فتح القدير للكمال ابن الهمام 008

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: فتح القدير
المؤلف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ)
عدد الأجزاء: 10
 
لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ فِعْلَ الذَّكِيِّ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ نَفْسُهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا، وَلِهَذَا كَانَ مَبْنَاهُمَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ الْخِيَانَةِ وَعَنْ شُبْهَتِهَا، وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ ابْتَاعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعِيرَيْنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَلِّنِي أَحَدَهُمَا، فَقَالَ: هُوَ لَك بِغَيْرِ شَيْءٍ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَمَّا بِغَيْرِ ثَمَنٍ فَلَا» .
 
قَالَ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ لَوْ مَلَكَهُ مَلَكَهُ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ (وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهُ مُرَابَحَةً مِمَّنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الْبَدَلَ وَقَدْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَكِيلِ مَوْصُوفٍ جَازَ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ (وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحٍ ده يازده لَا يَجُوزُ) ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
الْعِلْمِ، أَنَّهُ سُئِلَ لِمَ لَمْ يَقْبَلْهَا إلَّا بِالثَّمَنِ «وَقَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ أَضْعَافَ ذَلِكَ، وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ حِينَ بَنَى بِعَائِشَةَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَا تَبْنِي بِأَهْلِك يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: لَوْلَا الصَّدَاقُ، فَدَفَعَ إلَيْهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا» ، وَالنَّشُّ هُنَا عِشْرُونَ دِرْهَمًا؟ «قَالَ: إنَّمَا فَعَلَ لِتَكُونَ الْهِجْرَةُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ رَغْبَةً مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي اسْتِكْمَالِ فَضْلِ الْهِجْرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهَا» ، وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ.
وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قَوْلُهُ (لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الْجَوَازِ) وَلَمَّا لَمْ يَكْفِ ثُبُوتُ الشَّرَائِطِ فِي الشَّرْعِيَّةِ أَفَادَ عِلَّتَهَا بِقَوْلِهِ (وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ الْغَبِيَّ الَّذِي لَا يَهْتَدِي فِي التِّجَارَةِ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْتَمِدَ) عَلَى (فِعْلِ الْمُهْتَدِي وَتَطِيبُ بِنَفْسِهِ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى وَبِزِيَادَةِ رِبْحٍ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِجَوَازِهِمَا) وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ لِجَوَازِهِمَا بَعْدَ الدَّلِيلِ الْمُثْبَتِ لِجَوَازِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ لَا يُخِلَّ بِمَا عُلِمَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ، بَلْ دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا بِشُرُوطِهِ الْمَعْلُومَةِ هُوَ دَلِيلُ جَوَازِهِمَا، إذْ لَا زِيَادَةَ فِيهِمَا إلَّا اقْتِرَانُهُمَا بِإِخْبَارٍ خَاصٍّ، إذْ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِثَمَنِ كَذَا مُخْبِرًا بِأَنَّ ذَلِكَ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَيْت بِهِ أَوْ مَعَ زِيَادَةٍ لَا أَرْضَى بِدُونِهَا.
 
وَمِنْ مَعْرِفَةِ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ يَعْلَمُ الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ (وَلَا تَصِحُّ الْمُرَابَحَةُ وَالتَّوْلِيَةُ حَتَّى يَكُونَ الْعِوَضُ) يَعْنِي الثَّمَنَ (مِمَّا لَهُ مِثْلٌ) كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَمَا يُكَالُ وَيُوزَنُ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِمَا (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ) بِأَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَبْدٍ مُقَايَضَةً مَثَلًا لَوْ رَابَحَهُ أَوْ وَلَّاهُ إيَّاهُ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ عَبْدٍ صِفَتُهُ كَذَا أَوْ بِقِيمَةِ عَبْدٍ ابْتِدَاءً وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
أَمَّا لَوْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ وَصَلَ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ مِنْهُ فَرَابَحَهُ عَلَيْهِ بِرِبْحٍ مُعَيَّنٍ كَأَنْ يَقُولَ أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّوْبِ الَّذِي بِيَدِك وَرِبْحِ دِرْهَمٍ أَوْ كُرِّ شَعِيرٍ أَوْ رِبْحِ هَذَا الثَّوْبِ (جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَهُ) مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ (مَا لَوْ بَاعَهُ) وَالْحَالَةُ هَذِهِ (بِرِبْحِ ده يازده) فَإِنَّهُ (لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ)
(6/497)
 
