معرفة علوم الحديث ط إحياء العلوم

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب : معرفة علوم الحديث
تأليف:
الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري
 
ص -5- ... بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة:
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، وأعطاه السنة وحيا غير متلو، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا إنني أوتيت الكتاب ومثله معه"1، والصلاة والسلام على خير البشر بعثه بالحق بشيرًا ونذيرًا.
وبعد...
فإن كتاب معرفة علوم الحديث تأليف الإمام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري أحد أهم الكتب فى علم مصطلح الحديث، اعتنى بنشره وتحقيقه الدكتور السيد معظم حسين، تاركًا تخريج أحاديثه، ممعنًا التدقيق بمقارنة النسخ والتحقق من الألفاظ، لذلك وجدت أنه من الضروري الاهتمام بتخريج الأحاديث على الكتب التسعة تتميمًا للفائدة وتكميلًا لأهمية الكتاب، فاستطعت بعون الله أن أتحقق من كثير من أحاديثه، حتى استطعت أن أثبت ألفاظ الحديث الذي رواه المصنف من مظانه من كتب الصحاح والسنن. ولقد فاتني بعض الأحاديث، وهي قليلة جدًّا، لم أستطع أن أخرجها.
بالإضافة إلى تخريج الأحاديث، وهو عملي الأساسي، وضعت عناوين لفقرات الكتاب ليسهل الرجوع إليها، وترجمت لبعض الأعلام المهمة، والذين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أبو داود والترمذي.
 
 
ص -6- ... بمعرفتهم تكتمل الفائدة. وخرجت الآيات وأضفتها إلى سورها وأرقام آياتها. ووضعت بعض التعليقات والشروحات حيث وجدت ضرورة لذلك.
هذا وأرجو الله أن أكون قد وفقت إلى خدمة هذا الكتاب المهم، وأن يكون ما وضعته من تعليقات فيه الفائدة المرجوة، راجيًا بذلك الأجر والثواب من الله تعالى.
زهير شفيق الكبي
بيروت فى 21 شعبان 1416هـ
الموافق 12 كانون الثاني 1996م
 
 
ص -7- ... بسم الله الرحمن الرحيم
تذكرة المصنف1:
هو: الحاكم الحافظ الشهير إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب التصانيف.
ولادته:
ولد صبيحة الثالث من ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة "321" هـ بنيسابور.
نشأته وطلبه للعلم:
طلب العلم من الصغر باعتناء والده وخاله واستملى على أبي حاتم بن حبان سنة أربع وثلاثين، فكان أول سماعه وهو ابن تسع ورحل من نيسابور إلى العراق سنة إحدى وأربعين وحج، ثم سافر إلى بلاد خراسان وما وراء النهر.
سمع من جماعة لا يحصون كثرة فإن معظم شيوخه بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ وسمع بغيرها من نحو ألف شيخ. كان تفقه على أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي قبل انتقاله إلى العراق وقرأ على أبي علي بن أبي هريرة الفقيه بعدما رحل إليها وصحب فى التصوف أبا عمر بن محمد بن جعفر الخلدي وأبا عثمان المغربي وجماعة واختص بصحبة إمام وقته أبي بكر الضبي فكان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المصادر التي جمعت منها هذه الترجمة: وفيات الأعيان لابن خلكان جـ1 ص484-485 ولسان الميزان للحافظ العسقلاني جـ5 ص233-234 وتذكرة الحافظ للذهبي جـ3 ص228-233 وطبقات الشافعية لابن السبكي جـ3 ص64-72.
 
 
ص -8- ... يراجعه فى السؤال والجرح والتعديل والعلل وأوصى إليه فى أمور مدرسة دار السنة وفوض إليه تولية أوقافه فى ذلك.
وله إلى العراق والحجاز رحلتان وكانت الرحلة الثانية سنة ستين وثلاث مائة "360هـ" وناظر الحفاظ وذاكر الشيوخ وباحث الدارقطني فرضيه. وأملى بما وراء النهر سنة خمس وخمسين، وبالعراق سنة سبع وستين ولازمه الدارقطني وسمع منه أبو بكر القطان الشاشي وأنظاره.
المناصب التى تولاها:
وتقلد القضاء بنيسابور سنة تسع وخمسين وثلاث مائة "359هـ" في أيام الدولة السامانية ووزارة أبي النصر محمد بن عبد الجبار العتبي وقلد بعد ذلك قضاء جرجان فتمنع وكانوا ينفذونه فى الرسائل إلى ملوك بني بويه.
روى الحديث:
روى عن أبيه، ومحمد بن علي المذكر، وأبي العباس محمد بن يعقوب الأصم، وأبي عبد الله محمد بن يعقوب بن الأخرم، ومحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الصفار نزيل نيسابور وأبي حامد بن حسنويه المقرئ وأبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه وأبي عمرو عثمان بن السماك وأبي بكر النجار وأبي الوليد حسان بن محمد الفقيه وأبي بكر بن إسحاق الضبي الفقيه وعبد الباقي بن القانع الحافظ وأبي جعفر محمد بن صالح بن الحاني وأبي العباس بن محبوب والحسن بن يعقوب البخاري وأبي سهل بن زياد وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب وعلي بن محمد بن عقبة الشيباني وابن درستويه وخلق منهم أبو علي الحافظ النيسابوري انتفع بصحبته وما زال يسمع حتى سمع من أصحابه.
وروى عنه أبو الحسن الدارقطني وهو من شيوخه وأبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو ذر الهروي وأبو بكر البيهقي والأستاذ أبو القاسم القشيري وأبو صالح المؤذن وأبو العلاء الواسطي ومحمد بن أحمد بن يعقوب وأبو بطي
 
 
ص -9- ... الخليلي وعثمان بن محمد الجمحي والزكي عبد الحميد البحيري وجماعة آخرهم أبو بكر بن خلف الشيرازي. وقد سمع منه من شيوخه أحمد بن أبي عثمان الحيري وأبو إسحاق المزكي وأعجب ما يحكى أن أبا عمر الطلمنكي قد كتب علوم الحديث للحاكم عن شيخ له بسماعه من صاحب الحاكم عن الحاكم.
كان الحاكم إمامًا جليلًا واسع العلم:
كان الحاكم إمامًا جليلًا حافظًا عارفًا ثقة واسع العلم اتفق الناس على إمامته وجلالته وعظمة قدره، ورحل إليه من البلاد لسعة علمه ودرايته واتفق العلماء على أنه من أعلم الأئمة الذين حفظ الله بهم هذا الدين.
تفرد الحاكم أبو عبد الله في عصره من غير أن يقابله أحد ممن اشتهر بحفظ الحديث وعلله بالحجاز والشام والعراقين والجبال والري وطبرستان وقومس وخراسان بأسرها وما وراء النهر. قيل أن أربعة من الحفاظ تعاصروا -الدارقطني ببغداد وعبد الغني بمصر وأبو عبد الله بن مندة بإصبهان وأبو عبد الله الحاكم بنيسابور، أما الدارقطني فأعلمهم بالعلل وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب وأما ابن مندة فأكثرهم حديثًا وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفًا.
روي أنه إذا حضر الحاكم مجلس سماع محتو على شيوخ وصدور كان يؤنسهم بمحاضرته ويطيب أوقاتهم بحكاياته بحيث يظهر صفاء كلامه على الحاضرين فيأنسون بحضوره.
ويحكي أن مقدمي عصره مثل الإمام أبي السهل الصعلوكي والإمام ابن فورك وسائر الأئمة كانوا يقدمون الحاكم على أنفسهم ويراعون حق فضله ويعرفون له الحرمة الأكيدة بسبب تفرده بحفظه ومعرفته.
مصنفاته:
واتفق له من التصانيف ما يبلغ نحو ألف جزء من تخريج الصحيحين1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 توجد نسخة مخطوطة منه فى التكية الإخلاصية بحلب.
 
 
ص -10- ... وتاريخ نيسابور وفضائل الشافعي وفوائد الشيوخ وأمالي العشيات وتراجم الشيوخ وعلوم الحديث وكتاب العلل وكتاب الأمالي وغير ذلك، وأما ما تفرد بإخراجه فمعرفة علوم الحديث وتاريخ علماء نيسابور والمدخل إلى علم الصحيح1 والمستدرك على الصحيحين وما تفرد به كل واحد من الإمامين وفضائل الإمام الشافعي.
وقد رمي هذا الإمام الجليل بالتشيع.
قيل أنه يذهب إلى تقديم علي رضي الله عنه من غير أن يطعن فى واحد من الصحابة رضي الله عنهم. إذا تتبعنا وجدنا الطاعنين يذكرون أن محمد بن طاهر المقدسي ذكر أنه سأل أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري عن الحاكم أبي عبد الله فقال: ثقة فى الحديث رافضي خبيث، وأن ابن طاهر هذا قال أنه كان شديد التعصب للشيعة فى الباطن وكان يظهر التسنن فى التقديم والخلافة وكان غاليًا منحرفًا عن معاوية وآله يتظاهر بذلك ولا يتعذر منه.
أما قول أبي إسماعيل وابن طاهر فلا يعبأ به إذا كانا يرميان بالتجسيم وكونهما من المجسمة أشهر مما يرمى به الحاكم من الرفض.
قال أبو بكر الخطيب: أبو عبد الله بن البيع الحاكم كان ثقة وكان يميل إلى التشيع فحدثني إبرهيم بن محمد الأموي بنيسابور وكان عالمًا صالحًا قال: جمع أبو عبد الله الحاكم الأحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم ومنها حديث الطير2 "ومن كنت مولاه فعلي مولاه"3 فأنكر عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قد طبع هذا الكتاب الشيخ محمد راغب الطباخ فى مطبعته العلمية بحلب سنة 1351هـ.
2 انظر المستدرك جـ2 ص120-122 أخرجه الترمذي فى مناقب علي رضي الله عنه عن أنس بن مالك قال كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير فقال: "اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي فأكله معه" قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرف من حديث السدي إلا من هذا الوجه، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أنس.
3 راجع المستدرك جـ3 ص110 قد أخرجه الترمذي أيضًا في مناقب علي رضي الله عنه فقال: هذا حديث حسن.
 
