بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب
المؤلف: محمود بن عبد الرحمن (أبي القاسم) ابن أحمد بن محمد، أبو الثناء، شمس الدين الأصفهاني (المتوفى: 749هـ)
عدد الأجزاء: 3
 
الثَّانِي، لِأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْ شَائِعٍ بِوَجْهٍ.
وَكُلُّ مَا ذَكَرَ فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَالْمُخْتَارِ وَالْمُزَيِّفِ - جَارٍ فِي تَقْيِيدِ الْمُطْلَقِ وَيَزِيدُ هَا هُنَا مَسْأَلَةً. وَهِيَ مَسْأَلَةُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
[مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَرَدَ مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ]
ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُطْلَقٌ وَلَفْظٌ مُقَيَّدٌ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَخْتَلِفَ حُكْمُهُمَا، أَوْ لَا ; فَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا فَلَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ: اكْسُ ثَوْبًا مِنَ الثِّيَابِ الْمِصْرِيَّةِ وَأَطْعِمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَيِّدُ الطَّعَامَ بِقَيْدِ الْمِصْرِيِّ لِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَهُمَا، إِلَّا فِي صُورَةٍ مِثْلَ قَوْلِهِ إِنْ ظَاهَرْتَ فَأَعْتِقْ رَقَبَةً، مَعَ قَوْلِهِ، لَا تَمْلِكْ رَقَبَةً كَافِرَةً، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ تَقْيِيدَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالْكَافِرِ يُوجِبُ تَقْيِيدَ الْمَأْمُورِ بِهِ بِنَفْيِ
(2/351)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْكَفْرِ ; لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي الْمِلْكِيَّةَ، فَلَوْ لَمْ يُقَيِّدِ الْمَأْمُورَ بِهِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ لَامْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ، وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْمِهْنِيِّ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَاضِحٌ "؛ أَيْ تَقْيِيدُ الرَّقَبَةِ الْمُطْلَقَةِ بِنَفْيِ الْكُفْرِ.
وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفْ حُكْمُهُمَا؛ أَيْ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَإِنْ كَانَ مُوجِبُهُمَا مُتَّحِدًا وَكَانَا مُثْبَتَيْنِ، مِثْلَ قَوْلِهِ فِي الظِّهَارِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً - فَفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ، وَيَكُونُ الْمُقَيَّدُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَا نَسْخًا لَهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْمُطْلَقُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُقَيَّدُ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ إِنْ تَأَخَّرَ الْمُقَيَّدُ.
وَالثَّالِثُ - أَنَّهُ يَحْمِلُ الْمُقَيَّدَ عَلَى الْمُطْلَقِ.
ش - احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لَا الْعَكْسُ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيِّدِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُقَيَّدِ عَمَلٌ بِالْمُطْلَقِ وَزِيَادَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى.
الثَّانِي - أَنَّ مَنْ عَمِلَ بِالْمُقَيَّدِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمُقَيَّدِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ بِالْمُطْلَقِ فَقَدْ أَتَى بِالْمُطْلَقِ وَزِيَادَةٍ، فَيَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ.
وَمَنْ عَمِلَ بِالْمُطْلَقِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ التَّكْلِيفِ بِيَقِينٍ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّكْلِيفُ بِالْمُقَيَّدِ، وَالْإِتْيَانُ بِالْمُطْلَقِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِتْيَانَ بِهِ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِيَقِينٍ.
وَاحْتَجَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ، لَا يَكُونُ نَسْخًا لَهُ بَلْ بَيَانًا بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُتَأَخِّرِ نَسْخًا لَهُ، لَكَانَ تَخْصِيصُ الْعَامِّ نَسْخًا لَهُ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ التَّقْيِيدَ يَرْفَعُ الْإِطْلَاقَ، وَالتَّخْصِيصَ يَرْفَعُ
(2/352)
 
 
وَأَيْضًا: لَكَانَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا) .
ص - (قَالُوا: لَوْ كَانَ تَقْيِيدًا لَوَجَبَ دَلَالَةُ رَقَبَةٍ عَلَى مُؤْمِنَةٍ مَجَازًا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَازِمٌ لَهُمْ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُقَيَّدُ، وَفِي التَّقْيِيدِ بِالسَّلَامَةِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَعْنَى رَقَبَةٌ مِنَ الرِّقَابِ فَيَرْجِعُ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّخْصِيصِ يُسَمَّى تَقْيِيدًا) .
ص - فَإِنْ كَانَا مَنْفِيَّيْنِ عُمِلَ بِهِمَا، مِثْلَ: لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا، لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا.
ص - فَإِنِ اخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا، كَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، فَعَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
فَقِيلَ: بِجَامِعٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ. فَيَصِيرُ كَالتَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ.
وَشَذَّ عَنْهُ بِغَيْرِ جَامِعٍ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَحْمِلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/353)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْعُمُومَ.
فَإِذَا كَانَ الْمُقَيَّدُ نَاسِخًا لِلْمُطْلَقِ كَانَ الْخَاصُّ نَاسِخًا لِلْعَامِّ.
الثَّانِي - أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَأَخُّرُ الْمُقَيَّدِ نَسْخًا لِلْمُطْلَقِ لَكَانَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ نَسْخًا لِلْمُقَيَّدِ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّهُ كَمَا أَنَّ تَأَخُّرَ الْمُقَيَّدِ يَرْفَعُ الْإِطْلَاقَ كَذَلِكَ تَأَخُّرُ الْمُطْلَقِ يَرْفَعُ التَّقْيِيدَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ تَأَخُّرَ الْمُقَيَّدِ عَنِ الْمُطْلَقِ نَسْخٌ لَهُ لَا بَيَانٌ، احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ الْمُطْلَقُ عَنِ الْمُقَيَّدِ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَا نَسْخًا لَهُ -
(2/354)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
لَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ دَلَالَةُ رَقَبَةٍ عَلَى مُؤْمِنَةٍ مَجَازًا.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ لِخِلَافِ الْأَصْلِ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمُقَيَّدَ لَوْ كَانَ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ لَكَانَ الْمُرَادُ بِالْمُطْلَقِ هُوَ الْمُقَيَّدَ وَإِذَا أُطْلِقَ الْمُطْلَقُ وَأُرِيدَ الْمُقَيَّدُ كَانَ مَجَازًا.
أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا أَيْضًا لَازِمٌ عَلَيْكُمْ إِذَا تَقَدَّمَ الْمُقَيَّدُ عَلَى الْمُطْلَقِ، لِأَنَّكُمْ سَلَّمْتُمْ أَنَّ الْمُقَيَّدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيَانًا لِلْمُطْلَقِ، لَا نَسْخًا لَهُ.
وَأَيْضًا: هَذَا لَازِمٌ عَلَيْكُمْ فِي تَقْيِيدِ الرَّقَبَةِ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، لِأَنَّ الرَّقَبَةَ مُطْلَقَةٌ، فَدَلَالَتُهَا عَلَى الرَّقَبَةِ السَّلِيمَةِ مَجَازٌ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ جَدَلِيًّا أَشَارَ إِلَى مَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَهُ.
قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمَعْنَى رَقَبَةٌ مِنَ الرِّقَابِ، أَيْ رَقَبَةٌ مُعَيَّنَةٌ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ " مُؤْمِنَةٍ " مَجَازًا ; لِأَنَّ دَلَالَةَ رَقَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ عَلَى أَيِّ مُعَيَّنٍ يُفْرَضُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ تَكُونُ حَقِيقَةً ; لِأَنَّ مُعَيَّنًا مِنَ الْمُعَيَّنَاتِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ الْمُعَيَّنَاتِ بِالِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْمُلَازَمَةُ مَمْنُوعَةً.
قِيلَ فِي بَيَانِ التَّحْقِيقِ: إِنَّ قَوْلَ الشَّارِعِ: أَعْتِقْ رَقَبَةً، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ مِنَ الرَّقَبَاتِ، إِلَّا أَنَّ الْمَعْنَى: أَعْتِقْ رَقَبَةً مِنَ الرَّقَبَاتِ، فَلَمَّا قَالَ: أَعْتِقْ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً بَيَّنَ بِهَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَدَّرِ الْعَامِّ هُوَ
(2/355)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْخَاصُّ، فَيَكُونُ الْمُقَدَّرُ هُوَ الرَّقَبَاتُ الْمُؤْمِنَةُ - فَيَرْجِعُ إِلَى نَوْعٍ مِنَ التَّخْصِيصِ، فَيُسَمَّى تَقْيِيدًا.
وَهَذَا أَوْفَقُ لِمَا فِي الْمَتْنِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ: الْمَجَازُ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ، فَيُصَارُ إِلَيْهِ احْتِرَازًا عَمَّا هُوَ أَشَدُّ مَحْظُورًا مِنْهُ.
ش - وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُوجِبُهُمَا مُتَّحِدًا وَكَانَا مَنْفِيَّيْنِ عُمِلَ بِهِمَا ; إِذْ لَا تَعَذُّرَ فِيهِ، مِثْلَ: لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا، لَا تَعْتِقْ مُكَاتَبًا كَافِرًا، فَيُعْمَلُ بِهِمَا بِأَنْ لَا تَعْتِقَ مُكَاتَبًا أَصْلًا.
(2/356)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
ش - وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِفِ الْحُكْمَانِ وَكَانَ مُوجِبُهُمَا مُخْتَلِفًا، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] .
وَقَوْلِهِ فِي الْقَتْلِ الْخَطَأِ: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . فَقَدِ اخْتَلَفُوا.
فَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا جَامِعٌ مُوجِبٌ لِلْإِلْحَاقِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِدَلِيلٍ، فَيَكُونُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُقَيَّدِ، كَتَخْصِيصِ الْعَامِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَحَلِّ التَّخْصِيصِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ أَنَّهُ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ سَوَاءٌ وُجِدَ جَامِعٌ بَيْنَهُمَا أَوْ لَمْ يُوجَدْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ، لَا تَعَدُّدَ فِيهِ.
وَهَذَا الْأَخِيرُ مَرْدُودٌ، شَذَّ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيِّدِ أَصْلًا، لِأَنَّ الْحَمْلَ يُوجِبُ رَفْعَ الْإِطْلَاقِ بِالْقِيَاسِ وَهُوَ نَسْخٌ، وَالْقِيَاسُ لَا يُنْسَخُ.
أُجِيبُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّهُ نَسْخٌ، بَلْ هُوَ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِبَعْضِ الْمُسَمَّيَاتِ فَيَكُونُ بَيَانًا لَهُ، لَا نَسْخًا.
[الْمُجْمَلُ]
[حد المجمل]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ، وَالْكَلَامِ فِي حَدِّهِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهِ.
الْمُجْمَلُ لُغَةً هُوَ: الْمَجْمُوعُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَجْمَلَ الْحِسَابَ، إِذَا جَمَعَهُ وَرَفَعَ تَفَاصِيلَهُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ.
وَإِنَّمَا قَالَ: " مَا " وَلَمْ يَقُلْ لَفْظٌ، لِيَتَنَاوَلَ الْفِعْلَ وَالْقَوْلَ ; لِأَنَّ الْإِجْمَالَ كَمَا يَكُونُ فِي اللَّفْظِ كَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْفِعْلِ.
وَالدَّلَالَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَفْظِيَّةً أَوْ غَيْرَ لَفْظِيَّةٍ.
وَدَلَالَةُ الْفِعْلِ عَقْلِيَّةٌ.
وَقَوْلُهُ: " وَلَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ ". احْتِرَازٌ عَنِ الْمُهْمَلِ؛ فَإِنَّهُ لَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا.
وَعَنِ الْمُبَيَّنِ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ.
(2/357)
 
