الدر المنثور للسيوطي ج ص معتمد 011

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
وأخرج الخطيب في تاريخه عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد.
وأخرج أبو يعلى عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر الذباب أربعون يوما والذباب كله في النار إلا النحل.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف من طريق مجاهد عن عبيد بن عمير أو ابن عمر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : كل الذباب في النار إلا النحل وكان ينهى عن قتلها.
وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الذباب كلها في النار إلا النحل.
وأخرج ابن جرير عن علي رضي الله عنه في قوله : {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} قال :
(9/78)
1
خمس وسبعون سنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} الآية ، أرذل العمر هو الخوف.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن عكرمة قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر ثم قرأ {لكي لا يعلم بعد علم شيئا}.
وأخرج ابن أبي شيبة ، عَن طاووس قال : إن العالم لا يخرف.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الملك بن عمير قال : كان يقال أن أبقى الناس عقولا قراء القرآن.
وأخرج البخاري ، وَابن مردويه عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر وعذاب القبر وفتنة الدجال وفتنة المحيا وفتنة الممات.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم
(9/79)
1
أعوذ بالله من دعاء لا يسمع ومن قلب لا يخشع ومن علم لا ينفع ومن نفس لا تشبع اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع ، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة ، وأعوذ بك من الكسل والهرم والبخل والجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدجال وعذاب القبر.
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المولود حتى يبلغ الحنث ما يعمل من حسنة أثبت لوالده أو لوالديه وإن عمل سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه فإذا بلغ الحنث وجرى عليه القلم أمر الملكان اللذان معه فحفظاه وسددا فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام آمنه الله من البلايا الثلاثة : من الجنون والجذام والبرص فإذا بلغ الخمسين ضاعف الله حسناته فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه فيما يحب فإذا بلغ سبعين أحبه أهل السماء فإذا بلغ
(9/80)
1
تسعين سنة غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفعه في أهل بيته وكان اسمه عنده أسير الله في أرضه فإذا بلغ إلى أرذل العمر {لكي لا يعلم بعد علم شيئا} كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير وإن عمل سيئة لم تكتب عليه.
الآية 71.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} الآية ، يقول : لم يكونوا يشركون عبيدهم في أموالهم ونسائهم وكيف تشركون عبيدي معي في سلطاني.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال : هذا مثل الآلهة الباطل مع الله.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} الآية ، قال : هذا مثل ضربه الله فهل منكم من أحد يشارك مملوكه في زوجته وفي فراشه أفتعدلون بالله خلقه وعباده فإن لم ترض لنفسك هذا فالله أحق أن تبرئه من ذلك ولا تعدل بالله
(9/81)
1
أحدا من عباده وخلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء الخراساني في الآية ، قال : هذا مثل ضربه الله في شأن الآلهة فقال كيف تعدلون بي عبادي ولا تعدلون عبيدكم بأنفسكم وتردون ما فضلتم به عليهم فتكونون أنتم وهم في الرزق سواء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري اقنع برزقك في الدنيا فإن الرحمن فضل بعض عباده على بعض في الرزق بلاء يبتلى به كلا فيبتلى به من بسط له كيف شكره فيه وشكره لله أداؤه الحق الذي افترض عليه مما رزقه وخوله.
الآية 72.
أَخرَج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا} قال : خلق آدم ثم خلق زوجته منه.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور والبخاري في تاريخه ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن مسعود في قوله : {بنين وحفدة} قال الحفدة الأختان.
(9/82)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحفدة الأصهار.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحفدة الولد وولد الولد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الحفدة بنو البنين.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : {وحفدة} قال : ولد الولد وهم الأعوان قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول : حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال.
وَأخرَج ابن جرير عن أبي حمزة قال : سئل ابن عباس عن قوله : {بنين وحفدة} قال : من أعانك فقد حفدك أما سمعت قول الشاعر : حفد الولائد حولهن وأسلمت * بأكفهن أزمة الاجمال.
وَأخرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس قالك الحفدة بنو امرأة الرجل ليسوا منه.
(9/83)
1
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن أبي مالك قال : الحفدة الأعوان.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الحفدة الخدم.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال : الحفدة البنون وبنو البنون ومن أعانك من أهل أو خادم فقد حفدك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {أفبالباطل يؤمنون} قال : الشرك.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : {أفبالباطل يؤمنون} قال : الشيطان {وبنعمة الله} قال : محمد.
الآية 73 - 77
أخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض} قال : هذه الأوثان التي تعبد من دون الله لا تملك لمن يعبدها رزقا ولا ضرا ولا نفعا ولا حياة ولا نشورا {فلا تضربوا لله الأمثال} فإنه أحد صمد (لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) (الصمدية : 3 الآية).
(9/84)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {فلا تضربوا لله الأمثال} يعني اتخاذهم الأصنام ، يقول : لا تجعلوا معي إلها غيري فإنه لا إله غيري.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} يعني الكافر أنه لا يستطيع أن ينفق نفقة في سبيل الله {ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا} يعني المؤمن وهو المثل في النفقة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (وضرب الله مثلا عبدا مملوكا) قال : هذا مثل ضربه الله للكافر رزقه الله مالا فلم يقدم فيه خيرا ولم يعمل فيه بطاعة الله ، {ومن رزقناه منا رزقا حسنا} قال : هو المؤمن أعطاه الله مالا رزقا حلالا فعمل فيه بطاعة الله وأخذه بشكر ومعرفة حق الله فأثابه الله على ما رزقه الرزق المقيم الدائم لأهله في الجنة ، قال الله : {هل يستويان مثلا} قال : لا والله لا يستويان.
(9/85)
1
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا} و{رجلين أحدهما أبكم} {ومن يأمر بالعدل} قال : كل هذا مثل إله الحق وما يدعون من دونه الباطل.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} قال : يعني بذلك الآلهة التي لا تملك ضرا ولا نفعا ولا تقدر على شيء ، ينفعها ومن رزقنا منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا قال علانية المؤمن الذي ينفق سرا وجهرا لله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} قال الصنم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال : إن الله ضرب الأمثال على حسب الأعمال فليس عمل صالح إلا له المثل الصالح وليس عمل سوء إلا له مثل سوء وقال : إن مثل العالم المتفهم كطريق بين شجر وجبل فهو مستقيم لا يعوجه شيء فذلك مثل العبد المؤمن الذي قرأ القرآن وعمل به.
(9/86)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه ، وَابن عساكر ، عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} في رجل من قريش وعبده في هشام بن عمر وهو الذي ينفق ماله سرا وجهرا وفي عبد أبي الجوزاء الذي كان ينهاه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ليس للعبد طلاق إلا بإذن سيده ، وقرأ {عبدا مملوكا لا يقدر على شيء}.
وأخرج البيهقي في "سُنَنِه" ، عن ابن عباس أنه سئل عن المملوك يتصدق بشيء قال : {ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء} لا يتصدق بشيء.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم} إلى آخر الآية ، يعني بالأبكم الذي {وهو كل على مولاه} الكافر ، وبقوله : {ومن يأمر بالعدل} المؤمن ، وهذا المثل في الأعمال.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه وابن
(9/87)
1
عساكر عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم} في رجلين أحدهما عثمان بن عفان ومولى له كافر وهو أسيد بن أبي العيص كان يكره الإسلام وكان عثمان ينفق عليه ويكفله ويكفيه المؤنة وكان الآخر ينهاه عن الصدقة والمعروف فنزلت فيهما.
وأخرج ابن سعد ، وَابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله : {ومن يأمر بالعدل} قال : عثمان بن عفان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : هذا مثل ضربه الله للآلهة أيضا ، أما الأبكم فالصنم فإنه أبكم لا ينطق {وهو كل على مولاه} ينفقون عليه وعلى من يأتيه ولا ينفق عليهم ولا يرزقهم {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} وهو الله.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن قتادة في قوله : {أحدهما أبكم} قال : هو الوثن {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} قال : الله.
وأخرج ابن أبي حاتم ، وَابن المنذر عن ابن عباس في قوله : {كل} قال : الكل العيال ، كانوا إذا ارتحلوا حملوه على بعير ذلول وجعلوا معه نفرا
(9/88)
1
يمسكونه خشية أن يسقط فهو عناء وعذاب وعيال عليهم {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم} يعني نفسه.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود أنه قرأ خبر.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر} هو أن يقول : كن أو أقرب فالساعة {كلمح البصر أو هو أقرب}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {كلمح البصر} يقول : كلمح ببصر العين من السرعة ، أو {أقرب} من ذلك إذا أردنا.
(9/89)
1
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} قال : هو أقرب وكل شيء في القرآن أو فهو هكذا (مائة ألف أو يزيدون) والله أعلم.
الآية 78.
أَخْرَج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم} قال : من الرحم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون} قال : كرامة أكرمكم الله بها فاشكروا نعمه.
وأخرج أحمد ، وَابن ماجه ، وَابن حبان والطبراني ، وَابن مردويه عن حبة وسواء ابني خالد أنهما أتيا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : وهو يعالج بناء فقال لهما : هلم فعالجا معه فعالجا فلما فرغ أمر لهم بشيء وقال لهما : لا تيأسا من الرزق ما تهزهزت رؤوسكما ، فإنه ليس من مولود يولد من أمة إلا أحمر ليس عليه قشرة ثم يرزقه الله ، $
(9/90)
1
الآية 79.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {في جو السماء} في كبد السماء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {في جو السماء} قال : جوف السماء {ما يمسكهن إلا الله} قال : يمسكه الله على كل ذلك والله أعلم بالصواب.
الآية 80.
أَخْرَج ابن ابي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا} قال : تسكنون فيها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {جعل لكم من بيوتكم سكنا} قال : تسكنون وتقرون فيها {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا} وهي خيام الأعراب {تستخفونها} يقول في الحمل {ومتاعا إلى حين} قال : إلى الموت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {تستخفونها يوم ظعنكم} قال بعض : بيوت السيارة في ساعة وفي قوله : {وأوبارها} قال :
(9/91)
1
الإبل {وأشعارها} قال : الغنم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {أثاثا} قال : الأثاث المال {ومتاعا إلى حين} يقول تنتفعون به إلى حين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر عن عطاء قال : إنما أنزل القرآن على قدر معرفة العرب ، ألا ترى إلى قوله : {ومن أصوافها وأوبارها} وما جعل الله لهم من غير ذلك أعظم منه وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب وبر وشعر ، ألا ترى إلى قوله : {والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا} وما جعل من السهل أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب جبال ، إلا ترى إلى قوله : {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر} وما يقي البرد أعظم وأكثر ولكنهم كانوا أصحاب حر ، ألا ترى إلى قوله : (من جبال فيها من برد) يعجبهم بذلك وما أنزل من الثلج أعظم وأكثر ولكنهم كانوا لا يعرفونه.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {ومتاعا إلى حين} قال : إلى أجل وبلغة.
(9/92)
1
الآية 81 - 83.
أَخرَج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {والله جعل لكم مما خلق ظلالا} قال : من الشجر ومن غيرها
{وجعل لكم من الجبال أكنانا} قال : غارات يسكن فيها ، {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر} من القطن والكتان والصوف {وسرابيل تقيكم بأسكم} من الحديد {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} ولذلك هذه السورة تسمى سورة النعم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الكسائي عن حمزة عن الأعمش وأبي بكر وعاصم أنهم قرأوا {لعلكم تسلمون} برفع التاء من أسلمت.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {سرابيل تقيكم الحر} قال : يعني الثياب {وسرابيل تقيكم بأسكم} قال : يعني الدروع والسلاح {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} يعني من الجراحات ، وكان ابن عباس يقرؤها {تسلمون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه : أن أعرابيا أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسأله فقرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا} قال الأعرابي :
(9/93)
1
نعم قال : {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها} قال الأعرابي : نعم ثم قرأ عليه كل ذلك يقول نعم حتى بلغ {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} فولى الأعرابي فأنزل الله {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون}.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} قال : هي المساكن والأنعام وما ترزقون منها وسرابيل من الحديد والثياب تعرف هذا كفار قريش ثم تنكره بأن تقول : هذا كان لآبائنا فورثونا إياه.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في الآية قال : يعلمون أن خلقهم وأعطاهم بعدما أعطاهم يكفرون فهو معرفهم نعمته ثم إنكارهم إياها كفرهم بعد.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن عون بن عبد الله في قوله : {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} قال : إنكارهم إياها أن يقول الرجل : لولا فلان أصابني كذا وكذا ولولا فلان لم أصب كذا وكذا.
(9/94)
1
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن السدي في
قوله : {يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} قال محمد : ولفظ ابن أبي حاتم قال : هذا في حديث أبي جهل والأخنس حين سأل الأخنس أبا جهل عن محمد : فقال : هو نبي.
الآية 84 - 90.
أَخرَج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {ويوم نبعث من كل أمة شهيدا} قال : شهيدها نبيها على أنه قد بلغ رسالات ربه ، قال الله : {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن العالية في قوله : {وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولا هم ينظرون} قال : هذا كقوله : (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون).
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {فألقوا إليهم القول} قال : حدثوهم.
(9/95)
1
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} قال : استسلموا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {وألقوا إلى الله يومئذ السلم} يقول : ذلوا واستسلموا يومئذ.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ، وَابن أبي شيبة وهناد بن السري وأبو يعلى ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود في قوله : {زدناهم عذابا فوق العذاب} قال : زيدوا عقارب لها أنياب كالنخل الطوال.
وأخرج ابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص عن البراء أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله : {زدناهم عذابا فوق العذاب} قال : عقارب أمثال النخل الطوال ينهشونهم في جهنم.
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : أفاعي في النار.
(9/96)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية : إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار فإذا أتوه تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم وأفاع كأنهن البخاتي فضربنهم فذلك الزيادة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن عبيد بن عمير قال : إن في جهنم لجبابا فيها حيات أمثال البخت وعقارب أمثال البغال يستغيث أهل النار من تلك الجباب إلى الساحل فتثبت إليهم فتأخذ جباههم وشفارهم فكشطت لحومهم إلى أقدامهم فسيتغيثون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حرها فترجع وهي في أسراب.
وأخرج ابن أبي شيبة وهناد عن مجاهد مثله.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن عمرو قال : إن لجهنم سواحل فيها
(9/97)
1
حيات وعقارب أعناقها كأعناق البخت.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأعمش عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى فيها فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل : مكانك حتى تتحف فيسقى كأسا من سم الأساود والعقارب فيتميز الجلد على حدة والشعر على حدة والعصب على حدة والعروق على حدة.
وأخرج أبو يعلى ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {زدناهم عذابا فوق العذاب} قال : خمسة أنهار من نار صبها الله عليهم يعذبون ببعضها بالليل وببعضها بالنهار.
وأخرج ابن مردويه ، عَن جَابر عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : الزيادة خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار فذلك قوله : {زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون}.
وأخرج ابن مردويه عن مجاهد قال : قال ابن عباس : أتدري ما سعة جهنم قلت : لا ، قال : إن ما بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين
(9/98)
1
خريفا تجري أودية القيح والدم ، قلت له : الأنهار قال : لا ، بل الأودية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : إن الله أنزل في هذا الكتاب تبيانا لكل شيء ولقد عملنا بعضا مما بين لنا في القرآن ، ثم تلا {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء}.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وَابن الضريس في فضائل القرآن ومحمد بن نصر في كتاب الله والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : من أراد العلم فليتنور القرآن فإنه فيه علم الأولين والآخرين.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : لا تهذوا القرآن كهذا الشعر ولا تنثروه نثر الدقل وقفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن هذا القرآن مأدبة الله فمن
(9/99)
1
دخل فيه فهو آمن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : إن هذه القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر عن مجاهد في قوله : {تبيانا لكل شيء} قال : مما أمروا به ونهوا عنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله : {ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} قال : بالسنة.
وأخرج أحمد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله جالسا إذ شخص بصره فقال : أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من السورة {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله : {تذكرون}.
وأخرج أحمد والبخاري في الأدب ، وَابن أبي حاتم والطبراني ، وَابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : بينما رسول الله بفناء بيته جالسا إذ مر به عثمان بن مظعون رضي الله عنه فجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينما هو يحدثه إذ شخص
(9/100)
1
بصره إلى السماء فنظر ساعة إلى السماء فأخذ يضع بصره حتى وضعه على يمينه في الأرض فتحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جليسه عثمان إلى حيث وضع رأسه فأخذ ينفض رأسه كأنه يستفقه ما يقال له فلما قضى حاجته شخص بصر رسول الله إلى السماء كما شخص أول مرة فاتبعه بصره حتى توارى في السماء فأقبل إلى عثمان كجلسته الأولى فسأله عثمان رضي الله عنه فقال : أتاني جبريل آنفا ، قال : فما قال لك قال : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى قوله : {تذكرون} قال عثمان رضي الله عنه : فذلك حين استقر الإيمان في قلبي وأحببت محمدا.
وأخرج الباوردي ، وَابن السكن ، وَابن منده وأبو نعيم في معرفة الصحابة عن عبد الملك بن عمير رضي الله عنه قال : بلغ أكثم بن صيفي مخرج رسول الله فأراد أن يأتيه ، فأتى قومه فانتدب رجلين فأتيا رسول الله فقالا : نحن رسل أكثم يسألك من أنت وما جئت به فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنا محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله ثم تلا عليهما هذه الآية {إن الله يأمر بالعدل
(9/101)
1
والإحسان} إلى قوله : {تذكرون} قالا : ردد علينا هذا القول ، فردده عليهما حتى حفظاه فأتيا أكثم فأخبراه ، فلما سمع الآية قال : إني أراه يأمر بمكارم الأخلاق وينهى عن ملائمها فكونوا في هذا الأمر رؤوساء ولا تكونوا فيه أذنابا ، ورواه الأموي في مغازيه وزاد فركب متوجها إلى النَّبِيّ فمات في الطريق : قال : ويقال نزلت فيه هذه الآية (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت) (النساء آية 100) الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {إن الله يأمر بالعدل} قال : شهادة أن لا إله إلا الله {والإحسان} قال : أداء الفرائض {وإيتاء ذي القربى} قال : إعطاء ذوي الرحم الحق الذي أوجبه الله عليك بسبب القرابة والرحم {وينهى عن الفحشاء} قال : الزنا {والمنكر} قال : الشرك {والبغي} قال : الكبر والظلم : {يعظكم} يوصيكم {لعلكم تذكرون}.
(9/102)
1
وأخرج سعيد بن منصور والبخاري في الأدب ومحمد بن نصر في الصلاة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه في شعب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : أعظم آية في كتاب الله تعالى {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} آل عمران 2 وأجمع آية في كتاب الله للخير والشر - الآية التي في النحل - {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وأكثر آية في كتاب الله تفويضا {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} الطلاق 2 - 3 وأشد آية في كتاب الله رجاء {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} الزمر 53 الآية.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الحسن رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} إلى آخرها ثم قال : إن الله عز وجل جمع لكم الخير كله والشر كله في آية واحدة فوالله ما ترك العدل والإحسان من طاعة الله شيئا إلا جمعه ولا ترك الفحشاء والمنكر والبغي من معصية الله شيئا إلا جمعه.
وأخرج ابن النجار في تاريخه من طريق العكلي عن أبيه قال : مر
(9/103)
1
علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوم يتحدثون فقال : فيم أنتم فقالوا : نتذاكر المروءة فقال : أو ما كفاكم الله عز وجل ذاك في كتابه إذ يقول الله : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} فالعدل الإنصاف ، والإحسان التفضل فما بقي بعد هذا.
وَأخرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} الآية ، قال : ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به
ويعظمونه ويخشونه إلا أمر الله به وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدم فيه وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال : دعاني عمر بن عبد العزيز فقال : صف لي العدل فقلت : بخ ، سألت عن أمر جسيم كن لصغير الناس أبا ولكبيرهم ابنا وللمثل منهم أخا وللنساء كذلك وعاقب الناس على قدر ذنوبهم وعلى قدر أجسادهم ولا تضربن بغضبك سوطا واحدا متعديا فتكون من العادين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال : قال عيسى ابن مريم إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك والله أعلم.
الآية 91
(9/104)
1
أخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن مزيدة بن جابر في قوله : {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} قال : نزلت هذه الآية في بيعة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان من أسلم بايع على الإسلام فقال : {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} فلا تحملنكم قلة محمد وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} قال : تغليظها في الحلف : {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} قال : وكيلا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن قتادة في قوله : {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يقول : بعد تشديدها وتغليظها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها} يعني بعد وتغليظها وتشديدها {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} يعني في العهد شهيدا والله أعلم بالصواب.
الآية 92 - 96
(9/105)
1
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص قال : كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} الآية.
وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح قال : قال لي ابن عباس : يا عطاء ألا أريك امرأة من أهل الجنة فأراني حبشية صفراء فقال : هذه أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن بي هذه الموتة - يعني الجنون - فادع الله أن يعافيني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت دعوت الله فعافاك وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة فاختارت الصبر والجنة قال : وهذه المجنونة سعيدة الأسدية وكانت تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله : {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال : خرقاء كانت بمكة تنقضه بعدما تبرمه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال : كانت امرأة بمكة كانت تسمى خرقاء مكة كانت
(9/106)
1
تغزل فإذا أبرمت غزلها تنقضه.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال : نقضت حبلها بعد إبرامها إياه.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في الآية : لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم : ما أحمق هذه ، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده ، وفي قوله : {تتخذون أيمانكم دخلا بينكم} قال : خيانة وغدرا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {أن تكون أمة هي أربى من أمة} قال : ناس أكثر من ناس.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {أن تكون أمة هي أربى من أمة} قال : كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز فنهوا عن ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال : ولا تكونوا في
(9/107)
1
نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال : {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول : إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول
(9/108)
1
عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود قال : إياكم وأرأيت فإنما هلك من كان قبلكم بأرأيت ولا تقيسوا الشيء بالشيء {فتزل قدم بعد ثبوتها} وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل : لا أعلم فإنه ثلث العلم.
الآية 97.
أَخرَج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن هذه الآية {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} قال : الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا ، وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله : {فلنحيينه حياة طيبة} قال : الحياة الطيبة الرزق الحلال في هذه الحياة الدنيا وإذا صار إلى ربه جازاه بأحسن ما كان يعمل.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه في قوله : {فلنحيينه حياة طيبة} قال : يأكل حلالا ويشرب حلالا ويلبس حلالا.
(9/109)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {حياة طيبة} قال : الكسب الطيب والعمل الصالح.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {حياة طيبة} قال : السعادة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {فلنحيينه حياة طيبة} قال : القنوع ، قال : وكان رسول الله يدعو : اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف على كل غائبة لي بخير.
وأخرج وكيع في الغرر عن محمد بن كعب القرظي في قوله : {فلنحيينه حياة طيبة} قال : القناعة.
وأخرج وكيع ، عَن جَابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : القناعة مال لا ينفد وكنز لا يفنى " .
(9/110)
1
وأخرج ابن عساكر عن الحسن في قوله : (فلنحيينه حياة طيبة) . قال : لنرزقنه قناعة يجد لذتها في قلبه ..
وأخرج مسلم عن ابن عمرو أن رسول الله قال : قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه.
وأخرج الترمذي والنسائي عن فضاة بن عبيد أنه سمع رسول الله يقول : قد أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به.
وأخرج وكيع في الغرر ، عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله : القناعة مال لا ينفد.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله : {حياة طيبة} قال : ما تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة.
وأخرج العسكري في الأمثال عن سعيد بن جبير : (فلنحيينه حياة طيبة) . قال : لا تحوجه إلى أحد .
(9/111)
1
الآية 98.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} قال : هذا دليل من الله دل عليه عباده.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، وَابن المنذر عن عطاء قال : الاستعاذة واجبة لكل قراءة في الصلاة أو غيرها من أجل قوله : {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}.
وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في "سُنَنِه" عن جبير بن مطعم : أن النَّبِيّ لما دخل في الصلاة كبر ثم قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يتعوذ يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأخرج أبو داود والبيهقي عن أبي سعيد قال : كان رسول الله إذا قام من الليل فاستفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله إلا غيرك ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
(9/112)
1
وأخرج أبو داود والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها في ذكر الأفك قالت :
جلس رسول الله وكشف عن وجهه وقال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (إن الذين جاؤوا بالأفك عصبة منكم) (النور آية 11) الآيات.
الآية 99 - 100.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن سفيان الثوري في قوله : {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا} قال : ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر لهم.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {إنما سلطانه على الذين يتولونه} قال : حجته على الذين يتولونه {والذين هم به مشركون} قال : يعدلونه برب العالمين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {إنما سلطانه على الذين يتولونه} يقول : سلطان الشيطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال : إن
(9/113)
1
عدو الله إبليس حين غلبت عليه الشقاوة قال : (لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) (ص آية 82 - 83) فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل وإنما سلطانه على قوم اتخذوه وليا فأشركوه في أعمالهم.
الآية 101 - 102.
أَخرَج أبو داود في ناسخه ، وَابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله : {وإذا بدلنا آية مكان آية} وقوله : (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعدما
فتنوا) (النحل 110) قال : عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان فلحق بالكفار ، وأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم الفتح فاستجار له عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاره.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {وإذا بدلنا آية مكان آية} قال : هو كقوله (ما ننسخ من آية أو ننسها) (البقرة آية 106).
(9/114)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {وإذا بدلنا آية مكان آية} قال : هذا في الناسخ والمنسوخ ، قال : إذا نسخنا آية وجئنا بغيرها ، قالوا ما بالك قلت : كذا وكذا ثم نقضته أنت تفتري ، قال الله : {والله أعلم بما ينزل}.
الآية 103 - 105.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قينا بمكة اسمه بلعام وكان عجمي اللسان ، فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده فقالوا : إنما يعلمه بلعام فأنزل الله {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس في قوله : {إنما يعلمه بشر} قال : قالوا إنما يعلم محمدا عبدة بن الحضرمي - وهو صاحب الكتب - فقال الله : {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : كان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقرئ غلاما لبني المغيرة
(9/115)
1
أعجميا يقال له مقيس ، وأنزل الله {ولقد نعلم أنهم يقولون} الآية.
وأخرج آدم بن أبي إياس ، وَابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن مجاهد {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر}
قال : قول قريش : إنما يعلم محمدا بن الحضرمي وهو صاحب كتب {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي} يتكلم بالرومية {وهذا لسان عربي مبين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : يقولون إنما يعلم محمدا عبدة بن الحضرمي كان يسمى مقيس.
(9/116)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال : كانوا يقولون : إنما يعلمه سلمان الفارسي وأنزل الله {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : إن الذي ذكر الله في كتابه أنه قال : {إنما يعلمه بشر} إنما افتتن من أنه كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يملي عليه سميع عليم أو عزيز حكيم أو نحو ذلك من خواتيم الآية ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : يا رسول الله أعزيز حكيم أو سميع عليم فيقول : أي ذلك كتبت فهو كذلك فافتتن وقال : إن محمدا ليكل ذلك إلي فأكتب ما شئت ، فهذا الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آذاه أهل مكة دخل على عبد لبني الحضرمي يقال له : أبو يسر كان نصرانيا وكان قد قرأ التوراة والإنجيل فساءله وحدثه ، فلما رآه المشركون يدخل عليه قالوا : يعلمه أبو اليسر ، قال الله : {وهذا لسان عربي مبين} ولسان أبي اليسر أعجمي.
(9/117)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن معاوية بن صالح قال : ذكر الكذب عند أبي أمامة فقال : اللهم عفوا أما تسمعون الله يقول : {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون}.
وأخرج الخرائطي في مساوئ الأخلاق ، وَابن عساكر في تاريخه عن عبد الله بن جراد أنه سأل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : هل يزني المؤمن قال : قد يكون ذلك ، قال : هل يسرق المؤمن قال : قد يكون ذلك ، قال : هل يكذب المؤمن قال : لا ، ثم أتبعها نبي الله صلى الله عليه وسلم {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عبد الله بن جراد قال : قال أبو الدرداء يا
رسول الله هل يكذب المؤمن قال : لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر من إذا حدث كذب.
وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : أخوف ما أخاف عليكم ثلاثا : رجل آتاه الله القرآن حتى إذا رأى بهجته وتردى الإسلام أعاره الله ما شاء اخترط سيفه وضرب جاره ورماه بالكفر.
(9/118)
1
قالوا : يا رسول الله أيهما أولى بالكفر الرامي أو المرمي به قال : الرامي وذو خليفة قبلكم آتاه الله سلطانه فقال : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله وكذب ما جعل الله خليفة حبه دون الخالق ورجل استهوته الأحاديث كلما كذب كذبة وصلها بأطول منها فذاك الذي يدرك الدجال فيتبعه.
الآية 106 - 110.
أَخْرَج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن ابن عباس قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر إلى المدينة قال لأصحابه : تفرقوا عني فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل ومن لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض فالحقوا بي ، فأصبح بلال المؤذن وخباب وعمار وجارية من قريش كانت أسلمت أصبحوا بمكة فأخذهم المشركون وأبو جهل فعرضوا
على بلال أن يكفر فأبى فجعلوا يضعون درعا من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه فإذا ألبسوها إياه قال : أحد ، أحد.
وَأَمَّا خباب فيجعلوا يجرونه في الشوك وأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيه وأما الجارية فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة في قبلها حتى قتلها ثم خلوا عن بلال وخباب وعمار فلحقوا
(9/119)
1
برسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بالذي كان من أمرهم واشتد على عمار الذي كان تكلم به ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت : أكان منشرحا بالذي قلت أم لا قال : لا ، قال : وأنزل الله {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن سعد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النَّبِيّ وذكر آلهتهم ، بخير ثم تركوه فلما أتى النَّبِيّ قال : ما وراءك شيء قال : شر ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال : كيف تجد قلبك قال : مطمئن بالإيمان ، قال : إن عادوا فعد ، فنزلت {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين : أن النَّبِيّ لقي عمارا وهو
(9/120)
1
يبكي فجعل يمسح عن عينيه ويقول : أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا ، فإن عادوا فقل ذلك لهم.
وأخرج ابن سعد عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر في قوله : {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} قال : ذلك عمار بن ياسر وفي قوله : {ولكن من شرح بالكفر صدرا} قال : ذاك عبد الله بن أبي سرح.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن أبي مالك في قوله : {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} قال : نزلت في عمار بن ياسر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحكم {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} قال : نزلت في عمار.
وأخرج ابن جرير عن السدي أن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثم ارتد فلحق بالمشركين ووشى بعمار وخباب عند ابن الحضرمي أو ابن عبد الدار فأخذوهما وعذبوهما حتى كفرا فنزلت {إلا من أكره وقلبه مطمئن
(9/121)
1
بالإيمان}.
وأخرج مسدد في مسنده ، وَابن المنذر ، وَابن مردويه عن أبي المتوكل الناجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عمار بن ياسر إلى بئر للمشركين يستقي منها وحولها ثلاث صفوف يحرسونها فاستقى في قربة ثم أقبل فأخذوه فأرادوه على أن يتكلم بكلمة الكفر فأنزلت هذه الآية فيه {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن عساكر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآية {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} نزلت في عمار بن ياسر أخذه بنو المغيرة فغطوه في بئر وقالوا : اكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فأتبعهم على ذلك وقلبه كاره فنزلت ،.
