معرفة علوم الحديث للحاكم

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: معرفة علوم الحديث
المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع (المتوفى: 405هـ)
عدد الأجزاء: 1
 
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ مَحْمُودِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحْمُودِيُّ الصَّابُونِيِّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُطَهَّرِ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الصَّيْدَلَانِيُّ إِجَازَةً قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازِيُّ ثُمَّ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَوَيْهِ بْنِ نُعَيْمِ الْحَافِظُ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْمَنِّ والْإِحْسَانِ، وَالْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ، الَّذِي أَنْشَأَ الْخَلْقَ بِرُبُوبِيَّتِهِ، وَجَنَّسَهُمْ بِمَشِيئَتِهِ، وَاصْطَفَى مِنْهُمْ طَائِفَةً أَصْفِيَاءَ، وَجَعَلَهُمْ بَرَرَةً أَتْقِيَاءَ، فَهُمْ خَوَاصُّ عِبَادِهِ، وَأَوْتَادُ بِلَادِهِ، يَصْرِفُ عَنْهُمُ الْبَلَايَا، وَيَخُصُّهُمْ بِالْخَيْرَاتِ وَالْعَطَايَا، فَهُمُ الْقَائِمُونَ بِإِظْهَارِ دِينِهِ، وَالْمُتَمَسِّكُونَ بِسُنَنِ نَبِيِّهِ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَدَّرَ وَقَضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الَّذِي زَجَرَ عَنِ اتِّخَاذِ الْأَوْلِيَاءِ دُونَ كِتَابِهِ، وَاتِّبَاعِ الْخَلْقِ دَونَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ الْمُصْطَفَى وَرَسُولُهُ الْمُجْتَبَى، بَلَّغَ عَنْهُ رِسَالَتَهُ، فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ آمِرًا وَنَاهِيًا وَمُبِيحًا وَزَاجِرًا، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ. قَالَ الْحَاكِمُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ الْبِدَعَ فِي زَمَانِنَا كَثُرَتْ، وَمَعْرِفَةَ النَّاسِ بِأُصُولِ السُّنَنِ
(1/1)
 
 
قَلَّتْ، مَعَ إِمْعَانِهِمْ فِي كِتَابَةِ الْأَخْبَارِ، وََكَثْرَةِ طَلَبِهََا عَلَى الْإِهْمَالِ وَالْإِغْفَالِ؛ دَعَانِي ذَلِكَ إِلَى تَصْنِيفِ كِتَابٍ خَفِيفٍ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ طَلَبَةُ الْأَخْبَارِ، الْمُوَاظِبُونَ عَلَى كِتَابَةِ الْآثَارِ، وَأَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ سُلُوكَ الِاخْتِصَارِ، دُونَ الْإِطْنَابِ فِي الْإِكْثَارِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا قَصَدْتُهُ، والْمَانُّ فِي بَيَانِ مَا أَرَدْتُهُ، إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ.
(1/2)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ الْبَصْرِيُّ بِمِصْرَ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمُ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآدَمِيَّ بِمَكَّةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ هَارُونَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: وَسُئِلَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: «إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا نَطَقَ بِالْحَقِّ فَلَقَدْ أَحْسَنَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمَنْصُورَةَ الَّتِي يُرْفَعُ الْخِذْلَانُ عَنْهُمْ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ، وَمَنْ أَحَقُّ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ قَوْمٍ سَلَكُوا مَحَجَّةَ الصَّالِحِينَ، وَاتَّبَعُوا آثَارَ السَّلَفِ مِنَ الْمَاضِينَ وَدَمَغُوا أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْمُخَالِفِينَ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَجْمَعِينَ مِنْ قَوْمٍ آثَرُوا قَطْعَ الْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ عَلَى التَّنَعُّمِ فِي الدِّمَنِ وَالْأَوْطَارِ وَتَنَعَّمُوا بِالْبُؤْسِ فِي الْأَسْفَارِ [ص:3]، مَعَ مُسَاكَنَةِ الْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ، وَقَنَعُوا عِنْدَ جَمْعِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ بِوُجُودِ الْكِسَرِ وَالْأَطْمَارِ، قَدْ رَفَضُوا الْإِلْحَادَ الَّذِي تَتُوقُ إِلَيْهِ النُّفُوسُ الشَّهْوَانِيَّةُ، وَتَوَابِعُ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ وَالْمَقَايِيسِ وَالْآرَاءِ وَالزَّيْغِ جَعَلُوا الْمَسَاجِدَ بُيُوتَهُمْ، وَأَسَاطِينَهَا تَكَّاهُمْ، وَبَوَارِيَها فُرُشَهُمْ
(1/2)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُنَيْنِ، ثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ , قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، وَقِيلَ لَهُ: أَلَا تَنْظُرُ إِلَى أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَمَا هُمْ فِيهِ، قَالَ: «هُمْ خَيْرُ أَهْلِ الدُّنْيَا»
(1/3)
 
 
وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُزَكِّي، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ يَقُولُ: " إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ خَيْرَ النَّاسِ يُقِيمُ أَحَدُهُمْ بِبَابِي وَقَدْ كَتَبَ عَنِّي , فَلَوْ شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ، وَيَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ جَمِيعَ حَدِيثِهِ فَعَلَ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يَكْذِبُونَ " قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَقَدْ صَدَقَا جَمِيعًا أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ خَيْرُ النَّاسِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ نَبَذُوا الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا وَرَاءَهُمْ، وَجَعَلُوا غِذَاءَهُمُ الْكِتَابَةَ وَسَمَرَهُمُ الْمُعَارَضَةَ وَاسْتِرْوَاحَهُمُ الْمُذَاكَرَةَ، وَخَلُوقَهُمُ الْمِدَادَ، وَنَوْمَهُمُ السُّهَادَ، وَاصْطِلَاءَهُمُ الضِّيَاءَ، وَتَوَسُّدَهُمُ الْحَصَى فَالشَّدَائِدُ مَعَ وُجُودِ الْأَسَانِيدِ الْعَالِيَةِ عِنْدَهُمْ رَخَاءٌ، وَوُجُودُ الرَّخَاءِ مَعَ فَقْدِ مَا طَلَبُوهُ عِنْدَهُمْ بُؤْسٌ فَعُقُولُهُمْ بِلَذَاذَةِ السُّنَّةِ غَامِرَةٌ، قُلُوبُهُمْ بِالرِّضَاءِ فِي الْأَحْوَالِ عَامِرَةٌ، تَعَلُّمُ السُّنَنِ سُرُورُهُمْ، وَمَجَالِسُ الْعِلْمِ حُبُورُهُمْ، وَأَهْلُ السُّنَّةِ قَاطِبَةً إِخْوَانُهُمْ، وَأَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ بِأَسْرِهَا أَعْدَاؤُهُمْ "
(1/3)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ الْحَنْظَلِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيَّ يَقُولُ: " كُنْتُ أَنَا وَأَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيُّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، ذَكَرُوا لِابْنِ أَبِي فَتِيلَةَ بِمَكَّةَ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ: أَصْحَابُ الْحَدِيثِ قَوْمُ سُوءٍ، فَقَامَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يَنْفُضُ ثَوْبَهُ، فَقَالَ: «زِنْدِيقٌ، زِنْدِيقٌ، زِنْدِيقٌ، وَدَخَلَ الْبَيْتَ»
(1/4)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الْوَاسِطِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ سِنَانٍ الْقَطَّانَ يَقُولُ: «لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مُبْتَدِعٌ إِلَّا وَهُوَ يُبْغِضُ أَهْلَ الْحَدِيثِ، وَإِذَا ابْتَدَعَ الرَّجُلُ نُزِعَ حَلَاوَةُ الْحَدِيثِ مِنْ قَلْبِهِ»
(1/4)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنَ سَهْلٍ الْفَقِيهَ بِبُخَارَى يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا نَصْرٍ أَحْمَدَ بْنَ سَلَّامٍ الْفَقِيهَ يَقُولُ: «لَيْسَ شَيْءٌ أَثْقَلَ عَلَى أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَلَا أَبْغَضَ إِلَيْهِمْ مِنْ سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَرِوَايَتِهِ بِإِسْنَادٍ» قَالَ: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَعَلَى هَذَا عَهِدْنَا فِي أَسْفَارِنَا وَأَوْطَانِنَا كُلَّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى نَوْعٍ مِنَ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ لَا يَنْظُرُ إِلَى الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ إِلَّا بِعَيْنِ الْحَقَارَةِ، وَيُسَمِّيهَا الْحَشْوِيَّةَ , سَمِعْتُ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ الْفَقِيهَ وَهُوَ يُنَاظِرُ رَجُلًا، فَقَالَ: الشَّيْخُ: حَدَّثَنَا فُلَانٌ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: دَعْنَا مِنْ حَدَّثَنَا، إِلَى مَتَى حَدَّثَنَا، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: «قُمْ يَا كَافِرُ، وَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ دَارِي بَعْدَ هَذَا» ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: «مَا قُلْتُ قَطُّ لِأَحَدٍ لَا تَدْخُلْ دَارِي إِلَّا لِهَذَا»
(1/4)
 