 
الْمُجْمَلُ
ص - الْمُجْمَلُ: الْمَجْمُوعُ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ.
وَقِيلَ ; اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ.
وَلَا يَطَّرِدُ لِلْمُهْمَلِ وَالْمُسْتَحِيلِ.
وَلَا يَنْعَكِسُ ; لِجَوَازِ فَهْمِ أَحَدِ الْمَحَامِلِ، وَالْفِعْلِ الْمُجْمَلِ، كَالْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، لِاحْتِمَالِ الْجَوَازِ وَالسَّهْوِ.
أَبُو الْحُسَيْنِ: مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ.
وَيَرِدُ الْمُشْتَرَكُ الْمُبَيَّنُ وَالْمَجَازُ الْمُرَادُ، بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/358)
 
 
وَقَدْ يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ بِالْأَصَالَةِ أَوْ بِالْإِعْلَالِ، كَالْمُخْتَارِ.
وَفِي مُرَكَّبٍ، مِثْلَ: أَوْ يَعْفُوَ، وَفِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، وَفِي مَرْجِعِ الصِّفَةِ، كَطَبِيبٍ مَاهِرٍ، وَفِي تَعَدُّدِ الْمَجَازِ بَعْدَ مَنْعِ الْحَقِيقَةِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) وَ (أُمَّهَاتُكُمْ) .
خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ.
لَنَا: الْقَطْعُ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ الْعُرْفَ: الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ.
قَالُوا: مَا وَجَبَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلَا يُضْمَرُ الْجَمِيعُ، وَالْبَعْضُ غَيْرُ مُتَّضِحٍ.
وَأُجِيبُ مُتَّضِحٌ بِمَا تَقَدَّمَ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) .
لَنَا: إِنْ لَمْ يَثْبُتْ (فِي مِثْلِهِ) عُرْفٌ فِي بَعْضٍ كَمَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/359)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
قِيلَ: يَدْخُلُ فِي الْحَدِّ: الْمُئَوَّلُ أَيْضًا ; فَإِنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَرْجُوحِ لَيْسَتْ مُتَّضِحَةً.
أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُئَوَّلَ صُدِّقَ عَلَيْهِ أَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ.
وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّهُ غَيْرٌ دَاخِلٍ تَحْتَ الْحَدِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ، وَدَاخِلٌ تَحْتَهُ مِنَ الْوَجْهِ الْآخَرِ الَّذِي بِهِ كَانَ مُئَوَّلًا.
وَهَذَا الرَّدُّ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمُجْمَلَ: مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ أَصْلًا وَالْمُئَوَّلُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ مُتَّضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَعْنَى الرَّاجِحِ، فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا تَحْتَ الْحَدِّ.
وَقِيلَ فِي تَعْرِيفِ الْمُجْمَلِ أَيْضًا إِنَّهُ: اللَّفْظُ الَّذِي لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ.
وَهَذَا الْحَدُّ غَيْرُ مُطَّرِدٍ ; لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُهْمَلِ ; لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَكَذَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ ; إِذْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ ; لِأَنَّ مَدْلُولَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، مَعَ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَهَذَا الْحَدُّ أَيْضًا غَيْرُ مُنْعَكِسٍ ; فَإِنَّ الْمُجْمَلَ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لِجَوَازِ فَهْمِ أَحَدِ مَحَامِلِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَحَدُ الْمَحَامِلِ شَيْءٌ - فَيَصْدُقُ الْمَحْدُودُ دُونَ الْحَدِّ.
(2/360)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَأَيْضًا الْفِعْلُ الْمُجْمَلُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَدِّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَفْظٍ، مَعَ أَنَّهُ مُجْمَلٌ، كَقِيَامِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْلِسَ لِلتَّشَهُّدِ؛ فَإِنَّهُ فِعْلٌ مُجْمَلٌ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَنْ تَعَمُّدٍ فَيَكُونُ دَالًّا عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْجَلْسَةِ لِلتَّشَهُّدِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ عَنْ سَهْوٍ، وَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْجَلْسَةِ لِلتَّشَهُّدِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ فِي تَعْرِيفِهِ: إِنَّ الْمُجْمَلَ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ، أَيْ مِنْ نَفْسِهِ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنِ الْمُجْمَلِ الْمُبَيَّنِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ بِالْبَيَانِ، لَا مِنْ نَفْسِهِ.
وَأَوْرَدَ عَلَى طَرْدِ هَذَا التَّعْرِيفِ الْمُشْتَرَكَ الْمُبَيَّنَ، كَعَيْنٍ جَارِيَةٍ ; فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَهَذَا غَيْرُ وَارِدٍ ; إِذِ الْمُشْتَرَكُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْبَيَانِ، لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُجْمَلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَمَعَ الْتِفَاتِ النَّظَرِ إِلَى الْبَيَانِ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْهُ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَاللَّفْظُ الْوَاحِدُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَلًا بِاعْتِبَارٍ، غَيْرَ مُجْمَلٍ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ.
وَأَوْرَدَ أَيْضًا عَلَى طَرْدِهِ الْمَجَازَ الْمُرَادَ، بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَقَيَّدَ الْمُشْتَرَكَ بِالْمُبَيَّنِ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُبَيَّنْ يَكُونُ مُجْمَلًا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا سَوَاءٌ بُيِّنَ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ.
قِيلَ: هَذَا أَيْضًا غَيْرُ وَارِدٍ ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَجَازُ لَمْ
(2/361)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
يَكُنْ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ مِنْ نَفْسِهِ، وَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُجْمَلٌ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اسْتُعْمِلَ فِيمَا لَمْ يُوضَعْ لَهُ مَجَازٌ.
وَالْإِجْمَالُ قَدْ يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ، إِمَّا بِالْأَصَالَةِ، كَالْقُرْءِ، أَوْ بِإِعْلَالٍ، كَالْمُخْتَارِ، فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا، وَهَذَا الْإِجْمَالُ إِنَّمَا عَرَضَ فِيهِ بِوَاسِطَةِ قَلْبِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَوِ الْمَفْتُوحَةِ أَلْفًا.
وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مُرَكَّبٍ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] ". لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ هُوَ الزَّوْجُ أَوِ الْوَلِيُّ، وَالْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ مُرَكَّبٌ.
وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مَرْجِعِ الضَّمِيرِ، وَذَلِكَ إِذَا تَعَدَّدَ مَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجُوعًا إِلَيْهِ، وَلَمْ يُرَجَّحِ الْعَوْدُ إِلَى وَاحِدٍ؛ نَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَأَكْرَمَنِي؛ فَإِنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي هُوَ فَاعِلُ أَكْرَمَنِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُرْجَعَ إِلَى زَيْدٍ وَيُحْتَمَلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى عَمْرٍو.
وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي مَرْجِعِ الصِّفَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِ: زَيْدٌ طَبِيبٌ مَاهِرٌ؛ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَاهِرٌ صِفَةً لِلطَّبِيبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِصِفَةٍ أُخْرَى.
وَقَدْ يَكُونُ الْإِجْمَالُ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَازِ بَعْدَ مَنْعِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى مَفْهُومِهِ الْحَقِيقِيِّ إِذَا كَانَتِ الْمَجَازَاتُ مُتَكَافِئَةً.
(2/362)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ "]
ش - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِي إِضَافَةِ التَّحْرِيمِ إِلَى الْأَعْيَانِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] .
خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ.
(2/363)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْقَطْعَ حَاصِلٌ بِالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إِلَى الْأَعْيَانِ الْمُرَادُ مِنْهُ عُرْفًا: تَحْرِيمُ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ؛ مَثَلًا: الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْمَيْتَةِ: الْأَكْلُ. فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إِلَى الْمَيْتَةِ هُوَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ.
وَالْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنَ النِّسَاءِ هُوَ النِّكَاحُ، فَالتَّحْرِيمُ الْمُضَافُ إِلَى الْأُمَّهَاتِ هُوَ تَحْرِيمُ نِكَاحِهِنَّ.
الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ قَالُوا: إِنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إِلَى الْأَعْيَانِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ إِضْمَارٌ ; لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ الْمَقْدُورَةِ. وَالْأَعْيَانُ لَيْسَتْ بِمَقْدُورَةٍ، فَإِذَا وَجَبَ أَنْ يُضْمَرَ شَيْءٌ بِالضَّرُورَةِ، لِئَلَّا يَلْزَمَ إِهْمَالُ الْخِطَابِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَيُقَدَّرُ الْمُضْمَرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ غَيْرُ مُحْتَاجَةٍ، فَلَا يُضْمَرُ الْجَمِيعُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِإِضْمَارِ الْبَعْضِ، فَتَعَّيَنَ إِضْمَارُ الْبَعْضِ، وَالْبَعْضُ غَيْرُ مُتَّضِحٍ ; لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ إِضْمَارِ الْبَعْضِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَتَحَقَّقُ الْإِجْمَالُ.
أَجَابَ بِأَنَّ الْبَعْضَ مُتَّضِحٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي فِي مِثْلِهِ تَحْرِيمَ الْفِعْلِ الْمَقْصُودِ.
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ "]
ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] هَلْ هُوَ مُجْمَلٌ أَمْ لَا؟ .
فَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ وُجُوبِ مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَبَعْضِهِ لِإِطْلَاقِ الرَّأْسِ عَلَى الْكُلِّ وَالْبَعْضِ، وَالْمُبَيِّنُ فِعْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَلٍ.
فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لِمُطْلَقِ مَسْحِ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْبَعْضِ أَوْ لِلْكُلِّ، وَيَحْصُلُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَسْحِ.
(2/364)
 