 
(وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالطَّرَّازِ وَالصَّبْغِ وَالْفَتْلِ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي قِيمَتِهِ يَلْحَقُ بِهِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ إذْ الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَلَمْ يَقُلْ اشْتَرَيْته بِكَذَا) كَيْ لَا يَكُونَ كَاذِبًا وَسَوْقُ الْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَمْلِ، بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَكِرَاءِ بَيْتِ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْمَعْنَى، وَبِخِلَافِ أُجْرَةِ التَّعْلِيمِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ وَهُوَ حَذَاقَتُهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فَإِنَّ مَعْنَى ده يازده كُلُّ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرَ، وَهَذَا فَرْعُ مَعْرِفَةِ عَدَدِ الْعَشْرَاتِ وَهُوَ بِتَقْوِيمِ الْعَبْدِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ ده يازده وَمَعْنَاهُ الْعَشَرَةُ أَحَدَ عَشْرَ أَيْ كُلُّ عَشَرَةٍ رَبِحَهَا وَاحِدٌ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ جِنْسِ الْعَشَرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ مَفْهُوم ذَلِكَ، وَلَكِنَّ لُزُومَ ذَلِكَ رَفْعًا لِلْجَهَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَابَحَةُ عَلَى الْعَبْدِ بده يازده تَقْتَضِي أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِهِ أَوْ بِمِثْلِ بَعْضِهِ وَهُوَ كُلُّ عَشَرَةِ أَجْزَاءٍ مِنْ الْعَبْدِ رِبْحُهَا جُزْءٌ آخَرُ مِنْهُ، وَحِينَ عَرَفَ أَنَّ الْمُرَادَ كُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَحَدَ عَشَرَ لَزِمَ حِينَئِذٍ مَا ذُكِرَ وَهُوَ أَنَّهُ بَاعَهُ بِالْعَبْدِ وَبِبَعْضِ قِيمَتِهِ.
[وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ]
اشْتَرَى عَبْدًا بِعَشَرَةٍ خِلَافِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَبَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَالْعَشَرَةُ مِثْلُ مَا نَقَدَ وَالرِّبْحُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ إذَا أَطْلَقَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي، وَالرِّبْحَ مُطْلَقٌ فَيَنْصَرِفُ إلَى نَقْدِ الْبَلَدِ، فَإِنْ نَسَبَ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ فَقَالَ بِعْتُك بِرِبْحِ الْعَشَرَةِ أَحَدَ عَشَرَ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ بِنِسْبَتِهِ إلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ: اشْتَرَى بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَقَالَ بِبَلْخٍ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا أَوْ بَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ أَوْ بِرِبْحِ ده يازده فَالرِّبْحُ وَرَأْسُ الْمَالِ عَلَى نَقْدِ بَلْخٍ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ نَقْدُ نَيْسَابُورَ أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ.
وَإِذَا كَانَ نَقْدُ نَيْسَابُورَ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ دُونَ نَقْدِ بَلْخٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَرَأْسُ الْمَالِ وَالرِّبْحُ عَلَى نَقْدِ نَيْسَابُورَ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَكْسِهِ وَاشْتَرَاهُ بِبَلْخٍ بِنَقْدِ نَيْسَابُورَ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أَوْزَنُ وَأَجْوَدُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْمُرَابَحَةِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ دُونَ مَا دَفَعَ عِوَضًا عَنْهُ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ فَدَفَعَ عَنْهَا دِينَارًا أَوْ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّ رَأْسَ الْمَالِ هُوَ الْعَشَرَةُ لَا الدِّينَارُ وَالثَّوْبُ لِأَنَّ وُجُوبَ هَذَا بِعَقْدٍ آخَرَ.
وَهُوَ الِاسْتِبْدَالُ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُضِيفَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ أُجْرَةَ الْقَصَّارِ وَالصَّبْغِ) أَسْوَدَ كَانَ الصَّبْغُ أَوْ غَيْرَهُ (وَالطِّرَازَ وَالْفَتْلَ وَأُجْرَةَ حَمْلِ الطَّعَامِ) بَرًّا أَوْ بَحْرًا (لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِإِلْحَاقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِرَأْسِ الْمَالِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ فِي الْقِيمَةِ يَلْحَقُ بِهِ) أَيْ بِرَأْسِ الْمَالِ.
(وَمَا عَدَدْنَاهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِأَنَّ الصَّبْغَ وَأَخَوَاتِهِ) مِنْ الطِّرَازِ وَالْفَتْلِ (يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَمْلَ) مِنْ مَكَان إلَى مَكَان (يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ: هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ، وَلَكِنْ لَا يَتَمَشَّى فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَالْمَعْنَى الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عَادَةُ التُّجَّارِ حَتَّى يَعُمَّ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا (وَ) إذَا ضَمَّ مَا ذُكِرَ (يَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَا يَقُولُ اشْتَرَيْته بِكَذَا تَحَرُّزًا عَنْ الْكَذِبِ، وَسَوْقُ الْغَنَمِ) وَالْبَقَرِ (كَالْحَمْلِ) يَضُمُّهُ (بِخِلَافِ أُجْرَةِ الرَّاعِي وَالْبَيْتِ لِلْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْعَيْنِ) وَلَا الْقِيمَةِ فَلَا يُضَمُّ، وَكَذَا سَائِقُ الرَّقِيقِ وَحَافِظُهُمْ وَحَافِظُ الطَّعَامِ وَالْمَتَاعِ، بِخِلَافِ سَائِقِ الْغَنَمِ (وَ) كَذَا (أُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ) صِنَاعَةً أَوْ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا أَوْ شِعْرًا (لِأَنَّ ثُبُوتَ الزِّيَادَةِ لِمَعْنًى فِيهِ) أَيْ فِي الْمُتَعَلِّمِ (وَهُوَ حَذَاقَتُهُ) فَلَمْ يَكُنْ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمُعَلَّمِ مُوجِبًا لِلزِّيَادَةِ
(6/498)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فِي الْمَالِيَّةِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَكَّ فِي حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِالتَّعَلُّمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ التَّعْلِيمِ عَادَةً، وَكَوْنُهُ بِمُسَاعِدَةِ الْقَابِلِيَّةِ فِي الْمُتَعَلِّمِ هُوَ كَقَابِلِيَّةِ الثَّوْبِ لِلصَّبْغِ فَلَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ كَمَا لَا تُمْنَعُ نِسْبَتُهُ إلَى الصَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَالتَّعْلِيمُ عِلَّةٌ عَادِيَّةٌ فَكَيْفَ لَا يُضَمُّ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَضَافَ نَفْيَ ضَمِّ الْمُنْفِقِ فِي التَّعْلِيمِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ، قَالَ: وَكَذَا فِي تَعْلِيمِ الْغِنَاءِ وَالْعَرَبِيَّةِ، قَالَ: حَتَّى لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ يَلْحَقُ بِرَأْسِ الْمَالِ، وَكَذَا لَا يَلْحَقُ أُجْرَةَ الطَّبِيبِ وَالرَّائِضِ وَالْبَيْطَارِ وَجُعْلِ الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَلْحَق بِالسَّائِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي النَّادِرِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ لِعَدَمِ الْعُرْفِ، وَتُضَمُّ أُجْرَةُ السِّمْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ: لَا تُضَمُّ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَلَى الشِّرَاءِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْعُرْفُ فِيهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ تُضَمُّ، وَقِيلَ أُجْرَةُ الدَّلَّالِ تُضَمُّ، كُلُّ هَذَا مَا لَمْ تَجْرِ عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَا يُضَمُّ ثَمَنُ الْجِلَالِ وَنَحْوِهَا فِي الدَّوَابِّ، وَتُضَمُّ الثِّيَابُ فِي الرَّقِيقِ وَطَعَامِهِمْ إلَّا مَا كَانَ سَرَفًا وَزِيَادَةً، وَيُضَمُّ عَلَفُ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ يَعُودَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُتَوَلِّدٌ مِنْهَا كَأَلْبَانِهَا وَصُوفِهَا وَسَمْنِهَا فَيَسْقُطُ قَدْرُ مَا نَالَ وَيُضَمُّ مَا زَادَ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ الدَّابَّةَ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَإِنَّهُ يُرَابِحُ مَعَ ضَمِّ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ، وَكَذَا دَجَاجَةٌ أَصَابَ مِنْ بَيْضِهَا يُحْتَسَبُ بِمَا نَالَهُ وَبِمَا أَنْفَقَ وَيُضَمُّ الْبَاقِي وَتُضَمُّ أُجْرَةُ التَّجْصِيصِ وَالتَّطْيِينِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ وَالْقَنَاةِ فِي الْأَرْضِ مَا بَقِيَتْ هَذِهِ، فَإِنْ زَالَتْ لَا تُضَمُّ، وَكَذَا سَقْيُ الزَّرْعِ وَالْكَرْمِ وَكَسْحِهِ.
وَلَوْ قَصَّرَ الثَّوْبَ بِنَفْسِهِ أَوْ طَيَّنَ أَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْأَعْمَالَ لَا يُضَمُّ شَيْئًا مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ مُتَطَوِّعٌ
(6/499)
 
 
(فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فِي التَّوْلِيَةِ أَسْقَطَهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَحُطُّ فِيهِمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلتَّسْمِيَةِ؛ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا، وَالتَّوْلِيَةُ وَالْمُرَابَحَةُ تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ كَوَصْفِ السَّلَامَةِ فَيَتَخَيَّرُ بِفَوَاتِهِ، وَلِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ وَلَّيْتُك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِعْتُك مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ وَذَلِكَ بِالْحَطِّ، غَيْرَ أَنَّهُ يُحَطُّ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْرُ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَتَعَيَّنَ الْحَطُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ أَوْ بِإِعَارَةٍ.
 
(قَوْلُهُ فَإِنْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى خِيَانَةٍ فِي الْمُرَابَحَةِ) إمَّا بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ وَقَدْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي هَذَا عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقِيلَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي دَعْوَى الْخِيَانَةِ مُنَاقِضٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ بِبَيِّنَةٍ وَلَا نُكُولٍ، وَالْحَقُّ سَمَاعُهَا كَدَعْوَى الْعَيْبِ وَدَعْوَى الْحَطِّ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ) وَإِنْ اطَّلَعَ عَلَيْهَا فِي التَّوْلِيَةِ يُحَطُّ قَدْرُهَا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُحَطُّ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُخَيَّرُ فِيهِمَا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (لِمُحَمَّدٍ: إنَّ الِاعْتِبَارَ فِيهِمَا لَيْسَ إلَّا لِلتَّسْمِيَةِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ بِهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا وَبِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَلَا خِيَارَ بِأَنَّهُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ فِيهِمَا لَا يَتَعَلَّقُ الِانْعِقَادُ بِهِ.
إنَّمَا هُوَ (تَرْوِيجٌ وَتَرْغِيبٌ فَيَكُونُ وَصْفًا مَرْغُوبًا فِيهِ) كَوَصْفِ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ (فَبِفَوَاتِهِ) بِظُهُورِ أَنَّ الثَّمَنَ لَيْسَ ذَاكَ (يَتَخَيَّرُ. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ)
أَيْ فِي عَقْدِ الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ (كَوْنُهُ تَوْلِيَةً وَمُرَابَحَةً) وَذَلِكَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَوْلِيَةٌ وَمُرَابَحَةٌ عَلَيْهِ (وَذَلِكَ بِالْحَطِّ غَيْرَ أَنَّهُ يَحُطُّ فِي التَّوْلِيَةِ مِقْدَارَ الْخِيَانَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِي الْمُرَابَحَةِ يَحُطُّهُ مِنْهُ وَمِنْ الرِّبْحِ) عَلَى نِسْبَتِهِ، حَتَّى لَوْ رَابَحَ فِي ثَوْبٍ عَلَى عَشَرَةٍ بِخَمْسَةٍ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ بِثَمَانِيَةٍ يَحُطُّ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الثَّمَنِ، دِرْهَمَيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمِنْ الرِّبْحِ خُمُسَهُ وَهُوَ دِرْهَمٌ.
(وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي التَّوْلِيَةِ وَهُوَ (أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحُطَّ فِيهَا لَا تَبْقَى تَوْلِيَةً؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ) وَالْعَقْدُ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِاعْتِبَارِهَا فَيَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ إلَى بَيْعٍ آخَرَ بِثَمَنٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ الْآخَرُ
(6/500)
 
 
وَفِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يُحَطَّ تَبْقَى مُرَابَحَةً وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ فَلَا يَتَغَيَّرُ التَّصَرُّفُ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ، فَلَوْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْفَائِتِ فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ عَجْزِهِ.
 