وَأخرَج ابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين قال : نزلت هذه الآية {إلا من أكره} في عياش بن أبي ربيعة.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة : أن هاجروا فإنا لا نرى أنكم منا حتى تهاجروا إلينا فخرجوا يريدون
(9/122)
1
المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم فكفروا مكرهين ففيهم نزلت هذه الآية.
وأخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم قال : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول وكان أبو فكهية يعذب حتى لا يدري ما يقول وبلال وعامر ، وَابن فهيرة وقوم من المسلمين وفيهم نزلت هذه الآية {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في "سُنَنِه" من طريق علي عن ابن عباس في قوله : {من كفر بالله} الآية قال : أخبر الله سبحانه أن {من كفر بالله من بعد إيمانه} فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم فأما من أكره فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه فلا حرج عليه لأن الله سبحانه إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن البصري قالا في سورة النحل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
(9/123)
1
ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} ثم نسخ واستثنى من ذلك فقال : {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم} وهو عبد الله بن أبي سرح الذي كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأزله الشيطان
فلحق بالكفار فأمر به النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يقتل يوم فتح مكة فاستجار له أبو بكر وعمر وعثمان بن عفان فأجاره النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس مثله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن قتادة في قوله : {إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} الآية قال : ذكر لنا أنه لما أنزل الله أن أهل مكة لا يقبل منهم إسلام حتى يهاجروا كتب بها أهل المدينة إلى أصحابهم من أهل مكة فخرجوا فأدركهم المشركون فردوهم فأنزل الله (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) (العنكبوت 1 - 2) فكتب بهذا أهل المدينة إلى أهل مكة فلما جاءهم ذلك تبايعوا على أن يخرجوا فإن لحق بهم المشركون من أهل مكة قاتلوهم حتى ينجوا أو يلحقوا بالله فخرجوا فأدركهم المشركون فقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا ، فأنزل الله {ثم إن ربك للذين هاجروا} الآية.
(9/124)
1
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن الشعبي مثله.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية فيمن كان يفتن من أصحاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان قوم من أهل مكة قد أسلموا وكانوا يستخفون بالإسلام فنزلت فيهم {ثم إن ربك للذين هاجروا} الآية فكتبوا إليهم بذلك أن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه أن عيونا لمسيلمة أخذوا رجلين من المسلمين فأتوه بهما فقال لأحدهما : أتشهد أن محمدا رسول الله قال : نعم ، قال : أتشهد أني رسول الله فأهوى إلى أذنيه فقال : إني أصم ، فأمر به فقتل ، وقال للآخر : أتشهد أن محمدا رسول الله قال : نعم ، قال : أتشهد أني رسول الله قال : نعم ، فأرسله ، فأتى النَّبِيّ فأخبره فقال : أما صاحبك فمضى على إيمانه وأما أنت فأخذت الرخصة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} قال : نزلت في عياش بن أبي ربيعة أحد بني مخزوم وكان أخا أبي جهل لأمه وكان يضربه سوطا وراحلته سوطا.
(9/125)
1
وأخرج ابن جرير عن أبي إسحاق في قوله : {ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا} قال : نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد رضي الله عنهم.
الآية 111.
أَخْرَج ابن المبارك ، وَابن أبي شيبة وأحمد في الزهد ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن كعب قال : كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : خوفنا يا كعب فقلت : يا أمير المؤمنين أوليس فيكم كتاب الله وحكمة رسوله قال : بلى ولكن خوفنا قلت : يا أمير المؤمنين لو وافيت القيامة بعمل سبعين نبيا لازدريت عملك مما ترى ، قال : زدنا ، قلت : يا أمير المؤمنين لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلا دماغه حتى يسيل من حرها ، قال : زدنا ، قلت : يا أمير المؤمنين إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر جاثيا على ركبيته حتى أن إبراهيم خليله ليخر جاثيا على ركبتيه فيقول : رب نفسي ، نفسي ، لا أسألك اليوم إلا نفسي فأطرق عمر مليا ، قلت : يا أمير المؤمنين أوليس تجدون هذا في
(9/126)
1
كتاب الله قال : كيف قلت : قول الله في هذه الآية {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون}.
الآية 112 – 114
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة} الآية ، قال : يعني مكة.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه في قوله : {وضرب الله مثلا قرية} قال : هي مكة ألا ترى أنه قال : {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه}.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {قرية كانت آمنة} قال : مكة ، ألا ترى إلى قوله : {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب} قال : أخذهم الله بالجوع والخوف والقتل الشديد.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {فأذاقها الله لباس الجوع والخوف} قال : فأخذهم الله بالجوع والخوف والقتل ، وفي قوله : {ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه} قال : أي والله يعرفون نسبه
(9/127)
1
وأمره.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن سليم بن عمر قال : صحبت حفصة زوج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهي خارجة من مكة إلى المدينة فأخبرت أن عثمان قد قتل فرجعت ، وقالت : ارجعوا بي فوالذي نفسي بيده إنها للقرية التي قال الله : {قرية كانت آمنة مطمئنة} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب ، قال : القرية التي قال الله : {كانت آمنة مطمئنة} هي يثرب.
ألاية 115.
وَأخرَج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله : {إنما حرم عليكم الميتة} قال : إن الإسلام دين مطهر طهره الله من كل سوء وجعل لك فيه يا ابن آدم سعة إذا اضطررت إلى شيء من ذلك.
الآية 116 - 117.
أَخْرَج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام}
(9/128)
1
قال : هي البحيرة والسائبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} إلى آخر الآية فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : عسى رجل أن يقول إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا فيقول الله عز وجل له : كذبت ، ويقول : إن الله حرم كذا وأحل كذا فيقول الله عز وجل له : كذبت.
الآية 118 - 119.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل} قال : في سورة الأنعام.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل} قال : ما قص الله ذكره في سورة الأنعام حيث يقول : (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) إلى قوله : (وإنا لصادقون) (الأنعام آية 146).
(9/129)
1
الآية 120 - 123.
أَخرَج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والطبراني ، وَابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن مسعود أنه سئل : ما الأمة قال : الذي يعلم الناس الخير ، قالوا : فما القانت قال : الذي يطيع الله ورسوله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : {إن إبراهيم كان أمة قانتا} قال : كان على الإسلام ولم يكن في زمانه من قومه أحد على الإسلام غيره فلذلك قال الله : {كان أمة قانتا}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : {إن إبراهيم كان أمة} قال : إماما في الخير {قانتا} قال : مطيعا.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {إن إبراهيم كان أمة} قال : كان مؤمنا وحده والناس كفار كلهم.
وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : بم يبق في الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من
(9/130)
1
عبد يشهد له أمة إلا قبل الله شهادتهم ، والأمة الرجل فما فوقه إن الله يقول : {إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {إن إبراهيم كان أمة} قال : إمام هدى يقتدى به وتتبع سنته.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {وآتيناه في الدنيا حسنة} قال : لسان صدق.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : {وآتيناه في الدنيا حسنة} قال : فليس من أهل دين إلا يرضاه ويتولاه.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن أبي شيبة معا في المصنف ، وَابن المنذر ، وَابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عمرو قال : صل إبراهيم الظهر والعصر والمغرب بعرفات ثم وقف حتى إذا غابت الشمس دفع ، ثم صلى المغرب والعشاء بجمع ثم صلى الفجر كأسرع ما يصلي أحد من المسلمين ثم وقف به حتى إذا كان كأبطأ ما يصلي أحد من المسلمين دفع ثم رمى الجمرة ثم ذبح وحلق ثم أفاض به إلى البيت فطاف به فقال الله لنبيه : {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} والله تعالى أعلم.
(9/131)
1
الآية 124.
أَخرَج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} قال : أراد الجمعة فأخذوا السبت مكانه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} قال : إن الله فرض على اليهود الجمعة فأبوا وقالوا : يا موسى إنه لم يخلق يوم السبت شيئا فاجعل لنا السبت فلما جعل عليهم السبت استحلوا فيه ما حرم عليهم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق السدي عن أبي مالك وسعيد بن جبير في قوله : {إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه} قال : بإستحلالهم إياه رأى موسى عليه السلام رجلا يحمل حطبا يوم السبت فضرب عنقه.
وأخرج الشافعي في الأم والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم يوم الجمعة فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد.
(9/132)
1
وأخرج أحمد ومسلم عن أبي هريرة وحذيفة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أضل
الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نخن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق والله أعلم.
الآية 125.
أَخْرَج ابن مردويه عن أبي ليلى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تمسكوا بطاعة أئمتكم ولا تخالفوهم فإن طاعتهم طاعة الله معصيتهم معصية الله فإن الله إنما بعثني أدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة فمن خالفني في ذلك فهو من الهالكين وقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله ومن ولي من أمركم شيئا فعمل بغير ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم
(9/133)
1
عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : {وجادلهم بالتي هي أحسن} قال : أعرض عن أذاهم إياك.
الآية 126 - 128.
أَخرَج الترمذي وحسنه وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن حبان ، وَابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار : لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نصبر ولا نعاقب ، كفوا عن القوم إلا أربعة.
وأخرج ابن سعد والبزار ، وَابن المنذر ، وَابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل
(9/134)
1
عن أبي هريرة : أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد فنظر إلى منظر لم ير شيئا قط كان أوجع لقلبه منه ونظر إليه قد مثل به فقال : رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمت وصولا للرحم فعولا للخيرات ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أتركك حتى يحشرك الله من أرواح شتى أما والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك ، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم النحل {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم} الآية ، فكفر النَّبِيّ عن يمينه وأمسك عن الذي أراد وصبر.
وأخرج ابن المنذر والطبراني ، وَابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قتل حمزة ومثل به : لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم ، فأنزل الله {وإن عاقبتم} الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نصبر يا رب : فصبر ونهى عن المثلة.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف ، وَابن جَرِير عن الشعبي قال : لما كان يوم أحد وانصرف المشركون فرأى المسلمون بإخوانهم مثلة جعلوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن
(9/135)
1
أنالنا الله منهم لنفعلن ولنفعلن ، فأنزل الله {وإن عاقبتم} الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نصبر.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة النحل كلها بمكة إلا ثلاث آيات من آخرها نزلت بالمدينة يوم أحد حيث قتل حمزة ومثل به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلا منهم فلما سمع المسلمون ذلك قالوا : والله لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، فأنزل الله {وإن عاقبتم فعاقبوا} إلى آخر السورة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن مردويه عن ابن عباس في قوله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} قال : هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله ثم نزلت براءة وإنسلاخ الأشهر الحرم ، قال : فهذا من المنسوخ.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : كانوا قد أمروا بالصفح عن المشركين فأسلم رجال ذو منعنة فقالوا : يا رسول الله صلى الله وسلم لو أذن الله لنا لانتصرنا من هؤلاء الكلاب ، فنزلت هذه الآية ثم نسخ ذلك بالجهاد .
(9/136)
1
وأخرج ابن شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن مجاهد في قوله : (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) . قال : لا تعتدوا.
وَأخرَج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين في قوله : (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) . قال : إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله . قوله تعالى : (إن الله مع الذين اتقوا) الآية ..
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} قال : اتقوا فيما حرم الله عليهم وأحسنوا فيما افترض عليهم.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن سعد ، وَابن أبي شيبة وهناد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن هرم بن حيان أنه لما أنزل به الموت قالوا له : أوص ، قال : أوصيكم بآخر سورة النحل {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة} إلى آخر السورة.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن مجاهد في قوله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} قال : لا تعتدوا.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن سيرين في قوله : {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} قال : إن أخذ منك رجل شيئا فخذ منه مثله.
(9/137)
1
* بسم الله الرحمن الرحيم * (17)- سورة الإسراء.
مكية وآياتها إحدى عشرة ومائة.
مقدمة سورة الإسراء.
أَخرَج النحاس ، وَابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة بني إسرائيل بمكة.
وأخرج البخاري ، وَابن الضريس ، وَابن مردويه عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم : أنهن من العتاق الأول وهن من تلادي.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي والحاكم ، وَابن مردويه عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر.
(9/138)
1
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمر الشيباني قال : صلى بنا عبد الله الفجر فقرأ بسورتين الآخرة منهما بنو إسرائيل.