 
ص -11- ... أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا إلى قوله.
تمسك الذهبي وابن السبكي برأي أبي بكر الخطيب إذ هو ثقة ضابط، لكن لا يدل قطعًا على ميلانه إلى التشيع وتقديمه عليًّا رضي الله عنه على الشيخين بل يستبعد تفضيله لعلي على عثمان رضي الله عنهما إذ له معارض أقوى لا يقدر على دفعه فإنه عقد بابًا فى كتاب الأربعين لتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم واختصهم من بين الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.
وقدم فى المستدرك ذكر عثمان رضي الله عنه وروى فيه من حديث أحمد بن أخي بن وهب، حدثنا عمي، حدثنا يحيي بن أيوب، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنهما قالت: أول حجر حجر حمله النبي صلى الله عليه وسلم لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجرًا، ثم حمل عمر حجرًا، ثم حمل عثمان حجرًا فقلت: يا رسول الله، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك؟ فقال: "يا عائشة، هؤلاء الخلفاء من بعدي". وخرج أيضًا فى فضائل عثمان رضي الله عنه حديثًا: "لينهض كل رجل منكم إلى كفئه"، فنهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان".
فمن يخرج مثل هذه الأحاديث التى تكاد تكون نصًّا في خلافة الثلاثة وتفضيلهم وأفضلية عثمان رضي الله عنه هل يظن به التشيع والرفض؟ مع هذا حكى الشيخ الذهبي كلام ابن طاهر وذيل عليه أن للحاكم جزءًا في فضائل فاطمة رضي الله عنها1، وهذا لا يلزم منه رفض ولا تشيع، ومن ذا الذي ينكر فضائلها رضي الله عنها.
إذا نظرنا في هذا الرجل -كما قال ابن السبكي- وجدنا أنه محدث ثقة لا يختلف فى ذلك وهذه العقيدة تبعد عن المحدثين فإن التشيع فيهم نادر. ثم إذا نظرنا فى مشايخه الذين أخذ عنهم العلم وكانت له صحبة معهم وجدناهم من كبار أهل السنة ومتصلين في عقيدة أبي الحسن الأشعري كالشيخ أبي بكر بن إسحاق الضبي والأستاذ أبي بكر بن فورك والأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأمثالهم وهؤلاء هم الذين كان يجالسهم في البحث ويتكلم معهم في أصول.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 على هذا ذكر الحاكم فضائل طلحة والزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم.
 
 
ص -12- ... الديانات، ثم إذا نظرنا تراجم أهل السنة فى تاريخه وجدناه يعطيهم حقهم من الإعظام والثناء كما يبدو مثلًا من ترجمة أبي سهل الصعلوكي وأبي بكر بن إسحاق وغيرهما من كتابه ولا يظهر شيئًا من الغمز على عقائدهم وإن استقرئ فلا يوجد مؤرخ ينتحل عقيدة يخلو كتابه عن الفخر على من يحيد عنها، ثم نرى أن الحافظ الثبت أبا القاسم بن عساكر أثبته فى عداد الأشعريين الذين يستبعدون عن أهل التشيع ويبرؤون إلى الله عنهم.
وفى المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة بل فيه أحاديث موضوعة مستنكرة، واعتذر عن ذلك أن الحاكم صنفه فى أواخر عمره وقد اعترته غفلة، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة فى كتاب الضعفاء له وقطع بترك الرواية عنهم ومنع الاحتجاج بهم لكنه أخرج فى المستدرك أحاديث بعضهم وصححها، ومن تلك أنه أخرج حديثًا لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وكان قد ذكره فى الضعفاء فقال: أنه روى عن أبيه أحاديث موضوعة. ويظهر من كلام الحاكم أيضًا أنه حصل له تغير وغفلة فى آخر عمره؛ لأنه قال: إذا ذكرت فى باب لا بد من المطالعة لكبر سني1.
وقال الحافظ ابن حجر: إنما وقع للحاكم تساهل؛ لأنه سود الكتاب لينقحه فعاجلته المنية ولم يتيسر له تنقيحه.
على أن الحاكم أجل قدرًا وأعظم خطرًا وأكبر ذكرًا من أن يذكر فى الضعفاء. فمن تأمل كلامه فى تصانيفه وتصرفه فى أماليه ونظره في طرق الحديث أذعن بفضله واعترف له بالمزية على من تقدمه وإتعابه من بعده وتعجيزه اللاحقين عن بلوغ شأوه -عاش حميدًا ولم يخلف فى وقته مثله.
وفاته- رحمه الله تعالى:
روي أن الحاكم دخل الحمام واغتسل وخرج فقال: "آه" فقبض روحه وهو متزر ولم يلبس قميصه بعد وذلك في ثالث من صفر سنة خمسة وأربع مائة "405" هـ يوم الأربعاء ودفن بعد العصر وصلى عليه القاضي أبو بكر الحيري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر تذكرة الحفاظ جـ3 ص229.
 
 
ص -13- ... بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق:
الحمد لله الذي أسبغ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينًا وجعلنا خير أمة، وأنزل الكتاب هدى للناس ورحمة، وبعث فى الأميين رسولًا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، والصلاة والسلام على نبيه وصفيه محمد الذي من الله به علينا منة أي منة، وعلى آله الأطهار وأصحابه البررة الحفظة للقرآن والسنة.
وبعد، فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين الذين سمعوا أقوال النبي عليه الصلاة والسلام وشهدوا أفعاله وأحواله إذا أشكل عليهم فهم آية واختلفوا فى تفسيرها أو حكم من أحكامها رجعوا إلى الأحاديث لاستيضاحها.
فالحديث النبوي تفصيل للكتاب العزيز وأصل للشريعة الإسلامية: فما زال هذا العلم -كما قال فى كشف الظنون1- من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة والتابعين وتابعي التابعين خلفًا بعد سلف لا يشرف بينهم أحد بعد حفظه كتاب الله سبحانه وتعالى إلا بقدر ما يحفظ منه ولا يعظم فى النفوس إلا بحسب ما يسمع من الحديث عنه. فتوفرت الرغبات فى تعلمه وانبعثت العزائم إلى تحصيله حتي أن كان أحدهم يرحل المراحل ويقطع الفيافي ويجاوز المفاوز ويحوب البلاد شرقًا وغربًا فى طلب حديث واحد2.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 فى الكلام على "علم الحديث".
2 فقد ذكر البخاري في صحيحه في كتاب العلم أن جابر بن عبد الله رحل مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس فى حديث واحد.
 
 
ص -14- ... وكان اعتمادهم أولًا على الحفظ والضبط فى القلوب غير ملتفتين إلى ما يكتبونه محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب الله سبحانه وتعالى فلما انتشر الإسلام واتسعت الأمصار وتفرقت الصحابة فى الأقطار ومات معظمهم وقل الضبط مست الحاجة إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة.
يرجع عهد تدوين الحديث إلى عصر الصحابة رضي الله عنهم. فقد كان منهم عدة أشخاص يكتبون ويحدثون مما كتبوا1 لكن معظمهم كانوا يعون ذلك في صدروهم إذ نهوا عن كتابة الحديث2 فى بدء الإسلام خشية اختلاطه بالقرآن. اتبع كبار التابعين الصحابة الكرام فى اهتمامهم بشأن الحديث ونشره بطريق الرواية إلى أن وضع زمام الخلافة في يد الإمام العادل عمر بن عبد العزيز فأمر بكتابة الحديث على رأس المائة. قال البخاري في صحيحه في كتاب العلم: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم وليفشوا العلم وليجلسوا حتى يعلم من لا يعلم فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا. وكذلك كتب إلى عماله فى أمهات المدن الإسلامية بجمع الحديث.
أول من دون الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري أحد الأئمة الأعلام وعالم أهل الحجاز والشام، أخذ عن جماعة من صغار الصحابة وكبار التابعين. ثم فشا التدوين في الطبقة التي تلي طبقة الزهري. فكان أول من جمعه ابن جريج بمكة، وابن إسحاق أو مالك بالمدينة، والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ذكر البخاري فى صحيحه في كتاب العلم أن عبد الله بن عمرو كان يكتب الحديث فإنه روي عن أبي هريرة أنه قال: ما من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب.
2 أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الزهد "باب التثبت في الحديث" عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج، من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".
 
 
ص -15- ... سلمة بالبصرة، وسفيان الثوري بالكوفة، والأوزاعي بالشام، وهشيم بواسط، ومعمر باليمن، وجرير بن عبد الحميد بالري، وابن المبارك بخراسان، وكل هؤلاء من أهل القرن الثاني وكانت مجموعات الحديث لهم مختطلة بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين.
ثم أخذ رواة الحديث يفردونه بالجمع والتأليف في أول القرن الثالث ولم يزل التأليف في الحديث متواليًا إلى أن ظهر الإمام البخاري وبرع في علم الحديث وحصل له فيه المنزلة العليا فأراد أن يجرد الصحيح ويجعله في كتاب على حدة فألف كتابه المشهور بـ "صحيح البخاري" وأورد فيه ما تبين له صحته. واقتفى أثره في ذلك مسلم بن الحجاج وكان من الآخذين عنه والمستفيدين منه فألف كتابه المشهور بـ "صحيح مسلم" فلقب هذان الكتابان بالصحيحين. وكانت كتب الحديث قبل هذا بحيث لا يتبين للناظر فيها درجة الحديث من الصحة إلا بعد البحث عن أحوال رواته وغير ذلك مما هو معروف عند أهل الحديث.
قد كان للصحابة رضي الله عنهم عناية شديدة في معرفة الحديث وفي نقله لمن لم يبلغه ولشدة عنايتهم به كان كثير من جلة الصحابة كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب يقلون الرواية عنه بل كان بعضهم لا يكاد يروي شيئًا1 كسعيد بن زيد بن عمر وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أخرج ابن ماجه في سننه "ص4" عن السائب بن يزيد أنه قال: صحبت سعد بن مالك من المدينة إلى مكة فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بحديث واحد. وروى عن الشعبي أنه قال: جالست ابن عمر سنة فما سمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا. وروى البخاري عن عبد الله بن الزبير أنه قال: قلت للزبير إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني أفارقه ولكن سمعته يقول: "من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار"، وروي عن أنس أنه قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثًا كثيرًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعمد علي كذبًا فليتبوأ مقعده من النار". وأخرج ابن ماجه في سننه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قلنا لزيد بن أرقم حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كبرنا ونسينا والحديث عن رسول الله شديد.
 
 
ص -16- ... وقد ثبت توقف كثير من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في قبول كثير من الأخبار.
قال الذهبي في ترجمة أبي بكر رضي الله عنه: إنه كان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا وما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لك شيئًا، ثم سأل الناس فقام المغيرة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيها السدس، فقال له: هل معك أحد فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه.
وكان عمر رضي الله عنه شديد الإنكار على من أكثر الرواية أو أتي بخبر في الحكم لا شاهد له عليه وكان لشدة احيتاطه وخوفه من أن يخطئ الصاحب في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يقلوا الرواية يريد بذلك أن لا يتسع الناس فيها فيدخلها الشوب ويقع التدليس والكذب من المنافق والفاجر والأعرابي. وهو الذي سن للمحدثين التثبت في النقل وربما كان يتوقف في خبر الواحد إذا ارتاب. روى الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد أن أبا موسى سلم على عمر رضي الله عنه من وراء الباب ثلاث مرات فلم يؤذن له فرجع فأرسل عمر رضي الله عنه في أثره فقال: لم رجعت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سلم أحدكم ثلاثًا فلم يجب فليرجع". قال لتأتيني على ذلك بينة أو لأفعلن بك فجاء أبو موسى منتقعًا لونه ونحن جلوس فقلنا ما شأنك فأخبرنا وقال: فهل سمع أحد منكم فقلنا نعم، كلنا سمعه فأرسلوا معه رجلًا منهم حتى أتى عمر فأخبره.
وقال علي رضي الله عنه: كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاء منه وإذا حدثني عنه محدث استحلفته فإن حلف لي صدقته، وأيضًا قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله"1.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع صحيح البخاري كتاب العلم.
 