 
(وَإِنْ ثَبَتَ كَالشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَأَبِي الْحُسَيْنِ، فَلَا إِجْمَالَ) .
قَالُوا: الْعُرْفُ فِي نَحْوِ مَسَحْتُ بِالْمِنْدِيلِ: الْبَعْضُ.
قُلْنَا: لِأَنَّهُ آلَةٌ.
بِخِلَافِ مَسَحْتُ بِوَجْهِي.
وَأَمَّا الْبَاءُ لِلتَّبْعِيضِ، فَأَضْعَفُ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ (قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -:) " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ".
خِلَافًا لَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْبَصْرِيِّ.
لَنَا: الْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ قَبْلَ الشَّرْعِ: الْمُؤَاخَذَةُ وَالْعِقَابُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/365)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَعِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ أَنَّهُ لِلْكُلِّ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُرْفٌ فِي ظُهُورِ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضٍ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ (بَلْ بَقِيَ عَلَى الْوَضْعِ الْأَوَّلِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْقَاضِي وَابْنِ جِنِّيٍّ، كَانَ مُقْتَضَاهُ مَسْحَ الْكُلِّ - فَلَا إِجْمَالَ.
وَإِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ فِي ظُهُورِ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضٍ أَيَّ بَعْضٍ كَانَ) . كَانَ مُقْتَضَاهُ التَّبْعِيضَ فَيَحْصُلُ بِمَسْحِ أَيِّ بَعْضٍ، فَلَا إِجْمَالَ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ ثَابِتٌ بَيْنَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ (لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لِمُطْلَقِ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَيَحْصُلُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ.
وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِمَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ.
(2/366)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
لَكِنْ لَمَّا كَانَ مَآلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا إِلَى وُجُوبِ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ لَمْ يُفَصِّلِ الْمُصَنِّفُ، وَذَكَرَ مُطْلَقًا أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وُجُوبُ مَسْحِ الْبَعْضِ.
احْتَجَّ الْقَائِلُ بِالتَّبْعِيضِ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ فِي مِثْلِ: مَسَحْتُ بِالْمَنْدِيلِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مَسْحَ بَعْضِ الْمَنْدِيلِ، لَا كُلِّهِ.
أَجَابَ بِأَنَّ الْعُرْفَ إِنَّمَا يَقْتَضِي مَسْحَ الْبَعْضِ حَيْثُ يَكُونُ الْمَسْحُ لِلْآلَةِ، لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالْآلَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِبَعْضِهَا. بِخِلَافِ مَسَحْتُ بِوَجْهِي، فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي فِيهِ مَسْحَ بَعْضِ الْوَجْهِ.
الثَّانِي - أَنَّ الْبَاءَ إِذَا وَلِيَتْ فِعْلًا مُتَعَدِّيًا أَفَادَتِ التَّبْعِيضَ فِي الْمَجْرُورِ بِهَا لُغَةً.
أَجَابَ بِأَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَوْنِ الْبَاءِ لِلتَّبْعِيضِ أَضْعَفُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ نَقْلٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ.
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ "]
ش - لَمَّا كَانَ الرَّفْعُ الْمُضَافُ إِلَى الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» " لَا يُوجِبُ رَفْعَ ذَاتِهِمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارٍ، اخْتَلَفُوا فِي إِجْمَالِهِ:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ.
وَذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ عُرْفَ اسْتِعْمَالِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَبْلَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ جَرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: رَفْعُ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ ; لِأَنَّ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا التَّرْكِيبِ، فَحِينَئِذٍ لَا إِجْمَالَ فِيهِ.
قَوْلُهُ: " وَلَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ " إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ سُؤَالٍ تَقْرِيرُهُ أَنَّ عُرْفَ الِاسْتِعْمَالِ لَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرْتُمْ لَارْتَفَعَ الضَّمَانُ أَيْضًا ; لِكَوْنِهِ مِنَ
(2/367)
 
 
وَلَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ إِمَّا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِقَابٍ، أَوْ تَخْصِيصًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ؛ فَلَا إِجْمَالَ.
قَالُوا، وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَيْتَةِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: " «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» ".
خِلَافًا لِلْقَاضِي.
لَنَا: إِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الصَّحِيحِ فَلَا إِجْمَالَ، وَإِلَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/368)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ.
أَجَابَ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - أَنَّ الضَّمَانَ إِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِقَابًا ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعِقَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْسِ مِنَ الْمَضَارِّ، وَالضَّمَانُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَالِ.
الثَّانِي - أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ عِقَابٌ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَخْصِيصًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى نَفْيِ كُلِّ عِقَابٍ، وَالتَّخْصِيصُ أَوْلَى مِنَ الْإِجْمَالِ.
الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُجْمَلًا احْتَجُّوا بِمَا سَبَقَ فِي مِثْلِ " {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] ". وَتَقْرِيرُهَا هَا هُنَا أَنَّهُ إِذِ امْتَنَعَ رَفْعُ ذَاتِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ عَنْهُمْ وَجَبَ أَنْ يُقَدَّرَ شَيْءٌ بِالضَّرُورَةِ، وَيَجُوزُ إِضْمَارُ جَمِيعِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَدَّرَ ; لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَنْدَفِعُ بِإِضْمَارِ الْبَعْضِ، وَإِضْمَارُ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ دُونَ بَعْضٍ، تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، فَيَلْزَمُ الْإِجْمَالُ.
وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ أَوْلَوِيَّةِ إِضْمَارِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي إِضْمَارَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالْعِقَابِ، فَيَكُونُ إِضْمَارُهَا أَوْلَى.
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ "]
ش - لَمَّا كَانَ النَّفْيُ الْوَارِدُ عَلَى مَا لَهُ وُجُودٌ حِسًّا، مِثْلَ:
(2/369)
 