 
ذِكْرُ أَوَّلِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ مَعْرِفَةُ عَالِي الْإِسْنَادِ، وَفِي طَلَبِ الْإِسْنَادِ الْعَالِي سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ
(1/5)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، ثنا أَبُو النَّضْرِ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ , فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ: «صَدَقَ» , قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ , قَالَ: «اللَّهُ» ، قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ , قَالَ: «اللَّهُ» , قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ؟ , قَالَ: «اللَّهُ» , قَالَ: فَمَنْ جَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ؟ , قَالَ: «اللَّهُ» , قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ، وَنَصَبَ الْجِبَالَ، وَجَعَلَ فِيهَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ اللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ , قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا، قَالَ: «صَدَقَ» , قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ , قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَدَقَةً فِي أَمْوَالِنَا، قَالَ: «صَدَقَ» , قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ , قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا صَوْمَ شَهْرٍ فِي سَنَتِنَا، قَالَ: «صَدَقَ» ، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ , قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: «صَدَقَ» , قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ، اللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ , قَالَ: «نَعَمْ» , قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ، فَلَمَّا مَضَى، قَالَ: «لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ لِمُسْلِمٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ [ص:6] عَلَى إِجَازَةِ طَلَبِ الْمَرْءِ الْعُلُوِّ مِنَ الْإِسْنَادِ، وَتَرْكِ الِاقْتِصَارِ عَلَى النُّزُولِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ سَمَاعُهُ عَنِ الثِّقَةِ إِذِ الْبَدَوِيُّ لَمَّا جَاءَهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُقْنِعْهُ ذَلِكَ، حَتَّى رَحَلَ بِنَفْسِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَا بَلَّغَهُ الرَّسُولُ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ طَلَبُ الْعُلُوِّ فِي الْإِسْنَادِ غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ لْأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالَهُ إِيَّاهُ عَمَّا أَخْبَرَهُ رَسُولُهُ عَنْهُ، وَلَأَمَرَهُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَهُ الرَّسُولُ عَنْهُ "
(1/5)
 
 
وَلَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ، بِمَرْوَ حَدَّثَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، ثنا عَبْدَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: " الْإِسْنَادُ مِنَ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ: مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَلَوْلَا الْإِسْنَادُ وَطَلَبُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ لَهُ وَكَثْرَةُ مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى حِفْظِهِ لَدَرَسَ مَنَارُ الْإِسْلَامِ، وَلَتَمَكَّنَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ فِيهِ بِوَضْعِ الْأَحَادِيثِ، وَقَلْبِ الْأَسَانِيدِ، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ إِذَا تَعَرَّتْ عَنْ وُجُودِ الْأَسَانِيدِ فِيهَا كَانَتْ بُتْرًا "
(1/6)
 
 
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدِ الدُّورِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ , ثنا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيُّ , ثنا بَقِيَّةُ، ثنا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ أَنَّهُ: كَانَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَعِنْدَهُ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ أَبِي فَرْوَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّ: «قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ أَبِي فَرْوَةَ مَا أَجْرَأَكَ عَلَى اللَّهِ لَا تُسْنِدُ حَدِيثَكَ؟ تُحَدِّثُنَا بِأَحَادِيثَ لَيْسَ لَهَا خُطُمٌ، وَلَا أَزِمَّةٌ» [ص:7] قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَأَمَّا طَلَبُ الْعَالِي مِنَ الْأَسَانِيدِ فَإِنَّهَا مَسْنُونَةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْإِسْنَادِ الْعَالِي غَيْرُ وََاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ "
(1/6)
 
 
فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى السُّنِّيُّ بِمَرْوَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ ثنا عَبْدَانُ، أنا أَبُو حَمْزَةَ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ , وَابْنُ الْمُبَارَكِ قَالُوا: ثنا صَالِحُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ عَامِرًا فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ وَلِيدَةٌ فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، فَإِنَّا نَقُولُ عِنْدَنَا هُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَةً، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ وَلِيدَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيِبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ مَمْلُوكٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ، فَلَهُ أَجْرَانِ أَعْطَيْتُكَهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ، فَلَقَدْ كَانَ الرَّاكِبُ يَرْكَبُ فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا الرَّاكِبُ إِنَّمَا كَانَ يَرْكَبُ فِي طَلَبِ عَالِي الْإِسْنَادِ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى النَّازِلِ لَوَجَدَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُحَدِّثُهُ بِهِ "
(1/7)
 
 
وَمِنْهُ مَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَمْشَاذٍ الْعَدْلُ , ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى , ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ , حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْأَعْمَى يُحَدِّثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: خَرَجَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ عُقْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ إِلَى مَنْزِلِ مَسْلَمَةَ بْنَ مَخْلَدٍ الْأَنْصَارِيَّ، وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ فَأَخْبَرَهُ فَعَجَّلَ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ [ص:8] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَغَيْرُ عُقْبَةَ، فَابْعَثْ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى مَنْزِلِهِ، قَالَ: فَبَعَثَ مَعَهُ مَنْ يَدُلُّهُ عَلَى مَنْزِلِ عُقْبَةَ، فَأُخْبِرَ عُقْبَةَ، فَعَجَّلَ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ فَقَالَ: حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ فِي سَتْرِ الْمُؤْمِنِ قَالَ عُقْبَةُ: نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى خَزْيَةٍ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ لَهُ أَبُو أَيُّوبَ: صَدَقْتَ , ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَا أَدْرَكَتْهُ جَائِزَةُ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ إِلَّا بِعَرِيشِ مِصْرَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَهَذَا أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى تَقَدُّمِ صُحْبَتِهِ وَكَثْرَةِ سَمَاعِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى صَحَابِيٍّ مِنْ أَقْرَانِهِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ لَأَمْكَنَهُ "
(1/7)
 
 
وَمِنْهُ مَا حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرَوِيُّ , ثنا مَالِكٌ , عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ لَأُسَافِرُ مَسِيرَةَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ»
(1/8)
 