 
ص -17- ... فمن ثم ترى تثبت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في رواية الحديث واحتياطهم في قبول الأخبار1 ولما نشأت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه واختلف المسلمون في الخلافة وادعاها غير واحد انصرفت عناية كل حزب من أحزابهم إلى استنباط الأدلة، واستخراج الأحاديث المؤيدة لدعواهم. فكان بعضهم إذا أعوزهم حديث يؤدون به قولًا أو يقيمون به حجة اختلقوا حديثًا من عند أنفسهم وتكاثر ذلك أثناء تلك الفوضى. فكان المهلب بن أبي صفرة مثلًا يضع الحديث ليشد بها أمر المسلمين ويضعف أمر الخوارج2، وأمثال المهلب كثيرون كانوا يضعون الحديث لأغراض مختلفة إذ كثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار وغيرهم.
فلما هدأت الفتنة وعمد المسلمون إلى التحقيق وجدوا تلك الموضوعات قد تكاثرت فاشتغلوا في التفريق بينها وبين الصحيح. قال مسلم في صحيحه3، وحدثني أبو أيوب سليمان بن عبد الله الغيلاني، حدثنا أبو عامر يعني العقدي حدثنا رباح عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قال: جاء بشير بن كعب العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع. فقال ابن عباس إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف.
اعلم أن أئمة الحديث لما شرعوا في تدوينه دونوه على الهيئة التى وجدوه عليها ولم يسقطوا مما وصل إليهم في الأكثر إلا ما يعلم أنه موضوع مختلق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 حتى روي أن عمر رضي الله عنه لم يلتفت إلى رواية فاطمة بنت قيس في أن لا نفقة ولا سكنى للمبتوتة ثلاثًا وأنه قال لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لكلام امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت "صحيح مسلم جـ1 ص485".
2 ابن خلكان وفيات الأعيان جـ2 ص146.
3 في باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في محملها "جـ1 ص10".
 
 
ص -18- ... فجمعوه بالأسانيد التي وجدوه بها. ثم بحثوا عن أحوال الرواة بحثًا شديدًا حتى عرفوا من تقبل روايته ومن ترد ومن يتوقف في قبول روايته واتبعوا ذلك بالبحث عن المروي وحال الرواية إذ ليس كل ما يرويه من كان موسومًا بالعدالة والضبط يؤخذ به؛ لأنه قد يعرض له السهو والنسيان أو الوهم.
فإذا كان حملة الحديث ورواته يختلفون حفظًا وضبطًا وورعًا وعناية إلى غير ذلك من الأوصاف نشأ من ذلك العلم بأحوال هؤلاء الرواة تعديلًا وجرحًا وتدوين تاريخ ولادتهم وحياتهم ووفاتهم وتفرع منه علوم كثيرة من جملتها -كما قال ابن خلدون في مقدمته1- النظر في الأسانيد ومعرفة ما يجب العمل به من الأحاديث بوقوعه على السند الكامل الشروط؛ لأن العمل إنما وجب بما يغلب على الظن صدقه من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجتهد في الطرق التي تحصل ذلك الظن وهو بمعرفة رواة الحديث بالعدالة والضبط. وإنما يثبت ذلك بالنقل عن أعلام الدين بتعديلهم وبراءتهم من الجرح والغفلة ويكون لنا ذلك دليلًا على القبول أو الترك. وكذلك مراتب هؤلاء النقلة من الصحابة والتابعين وتفاوتهم في ذلك وتميزهم فيه واحدًا واحدًا وكذلك الأسانيد تتفاوت باتصالها
وانقطاعها بأن يكون الراوي لم يلق الراوي الذي نقل عنه وبسلامتها عن العلل الموهنة لها وتنتهي بالتفاوت إلى طرفين فيحكم بقبول الأعلى ورد الأسفل ويختلف في المتوسط بحسب المنقول من أئمة هذا الشأن. ولهم في ذلك ألفاظ اصطلحوا على وصفها لهذه المراتب المرتبة مثل الصحيح والحسن والضعيف والمرسل والمنقطع والمعضل والشاذ والغريب وغير ذلك من ألقابه المتداولة بينهم وبوبوا على كل واحد منها ونقلوا ما فيه من خلاف أئمة هذا الشأن أو الوفاق ثم النظر في كيفية أخذ الرواة بعضهم عن بعض بقراءة أو كتابة أو مناولة أو إجازة وتفاوت رتبها وما للعلماء في ذلك من الخلاف بالقبول والرد. ثم أتبعوا ذلك بكلام في ألفاظ تقع في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق منها أو مختلف وما يناسب ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 انظر مقدمة ابن خلدون ص368.
 
 
ص -19- ... وقال الحافظ ابن حجر في أول شرحه1 لكتابه نخبة الفكر: إن أول من صنف في الاصطلاح هو القاضي أبو محمد2 الرامهرمزي فعمل كتاب المحدث الفاصل3 لكنه لم يستوعب والحاكم أبو عبد الله النيسابوري لكنه لم يهذب4 وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجًا وأبقى أشياء للمتعقب. ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابًا سماه "الكفاية" وفي آدابها كتابًا سماه "الجامع لآداب الشيخ والسامع" وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابًا مفردًا فكان -كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة- كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه. ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب فجمع القاضي عياض كتابًا لطيفًا سماه "الإلماع"، وأبو حفص5 الميانجي جزءًا سماه "ما لا يسع المحدث جهله" وأمثال ذلك من التصانيف التى اشتهرت وبسطت واختصرت إلى أن جاء الحافظ الفقيه أبو عمرو عثمان بن صلاح الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور فهذب فنونه وأملاه شيئًا بعد شيء فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب واعتنى بتصانيف الخطيب المتفرقة فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها فنخب فوائدها فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره فلا يحصى كم من ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر. ا. هـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المسمى بنزهة النظر في توضيح نخبة الفكر - سيأتي ذكره.
2 أبو محمد حسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سة 260هـ.
3 المتحدث الفاصل بين الراوي والواعي: هذا هو أول كتاب في علوم الحديث في غالب الظن وأنه يوجد قبله مصنفات مفردة في أشياء من فنونه لكن هذا أجمع ما جمع في زمانه.
4 لكن العلامة ابن خلدون قال أنه: "هو الذي هذبه وأظهر محسانه" -راجع مقدمته ص329.
5 أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي المتوفى سنة 580هـ.
 
 
ص -20- ... فكل من الزين العراقي1 والبدر الزركشي2 والحافظ ابن حجر عمل عليه نكتًا: فنكت العراقي تسمى بالتقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، ونكت الحافظ ابن حجر تسمى بالإفصاح بتكميل النكت على ابن الصلاح، واختصره جماعة منهم قاضي القضاة بالديار المصرية بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الشافعي المتوفى بمصر سنة 733 وسماه بـ "المنهل الروي فى الحديث النبوي" وشرحه سبطه عز الدين محمد بن أبي بكر عبد العزيز بن بدر الدين بن جماعة الكناني المتوفى بمصر 819 وسماه "المنهج السوي فى شرح المنهل الروي" ومنهم سراج الدين أبو حفص عمر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي المتوفى سنة 805 وسماه "محاسن الاصطلاح فى تضمين كتاب ابن الصلاح3" ومنهم محيي الدين يحي بن شرف النووي المتوفى سنة 676 وسماه "تقريب الإرشاد إلى علم الإسناد"، ثم اختصره وسمى مختصره "التقريب والتيسير" وهو المشهور الآن وعليه شروح عديدة للزين العراقي والسخاوي والسيوطي وغيرهم.
ونظم عليه4 الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 805 ألفية تسمى "نظم الدرر فى علم الأثر" لخص فيها علوم ابن الصلاح وزاد عليها وقد أتمها سنة768 وعمل عليها شرحًا سماه "فتح المغيث" أتمه سنة771 ثم شرحها بشرحين مطول ومختصر، وقد عمل برهان الدين إبراهيم اليفاعي المتوفى سنة 855 حاشية عليه سماها "النكت الوفية بما فى شرح الألفية" وممن شرحها أيضًا السخاوي وسماه "فتح المغيث فى شرح ألفيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زين الدين عبد الرحيم العراقي المتوفى سنة 806هـ.
2 بدر الدين محمد بن بهادر المتوفى سنة 794هـ.
3 منه نسخة خطية بدار الكتب الملكية في برلين عدد رقمها 1048.
4 لمحمد بن أحمد بن خليل الخوبي المتوفى سنة396هـ نظم مختصر على تأليف ابن الصلاح في علم الحديث توجد نسخة مخطوطة منه في مكتبة برلين المذكورة عدد رقمها 1046.
 
 
ص -21- ... الحديث" وهو أفضل شروحها لا ترى -كما قال هو فيه- له نظيرًا في الإتقان والجمع مع التلخيص والتحقيق، والسيوطي وسماه "قطر الدرر"، وقطب الدين محمد بن محمد الخيضري الدمشقي وسماه "صعود المراقي"، وشيخ الإسلام القاضي أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المصري الشافعي المتوفى بمصر سة 928 وسماه "فتح الباقي بشرح ألفية العراقي"، وللشيخ علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي المالكي المتوفى بمصر سنة 1189 حاشية عليه في مجلد. وقد نظم السيوطي ألفية حاذى بها ألفية العراقي وزاد عليه نكتًا غزيرة وفوائد جمة.
ومن المتون الجامعة الممتعة من كتب هذا الفن أيضًا نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر لشهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني وقد شرحها بكتابه "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" وهو شرح وجيز جليل، وعليه حاشية للشيخ أبي الإمداد إبراهيم بن إبراهيم بن حسن اللقاني المالكي المتوفى سنة 1041 سماها "قضاء الوطر من نزهة النظر" وأيضًا للعلامة سري الدين بن الصائغ المتوفى سنة 1066، وحاشية أخرى للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي المتوفى سنة 876، وعليها أيضًا شروح عديدة، منها لولده كمال الدين محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني وسماه "نتيجة النظر في شرح نخبة الفكر"، ولمعاصره كمال الدين أبي عبد الله محمد بن الحسن بن علي بن يحيى بن محمد بن خلف الله بن خليفة التميمي الداري المالكي المغربي الأصل الشمني1 الأسكندري نزيل القاهرة المتوفى سنة 821، ولمحمد أكرم بن عبد الرحمن المكي وسماه "إمعان النظر في توضيح نخبة الفكر"، وللشيخ علي بن سلطان محمد الهروي القارئ الحنفي المتوفى سنة 1014 شرح الشرح للمؤلف سماه "مصطلحات أهل الأثر على شرح نخبة الفكر"، وللشيخ عبد الرءوف بن تاج العارفين المناوي المتوفى سنة 1021 أيضًا وسماه "اليواقيت والدرر في شرح شرح نخبة الفكر"، وكذا شرحها أيضًا الشيخ أبو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نسبة لمزرعة بباب قسطنطينية يقال لها شمنة.
 