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) .
صُورَتُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ فِي الْفَصْلَيْنِ، لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَ) أَمَّا (فِي الْمُرَابَحَةِ لَوْ لَمْ يَحُطَّ) لَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا مُرَابَحَةً لِتَغَيُّرِ التَّصَرُّفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ الرِّبْحُ) فَإِنَّهُ يَظْهَرُ أَنَّ الرِّبْحَ أَكْثَرُ مِمَّا ظَنَّهُ الْمُشْتَرِي (فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ) بِبَقَاءِ الْعَقْدِ وَلَكِنْ يَتَخَيَّرُ لِمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مِنْ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ (فَلَوْ هَلَكَ) الْمَبِيعُ (قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ) أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (أَوْ حَدَثَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الْفَسْخَ لَزِمَهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ) وَفِيهِمَا يَلْزَمُهُ تَمَامُ الثَّمَنِ قَبْلَ الْفَسْخِ فَكَذَا هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِ جُزْءٌ فَائِتٌ يُطَالَبُ بِهِ (فَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُهُ إذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ) .
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ انْتَقَصَ يُحَطُّ، وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ احْتِرَازٌ عَمَّا عَنْ مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى الْقِيمَةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى يَنْدَفِعَ الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحَالُفِ بَعْدَ هَلَاكِ السِّلْعَةِ أَنَّهُ يُفْسَخُ بَعْدَ التَّحَالُفِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ.
 
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ بِرِبْحٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِنْ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا بَاعَهُ (فَإِنْ بَاعَهُ مُرَابَحَةً طَرَحَ عَنْهُ كُلَّ رِبْحٍ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ) الرِّبْحُ (اسْتَغْرَقَ الثَّمَنَ لَمْ يَبِعْهُ مُرَابَحَةً) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ؟ (هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - (صُورَتُهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فَإِنَّهُ يَطْرَحُ عَنْ هَذِهِ الْعَشَرَةِ الَّتِي اشْتَرَاهُ بِهَا مِنْهُ الْخَمْسَةَ الَّتِي رَبِحَهَا (فَيَبِيعُهُ مُرَابَحَةً) عَلَى خَمْسَةٍ (وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِخَمْسَةٍ؛ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَبَاعَهُ بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً ثُمَّ اشْتَرَاهُ) مِمَّنْ بَاعَهُ مِنْهُ (بِعَشَرَةٍ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً أَصْلًا) إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ فَيَقُولُ هَذَا كُنْت بِعْته فَرَبِحْت فِيهِ عَشَرَةً ثُمَّ اشْتَرَيْته بِعَشَرَةٍ وَأَنَا أَبِيعُهُ بِرِبْحِ كَذَا عَلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ.
(وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى) الثَّمَنِ الْأَخِيرِ وَهُوَ (عَشَرَةٌ فِي الْفَصْلَيْنِ) مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ (لَهُمَا أَنْ الْعَقْدَ الثَّانِيَ) وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ كَانَ بَاعَهُ مِنْهُ فَهُوَ (عَقْدٌ مُتَجَدِّدٌ مُنْقَطِعُ
(6/501)
 
 
الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ فَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ بَعْدَمَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِالظُّهُورِ عَلَى عَيْبِ الشُّبْهَةِ كَالْحَقِيقَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ احْتِيَاطًا وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى خَمْسَةً وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيُطْرَحُ عَنْهُ خَمْسَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
الْأَحْكَامِ عَنْ الْأَوَّلِ) وَلِذَا لَوْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ خِيَارٌ لَا يَكُونُ فِي الثَّانِي، وَعَلَى الْعَكْسِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ مُرَابَحَةً أَوْ وَضِيعَةً، وَلِذَا لَوْ كَانَ أَصْلُهُ هِبَةً أَوْ مِيرَاثًا فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الْأَخِيرِ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِلَّا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ أَصْلًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِالشِّرَاءِ الثَّانِيَ يَتَجَدَّدُ لَهُ مِلْكٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْبَابِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ عَلَى مَا عُرِفَ.
وَصَارَ (كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) بِأَنْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ مِمَّنْ اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعِشْرِينَ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ شُبْهَةَ حُصُولِ الرِّبْحِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَابِتَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَكَّدُ بِهِ) أَيْ بِالْعَقْدِ الثَّانِي (مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ) مِنْ ذَلِكَ الرِّبْحِ (بِأَنْ يَظْهَرَ) الْمُشْتَرِي (عَلَى عَيْبٍ) فَيَرُدَّهُ فَيَزُولُ الرِّبْحُ عَنْهُ، فَإِذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ تَأَكَّدَ: أَيْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ لِذَلِكَ الرِّبْحِ وَلِلتَّأْكِيدِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ حُكْمُ الْإِيجَابِ كَمَا فِي شُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِتَأْكِيدِهِمْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ أَوْ بِارْتِدَادٍ، وَعَلَى اعْتِبَارِ التَّأْكِيدِ يَصِيرُ الْبَائِعُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُشْتَرِيًا بِالْعَقْدِ الثَّانِي ثَوْبًا وَخَمْسَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَتَكُونُ الْخَمْسَةُ بِإِزَاءِ الْخَمْسَةِ وَيَبْقَى الثَّوْبُ بِخَمْسَةٍ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ وَاجِبٌ (لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الْمُرَابَحَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ وَلِذَا لَمْ تَجُزْ الْمُرَابَحَةُ فِيمَا أُخِذَ بِالصُّلْحِ لِشُبْهَةِ الْحَطِيطَةِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الصُّلْحِ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى خَمْسَةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ الشِّرَاءُ بِعَشَرَةٍ فِيمَا لَوْ بَاعَ بِعِشْرِينَ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ يَصِيرُ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي كَأَنَّهُ اشْتَرَى ثَوْبًا وَعَشَرَةً بِعَشْرَةٍ فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا وَهُوَ حُصُولُ الثَّوْبِ بِلَا عِوَضٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ التَّأْكِيدَ إنَّمَا حَصَلَ بِهِ شُبْهَةُ الْإِيجَابِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِيَانَةِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ، وَشَرْعِيَّةُ الْمُرَابَحَةِ لِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى الْعِبَادِ لَا الشَّرْعِ، وَلِذَا إذَا
(6/502)
 
 
بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ ثَالِثٌ؛ لِأَنَّ التَّأْكِيدَ حَصَلَ بِغَيْرِهِ.
 
قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) ؛ لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ شُبْهَةَ الْعَدَمِ بِجَوَازِهِ مَعَ الْمُنَافِي فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَارُ لِلْأَوَّلِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ لِلْمَوْلَى بِعَشَرَةٍ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَكَأَنَّهُ يَبِيعُهُ لِلْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَيُعْتَبَرُ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
رَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَقَدْ عَلِمَ يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ لِحَقِّ الشَّرْعِ لَمْ يَجُزْ بِتَرَاضِيهِمَا كَمَا فِي الرِّبَا لَوْ رَضِيَا بِهِ، وَأُورِدَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَوْبٌ فَبَاعَهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِعَشَرَةٍ.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ فِي رِوَايَةٍ، وَبِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْبَيْعُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ يَتَأَكَّدُ بِهِ انْقِطَاعُ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوَكَالَةُ إلَّا فِي عَقْدٍ يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِيهِ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِثَمَنٍ حَالٍّ مُرَابَحَةً بَعْدَمَا اشْتَرَاهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَزْدَادُ فِي الثَّمَنِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ بِوَصِيفٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَضٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَلَا يُمْكِنُ طَرْحُهُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لِذَلِكَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَلِذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى أَشْيَاءَ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بَعْضَهَا مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَتَعْيِينُهَا لَا يَخْلُو عَنْ شُبْهَةِ الْغَلَطِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ (وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ ثَالِثٌ) لِتَأْكِيدِ الرِّبْحِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّالِثِ وَوَقَعَ الْأَمْنُ مِنْ الْبُطْلَانِ بِهِ فَلَمْ يَسْتَفِدْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ بِالشِّرَاءِ الثَّانِي تَأْكِيدَ الرِّبْحِ وَهُنَا بِخِلَافِهِ.
 
(قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ فَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ) أَيْ الْمَوْلَى (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمَوْلَى اشْتَرَاهُ) بِعَشَرَةٍ (فَبَاعَهُ مِنْ الْعَبْدِ) بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَجِبُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً عَلَى عَشَرَةٍ (لِأَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ) أَعْنِي الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لِإِفَادَتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ فِي كَسْبِهِ وَيُسَلِّمُ لِلْمَوْلَى مِنْ كَسْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ سَالِمًا (فَلَهُ شُبْهَةُ الْعَدَمِ) ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لِلْعَبْدِ لَا يَخْلُو عَنْ حَقِّ الْمَوْلَى، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَا فِي يَدِهِ لِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَذَا فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْحَقُّ حَقِيقَةً إذَا عَجَزَ فَرُدَّ فِي الرِّقِّ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى مِلْكَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ لِلْفَائِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحَّحْنَاهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ جَائِزٌ (مَعَ الْمُنَافِي) وَهُوَ كَوْنُهُ عَبْدَهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِ الْمَالِ لَهُ لَوْلَا الدَّيْنُ (فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ وَبَقِيَ الِاعْتِبَار لل) عَقْدِ (الْأَوَّلِ) وَهُوَ الْكَائِنُ بِعَشَرَةٍ (فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْعَبْدَ اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ لِأَجْلِ الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَاهُ الْعَبْدُ وَبَاعَهُ مِنْ الْمَوْلَى (وَكَانَ بِبَيْعِهِ) أَجَلُ (الْمَوْلَى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي) وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ (فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا الْجَوَابُ إذَا كَانَ الْمَأْذُونُ مُكَاتَبَ السَّيِّدِ بِالِاتِّفَاقِ.
وَقَوْلُهُ فَاعْتُبِرَ عَدَمًا فِي حُكْمِ الْمُرَابَحَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ عَدَمًا لِلْمُرَابَحَةِ لَا لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا مِنْ وَجْهٍ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَابَحَةَ بَيْعُ أَمَانَةٍ تَنْفِي عَنْهُ كُلَّ تُهْمَةٍ وَخِيَانَةٍ، وَالْمُسَامَحَةَ جَارِيَةٌ بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَيُتَّهَمُ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ بَاعَهُ مِنْهُ كَذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ اشْتَرَى هَؤُلَاءِ مِنْهُ لَا يَبِيعُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي قَامَ عَلَى الْبَائِعِ، إلَّا أَنَّهُمَا خَالَفَا فِي هَذِهِ فَقَالَا: يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ مِنْ هَؤُلَاءِ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَالْحُقُوقِ فَكَانَا كَالْأَخَوَيْنِ،
(6/503)
 
 
قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) ؛ لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مَقْصُودٌ وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ كَأَنَّهُ لِلْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ.
وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ لِلْآخَرِ وَتَجْرِي الْمُسَامَحَةُ بَيْنَهُمْ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِيمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ كَوْنُهُ مَدْيُونًا بِمَا يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْجَامِعِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: وَالْمَشَايِخُ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ كَقَاضِي خَانَ، وَمِنْهُمْ مِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالْمُحِيطِ كَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ فَقَالَ: عَبْدٌ مَأْذُونٌ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِرَقَبَتِهِ أَوْ غَيْرُ مُحِيطٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الدَّيْنَ أَصْلًا كَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: إذَا اشْتَرَى مِنْ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذِكْرَهُ وَعَدَمَهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ، بَلْ إذَا كَانَ لَا يُرَابِحُ إلَّا عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ مَعَ أَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ كَسْبِهِ فَلَأَنْ لَا يَرْبَحَ إلَّا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ الثَّانِي أَصْلًا إنَّمَا يَبِيعُ مَالَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ.
وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ لِثُبُوتِ صِحَّةِ الْعَقْدِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ شَرِيكِهِ سِلْعَةً، إنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا يُرَابِحُ عَلَى مَا اشْتَرَى وَلَا يُبَيِّنُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَإِنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَ شَرِيكِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الثَّانِي وَنَصِيبَ نَفْسِهِ عَلَى ضَمَانِهِ فِي الشِّرَاءِ الْأَوَّلِ نَحْوُ أَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ اُشْتُرِيَتْ بِأَلْفٍ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَاشْتَرَاهَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً عَلَى أَلْفٍ وَمِائَةٍ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِنْ الثَّمَنِ سِتُّمِائَةٍ وَنَصِيبَ نَفْسِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ خَمْسُمِائَةٍ فَيَبِيعُهَا عَلَى ذَلِكَ.
 
وَمِنْهُ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (وَإِذَا كَانَ مَعَ الْمُضَارِبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ وَبَاعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ، لِأَنَّ هَذَا الْبَيْعَ وَإِنْ قُضِيَ بِجَوَازِهِ عِنْدَنَا عِنْدَ عَدَمِ الرِّبْحِ خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَعَ أَنَّهُ اشْتَرَى مَالَهُ بِمَالِهِ) وَهُوَ وَجْهُ الْمَنْعِ لِزُفَرَ لَكِنَّا أَجَزْنَاهُ (لِمَا فِيهِ مِنْ) فَائِدَةِ (اسْتِفَادَةِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ) بَعْدَمَا كَانَتْ مُنْتَفِيَةً لِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ عَنْهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُضَارِبِ (وَالِانْعِقَادُ يَتْبَعُ الْفَائِدَةَ فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ) أَيْ الْمُضَارِبَ (وَكِيلٌ عَنْهُ) أَيْ عَنْ رَبِّ الْمَالِ (فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ) وَذَلِكَ يَمْنَعُ
(6/504)
 
 
فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي حَقِّ نِصْفِ الرِّبْحِ.
 
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ عِنْدَهُ شَيْئًا يُقَابِلُهُ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ تَابِعَةٌ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا لَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
صِحَّةَ بَيْعِهِ مِنْهُ، كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ مَا وَكَّلَهُ بِشِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِيهِ جَائِزٌ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ مَالُ الْمُضَارِبِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى لَا يَجُوزُ حَجْرُ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُضَارِبُ جَارِيَةً لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْؤُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ (فَاعْتُبِرَ الْبَيْعُ الثَّانِي عَدَمًا فِي نِصْفِ الرِّبْحِ) الَّذِي هُوَ حِصَّةُ رَبِّ الْمَالِ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا فَيَبِيعُهُ عَلَى أَقَلِّ الثَّمَنَيْنِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَعَلَى حِصَّةِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُتَّهَمُ فِيهِ، وَلَوْ اشْتَرَيَا سِلْعَةً فَاقْتَسَمَاهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً عَلَى حِصَّةٍ مِنْ الثَّمَنِ، إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ اسْتِيفَاءً مَحْضًا كَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ جَازَ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُبَادَلَةً كَالْأَشْيَاءِ الْمُتَفَاوِتَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً لِابْتِنَائِهِ عَلَى التَّقْوِيمِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُرَابَحَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
 
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَاعْوَرَّتْ) أَيْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِصُنْعِهَا بِنَفْسِهَا (يَبِيعُهَا مُرَابَحَةً وَلَا يُبَيِّنُ) أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ بِهَا هَذَا الْعَوَرُ (وَ) كَذَا لَوْ (وَطِئَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ) وَلَمْ يُنْقِصْهَا الْوَطْءُ، وَهَذَا (لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا) جُزْءٌ مِنْ (الثَّمَنِ) ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ مَا لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِالْإِتْلَافِ (وَلِهَذَا لَوْ فَاتَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) إلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْعَقْدِ (لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا اعْوَرَّتْ الْجَارِيَةُ
(6/505)
 
 
أَنَّهُ لَا يَبِيعُ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ فَيُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا.
 
(وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ تَكَسَّرَ بِنَشْرِهِ وَطَيِّهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
أَنَّهُ لَا يَبِيعُ) مُرَابَحَةً (مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، كَمَا إذَا احْتَبَسَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَزُفَرَ، وَالِاحْتِبَاسُ بِفِعْلِهِ مَحَلُّ الِاتِّفَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَأَمَّا إذَا فَقَأَ عَيْنَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ فَقَأَهَا أَجْنَبِيٌّ) بِأَمْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ (فَأَخَذَ أَرْشَهَا لَمْ يَبِعْهَا مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ) وَالتَّقْيِيدُ بِفَقْءِ الْمُشْتَرِي وَالْأَجْنَبِيِّ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ فَقَأَتْ عَيْنَهَا بِنَفْسِهَا فَإِنَّهُ كَمَا بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ هَدَرٌ فَلَا يَكُونُ الْمُشْتَرِي حَابِسًا شَيْئًا، وَأَخْذُ الْأَرْشِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ إذَا أَعْوَرَهَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ لِتَحَقُّقِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، وَالْفَرْقُ لَنَا (أَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ) فَخَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ بِالْقَصْدِيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ (فَيُقَابَلُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ، وَكَذَا إذَا وَطِئَهَا وَهِيَ بِكْرٌ؛ لِأَنَّ الْعَذِرَةَ جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ يُقَابِلُهُمَا الثَّمَنُ وَقَدْ حَبَسَهَا) .
 
(وَ) مِنْ هَذَا (لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَأَصَابَهُ قَرْضُ فَأْرٍ أَوْ حَرْقُ نَارٍ) أَوْ طَعَامًا فَتَغَيَّرَ (يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ) وَقَرْضٌ بِالْقَافِ وَذَكَرَ أَبُو الْيُسْرِ بِالْفَاءِ (وَلَوْ تَكَسَّرَ) الثَّوْبُ (بِطَيِّهِ وَنَشْرِهِ) لَزِمَهُ الْبَيَانُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ، وَقَوْلُ زُفَرَ أَجْوَدُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَاخْتِيَارُهُ هَذَا حَسَنٌ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْمُرَابَحَةِ عَلَى عَدَمِ الْخِيَانَةِ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ أَنَّهَا انْتَقَصَتْ إيهَامٌ لِلْمُشْتَرِي أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهَا نَاقِصَةً، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ ثَمَنُهَا صَحِيحَةً لَمْ يَأْخُذْهَا مَعِيبَةً إلَّا بِحَطِيطَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ سَبَبَ شَرْعِيَّةِ الْمُرَابَحَةِ اعْتِمَادُ الْغَبِيِّ أَنَّ الثَّمَنَ قِيمَتُهَا حَيْثُ اشْتَرَى مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِهِ فَيَطِيبُ قَلْبُهُ بِشِرَائِهَا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ رِبْحٍ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قِيمَتُهَا، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا يَرُومُ شِرَاءَهَا إلَّا بِقِيمَتِهَا كَيْ لَا يُغْبَنَ، وَأَنَّهُ لَوْ عَلِمَهُ لَمْ يَرْضَ فَكَانَ سُكُوتُهُ تَقْرِيرًا لَهُ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ ذَلِكَ إذَا نَقَصَهُ الْعَيْبُ شَيْئًا يَسِيرًا.
فَإِنْ نَقَصَهُ قَدْرًا لَا يُتَغَابَنُ فِيهِ لَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً، يَعْنِي بِلَا بَيَانٍ، لَكِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ السِّعْرُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ
(6/506)
 
 
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) ؛ لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، وَالشُّبْهَةُ فِي هَذَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ وَبَاعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً بِثَمَنِهِمَا، وَالْإِقْدَامُ عَلَى الْمُرَابَحَةِ يُوجِبُ السَّلَامَةَ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْخِيَانَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فِي حَالِ غَلَائِهِ، وَكَذَا لَوْ اصْفَرَّ الثَّوْبُ لِطُولِ مُكْثِهِ أَوْ تَوَسَّخَ إلْزَامٌ قَوِيٌّ، وَاسْتَشْكَلَ عَلَى قَوْلِهِ الْفَائِتِ وَصْفٌ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ الْمُشْتَرَى بِأَجَلٍ فَإِنَّ الْأَجَلَ وَصْفٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً بِلَا بَيَانٍ، أُجِيبُ أَنَّ الْأَجَلَ يُعْطَى لِأَجْلِهِ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عَادَةً فَيَكُونُ كَالْجُزْءِ فَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، وَعَلَى قَوْلِهِ مَنَافِعُ الْبُضْعِ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَقْتَ الشِّرَاءِ وَذَلِكَ لِاعْتِبَارِ الْمُشْتَرِي بِالْوَطْءِ حَابِسًا جُزْءًا مِنْ الْمَبِيعِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبُ بِأَنَّ عَدَمَ الرَّدِّ فِي هَذَا لَيْسَ لِمَا ذَكَرْت بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَدَّهَا فَإِمَّا مَعَ الْعُقْرِ احْتِرَازًا عَنْ الْوَطْءِ مَجَّانًا أَوْ مِنْ غَيْرِ عُقْرٍ، لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ لِعَوْدِ الْجَارِيَةِ مَعَ زِيَادَةٍ وَالزِّيَادَةُ تَمْنَعُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا تَعُودُ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي الْوَطْءَ بِلَا عِوَضٍ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ إذَا رَجَعَ بَعْدَ وَطْءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ حَيْثُ يَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهَا تُسَلَّمُ كُلُّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ بِلَا عِوَضٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُسَلَّمَ لَهُ الْوَطْءُ بِلَا عِوَضٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ وَيُسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ زِيَادَةٌ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ شَيْءٌ وَجَبَ بِإِتْلَافِ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَكَذَا الْوَطْءُ، [فُرُوعٌ]
لَوْ أَصَابَ مِنْ غَلَّةِ الدَّارِ أَوْ الدَّابَّةِ شَيْئًا رَابَحَ بِلَا بَيَانٍ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ إنَّمَا هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ لَا يَمْنَعُ بَيْعَ الْمُرَابَحَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصَابَ مِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا، فَإِنَّهُ إذَا رَبِحَ يَسْقُطُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ قَدْرُ مَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ فِي طَعَامِ الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ فِي غَيْرِ السَّرَفِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ الْغَنَمُ أَوْ أَثْمَرَ النَّخِيلُ يَبِيعُ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ نُقْصَانَ الْوِلَادَةِ بِغَيْرِ فِعْلٍ ثُمَّ الزِّيَادَةُ تَجْبُرُهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْمُشْتَرِي الزِّيَادَةَ لَمْ يَبِعْ الْأَصْلَ مُرَابَحَةً حَتَّى يُبَيِّنَ مَا أَصَابَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ وَالْمُتَوَلِّدُ كَجُزْءِ الْمَبِيعِ، وَكَذَا إذَا اسْتَهْلَكَ الْأَلْبَانَ وَالسَّمْنَ فَإِنَّهُ لَا يُرَابِحُ إلَّا بِبَيَانٍ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ وَاشْتَرَى آخَرُ نِصْفَهُ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً أَوْ تَوْلِيَةً أَوْ وَضِيعَةً قَالَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثًا وَلَوْ بَاعَهُ مُسَاوَمَةً يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ بِمُقَابَلَةِ الْمِلْكِ، وَلِهَذَا اسْتَوَى فِيهِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ وَبَيْعُهُمَا فِي الْعَبْدِ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْعُقُودِ فَإِنَّ الثَّمَنَ فِيهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ حَطَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّمَنِ بَعْدَمَا بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً فَإِنَّهُ يَحُطُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُشْتَرِي الْآخَرِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ وَلَوْ كَانَ وَلَّاهُ حَطَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يُحَطُّ عَنْ الثَّانِي بِهَذَا السَّبَبِ شَيْءٌ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْحَطَّ يَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ لَا، بَلْ هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ، وَكَذَا الزِّيَادَةُ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّ الْعَقْدَ عَقْدٌ بِمَا بَقِيَ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَالْمُوَكِّلِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَطَّ الْكُلَّ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى كُلِّ الثَّمَنِ وَيُوَلِّيَهُ.
 
(قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى غُلَامًا) أَوْ غَيْرَهُ (بِأَلْفٍ نَسِيئَةً فَبَاعَهُ بِرِبْحِ مِائَةٍ) وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ نَسِيئَةً بِالْأَلْفِ (فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي) بِذَلِكَ (فَ) لَهُ الْخِيَارُ (إنْ شَاءَ رَدَّهُ وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ) بِالْأَلْفِ وَالْمِائَةُ حَالَّةٌ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ (لِأَنَّ لِلْأَجَلِ شَبَهًا بِالْمَبِيعِ) ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُزَادُ فِي الثَّمَنِ لِأَجْلِهِ، (وَالشُّبْهَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ كَأَنَّهُ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ) بِالْأَلْفِ (وَبَاعَ أَحَدَهُمَا) بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمُرَابَحَةِ، وَهَذَا خِيَانَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ مَبِيعًا حَقِيقَةً، فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ يُشْبِهُ الْمَبِيعَ يَكُونُ
(6/507)
 
 
فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ كَمَا فِي الْعَيْبِ (وَإِنْ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، قَالَ: (فَإِنْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ رَدَّهُ إنْ) شَاءَ؛ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي التَّوْلِيَةِ مِثْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ) لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا اسْتَوْفَى الزُّيُوفَ مَكَانَ الْجِيَادِ وَعَلِمَ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، وَسَيَأْتِيك مِنْ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
هَذَا شُبْهَةَ الْخِيَانَةِ وَشُبْهَةُ الْخِيَانَةِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فِي الْمُرَابَحَةِ.
(فَإِذَا ظَهَرَتْ يُخَيَّرُ) عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُحَطَّ مِنْ الثَّمَنِ مَا يُعْرَفُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي هَذَا يُزَادُ لِأَجْلِ الْأَجَلِ، هَذَا إذَا عَلِمَ الْخِيَانَةَ قَبْلَ هَلَاك الْمَبِيعِ (فَلَوْ عَلِمَ) بَعْدَمَا هَلَكَ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ (لَزِمَهُ بِأَلْفٍ وَمِائَةٍ حَالَّةٍ) ؛ لِأَنَّ (الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ) حَقِيقَةً وَاَلَّذِي كَانَ ثَابِتًا لَهُ مُجَرَّدَ رَأْيٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ بَعْدَ هَلَاكِهِ وَهَكَذَا (لَوْ كَانَ وَلَّاهُ إيَّاهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ اشْتَرَاهُ إلَى أَجَلٍ فَعَلِمَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْهَلَاكِ: يَعْنِي يَثْبُتُ لَهُ خِيَارُ الرَّدِّ وَقَبُولُهُ بِالْأَلْفِ الْحَالَّةِ، وَلَوْ فُرِّعَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ مَا ذَكَرْنَا (وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةٍ لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّ الْأَجَلَ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ حَقِيقَةً (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ) بَعْدَ الْهَلَاكِ (يَرُدُّ الْقِيمَةَ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ وَهُوَ نَظِيرُ) قَوْلِهِ فِي (مَا إذَا اسْتَوْفَى) صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَائِنِهِ (مَكَانَ) الدَّيْنِ (الْجِيَادِ زُيُوفًا) وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِزِيَافَتِهَا حَتَّى أَنْفَقَهَا فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ مِثْلَهَا مِنْ الزُّيُوفِ وَيَسْتَرِدُّ الْجِيَادَ (وَسَيَأْتِيكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ (وَقِيلَ يُقَوَّمُ بِثَمَنٍ حَالٍّ وَبِمُؤَجَّلٍ
(6/508)
 
 
فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُنَجَّمٌ مُعْتَادٌ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حَالٌّ.
 
قَالَ (وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ) لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ (فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ، يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ) ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَمْ يَتَقَرَّرْ، فَإِذَا حَصَلَ الْعِلْمُ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَصَارَ كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ وَبَعْدَ الِافْتِرَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ فَلَا يُقْبَلُ الْإِصْلَاحُ، وَنَظِيرُهُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ إذَا عَلِمَ فِي الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ فَيَتَخَيَّرُ كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فَيَرْجِعُ بِفَضْلِ مَا بَيْنَهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ، قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَجَلُ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ مُعْتَادُ التَّنْجِيمِ قِيلَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ، وَقِيلَ يَبِيعُهُ وَلَا يُبَيِّنُهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ) مَا كَانَ إلَّا (حَالًّا) فِي الْعَقْدِ، أَمَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ بَاعَهُ بِلَا شَرْطِ أَجَلٍ فَلَمْ يَنْقُدْهُ إلَى شَهْرٍ مَطْلًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِالْأَلْفِ.
 
(قَوْلُهُ: وَمَنْ وَلَّى رَجُلًا شَيْئًا بِمَا قَامَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي بِكَمْ قَامَ عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَعْلَمَهُ الْبَائِعُ: يَعْنِي فِي الْمَجْلِسِ) مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ قَبِلَ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ) وَإِنْ كَانَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ (لَمْ يَتَقَرَّرْ) إنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِمُضِيِّ الْمَجْلِسِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ وَنَحْوَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِرَقْمِهِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الرَّقْمِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا لَهُ عَرْضِيَّةُ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ لَهُ عَرْضِيَّةُ الْفَسَادِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْلِسُ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ يُعْتَبَرُ الْوَاقِعُ فِي أَطْرَافِهِ كَالْوَاقِعِ مَعًا كَانَ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ: أَيْ بَيَانِ قَدْرِ الثَّمَنِ (كَتَأْخِيرِ الْقَبُولِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَتَّصِلُ بِالْإِيجَابِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْمَجْلِسِ، كَذَا هَذَا يَكُونُ سُكُوتُهُ عَنْ تَعْيِينِ الثَّمَنِ فِي تَحَقُّقِ الْفَسَادِ مَوْقُوفًا إلَى آخِرِهِ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فِيهِ اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ الَّذِي سَكَتَ فِيهِ عَنْهُ، وَإِنْ انْقَضَى قَبْلَهُ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ فَلَا يَنْقَلِبُ بَعْدَهُ صَحِيحًا (وَإِنَّمَا يَتَخَيَّرُ) بَعْدَ الْعِلْمِ فِي الْمَجْلِسِ (لِأَنَّ الرِّضَا لَمْ يَتِمَّ قَبْلَهُ) فَلَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ (كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لَمْ يَتِمَّ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَعِنْدَ وُجُودِهَا يَتَخَيَّرُ.
 
[فُرُوعٌ] اشْتَرَى ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى ذِرَاعٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى ذُرْعَانِهِ، وَلَوْ رَابَحَ عَلَى مَالِهِ نِسْبَةً مَعْلُومَةً مِنْهُ كَنِصْفِهِ ثُلُثُهُ ثَمَنُهُ جَازَ،.
 
وَلَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ بِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى النِّصْفَ الْآخَرَ بِمِائَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ أَيَّ النِّصْفَيْنِ شَاءَ مُرَابَحَةً عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَ كُلَّهُ مُرَابَحَةً عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَيَقُولُ قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ كُلِّهِ، وَلَوْ وَهَبَ لَهُ أَوْ حَطَّ عَنْهُ بَعْضَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ إلَّا عَلَى مَا بَقِيَ
(6/509)
 
 
(فَصْلٌ) وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَلَوْ بَاعَهُ الثَّمَنَ عَرْضًا أَوْ أَعْطَى بِهِ رَهْنًا فَهَلَكَ كَانَ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَوْ اشْتَرَى بِعَشَرَةٍ جِيَادٍ وَنَقَدَهُ زُيُوفًا فَتَجَوَّزَ بِهَا الْبَائِعُ فَلَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى عَشَرَةٍ جِيَادٍ، وَلَوْ وَهَبَ مَا اشْتَرَاهُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الْعَشَرَةِ، وَكَذَا إنْ بَاعَهُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ فَسَادِ بَيْعٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ لَهُ أَنْ يُرَابِحَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي كَانَ اشْتَرَى بِهِ،.
 
وَلَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا فَبَاعَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً؛ لِأَنَّهُ مَا عَادَ إلَى الْمِلْكِ الْمُسْتَفَادِ بِالشِّرَاءِ الْأَوَّلِ.
 
وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا فَرَضِيَ بِهِ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ لَهُ خِيَارٌ فَإِسْقَاطُهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْبَيْعِ مُرَابَحَةً كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ خِيَارُ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مُرَابَحَةً فَاطَّلَعَ عَلَى خِيَانَةٍ فَرَضِيَ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى مَا أَخَذَهُ بِهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الثَّابِتَ لَهُ مُجَرَّدُ خِيَارٍ.
 
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ وَهُوَ لَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ الْقَدْرِ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَلَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مَا يُبَاعُ بِمِثْلِهِ جَازَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ أَوْ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّلْحِ وَالشِّرَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ، لَكِنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَمَنُهُ وَجَبَ أَنْ يُرَابِحَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْمُرَابَحَةِ مَا كَانَ إلَّا لِتُهْمَةِ الْحَطِيطَةِ، فَإِذَا تَيَقَّنَ انْتِفَاءَهَا ارْتَفَعَ الْمَانِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ اشْتَرَيَا رِزْمَةَ ثِيَابٍ فَاقْتَسَمَاهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَبِيعَ مَا خَصَّهُ مُرَابَحَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَيَا مَكِيلًا جِنْسًا وَاحِدًا فَاقْتَسَمَاهُ حَيْثُ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَلَوْ اشْتَرَى الرِّزْمَةَ وَاحِدٌ فَقَوَّمَهَا ثَوْبًا ثَوْبًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَوْبًا مِنْهَا مُرَابَحَةً عَلَى مَا قُوِّمَ إلَّا مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ يَقُولُ: قِيمَةُ هَذَا أَلْفٌ أَوْ قُوِّمَ هَذَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَبِيعُك مُرَابَحَةً عَلَى هَذِهِ الْقِيمَةِ كَمَا مَرَّ فِي الرَّقْمِ بِأَزْيَدَ مِنْ ثَمَنِهِ، أَمَّا لَوْ أَسْلَمَ فِي ثَوْبَيْنِ وَوَصَفَهُمَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ أَحَدَهُمَا مُرَابَحَةً عَلَى نِصْفِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ نِصْفَ مَا اشْتَرَاهُ مُرَابَحَةً عَلَى نِصْف ثَمَنِهِ إنْ كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَهُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ كَطَعَامٍ أَكَلَ نِصْفَهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ بِالْإِجْزَاءِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ انْقِسَامَهُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ الْأَوْصَافِ: أَعْنِي الذُّرْعَانَ، وَلَا يَنْقَسِمُ الثَّمَنُ بِاعْتِبَارِهَا، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُرَابِحَ فِي نِصْفِ الْعَبْدِ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ، وَلَوْ اشْتَرَى ثِيَابًا صَفْقَةً وَاحِدَةً كُلُّ ثَوْبٍ بِكَذَا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَ كُلَّ وَاحِدٍ مُرَابَحَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُرَابِحُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَلَوْ بَاعَهُ بِوَضِيعَةِ ده يازده فَطَرِيقُهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ دِرْهَمٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا، فَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ عَشَرَةً فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مِائَةً وَعَشَرَةً فَتَسْقُطُ عَشَرَةٌ فَيَصِيرُ جُمْلَةُ الثَّمَنِ تِسْعَةً وَجُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ،
 
[فَصْلٌ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ]
(فَصْلٌ) (قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ) إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ إنَّهُ يَتَصَرَّفُ
(6/510)
 
 
لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فِيهِ لِتَكُونَ اتِّفَاقِيَّةً، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُجِيزُ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ إلَّا فِي الطَّعَامِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصَّ الطَّعَامَ بِالنَّهْيِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، وَفِي لَفْظٍ " حَتَّى يَقْبِضَهُ " قُلْنَا: قَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ: وَأَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَ الطَّعَامِ أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَئِمَّةُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَعَضَّدَ قَوْلَهُ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ إلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ابْتَعْت زَيْتًا فِي السُّوقِ، فَلَمَّا اسْتَوْجَبْته لَقِيَنِي رَجُلٌ فَأَعْطَانِي فِيهِ رِبْحًا حَسَنًا فَأَرَدْت أَنْ أَضْرِبَ عَلَى يَدِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي بِذِرَاعِي، فَالْتَفَتَ فَإِذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: لَا تَبِعْهُ حَيْثُ ابْتَعْته حَتَّى تَحُوزَهُ إلَى رَحْلِك، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: سَنَدُهُ جَيِّدٌ.
وَقَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ صَرَّحَ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ، وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَبْتَاعُ هَذِهِ الْبُيُوعَ وَأَبِيعُهَا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ؟ قَالَ: لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ حِبَّانَ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ابْنُ عِصْمَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُخَرِّجِينَ مِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُ ابْنَ عِصْمَةَ بَيْنَ ابْنِ مَاهَكَ وَحَكِيمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا، وَابْنُ عِصْمَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ مَجْهُولٌ، وَصَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ نَفْسِهِ عَنْ حَكِيمٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصَبْغَ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْنَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ الْجُشَمِيَّ حِجَازِيٌّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إنَّهُ ضَعِيفٌ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَكِلَاهُمَا مُخْطِئٌ، وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِصْمَةَ هَذَا بِالنُّصَيْبِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِصْمَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ، وَالْحَاجَةُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى دَلِيلِ التَّخْصِيصِ بِغَيْرِ الْعَقَارِ لِأَبِي حَنِيفَةَ يُذْكَرُ هُنَاكَ
(6/511)
 
 
وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ عَلَى اعْتِبَارِ الْهَلَاكِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، ثُمَّ عَلَّلَ الْحَدِيثَ (لِأَنَّ فِيهِ غَرَرَ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ) الْأَوَّلِ (عَلَى اعْتِبَارِ هَلَاكِ الْمَبِيعِ) قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَبَيَّنُ حِينَئِذٍ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، وَفِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَالْغَرَرُ: مَا طُوِيَ عَنْك عِلْمُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّا رَأَيْنَا التَّصَرُّفَ فِي إبْدَالِ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ جَائِزًا فَلَا يَضُرُّهَا غَرَرُ الِانْفِسَاخِ كَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَهْرِ لَهَا، وَبَدَلُ الْخُلْعِ لِلزَّوْجِ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إذْ كَانَتْ لَا تَنْفَسِخُ بِالْهَلَاكِ فَظَهَرَ أَنَّ السَّبَبَ مَا قُلْنَا، هَذَا وَقَدْ أَلْحَقُوا بِالْبَيْعِ غَيْرَهُ فَلَا تَجُوزُ إجَارَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا التَّصَدُّقُ بِهِ، خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ.
وَكَذَا إقْرَاضُهُ وَرَهْنُهُ مِنْ غَيْرِ بَائِعِهِ فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا أَجَازَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي الْأُجْرَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا إذَا كَانَتْ عَيْنًا أَوْلَى، فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْعِوَضِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا فِي الْإِجَارَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الدَّيْنِ إذَا كَانَ عَيْنًا، لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَأَنْ يُشْرِكَ فِيهِ غَيْرَهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا، وَمَا لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْعِوَضِ فَالتَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ، كَالْمَهْرِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ كُلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَيْنًا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ أَوْصَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَرِثَ عَنْهُ، فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ كُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالرَّهْنِ وَالْقَرْضِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَقَبَضَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ تَمَامَ هَذَا الْعَقْدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَالْمَانِعَ زَائِلٌ عِنْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِنَفْسِهِ وَقَاسَهُ بِهِبَةِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّهَا تَجُوزُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ إذْ لَا مَانِعَ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتَيْ جَازَ، وَيَكُونُ الْفَقِيرُ نَائِبًا عَنْهُ فِي الْقَبْضِ ثُمَّ قَابِضًا لِنَفْسِهِ
(6/512)
 