 
وَمِنْهُ مَا أَخْبَرَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ , ثنا نَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: قُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ: يَا أَبَا عَمْرٍو، أَنَا أَلْزَمُكَ مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْكَ إِلَّا ثَلَاثِينَ حَدِيثًا، قَالَ: وَتَسْتَقِلُّ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ؟ لَقَدْ سَارَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى مِصْرَ [ص:9] وَاشْتَرَى رَاحِلَةً فَرَكِبَهَا حَتَّى سَأَلَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْتَ مُسْتَقِلٌّ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى كَثْرَةِ حَدِيثِهِ وَمُلَازَمَتِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ مَسَافَةً بَعِيدَةً فِي طَلَبِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ "
(1/8)
 
 
أَخْبَرَنِي أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيُّ , ثنا أَبِي، ثنا جَعْفَرٌ الطَّيَالِسِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: " أَرْبَعَةٌ لَا تُؤْنِسُ مِنْهُمْ رُشْدًا: حَارِسَ الدَّرْبِ، وَمُنَادِي الْقَاضِي، وَابْنُ الْمُحَدِّثِ، وَرَجُلٌ يَكْتُبُ فِي بَلَدِهِ، وَلَا يَرْحَلُ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ "
(1/9)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاعِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيَّ يَقُولُ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَهْدِيٍّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ , ثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ حَرْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «قُلْتُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ يَتَّخِذُ نَعْلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْعَالِيَةِ مِنَ الْأَسَانِيدِ فَلَيْسَ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُهُ عَوَامُ النَّاسِ يَعُدُّونَ الْأَسَانِيدَ فَمَا وَجَدُوا مِنْهَا أَقْرَبَ عَدَدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَهَّمْنَهُ أَعْلَى , وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، ثَنَا الْخَضِرُ بْنُ أَبَانَ الْهَاشِمِيُّ , حَدَّثَنَا أَبُو هُدْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هُدْبَةَ , ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَهَذِهِ نُسْخَةٌ عِنْدَنَا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ,
(1/9)
 
 
وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي، بِبَغْدَادَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ , ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: وَهَذِهِ أَيْضًا نُسْخَةٌ كَبِيرَةٌ , وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ , حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْوَاسِطِيُّ , ثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّوِيلُ , عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: وَهَذِهِ نُسْخَةٌ. وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِنَا عَنْ أَبِي الدُّنْيَا وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَغْرِبِيُّ , عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: إِنَّ أَبَا الدُّنْيَا خَدَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَرَفَسَتْهُ بَغْلَتُهُ وَإِنَّهُ كَانَ يُسْتَسْقَى بِهِ بِالْمَغْرِبِ، وَلَقَدْ حَضَرْتُ مَجْلِسَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيَّ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ شَيْخٌ أَسْوَدُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ لَنَا: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا يُنْسَبُ إِلَى أَبِي الدُّنْيَا الْمَغْرِبِيِّ، مَوْلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَرْبَعَةِ آبَاءَ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ وَأَشْبَاهَهَا كَخِرَاشِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَكَثِيرِ بْنِ سُلَيْمٍ، وَيَغْنَمَ بْنِ سَالِمِ بْنِ قَنْبَرٍ مِمَّا لَا يُفْرَحُ بِهَا، وَلَا يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَقَلَّ مَا يُوجَدُ فِي مَسَانِيدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْهُمْ، وَأَقْرَبُ مَا يَصِحُّ لِأَقْرَانِنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ بِعَدَدِ الرِّجَالِ مَا حَدَّثُونَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شَيْبَانَ الرَّمْلِيِّ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَمْرٍو , عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ , عَنْ جَرِيرٍ فَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ لِابْنِ عُيَيْنَةَ صَحِيحَةٌ
(1/10)
 
 
وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرِيبَةٌ , وَكَذَلِكَ حَدَّثُونَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِنَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ , عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ , عَنْ أَنَسٍ، وَعَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ: وَالْعَالِي مِنَ الْأَسَانِيدِ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْفَهْمِ لَا بِعَدِّ الرِّجَالِ غَيْرُ هَذَا، فَرُبَّ إِسْنَادٍ يَزِيدُ عَدَدُهُ عَلَى السَّبْعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَهُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/11)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ " قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ، وَقَدْ بَلَغَ عَدَدُ رُوَاتُهُ سَبْعَةً، وَهُوَ أَعْلَى مِنَ الْأَرْبَعِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ، فَإِنَّ الْغَرَضَ فِيهِ الْقُرْبُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَهُ وَهُوَ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ إِسْنَادٍ يَقْرُبُ مِنَ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، فَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ إِلَى ذَلِكَ الْإِمَامِ بِالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَإِنَّهُ عَالٍ , أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرُ , ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ , ثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالَ: قَالَ لَنَا وَكِيعٌ: أَيُّ الْإِسْنَادَيْنِ أَحَبُّ إِلَيْكُمُ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ , عَنْ عَلْقَمَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ؟ فَقُلْنَا: الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، الْأَعْمَشُ شَيْخٌ، وَأَبُو وَائِلٍ شَيْخٌ، وَسُفْيَانُ فَقِيهٌ، وَمَنْصُورٌ فَقِيهٌ، وَإِبْرَاهِيمُ فَقِيهٌ، وَعَلْقَمَةُ فَقِيهٌ، وَحَدِيثٌ يَتَدَاوَلُهُ الْفُقَهَاءُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَدَاوَلَهُ الشُّيُوخُ "
(1/11)
 
 
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ السَّامِرِيُّ , ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ , ثنا هُشَيْمُ , عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَطَلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ» قَالَ الْحَاكِمُ: وَهَذَا أَعْلَى مَا يَقَعُ لِأَقْرَانِنَا مِنَ الْأَسَانِيدِ، وَفِي إِسْنَادِهِ سَبْعَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا صَارَ عَالِيًا لِقُرْبِهِ مِنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ وَكَذَلِكَ كُلُّ إِسْنَادٍ يَقْرَبُ مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ عَالٍ، وَإِنْ زَادَ فِي عَدَدِهِ بَعْدَ ذِكْرِ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ مِثَالًا فَهَذِهِ عَلَامَةُ الْإِسْنَادِ الْعَالِي، وَلَوْ أَتَيْنَا لِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا بِشَاهِدٍ لَطَالَ بِهِ الْكَلَامُ "
(1/11)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ الْعِلْمُ بِالنَّازِلِ مِنَ الْإِسْنَادِ، وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: النُّزُولُ ضِدُّ الْعُلُوِّ، فَقَدْ عُرِفَ ضِدُّهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ لِلنُّزُولِ مَرَاتِبَ لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا أَهْلُ الصَّنْعَةِ، فَمِنْهَا مَا تُؤَدِّي الضَّرُورَةُ إِلَى سَمَاعِهِ نَازِلًا، وَمِنْهَا مَا يَحْتَاجُ طَالِبُ الْعِلْمِ إِلَى مَعْرِفَةٍ وَتَبَحُّرٍ فِيهِ، فَلَا يَكْتُبُ النَّازِلَ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِإِسْنَادٍ أَعْلَى مِنْهُ
(1/12)
 
 
مِثَالُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ الْقُرَشِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ الْقُرَشِيُّ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ , ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ [ص:13] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي أُنَاسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةِ الْمُسْنَدِ الصَّحِيحِ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْمُقْرِئِ وَأَمْثَالُهُ فِي الْكِتَابِ تَزِيدُ عَلَى الْمِئَتَيْنِ، فَمَنْ وَجَدَهُ هَكَذَا عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنِ الْمُقْرِئِ، ثُمَّ كَتَبَ عَنْ ثَلَاثَةٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْمُقْرِئٍ، فَإِنَّهُ لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِالنُّزُولِ وَأَشْبَاهِ هَذَا كَثِيرَةٌ وَالْأَحَادِيثُ النَّازِلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٌ , فَمِنْهَا مَا يَسْتَوِي الْعَدَدُ فِي رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا أَعْلَى مِنَ الْأُخْرَى، وَمِثَالُ ذَلِكَ لِأَمْثَالِنَا أَنَا إِذَا نَزَلْنَا فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ فرُوِّينَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلِ , عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، أَوْ رُوِّينَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ , عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ , عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، فَإِنَّهُ أَعْلَى مِنْ أَنْ نَرْوِيَهُ، عَنْ شُيُوخِنَا، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ السَّرَّاجِ , عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ , عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ أَوْ نَرْوِيهِ عَنْ شُيُوخِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ , عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ , عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَهَذَا مِثْلُ الْأُلُوفِ مِنَ الْحَدِيثِ لِمَنْ فَهِمَهُ وَتَدَبَّرَهُ فَقَاسَ عَلَيْهِ أَحَادِيثَ الثَّوْرِيِّ , وَمَالِكٍ , وَشُعْبَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النُّزُولَ، عَنْ شَيْخٍ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ، وَاشْتَهَرَ فَضْلُهُ أَحْلَى وَأَعْلَى مِنْهُ، عَنْ شَيْخٍ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ، وَعُرِفَ بِالصِّدْقِ وَمِمَّا يَحْتَاجُ طَالِبُ الْحَدِيثِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِنَ النُّزُولِ أَنْ يَنْظُرَ فِي إِسْنَادِ الشَّيْخِ الَّذِي يُكْتَبُ عَنْهُ فَمَا قَرُبَ مِنْ سِنِّهِ طَلَبَ أَعْلَى مِنْهُ، وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنِّي نَشَأْتُ وَطَلَبْتُ الْحَدِيثَ بَعْدَ وَفَاةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ بِعَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَقَعَ الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ، وَبُنْدَارٍ، وَأَبِي مُوسَى، وَعَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ وَغَيْرِهِمْ عِنْدِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْجَارُودِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَقْرَانِهِمَا، عَنْ هَؤُلَاءِ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُ لِي أَعْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ مَنْ يَقْرُبُ وَفَاتُهُ مِنْ وِلَادَتِي وَنُشُوِّي، وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي مَعْرِفَةِ النُّزُولِ، وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ الْحَدِيثُ لِطُلَّابِهِ فِي عَصْرِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَوْ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ، أَوْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَأَقْرَانِهِمْ، فَإِنَّهُ أَعْلَى مِنْ أَنْ يَقَعَ لَهُمْ عَنِ الشَّرْقِيِّ وَمَكِّيٍّ وَأَقْرَانِهِمَا
(1/12)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنْ أَنْوَاعِ عِلْمِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ صِدْقِ الْمُحَدِّثِ وَإِتْقَانِهِ وَثَبْتِهِ وَصِحَّةِ أُصُولِهِ، وَمَا يَحْتَمِلُهُ سِنُّهُ وَرِحْلَتُهُ مِنَ الْأَسَانِيدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ غَفْلَتِهِ وَتَهَاوُنِهِ بِنَفْسِهِ وَعِلْمِهِ وَأُصُولِهِ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّعْدِيُّ , حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ ثَنَا سُفْيَانُ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ , قَالَ: مَا كُلُّ الْحَدِيثِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُنَا، وَكُنَّا مُشْتَغِلِينَ فِي رِعَايَةِ الْإِبِلِ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَطْلُبُونَ مَا يَفُوتُهُمْ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْمَعُونَهُ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، وَمِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَى مَنْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ "
(1/14)
 
 
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا الْعَبَّاسُ [ص:15] بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ الْبَيْرُوتِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ , عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ، قَالَ: جَاءَتِ الْجَدَّةُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَلْتَمِسُ أَنْ تُوَرَّثَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَجِدُ لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَكِ شَيْئًا حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ الْعَشِيَّةَ، فَلَمَّا صَلَّى الظُّهْرَ، قَامَ فِي النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعْطِيهَا السُّدُسَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَمِعَ ذَلِكَ مَعَكَ أَحَدٌ، فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعْطِيهَا السُّدُسَ، فَأَنْفَذَ ذَلِكَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَانَ إِذَا فَاتَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ، ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ يُحَلِّفُ الْمُحَدِّثَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ، وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ عَنْهُ مُسْتَفِيضٌ مَشْهُورٌ، فَأَغْنَى اشْتَهَارُهُ عَنْ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، ثُمَّ عَنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَبْحَثُونَ وَيُنَقِّرُونَ عَنِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنْ يَصِحَّ لَهُمْ
(1/14)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَنْبَلَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: «يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صَاحِبِ الْحَدِيثِ غَيْرُ خَصْلَةٍ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ ثَبْتَ الْأَخْذِ، وَيَفْهَمُ مَا يُقَالُ لَهُ , وَيُبْصِرُ الرِّجَالَ، ثُمَّ يَتَعَهَّدُ ذَلِكَ» قَالَ الْحَاكِمُ: وَمِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ طَالِبُ الْحَدِيثِ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِ الْمُحَدِّثِ أَوَّلًا، هَلْ يَعْتَقِدُ الشَّرِيعَةَ فِي التَّوْحِيدِ وَهَلْ يُلْزِمُ نَفْسَهُ طَاعَةَ الْأَنْبِيَاءِ [ص:16] وَالرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيْهِمْ، وَوَضَعُوا مِنَ الشَّرْعِ، ثُمَّ يَتَأَمَّلُ حَالَهُ، هَلْ هُوَ صَاحِبُ هَوًى يَدْعُو النَّاسَ إِلَى هَوَاهُ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْبِدْعَةِ لَا يُكْتَبُ عَنْهُ وَلَا كَرَامَةَ , لِإِجْمَاعِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَرْكِهِ ثُمَّ يَتَعَرَّفُ سِنَّهُ هَلْ يَحْتَمِلُ سَمَاعَهُ مِنْ شُيُوخِهِ الَّذِينَ يُحَدِّثُ عَنْهُمْ، فَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ الْمَشَايِخِ جَمَاعَةً أَخْبَرُونَا بِسِنٍّ يَقْصُرُ عَنْ لِقَاءِ شُيُوخٍ، حَدَّثُوا عَنْهُمْ، ثُمَّ يَتَأَمَّلُ أُصُولَهُ أَعَتِيقَةٌ هِيَ أَمْ جَدِيدَةٌ؟ فَقَدْ نَبَغَ فِي عَصْرِنَا هَذَا جَمَاعَةٌ يَشْتَرُونَ الْكُتُبَ فَيُحَدِّثُونَ بِهَا، وَجَمَاعَةٌ يَكْتُبُونَ سَمَاعَاتِهِمْ بِخُطُوطِهِمْ فِي كُتُبٍ عَتِيقَةٍ فِي الْوَقْتِ فَيُحَدِّثُونَ بِهَا، فَمَنْ يَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلَ الصَّنْعَةِ فَمَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ، فَأَمَّا أَهْلُ الصَّنْعَةِ إِذَا سَمِعُوا مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ بَعْدَ الْخِبْرَةِ، فَفِيهِ جَرْحُهُمْ وَإِسْقَاطُهُمْ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ عَلَى أَنَّ الْجَاهِلَ بِالصَّنْعَةِ لَا يُعْذَرُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَعْرِفُهُ وَعَلَى ذَلِكَ كَانَ السَّلَفُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
(1/15)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ الْعَامِرِيُّ , ثنا أَبُو أُسَامَةَ , عَنِ الْأَعْمَشِ , قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَيْرَفِيَّ الْحَدِيثِ فَكُنْتُ إِذَا سَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَتَيْتُهُ فَعَرَضْتُهُ عَلَيْهِ "
(1/16)
 
 
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَعْبِيُّ , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ , عَنْ هُرَيْمَ بْنِ سُفْيَانَ , عَنْ مُطَرِّفٍ , عَنْ سَوَادَةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ: «مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ بَصَرُهُ بِالْحَدِيثِ» وَإِذَا عَرَفَ طَالِبُ الْحَدِيثِ إِسْلَامَ الْمُحَدِّثِ وَصِحَّةَ سَمَاعِهِ كَتَبَ عَنْهُ، فَقَلَّ مَنْ يَجِدُ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْفَهْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَالْحِفْظِ، وَكُلُّ مُحَدِّثٍ تَهَاوَنَ بِالسَّمَاعِ وَاسْتَخَفَّ بِالْحَدِيثِ، فَلَا يَخْفَى حَالُهُ وَيَظْهَرُ أَمْرُهُ "
(1/16)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ مُحَمَّدٍ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ خَلَفَ بْنَ سَالِمٍ يَقُولُ: «سَمَاعُ الْحَدِيثِ هَيِّنٌ، وَالْخُرُوجُ مِنْهُ صَعْبٌ»
(1/16)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ التِّرْمِذِيُّ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ , حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ ابْنِ أَخِي حَزْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ، يَقُولُ: «إِنَّ لِلْحَدِيثِ خَفْقَةً فَاتَّقُوا خَفْقَةَ الْحَدِيثِ»
(1/16)
 
 
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ يَقُولُ: سَمِعْتُ بِشْرَ بْنَ آدَمَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ: «مَنِ اسْتَخَفَّ بِالْحَدِيثِ اسْتَخِفَّ بِهِ الْحَدِيثُ»
(1/16)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ الرَّابِعُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْمَسَانِيدِ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَهَذَا عِلْمٌ كَبِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لِاخْتِلَافِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِغَيْرِ الْمُسْنَدِ، وَالْمُسْنَدُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَرْوِيَهُ الْمُحَدِّثُ عَنْ شَيْخٍ يَظْهَرُ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِسِنٍّ يَحْتَمِلُهُ، وَكَذَلِكَ سَمَاعُ شَيْخِهِ مِنْ شَيْخِهِ إِلَى أَنْ يَصِلَ الْإِسْنَادُ إِلَى صَحَابِيٍّ مَشْهُورٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/17)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ بِبَغْدَادَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُكْرَمٍ , ثنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ , [ص:18] عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ حَتَّى كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَتِهِ، فَقَالَ: «يَا كَعْبُ ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» , وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَيِ الشَّطْرَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَضَاهُ وَبَيَانُ مِثَالِ مَا ذَكَرْتُ أَنَّ سَمَاعِي، عَنِ ابْنِ السَّمَّاكِ ظَاهِرٌ وَسَمَاعَهُ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ مُكْرَمٍ ظَاهِرٌ، وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، وَسَمَاعُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ مِنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، وَهُوَ عَالٍ لِعُثْمَانَ، وَيُونُسَ مَعْرُوفٌ بِالزُّهْرِيِّ، وَكَذَلِكَ الزُّهْرِيُّ بِبَنِي كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَبَنُو كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِأَبِيهِمْ، وَكَعْبٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصُحْبَتِهِ، وَهَذَا مِثْلُ ضَرْبَتِهِ لِأُلُوفٍ مِنَ الْحَدِيثِ , يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ عَلَى جُمْلَتِهَا مَنْ رُزِقَ فَهْمَ هَذَا الْعِلْمِ
(1/17)
 
 
وَضِدُّ هَذَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ , ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , عَنْ مَعْمَرٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا إِسْنَادٌ مَنْ نَظَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الصَّنْعَةِ لَمْ يَشُكَّ فِي صِحَّتِهِ، وَسَنَدِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ مَعْمَرَ بْنَ رَاشِدٍ الصَّنْعَانِيَّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي صَالِحٍ، وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِلَّةٌ، يَطُولُ شَرْحُهَا وَهُوَ مَثَلٌ لِأُلُوفٍ مِثْلِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا أَهْلُ هَذَا الْعِلْمِ، ثُمَّ لِلْمُسْنَدِ شَرَائِطُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَوْقُوفًا، وَلَا مُرْسَلًا، وَلَا مُعْضَلًا، وَلَا فِي رِوَايَتِهِ مُدَلِّسٌ، فَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ يَجِيءُ شَرْحُهَا بَعْدَ هَذَا فَإِنَّ مَعْرِفَةَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا عَلَمٌ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَمِنْ شَرَائِطِ الْمُسْنَدِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي إِسْنَادِهِ أُخْبِرْتُ عَنْ فُلَانٍ، وَلَا حُدِّثْتُ عَنْ فُلَانٍ، وَلَا بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ، وَلَا رَفَعَهُ فُلَانٌ، وَلَا أَظُنُّهُ مَرْفُوعًا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يَنْفَسِدُ بِهِ، وَنَحْنُ مَعَ هَذِهِ الشَّرَائِطِ لَا نَحْكُمُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْحَدِيثِ لَهُ شَرْطٌ نَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(1/18)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ النَّوْعُ الْخَامِسُ مِنْهُ مَعْرِفَةُ الْمَوْقُوفَاتِ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/19)
 
 
حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ بِأَسَدَابَاذَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الزَّيْبَقِيُّ , ثنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمِنْقَرِيُّ , ثنا الْأَصْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا كَيْسَانُ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالْأَظَافِيرِ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مُسْنَدًا لِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ، فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى عَنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلًا، وَلَيْسَ يُسْنِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْمَوْقُوفَ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جُمْلَةٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُشْبِهُهُ، فَأَمَّا الْمَوْقُوفُ عَلَى الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ، وَشَرْحُهُ أَنْ يُرْوَى الْحَدِيثُ إِلَى الصَّحَابِيِّ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ، وَلَا إِعْضَالٍ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّحَابِيَّ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ يَفْعَلُ كَذَا، وَكَانَ يَأْمُرُ بِكَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْمَوْقُوفِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَا
(1/19)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ كَامِلٍ الْقَاضِي , ثنا يَزِيدُ بْنُ الْهَيْثَمِ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْفَيْدِيِّ , ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ [ص:20] أَبِي سِنَانٍ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَوَّاحَةً لِلْبَشَرِ} [المدثر: 29] قَالَ: «تَلْقَاهُمْ جَهَنَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَلْفَحَهُمْ لَفْحَةً فَلَا تَتْرُكُ لَحْمًا عَلَى عَظْمٍ إِلَّا وَضَعَتْ عَلَى الْعَرَاقِيبِ» قَالَ: وَأَشْبَاهُ هَذَا مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ تُعَدُّ فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابَةِ، فَأَمَّا مَا نَقُولُ فِي تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ مُسْنَدٌ، فَإِنَّمَا نَقُولُهُ فِي غَيْرِ هَذَا النَّوْعِ فَإِنَّهُ كَمَا
(1/19)
 
 
أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي , ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلُ , فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة: 223] " قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا الْحَدِيثُ وَأَشْبَاهُهُ مُسْنَدَةٌ عَنْ آخِرِهَا، وَلَيْسَتْ بِمَوْقُوفَةٍ، فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي شَهِدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ فَأَخْبَرَ عَنْ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَمِمَّا يَلْزَمُ طَالِبَ الْحَدِيثِ مَعْرِفَتُهُ نَوْعُ مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ، وَهِيَ مُرْسَلَةٌ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى الصَّحَابَةِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ، مَا
(1/20)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , ثنا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ: قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَبَصَرُكَ مِنَ الْمَحَارِمِ، وَلِسَانُكَ مِنَ الْكَذِبِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ، وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ صَوْمِكَ وَيَوْمَ فِطْرِكَ سَوَاءً» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ صِنَاعَتِهِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَمُرْسَلٌ قَبْلَ التَّوْقِيفِ، فَإِنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الْأَشْدَقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ، وَلَمْ يَرَهُ، بَيْنَهُمَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ الْمُتَبَحِّرُ فِي الصَّنْعَةِ، فَيَقُولُ: لَمْ يَلْحَقِ ابْنَ وَهْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، وَلَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو هَذَا هُوَ الْيَافِعِيُّ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَلَيْسَ بِابْنِ عَلْقَمَةَ الْمَدَنِيِّ وَمِمَّا يَلْزَمُ طَالِبَ الْحَدِيثِ مَعْرِفَتُهُ نَوْعٌ آخَرُ مِنَ الْمَوْقُوفَاتِ، وَهِيَ مُسْنَدَةٌ فِي الْأَصْلِ يَقْصُرُ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ، فَلَا يُسْنِدُهُ مِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/20)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُوزَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْبَرِيُّ , ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْعَبْدِيُّ , ثنا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ , ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ , ثنا مَنْصُورٌ , عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: " إِنَّمَا حَفِظَ النَّاسُ مِنْ آخِرِ النُّبُوَّةِ: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ " قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ أَسْنَدَهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَغَيْرُهُمَا، عَنْ مَنْصُورٍ، وَقَدْ قَصَّرَ بِهِ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ فَوَقَفَهُ، وَمِثَالُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ كَثِيرٌ، وَلَا يَعْلَمُ سَنَدَهَا إِلَّا الْفُرْسَانُ مِنْ نُقَّادِ الْحَدِيثِ، وَلَا تُعَدُّ فِي الْمَوْقُوفَاتِ
(1/20)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ السَّادِسِ مِنْ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ السَّادِسُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْأَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/21)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدٍ التِّرْمِذِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حِبَالٍ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ الصَّنْعَانِيُّ , ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ , عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كُنَّا نَتَمَضَّمَضُ مِنَ اللَّبَنِ، وَلَا نَتَوَضَّأُ مِنْهُ»
(1/21)
 
 
أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الْفَقِيهُ بِبُخَارَى، ثنا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبِ الْحَافِظُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ , حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " كَانَ يُقَالُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ بِكُلِّ يَوْمٍ أَلْفُ يَوْمٍ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ عَشْرَةُ آلَافِ يَوْمٍ، قَالَ: يَعْنِي فِي الْفَضْلِ
(1/21)
 
 
أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ بِالْكُوفَةِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ , ثنا عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ هُبَيْرَةَ بْنِ يَرِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا بَابٌ كَبِيرٌ، يَطُولُ ذِكْرُهُ بِالْأَسَانِيدِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالصُّحْبَةِ، أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ كَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وَكَذَا، وَكُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا، وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ كَذَا، وَكُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، وَكُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا، وَكُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا، وَكَانَ يُقَالُ كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا وَأَشْبَاهَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالصُّحْبَةِ فَهُوَ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ فِي الْمَسَانِيدِ
(1/21)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ السَّابِعِ مِنْ مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ السَّابِعُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الصَّحَابَةِ عَلَى مَرَاتِبِهِمْ، فَأَوَّلُهُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيٍّ , وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِ التَّوَارِيخِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُهُمْ
(1/22)
 
 
إِسْلَامًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي بُلُوغِهِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجَمَاعَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْبَالِغِينَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ تَبِعَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ» ، وَإِذَا مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ , وَبِلَالٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالطَّبَقَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْحَابُ دَارِ النَّدْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا أَسْلَمَ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ حَمَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَبَايَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالطَّبَقَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرَةُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ، يُقَالُ فُلَانٌ عَقَبِيُّ، وَفُلَانٌ عَقَبِيُّ، وَالطَّبَقَةُ الْخَامِسَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالطَّبَقَةُ السَّادِسَةُ أَوَّلُ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ وَصَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِقُبَاءَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ، وَيُبْنَى الْمَسْجِدَ، وَالطَّبَقَةُ السَّابِعَةُ أَهْلُ بَدْرٍ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ فِيهِمْ: " لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ " وَالطَّبَقَةُ الثَّامِنَةُ الْمُهَاجِرَةُ الَّذِينَ هَاجَرُوا بَيْنَ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ، وَالطَّبَقَةُ التَّاسِعَةُ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18] وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمَّا صُدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْعُمْرَةِ وَصَالَحَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ مِنَ
(1/23)
 
 
الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، وَكَانَتِ الشَّجَرَةُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْبِئْرِ ثُمَّ إِنَّ الشَّجَرَةَ فُقِدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ تُوجَدْ، وَقَالُوا: إِنَّ السُّيُولَ ذَهَبَتْ بِهَا، فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: سَمِعْتُ أَبِي، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يَقُولُ: «قَدْ طَلَبْنَاهَا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ نَجِدْهَا» ، فَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ عَوَامُّ الْحَجِيجِ أَنَّهَا شَجَرَةٌ بَيْنَ مِنًى وَمَكَّةَ، فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ، وَالطَّبَقَةُ الْعَاشِرَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمُهَاجِرَةِ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ , وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُمْ، وَفِيهِمْ كَثْرَةٌ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا غَنِمَ خَيْبَرَ قَصَدُوهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ مُهَاجِرِينَ، فَكَانَ يُعْطِيهِمْ، وَالطَّبَقَةُ الْحَادِي عَشْرَةَ فَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ، وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ مَنْ أَسْلَمَ طَائِعًا، وَمِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى السَّيْفَ، ثُمَّ تَغَيَّرَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَضْمَرُوا وَاعْتَقَدُوا، ثُمَّ الطَّبَقَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ صِبْيَانِ وَأَطْفَالٌ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهَا وَعِدَادِهِمْ فِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ، فَإِنَّهُمَا قَدِمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا لَهُمَا وَلِجَمَاعَةٍ يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِمْ، وَمِنْهُمْ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ , وَأَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُمَا رَأَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّوَافِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَقَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا هُوَ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ» . قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا بَابٌ لَوِ اسْتَقْصَيْتَ فِيهِ بِأَسَانِيدَ وَرِوَايَاتٍ لَصَارَ كِتَابًا عَلَى حِدَةٍ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُمْ تَفَرَّقُوا وَسَكَنُوا بِلَادًا شَاسِعَةً، فَمَاتُوا فِي أَمَاكِنَ شَتَّى، وَهَذَا الْبَابُ يَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنِ الْعُلُومِ غَيْرَ أَنِّي دَلَّلْتُ عَلَى كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ عَلَى مَا حَضَرَنِي فِي الْوَقْتِ، وَمَنْ تَبَحَّرَ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ فَهُوَ حَافِظٌ كَامِلُ الْحِفْظِ، فَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَةً مِنْ مَشَايِخِنَا يَرْوُونَ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ عَنْ تَابِعِيٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَهَّمُونَهُ صَحَابِيًّا وَرُبَّمَا رَوَوُا الْمُسْنَدَ، عَنْ صَحَابِيٍّ فيَتَوَهَّمُونَهُ تَابِعِيًّا
(1/24)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الثَّامِنِ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ الثَّامِنُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْمَرَاسِيلِ الْمُخْتَلَفِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَا، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ صَعْبٌ , قَلَّ مَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ إِلَّا الْمُتَبَحِّرُ فِي هَذَا الْعِلْمِ، فَإِنَّ مَشَايِخَ الْحَدِيثِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ هُوَ الَّذِي يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُ بِأَسَانِيدَ مُتَّصِلَةً إِلَى التَّابِعِيِّ فَيَقُولُ التَّابِعِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُ مَا تُرْوَى الْمَرَاسِيلُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَمِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ مَكْحُولٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ، وَقَدْ يُرْوَى الْحَدِيثُ بَعْدَ الْحَدِيثِ، عَنْ غَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ إِلَّا أَنَّ الْغَلَبَةَ لِرِوَايَاتِهِمْ وَأَصَحُّهَا مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَعِيدًا مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّ أَبَاهُ الْمُسَيَّبُ بْنُ حَزْنٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَقَدْ أَدْرَكَ سَعِيدٌ , عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَعَلِيًّا , وَطَلْحَةَ , وَالزُّبَيْرَ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ، وَلَيْسَ فِي جَمَاعَةِ التَّابِعِينَ مَنْ أَدْرَكَهُمْ وَسَمِعَ مِنْهُمْ غَيْرُ سَعِيدٍ وَقَيْسِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، ثُمَّ مَعَ هَذَا فَإِنَّهُ فَقِيهُ أَهْلِ
(1/25)
 
 
الْحِجَازِ وَمُفْتِيهِمْ، وَأَوَّلُ فُقَهَاءِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يَعُدُّ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِجْمَاعَهُمْ إِجْمَاعَ كَافَّةِ النَّاسِ. سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ مُحَمَّدَ بْنَ يَعْقُوبَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ الدُّورِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: «أَصَحُّ الْمَرَاسِيلِ مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ» وَأَيْضًا، فَقَدْ تَأَمَّلَ الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ مَرَاسِيلَهُ فَوَجَدُوهَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، وَهَذِهِ الشَّرَائِطُ لَمْ تُوجَدْ فِي مَرَاسِيلِ غَيْرِهِ، فَهَذِهِ صِفَةُ الْمَرَاسِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ , حَدَّثَنَا , عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: وَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى مَوْلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ بِحَدِيثٍ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ , عَنْ عَاصِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَسَنٌ: فَقُلْتُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ: إِنَّهُ لَيْسَ عَنْهُ إِسْنَادٌ، فَقَالَ: إِنَّ عَاصِمًا يَحْتَمِلُ لَهُ أَنْ يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَإِذَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ، فَظَنَنْتُهُ قَدْ سَأَلَهُ عَنْهُ. قَالَ الْحَاكِمُ: فَأَمَّا مَشَايِخُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَكُلُّ مَنْ أَرْسَلَ الْحَدِيثَ عَنِ التَّابِعِينَ، وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ مُرْسَلٌ مُحْتَجٌّ بِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا، فَإِنَّ مُرْسَلَ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ عِنْدَنَا مُعْضَلٌ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَشَرْحُهُ بَعْدَ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
(1/26)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَاعِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَزِيدَ الْوَاسِطِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ يَقُولُ: قُلْتُ لِحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ هَلْ ذَكَرَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: " بَلَى أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلْيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] , فَهَذَا فِيمَنْ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، ثُمَّ رَجَعَ بِهِ إِلَى مَنْ وَرَاءَهَ لِيُعَلِّمَهُمْ إِيَّاهُ " قَالَ الْحَاكِمُ: فَفِي هَذَا النَّصِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ الْمُحْتَجَّ بِهِ هُوَ الْمَسْمُوعُ غَيْرُ الْمُرْسَلِ هَذَا مِنَ الْكِتَابِ، وَأَمَّا مِنَ السُّنَّةِ
(1/26)
 
 
فَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيِّ بِالْكُوفَةِ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ , حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَسَدِيِّ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَسْمَعُونَ وَيُسْمَعُ مِنْكُمْ، وَيُسْمَعُ مِمَّنْ يَسْمَعُ مِنْكُمْ» وَالْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ الْمُسْتَفِيضُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا» الْحَدِيثَ
(1/26)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ التَّاسِعِ مِنْ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ النَّوْعُ التَّاسِعُ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ مَعْرِفَةُ الْمُنْقَطِعِ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُرْسَلِ، وَقَلَّ مَا يُوجَدُ فِي الْحُفَّاظِ مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا، وَالْمُنْقَطِعُ عَلَى أَنْوَاعٍ ثَلَاثَةٍ: فَمِثَالُ نَوْعٍ مِنْهَا مَا
(1/27)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ السَّمَّاكِ بِبَغْدَادَ، ثنا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ السَّعْدِيُّ , ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُوسَى اللَّاحُونِيُّ أَبُو رَوْحٍ , ثنا هِلَالُ بْنُ حَقٍّ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ , عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ وَهُوَ ابْنُ الشِّخِّيرِ، عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ , عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَحَدُنَا أَنْ يَقُولَ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ التَّثَبُّتَ فِي الْأُمُورِ وَعَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ» [ص:28] قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا الْإِسْنَادُ مَثَلٌ لِنَوْعٍ مِنَ الْمُنْقَطِعِ لِجَهَالَةِ الرَّجُلَيْنِ بَيْنَ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ، وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَشَوَاهِدُهُ فِي الْحَدِيثِ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ يُرْوَى الْحَدِيثُ، وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ غَيْرُ مُسَمًّى، وَلَيْسَ بِمُنْقَطِعٍ، وَمِثَالُ ذَلِكَ مَا
(1/27)
 
 
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ التَّاجِرُ بِمَرْوَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , ثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، ثنا شَيْخٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلْيَخْتَرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ» وَهَكَذَا رَوَاهُ عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ وَالْهَيَّاجُ بْنُ بِسْطَامٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، وَإِذَا الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقِفُوا عَلَى اسْمِهِ أَبُو عُمَرَ الْجَدَلِيُّ
(1/28)
 
 
ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ , عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ قَالَ: نَزَلْتُ جَزِيرَةَ قَيْسٍ فَسَمِعْتُ شَيْخًا أَعْمَى يُقَالُ لَهُ: أَبُو عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُخَيَّرُ الرَّجُلُ بَيْنَ الْعَجْزِ وَالْفُجُورِ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَلْيَتَخَيَّرِ الْعَجْزَ عَلَى الْفُجُورِ» قَالَ الْحَاكِمُ: فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمُنْقَطِعِ الَّذِي لَا يَقِفُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَافِظُ الْفَهِمُ الْمُتَبَحِّرُ فِي الصَّنْعَةِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ جَعَلْتُ هَذَا الْوَاحِدَ شَاهِدًا لَهَا. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْمُنْقَطِعِ أَنْ يَكُونَ فِي الْإِسْنَادِ رِوَايَةُ رَاوٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الْحَدِيثَ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَى التَّابِعِيِّ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْإِرْسَالِ، وَلَا يُقَالُ لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْحَدِيثِ مُرْسَلٌ، إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مُنْقَطِعٌ، مِثَالُهُ مَا
(1/28)
 
 
حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفَقِيهُ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ، ثنا عَبْدُ الرَّازَّقِ، قَالَ: ذَكَرَ الثَّوْرِيُّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ , عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ وَلَّيْتُمُوهَا أَبَا بَكْرٍ فَقَوِيُّ أَمِينٌ لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، وَإِنْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيًّا فَهَادٍ مَهْدِيُّ يُقِيمُكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا إِسْنَادٌ لَا يَتَأَمَّلُهُ مُتَأَمِّلٌ إِلَّا عَلِمَ اتِّصَالَهُ وَسَنَدَهُ فَإِنَّ الْحَضْرَمِيَّ وَمُحَمَّدَ بَنَ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ ثِقَتَانِ، وَسَمَاعُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاشْتِهَارُهُ بِهِ مَعْرُوفٌ، وَكَذَلِكَ سَمَاعُ الثَّوْرِيِّ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَاشْتِهَارُهُ بِهِ مَعْرُوفٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ، فَإِنَّ عَبْدَ الرَّزَّاقِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الثَّوْرِيِّ، وَالثَّوْرِيُّ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ , ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ مُحَمَّدُ بْنُ الْهَيْثَمِ الْقَاضِي , حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرِنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ الْجَنَدِيُّ , عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ، بِالْكُوفَةِ، ثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلَوِيَّةَ الْقَطَّانُ , حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ , ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , ثنا شَرِيكٌ , عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ , عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ , عَنْ حُذَيْفَةَ , قَالَ: ذَكَرُوا الْإِمَارَةَ وَالْخِلَافَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ وَقَالَ: وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمُنْقَطِعِ عَلِمَ وَتَيَقَّنَ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ مِنَ الدَّقِيقِ الَّذِي لَا يَسْتَدْرِكُهُ إِلَّا الْمُوَفَّقُ، وَالطَّالِبُ الْمُتَعَلِّمُ
(1/28)
 
 
ذِكْرُ النَّوْعِ الْعَاشِرِ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَاكِمُ: النَّوْعُ الْعَاشِرُ مِنْ هَذِهِ الْعُلُومِ مَعْرِفَةُ الْمُسَلْسَلِ مِنَ الْأَسَانِيدِ، فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ السَّمَاعِ الظَّاهِرِ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَمِثَالُهُ مَا
(1/29)
 
 
سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْنِ بْنَ عَلِيٍّ [ص:30] الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سَالِمٍ الْأَصْبَهَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يَحْيَى بْنَ حَكِيمٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَوْنٍ الثَّقَفِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شَدَّادٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِمَرْوَانَ أَوْ ذُكِرَ لَهُ فَأَرْسَلَ أَوْ أَرْسَلَنِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَحَدَّثَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةَ فَانْتَشَلَ عَظْمًا أَوْ أَكَلَ كَتِفًا، ثُمَّ صَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ هَذَا النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنَ الْمُسَلْسَلِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْهُ مَا
(1/29)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الزَّاهِدُ , حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُؤَمَّلِ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ الْأَدَمِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْوَاسِطِيُّ خَادِمُ أَبِي مَنْصُورٍ الشَّنَابُزِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو مَنْصُورٍ: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ مَنْصُورٍ، فَإِنَّ مَنْصُورًا قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ عَلْقَمَةَ، فَإِنَّ عَلْقَمَةَ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ لِي: قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: «قُمْ فَصُبَّ عَلَيَّ حَتَّى أُرِيَكَ وُضُوءَ جَبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» ، فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ: كَيْفَ تَوَضَّأَ؟ قَالَ: ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا
(1/30)
 
 
حَدَّثَنَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّائِغُ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ , ثنا أَبُو نُعَيْمٍ , ثنا نُصَيْرُ بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا نِمْتَ فَأَطْفِئِ السِّرَاجَ، وَأَغْلِقِ الْبَابَ، وَأَوْكِ السِّقَاءَ، وَخَمِّرِ الْإِنَاءَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غَلَقًا وَلَا يَحِلُّ [ص:31] وِكَاءً، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى النَّاسِ بُيُوتَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مَا تُخَمِّرُهُ فَأَعْرِضْ عَلَيْهِ عُودًا، وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ» قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا النَّوْعُ مِمَّا تَكْثُرُ شَوَاهِدُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةُ السَّمَاعِ بَيْنَ كُلِّ رَاوِيَيْنِ ظَاهِرًا، أَوْ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ السَّمَاعِ، أَوْ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا إِلَى أَنْ يَصِلَ مُسَلْسَلًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّوْعُ الرَّابِعُ مِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا
(1/30)
 
 
أَخْبَرَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ الْخُلْدِيُّ , ثنا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّلَّالُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَا: ثنا أَبُو بِلَالٍ الْأَشْعَرِيُّ , حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ ذَيَّالٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ: أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنْ قَالَ لِي رَبِّي مَنْ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ , قَالَ: قُلِ: الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لَكَ: أَنْتَ؟ , قَالَ: فَأَقُولُ " أَمَرَنِي الْمَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرُ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِلْمَنْصُورِ، قَالَ: يَقُولُ: أَمَرَنِي إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ، قَالَ: يَقُولُ: أَمَرَنِي هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِهَمَّامٍ، قَالَ: يَقُولُ: أَمَرَنِي جَرِيرٌ، قَالَ: فَإِنْ قِيلَ لِجَرِيرٍ قَالَ: يَقُولُ: " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّوْعُ الْخَامِسُ مِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا
(1/31)
 
 
حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ الْأَحَدِ الْقُمَنِيُّ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكِسَائِيُّ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْآدَمُ، حَدَّثَنِي شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ الْحَوْشَبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجِدُ الْعَبْدُ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ، وَشَرِّهِ، وَحُلْوِهِ، وَمُرِّهِ» ، قَالَ: وَقَبَضَ رَسُولُ
(1/31)
 
 
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ "، قَالَ: وَقَبَضَ أَنَسٌ عَلَى لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: وَأَخَذَ يَزِيدُ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: وَأَخَذَ شِهَابٌ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: وَأَخَذَ سَعِيدٌ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ، قَالَ: وَأَخَذَ سُلَيْمَانُ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ: وَأَخَذَ يُوسُفُ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ: وَأَخَذَ شَيْخُنَا الزُّبَيْرُ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ قَالَ: لَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ لَنَا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَأَنَا أَقُولُ عَنْ نِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَعَقِيدَةٍ صَحِيحَةٍ: آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَأَخَذَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ: «آمَنْتُ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَحُلْوِهِ وَمُرِّهِ» وَالنَّوْعُ السَّادِسُ مِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا:
(1/32)
 
 
عَدَّهُنَّ فِي يَدِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَارِمٍ الْحَافِظُ بِالْكُوفَةِ، وَقَالَ لِي عَدَّهُنَّ فِي يَدِي عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعِجْلِيُّ، وَقَالَ لِي عَدَّهُنَّ فِي يَدِي حَرْبُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّحَّانُ وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي يَحْيَى بْنُ الْمُسَاوِرِ الْحَنَّاطُ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَقَالَ: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ لِي: عَدَّهُنَّ فِي يَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَدَّهُنَّ فِي يَدِي جِبْرِيلُ، وَقَالَ جِبْرِيلُ: هَكَذَا نَزَلْتُ بِهِنَّ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعِزَّةِ اللَّهُمَّ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ [ص:33] حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ تَرَحَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إِب