 
فَالْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ (نَفْيُ) الْفَائِدَةِ، مِثْلَ: لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ، فَلَا إِجْمَالَ.
وَلَوْ قُدِّرَ انْتِفَاؤُهُمَا فَالْأَوْلَى نَفْيُ الصِّحَّةِ ; لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ.
فَكَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ.
قُلْنَا: إِثْبَاتُ الْمَجَازِ بِالْعُرْفِ فِي مِثْلِهِ (وَهُوَ جَائِزٌ) .
قَالُوا: الْعُرْفُ شَرْعًا مُخْتَلِفٌ فِي الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ.
قُلْنَا: مُخْتَلِفٌ لِلِاخْتِلَافِ.
وَإِنْ سُلِّمَ، فَلَا اسْتِوَاءَ لِتَرَجُّحِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] .
لَنَا: أَنَّ الْيَدَ إِلَى الْمَنْكِبِ حَقِيقَةً؛ لِصِحَّةِ بَعْضِ الْيَدِ لِمَا دُونَهُ، وَالْقَطْعُ: إِبَانَةُ الْمُتَّصِلِ؛ فَلَا إِجْمَالَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/370)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
" «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ» " لَا يَبْقَى ذَلِكَ حَقِيقَةً، بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرِ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ النَّفْيُ بِهِ - اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهِ مُجْمَلًا:
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَذَهَبَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَعَدُّدِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يُقَدَّرَ لِتَعَلُّقِ النَّفْيِ بِهِ، وَامْتِنَاعِ تَقْدِيرِ الْكُلِّ لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِالْبَعْضِ، وَامْتِنَاعِ بَعْضٍ مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ فِي الصَّحِيحِ، فَلَا إِجْمَالَ، أَيْ إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّارِعَ نَقَلَهُ مِنْ نَفْيِ الصَّلَاةِ إِلَى نَفْيِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ فَلَا إِجْمَالَ.
(2/371)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عُرْفٌ شَرْعِيٌّ - فَالْعُرْفُ اللُّغَوِيُّ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ يَقْتَضِي إِضْمَارَ الْفَائِدَةِ، أَيْ لَا فَائِدَةَ لِصَلَاةٍ إِلَّا بِطَهُورٍ، مِثْلَ: لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ؛ أَيْ لَا فَائِدَةَ لِعِلْمٍ إِلَّا مَا نَفَعَ، فَلَا إِجْمَالَ أَيْضًا.
فَلَوْ فُرِضَ انْتِفَاءُ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَنَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى صِحَّةُ الشَّيْءِ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ.
بِخِلَافِ مَا إِذَا انْتَفَى الْفَضِيلَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ كَالْعَدَمِ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُعْتَدًّا بِهِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْفَضِيلَةِ، فَكَانَ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَقْرَبَ إِلَى الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ الَّتِي هِيَ نَفْيُ الْوُجُودِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاسْتِدْلَالُ فَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ; وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ.
أُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ إِثْبَاتٌ لِأَوْلَوِيَّةِ أَحَدِ الْمَجَازَاتِ (بَعْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ بِالْعُرْفِ؛ وَإِثْبَاتُ أَحَدِ الْمَجَازَاتِ) بِالْعُرْفِ جَائِزٌ.
قِيلَ: كَيْفَ صَحَّ جَوَابُهُ بِإِثْبَاتِ الْمَجَازِ بِالْعُرْفِ، وَالتَّقْدِيرُ انْتِفَاءُ الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ؟ .
أُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْعُرْفِ عُرْفَ الْأُصُولِيِّينَ؛ فَلَا مُنَافَاةَ.
قِيلَ: إِنَّ التَّأَمُّلَ يَأْبَى هَذَا الْجَوَابَ، لِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ لَا يَرِدُ
(2/372)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
عَلَى مَا هُوَ مُصْطَلَحٌ حَدَثَ بَعْدَ ظُهُورِ الشَّرْعِ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، وَانْتِفَاؤُهُمَا لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ عُرْفِ الْمَجَازِ.
احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ فِي الْكَمَالِ وَالصِّحَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ ; لِأَنَّهُ يَرِدُ هَذَا التَّرْكِيبُ فِي الشَّرْعِ تَارَةً لِنَفْيِ الصِّحَّةِ، وَأُخْرَى لِنَفْيِ الْكَمَالِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ عُرْفُ الشَّرْعِ فِيهِمَا كَانَ مُجْمَلًا.
أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ وُرُودَهُ فِي الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، بَلِ الِاخْتِلَافُ إِنَّمَا حَصَلَ مِنَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَقْدِيرِهِ ; فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ الصِّحَّةَ، وَبَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ الْكَمَالَ.
وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ وُرُودَهُ فِي الشَّرْعِ مُخْتَلِفٌ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اخْتِلَافَ عُرْفِ الشَّرْعِ يُوجِبُ الْإِجْمَالَ ; لِأَنَّ اخْتِلَافَ عُرْفِ الشَّرْعِ إِنَّمَا يُوجِبُ الْإِجْمَالَ أَنْ لَوْ تَسَاوَى عُرْفُ الشَّرْعِ فِيهِمَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِأَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ رَاجِحٌ بِمَا ذَكَرْنَا؛ فَلَا إِجْمَالَ.
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِي نَحْوِ " وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ "]
ش - لَا إِجْمَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] مِنْ جِهَةِ الْيَدِ وَالْقَطْعِ، خِلَافًا لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ أَنَّ الْيَدَ لِمَجْمُوعِ الْعُضْوِ مِنَ الْأَنَامِلِ إِلَى الْمَنْكِبِ حَقِيقَةً ; لِصِحَّةِ قَوْلِنَا بَعْضُ الْيَدِ عَلَى مَا دُونَ الْمَنْكِبِ، وَامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشَّيْءِ نَفْسَهُ.
وَالْقَطْعُ حَقِيقَةً فِي إِبَانَةِ الْمُتَّصِلِ؛ فَلَا إِجْمَالَ فِيهِ.
(2/373)
 
 
وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْمَنْكِبِ لَزِمَ الْإِجْمَالُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَزِمَ الْمَجَازُ.
وَاسْتَدَلَّ: يَحْتَمِلُ الِاشْتِرَاكَ وَالتَّوَاطُؤَ.
وَحَقِيقَةُ أَحَدِهِمَا وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ.
وَأُجِيبُ: (بِأَنَّهُ) إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ.
وَبِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْمَلًا أَبَدًا.
قَالُوا: تُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الثَّلَاثِ، وَالْقَطْعُ عَلَى الْإِبَانَةِ وَعَلَى الْجُرْحِ؛ فَثَبَتَ الْإِجْمَالُ.
قُلْنَا: لَا إِجْمَالَ مَعَ الظُّهُورِ.
ص - مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ مُجْمَلٌ.
لَنَا: أَنَّهُ مَعْنَاهُ.
قَالُوا: يَظْهَرُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ.
قُلْنَا: إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ.
وَلَوْ سُلِّمَ عُورِضَ بِأَنَّ الْحَقَائِقَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ أَكْثَرُ، فَكَانَ أَظْهَرَ.
قَالُوا: يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَةَ كَالسَّارِقِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) مَا لَهُ مَحْمَلٌ لُغَوَيٌّ وَمَحْمَلٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ، مِثْلَ: " «الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ» " - لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
لَنَا: عَرَّفَ الشَّارِعُ تَعْرِيفَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ.
قَالُوا: يَصْلُحُ لَهُمَا وَلَمْ يَتَّضِحْ.
قُلْنَا: مُتَّضِحٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) لَا إِجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ.
وَثَالِثُهَا، لِلْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْإِثْبَاتِ شَرْعِيٌّ وَفِي النَّهْيِ مُجْمَلٌ، وَرَابِعُهَا فِي النَّهْيِ لُغَوِيٌّ، وَالْإِثْبَاتُ شَرْعِيٌّ مِثْلَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/374)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا تَكُونُ مُجْمَلَةً لَوْ كَانَ الْيَدُ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمِرْفَقِ وَالْمَنْكِبِ، وَالِاشْتِرَاكُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا لَكَانَ مَجَازًا، وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ.
وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنَ الِاشْتِرَاكِ، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْيَدَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجْمَلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا، مَجَازًا فِي الْبَاقِينَ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ ظَاهِرًا لَا إِجْمَالَ فِيهِ.
وَلَا شَكَّ أَنْ وُقُوعَ وَاحِدٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ التَّقْدِيرُ الْأَوَّلُ، فَكَوْنُهُ غَيْرَ مُجْمَلٍ أَقْرَبُ مِنْ كَوْنِهِ مُجْمَلًا.
أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا ذَكَّرْتُمْ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُجْمَلٌ أَبَدًا لِعَيْنِ مَا ذَكَرْتُمْ.
وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ لَا يَتَمَشَّى فِي جَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، بَلْ إِنَّمَا يَتَمَشَّى فِي اللَّفْظِ الَّذِي أُطْلِقَ عَلَى مَعَانٍ، وَاخْتُلِفَ
(2/375)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فِي كَوْنِهِ ظَاهِرًا فِي الْبَعْضِ أَوْ غَيْرَ ظَاهِرٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.
الْقَائِلُونَ بِالْإِجْمَالِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْيَدَ يُطْلَقُ عَلَى الثَّلَاثِ، أَيِ الْعُضْوِ إِلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ، وَالْقَطْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْإِبَانَةِ وَعَلَى الْجُرْحِ، وَلَا تَرْجِيحَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ؛ فَيَحْصُلُ الْإِجْمَالُ.
أَجَابَ بِأَنَّ الْيَدَ وَالْقَطْعَ وَإِنْ كَانَا يُطْلَقَانِ عَلَى الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ لَكِنْ لَا إِجْمَالَ فِيهِمَا لِكَوْنِهِمَا ظَاهِرَيْنِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْمَعَانِي، لِأَنَّ الْيَدَ ظَاهِرَةٌ فِي الْكُلِّ، وَالْقَطْعَ فِي الْإِبَانَةِ، وَلَا إِجْمَالَ مَعَ الظُّهُورِ.
[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ اللَّفْظَ لِمَعْنًى تَارَةً وَلِمَعْنَيَيْنِ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ مُجْمَلٌ]
ش - إِذَا كَانَ اللَّفْظُ اسْتُعْمِلَ تَارَةً فِيمَا يُفِيدُ مَعْنًى وَأُخْرَى فِيمَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ ظُهُورٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَحَدِهِمَا - فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ
(2/376)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُجْمَلٌ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ ظُهُورٌ لِأَحَدِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخَرِ لَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا ; إِذْ لَا مَعْنَى لِلْمُجْمَلِ إِلَّا ذَلِكَ؛ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ احْتَجُّوا بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ أَظْهَرُ (مِنْ حَمْلِهِ) عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنًى وَاحِدًا ; لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا يُفِيدُ مَعْنَيَيْنِ مُوجِبٌ لِتَكْثِيرِ الْفَائِدَةِ، وَحَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ فَائِدَةً أَظْهَرُ.
أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ ; لِأَنَّهُ أَثْبَتَ ظُهُورَهُ فِي الْمَعْنَيَيْنِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ فَائِدَةً؛ وَإِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ بَاطِلٌ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَيْسَ إِثْبَاتَ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْمَوْضُوعَةَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمَوْضُوعَةِ لِمَعْنَيَيْنِ، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ أَظْهَرُ.
الثَّانِي - أَنَّ اللَّفْظَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاطِئًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِهِمَا مَجَازًا فِي الْآخَرِ، كَآيَةِ السَّرِقَةِ.
وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ يَكُونُ مُجْمَلًا. وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ
(2/377)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
لَا يَكُونُ مُجْمَلًا وَوُقُوعُ وَاحِدٍ مِنَ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ وُقُوعِ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، فَعَدَمُ الْإِجْمَالِ أَقْرَبُ مِنَ الْإِجْمَالِ.
وَجَوَابُهُ مَا مَرَّ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِثْبَاتُ اللُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ مُجْمَلٌ أَبَدًا.
[مَسْأَلَةٌ: مَا لَهُ مَحْمَلٌ لُغَوَيٌّ وَمَحْمَلٌ فِي حُكْمٍ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ]
ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مِنَ الشَّارِعِ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنًى لُغَوِيٍّ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِثْلَ: " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ".
(2/378)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِافْتِقَارَ إِلَى الطَّهَارَةِ، إِذْ هِيَ كَالصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ حُكْمًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَاةٌ لُغَةً لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الدُّعَاءِ.
فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ طَائِفَةً إِلَى أَنَّهُ مُجْمَلٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَّالِيِّ.
وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ تَعْرِيفُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبْعَثْ لِتَعْرِيفِ اللُّغَةِ، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَعْثَةِ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا.
الْقَائِلُونَ بِكَوْنِهِ مُجْمَلًا قَالُوا: إِنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَلَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا.
أَجَابَ بِأَنَّهُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِمَا ذَكَرْنَا.
[مَسْأَلَةٌ: لَا إِجْمَالَ فِيمَا لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ]
ش - إِذَا وَرَدَ لَفْظٌ فِي الشَّرْعِ لَهُ مُسَمًّى لُغَوِيٌّ وَمُسَمًّى شَرْعِيٌّ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ أَحَدِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ: أَحَدُهَا - أَنَّهُ لَا إِجْمَالَ فِيهِ - وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
وَثَانِيهَا - أَنَّهُ مُجْمَلٌ مُطْلَقًا.
وَثَالِثُهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ الْغَزَّالِيِّ - أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ - يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا. وَإِذَا وَرَدَ فِي النَّهْيِ
(2/379)
 
 
" إِنِّي إِذًا لَصَائِمٌ ".
لَنَا: (أَنَّ) عُرْفَهُ يَقْضِي بِظُهُورِهِ فِيهِ.
الْإِجْمَالُ: يَصْلُحُ لَهُمَا.
الْغَزَّالِيُّ: فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ لِلُزُومِ صِحَّتِهِ.
وَأُجِيبُ: لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ: الصَّحِيحَ، وَإِلَّا لَزِمَ فِي " دَعِي الصَّلَاةَ " الْإِجْمَالُ.
الرَّابِعُ: فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ لِلُزُومِ صِحَّتِهِ، كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْخَمْرِ.
وَأُجِيبُ بِمَا تَقَدَّمَ.
وَبِأَنَّ " دَعِي الصَّلَاةَ " لِلُغَوِيٍّ: وَهُوَ بَاطِلٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/380)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
يَكُونُ مُجْمَلًا.
وَرَابِعُهَا - أَنَّهُ إِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ يُحْمَلُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، وَإِذَا وَرَدَ فِي جَانِبِ النَّهْيِ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، فَلَا يَكُونُ مُجْمَلًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلَ يَحْمِلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي الْإِثْبَاتِ أَوْ فِي النَّهْيِ، وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ يَحْمِلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ إِذَا كَانَ فِي جَانِبِ النَّفْيِ.
مِثَالُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْإِثْبَاتِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَائِشَةَ حِينَ سَأَلَهَا: «هَلْ مِنْ غَدَاءٍ ; فَقَالَتْ: لَا. فَقَالَ: إِنِّي إِذًا صَائِمٌ» .
مِثَالُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ النَّهْيِ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ النَّحْرِ» .
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ يَقْضِي بِظُهُورِ اللَّفْظِ فِي الْمُسَمَّى الشَّرْعِيِّ، كَمَا تَقَدَّمَ؛ فَلَا إِجْمَالَ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِالْإِجْمَالِ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لَهُمَا، وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَلَمْ يَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَكُونُ مُجْمَلًا.
وَالْجَوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَفْهُومِ
(2/381)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الشَّرْعِيِّ.
احْتَجَّ الْغَزَّالِيُّ بِأَنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي النَّهْيِ، مِثْلَ: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ النَّحْرِ» - تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ، وَإِلَّا لَزِمَ صِحَّتُهُ ; لِأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ الصَّحِيحُ. فَيَكُونُ مُجْمَلًا.
أَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ: الصَّحِيحَ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ هُوَ الصَّحِيحَ يَلْزَمُ الْإِجْمَالُ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ - " «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكَ» ".
وَالتَّالِي بَاطِلٌ قَطْعًا.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ حَمْلُ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَإِذَا امْتَنَعَ حَمْلُهَا عَلَى الشَّرْعِيَّةِ يَكُونُ مُجْمَلًا، الْقَائِلُ بِالْمَذْهَبِ الرَّابِعِ احْتَجَّ بِأَنَّهُ فِي النَّهْيِ تَعَذَّرَ الشَّرْعِيُّ، لِلُزُومِ صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْحُرِّ وَالْخَمْرِ، أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الشَّرْعِيِّ، لَزِمَ صِحَّةُ بَيْعِهِمَا، وَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الشَّرْعِيِّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ ; لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى اللُّغَوِيِّ أَوْلَى مِنَ الْإِجْمَالِ.
أَجَابَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الشَّرْعِيِّ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحَ.
وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يَلْزَمُ أَنْ تُحْمَلَ الصَّلَاةُ فِي قَوْلِهِ: " دَعِي الصَّلَاةَ " عَلَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ اللُّغَوِيَّةِ الَّتِي هِيَ الدُّعَاءُ فِي الْحَيْضِ.
[الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ]
[تعريف الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ]
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَبَاحِثِ الْمُجْمَلِ شَرَعَ فِي الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ.
الْبَيَانُ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ.
أَحَدُهُمَا - فِعْلُ الْمُبَيِّنِ، أَعْنِي التَّبَيُّنَ، وَهُوَ رَفْعُ الْإِبْهَامِ.
الثَّانِي - الدَّلِيلُ وَهُوَ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّبْيِينُ.
(2/382)
 
 
الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ
ص - الْبَيَانُ وَالْمُبَيَّنُ.
يُطْلَقُ الْبَيَانُ عَلَى فِعْلِ الْمُبَيِّنِ، وَعَلَى الدَّلِيلِ، وَعَلَى الْمَدْلُولِ، فَلِذَلِكَ قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ.
وَأَوْرَدَ الْبَيَانَ ابْتِدَاءً، وَالتَّجَوُّزَ بِالْحَيِّزِ، وَتَكْرِيرَ الْوُضُوحِ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ: الدَّلِيلُ.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّ: الْعِلْمُ عَنِ الدَّلِيلِ.
وَالْمُبَيَّنُ: نَقِيضُ الْمُجْمَلِ.
وَ (قَدْ) يَكُونُ فِي مُفْرَدٍ، وَفِي مُرَكَّبٍ وَفِي فِعْلٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ إِجْمَالٌ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْجُمْهُورُ: الْفِعْلُ يَكُونُ بَيَانًا.
لَنَا: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيَّنَ الصَّلَاةَ وَالْحَجَّ بِالْفِعْلِ.
وَقَوْلُهُ: " خُذُوا عَنِّي " وَ " صَلُّوا كَمَا " يَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَدَلُّ؛ إِذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/383)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَالثَّالِثُ - الْمَدْلُولُ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ وَالْحَاصِلُ الَّذِي يَتْبَعُ التَّبْيِينَ.
وَلِأَجْلِ إِطْلَاقِ الْبَيَانِ عَلَى الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ، اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِهِ.
فَالصَّيْرَفِيُّ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ، وَهَذَا التَّعْرِيفُ مُزَيَّفٌ.
أَمَّا أَوَّلًا - فَلِأَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ ; إِذْ بِهِ يَخْرُجُ عَنْهُ الْبَيَانَاتُ ابْتِدَاءً.
وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ إِجْمَالٍ وَإِشْكَالٍ، وَهُوَ بَيَانٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَأَمَّا ثَانِيًا - فَلِاشْتِمَالِ الْحَدِّ عَلَى الْمَجَازِ، لِقَوْلِهِ: " مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ الْوُضُوحِ ". وَالْحَيِّزُ لِلْجَوَاهِرِ حَقِيقَةً لَا لِلْأَعْرَاضِ.
وَأَمَّا ثَالِثًا - فَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ ; لِأَنَّهُ ذَكَرَ التَّجَلِّيَ وَالْوُضُوحَ
(2/384)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
مَعَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ الْبَيَانَ هُوَ الدَّلِيلُ.
وَاخْتَارَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، الثَّالِثَ، وَعَرَّفَهُ بِأَنَّهُ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنِ الدَّلِيلِ.
ثُمَّ عَرَّفَ الْمُصَنِّفُ الْمُبَيَّنَ بِأَنَّهُ نَقِيضُ الْمُجْمَلِ، وَهُوَ مَا يَتَّضِحُ دَلَالَتُهُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْخِطَابُ الَّذِي وَرَدَ مُبَيَّنًا ابْتِدَاءً.
ثُمَّ الْمُبَيَّنُ إِمَّا قَوْلٌ مُفْرَدٌ، أَوْ مُرَكَّبٌ، وَإِمَّا فِعْلٌ سَبَقَ إِجْمَالُهُ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ.
[مَسْأَلَةٌ الْجُمْهُورُ: الْفِعْلُ يَكُونُ بَيَانًا]
ش - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ خِلَافًا لِشُذُوذٍ.
لَنَا: أَنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ وَاقِعٌ، وَالْوُقُوعُ دَلِيلُ الْجَوَازِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْبَيَانَ بِالْفِعْلِ وَاقِعٌ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ مُجْمَلٌ، وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْفِعْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: " «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» "، وَ " «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ".
أُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ " خُذُوا " وَقَوْلَهُ " صَلُّوا " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ بَيَانٌ، لَا أَنَّهُ بَيَانٌ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ.
وَأَيْضًا مُشَاهَدَةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ أَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَةِ تَفَاصِيلِهَا
(2/385)
 
 
قَالُوا: يَطُولُ فَيَتَأَخَّرُ الْبَيَانُ.
قُلْنَا: وَقَدْ يَطُولُ بِالْقَوْلِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَمَا تَأَخَّرَ لِلشُّرُوعِ فِيهِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَلِسُلُوكِ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ.
وَلَوْ سُلِّمَ فَمَا تَأَخَّرَ عَنْ (وَقْتِ) الْحَاجَةِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، فَإِنِ اتَّفَقَا وَعُرِفَ الْمُتَقَدِّمُ فَهُوَ الْبَيَانُ.
وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ.
وَإِنْ جُهِلَ فَأَحَدُهُمَا.
وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ غَيْرُ الْأَرْجَحِ لِلتَّقْدِيمِ، لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْمُسْتَقِلَّ لَا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا، كَمَا لَوْ طَافَ بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ طَوَافَيْنِ وَأَمَرَ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ - فَالْمُخْتَارُ: الْقَوْلُ.
وَفِعْلُهُ نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ، مُتَقَدِّمَا أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى.
أَبُو الْحُسَيْنِ: الْمُتَقَدِّمُ بَيَانٌ.
وَيَلْزَمُهُ نَسْخُ الْفِعْلِ مُتَقَدِّمًا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ أَنَّ الْبَيَانَ أَقْوَى.
وَالْكَرْخِيُّ: يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ.
أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ الْأَدْنَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/386)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
مِنَ الْإِخْبَارِ ; إِذْ لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ.
وَإِذْ جَازَ الْبَيَانُ بِالْقَوْلِ فَبَيَانُهُ بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ أَدَلُّ أَوْلَى، الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيَانِ بِالْفِعْلِ (قَالُوا) قَدْ يَطُولُ زَمَانُهُ، فَيَلْزَمُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
أَجَابَ بِأَنَّ طُولَ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ الْبَيَانَ ; لِأَنَّ الْبَيَانَ بِالْقَوْلِ قَدْ يَطُولُ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْبَيَانَ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْبَيَانَ بِالْقَوْلِ لَا يَطُولُ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ تَأَخُّرَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ مَا تَأَخَّرَ الْبَيَانُ لِحُصُولِ الشُّرُوعِ فِيهِ عُقَيْبَ وُرُودِ الْإِجْمَالِ.
وَلَوْ سُلِّمَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ لَكِنَّ التَّأَخُّرَ لِسُلُوكِ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ (الَّذِي هُوَ الْفِعْلُ، وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَكُونُ أَقْوَى الْبَيَانَيْنِ) لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ مُطْلَقًا غَيْرُ جَائِزٍ، بَلْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
(2/387)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
[مَسْأَلَةٌ: إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ]
ش - إِذَا وَرَدَ بَعْدَ الْمُجْمَلِ قَوْلٌ وَفِعْلٌ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِذَلِكَ الْمُجْمَلِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْبَيَانِ أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنِ اتَّفَقَا فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا أَوْ لَا.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَالْمُتَقَدِّمُ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ، وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ.
وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ الْمُتَقَدِّمُ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْبَيَانُ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ لَهُ.
(2/388)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَقِيلَ: إِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَأَحَدُهُمَا بَيَانٌ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْآخَرُ تَأْكِيدٌ.
وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالرُّجُوحُ يَتَعَيَّنُ لِلتَّقْدِيمِ فَيَكُونُ بَيَانًا، وَالرَّاجِحُ تَأْكِيدًا لَهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمِ الْمَرْجُوحُ لَمْ يَكُنْ لِوُرُودِهِ فَائِدَةٌ ; لِأَنَّ وُرُودَهُ إِمَّا لِلْبَيَانِ أَوْ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْبَيَانَ قَدْ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ، فَلَا يَكُونُ الثَّانِي مُفِيدًا لَهُ ; لِامْتِنَاعِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ.
وَالثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا لِلرَّاجِحِ.
أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَرْجُوحَ مُطْلَقًا لَا يَكُونُ تَأْكِيدًا بَلِ الْمَرْجُوحُ الْمُسْتَقِلُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا. فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِيهِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقِ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ فِي الْبَيَانِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ أَمَرَ فِي الْقِرَانِ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ طَافَ قَارِنًا طَوَافَيْنِ.
(2/389)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَ هُوَ الْبَيَانُ، تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَيُحْمَلُ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ أَوْ وَاجِبٌ مُخْتَصٌّ بِهِ، لِأَنَّا إِنْ جَعَلْنَا الْقَوْلَ بَيَانًا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى.
وَلَوْ جَعَلْنَا الْفِعْلَ بَيَانًا لَزِمَ إِهْمَالُ الْقَوْلِ.
وَذَهَبَ أَبُو الْحُسَيْنِ إِلَى أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ بَيَانٌ.
فَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْفِعْلَ كَانَ الطَّوَافُ الثَّانِي وَاجِبًا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَدِّمُ هُوَ الْقَوْلُ لَمْ يَكُنِ الطَّوَافُ الثَّانِي وَاجِبًا.
وَيُلْزِمُ مَذْهَبُ أَبِي الْحُسَيْنِ نَسْخَ الْفِعْلِ إِذَا كَانَ مُتَقَدِّمًا، لِوُجُوبِ الطَّوَافَيْنِ وَرَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْقَوْلِ الْمُتَأَخِّرِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ.
[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّ الْبَيَانَ أَقْوَى]
ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْبَيَانَ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ مِنَ الْمُبَيَّنِ أَمْ لَا؟
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْبَيَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنَ الْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ.
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ: يَلْزَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَدَقَّ مِنَ الْمُبَيَّنِ فِي الدَّلَالَةِ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْبَيَانُ مَرْجُوحًا فِي الدَّلَالَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبَيَّنِ لَزِمَ إِلْغَاءُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ فِي الْعَامِّ إِذَا خُصِّصَ، وَفِي الْمُطْلَقِ إِذَا قُيِّدَ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَامٌّ أَوْ مُطْلَقٌ، ثُمَّ وَرَدَ عَلَيْهِ مُخَصَّصٌ أَوْ مُقَيَّدٌ، وَكَانَ الْعَامُّ أَقْوَى دَلَالَةً مِنَ الْخَاصِّ، وَالْمُطْلَقِ مِنَ الْمُقَيَّدِ،
(2/390)
 
 
لَنَا: لَوْ كَانَ مَرْجُوحًا أُلْغِيَ الْأَقْوَى فِي الْعَامِّ إِذَا خُصِّصَ، وَفِي الْمُطْلَقِ إِذَا قُيِّدَ.
وَفِي التَّسَاوِي التَّحَكُّمُ.
ص - مَسْأَلَةٌ: تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ إِلَّا عِنْدَ مُجَوِّزِ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ.
وَإِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ يَجُوزُ.
وَالصَّيْرَفِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ: مُمْتَنِعٌ.
وَالْكَرْخِيُّ: مُمْتَنِعٌ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ.
وَأَبُو الْحُسَيْنِ: مِثْلُهُ فِي الْإِجْمَالِيِّ لَا التَّفْصِيلِيِّ، مِثْلُ هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ، وَالْمُطْلَقُ مُقَيَّدٌ، وَالْحُكْمُ سَيُنْسَخُ.
وَالْجُبَّائِيُّ: مُمْتَنِعٌ فِي غَيْرِ النَّسْخِ.
ص - لَنَا: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] (وَلِذِي الْقُرْبَى) ثُمَّ بَيَّنَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، إِمَّا عُمُومًا وَإِمَّا بِرَأْيِ الْإِمَامِ، وَأَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى: بَنُو هَاشِمٍ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ.
وَلَمْ يُنْقَلِ اقْتِرَانٌ إِجْمَالِيٌّ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
وَأَيْضًا: " أَقِيمُوا الصَّلَاةَ " ثُمَّ بَيَّنَ جِبْرِيلُ وَالرَّسُولُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ، ثُمَّ بُيِّنَ عَلَى تَدْرِيجٍ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: (اقْرَأْ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " مَا أَقْرَأُ " وَكَرَّرَ ثَلَاثًا - ثُمَّ قَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] .
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ ; لِأَنَّ الْفَوْرَ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ، وَالتَّرَاخِيَ يُفِيدُ جَوَازَهُ فِي الزَّمَنِ الثَّانِي فَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/391)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَجَوَّزْنَا تَخْصِيصَ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ الْأَضْعَفِ وَالْمُطْلَقِ بِالْمُقَيَّدِ الْأَضْعَفِ - لَزِمَ إِلْغَاءُ الْعَامِّ أَوِ الْمُطْلَقِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى دَلَالَةً.
وَلَوْ كَانَ الْبَيَانُ مُسَاوِيًا فِي الدَّلَالَةِ لِلْمُبَيَّنِ لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ تَقَدُّمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
[مَسْأَلَةٌ: تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ]
ش - تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ، إِلَّا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ.
(2/392)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْبَيَانِ مِنْ وَقْتِ وُرُودِ الْخِطَابِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: الْجَوَازُ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الصَّيْرَفِيُّ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى امْتِنَاعِهِ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إِلَى امْتِنَاعِهِ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ: وَهُوَ مَا لَهُ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُرَادٍ، كَالْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ وَالْمَنْسُوخِ، وَإِلَى جَوَازِهِ فِي الْمُجْمَلِ، وَهُوَ مَا لَيْسَ لَهُ ظَاهِرٌ.
وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ: يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ فِي الْمُجْمَلِ.
وَفِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ، وَلَا يَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ التَّفْصِيلِيِّ.
فَعَلَى هَذَا يَجِبُ الْبَيَانُ الْإِجْمَالِيُّ عَلَى الْفَوْرِ فِي غَيْرِ الْمُجْمَلِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَقْتَ الْخِطَابِ: هَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ، وَهَذَا الْمُطْلَقُ
(2/393)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
مُقَيَّدٌ، وَهَذَا الْحُكْمُ سَيُنْسَخُ.
وَذَهَبَ الْجُبَّائِيُّ إِلَى امْتِنَاعِهِ فِي غَيْرِ النَّسْخِ، وَإِلَى جَوَازِهِ فِي النَّسْخِ.
ش - وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ بِأُمُورٍ:
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41] فَإِنَّهُ أَثْبَتَ خُمُسَ الْغَنِيمَةِ مُطْلَقًا لِلْمَذْكُورِينَ، وَأَثْبَتَ لِذِي الْقُرْبَى عُمُومًا نَصِيبًا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَذَوَى الْقُرْبَى مِمَّا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ خِلَافُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْبَيَانِ الْإِجْمَالِيِّ وَالتَّفْصِيلِيِّ مَعَهُ.
ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ إِمَّا بِالْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِ: " «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» " وَإِمَّا بِرَأْيِ الْإِمَامِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَيْضًا بَيَّنَ أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى بَنُوهَا ثُمَّ دُونَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي نَوْفَلٍ.
(2/394)
 
 
وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ. وَذَلِكَ كَثِيرٌ.
ص - وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] وَكَانَتْ مُعَيَّنَةً بِدَلِيلِ تَعْيِينِهَا بِسُؤَالِهِمْ مُؤَخَّرًا.
وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِمُتَجَدِّدٍ.
وَبِدَلِيلِ الْمُطَابَقَةِ لِمَا ذُبِحَ.
وَأُجِيبُ بِمَنْعِ التَّعْيِينِ، فَلَمْ يَتَأَخَّرْ بَيَانٌ بِدَلِيلِ بَقَرَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَبِدَلِيلِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ ذَبَحُوا بَقَرَةً مَا لَأَجْزَأَتْهُمْ ".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/395)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ الْإِجْمَالِيُّ مُقْتَرِنًا بِهِ، وَمَا تَأَخَّرَ هُوَ الْبَيَانُ التَّفْصِيلِيُّ؟ .
أُجِيبُ: لَمْ يُنْقَلِ اقْتِرَانُ بَيَانٍ إِجْمَالِيٍّ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
الثَّانِي - قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] فَإِنَّ فِي ابْتِدَاءِ نُزُولِهِ كَانَ الصَّلَاةُ ظَاهِرَةً فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا ذَاتُ الْأَرْكَانِ وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا بَيَانُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَاتَ الْأَرْكَانِ، لَا إِجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ لِلرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَيَّنَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلْأُمَّةِ.
وَكَذَلِكَ الزَّكَاةُ، فَإِنَّهَا فِي ابْتِدَاءِ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] " ظَاهِرَةٌ فِي النَّمَاءِ مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْمِقْدَارُ الْمُخْرَجُ مِنَ النِّصَابِ
(2/396)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ بَيَانٌ إِجْمَالِيٌّ وَلَا تَفْصِيلِيٌّ، ثُمَّ بَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا الْمِقْدَارُ الْمُخْرَجُ مِنَ النِّصَابِ.
وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ظَاهِرٌ فِي قَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُقَيَّدُ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْمِقْدَارَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقَطْعُ.
الثَّالِثُ «أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ - نَزَلَ إِلَى الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَالَ: " اقْرَأْ " - فَقَالَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَا أَقْرَأُ، وَكَرَّرَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: " {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] » . وَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ، وَإِلَّا لَمْ يُؤَخِّرْ جِبْرِيلُ الْبَيَانَ عَنِ الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَوَامِرَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ، فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهَا اتِّفَاقًا.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهَا مَتْرُوكَةُ الظَّوَاهِرِ ; لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا ; لِأَنَّ إِجْرَاءَهَا عَلَى الظَّوَاهِرِ يُوجِبُ جَوَازَ تَأْخِيرِ بَيَانِهَا، وَجَوَازُ تَأْخِيرِ بَيَانِهَا مُمْتَنِعٌ، لِأَنَّ الْأَمْرَ إِمَّا لِلْفَوْرِ أَوْ لِلتَّرَاخِي، فَإِنْ كَانَ
(2/397)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
لِلْفَوْرِ امْتَنَعَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ ; لِأَنَّ وَقْتَ الْخِطَابِ وَقْتُ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ لِلتَّرَاخِي فَجَازَ الْفِعْلُ فِي الْوَقْتِ الثَّانِي، فَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
أَجَابَ بِأَنَّ الْأَمْرَ قَبْلَ الْبَيَانِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، فَلَا يُفِيدُ قَبْلَ الْبَيَانِ الْفَوْرُ وَالتَّرَاخِي.
وَالْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ كَثِيرٌ فِي الْعُرْفِ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: افْعَلْ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ قَبْلَ الْبَيَانِ.
ش - اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . وَالْبَقَرَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِهَا بَقَرَةً مُعَيَّنَةً، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا بَيَانٌ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
(2/398)
 
 
وَبِدَلِيلِ: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) .
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ} [الأنبياء: 98] فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى، فَقَدْ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ، فَنَزَلَ: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ) .
وَأُجِيبُ بِأَنَّ " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ، وَنُزُولُ " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ " زِيَادَةُ بَيَانٍ لِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ، مَعَ كَوْنِهِ خَبَرًا.
وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَكَانَ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِضَرُورَةٍ أَوْ نَظَرٍ، وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ.
وَعُورِضَ: لَوْ كَانَ جَائِزًا إِلَى آخِرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
(2/399)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الْأَوَّلُ - أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَيَّنَهَا بَعْدَ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْبَقَرَةِ (الْمَأْمُورِ بِذَبْحِهَا الْمُتَأَخِّرِ مِنَ الْخِطَابِ بِذَبْحِهَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْبَقَرَةُ مُعَيَّنَةً لَمْ يَكُنْ لِلسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مَعْنًى.
الثَّانِي - أَنَّ الْبَقَرَةَ) لَوْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُتَجَدِّدَةً.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِمُتَجَدِّدٍ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مُعَيَّنَةٌ وَفِي الْآيَةِ الْأُولَى غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ، فَيَكُونُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي الثَّانِيَةِ مُتَجَدِّدَةً. الثَّالِثُ - أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ لَمَا طَابَقَتِ الْمَأْمُورُ بِهَا لِمَا ذُبِحَ ; لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْمَذْبُوحَةَ مُعَيَّنَةٌ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِدَلِيلِ مُطَابَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا لِمَا ذُبِحَ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِمَنْعِ التَّعْيِينِ، فَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَأَخَّرْ بَيَانٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ التَّعْيِينِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ - أَنَّ الْبَقَرَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67] . فَإِنَّهَا نَكِرَةٌ وَالنَّكِرَةُ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَتَرْكُ الظَّاهِرِ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ.
(2/400)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
الثَّانِي - قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَوْ ذَبَحُوا بَقَرَةً مَا لَأَجْزَأَتْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي السُّؤَالِ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ ; لِأَنَّ طَلَبَ زِيَادَةِ الْبَيَانِ لَيْسَ بِتَشْدِيدٍ.
الثَّالِثُ - أَنَّ الْبَقَرَةَ لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً لَمَا عَنَّفَهُمُ اللَّهُ عَلَى طَلَبِ الْبَيَانِ ; لِأَنَّ طَلَبَ الْبَيَانِ يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ الْمَدْحِ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة: 71] .
الثَّانِي - قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] فَإِنَّهُ عَامٌّ، مَعَ أَنَّ الْعُمُومَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَقَدْ أُخِّرَ بَيَانُهُ الَّذِي هُوَ الْمُخَصِّصُ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ «قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: لَأُخَاصِمُنَّ مُحَمَّدًا، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الرَّسُولِ - قَالَ: أَلَيْسَ عُبِدَتِ الْمَلَائِكَةُ وَالْمَسِيحُ» ; فَتَوَقَّفَ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الْجَوَابِ، ثُمَّ نَزَلَ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]
(2/401)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[الشرح]
فَخُصِّصَتْ بِهِ الْآيَةُ الْأُولَى.
أَجَابَ بِأَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى غَيْرُ مُتَنَاوِلَةٍ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْمَسِيحِ ; لِأَنَّ " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ} [الأنبياء: 101] تَخْصِيصًا وَبَيَانًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ، بَلْ هُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِجَهْلِ الْمُعْتَرِضِ (مَعَ أَنَّهُ خَبَرٌ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّخْصِيصِ) .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى مَا نُقِلَ عَنْهُ قَالَ لَهُ: مَا أَجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ، " مَا " لِمَا لَا يَعْقِلُ.
هَذَا مَعَ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ الزِّبَعْرَى وَكَوْنَهُ سَبَبًا لِنُزُولِ الْآيَةِ، خَبَرٌ مِنْ بَابِ الْآحَادِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعِلْمِيَّةِ.
الثَّالِثُ - أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ لَوْ كَانَ مُمْتَنِعًا لَكَانَ امْتِنَاعُهُ لِذَاتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ التَّقْدِيرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ بِضَرُورَةٍ أَوْ بِنَظَرٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ.
أَجَابَ عَنْهُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا فَجَوَازُهُ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِضَرُورَةٍ أَوْ نَظَرٍ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ.
ش - احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْخِطَابِ فِيمَا لَهُ ظَاهِرٌ أُرِيدَ غَيْرُهُ - بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ - أَنَّ التَّأْخِيرَ لَوْ جَازَ لَكَانَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ إِلَى الْأَبَدِ. وَالْأَوَّلُ يُوجِبُ التَّحَكُّمَ ; لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْخِطَابِ الْإِفْهَامُ
(2/402)
 
 
ص - الْمَانِعُ: بَيَانُ الظَّاهِرِ لَوْ جَازَ لَكَانَ إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ تَحَكُّمٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ.
أَوْ إِلَى الْأَبَدِ، فَيَلْزَمُ الْمُحَالُ.
وَأُجِيبُ: إِلَى مُعَيَّنَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ وَقْتُ التَّكْلِيفِ.
قَالُوا: لَوْ جَازَ لَكَانَ مُفْهِمًا ; لِأَنَّهُ مُخَاطِبٌ فَيَسْتَلْزِمُهُ، وَظَاهِرُهُ جَهَالَةٌ وَالْبَاطِنُ مُتَعَذِّرٌ.
وَأُجِيبُ بِجَرْيِهِ فِي النَّسْخِ لِظُهُورِهِ فِي الدَّوَامِ.
وَبِأَنَّهُ يُفْهَمُ الظَّاهِرُ مَعَ تَجْوِيزِهِ التَّخْصِيصَ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَلَا جَهَالَةَ وَلَا إِحَالَةَ.
ص - عَبْدُ الْجَبَّارِ: تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ يُخِلُّ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا، بِخِلَافِ النَّسْخِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ بَيَانِهَا.
قَالُوا: لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ لَجَازَ الْخِطَابُ بِالْمُهْمَلِ، ثُمَّ يُبَيَّنُ مُرَادُهُ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مُخَاطِبٌ بِأَحَدِ مَدْلُولَاتِهِ، فَيُطِيعُ وَيَعْصِي بِالْعَزْمِ. بِخِلَافِ الْآخَرِ.
وَقَالَ: تَأْخِيرُ بَيَانِ التَّخْصِيصِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي كُلِّ شَخْصٍ، بِخِلَافِ النَّسْخِ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَلِ، وَفِي النَّسْخِ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي الْجَمِيعِ، فَكَانَ أَجْدَرَ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) الْمُخْتَارُ عَلَى الْمَنْعِ جَوَازُ تَأْخِيرِ إِسْمَا