 
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا يَجُوزُ)
رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاعْتِبَارًا بِالْمَنْقُولِ وَصَارَ كَالْإِجَارَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ، وَلَا غَرَرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ فِي الْعَقَارِ نَادِرٌ، بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ، وَالْغَرَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ غَرَرُ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، وَالْحَدِيثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
بِخِلَافِ الْبَيْعِ، وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: الْبَيْعُ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ الْهِبَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّيُوعَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ يَمْنَعُ تَمَامَ الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَأَيْضًا هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ وَغَرَرُ الِانْفِسَاخِ يَمْنَعُ تَمَامَهُ فَكَانَ قَاصِرًا فِي حَقِّ إطْلَاقِ التَّصَرُّفِ، وَأَمَّا أَعْتِقْ عَنْ كَفَّارَتِي فَإِنَّهُ طَلَبُ التَّمْلِيكِ لَا تَصَرُّفٌ مَبْنِيَّ عَلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اُعْتُبِرَ الْغَرَرُ امْتَنَعَ بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ يَتَحَقَّقُ بِهِ قَبْلَهُ، وَيَزِيدُ بِاعْتِبَارِ الْهَلَاكِ أَيْضًا فَكَانَ أَكْثَرَ مَظَانًّا قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَعْدَهُ يَسُدُّ بَابَ الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ بَائِعِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ وَهَبَهُ يَجُوزُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مَجَازًا عَنْ الْإِقَالَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هَذَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ مُجَاوِرٍ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُوجِبَ الْفَسَادَ كَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ، أُجِيبُ بِأَنَّ الْغَرَرَ فِي الْمَبِيعِ لَا مُجَاوِرَ لَهُ، فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُشْتَرِي عَلَى تَقْدِيرِ الْهَلَاكِ، وَأُورِدَ عَلَى التَّأْثِيرِ أَنَّ بُعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: أَيُّ امْتِنَاعٍ فِيهِ فَلْيَكُنْ كَذَلِكَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ لَمْ يَصِحَّ فَيُتَرَادَّانِ، وَمِثْلُهُ وَاقِعٌ فِي الشُّفْعَةِ وَالْبَيْعِ بَعْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ.
 
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ (رُجُوعًا إلَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ) يَعْنِي عُمُومَهُ، وَهُوَ مَا فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضَهُ» بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمَنْقُولِ: أَعْنِي قَوْلَهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَعِ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إلَى رِحَالِهِمْ» وَلِلنَّهْيِ عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلَوْ بَاعَ الْعَقَارَ بِرِبْحٍ يَلْزَمُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَصَارَ بَيْعُ الْعَقَارِ كَإِجَارَتِهِ وَإِجَارَتُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا تَجُوزُ فَكَذَا بَيْعُهُ؛ وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ، وَلِهَذَا جَعَلَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْحَادِثِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمِلْكُ إنَّمَا يَتَأَكَّدُ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ، وَفِي هَذَا الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ سَوَاءٌ (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ (أَنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ) وَالْمَانِعَ الْمُثِيرَ لِلنَّهْيِ وَهُوَ غَرَرُ الِانْفِسَاخِ بِالْهَلَاكِ مُنْتَفٍ.
(فَإِنَّ هَلَاكَ الْعَقَارِ نَادِرٌ) وَالنَّادِرُ لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا يُبْنَى الْفِقْهُ بِاعْتِبَارِهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ إلَّا إذَا صَارَ بَحْرًا وَنَحْوُهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنَّ جَوَابَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَصِيرَ بَحْرًا أَوْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الرِّمَالُ، فَأَمَّا فِي مَوْضِعٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ ذَكَرَهُ الْمَحْبُوبِيُّ وَفِي الِاخْتِيَارِ: حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ أَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عُلُوًّا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ
(6/513)
 
 
مَعْلُولٌ بِهِ عَمَلًا بِدَلَائِل الْجَوَازِ وَالْإِجَارَةِ، قِيلَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ؛ وَلَوْ سَلَّمَ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ الْمَنَافِعُ وَهَلَاكُهَا غَيْرُ نَادِرٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ (مَعْلُولٌ بِهِ) أَيْ بِغَرَرِ الِانْفِسَاخِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَمْتَنِعُ بِالْغَرَرِ نَافِذٌ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ الْعِتْقُ وَالتَّزَوُّجُ عَلَيْهِ، وَبِهِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ إنَّ تَأَكُّدَ الْمِلْكِ بِتَأَكُّدِ السَّبَبِ، وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي اسْتِدْعَاءِ مِلْكٍ تَامٍّ فَوْقَ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ الْعِتْقُ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: التَّزَوُّجُ لَا يَبْطُلُ بِالْغَرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَهْرُ الْمُعَيَّنُ لَزِمَ الزَّوْجَ قِيمَتُهُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ، وَأُورِدَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَإِنَّهُ تَخْصِيصُ عُمُومِهِ فَيُؤَدِّي إلَى تَقْدِيمِ الْقِيَاسِ، وَالْمَعْنَى عَلَى النَّصِّ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، الْجَوَابُ أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ أَشْيَاءَ: مِنْهَا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَكَذَا الْمَهْرُ يَجُوزُ لَهَا بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ، وَكَذَا الزَّوْجُ فِي بَدَلِ الْخُلْعِ، وَكَذَا رَبُّ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ إذَا مَلَكَهُ غَيْرُهُ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ جَازَ، وَكَذَا أَخْذُ الشَّفِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمَلُّكَهُ حِينَئِذٍ شِرَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ
(6/514)
 
 
قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوْ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرَى مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ) «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَذَلِكَ لِلْبَائِعِ وَالتَّصَرُّفُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
فَلَوْ كَانَ الْعَقَارُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَمْ يَثْبُتْ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الْأَخْذِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا يَخْرُجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ بِالْإِجَارَةِ فَفِي مَنْعِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ مَنْعٌ فَإِنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَالصَّحِيحُ كَمَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنَّ الْمَنَافِعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْقُولِ وَالْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَفِي الْكَافِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى: وَإِذَا عُرِفَ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَفِي الْمَبِيعِ لَا يَجُوزُ كَانَ تَتْمِيمُهُ بِأَنْ يَذْكُرَ هُنَا مَا يُمَيِّزُ الْمَبِيعَ عَنْ الثَّمَنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّفَ فَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانٌ أَبَدًا وَذَوَاتُ الْقِيَمِ مَبِيعَةٌ أَبَدًا وَالْمِثْلِيَّاتُ مِنْ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْمَعْدُودَاتِ الْمُتَقَارِبَةِ إذَا قُوبِلَتْ بِالنَّقْدِ مَبِيعَةٌ أَوْ بِالْأَعْيَانِ وَهِيَ مُعَيَّنَةُ ثَمَنٍ أَوْ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فَمَبِيعَةٌ، كَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْت كُرًّا مِنْ الْحِنْطَةِ بِهَذَا الْعَبْدِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِشَرَائِطِ السَّلَمِ، وَقِيلَ الْمِثْلِيَّاتُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً وَقُوبِلَتْ بِغَيْرِهَا ثَمَنٌ مُطْلَقًا، وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا الْبَاءُ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْأَثْمَانُ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ اسْتِبْدَالًا فِي غَيْرِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْقَرْضِ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَالْمَبِيعَاتُ تَقَدَّمَ حَالُهَا عِنْدَ ذِكْرِنَا الْإِلْحَاقَ، وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا وَسَلَّمَهُ ثُمَّ أَقَالَ فَبَيْعُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ، وَمِنْ الْأَجْنَبِيِّ لَا يَجُوزُ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْبَيْعَ مَتَى انْفَسَخَ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ فَبَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَمَا هُوَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَ