلَاهُ الْغَنِيّ صَالح بن مُحَمَّد الْعمريّ الشهير بالفلاني إِنَّه قد إلتمس مني بعض من يُرِيد أَن يتزود لمعاده وَيعْمل بِكِتَاب الله وهدي خير عباده أَن أنقل لَهُ مَا ورد من ذَلِك فِي كتاب رب الْعَالمين وَمَا رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات من سنة سيد الْمُرْسلين وَمَا أثر فِي ذَلِك من آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فأحجمت عَن ذَلِك احجام الجبان وتحرجت من الْخَوْض فِي غمرة هَذَا الميدان وَرجعت الْقَهْقَرَى وَرَأَيْت أَن الْوُقُوف دون ذَلِك أَحَق بمقامى وَأَحْرَى ثمَّ بدا لي أَن الأولى إسعافه بالمراد رَجَاء أَن يعْمل بِهِ من وَفقه الله من الْعباد
فَأَقُول كَلَام الله تَعَالَى وَكَلَام رَسُوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وعَلى آله وَبَارك وَسلم متظاهران على الْحَث على الْعَمَل بِالْكتاب وَالسّنة وقضايا الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ كاشفة عَن ذَلِك كل دجنة وَكَلَام الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم مُصَرح بِهِ وَكَاشف عَن قُلُوب متبعيهم الاكنة بل فِي كَلَامهم التَّصْرِيح بِتَحْرِيم تقليدهم بعد وُرُود نَص يخالفهم من كتاب أَو سنة وان تَقْلِيد المتعصبين بعد ذَلِك ضلال وجنة وَأَنه لَيْسَ لغير الْعَاميّ تَقْلِيد بِغَيْر برهَان وَحجَّة فها أَنا أنقله بحول الله وقوته وأنسبه الى قَائِله بِفضل الله ومنته من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتابعيهم وَمن تَبِعَهُمْ من أهل مِلَّته
(1/2)
 
 
وَقد بدا لي أَن أرتب ذَلِك على مُقَدّمَة فِي بَيَان مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة من ذَلِك وَمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي بَيَان مَا هُنَالك وَأَرْبَعَة مَقَاصِد فِيمَا للأئمة الْأَرْبَعَة فِي ذَلِك من الْمذَاهب
الأول فِيمَا قَالَه الامام أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه أهل المناقب المنفية وَالثَّانِي فِيمَا قَالَه مَالك بن أنس أَمَام دَار الْهِجْرَة وَمَا قَالَه أَصْحَاب السَّادة المهرة وَالثَّالِث فِي بَيَان مقَالَة عَالم قُرَيْش مُحَمَّد بن ادريس الشَّافِعِي وَمَا لأَصْحَابه فِي ذَلِك من الْكَلَام الشافي من العى وَالرَّابِع فِيمَا نقل عَن نَاصِر السّنة أَحْمد بن حَنْبَل وَمَا لأَصْحَابه من الحض على الْعَمَل بِالسنةِ وَالْكتاب الْمنزل وخاتمة فِي ابطال شبه المقلدين وَالْجَوَاب عَن حجج أهل الْأَهْوَاء المتعصبين وسميته إيقاظ همم أولي الْأَبْصَار للإقتداء بِسَيِّد الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وتحذيرهم عَن الإبتداع الشَّائِع فِي الْقرى والامصار من تَقْلِيد الْمذَاهب مَعَ الحمية والعصبية بَين فُقَهَاء الْأَعْصَار
الْمُقدمَة فِي وجوب طَاعَة الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة وذم الرَّأْي وَالْقِيَاس على غير أُصُوله والتحذير من إكثار الْمسَائِل وَبَيَان أصُول الْعلم وَحده مقسوما ومحازا وَمن يسْتَحق أَن يُسمى فَقِيها أَو عَالما حَقِيقَة لَا مجَازًا وَبَيَان فَسَاد التَّقْلِيد فِي دين الله تَعَالَى ونفيه وَالْفرق بَينه وَبَين اتِّبَاع كتاب الله وَسنة نبيه
 
قَالَ الله تَعَالَى {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة} {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَقد فرض الله تَعَالَى عَلَيْهِم اتِّبَاع مَا نزل اليهم وَأعلم أَن مَعْصِيَته تَعَالَى فِي ترك أمره وَأمر رَسُوله ص وَلم يَجْعَل لَهُم الا اتِّبَاعه وَلذَا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نورا نهدي بِهِ من نشَاء من عبادنَا وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} مَعَ مَا علم الله تَعَالَى نبيه ثمَّ مَا فرض اتِّبَاع كِتَابه فَقَالَ {فَاسْتَمْسك بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْك} وَقَالَ {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} وأعلمهم أَنه أكمل لَهُم دينه فَقَالَ عز وَجل {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} ثمَّ من عَلَيْهِم بِمَا اتاهم من الْعلم فَأَمرهمْ بالاقتصار عَلَيْهِ وَأَن لَا يَقُولُوا غَيره إِلَّا مَا علمهمْ فَقَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا مَا كنت تَدْرِي مَا الْكتاب وَلَا الْإِيمَان} وَقَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ثمَّ أنزل على نبيه {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم}
وَبَعثه بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ وَانْزِلْ عَلَيْهِ كِتَابه الْهدى
(1/3)
 
 
والنور لمن اتبعهُ وَجعل رَسُوله الدَّال على مَا أَرَادَ من ظَاهره وباطنه وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه وَمَا قصد لَهُ الْكتاب فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمعبر عَن كتاب الله الدَّال على مَعَانِيه شَاهده فِي ذَلِك اصحابه الَّذين ارتضاهم الله تَعَالَى لنَبيه واصطفاهم لَهُ ونقلوا ذَلِك عَنهُ فَكَانُوا هم اعْلَم النَّاس برَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم بِمَا أَرَادَ الله تَعَالَى من كِتَابه بمشاهدتهم مَا قصد لَهُ الْكتاب فَكَانُوا هم المعبرين عَن ذَلِك بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا أَن يكون لَهُم الْخيرَة من أَمرهم وَمن يعْص الله وَرَسُوله فقد ضل ضلالا مُبينًا} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} وَقَالَ {إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون} وَقَالَ {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيما} وَقَالَ {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء قَلِيلا مَا تذكرُونَ} وَقَالَ {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} {إِن الحكم إِلَّا لله يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين} وَقَالَ {لَهُ غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض أبْصر بِهِ وأسمع مَا لَهُم من دونه من ولي وَلَا يُشْرك فِي حكمه أحدا} وَقَالَ {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ}
فأكد الله هَذَا التَّأْكِيد وَكرر هَذَا التكرير فِي مَوضِع وَاحِد لعظم مفْسدَة الحكم بِغَيْر مَا أنزلهُ وَعُمُوم مضرته وبليته لأمته قَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ}
وَأنكر تَعَالَى على من حَاج فِي دينه بِمَا لَيْسَ لَهُ بِهِ علم فَقَالَ {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ حاججتم فِيمَا لكم بِهِ علم فَلم تحاجون فِيمَا لَيْسَ لكم بِهِ علم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ} وَنهى أَن يَقُول أحد هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام لما لم يحرمه الله وَرَسُوله أَيْضا وَأخْبر أَن فَاعل ذَلِك مفتر عَلَيْهِ الْكَذِب وَقَالَ {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام لتفتروا على الله الْكَذِب إِن الَّذين يفترون على الله الْكَذِب لَا يفلحون مَتَاع قَلِيل وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} والآيات الدَّالَّة على وجوب طَاعَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَثِيرَة
قَالَ الله تَعَالَى {وَأَطيعُوا الله وَالرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَالَ {قل أطِيعُوا الله وَالرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِن الله لَا يحب الْكَافرين} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَالرَّسُول فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحسن أُولَئِكَ رَفِيقًا} وَقَالَ {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا وَكفى بِاللَّه شَهِيدا من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله وَمن تولى فَمَا أَرْسَلْنَاك عَلَيْهِم حفيظا}
(1/4)
 
 
وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال قل الْأَنْفَال لله وَالرَّسُول فَاتَّقُوا الله وَأَصْلحُوا ذَات بَيْنكُم وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله إِن كُنْتُم مُؤمنين} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اسْتجِيبُوا لله وَلِلرَّسُولِ إِذا دعَاكُمْ لما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وَأَنه إِلَيْهِ تحشرون} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَرَسُوله وَلَا تنازعوا فتفشلوا وَتذهب ريحكم واصبروا إِن الله مَعَ الصابرين} وَقَالَ {إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخش الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون} وَقَالَ {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأَطيعُوا الرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون} وَقَالَ {قل أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل وَعَلَيْكُم مَا حملتم وَإِن تطيعوه تهتدوا وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه إِن الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم واستغفر لَهُم الله إِن الله غَفُور رَحِيم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَقُولُوا قولا سديدا يصلح لكم أَعمالكُم وَيغْفر لكم ذنوبكم وَمن يطع الله وَرَسُوله فقد فَازَ فوزا عَظِيما} وَقَالَ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر وَذكر الله كثيرا} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقدمُوا بَين يَدي الله وَرَسُوله وَاتَّقوا الله إِن الله سميع عليم} وَكَانَ الْحسن يَقُول لَا تذبحوا قبل ذبحه وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم فَوق صَوت النَّبِي وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بالْقَوْل كجهر بَعْضكُم لبَعض أَن تحبط أَعمالكُم وَأَنْتُم لَا تشعرون إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبهم للتقوى لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم إِن الَّذين يُنَادُونَك من وَرَاء الحجرات أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ وَلَو أَنهم صَبَرُوا حَتَّى تخرج إِلَيْهِم لَكَانَ خيرا لَهُم وَالله غَفُور رَحِيم} وَقَالَ {وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَمن يتول يعذبه عذَابا أَلِيمًا} وَقَالَ {والنجم إِذا هوى مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى علمه شَدِيد القوى}
(1/5)
 
 
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَقَالَ {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توليتم فَإِنَّمَا على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين} وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله يَا أولي الْأَلْبَاب الَّذين آمنُوا قد أنزل الله إِلَيْكُم ذكرا رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُم آيَات الله مبينات ليخرج الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَقَالَ {إِنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهدا وَمُبشرا وَنَذِيرا لتؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وتعزروه وتوقروه} وَقَالَ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ ابْن عَبَّاس هُوَ جِبْرَائِيل وَبِه قَالَ مُجَاهِد وَمن قبله كتاب مُوسَى اماما وَرَحْمَة أُولَئِكَ يُؤمنُونَ بِهِ وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده قَالَ سعيد بن جُبَير الاحزاب الْملَل فَالنَّار موعده فَلَا تَكُ فِي مرية مِنْهُ ثمَّ ذكر حَدِيث يعلى بن أُميَّة طفت مَعَ عمر فَلَمَّا بلغنَا المغربي الَّذِي يَلِي الْأسود جررت بِيَدِهِ يسْتَلم فَقَالَ مَا شَأْنك تعلّقت فَقلت الا تستلم فَقَالَ ألم تطف مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت بلَى قَالَ أفرأيته يسْتَلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ المغربيين قلت لَا قَالَ أَلَيْسَ لَك فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة قلت بلَى قَالَ فلتقر عَيْنك وَجَاء أَن مُعَاوِيَة اسْتَلم الْأَركان كلهَا فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس تستلم هذَيْن الرُّكْنَيْنِ وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستلمهما فَقَالَ مُعَاوِيَة لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا فَقَالَ ابْن عَبَّاس لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة فَقَالَ مُعَاوِيَة صدقت قلت والآيات فِي وجوب اتِّبَاع كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص كَثِيرَة وَفِيمَا ذَكرْنَاهُ كِفَايَة
وَأما الْأَحَادِيث الدَّالَّة على وجوب الْعَمَل بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله ص فكثيرة
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن هِلَال ابْن أُميَّة قذف إمرأته بِشريك من سَحْمَاء عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر حَدِيث اللّعان وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبصروها فان جَاءَت بِهِ أكحل الْعَينَيْنِ سابغ الاليتين خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء وان جَاءَت بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لهِلَال بن أُميَّة فَجَاءَت بِهِ على النَّعْت الْمَكْرُوه فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن
يُرِيد وَالله أعلم بِكِتَاب الله قَوْله تَعَالَى {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه} وَيُرِيد بالشأن وَالله أعلم أَنه كَانَ يحدها لمشابهة وَلَدهَا بِالَّذِي رميت بِهِ وَلَكِن كتاب الله فصل الْحُكُومَة وَأسْقط كل قَول وَرَاءه وَلم يبْق للإجتهاد بعده مَوضِع وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الرسَالَة الَّتِي أرسلها الى عبد الرَّحْمَن بن مهْدي أخبرنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبيد الله بن ابي يزِيد عَن أَبِيه قَالَ أرْسلهُ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ الى شيخ من زهرَة كَانَ يسكن دَارنَا فَذَهَبت مَعَه الى عمر فَسَأَلَ عَن وليدة من ولائد الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ أما الْفراش فلفلان وَأما النُّطْفَة فلفلان فَقَالَ صدقت وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بالفراش
قَالَ الشَّافِعِي وَأَخْبرنِي من لَا أتهم عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ أَخْبرنِي مخلد بن خفاف قَالَ ابتعت
(1/6)
 
 
غُلَاما فاستغللته ثمَّ ظَهرت مِنْهُ على عيب فخاصمت فِيهِ الى عمر بن عبد الْعَزِيز فَقضى لي برده وَقضى عَليّ برد غَلَّته فَأتيت عُرْوَة فَأَخْبَرته فَقَالَ أروح إِلَيْهِ العشية فَأخْبرهُ أَن عَائِشَة أَخْبَرتنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى فِي مثل هَذَا أَن الْخراج بِالضَّمَانِ فعجلت الى عمر فَأَخْبَرته بِمَا أَخْبرنِي بِهِ عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَمَا أيسر عَليّ من قَضَاء قَضيته وَالله يعلم أَنِّي لم أرد فِيهِ إِلَّا الْحق فبلغتني فِيهِ سنة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرد قَضَاء عمر وأنفذ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فراح إِلَيْهِ عُرْوَة فَقضى لي أَن آخذ الْخراج من الَّذِي قضى بِهِ عَليّ لَهُ
قَالَ الشَّافِعِي وَأَخْبرنِي من لَا أتهم من أهل الْمَدِينَة عَن ابْن أبي ذِئْب قَالَ قضى سعد ابْن ابراهيم على رجل بقضية بِرَأْي ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن فَأَخْبَرته عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف مَا قضى بِهِ فَقَالَ سعد لِرَبِيعَة هَذَا ابْن أبي ذِئْب وَهُوَ عِنْدِي ثِقَة يُخْبِرنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخِلَاف مَا قضيت بِهِ فَقَالَ لَهُ ربيعَة قد اجنهدت وَمضى حكمك فَقَالَ سعد وَاعجَبا أنفذ قَضَاء سعد ابْن أم سعد وَارِد قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أرد قَضَاء سعد بن ام سعد وانفذ قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدعى سعد بِكِتَاب الْقَضِيَّة فشقه وَقضى للمقضي عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي أخبرنَا ابو حنيفَة سماك بن الْفضل الشهابي قَالَ حَدثنِي ابْن أبي ذِئْب عَن المَقْبُري عَن أبي شُرَيْح الكعبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح من قتل لَهُ قَتِيل فَهُوَ بِخَير النظرين أَن أحب أَخذ الْعقل وان أحب فَلهُ الْقود قَالَ أَبُو حنيفَة فَقلت لإبن أبي ذِئْب أتأخذ بِهَذَا يَا أَبَا الْحَرْث فَضرب صَدْرِي وَصَاح عَليّ صياحا كثيرا ونال مني وَقَالَ أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقول أتأخذ بِهِ نعم آخذ بِهِ وَذَلِكَ الْفَرْض عَليّ وعَلى من سَمعه أَن الله تبَارك وَتَعَالَى اخْتَار مُحَمَّدًا ص من النَّاس فهداهم بِهِ وعَلى يَدَيْهِ وَاخْتَارَ لَهُم مَا اخْتَار لَهُ وعَلى لِسَانه فعلى الْخلق أَن يتبعوه طائعين أَو داخرين لَا مخرج لمُسلم من ذَلِك وَمَا سكت حَتَّى تمنيت أَن يسكت انْتهى
قلت تَأمل فعل عمر بن الْخطاب وَفعل عمر بن عبد الْعَزِيز وَفعل سعد بن ابراهيم يظْهر لَك أَن الْمَعْرُوف عِنْد الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان الى يَوْم الدّين وَعند سَائِر الْعلمَاء الْمُسلمين أَن حكم الْحَاكِم الْمُجْتَهد إِذا خَالف نَص كتاب الله تَعَالَى أَو سنة رَسُوله ص وَجب نقضه وَمنع نُفُوذه وَلَا يُعَارض نَص الْكتاب وَالسّنة بالاحتمالات الْعَقْلِيَّة والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية بِأَن يُقَال لَعَلَّ هَذَا الْمُجْتَهد قد اطلع على هَذَا النَّص وَتَركه لَعَلَّه ظَهرت لَهُ أَو أَنه اطلع على دَلِيل آخر وَنَحْو هَذَا مِمَّا لهج بِهِ فرق الْفُقَهَاء المتعصبين واطبق عَلَيْهِ جهلة المقلدين فَافْهَم
قَالَ أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقسم حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي رَاشد عَن عَبدة بن أبي لبَابَة عَن هَاشم
(1/7)
 
 
ابْن يحيى المَخْزُومِي أَن رجلا من ثَقِيف أَتَى عمر بن الْخطاب فَسَأَلَهُ عَن إمرأة حَاضَت وَقد كَانَت زارت الْبَيْت يَوْم النَّحْر ألها أَن تنفر قبل أَن تطهر قَالَ عمر لَا فَقَالَ لَهُ الثَّقَفِيّ فان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفتاني فِي هَذِه الْمَرْأَة بِغَيْر مَا أَفْتيت بِهِ فَقَامَ اليه عمر يضْربهُ بِالدرةِ وَيَقُول لم تستفتي فِي شئ قد افتى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا صَالح بن عبد الله ثَنَا سُفْيَان عَن عَامر عَن عتاب بن مَنْصُور قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَق عَن سعد بن أبي أياس عَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا تزوج إمرأة فَرَأى أمهَا فَأَعْجَبتهُ فَطلق إمرأته ليتزوج أمهَا فَقَالَ لَا بَأْس فَتَزَوجهَا الرجل وَكَانَ عبد الله على بَيت المَال فَكَانَ يَبِيع نقود بَيت المَال يُعْطي الْكثير وَيَأْخُذ الْقَلِيل حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَسَأَلَ أَصْحَاب مُحَمَّد ص فَقَالُوا لَا تحل لهَذَا الرجل هَذِه الْمَرْأَة وَلَا تصح الْفضة بِالْفِضَّةِ الا وزنا بِوَزْن فَلَمَّا قدم عبد الله انْطلق الى الرجل فَلم يجده وَوجد قومه فَقَالَ ان الَّذِي أَفْتيت بِهِ صَاحبكُم لَا يحل وأتى الصيارفة فَقَالَ يَا معشر الصيارفة ان الَّذِي كنت أُبَايِعكُم عَلَيْهِ لَا يحل لَا تحل الْفضة بِالْفِضَّةِ الا وزنا بِوَزْن
وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن أَبَا هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَأَبا سَلمَة تَذَاكَرُوا الْمُتَوفَّى عَنْهَا الْحَامِل تضع عِنْد وَفَاة زَوجهَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس تَعْتَد آخر الْأَجَليْنِ فَقَالَ أَبُو سَلمَة تحل حِين تضع فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَأَنا مَعَ ابْن أخي فأرسلوا الى أم سَلمَة فَقَالَت قد وضعت سبيعة بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال فَأمرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تزوج وَقد تقدم ذكر رُجُوع ابْن عمر وَابْن عَبَّاس عَن اجتهادهم الى السّنة مَا فِيهِ كِفَايَة
قَالَ مُحَمَّد بن اسحاق بن خُزَيْمَة الملقب بامام الْأَئِمَّة لَا قَول لأحد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا صَحَّ الْخَبَر عَنهُ وَقد كَانَ امام الْأَئِمَّة ابْن خُزَيْمَة لَهُ أَصْحَاب ينتحلون مذْهبه وَلم يكن مُقَلدًا بل اماما مُسْتقِلّا كَمَا ذكر الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله عَن يحيى بن مُحَمَّد الْعَنْبَري قَالَ طَبَقَات أَصْحَاب الحَدِيث جمة الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنبلية والراهوية والخزيمية أَصْحَاب مُحَمَّد بن خُزَيْمَة
وَقَالَ الشَّافِعِي قَالَ لي قَائِل ذَات يَوْم إِن عمر عمل شَيْئا ثمَّ صَار الى غَيره لخَبر نبوي قلت لَهُ حَدثنِي سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ عَن ابْن الْمسيب ان عمر كَانَ يَقُول الدِّيَة لِلْعَاقِلَةِ وَلَا تَرث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا حَتَّى أخبرهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَيْهِ أَن يُورث إمرأة اشيم الضبابِي من دِيَته فَرجع إِلَيْهِ عمر
وَأَخْبرنِي ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار وَابْن طَاوس أَن عمر قَالَ اذكر الله امْرَءًا سمع
(1/8)
 
 
من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين شَيْئا فَقَامَ حمل بن مَالك بن النَّابِغَة وَقَالَ كنت بَين جارتين لي فَضربت احداهما الاخرى بمسطح فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا فَقضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرة فَقَالَ عمر لَو لم نسْمع فِيهِ هَذَا لقضينا فِيهِ بِغَيْر هَذَا وَقَالَ غَيره ان كدنا لنقضي فِيهِ برأينا فَترك اجْتِهَاده للنَّص وَهَذَا هُوَ الْوَاجِب على كل مُسلم إِذْ إجتهاد الرَّأْي إِنَّمَا يُبَاح عِنْد الضَّرُورَة فَمن أضطر غير بَاغ وَلَا عَاد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم وَكَذَلِكَ الْقيَاس إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ عِنْد الضَّرُورَة قَالَ الامام أَحْمد سَأَلت الشَّافِعِي عَن الْقيَاس فَقَالَ عِنْد الضَّرُورَة نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي مدخله وَقَالَ ابْن عمر كُنَّا نخابر وَلَا نرى بذلك بَأْسا حَتَّى زعم رَافع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهَا فتركناها من أجل ذَلِك وَقَالَ عَمْرو بن دِينَار عَن سَالم بن عبد الله أَن عمر بن الْخطاب نهى عَن الطّيب قبل زِيَارَة الْبَيْت وَبعد الْجَمْرَة فَقَالَت عَائِشَة طيبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي لاحرامه قبل أَن يحرم ولحله قبل أَن يطوف بِالْبَيْتِ وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَق
قَالَ الشَّافِعِي فَترك سَالم قَول جده لروايتها قَالَ ابْن عبد الْبر وَابْن تَيْمِية وَهَذَا شَأْن كل مُسلم لَا كَمَا يصنع فرقة التَّقْلِيد
وَفِي كتاب الْعلم بَاب مَا جَاءَ فِي ذمّ القَوْل فِي دين الله بِالرَّأْيِ وَالظَّن وَالْقِيَاس على غير اصل وعيب الاكثار من الْمسَائِل دون اعْتِبَار قَالَ ابْن عبد الْبر ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن يحيى قَالَ ثَنَا عَليّ ابْن مُحَمَّد قَالَ ثَنَا أَحْمد بن دَاوُد قَالَ ثَنَا سَحْنُون بن سعيد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن وهب قَالَ ثَنَا ابْن لَهِيعَة عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ حج علينا عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ فَجَلَست إِلَيْهِ فَسَمعته يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله لَا ينتزع الْعلم من النَّاس بعد إِذْ أعطاهموه انتزاعا وَلَكِن ينتزعه مِنْهُم مَعَ قبض الْعلمَاء بعلمهم فَيبقى النَّاس جُهَّالًا يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون قَالَ عُرْوَة فَحدثت بذلك عَائِشَة ثمَّ إِن عبد الله بن عَمْرو حج بعد ذَلِك فَقَالَت لي عَائِشَة يَا ابْن أخي إنطلق إِلَى عبد الله فاستثبت لي مِنْهُ الحَدِيث الَّذِي حَدثنِي بِهِ عَنهُ قَالَ فَجِئْته فَسَأَلته فَحَدثني بِهِ كنحو مَا حَدثنِي فَأتيت عَائِشَة فَأَخْبَرتهَا فعجبت وَقَالَت وَالله لقد حفظ عبد الله ابْن عَمْرو فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَفِيه مقَال قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك أَيْضا وحَدثني عبد الْوَارِث بن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا قَاسم بن أصبغ قَالَ حَدثنَا عبيد بن عبد الْوَاحِد بن شريك قَالَ حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد قَالَ حَدثنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس عَن حريز بن عُثْمَان الرَّحبِي قَالَ حَدثنَا
(1/9)
 
 
عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك الاشجعي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفترق أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة قوم يقيسون الدّين برأيهم يحرمُونَ بِهِ مَا أحل الله ويحللون بِهِ مَا حرم الله وَأخْبرنَا أَحْمد بن قَاسم ويعيش بن سعيد قَالَا أَنا قَاسم بن أصبغ قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ قَالَ ثَنَا نعيم قَالَ ثَنَا ابْن الْمُبَارك قَالَ ثَنَا عِيسَى بن يُونُس قَالَ ثَنَا حريز عَن عبد الرحمن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفترق أمتِي على بضع وَسبعين فرقة أعظمها فتْنَة على أمتِي قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيحللون الْحَرَام ويحرمون الْحَلَال انْتهى
قلت وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى نعيم بن حَمَّاد قَالَ ابْن الْقيم بعد إِخْرَاجه بِهَذِهِ الْأَسَانِيد وَهَؤُلَاء كلهم أَئِمَّة ثِقَات حفاظ إِلَّا حريز بن عُثْمَان فَإِنَّهُ كَانَ منحرفا عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَمَعَ هَذَا احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ عَنهُ أَنه تَبرأ مِمَّا نسب إِلَيْهِ من الانحراف عَن عَليّ ونعيم ابْن حَمَّاد إِمَام جليل وَكَانَ سَيْفا على الْجَهْمِية وروى عَنهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه
قَالَ أَبُو عمر هَذَا هُوَ الْقيَاس على غير أصل وَالْكَلَام فِي الدّين بالتخرص وَالظَّن أَلا ترى إِلَى قَوْله فِي الحَدِيث يحللون الْحَرَام ويحرمون الْحَلَال وَمَعْلُوم أَن الْحَلَال مَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص تَحْلِيله وَالْحرَام مَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُوله ص تَحْرِيمه فَمن جهل ذَلِك وَقَالَ فِيمَا سُئِلَ عَنهُ بِغَيْر علم وقاس بِرَأْيهِ خلاف مَا خرج مِنْهُ وَمن السّنة فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَاس الْأُمُور بِرَأْيهِ فضل وأضل وَمن رد الْفُرُوع فِي علمه إِلَى أُصُولهَا فَلم يقل بِرَأْيهِ انْتهى قلت هَكَذَا أخرجه الْحَافِظ أَبُو عمر وَسكت عَلَيْهِ وَأوردهُ فِي مقَام الِاحْتِجَاج فِي ذمّ الرَّأْي فصنيعه يدل على أَن الحَدِيث صَالح للاحتجاج بِهِ وَقد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ تفرد بِهِ نعيم بن حَمَّاد وَسَرَقَهُ عَنهُ جمَاعَة من الضُّعَفَاء وَهُوَ مُنكر وَفِي غَيره من الْأَحَادِيث الصِّحَاح الْوَارِدَة فِي مَعْنَاهُ كِفَايَة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق انْتهى
قلت وَلَعَلَّ مُرَاده بالأحاديث الصِّحَاح الْوَارِدَة فِي مَعْنَاهُ يَعْنِي فِي ذمّ الرَّأْي وَاسْتِعْمَال الْقيَاس فِي مَوضِع النَّص ولأصل الحَدِيث شَاهد أخرجه أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم افْتَرَقت الْيَهُود على إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَسبعين فرقة وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى على إِحْدَى أَو اثْنَيْنِ وَسبعين فرقة وَتَفَرَّقَتْ أمتِي على ثَلَاث وَسبعين فرقة وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه قَامَ فَقَالَ أَلا إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فِينَا فَقَالَ أَلا أَن من كَانَ قبلكُمْ من أهل الْكتاب افْتَرَقُوا على ثِنْتَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَأَن هَذِه الْأمة سَتَفْتَرِقُ على ثَلَاث وَسبعين ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي
(1/10)
 
 
النَّار وَوَاحِدَة فِي الْجنَّة وَهِي الْجَمَاعَة زَاد ابْن يحيى وَعَمْرو فِي حَدِيثهمَا وَأَنه سيخرج فِي أمتِي أَقوام تجاري بهم تِلْكَ الْأَهْوَاء كَمَا يتجارى الْكَلْب بِصَاحِبِهِ وَقَالَ عَمْرو الْكَلْب بِصَاحِبِهِ لَا يبْقى مِنْهُ عرق وَلَا مفصل إِلَّا دخله وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة حسن صَحِيح وَفِي رِوَايَة لِأَحْمَد هِيَ مَا أَنا عَلَيْهِ الْيَوْم وأصحابي
قلت ونعيم بن حَمَّاد من رجال البُخَارِيّ قَالَ فِي الْكَمَال قَالَ ابْن حبَان قَالَ يحيى بن معِين نعيم ابْن حَمَّاد ثِقَة صَدُوق رجل صدق أَنا أعرف النَّاس بِهِ وَكَانَ رفيقي بِالْبَصْرَةِ وَكتب عَن روح بن عبَادَة خمسين ألف حَدِيث وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل لقد كَانَ من الثقاة وَقَالَ أَحْمد بن عبد الله نعيم ابْن حَمَّاد مروزي ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم مَحَله الصدْق وَقَالَ ابْن سعد كَانَ نعيم من أهل المرو وَطلب الحَدِيث طلبا كثيرا بالعراق والحجاز ثمَّ نزل مصر وَلم يزل حَتَّى شخص مِنْهَا فِي خلَافَة إِسْحَاق بن هرون وَسُئِلَ عَن الْقُرْآن فَأبى أَن يُجيب فِيهِ بِشَيْء مِمَّا أرادوه عَلَيْهِ فحبس بسامرا وَلم يزل مَحْبُوسًا بهَا حَتَّى مَاتَ فِي السجْن سنة ثَمَان وَعشْرين ومأتين قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب يُقَال إِن أول من جمع الْمسند وصنفه نعيم بن حَمَّاد روى لَهُ البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة انْتهى
قلت إِذا علمت هَذَا ظهر لَك وَجه سكُوت الْحَافِظ أبي عمر عَن الحَدِيث الْمَذْكُور واحتجاجه بِهِ
قَالَ ابْن عبد البر حَدثنَا عبيد بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد القَاضِي بالقلزم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن زِيَاد بن عبد الله الرَّازِيّ ثَنَا الْحَرْث بن عبد الله بهمدان ثَنَا عُثْمَان بن عبد الرحمن الوقاصي عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة بِكِتَاب الله وبرهة بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ يعْملُونَ بِالرَّأْيِ فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد ضلوا وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن خَليفَة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن حَدثنَا مُحَمَّد بن اللَّيْث حَدثنَا جبارَة بن الْمُغلس قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن يحيى الْأَبَح عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعْمل هَذِه الْأمة بِكِتَاب الله ثمَّ تعْمل بُرْهَة بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تعْمل بعد ذَلِك بِالرَّأْيِ فَإِذا عمِلُوا بِالرَّأْيِ ضلوا
 
قلت فِيهِ جبارَة تكلم فِيهِ غير وَاحِد وَهُوَ من رجال ابْن ماجة
حَدثنَا عبد الرحمن بن يحيى قَالَ حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد قَالَ حَدثنَا احْمَد بن دَاوُد قَالَ ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر يَا أَيهَا النَّاس أَن الرَّأْي إِنَّمَا كَانَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصيبا لِأَن الله كَانَ يرِيه وَإِنَّمَا هُوَ منا الظَّن والتكلف قلت هَذَا مُنْقَطع ابْن شهَاب لم يدْرك عمر بن الْخطاب وَبِهَذَا
(1/11)
 
 
السَّنَد أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل وَقَالَ هَذِه الْآثَار عَن عمر كلهَا مَرَاسِيل انْتهى يَعْنِي مُنْقَطِعَة
وَبِه عَن ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ أصبح أهل الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها وتفلتت مِنْهُم أَن يردوها فاستبقوا الرَّأْي قَالَ ابْن وهب وَأخْبرنَا عبد الله بن عَيَّاش عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن عبيد الله بن عمر أَن عمر بن الْخطاب قَالَ اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ قَالَ سَحْنُون يَعْنِي الْبدع وَقَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي رجل من أهل الْمَدِينَة عَن ابْن عجلَان عَن صَدَقَة بن أبي عبد الله أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول إِن أَصْحَاب الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم أَن يحفظوها وتفلتت مِنْهُم أَن يعوها واستحيوا حِين يسْأَلُوا أَن يَقُولُوا لَا نعلم فعارضوا السّنَن برأيهم فإياكم وإياهم حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد ثَنَا أبي ح وثنا عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف ثَنَا سهل بن إِبْرَهِيمُ قَالَا جَمِيعًا ثَنَا مُحَمَّد بن فطيس ثَنَا أَحْمد بن يحيى اللأواي الصُّوفِي ثَنَا عبد الرحمن بن شريك قَالَ ثَنَا أبي عَن مجَالد بن سعيد عَن عَامر يَعْنِي الشّعبِيّ عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي فَإِنَّهُم أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يحفظوها فَقَالُوا بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا أخبرنَا مُحَمَّد بن خَليفَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْبَغْدَادِيّ ثَنَا أَبُو بكر بن أبي دَاوُد ثَنَا مُحَمَّد بن عبد الملك الْقَزاز ثَنَا ابْن أبي مَرْيَم ثَنَا نَافِع ابْن يزِيد عَن ابْن الْهَاد عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب إيَّاكُمْ والرأي فَإِن أَصْحَاب الرَّأْي أَعدَاء السّنَن أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها وتفلتت مِنْهُم أَن يحفظوها فَقَالُوا فِي الدّين برأيهم قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي قصيدته فِي السّنة ... ودع عَنْك آراء الرِّجَال وَقَوْلهمْ ... فَقَوْل رَسُول الله أزكى وأشرح ...
حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله ثَنَا الْحسن بن إِسْمَاعِيل ثَنَا عبد الملك بن بَحر ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ثَنَا سنيد ثَنَا يحيى بن زَكَرِيَّا عَن مجَالد بن سعيد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عبد الله قَالَ لَا يَأْتِي عَلَيْكُم زمَان إِلَّا وَهُوَ شَرّ من الَّذِي قبله أما إِنِّي لَا أَقُول أَمِير خير من أَمِير وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَكِن فقهاؤكم يذهبون ثمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُم خلفا وَيَجِيء أَقوام يقيسون الْأُمُور برأيهم حَدثنَا عبد الرحمن ثَنَا عَليّ ثَنَا أَحْمد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا سُفْيَان عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ لَيْسَ عَام إِلَّا وَالَّذِي بعده شَرّ مِنْهُ لَا أَقُول عَام أمطر من عَام وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَا أَمِير خير من أَمِير وَلَكِن ذهَاب خياركم وعلمائكم
(1/12)
 
 
ثمَّ يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيهدم الْإِسْلَام ويثلم حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم ثَنَا أَحْمد بن مطرف ثَنَا سعيد بن عُثْمَان وَسَعِيد بن حمير قَالَا ثَنَا يُونُس بن عبد الأعلى ثَنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مجَالد بن سعيد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لَيْسَ عَام إِلَّا وَالَّذِي بعده شَرّ مِنْهُ وَلَا أَقُول عَام أمطر من عَام وَلَا عَام أخصب من عَام وَلَا أَمِير خير من أَمِير وَلَكِن ذهَاب خياركم وعلمائكم ثمَّ يحدث قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم فيهدم الْإِسْلَام ويثلم
قلت وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن مَسْعُود
حَدثنَا يُونُس بن عبد الله ثَنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن مجَالد عَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق قَالَ قَالَ عبد الله بن مَسْعُود قراؤكم وعلماؤكم يذهبون ويتخذ النَّاس رؤسا جُهَّالًا يقيسون الْأُمُور برأيهم حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله ثَنَا الْحسن ابْن إِسْمَاعِيل ثَنَا عبد الملك بن بَحر ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْمَعِيل ثَنَا سنيد بن دَاوُد ثَنَا مُحَمَّد بن فضل عَن سَالم بن أبي حَفْصَة عَن مُنْذر الثَّوْريّ عَن الرّبيع بن خَيْثَم أَنه قَالَ يَا عبد الله مَا علمك الله فِي كِتَابه من علم فاحمد الله وَمَا اسْتَأْثر بِهِ عَلَيْك من علم فكله إِلَى عالمه وَلَا تتكلف فَإِن الله عز وَجل يَقُول لنَبيه ص {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين إِن هُوَ إِلَّا ذكر للْعَالمين ولتعلمن نبأه بعد حِين} قَالَ الْقَائِل هُوَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل فِي السَّنَد الَّذِي قبله فَليعلم
وَحدثنَا سنيد قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن مَكْحُول عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله فرض عَلَيْكُم فَرَائض فَلَا تضيعوها وَنهى عَن أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وحد حدودا فَلَا تعتدوها وَعَفا عَن أَشْيَاء رَحْمَة لكم لَا نِسْيَانا فَلَا تبحثوا عَنْهَا
حَدثنَا عبد الرحمن ثَنَا أَحْمد ثَنَا إِسْحَاق ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ ثَنَا عَفَّان ثَنَا عبد الرحمن بن زِيَاد ثَنَا الْحسن بن عَمْرو الْفُقيْمِي عَن أبي فَزَارَة قَالَ قَالَ ابْن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ كتاب الله وَسنة رَسُوله ص فَمن قَالَ بعد ذَلِك بِرَأْيهِ فَمَا أَدْرِي أَفِي حَسَنَاته أم فِي سيئاته أخبرنَا عبد الرحمن ثَنَا عَليّ ثَنَا أَحْمد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب ثَنَا ابْن لَهِيعَة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ السّنة مَا سنه الله تَعَالَى وَرَسُوله ص لَا تجْعَلُوا خطأ الرَّأْي سنة للْأمة رحم الله عمر فَكَأَنَّهُ علم بِوُقُوع ذَلِك فحذر مِنْهُ فقد شاهدنا فِي هَذِه الْأَعْصَار رَأيا مُخَالفا لسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصادما لما فِي كتاب الله عز وَجل قد جَعَلُوهُ سنة واعتقدوه دينا يرجعُونَ إِلَيْهِ عِنْد التَّنَازُع وسموه مذهبا ولعمري أَنَّهَا
(1/13)
 
 
لمصيبة وبلية وحمية وعصبية أُصِيب بهَا الْإِسْلَام {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون}
وَقَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل مُسْتَقِيمًا حَتَّى أدْرك فيهم المولدون أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم فَأخذُوا فيهم بِالرَّأْيِ فأضلوا بني إِسْرَائِيل قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن عِيسَى بن أبي عِيسَى عَن الشّعبِيّ أَنه سَمعه يَقُول إيَّاكُمْ والمقايسة فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن أَخَذْتُم بالمقايسة لتحللن الْحَرَام ولتحرمن الْحَلَال وَلَكِن مَا يبلغكم من حفظ عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاحفظوه
حَدثنَا خلف بن قَاسم ثَنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن شعْبَان ثَنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن يُونُس ثَنَا عبد الله ابْن مُحَمَّد الضَّعِيف ثَنَا إِسْمَاعِيل بن علية ثَنَا صَالح بن مُسلم عَن الشّعبِيّ قَالَ إِنَّمَا هلكتم حِين تركْتُم الْآثَار وأخذتم بالمقاييس وَعَن الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق قَالَ لَا أَقيس شَيْئا بِشَيْء قلت لم قَالَ أَخَاف أَن تزل رجْلي حَدثنَا ابْن قَاسم ثَنَا ابْن شعْبَان حَدثنَا إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم ثَنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق ثَنَا النَّضر بن شُمَيْل ثَنَا ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانُوا يرَوْنَ أَنه على الطَّرِيق مَا دَامَ على الْأَثر قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد العزيز قَالَ سَمِعت الْحسن بن عَليّ بن شَقِيق يَقُول سَمِعت عبد الله بن الْمُبَارك يَقُول لرجل إِن ابْتليت بِالْقضَاءِ فَعَلَيْك بالأثر وَقَالَ ابْن الْمُبَارك عَن سُفْيَان قَالَ إِنَّمَا الدّين الْآثَار وَعنهُ أَيْضا ليكن الَّذِي تعتمد عَلَيْهِ هَذَا الْأَثر وَخذ من الرَّأْي مَا يُفَسر لَك الحَدِيث وَعَن شُرَيْح أَنه قَالَ إِن السّنة سبقت قياسكم فاتبعوا وَلَا تبتدعوا فَإِنَّكُم لن تضلوا مَا أَخَذْتُم بالأثر وروى عمر بن ثَابت عَن الْمُغيرَة عَن الشّعبِيّ قَالَ إِن السّنة لم تُوضَع بالمقاييس وروى الْحسن بن وَاصل عَن الْحسن قَالَ إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ حِين تشعبت بهم السبل وحادوا عَن الطَّرِيق فتركوا الْآثَار وَقَالُوا فِي الدّين برأيهم فضلوا وأضلوا
وَذكر نعيم بن حَمَّاد عَن أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم عَن مَسْرُوق قَالَ من يرغب بِرَأْيهِ عَن أَمر الله يضل وَذكر ابْن وهب قَالَ أَخْبرنِي بكر بن مُضر عَن رجل من قُرَيْش أَنه سمع ابْن شهَاب يَقُول وَهُوَ يذكر مَا وَقع فِيهِ النَّاس من هَذَا الرَّأْي وتركهم السّنَن فَقَالَ إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِنَّمَا استحلوا من الْعلم الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِم حِين استبقوا الرَّأْي وَأخذُوا فِيهِ قَالَ وَأَخْبرنِي يحيى بن أَيُّوب عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَنه كَانَ يَقُول السّنَن السّنَن فَإِن السّنَن قوام الدّين قَالَ وَكَانَ عُرْوَة يَقُول أزهد النَّاس فِي عَالم أَهله وَعَن هِشَام بن عُرْوَة أَنه قَالَ إِن بني إِسْرَائِيل لم يزل أَمرهم معتدلا حَتَّى نَشأ فيهم مولدون أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم فَأخذُوا فيهم بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا وَقَالَ الزُّهْرِيّ إيَّاكُمْ وَأَصْحَاب الرَّأْي أعيتهم الْأَحَادِيث أَن يعوها
(1/14)
 
 
قَالَ أَبُو عمر اخْتلف الْعلمَاء فِي الرَّأْي الْمَقْصُود إِلَيْهِ بالذم وَالْعَيْب فِي هَذِه الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم وَعَن التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان فَقَالَ جُمْهُور أهل الْعلم الرَّأْي المذموم الْمَذْكُور هُوَ القَوْل فِي أَحْكَام شرائع الدّين بالاستحسان والظنون والاشتغال بِحِفْظ المعضلات والأغلوطات ورد الْفُرُوع والنوازل بَعْضهَا على بعض قِيَاسا دون ردهَا على أُصُولهَا وَالنَّظَر فِي عللها واعتبارها فَاسْتعْمل فِيهَا الرَّأْي قبل أَن تنزل وفرعت وشققت قبل أَن تقع وَتكلم فِيهَا قبل أَن تكون بِالرَّأْيِ الْمُضَارع للظن قَالُوا فَفِي الِاشْتِغَال بِهَذَا والاستغراق فِيهِ تَعْطِيل للسنن والبعث على جهلها وَترك الْوُقُوف على مَا يلْزم الْوُقُوف عَلَيْهِ مِنْهَا وَمن كتاب الله عز وَجل ومعانيهما وَاحْتَجُّوا على صِحَة مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ من ذَلِك بأَشْيَاء
مِنْهَا مَا أخبرنَا بِهِ خلف بن أَحْمد قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن مطرف ثَنَا سعيد بن عُثْمَان ثَنَا نضر بن مَرْزُوق ثَنَا أَسد بن مُوسَى ثَنَا شريك عَن لَيْث عَن طَاوس عَن ابْن عمر قَالَ لَا تسئلوا عَمَّا لم يكن فَإِنِّي سَمِعت عمر يلعن من سَأَلَ عَمَّا لم يكن وَحدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد المؤمن ثَنَا مُحَمَّد بن بكر ثَنَا أَبُو دَاوُد ثَنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الأغلوطات
وَأخْبرنَا سعيد بن نضر ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا ابْن وضاح ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الأغلوطات فسره الْأَوْزَاعِيّ قَالَ يَعْنِي صعاب الْمسَائِل وَحدثنَا خلف ابْن سعيد قَالَ حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد ثَنَا أَحْمد بن خَالِد ثَنَا عَليّ بن عبد العزيز ثَنَا سُلَيْمَان بن أَحْمد ثَنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الله بن سعد عَن عبَادَة بن نسى عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنهم ذكرُوا الْمسَائِل عِنْده فَقَالَ أما تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن عضل الْمسَائِل
وَاحْتَجُّوا ايضا بِحَدِيث سهل بن سعد وَغَيره أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره الْمسَائِل وعابها وَبِأَنَّهُ ص قَالَ إِن الله يكره لكم قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال حَدثنَا عبد الوارث بن سُفْيَان ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا عبد الرحمن بن مهْدي ثَنَا مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسَائِل وعابها
(1/15)
 
 
هَكَذَا ذكره أَحْمد بن زُهَيْر بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ خلاف لفظ الْمُوَطَّأ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لم يرو عبد الرحمن بن مهْدي عَن مَالك من حَدِيث اللّعان إِلَّا هَذِه الْكَلِمَة وَتَابعه على ذَلِك قراد أَبُو نوح ونوح بن مَيْمُون الْمَضْرُوب عَن مَالك فَذكر حَدِيث عبد الرحمن ابْن مهْدي من رِوَايَة أبي خَيْثَمَة والمخزومي وَأحمد بن سِنَان عَن ابْن مهْدي كَمَا ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة سَوَاء حَدثنَا أَبُو بكر عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي سعيد الْبَزَّار قَالَ حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد ثَنَا قراد ثَنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن سهل بن سعد قَالَ كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسَائِل وعابها قَالَ وثنا عبد الله ابْن مُحَمَّد بن أبي سعيد وَالْحصين بن صَفْوَان قَالَا ثَنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ ثَنَا أبي قَالَ ثَنَا نوح بن مَيْمُون أَبُو مُحَمَّد بن نوح قَالَ حَدثنَا مَالك عَن ابْن شهَاب قَالَ أَخْبرنِي سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كره الْمسَائِل وعابها
قَالَ الْأَوْزَاعِيّ عَن عَبدة بن ابي لبَابَة قَالَ وددت أَن حظي من أهل هَذَا الزَّمَان أَن لَا أسألهم عَن شَيْء وَلَا يَسْأَلُونِي عَن شَيْء يتكاثرون بالمسائل كَمَا يتكاثر أهل الدَّرَاهِم بِالدَّرَاهِمِ
أخبرنَا عبد الوارث قَالَ حَدثنَا قَاسم ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا عبد الوهاب بن نجدة ثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ثَنَا شُرَحْبِيل بن مُسلم أَنه سمع الْحجَّاج بن عَامر الثمالِي وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إيَّاكُمْ وَكَثْرَة السُّؤَال وَفِي سَماع أَشهب سَأَلَ مَالك عَن قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهاكم عَن قيل وَقَالَ وَكَثْرَة السُّؤَال فَقَالَ أما كَثْرَة السُّؤَال فَلَا أَدْرِي أهوَ مَا أَنْتُم فِيهِ مِمَّا أنهاكم عَنهُ من كَثْرَة الْمسَائِل فقد كره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسَائِل وعابها وَقَالَ تَعَالَى {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فَلَا أَدْرِي أهوَ هَذَا أم السُّؤَال فِي مسئلة النَّاس فِي الاستعطاء وَاحْتج الْجُمْهُور أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم الْمُسلمين فِي الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم على الْمُسلمين فَحرم عَلَيْهِم من أجل مَسْأَلته وَرَوَاهُ عَن ابْن شهَاب معمر وَابْن عُيَيْنَة وَيُونُس بن يزِيد وَغَيرهم وَهَذَا لفظ حَدِيث يُونُس بن يزِيد من رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ وروى ابْن وهب أَيْضا قَالَ حَدثنِي ابْن لَهِيعَة عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا أهلك الَّذين قبلكُمْ سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء فَخُذُوا مِنْهُ مَا استطعم قَالَ وَأَخْبرنِي يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرحمن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِ ذَلِك وَقَالَ عمر بن الْخطاب وَهُوَ على الْمِنْبَر أحرج بِاللَّه على كل امْرِئ سَأَلَ عَن
(1/16)
 
 
شَيْء لم يكن فَإِن الله قد بَين مَا هُوَ كَائِن وروى جرير بن عبد الحميد وَمُحَمّد بن فُضَيْل عَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ مَا رَأَيْت قوما خيرا من أَصْحَاب مُحَمَّد ص مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَن ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة حَتَّى قبض كُلهنَّ فِي الْقُرْآن {ويسألونك عَن الْمَحِيض} {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام} {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} مَا كَانُوا يسْأَلُون إِلَّا عَمَّا يَنْفَعهُمْ
قَالَ أَبُو عمر لَيْسَ فِي الحَدِيث من الثَّلَاث عشرَة مَسْأَلَة إِلَّا ثَلَاث أَقُول إِن أَرَادَ تعداد مَا فِي الْقُرْآن من الأسئلة كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام ابْن عَبَّاس فَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم يَسْأَلك النَّاس عَن السَّاعَة يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم
قَالُوا وَمن تدبر الاثار المروية فِي ذمّ الرَّأْي المرفوعة وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِك بِأَن لَهُ مَا ذكرنَا قَالُوا أَلا ترى أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ الْجَواب فِي مسَائِل الْأَحْكَام مالم تنزل فَكيف بِوَضْع الِاسْتِحْسَان وَالظَّن والتكلف وتسطير ذَلِك واتخاذه دينا
وَذكروا من الْآثَار أَيْضا مَا حَدثنَا سعيد بن نصر ثَنَا قَاسم بن أصبغ ثَنَا ابْن وضاح ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة ثَنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن طَاوس عَن معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تعجلوا بالبلية قبل نُزُولهَا فَإِنَّكُم أَن لَا تفعلو أوشك أَن يكون فِيكُم من إِذا قَالَ سدد أَو وفْق فَإِنَّكُم إِن عجلتم تشَتت بكم الطّرق هَاهُنَا وَهَاهُنَا وَقَالَ عمر أَنه لَا يحل لأحد أَن يسْأَل عَمَّا لم يكن أَن الله تبَارك وَتَعَالَى قد قضى فِيمَا هُوَ كَائِن وَسَأَلَ مَسْرُوق أبي بن كَعْب عَن مَسْأَلَة فَقَالَ أَكَانَت هَذِه بعد قلت لَا قَالَ فاجمني حَتَّى تكون وَعَن خَارِجَة بن زيد ابْن ثَابت عَن أَبِيه أَنه كَانَ لَا يَقُول بِرَأْيهِ فِي شَيْء حِين يسْأَل عَنهُ حَتَّى يَقُول انْزِلْ أم لَا فَإِن لم يكن نزل لم يقل فِيهِ وَإِن يكن وَقع تكلم فِيهِ قَالَ وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن مَسْأَلَة فَيَقُول اوقعت فَيُقَال لَهُ يَا أَبَا سعيد مَا وَقعت وَلكنهَا نعدها فَيَقُول دَعُوهَا فَإِن كَانَت وَقعت أخْبرهُم قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ مَا سَمِعت أبي يَقُول فِي شَيْء قطّ بِرَأْيهِ قَالَ وَرُبمَا سُئِلَ عَن الشَّيْء فَيَقُول هَذَا من خَالص السُّلْطَان وروينا عَن بشر بن الْحَرْث قَالَ قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة من أحب أَن يسْأَل وَلَيْسَ بِأَهْل أَن يسْأَل فَمَا يَنْبَغِي أَن يسْأَل قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي بكر بن مُضر عَن ابْن هُرْمُز قَالَ أدْركْت أهل الْمَدِينَة وَمَا فِيهَا إِلَّا الْكتاب وَالسّنة وَالْأَمر
(1/17)
 
 
ينزل فَينْظر فِيهِ السُّلْطَان قَالَ فَقَالَ لي مَالك أدْركْت أهل هَذِه الْبِلَاد وَإِنَّهُم ليكرهون هَذَا الْإِكْثَار الَّذِي فِي النَّاس الْيَوْم قَالَ ابْن وهب يُرِيد الْمسَائِل قَالَ وَقَالَ مَالك إِنَّمَا كَانَ النَّاس يفتون بِمَا سمعُوا وَعَلمُوا وَلم يكن هَذَا الْكَلَام الَّذِي فِي النَّاس الْيَوْم وَقَالَ ابْن وهب أخبرنَا أشهل بن حَاتِم عَن عبد الله بن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ قَالَ عمر بن الْخطاب لأبي مَسْعُود عقبَة ابْن عَمْرو ألم أنبأ أَنَّك تُفْتِي النَّاس وَلست باميرول حارها من تولى قارها وَكَانَ عمر بن الْخطاب يَقُول إيَّاكُمْ وَهَذِه العضل فَإِنَّهَا إِذا نزلت بعث الله إِلَيْهَا من يقيمها ويفسرها قَالَ ابْن وهب وَأَخْبرنِي ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن عبد الملك بن مَرْوَان سَأَلَ ابْن شهَاب عَن شَيْء فَقَالَ لَهُ ابْن شهَاب أَكَانَ هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَا قَالَ فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذا كَانَ أَتَى الله لَهُ بفرج
حَدثنَا عبد الوارث بن سُفْيَان قَالَ حَدثنَا قَاسم بن أصبغ قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا جرير عَن لَيْث عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر قَالَ يَا أَيهَا النَّاس لَا تسألوا عَمَّا لم يكن فَإِن عمر كَانَ يلعن من سَأَلَ عَمَّا لم يكن حَدثنَا عبد الوارث ثَنَا قَاسم ثَنَا أَحْمد بن زُهَيْر ثَنَا أبي ثَنَا عبد الرحمن ابْن مهْدي ثَنَا مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ زيد بن ثَابت إِذا سَأَلَهُ إِنْسَان عَن شَيْء قَالَ الله أَكَانَ هَذَا فَإِن قَالَ نعم نظرُوا لَا لم يتَكَلَّم وأتى قوم زيد بن ثَابت فَسَأَلُوهُ عَن أَشْيَاء فَأخْبرهُم بهَا وكتبوها ثمَّ قَالُوا لَو أخبرناه قَالَ فَأتوهُ فأخبروه فَقَالَ أعذرا لَعَلَّ كل شَيْء حدثتكم بِهِ خطأ إِنَّمَا اجتهدت لكم رَأْيِي قَالَ سنيد ثَنَا حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ قيل لجَابِر بن زيد أَنهم يَكْتُبُونَ مَا يسمعُونَ مِنْك قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون يَكْتُبُونَ رَأيا أرجع عَنهُ غَدا قَالَ سنيد ثَنَا يزِيد عَن الْعَوام بن حَوْشَب عَن الْمسيب بن رَافع قَالَ كَانَ إِذا جَاءَ الشَّيْء من الْقَضَاء لَيْسَ فِي الْكتاب وَلَا فِي السّنة سمي صوافي الْأُمَرَاء فيرفع إِلَيْهِم فَجمع لَهُ أهل الْعلم فَمَا اجْتمع عَلَيْهِ رَأْيهمْ فَهُوَ الْحق وَذكر الطَّبَرِيّ فِي كتاب تَهْذِيب الْآثَار لَهُ قَالَ حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح الْبَزَّار حَدثنِي إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الحنيني قَالَ قَالَ مَالك قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تمّ هَذَا الْأَمر واستكمل فَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن تتبع آثَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يتبع الرَّأْي فَإِنَّهُ مَتى اتبع الرَّأْي جَاءَ رجل آخر أقوى فِي الرَّأْي مِنْك فاتبعته فَأَنت كلما جَاءَ رجل عَلَيْك اتبعته أرى هَذَا لَا يتم وَقَالَ عبد إِن سَمِعت عبد الله بن الْمُبَارك يَقُول ليكن الَّذِي تعتمد عَلَيْهِ الْأَثر وَخذ من الرَّأْي مَا يُفَسر بِهِ الحَدِيث قَالَ وَقَالَ ابْن الْمُبَارك قَالَ مَالك بن دِينَار لِقَتَادَة أَتَدْرِي أَي حكم رفعت قسمت بَين الله وَبَين عباده فَقلت هَذ لَا يصلح وَهَذَا يصلح وَذكر الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي قَالَ حَدثنِي عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثَنَا معن بن عِيسَى ثَنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد قَالَ جَاءَ رجل إِلَى سعيد بن الْمسيب فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فأملاه عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَهُ عَن رَأْيه فَأَجَابَهُ فَكتب الرجل فَقَالَ رجل من جلساء سعيد
(1/18)
 
 
أنكتب يَا أَبَا مُحَمَّد رَأْيك فَقَالَ سعيد للرجل ناولنيها فَنَاوَلَهُ الصَّحِيفَة فحرقها قَالَ وَحدثنَا نعيم ثَنَا ابْن الْمُبَارك عَن عبد الله بن موهب أَن رجلا جَاءَ إِلَى الْقسم بن مُحَمَّد فَسَأَلَهُ عَن شَيْء فَأَجَابَهُ فَلَمَّا ولى الرجل دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لَا تقل إِن الْقَاسِم زعم أَن هَذَا هُوَ الْحق وَلَكِن إِن اضطررت إِلَيْهِ عملت بِهِ
حَدثنَا مُحَمَّد بن خَليفَة قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ ثَنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد الْفرْيَابِيّ ثَنَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد قَالَ أَخْبرنِي أبي قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول عَلَيْك بآثار من سلف وَإِن رفضك النَّاس وَإِيَّاك وآراء الرِّجَال وَإِن زخرفوا لَك القَوْل وَرَوَاهُ غير الْفرْيَابِيّ عَن الْعَبَّاس بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن الْأَوْزَاعِيّ مثله قَالَ وَإِن زخرفوه بالْقَوْل فَإِن الْأَمر ينجلي وَأَنت مِنْهُ على طَرِيق مُسْتَقِيم وَذكر البُخَارِيّ عَن ابْن بكير عَن اللَّيْث قَالَ قَالَ ربيعَة لِابْنِ شهَاب يَا أَبَا بكر إِذا حدثت النَّاس بِرَأْيِك فَأخْبرهُم أَنه رَأْيك وَإِذا حدثت النَّاس بِشَيْء من السّنة فَأخْبرهُم أَنه سنة لَا يظنون أَنه رَأْيك حَدثنَا عبد الرحمن ابْن يحيى ثَنَا عَليّ بن مُحَمَّد ثَنَا أَحْمد بن دَاوُد ثَنَا سَحْنُون ثَنَا ابْن وهب قَالَ قَالَ لي مَالك بن أنس وَهُوَ يُنكر كَثْرَة الْجَواب للمسائل يَا عبد الله مَا عَلمته فَقل بِهِ وَدلّ عَلَيْهِ ومالم تعلم فاسكت عَنهُ وَإِيَّاك أَن تتقلد للنَّاس قلادة سوء حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عَليّ ثَنَا أبي ثَنَا مُحَمَّد بن عمر بن لبَابَة ثَنَا مَالك بن عَليّ الْقرشِي ثَنَا عبد الله بن مسلمة القعْنبِي قَالَ دخلت على مَالك فَوَجَدته باكيا فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ ثمَّ سكت عني يبكي فَقلت لَهُ يَا أَبَا عبد الله مَا الَّذِي يبكيك فَقَالَ لي يَا ابْن قعنب أَنا لله على مَا فرط مني لَيْتَني جلدت بِكُل كلمة تَكَلَّمت بهَا فِي هَذَا الْأَمر بِسَوْط وَلم يكن فرط مني مَا فرط من هَذَا الرَّأْي وَهَذِه الْمسَائِل قد كَانَت لي سَعَة فِيمَا سبقت إِلَيْهِ وَذكر مُحَمَّد بن حرث بن أَسد الْخُشَنِي حَدثنَا أَبُو عبد اله مُحَمَّد بن عَبَّاس النّحاس قَالَ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد سعيد بن مُحَمَّد بن الْحداد يَقُول سَمِعت سَحْنُون بن سعيد يَقُول مَا أَدْرِي مَا هَذَا الرَّأْي سفكت بِهِ الدِّمَاء واستحلت بِهِ الْفروج واستخفت بِهِ الْحُقُوق غير أَنا رَأينَا رجلا صَالحا فقلدناه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ إِذا أَرَادَ الله أَن يحرم عَبده بركَة الْعلم ألْقى على لِسَانه الأغاليط وروينا عَن الْحسن أَنه قَالَ إِن شرار عباد الله الَّذين يجيئون بشرار الْمسَائِل ويفتون بهَا عباد الله وَقَالَ عبد الرحمن بن مهْدي سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول قيل لأيوب مَالك لَا تنظر فِي الرَّأْي فَقَالَ أَيُّوب قيل للحمار مَالك لَا تجتر قَالَ أكره مضغ الْبَاطِل وروينا عَن رَقَبَة بن مصقلة أَنه قَالَ لرجل رَآهُ يخْتَلف إِلَى صَاحب الرَّأْي يَا هَذَا يَكْفِيك من رَأْيه مَا مضغت وَترجع إِلَى أهلك بِغَيْر ثِقَة
(1/19)
 
 
قَالَ الشّعبِيّ وَالله لقد بغض هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَى الْمَسَاجِد حَتَّى لهي أبْغض إِلَيّ من كناسَة دَاري قلت من هم يَا أَبَا عَمْرو قَالَ الأرائيون قَالَ وَمِنْهُم الحكم وَحَمَّاد وأصحابهم قَالَ الرّبيع بن خثيم إيَّاكُمْ أَن يَقُول الرجل لشَيْء إِن الله حرم هَذَا أَو نهى عَنهُ فَيَقُول الله كذبت لم أحرمهُ وَلم أَنه عَنهُ قَالَ أَو يَقُول إِن الله أحل هَذَا وَأمر بِهِ فَيَقُول كذبت لم أحله وَلم آمُر بِهِ وَذكر ابْن وهب وعتيق بن يَعْقُوب إنَّهُمَا سمعا مَالك بن أنس يَقُول لم يكن من أَمر النَّاس وَلَا من مضى من سلفنا وَلَا أدْركْت أحدا أقتدي بِهِ يَقُول فِي شَيْء هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام مَا كَانُوا يجترءون على ذَلِك وَإِنَّمَا كَانُوا يَقُولُونَ نكره هَذَا نرى هَذَا حسنا ونتقي هَذَا وَلَا نرى هَذَا وَزَاد عَتيق بن يَعْقُوب وَلَا يَقُولُونَ حَلَال وَلَا حرَام أما سَمِعت قَول الله عز وَجل {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالا قل آللَّهُ أذن لكم أم على الله تفترون} الْحَلَال مَا أحله الله تَعَالَى وَرَسُوله ص وَالْحرَام مَا حرمه الله تَعَالَى وَرَسُوله ص
قَالَ أَبُو عمر معنى قَول مَالك هَذَا أَن مَا أَخذ من الْعلم رَأيا واستحسانا لم يقل فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَالله تَعَالَى أعلم وَقد رُوِيَ عَن مَالك أَنه قَالَ فِي بعض مَا كَانَ ينزل فَيسْأَل عَنهُ فيجتهد فِيهِ رَأْيه أَن نظن إِلَّا ظنا وَمَا نَحن بمستيقنين وَلَقَد أحسن أَبُو الْعَتَاهِيَة حَيْثُ يَقُول ... وَمَا كل الظنون تكون حَقًا ... وَلَا كل الصَّوَاب على الْقيَاس ...
وَقَالَ أَبُو وَائِل لَا تقاعدوا أَصْحَاب أَرَأَيْت وَقَالَ الشّعبِيّ مَا كلمة أبْغض إِلَى من أَرَأَيْت وَقَالَ دَاوُد الأودي قَالَ لي الشّعبِيّ احفظ عني ثَلَاثًا لَهُنَّ شَأْن إِذا سَأَلت عَن مَسْأَلَة فأجبت فِيهَا فَلَا تتبع مسألتك أَرَأَيْت فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه أَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ حَتَّى فرغ من الْآيَة وَالثَّانيَِة إِذا سُئِلت عَن مسئلة فَلَا تقس شَيْئا بِشَيْء فَرُبمَا حرمت حَلَالا أَو أحللت حَرَامًا وَالثَّالِثَة إِذا سُئِلت عمالا تعلم فَقل لَا أعلم وَأَنا شريكك وَقَالَ الشّعبِيّ إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ فِي أَرَأَيْت وَقَالَ اللَّيْث بن سعد رَأَيْت ربيعَة بن أبي عبد الرحمن فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ يَا أَبَا عُثْمَان مَا حالك قَالَ صرت إِلَى خير إِلَّا أَنِّي لم أَحْمد على كثير مِمَّا خرج مني من الرَّأْي وَقَالَ يحيى بن أَيُّوب بَلغنِي أَن أهل الْعلم كَانُوا يَقُولُونَ إِذا أَرَادَ الله تَعَالَى أَن لَا يعلم عَبده خير أشغله بالأغاليط وَسُئِلَ رَقَبَة بن مصقلة عَن أَصْحَاب الرَّأْي فَقَالَ هم أعلم النَّاس بِمَا لم يكن وأجهلهم بِمَا كَانَ يُرِيد أَنهم لم يكن لَهُم علم مِمَّن مضى قلت وَهَذَا أَمر مشَاهد فِي الطَّائِفَة المقلدين والعصابة المتعصبين فَإنَّك إِذا قلت لوَاحِد مِنْهُم أَرَأَيْت لَو نسي الْمُصَلِّي فَسلم فِي ثَلَاثَة من الرّبَاعِيّة لبادر أَن يَقُول مَذْهَبنَا كَذَا وَإِذا قلت لَهُ لم أَسأَلك عَن مذهبك إِنَّمَا أسئلك عَن فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وقف حمارا يشخ فِي الْعقبَة وَغَضب وإحمار وإصفار
قَالَ أَبُو عمر بن عبد البر حَدثنَا عبد الرحمن بن عبد الله بن خَالِد ثَنَا يُوسُف بن يَعْقُوب النجيرمي
(1/20)
 
 
بِالْبَصْرَةِ ثَنَا الْعَبَّاس بن الْفضل قَالَ سَمِعت سَلمَة بن شبيب يَقُول سَمِعت أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول رَأْي الْأَوْزَاعِيّ ورأي مَالك ورأي أبي حنيفَة كُله رَأْي وَهُوَ عِنْدِي سَوَاء وَإِنَّمَا الْحجَّة فِي الْآثَار قَالَ أَبُو عمر بَلغنِي عَن سهل بن عبد الله التسترِي أَنه قَالَ مَا أحدث أحد فِي الْعلم شَيْئا إِلَّا سُئِلَ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة فَإِن وَافق السّنة سلم وَإِلَّا فَهُوَ العطب انْتهى كَلَام ابْن عبد البر بِطُولِهِ وَزَاد الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل إِلَى علم السّنَن فَقَالَ بَاب مَا يذكر من ذمّ الرَّأْي وتكلف الْقيَاس فِي مَوضِع النَّص قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول} وَقَالَ الشَّافِعِي فَإِن تنازعتم يَعْنِي وَالله تَعَالَى أعلم هم وأمراؤهم الَّذين أمروا بطاعتهم فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول يَعْنِي وَالله تَعَالَى أعلم إِلَى مَا قَالَ الله وَالرَّسُول وَقَالَ تَعَالَى {وَأَن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ وَلَا تتبعوا السبل فَتفرق بكم عَن سَبيله} قَالَ مُجَاهِد الْبدع والشبهات وَأخرج الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب احْمَرَّتْ عَيناهُ وَعلا صَوته وَاشْتَدَّ غَضَبه حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذر جَيش يَقُول صبحكم ومساكم وَيَقُول بعثت أَنا والساعة كهاتين ويقرن بَين إصبعيه السبابَة وَالْوُسْطَى وَيَقُول أما بعد فَإِن خير الحَدِيث كتاب الله وَخير الْهَدْي هدي مُحَمَّد ص وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل بِدعَة ضَلَالَة ثمَّ يَقُول أَنا أولى بِكُل مُؤمن من نَفسه من ترك مَالا فلأهله وَمن ترك دينا أَو ضيَاعًا فَإِلَيَّ وَعلي رَوَاهُ مُسلم وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن جَعْفَر وَقَالَ فِيهِ وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وكل ضَلَالَة فِي النَّار قَالَ الشَّافِعِي المحدثات من الْأُمُور ضَرْبَان أَحدهمَا مَا أحدث يُخَالف كتابا أَو سنة أَو أثرا أَو إِجْمَاعًا فَهُوَ الْبِدْعَة الضَّلَالَة وَالثَّانِي مَا أحدث من الْخَيْر لَا خلاف فِيهِ لوَاحِد من هَذَا وَهَذِه محدثة غير مذمومة وَقد قَالَ عمر فِي قيام شهر رَمَضَان نعمت الْبِدْعَة هَذِه يَعْنِي أَنَّهَا محدثة لم تكن وَإِذا كَانَت فَلَيْسَ فِيهَا رد لما مضى وَأخرج عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ اتبعُوا وَلَا تبتدعوا فقد كفيتم وَأخرج أَيْضا عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يكون بعدِي رجال يعرفونكم مَا تنكرون وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُم مَا تعرفُون فَلَا طَاعَة لمن عصى الله تَعَالَى وَلَا تعملوا برأيكم وَأخرج عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يستكمل مُؤمن إيمَانه حَتَّى يكون هَوَاهُ تبعا لما جِئتُكُمْ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ نعيم بن حَمَّاد قلت تقدم أَن نعيما ثِقَة صَدُوق زَاد فِي التَّقْرِيب يُخطئ كثيرا وَعَن عمر اتَّقوا الرَّأْي فِي دينكُمْ وَعَن الشبعي أَنه قَالَ لقد بغض إِلَيّ هَؤُلَاءِ الْمَسَاجِد حَتَّى لهي أبْغض إِلَيّ من كناسَة دَاري فَقلت مِم يَا أَبَا عَمْرو قَالَ هَؤُلَاءِ الأرائيون أَصْحَاب الرَّأْي لما أعيتهم أَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحفظوها جَاءُوا يجادلون وَعَن الزُّهْرِيّ مثل ذَلِك وَعَن عمر بن الْخطاب بِسَنَد رِجَاله ثِقَات أَنه قَالَ يَا أَيهَا النَّاس اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي أرد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَأْي اجْتِهَاد فوَاللَّه مَا ألو على الْحق وَذَلِكَ يَوْم أبي جندل وَالْكتاب بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل مَكَّة فَقَالَ اكتبوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالُوا تَرَانَا قد صدقناك بِمَا تَقول وَلَكِنَّك تكْتب بِاسْمِك اللَّهُمَّ قَالَ فَرضِي
(1/21)
 
 
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأتيت عَلَيْهِم حَتَّى قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تراني أرْضى وتأبى أَنْت قَالَ فرضيت وَعَن أبي حُصَيْن قَالَ قَالَ أَبُو وَائِل لما قدم سهل بن حنيف من صفّين أتيناه نستخبره قَالَ فَقَالَ اتهموا الرَّأْي على الدّين فَلَقَد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل وَلَو أَسْتَطِيع أَن أرد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره لرددت وَالله وَرَسُوله أعلم وَمَا وَضعنَا أسيافنا على عواتقنا فِي أَمر يفظعنا إِلَّا أسهلن بِنَا على أَمر نعرفه قبل هَذَا الْأَمر مَا يسد مِنْهُ خصم إِلَّا انْفَتح علينا خصم مَا نَدْرِي كَيفَ نأتي إِلَيْهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَو كَانَ الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ بَاطِن الْخُفَّيْنِ أَحَق بِالْمَسْحِ من ظاهرهما وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على ظاهرهما وَعَن ابْن عمر أَنه قَالَ لَا يزَال النَّاس على الطَّرِيق مَا اتبعُوا الْأَثر وَعَن عُرْوَة بن الزبير أَنه كَانَ يَقُول اتِّبَاع السّنَن قوام الدّين
قَالَ الْبَيْهَقِيّ حَدثنَا أَبُو سعيد ثَنَا أَبُو الْحر ثَنَا بشير ثَنَا الْحميدِي ثَنَا يحيى بن سليم ثَنَا دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ سَمِعت ابْن سِيرِين يَقُول أول من قَاس إِبْلِيس قَالَ خلقتني من نَار وخلقته من طين وَإِنَّمَا عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر بالمقاييس وَعَن الْحسن أَنه كَانَ يَقُول اتهموا أهواءكم ورأيكم على دين الله وانتصحوا كتاب الله على أَنفسكُم ودينكم وَعَن الشّعبِيّ مَا كلمة أبْغض إِلَيّ من أَرَأَيْت وَعَن ابْن عون قَالَ قَالَ إِبْرَاهِيم أَن الْقَوْم لم يدّخر عَنْهُم شَيْء خبئ لكم بِفضل عنْدكُمْ وَعَن عَامر بن يسَاف أَنه قَالَ سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ يَقُول إِذا بلغك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث فإياك يَا عَامر أَن تَقول بِغَيْرِهِ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مبلغا عَن الله تبَارك وَتَعَالَى وَعَن سُفْيَان الثَّوْريّ أَنه قَالَ الْعلم كُله الْعلم بالآثار وَقَالَ الرّبيع بن سُلَيْمَان سَمِعت الشَّافِعِي يَقُول المراء فِي الْعلم يقسي الْقلب وَيُورث الضغائن وَقَالَ أَبُو الْأسود قلت لِابْنِ الْمُبَارك مَا ترى فِي كِتَابَة الرَّأْي قَالَ أَن تكتبه لتعرف بِهِ الحَدِيث فَنعم وَأما أَن تكتبه فتتخذه دينا فَلَا وَقَالَ ابْن وهب ثَنَا عبد العزيز بن أبي سَلمَة قَالَ لما جِئْت الْعرَاق جَاءَنِي أهل الْعرَاق فقالو حَدثنَا عَن ربيعَة الرَّأْي قَالَ فَقلت يَا أهل الْعرَاق تَقولُونَ ربيعَة الرَّأْي لَا وَالله مَا رَأَيْت أحدا أحفظ للسّنة مِنْهُ وَعَن سُفْيَان أَنه قَالَ قَالَ ربيعَة بن أبي عبد الرحمن إِذا بشع الْقيَاس فَدَعْهُ يَعْنِي إِذا شنع قَالَ وَكِيع قَالَ أَبُو حنيفَة من الْقيَاس مَا هُوَ أقبح من الْبَوْل فِي الْمَسْجِد قلت وَصدق الإِمَام أَبُو حنيفَة وَهُوَ الْقيَاس المصادم لنَصّ كتاب أَو سنة وَقَالَ يحيى بن حربس سَمِعت سُفْيَان وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ مَا تنقم على أبي حنيفَة قَالَ وَمَاله قَالَ سمعته يَقُول آخذ بِكِتَاب الله فمالم أجد فبسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن لم أجد فِي كتاب الله وَلَا سنة نبيه أخذت بقول أَصْحَابه من شِئْت مِنْهُم وأدع قَول من شِئْت مِنْهُم وَلَا أخرج من قَوْلهم إِلَى قَول غَيرهم فَأَما إِذا انْتهى الْأَمر إِلَى إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَعدد رجَالًا فقوم اجتهدوا فاجتهد كَمَا اجتهدوا قَالَ فَسكت سُفْيَان طَويلا ثمَّ قَالَ كَلِمَات بِرَأْيهِ مَا بَقِي فِي الْمجْلس أحد إِلَّا كتبه نستمع السديد من الحَدِيث فنخاف ونسمع اللين فنرجوه وَلَا نحاسب الْأَحْيَاء وَلَا نقضي على الْأَمْوَات نسلم مَا سمعناه وَنكل
(1/22)
 
 
مَا لم نعلم إِلَى عالمه ونتهم رَأينَا لرأيهم
قَالَ الشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ فَذَكرنَا فِي الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم إِذا اخْتلفُوا كَيفَ يرجح قَول بَعضهم على بعض وبماذا يرجح وَلَيْسَ لَهُ فِي الْأَخْذ بقول بَعضهم اخْتِيَار شَهْوَة من غير دلَالَة وَالَّذِي قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ من أَنا نتهم رَأينَا لرأيهم أَن أَرَادَ الصَّحَابَة إِذا اتَّفقُوا على شَيْء أَو الْوَاحِد مِنْهُم إِذا انْفَرد بقوله وَلَا مُخَالف لَهُ نعلمهُ مِنْهُم فَكَمَا قَالَ وَإِن أَرَادَ التَّابِعين إِذا اتَّفقُوا على شَيْء فَكَمَا قَالَ وَأَن أَرَادَ الْوَاحِد مِنْهُم إِذا انْفَرد بقوله لامخالف لَهُ نعلمهُ مِنْهُم فقد قَالَ كَذَلِك بعض أَصْحَابنَا وَأَن اخْتلفُوا فَلَا بُد من الِاجْتِهَاد وَفِي اخْتِيَار أصح أَقْوَالهم وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
وَأخْبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ قَالَ سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَري يَقُول سَمِعت أَبَا الْوَلِيد وَحدث بِحَدِيث مَرْفُوع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل لَهُ مَا رَأْيك فَقَالَ لَيْسَ لي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأْي وَقَالَ يحيى بن آدم لَا تحْتَاج مَعَ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قَول أحد وَإِنَّمَا يُقَال سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا ليعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا
أَقُول وعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يحمل حَدِيث عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي فَلَا يبْقى فِيهِ إِشْكَال فِي الْعَطف فَلَيْسَ للخلفاء سنة تتبع إِلَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن مُجَاهِد لَيْسَ أحد إِلَّا يُؤْخَذ من قَوْله وَيتْرك من قَوْله إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَن الشّعبِيّ وَعَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ مَا حدثوك عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخذ بِهِ وَمَا قَالُوا فِيهِ برأيهم قبل عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عمر يُرِيد بِهِ الرَّأْي الْمُخَالف للأثر
بَاب معرفَة أصُول الْعلم وَحَقِيقَته وَمَا الَّذِي يَقع عَلَيْهِ اسْم الْفِقْه وَالْعلم مُطلقًا
 
أخرج ابْن عبد البر بِسَنَد فِيهِ عبد الرحمن بن زِيَاد الأفريقي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعلم ثَلَاثَة فَمَا سوى ذَلِك فضل آيَة محكمَة وَسنة قَائِمَة وفريضة عادلة قلت وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَفِي إِسْنَاده عبد الرحمن بن رَافع وَفِيهِمَا مقَال قَالَ ابْن عبد البر وَالسّنة الْقَائِمَة الدائمة المحافظ عَلَيْهَا الْقيام إسنادها وَالْفَرِيضَة العادلة المساوية لِلْقُرْآنِ فِي وجوب الْعلم بهَا وَفِي كَونهَا صدقا وصوابا وَعَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعلم ثَلَاثَة أَشْيَاء كتاب نَاطِق وَسنة مَاضِيَة وَلَا أَدْرِي قلت وَأخرجه الديلمي فِي مُسْند الفردوس مَوْقُوفا وَأَبُو نعيم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والخطيب فِي رُوَاة مَالك وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك مَوْقُوفا قَالَ الْحَافِظ بن حجر الْمَوْقُوف حسن الْإِسْنَاد وَقَالَ أَبُو عمر وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا الْأُمُور ثَلَاثَة
(1/23)
 
 
أَمر تبين لَك رشده فَاتبعهُ وَأمر تبين لَك زيغه فاجتنبه وَأمر اخْتلف فِيهِ فكله إِلَى عالمه وَأخرج بِسَنَدِهِ عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تركت فِيكُم أَمريْن لن تضلوا مَا تمسكتم بهما كتاب الله وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ أَبُو عمر أَيْضا وَفِي كتاب عمر بن عبد العزيز إِلَى عُرْوَة كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي عَن الْقَضَاء بَين النَّاس وَأَن رَأس الْقَضَاء اتِّبَاع مَا فِي كتاب الله ثمَّ الْقَضَاء بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بِحكم أَئِمَّة الْهَدْي ثمَّ استشارة ذَوي الْعلم والرأي وَذكر ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ كَانَ ابْن شبْرمَة يَقُول ... مَا فِي الْقَضَاء شَفَاعَة لمخاصم ... عِنْد اللبيب وَلَا الْفَقِيه الْعَالم
هون عَليّ إِذا قضيت بِسنة ... أَو بِالْكتاب برغم أنف الراغم
وقضيت فِيمَا لم 2 أجد أثرا بِهِ ... ببصائر مَعْرُوفَة ومعالم ...
وَعَن ابْن وهب قَالَ قَالَ مَالك الحكم حكمان حكم جَاءَ بِهِ كتاب الله وَحكم أحكمته السّنة قَالَ ومجتهد رَأْيه فَلَعَلَّهُ يوفق قَالَ ومتكلف فطعن عَلَيْهِ وَأخرج بِسَنَدِهِ إِلَى ابْن وهب قَالَ قَالَ لي مَالك الحكم الَّذِي يحكم بِهِ بَين النَّاس حكمان مَا فِي كتاب الله أَو أحكمته السّنة فَذَلِك الحكم الْوَاجِب وَذَلِكَ الصَّوَاب وَالْحكم الَّذِي يجْتَهد فِيهِ الْعَالم رَأْيه فَلَعَلَّهُ يوفق وثالث متكلف فَمَا أحراه أَلا يوفق قَالَ وَقَالَ مَالك الْحِكْمَة وَالْعلم نور يهدي بِهِ الله من يَشَاء وَلَيْسَ بِكَثْرَة الْمسَائِل وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من ذَلِك الْكتاب سَمِعت مَالِكًا يَقُول لَيْسَ الْفِقْه بِكَثْرَة الْمسَائِل وَلَكِن الْفِقْه يؤتيه الله من يَشَاء من خلقه وَقَالَ ابْن وضاح وَسُئِلَ سَحْنُون أيسع الْعَالم أَن يَقُول لَا أَدْرِي فِيمَا يدْرِي فَقَالَ أما مَا فِيهِ كتاب قَائِم أَو سنة ثَابِتَة فَلَا يَسعهُ ذَلِك وَأما كَانَ من هَذَا الرَّأْي فَإِنَّهُ يَسعهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يدْرِي أمصيب هُوَ أم مُخطئ
وَذكر ابْن وهب فِي كتاب الْعلم من جَامعه قَالَ سَمِعت مَالِكًا يَقُول إِن الْعلم لَيْسَ بِكَثْرَة الرِّوَايَة وَلكنه نور يَجعله الله تَعَالَى فِي الْقُلُوب وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من ذَلِك الْكتاب وَقَالَ مَالك الْعلم وَالْحكمَة نور يهدي بِهِ الله من يَشَاء وَلَيْسَ بِكَثْرَة الْمسَائِل
قَالَ أَبُو عمر وَأخْبرنَا إِبْرَاهِيم بن شَاكر قَالَ ثَنَا مُحَمَّد بن يحيى بن عبد العزيز ثَنَا أسلم بن عبد العزيز قَالَ ثَنَا الْمُزنِيّ وَالربيع بن سُلَيْمَان قَالَا قَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ لأحد أَن يَقُول فِي شَيْء حَلَال وَلَا حرَام إِلَّا من جِهَة الْعلم وجهة الْعلم مَا نَص فِي الْكتاب أَو فِي السّنة أَو فِي الْإِجْمَاع أَو الْقيَاس على هَذِه الْأُصُول وَمَا فِي مَعْنَاهَا قَالَ أَبُو عمر أما الْإِجْمَاع فمأخوذ من قَول الله تَعَالَى {وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ} لِأَن الِاخْتِلَاف لَا يَصح مَعَه هَذَا الظَّاهِر وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَجْتَمِع أمتِي على ضَلَالَة وَعِنْدِي أَن إِجْمَاع الصَّحَابَة لَا يجوز خلافهم وَالله تَعَالَى أعلم لِأَنَّهُ لَا يجوز على جَمِيعهم جهل التَّأْوِيل وَفِي قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس}
(1/24)
 
 
دَلِيل على أَن جَمَاعَتهمْ إِذا أَجمعُوا حجَّة على من خالفهم كَمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة على جَمِيعهم قلت بل أَدِلَّة الْإِجْمَاع من الْكتاب وَالسّنة كَثِيرَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَأَبُو عمر وَاللَّفْظ لَهُ بِسَنَدَيْهِمَا إِلَى أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ يَا رَسُول الله من أسعد النَّاس بشفاعتك يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لقد ظَنَنْت يَا أَبَا هُرَيْرَة أَنه لَا يسألني عَن هَذَا الحَدِيث أحد أول مِنْك لما رايت من حرصك على الحَدِيث أَن أسعد النَّاس بشفاعتي يَوْم الْقِيَامَة من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله خَالِصا من قبل نَفسه وَأخرج ابْن عبد البر بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاذَا رد إِلَيْك رَبك فِي الشَّفَاعَة فَقَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لقد ظَنَنْت أَنَّك أول من يسألني عَن ذَلِك لما رَأَيْت من حرصك على الْعلم وَذكر الحَدِيث
قَالَ أَبُو عمر فِي الْخَبَر الأول لما رَأَيْت من حرصك على الحَدِيث وَفِي هَذَا لما رَأَيْت من حرصك على الْعلم فَسُمي الحَدِيث علما على الْإِطْلَاق وَمثل ذَلِك قَوْله ص نضر الله عبدا سمع مَقَالَتي فوعاها ثمَّ بلغَهَا غَيره فَرب حَامِل فق