 
ص -22- ... الحسن محمد صادق بن عبد الهادي السندي المدني الحنفي نزيل المدينة المنورة المتوفى بها سنة 1138 وغيرهم1.
ونظم النخبة جماعة منهم كمال الدين الشمني المتقدم الذكر قريبًا، ثم شرح هذا النظم ولده تقي الدين أبو العباس أحمد بن محمد الشمني القسطنطيني الأصل الأسكندري المولد القاهري المنشأ المالكي، ثم الحنفي2 المتوفى سنة 872 وسماه "العالي الرتبة في شرح نظم النخبة"، ومنهم شيخ الإسلام محمد رضي الدين أبو الفضل بن محمد أبي البركات رضي الدين بن أحمد الغزي المتوفى سنة 935 وسماه "سلك الدرر في مصطلح أهل الأثر ونظم نخبة الفكر لابن حجر3". ومنهم أبو حامد سيدي العربي بن أبي المحاسن يوسف بن محمد الفاسي دارا ولقبا القصري أصلًا الفهري نسبًا المتوفى سنة 1052 وسماه "عقد الدرر في نظم نخبة الفكر"، وله عليها شرح وله أيضًا منظومة مختصرة في ألقاب الحديث سماها في آخرها بالطرفة، وعليها شرح لأبي عبد الله فتح بن شيخ الإسلام أبي محمد عبد القادر بن علي بن أبي المحاسن يوسف القاضي المتوفى سنة 1116 وهو مشهور متداول ووضعت عليه حواش عديدة.
لأبي محمد الحسين بن عبد الله الطيبي المتوفى سنة 743 خلاصة في معرفة الحديث4 لأبي الخير محمد بن محمد بن الجزري المتوفى سنة 833 "مقدمة في علم الحديث5" وأيضًا "تذكرة العلماء في أصول الحديث"6 وللسيد محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى بن الهادي المعروف بابن الوزير المتوفى سنة 860 مختصر في علم الحديث سماه "تنقيح الأنظار في علوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لكمال الدين محمد بن محمد بن أبي شريف المقدسي المتوفى سنة 1419 حاشية على النخبة وشرحها منها نسخة خطية بدار الكتب الملكية في برلين عدد رقمها 1108.
2 وهو شارح المغني لابن هشام ومحشي الشفاء.
3 منه نسخة خطية بدار الكتب الملكية في برلين عدد رقمها 1113.
4 منه نسخة خطية في مكتبة برلين المذكورة عدد رقمها 1064.
5 منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1084.
6 منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1085.
 
 
ص -23- ... الآثار"1 وليوسف بن حسن بن عبد الهادي الدمشقي المتوفى سنة 909 أيضًا مختصر في علم الحديث سماه "بلغة الحثيث في علوم الحديث"2 ولعبد الله الشنشوري الشافعي الفرضي المتوفى سنة 999 كتاب المختصر في مصطلح أهل الأثر وشرحه المسمى "خلاصة الفكر في شرح المختصر"3 وللسيد الشريف أبي الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني الجرجاني الحنفي المتوفى بشيراز سنة 816 "مختصر جامع لمعرفة علوم الحديث"4 ورتبه على مقدمة ومقاصد وأكثره مأخوذ من خلاصة حسين الطيبي في أصول الحديث وقد شرحه العلامة المتأخر أبو الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي المتوفى سنة 1304 وسماه "ظفر الأماني في مختصر الجرجاني".
ولأبي العباس شهاب الدين أحمد بن فرح بن أحمد بن محمد اللخمي الأشبيلي الشافعي نزيل دمشق المتوفى سنة 699 منظومة في ألقاب الحديث تعرف بالقصيدة الغرامية لقوله في أولها "غرامي صحيح" إلخ وعليها عدة شروح لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة سماه "زوال الترح بشرح منظومة ابن فرح"5 وللحافظ قاسم بن قطلوبغا الحنفي ولأبي العباس أحمد بن حسين بن علي بن الخطيب بن قنفذ القسمطيني المتوفى سنة 810 ولمحمد بن إبراهيم بن خليل التتائي المالكي المتوفى سنة 937 ولشمس الدين أبي الفضل محمد بن محمد الدلجي العثماني الشافعي المتوفى "سنة 947"6 وليحيى بن عبد الرحمن الأصفهاني القرشي الزبيري الأسدي الشهير بالقرافي الشافعي المتوفى "سنة 960"7 ولمحمد الأمير الكبير المتوفى "سنة 1180"8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1118.
2 منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1119.
3 منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1122.
4 يسمى الرسالة الطيبية منه نسخة في مكتبة برلين عدد رقمها 1066.
5 في بغية الرواة أن له عليها شروحًا ثلاثة.
6 أو950.
7 منه نسخة خطية بدار الكتب الملكية في برلين عدد رقمها 1180.
8 منه نسخة خطية بدار الكتب المذكورة عدد رقمها 1059.
 
 
ص -24- ... ولعمر بن محمد بن فتوح البيقوني الدمشقي الشافعي المتوفى سنة 1080 أيضًا منظومة تعرف "بالبيقونية في علم المصطلح" وضع الناس عليها أيضًا شروحًا عديدة فمنها "البهجة الوضية شرح متن البيقونية" للعلامة الشيخ محمود نشابه، ومنها للشيخ محمد بن صعدان الشهير بجاد المولى الشافعي الحاجري المتوفى سنة 1229، وللحموي ولابن الميت الدمياطي ولمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني المتوفى سنة 1122 ولغيرهم1.
ولتقي الدين أبي الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد المتوفى سنة 706 كتاب "الاقتراح في بيان الاصطلاح"2. وقد ألف في علوم الحديث كثيرون من دون هؤلاء المذكورين كمحمد بن المنفلوطي المتوفى سنة 702 وابن الملقن المتوفى سنة 804 وابن الجريري المتوفى سنة 833 ومن أهم الكتب التي قد ألفت في هذا الفن أخيرًا كتاب "توجيه النظر إلى أصول الأثر" للعلامة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي سنة "1338"3.
قد طبع أكثر مشاهير كتب علوم الحديث للمتأخرين مع أجود شروحها فكتاب علوم الحديث للفقيه تقي الدين أبي عمرو عثمان بن الصلاح المتوفى سنة 642 الذي اشتهر بمقدمة ابن الصلاح قد نشره أولًا العالم المحدث الشيخ أبو الحسنات اللكنوي بطبع حجر في الهند سنة 1304 وطبع ثانيًا في مصر سنة 1326 بتصحيح الشيخ محمود السمكري الحلبي وكتب في ظاهره أنه قوبل على نسختين الأولى طبعت في الهند باعتناء العالم المحدث الشيخ عبد الحي اللكنوي والثانية نسخة مخطوطة قوبلت على المؤلف محفوظة برواق الأتراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منه نسخة مخطوطة في مكتبة برلين المذكورة عدد رقمها 1128 ولعطية الأجهوري الشافعي المتوفى سنة 1190 شرح لهذا الشرح للمنظومة البيقونية يوجد أيضًا منه نسخة مخطوطة في مكتبة برلين عدد رقمها 1129.
2 منه نسخة خطية بدر الكتب الملكية في برلين عدد رقمها 1063.
3 ولنذكر هنا عدة من الكتب الأخرى التي التقطناها من المصادر النادرة:=
 
 
ص -25- ... بمصر ولم تخرج هذه الطبعة خالية من الغلط بل فيها أغلاط فاحشة لا تدرك إلا بعد مراجعة كتب هذا الفن. وقد طبع "تدريب الراوي في شرح تقريب النووي" للحافظ الجلال السيوطي في مصر في المطبعة الخيرية سنة 1307 وقد أجاد فيه الحافظ السيوطي غاية الإجادة، وهو من أجل مؤلفاته. وأما "ألفية العراقي في أصول الحديث" لابن الصلاح فقد طبعت في الهند بدون تاريخ، وقد طبع أيضًا "شرح الألفية لمصنفها مع شرحها المشهور بفتح المغيث في شرح ألفية الحديث" لشمس الدين محمد السخاوي بطبع حجر في لكناؤ سنة 1303، وقد نشرت أيضًا ألفية السيوطي في مصطلح الحديث بمصر سنة 1332، واعتنى المسيو لؤيس بنشر "نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر" لابن حجر العسقلاني مطبوعًا في كلكته في الهند سنة 1862م وطبع بعد بمصر سنة 1301 في
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= 1- التقاسيم والأنواع لمحمد بن حبان بن أحمد البستي التيمي المتوفى سنة 354.
2- الثواب في الحديث لعبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصفهاني المتوفى سنة 360.
3- الأعلام في استيعاب الرواية عن الأئمة الأعلام لعلي بن إبراهيم الغرناطي المتوفى سنة 577هـ.
4- المغني في علم الحديث لعمر بن بدر بن سعيد الحنفي الموصلي المتوفى سنة 622.
5- جامع الأصول في الحديث لمحمد بن إسحق القونوي المتوفى سنة 672.
6- المغيث في علم الحديث لأحمد بن محمد بن الصاحب المتوفى سنة 788.
7- المقنع في علوم الحديث لابن الملقن المتوفى سنة 804.
8- إشرافات الأصول في أحاديث الرسول لزكرياء بن مجد بن عبيد الله القايني المتوفى سنة 808هـ.
9- الهداية إلى علم الرواية لابن الجزري المتوفى سنة 833.
10- منظومة في أصول الحديث لأحمد بن محمد الشمني المتوفى سنة 872.
11- منبع الدرر في علم الأثر لمحمد بن سليمان الكافيجي المتوفى سنة 978.
12- الروض المكلل والورد المعلل في مصطلح الحديث للسيوطي المتوفى سنة 911.
13- مصباح الظلام في علم حديث الرسول عليه السلام لحسين بن علي الحصني الخصكفي المتوفى سنة 917.
14- الدرر في مصطلح أهل الأثر ليونس الأثري الرشيدي المتوفى سنة 1020.
15- بغية الطالبين لمعرفة اصطلاح المحدثين لعبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي المتوفى سنة1031.
 
 
ص -26- ... مجموعة مع رسالة أخرى في مصطلح الحديث لمحمد البركوي وطبع أيضًا مع كتاب "سنن ابن ماجه موسومًا بالنخب الفكرية". وأما شرح المصنف لها المسمي بـ "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" فقد طبع بالهند مع الأصل في كلكته سنة 1862م وفي مصر سنة 1308هـ. و "شرح الشرح" لعلي بن سلطان محمد الهروي القارئ قد طبع بمطبعة "أخوت" في استانبول سنة 1322 ورسالة السيد الجرجاني في فن أصول الحديث مطبوعات في دلهي بالهند سنة 1302 وشرحها المسمي بـ "ظفر الأماني في مختصر الجرجاني" للعلامة عبد الحي الهندي قد طبع في لكناؤ مع مقدمة ابن الصلاح سنة 1304، وأما منظومة عمر بن محمد بن فتوح "البيقوني في علم المصطلح" التي تعرف بالبيقونية فقد طبع مرارًا بمصر سنة 1273و 1276و 1297و 1302و 1306و 1323 و "البهجة الوضية شرح متن البيقونية" تأليف العلامة الشيخ محمود نشابه طبعت في سنة 1328 على يد المؤلف السيد عبد اللطيف رئيس المعارف ومدرس الجامع الكبير المنصوري بطرابلس الشام، و"حاشية الشيخ عطية على شرح الشيخ محمد الزرقاني على البيقونية" طبعت في مصر بمطبعة عثمان بن عبد الرزاق سنة 1305و 1310 والكتاب المسمي بـ "زوال الترح في شرح منظومة ابن فرح" لبدر الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة نشره الأستاذ فليشر مع ترجمته إلى اللغة الألمانية في ليدن سنة 1865م. وآخر الكتب المفيدة في هذا الفن كتاب "توجيه النظر إلى أصول الأثر" للعلامة طاهر الجزائري قد طبع في مصر سنة 1328.
أما أمهات الكتب في علوم الحديث للمتقدمين فلم تنشر ولم تزل مخطوطة إلى الآن. فـ "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" للقاضي أبي محمد الرامهرمزي الذي هو أول كتاب في هذا الفن، منه نسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق ونسخة في التكية الإخلاصية في حلب1. وأما الكتاب "الجامع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الشيخ الأستاذ محمد راغب الطباخ الحلبي وصف هذه النسخة في مجلة المجمع العلمي العربي جـ5 ص269 حيث قال: أنها نفيسة جدًّا وعليها خطوط كثيرة من كبار العلماء.
 
 
ص -27- ... لآداب الراوي والسامع" للإمام الحافظ أحمد بن علي المعروف بالخطيب البغدادي المتوفى سنة 462 فهو -كما قال في "كشف الظنون"- مشتمل على قواعد أصول الحديث وفوائده ومنه نسخة نفيسة جدًّا في مكتبة المجلس البلدي في الأسكندرية1. وأما "الكفاية في معرفة أصول الرواية" للحافظ المذكور فمنه نسخة في مكتب المدرسة العثمانية بحلب2، ونسخة في المكتبة الظاهرية بدمشق3، ونسخة في المكتبة السلطانية بمصر4، ونسخة في الخزانة الآصفية بحيدر آباد الدكن. ويكفينا في بيان أهمية هذين الكتابين ما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة أن من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه. وأما كتاب "الإلماع" للقاضي عياض فمنه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق.
أما كتاب "معرفة علوم الحديث" للحكام أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري الذي هو ثاني الكتب التي ألفت في هذ الفن الجليل نهضنا إلى نشره ههنا. قد عثرت على ثماني نسخ منه في أثناء سفري في بلاد أوروبا وتركيا والشام ومصر. منها نسخة في لندرا وثلاث نسخ في قسطنطينية ونسخة في دمشق ونسخة في حلب ونسختان في القاهرة. أول نسخة وقفت عليها هي التي محفوظة في مكتبة المتحف البريطاني في لندرا عدد رقمها "Or.9676" فنسختها بيدي سنة 1929م حين فرغت من دروسي لشهادة الدكتوراه بجامعة أكسفورد. هذه النسخة أحسن النسخ وجدتها بعد. وهي مجزأة إلى خمسة أجزاء محتوية على 164 ورقة يبلغ طول الصفحة منها 13 سنتيمترًا وعرضها 10 سنتيمترًا وفي كل صفحة 22 سطرًا تقريبًا ومكتوب على الصفحة الأولى منها:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي مجزأة إلى عشرين جزءًا وعلى كل جزء سماعات كثيرة للحفاظ وأكابر العلماء، كانت هذه النسخة عند الشيخ محمد راغب الطباخ الحلبي المذكور فبيعت إلى المكتبة المتقدمة.
2 عدد رقمها 64.
3 وهي في 416 صحيفة بخط مغربي محررة سنة 628هـ.
4 في قسم الحديث وهي ناقصة من الأول.
 
 
ص -28- ... كتاب معرفة علوم الحديث:
تصنيف الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ النيسابوري رحمه الله.
رواية الشيخ الأديب أبي بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي عنه.
رواية النفيس أبي المطهر القاسم الصيدلاني عنه إجازة.
رواية الشيخ الإمام علم الدين أبي الحسن علي بن أبي الفتح محمود المحمودي إجازة عنه.
سماع منه لمالكه الطواشي الأجل المنعم افتخار الدين ياقوت بن عبد الله المسعودي عرف بالعزي نفعه بالعلم آمين.
وفي آخر كل جزء من الأجزاء ما نصه:
كتبه العبد الفقير إلى ربه المستغفر من ذنبه نصير بن نبا بن صالح الأنصاري وكان الفراغ من نسخه في سنة أربع وثلاثين وستمائة "634 هـ" بالقاهرة المعزية بدار الحديث الكاملية عمرها الله بدائم العز والبقاء.
وكتب بعده صورة السماع هكذا:
سُمع جميع هذا الجزء على الشيخ الإمام العامل الصدر الكامل الصالح الورع الدين بقية المشايخ علم الدين أبي الحسن علي بن أبي الفتح محمود بن أحمد المحمودي الصابوني بحق إجازته من أبي المطهر الصيدلاني بحق إجازته من أبي خلف بحق سماعه من المصنف بقراءة -مثبت الأسماء نصير بن نبا بن صالح الأنصاري وهذا خطه- صاحب الكتاب الطواشي الأجل المجد المخدوم افتخار الدين ياقوت بن عبد الله المسعودي عرف بالعزي وقد أجازه الشيخ ما فاته من الكتاب وصح ذلك وثبت لهم ولمثبت الأسماء نصير في الثاني عشر من صفر من سنة أربع وثلاثين وستمائة "634 هـ" بقلعة الجبل المعمورة بمنزل
 
 
ص -29- ... الطواشي صاجب الكتاب المصرية الحمد لله حق حمده وصلواته على محمد وآله وسلم.
وتحت ذلك ما نصه:
صورة السماع من الأصل المنقول منه ما مثاله -سمع جميع الجزء من علم الحديث على الشيخ الإمام العالم أبي نزار ربيعة بن الحسن بن علي بن يحيى الحضرمي اليمني بحق سماعه له وقراءته على أبي المطهر الصيدلاني بإجازته من أبي خلف عن مصنفه بقراءة الشريف أبي عبد الله محمد بن عبد العزيز أبي القاسم الإدريسي والفقيه المحدث أبي محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري وملهم بن فتوح بن بشارة الصوفي وعبد الباقي بن أبي محمد بن علي بن خشاب وبركات بن ظافر بن عساكر وصح بمسجد المسمع بمصر يوم السبت من شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وستمائة.
فهذه النسخة هي التي ذكرها العلامة الشيخ طاهر الجزائري الدمشقي في كتابه "توجيه النظر إلى علوم الأثر" ص203 حيث قال بعدما أورد ملخصًا من كتاب "الحاكم": وقد وقع إلينا حين الانتقاء نسخة كتبت في القاهرة في دار الحديث الكاملية سنة 634 وقرئت في قلعة الجبل على بعض أهل الأثر وهي منقولة من نسخة الحافظ المنذري المثبت عليها صورة سماعه في آخر كل جزء من الأجزاء الخمسة من الشيخ الإمام أبي نزار ربيعة بن الحسن اليمني الحضرمي سنة 602.
ومن النسخ الثلاث في قسطنطينية إحدى في مكتبة ولي الدين عدد رقمها 454، هي ذات 142 ورقة وفي ورق 23 سطرًا وطول الورق بالسنتيمتر 24 وعرضه 17، هذه النسخة لا يوثق بها لكثرة ما فيها من التحريف وهي عارية عن صورة السماع وغير مثبت عليها اسم الكاتب وتاريخ الكتابة.
واثنتان في مكتبة أيا صوفية في تركيا فالأولى عدد رقمها 444 تقع 106 صفحة وفي كل منها 24 سطرًا تقريبًا وطول الصفحة بالسنتيمتر 20 وعرضها 14، وكتب في الصفحة الأخيرة:
 
 
ص -30- ... تم الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليمًا -كتبه إسماعيل بن محمد بن أحمد بن محمد بن سهل المقرئ النقاش.
وكتب بعده صورة السماع: وقرأت جميع هذا الكتاب على الفقيه المحدث برهان الدين بن عبد القوي بن أبي المحسن بن ياسين القسراني وذلك بروايته سماعًا عن أبي الفضل محمد بن يوسف الغزنوي عن الشيخ الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلمي عن أبي محمد عبد الله بن عمر السمرقندي عن أبي بكر بن خلف عن الحاكم المصنف -في مجالس آخرها في يوم السبت الثاني من شهر ربيع الأول سنة أربع عشر وستمائة "614 هـ". كتب سليمان بن محمد بن سليمان الخلي اليماني.
وتوجد في ص82 صورة سماع مكتتب على الأم المنقول عنها -سمع مني هذا الجزء
الثالث الشيخ الأجل الزكي أبو سعد عبد الله بن محمد بن أبي السلوى المعدل
وذلك بقراءتي في جامع القصر في جمادى الآخرة من سنة ثمان وسبعين وأربع مائة "478". كتبه عبد الله بن أحمد بن عمر السمرقندي حامدًا لله ربه ومصليًا على محمد رسوله وعلى آله وسلم تسليمًا.
هذه النسخة ذات نقص مضطربة الأوراق مختلطة الأنواع حيث امتنعت المقابلة مع نسختي المنقولة من الأصل المحفوظة في المتحف البريطاني.
وأما النسخة الثانية المحفوظة في مكتبة أياصوفية في تركيا عدد رقمها 449 هي في 128 صفحة في كل صفحة 15 سطرًا الصفحة منها في 22 سنتيمترًا في ظهر الصفحة الثانية منها ما نصه:
أخبرنا الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو الفضل محمد بن يوسف بن علي الغزنوي الحنفي رضي الله عنه بقراءتي عليه بالقاهرة المعزية في صفر سنة ثمان وسبعين وخمس مائة "578هـ" قال أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي قراءة علينا بلفظه في شهر ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وخمس مائة "537هـ" قال: أخبرنا الشيخ الإمام الحافظ أبو
 
 
ص -31- ... محمد عبد الله بن أحمد بن عمر بن الأشعث السمرقندي في جمادى الأولى سنة تسع وخمس مائة "509هـ" قال: قرأت على الشيخ الجليل أبي بكر أحمد بن أبي الحسن بن خلف الشيرازي الأديب بنيسابور في جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة "472هـ" قلت له أخبركم الحاكم أبو عبد الله البيع قراءة عليه وأنت تسمع فأقر به سنة أربع وأربع مائة "404هـ".
وفي آخر هذه النسخة: صورة ما وجدت بخط الحافظ أبي عبد الله ابن السمرقندي -نقلت هذه النسخة بنيسابور من أصل الحاكم أبي عبد الله الذي وقفه على أصحاب الحديث ودفعه إلى وصيه الشيخ المعتمد أبي عبد الرحمن السلمي وهو الآن في يد ورثة أبي صالح المؤذن ورأيت على الجزء الأخير وهو الخامس بخط الشيخ الحافظ أبي صالح المؤذن رحمه الله سماعًا صورته: سمع الجزء كله والكتاب بتمامه إسماعيل وصالح ابنا أبي صالح المؤذن عن الشيخ أبي بكر أحمد بن خلف الشيرازي رواية عن الحاكم أبي عبد الله وسماعه مثبت فيه وفي نسخة أبي بكر بن خلف بتمامه.
حينما زرت مدينة حلب الشهباء تشرفت بقاء الشيخ الأستاذ محمد راغب الطباخ الحلبي الذي تقدم ذكره وهو مدرس علم الحديث والمصطلح والتاريخ في المدرسة الخروية في حلب ومؤلف التاريخ الكبير "أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء". فجاد علي الشيخ بالكرم والعناية وأنا شاكر له معترف بإحسانه الغزير إذ هو أفادني ببعض كلامه المفيد في هذا الموضوع وأرشدني إلى التكية الأخلاصية عند السادة الرفاعية حيث وجدت نسخة من كتاب الحاكم1 في أولها ما نصه:
أخبرنا جماعة من الشيوخ الثقات الأئمة الأثبات منهم سيدي ووالدي شرف الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن ألب أرسلان البغدادي الشافعي قال أخبرنا أبو حسين علي بن أبي عبد الله محمد بن علي بن منصور بن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 لم يسع لي الوقت في إقامتي القصيرة بحلب الشهباء أن أقابل هذه النسخة.
 
 
ص -32- ... المطهر ببغداد سماعًا عليه قال: أخبرنا أبو الفضل أحمد بن طاهر بن سعيد المهيمني وأبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد السلامي الحافظ إذنًا منهما قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي الحسن علي بن عبد الله بن خلف الشيرازي قال المهيمني: سماعًا، وقال ابن ناصر: قال الشيرازي: أخبرنا الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم قال:
وكتب في آخرها بخط كاتبها: آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين على نعمه المتوالية وآلائه المتظاهرة والصلاة والسلام على سيدنا محمد المرسل بالآيات الباهرة والمعجزات الظاهرة وعلى آله العترة الطاهرة وأصحابه النجوم الزاهرة. فرغ من كتابته من أوثقته ذنوبه وأسرته خطاياه وعيوبه المفتقر إلى رحمة الله الغني محمد بن مجمد بن علي البغدادي تاب عليه توبة نصوحًا وغفر له ولوالديه ولمشايخه وجاد عليه بكرمه ونجحهم بإحسانه فتوحًا وكان إنجازه بالمسجد الأقصى الشريف عمره الله بذكره في يوم الأحد الثاني والعشرين من شهر الله الحرام سنة أحد عشر وثماني مائة "811 هـ" أحسن الله ابتداءها وصرف عن المسلمين شدتها ولأواءها وختمها بالتوفيق والسعادة بمنه وحسبنا الله ونعم والوكيل.
وفي دمشق ظفرنا على نسخة من كتاب الحاكم في دار الكتب الظاهرية عدد رقمها 403 هي في 86 صفحة وفي كل صفحة من 34 إلى 38 سطرًا وطول الصفحة بالسنتيمتر 26 وعرضها 9 هذه النسخة أيضًا مثل التي في مكتبة ولي الدين بالأستانة عارية عن صورة السماع وغير مثبت عليها اسم الناسخ وتاريخ النسخ. يغلب على الظن أن العلامة طاهر الجزائري ثم الدمشقي قد استعملها لتلخيصه في كتاب توجيه النظر؛ لأنه من مؤسسي هذه المكتبة الظاهرية. وقد راجعت نسختي المنقولة من أصل المتحف البريطاني على هذه النسخة تمامًا.
اطلعت في القاهرة على نسختين: إحداهما في رواق المغارية في الأزهر الشريف، والأخرى عند صاحب الفضيلة الشيخ عبد المعطي السقا بالمنزل
 
 
ص -33- ... رقم 8 بشارع الشلبي. لكن لم يساعدني الزمان لأجل عطلة رمضان المبارك حين كنت بالقاهرة أن أقابلهما.
من كتاب علوم الحديث للحاكم ثلاث نسخ أيضًا موجودة في الهند: إحداهن في مكتبة خدابخش بمدينة عظيم أباد1 محررة سنة 1291 قابلت هذه النسخة مقيمًا بهذه المدينة في إحدى العطلات الكبرى.
وأما النسختان الأخريان فإحداهما في مكتبة مولانا حبيب الرحمن خان الشرواني بحبيب كنج في عليكده، والأخرى في المكتبة الآصفية بحيدر آباد الدكن قد قابلت لي دائرة المعارف العثمانية هاتين النسختين بنسختي التي أرسلتها إليها مكتوبة بالماكينة بيد أن أكثر الاختلافات والإصلاحات التي حصلت لي من هذه المقابلة قد وجدتها قبل بمقابلتي مع النسخ المحفوظة بمكتبة خدابخش وبدار الكتب الظاهرية وغيرهما. يلوح لي أن هذه النسخ تتفق فيها الزيادة والرواية مع كثير الأغلاط الفاحشة فلعلها منقولة بعضها من أصل واحد وبعضها من بعض.
فيكون مجمع ما عثرت عليه من كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم إحدى عشرة نسخة أجودها التي بمكتبة المتحف البريطاني. هي نسخة تغلب الصحة عليها، ضبط كثير من كلماتها بالحركات وليس في هوامشها غير كلمات قليلة سقطت من الأصل فاستدركها الناسخ ويكتب في نهايتها كلمة "صح" إشارة إلى سقوطها من الأصل أو رواية مختلفة عن نسخة أخرى ويكتب فوقها الحرف "خ" إشارة إلى روايتها بهذا النص في نسخة أخرى.
فاعتمدت في الطبع على نسخة المتحف البريطاني وأثبت في أسفل الصفحات ما وجدت من الاختلافات والزيادات بالمقابلة مع النسخ الأخرى وما وفقني الله عليه من التصحيح والتنقيح والتنبيه بمراجعه الكتب المعتبرة في هذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 كتب في آخرها بخط الكاتب: تم الكتاب بعون الله المالك الوهاب بتاريخ غرة شهر رمضان سنة ألف ومائتين وإحدى وتسعين -كتبه الأحقر راجي رحمة ربه الأكبر عبده المسمى جوهر.
 
 
ص -34- ... الفن. فهذه النسخة موسومة في التصحيح عند اختلاف النسخ "بالأصل" والنسخة بمكتبة أيا صوفية في تركيا مرموز إليها بالكلمة "صو" ونسخة المكتبة الظاهرية في دمشق مشار إليها بالحرف "ظ" والنسخة بمكتبة خدابخش مشار إليها بالحرف "خ" ونسخة مولانا الشرواني بالحرف "ش" ونسخة المكتبة الأصفية بالكلمة "صف".
ناهيك بهذه النسخ المتعددة بديار الكتب المختلفة في بلاد الشرق والغرب على أهمية الكتاب ومزيتها. يظهر من روايات عديدة وسماعات كثيرة على النسخ أن الكتاب قرئ واسعًا، قرأه كثير من المشايخ والعلماء والحفاظ والطلاب لعظيم فائدته. العلامة طاهر الجزائري أورد ملخصًا من هذا الكتاب في كتابه "توجيه النظر إلى علوم الأثر" "ص163-203" حيث قال: وقفنا على كتاب معرفة علوم الحديث للحافظ الأجل المجمع على صدقة وإمامته في هذا الفن أبي عبد الله محمد بن عبد الله الضبي المعروف بالحاكم فوجدنا فيه فوائد مهمة رائعة ينبغي لطالبي هذا الفن الوقوف عليها فرأينا أن نورد من كل مبحث من مباحثه شيئًا مما ذكر فيه حتى
يكون المطالع لذلك كأنه مشرف عليه.
وحسبنا في بيان أهمية كتاب الحاكم ما قال ابن خلدون "مقدمة ص368": "وقد ألف الناس في علوم الحديث وأكثروا ومن فحول علمائه وأئمتهم أبو عبد الله الحاكم وتآليفه فيه مشهورة وهو الذي هذبه وأظهر محاسنه"، فعزمت اتكالًا على الله على نشر هذا الكتاب الذي هو ثاني الكتب المؤلفه في هذا الفن الجليل تعميمًا لاستفادة القراء الكرام منه.
المحقق:
س. م. حسين
 
 
ص -35- ... بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الكتاب: معرفة علوم الحديث
أخبرنا1 الشيخ الإمام علم الدين أبو الحسن علي بن أبي الفتح محمود بن أحمد المحمودي الصابوني قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو المطهر القاسم بن الفضل بن الواحد الصيدلاني إجازة، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي، ثم النيسابوري، قال: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله2 محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم3 الحافظ النيسابوري، قال:
الحمد لله ذي المن والإحسان، والقدرة والسلطان، الذي أنشأ الخلق بربوبيته، وجنسهم بمشيته، واصطفى4 منهم طائفة أصفياء، وجعلهم بررة أتقياء، فهم خواص5 عباده، وأوتاد بلاده، يصرف عنهم البلايا، ويخصهم بالخيرات والعطايا، فهم القائمون بإظهار دينه، والمتمسكون بسنن نبيه، فله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في نسخة أياصوفية: "أخبر الإمام الحفاظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن خلف بقراءته عليه بنيسابور في شهر رمضان سنة إحدى وثمانين" وكذا أيضًا في خ، ش وصف.
2 ظ: "أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رضي الله عنه".
3 ش، صو وصف: "نعيم بن الحكم".
4 خ، ش، صو وصف: "اصطفى طائفة منهم أصفياء".
5 في النسخ كلها: "خاص" والأصوب عندنا: "خواص" كما أثبتنا.
 
 
ص -36- ... الحمد على ما قدر وقضى، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي زجر عن اتخاذ الأولياء دون كتابه واتباع الخلق دون نبيه صلى الله عليه وسلم وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله المجتبى، بلغ عنه رسالته. فصلى الله عليه آمرًا، وناهيًا ومبيحًا وزاجرًا، وعلى آله الطيبين.
قال الحاكم رحمه الله1:
أما بعد فإني لما رأيت البدع في زماننا كثرت2، ومعرفة الناس بأصول السنن قلت، مع إمعانهم في كتابة3 الأخبار وكثرة طلبها على الإهمال4 والإغفال دعاني ذلك إلى تصنيف كتاب خفيف يشتمل على ذكر أنواع علم5 الحديث مما يحتاج إليه طلبة الأخبار، المواظبون علي كتابة الآثار، وأعتمد في ذلك سلوك الاختصار، دون الإطناب في الإكثار، والله الموفق لما قصدته والمان في6 بيان ما أردته إنه جواد كريم رءوف رحيم.
حدثنا أبو عباس محمد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوق البصري بمصر7، ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة عن معاوية بن قرة قال: سمعت أبي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال ناس من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"8.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العبارة المحصورة بين النجيمين لم ترد في صو وخ.
2 ش، صف: "قد كثرت".
3 صف: "كتاب".
4 ظ: "على الإغفال والإهمال".
5 خ، ش، صو وصف: "علوم".
6 خ، ش وصو: "المان على في".
7 زيادة في ظ، خ و ش وصف.
8 رواه الترمذي في أبواب الفتن باب ما جاء في أهل الشام ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم: لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" قال محمد بن إسماعيل قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث... هذا حديث حسن صحيح 3/ 328-329. والحديث في ابن ماجه بألفاظ =
 
 
ص -37- ... سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن عبد الحميد الآدمي بمكة يقول: سمعت موسي بن هارون يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: وسئل عن معنى هذا الحديث فقال: إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم.
قال أبو عبد الله1: وفي مثل قيل من أمر السنة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحق2. فلقد3 أحسن أحمد بن حنبل في تفسير هذا الخبر أن الطائفة المنصورة التي يرفع4 الخذلان5 عنهم إلى قيام الساعة هم أصحاب الحديث، ومن أحق بهذا التأويل من قوم سلكوا محجة الصالحين واتبعوا آثار السلف من الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين، من قوم آثروا قطع المفاوز والقفار، على التنعم في الدمن6 والأوطار7، وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جمع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار8، قد رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء والزيغ، جعلوا المساجد بيوتهم وأساطينها9 تكاهم وبواريها10 فرشهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= مختلفة في المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 1/ 5-6 ورواه أيضًا أحمد بن حنبل في المسند 3/ 436 و 5/ 34-35. "انظر كتاب شرف أصحاب الحديث ص25-27.
1 ظ، ش: "قال الحاكم" و خ "قال الحاكم رضي الله عنه".
2 ظ، ش، صو، صف: "بالحكمة".
3 صو: "ولقد".
4 خ، ش، صو، صف: "يدفع".
5 صو: "عنها".
6 الدمن: آثار الدار.
7 الأوطار: لعله قصد الأوطان، وما أثبت تحريف من النساخ.
8 الأطمار: جمع طمر، وهو الشيء الغامض أو المخبأ.
9 الأساطين: الثقات المبرزون في العلم.
10 البواري: جمع بارياء، وهي الحصير.
 
 
ص -38- ... حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، ثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين، ثنا عمر بن حفص بن غياث قال: سمعت أبي وقيل له: ألا تنظر إلى أصحاب الحديث وما هم فيه؟ قال: هم خير أهل الدنيا.
وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي1 ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال: سمعت علي بن خشرم يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: إني لأرجو أن يكون أصحاب الحديث خير الناس يقيم أحدهم ببابي وقد كتب عني فلو2 شاء أن يرجع ويقول: حدثني أبو بكر جميع حديثه فعل إلا أنهم لا يكذبون.
قال أبو عبدالله3: ولقد صدقا جمعيًا أن أصحاب الحديث خير الناس وكيف لا يكونون كذلك وقد نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة4، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم5 المداد6، ونومهم السهاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية7 عندهم رخاء ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقلوهم بلذاذة السنة غامرة8، قلوبهم بالرضاء في الأحوال عامرة، تعلم السنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم، وأهل9 السنة قاطبة إخوانهم، وأهل الإلحاد والبدع بأسرها أعداؤهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 زيادة في ظ، خ وصو.
2 ش، صف: "ولو" وخ "لو".
3 ظ، خ، ش، صو وصف: "قال الحاكم".
4 المعارضة: وهي العرض على الشيخ، أي قراءة الحديث على الشيخ سواء حفظ الشيخ أو لم يحفظ أمسك أصله هو أو ثقة، وهي رواية صحيحة "انظر تدريب الراوي 2/ 12".
5 المخلوق: الطيب.
6 المداد: الحبر.
7 سيأتي معنى الإسناد العالي بعد صفحة.
8 خ، ش، صف: "خامرة".
9 في ش وصف: "فصار أهل السنة".
 
 
ص -39 - ... سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد1 الحنظلي ببغداد، يقول: سمعت أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمد بن الحسن الترمذي2 عند أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله، ذكروا لابن أبي فتيلة3 بمكة أصحاب الحديث، فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه، فقال: زنديق! زنديق! زنديق! ودخل البيت.
سمعت أبا علي الحسين بن علي الحافظ يقول: سمعت جعفر بن محمد بن سنان الواسطي، يقول: سمعت أحمد بن سنان القطان4 يقول: ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل5 الحديث وإذا ابتدع الرجل نزع حلاوة الحديث من قلبه.
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارا يقول: سمعت6 أبا نصر أحمد بن سلام الفقيه يقول: ليس بشيء أثقل على أهل الإلحاد ولا أبغض إليهم من سماع الحديث وروايته بإسناد.
قال أبو عبد الله7: وعلى هذا عهدنا في أسفارنا وأوطاننا كل من ينسب إلى نوع من الإلحاد والبدع لا ينظر إلى الطائفة المنصورة إلا بعين الحقارة ويسميها الحشوية. سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، وهو يناظر رجلًا فقال الشيخ: حدثنا فلان. فقال له الرجل: دعنا من حدثنا إلى متى حدثنا. فقال له الشيخ: قم يا كافر، ولا يحل لك أن تدخل داري بعد هذا، ثم التفت إلينا فقال: ما قلت قط لأحد8 لا تدخل داري إلا لهذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ، ش، صف: "أحمد بن تميم".
2 زيادة في ظ و خ.
3 كذا في خ، ش وصف:" فتيلة" وبالأصل: "قتيلة" لعله تصحيف.
4 خ، ش، صف: "جعفر بن أحمد بن سنان الواسطي سمعت أبي يقول".
5 ظ: "أصحاب".
6 الزيادة عن ظ، خ، ش وصف، لعلها سقطت عن الأصل من يد الناسخ.
7 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
8 خ، ش، صف: "ما قلت لأحد قط".
 
 
ص -40 - ... ذكر أول نوع1 من معرفة علوم الحديث: "عالي الإسناد"
قال أبو عبد الله2: النوع الأول من هذه العلوم معرفة عالي الإسناد وفي طلب الإسناد العالي سنة صحيحة.
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني، ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع. فأتاه رجل منهم فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم3 أنك تزعم أن الله أرسلك. قال: "صدق". قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله". قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله". قال: فمن نصب هذه الجبال؟ قال: "الله". قال: فمن جعل فيها هذه المنافع؟ قال: "الله". قال: فالبذي خلق السماء والأرض ونصب الجبال وجعل فيها هذه المنافع، آلله أرسلك، قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا؟ قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم". قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلًا. قال: "صدق". قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم": قال: والذي بعثك بالحق، لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن. فلما مضى قال: "لئن صدق ليدخلن الجنة"4.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 خ: "النوع الأول".
2 ظ، خ، ش: "قال الحاكم".
3 خ، ش، صف: "يزعم".
4 رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان باب السؤال عن أركان الإسلام 1/ 41 - 42، والنسائي في سننه باب وجوب الصوم 4/ 120 - 122، ورواه الترمذي في السنن في كتاب الزكاة باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك 2/ 64 - 65. وله شاهد=
 
 
ص -41- ... قال أبو عبد الله1: وهذا حديث مخرج في المسند الصحيح لمسلم2، وفيه دليل على إجازة طلب المرء3 العلو من الإسناد وترك الاقتصار على النزول فيه وإن كان سماعه عن4 الثقة إذ البدوي لما جاءه رسول الله صلى الله عليه سلم فأخبره بما فرض الله عليهم لم يقنعه ذلك حتى رحل بنفسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ما بلغه الرسول عنه. ولو كان طلب العلو في الإسناد غير مستحب لأنكر عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم سؤاله5 إياه عما أخبره رسوله عنه ولأمره بالاقتصار على ما أخبره الرسول عنه.
ولقد حدثنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري6 بمرو حدثنا أبو الموجه محمد بن عمرو، ثنا عبدان قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
قال أبو عبد الله7: فلولا الإسناد وطلب هذه الطائفة له وكثرة مواظبتهم على حفظ لدرس8 منار الإسلام ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه9 بوضع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
= في صحيح البخاري ولفظه: "أن أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس، فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة فقال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا" فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال: "شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا" فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شئيًا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق أو: "دخل الجنة إن صدق" "3/ 31".
1 ظ، خ، ش، صف "قال الحاكم".
2 ش، صف: لمسلم بن الحجاج.
3 خ، ش، صف: "طلب العلو".
4 ش، صف: "من".
5 ش: "سؤله".
6 ظ: "النيسابوري".
7 خ: "قال الحاكم" ولم ترد هذه العبارة في ظ، ش وصف.
8 درس: أي اندثر.
9 خ، ش، صف: "منه".
 
 
ص -42- ... الأحاديث وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فيها كانت بترًا، كما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري،
ثنا أبو بكر1 بن أبي الأسود، ثنا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني، ثنا بقية، ثنا عتبة بن أبي حكيم أنه كان عند إسحاق بن أبي فروة وعنده الزهري، قال2 فجعل ابن أبي فروة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له الزهري: قاتلك الله يا ابن أبي فروة، ما3 أجرأك على الله لا تسند حديثك؟ تحدثنا بأحاديث ليس4 لها خطم5 ولا أزمة!
قال أبو عبد الله6: فأما العالي من الأسانيد فإنها مسنونة7 كما ذكرناه، وقد رحل في طلب الإسناد العالي غير واحد من الصحابة. فمن ذلك ما8 أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن موسى السني بمرو أخبرنا9 أبو الموجه ثنا10 عبدان أنا أبو حمزة وابن عيينة وابن المبارك، قالوا: ثنا صالح بن صالح، قال: سأل رجل من
أهل خراسان عامرًا، فقال: يا أبا عمرو، كيف تقول في رجل كانت له وليدة
فأعتقها فتزوجها؟ فإنا نقول: عندنا هو كالراكب بدنة11 فقال حدثنا أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له وليدة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ش، صف: "نا أبو بكر، نا إبراهيم" إلى آخر الإسناد.
2 كملة "قال" لم توجد في خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "فما".
4 ظ، خ: "ليست".
5 الخطم: جمع خطام، وهو ما يوضع على أنف الجمل ليقاد به، ويسمي أيضًا الزمام.
6 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
7 خ، ش، صف: "فإنه مسنون".
8 الزيادة عن خ.
9 خ، ش، صف: "نا".
10 ظ، خ، ش، صف: أخبرنا.
11 خ، ش، صف: "هدية".
 
 
ص -43- ... فله1 أجران، وأيما عبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه فله أجران أعطيتكها بغير أجر"2. فقد كان الراكب فيما هو أدنى من هذا إلى المدينة.
قال عبد الله3: فهذا الراكب إنما كان يركب في طلب عالي الإسناد ولو4 اقتصر على النازل لوجد بحضرته من يحدثه به.
ومنه5 ما حدثنا علي بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان، حدثنا ابن جريج، قال: سمعت أبا سعيد6 الأعمى يحدث عن عطاء بن أبي رباح قال: خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة. فلما قدم إلى منزل مسلمة7 بن مخلد الأنصاري -وهو أمير مصر- فأخبره فعجل عليه فخرج إليه فعانقه، ثم قال له: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة فابعث من يدلني على منزله. قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة، فعجل فخرج إليه فعانقه فقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال8: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري9 وغيرك في ستر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "كان له".
2 رواه البخاري في صحيحه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها، وأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها فله أجران. وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران. وأيما مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران" قال الشعبي: خذها بغير شيء قد كان الرجل يرحل فيما دونه إلى المدينة انظر صحيح البخاري 7/ 7.
3 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
4 ظ: "فلو".
5 زيادة في خ، ش وصف.
6 خ، ش، صف: "أبا سعد الأعمي" وهو الصواب كما ذكره صاحب التقريب.
7 ش، صف: "سلمة بن مخلد" وهو خطأ.
8 ظ، خ، ش، صف: "قال".
9 سقط ما بين النجيمين من ظ، خ، ش، وصف.
 
 
ص -44- ... المؤمن. قال عقبة: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر مؤمنًا في الدنيا على خزية ستره الله يوم القيامة"1 فقال له أبو أيوب: صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعًا إلى المدينة فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر.
قال أبو عبد الله2: فهذا أبو أيوب الأنصاري3 على تقدم صحبته وكثرة سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل إلى صحابي من أقرانه في حديث واحد، لو اقتصر على سماعه من بعض أصحابه لأمكنه.
ومنه4 ما حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه، ثنا5 الحسن بن علي بن زياد، ثنا إسحاق بن محمد الفروي، ثنا مالك عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: إني6 كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد.
ومنه ما7 أخبرني أبو جعفر محمد بن أحمد التميمي من كتابه، ثنا عبد الله بن محمد الاسفرائني، ثنا نصر بن مرزوق، قال: سمعت عمرو بن أبي سلمة، يقول: قلت للأوزاعي: يا أبا عمرو، أنا ألزمك8 منذ أربعة أيام ولم أسمع منك إلا ثلاثين حديثًا. قال: وتستقل ثلاثين في أربعة أيام! لقد سار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه أحمد في المسند عن أبي أيوب عن عقبة بن عامر، ولفظه في المسند: "وركب أبو أيوب إلى عتبة بن عامر إلى مصر فقال: "إني سائلك عن أمر لم يبق ممن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنا وأنت، وكيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ستر المؤمن؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ستر مؤمنًا في الدنيا على عورة ستره الله عز وجل يوم القيامة". فرجع إلى المدينة مما حل رحله يحدث هذا الحديث. ورواه الخطيب البغدادي في كتاب الرحلة في طلب الحديث ص 121.
2 ظ، خ، ش، صف: "قال الحاكم".
3 لا يوجد لفظة "الأنصاري" في ش، وصف.
4 زيادة في خ، ش، وصف.
5 خ، ش، صف: "أخبرنا".
6 بالأصل: "أن" كذا.
7 زيادة في خ، ش وصف.
8 صف: "لازمك".
 
 
ص -45- ... جابر بن عبد الله إلى مصر واشترى راحلة فركبها حتى سأل عقبة بن عامر عن حديث واحد وانصرف إلى المدينة وأنت مستقل1 ثلاثين حديثًا في أربعة أيام.
قال أبو عبد الله2: وجابر بن عبد الله على كثرة حديثه وملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل إلى من هو مثله أو دونه مسافة بعيدة في طلب حديث واحد3.
أخبرني أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن عمر4 القرشي، ثنا أبي، ثنا جعفر الطيالسي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أربعة لا تؤنس منهم رشدًا5: حارس الدرب ومنادي القاضي وابن المحدث ورجل يكتب في بلده ولا يرحل في طلب الحديث.
سمعت أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبيد6 الله الواعظ يقول: سمعت علي بن محمد الجرجاني يقول: ثنا إبراهيم7 بن مهدي، ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا شعبة8 قال: سمعت بشر بن حرب، يقول: سمعت ابن عمر، يقول: قلت9 لطالب العلم يتخذ نعلين من حديد10.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ، خ، ش، صف: "تستقل".
2 ما بين النجيمين لم يوجد في ظ، خ، ش، وصف.
3 انظر البخاري "الطبع المجتباني" ص17.
4 ليس ما بين النجيمين في ش وصف.
5 خ، ش: "راشدًا".
6 كذا في ظ، خ، ش، وصف، وبالأصل: "عبد الله".
7 خ، ش، صف: "نا إبراهيم، نا مهدي".
8 خ، ش، صف: "سعيد" وهو الصواب كما ذكر في التهذيب في ترجمة عبد الله بن يوسف.
9 خ، ش، صف: "قل".
10 وذلك مبالغة في ضرورة الترحال من مكان إلى آخر، ومن بلد إلى بلد، حتى يلتقي العلماء والرواة، فليأخذ عنهم.
 
 
ص -46- ... قال أبو عبد الله1: فأما معرفة العالية من الأسانيد فليس على ما يتوهمه عوام الناس يعدون الأسانيد فما وجدوا منه أقرب عددًا إلى رسول الله صلى الله عليه يتوهمونه أعلى. ومثال ذلك ما حدثناه أبو الحسن علي بن محمد بن عقبة2 الشيباني بالكوفة، ثنا الخضر بن أبان الهاشمي، حدثنا3 أبو هدبة إبراهيم بن هدبة، ثنا أنس بن مالك. وهذه نسخة عندنا بهذا الإسناد4.
وأخبرنا5 أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا أحمد بن محمد بن غالب، حدثنا عبد الله بن دينار، ثنا أنس بن مالك. وهذه أيضًا نسخة كبيرة.
وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا6 أبو جعفر محمد بن مسلمة الواسطي، ثنا موسى بن عبد الله الطويل، عن أنس بن مالك وهذه نسخة.
وأعجب من ذلك ما حدثناه7 جماعة من شيوخنا، عن أبي الدنيا واسمه عثمان بن الخطاب بن عبد الله8 المغربي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا: إن أبا الدنيا خدم أمير الؤمنين ورفسته بغلته وأنه كان يستسقي به بالمغرب. ولقد حضرت مجلس أبي جعفر محمد9 بن عبيد الله العلوي بالكوفة فدخل شيخ أسود أبيض الرأس واللحية. فقال لنا: أتدرون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا ينسب إلى أبي الدنيا المغربي مولى أمير المؤمنين بأربعة آباء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ظ: "قال" وخ، ش، صف: "قال الحاكم".
2 ش، صف: "محمد".
3 ش، صف: "نا".
4 لفظة "الإسناد" لم توجد فى خ، ش وصف.
5 ش: وصف: "وحدثنا".
6 ظ، ش، صف: "نا".
7 صف: "ما حدثنا به".
8 ظ، خ، ش، صف: "عبد الله بن عوام من قرية المغرب يقال لها مرندة".
9 الزيادة عن خ، ش وصف.
 
 
ص -47- ... [قال أبو عبد الله]1: وفي الجملة أن هذه الأسانيد وأشباهها كخراش بن عبد الله وكثير بن سليم ويغنم بن سالم بن قنبر ما لا يفرح بها ولا يحتج بشيء منها وقل ما يوجد في مسانيد أئمة الحديث حديث واحد عنهم.
وأقرب ما يصح لأقراننا من الأسانيد بعدد الرجال ما حدثونا، عن أحمد بن شيبان الرملي، قال:2 ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، وعن الزهري، عن3 أنس4، وعن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، وعن عبد الله بن دينار، عن ابن عمرو، عن زياد5 بن علاقة عن جرير. فهذه الأسانيد لابن عيينة صحيحة ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبة. وكذلك حدثونا عن جماعة من شيوخنا، عن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أنس وعن حميد الطويل، عن أنس.
والعالي من الأسانيد التي6 تعرف بالفهم لا بعد7 الرجال غير هذا، فرب إسناد يزيد عدده على السبعة والثمانية إلى العشرة وهو أعلى من ذلك.
ومثال ذلك ما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري، ثنا عبد الله بن نمير، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت8 فيه خصلة منهن كان9 فيه خصلة من النفاق10 حتى يدعها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 العبارة لم ترد في خ، ش، وصف.
2 ظ، خ، ش، صف: "الرملي وغيره قالوا: ثنا".
3 بالأصل: "وعن" بإثبات "و" وهو خطأ.
4 خ، ش، صف: أنس بن مالك.
5 خ، ش، صف: "ذمار" وهو خطأ.
6 ظ، خ: "الذي يعرف".
7 ظ: "بعدد".
8 ظ، خ: "كان".
9 ش، صف: "كانت".
10 بالأصل: "نفاق".
 
 
ص -48- ... إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر"1.
قال الحاكم2: هذا إسناد3 صحيح مخرج في كتاب مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه وقد بلغ عدد رواته سبعة وهو أعلى من الأربع الذي قدمنا ذكره، فإن الغرض فيه4 القرب من سليمان بن مهران الأعمش فإن الحديث له وهو إمام من أئمة الحديث5. وكذلك كل إسناد يقرب من الإمام المذكور فيه فإذا صحت الرواية إلى ذلك الإمام بالعدد اليسير فإنه عال6.
أخبرنا أبو الطيب محمد بن أحمد المذكر7 ثنا إبراهيم بن محمد المروزي ثنا علي بن خشرم قال: قال لنا وكيع: أي الإسنادين أحب إليكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في صحيحه في أكثر من كتاب، وهو في كتاب الإيمان في باب علامة المنافق، قد رواه عن: "قبيصة بن عقبة قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو" 1/ 15 ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان في باب بيان خصال المنافق وسنده: "حدثني زهير بن حرب حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن عمرو" وفيه سند آخر: "حدثنا نمير حدثنا أبي حدثنا الأعمش..."
"1/ 78". ورواه أيضًا أبو داود في سننه في كتاب السنة باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه 4/ 321. ورواه الترمذي في سننه في أبواب الإيمان باب علامة المنافق 4/ 130 وقال في آخر: "هذا حديث حسن صحيح" ورواه النسائي في سننه في كتاب الإيمان وشرائعه باب علامة المنافق 8/ 116.
2 الزيادة عن ظ خ، ش وصف.
3 خ، ش، صف: "الإسناد".
4 خ، ش، صف: "منه".