الآية 1 - 8
أخرج ابن جرير عن حذيفة أنه قرأ سبحان الذي أسرى بعبده من الليل من المسجد الرحام إلى المسجد الأقصى.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله تعالى : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} قال : {سبحان} تنزيه الله تعالى {الذي أسرى} بمحمد صلى الله عليه وسلم {من المسجد الحرام} إلى بيت المقدس ثم رده إلى المسجد الحرام ، قال : وهل تعرف العرب ذلك قال : نعم أما سمعت الأعشى وهو يقول : قلت له لما علا فخره * سبحان من علقمة الفاخر.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن مردويه من طريق ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ، فركبته حتى أتيت بيت المقدس
(9/139)
1
فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ، ثم عرج بنا إلى سماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل : من أنت قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل : من أنت قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا فرحبا بي ودعوا إلي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل : من أنت قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإدريس فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا قال :
(9/140)
1
جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بهارون فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السادسة فاستفتح جبريل فقيل : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بموسى فرحب بي ودعا لي بخير ، ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح فقيل : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : قد بعث إليه ، ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها فيها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله ما غشى تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها فأوحى إلي ما أوحى وفرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فقال : ما فرض ربك على أمتك قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك فإني
(9/141)
1
قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف عن أمتي ، فحط عني خمسا فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا فقال : إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، قال : فلم أزل أرجع بين ربي وموسى حتى قال : يا محمد إنهن خمس صلوات لكل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشرا ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، فنزلت حتى انتهيت إلى
موسى فأخبرته فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فقلت : قد رجعت إلى ربي حتى استحيت منه.
وأخرج البخاري ومسلم ، وَابن جَرِير ، وَابن مردويه من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس قال : ليلة برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو فقال أوسطهم : هو خيرهم ، فقال أحدهم : خذوا ، فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوصعوه عند بئر زمزم فتولاه منهم جبريل فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته
(9/142)
1
حتى فرغ من صدره وجوفه فغسله من ماء زمزم بيده حتى أنقى جوفه ثم أتى بطست من ذهب محشوا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده - يعني عروق حلقه - ثم أطبقه ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فقيل : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : نعم ، قالوا : مرحبا به وأهلا ، ووجد في السماء الدنيا آدم فقال له جبريل : هذا أبوك آدم فسلمه عليه فسلم عليه ورد عليه آدم وقال : مرحبا وأهلا بابني ، نعم الابن أنت ، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان فقال : ما هذان النهرين يا جبريل قال : هذا النيل والفرات عنصرهما ، ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر ، قال : ما هذا يا جبريل قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك ، ثم عرج به إلى السماء الثانية فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد قيل : وقد بعث إليه قال : نعم ، قالوا : مرحبا به وأهلا.
(9/143)
1
ثم عرج به إلى السماء الثالثة فقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية ، ثم عرج به إلى السماء الرابعة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى الخامسة فقالوا مثل ذلك ثم عرج به إلى السادسة فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السابعة فقالوا له مثل ذلك كل سماء فيها أنبياء قد سماهم منهم إدريس في الثانية وهارون في الرابعة وآخر في الخامسة ولم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة
وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله فقال موسى : رب لم أظن أن ترفع علي أحدا ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى الله فيما يوحي إليه خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه موسى فقال : يا محمد ماذا عهد إليك ربك قال : عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة ، قال : إن أمتك لا تستطيع ذلك ارجع فليخفف عنك ربك وعنهم ، فالتفت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كأنه يستشيره فأشار إليه جبريل أن نعم إن شئت فعلا به إلى الجبار تبارك وتعالى فقال وهو مكانه :
(9/144)
1
يا رب خفف عنا ، فإن أمتي لا تستطيع ذلك ، فوضع عنه عشرات صلوات ، ثم رجع إلى موسى واحتبسه قلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فضعفوا وتركوه فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبدانا وأبصارنا وأسماعا فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك ، يلتفت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة فقال : يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنا ، فقال الجبار : يا محمد قال : لبيك وسعديك ، قال : إنه لا يبدل القول لدي كما فرضت عليك في أم الكتاب وكل حسنة بعشر أمثالها ، فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك ، فرجع إلى موسى فقال : كيف فعلت فقال : خفف عنا أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها ، فقال موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه ارجع إلى ربك فليخفف عنك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا موسى قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه ، قال : فاهبط بسم الله ، واستيقظ وهو في المسجد الحرام.
(9/145)
1
وأخرج النسائي ، وَابن مردويه من طريق يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت ليلة أسرى بي بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها ، كانت تسخر للأنبياء قبلي فركبته معي جبريل فسرت فقال : انزل فصل ، ففعلت ، فقال : أتدري أين صليت صليت بطيبة وإليها المهاجر إن شاء الله ، ثم قال : انزل فصل ، ففعلت فقال : أتدري أين صليت صليت بطور سيناء حيث كلم الله موسى ثم قال : انزل فصل ، فصليت
فقال أتدري أين صليت صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ، ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء عليهم السلام فقدمني جبريل فصليت بهم ، ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فإذا فيها آدم فقال لي : سلم عليه فقال : مرحبا بابني والنبي الصالح ، ثم صعد بي إلى السماء الثانية فإذا فيها ابنا الخالة عيسى ويحيى ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فإذا فيها يوسف ، ثم صعد بي إلى السماء الرابعة فإذا فيها هارون ، ثم صعد بي إلى السماء الخامسة فإذا فيها إدريس ، ثم صعد بي إلى السماء السادسة فإذا فيها موسى ثم صعد بي إلى السماء السابعة فإذا فيها إبراهيم ثم صعد بي إلى فوق السبع سموات وأتيت سدرة المنتهى فغشيتني
(9/146)
1
ضبابة ، فخررت ساجدا فقيل لي : إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك فمررت على إبراهيم فلم يسألني شيئا ثم مررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : خمسين صلاة ، قال : إنك لن تستطيع أن تقوم بها أنت ولا أمتك فاسأل ربك التخفيف ، فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجدا ، فقلت : يا رب فرضت علي وعلى أمتي خمسين صلاة فلن أستطيع أن أقوم بها أنا ولا أمتي ، فخفف عني عشرا ، فمررت على موسى فسألني فقلت : خفف عني عشرا ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فخفف عني عشرا ثم عشرا حتى قال : هن خمس بخمسين فقم بها أنت وأمتك ، فعلمت أنها من الله صرى ، فمررت على موسى فقال لي : كم فرض عليك فقلت : خمس صلوات فقال : فرض على بني إسرائيل صلاتان فما قاموا بهما فقلت : إنها من الله فلم أرجع.
وأخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن يزيد بن أبي مالك عن أنس رضي الله عنه قال : لما كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل ، حمله جبريل عليها ينتهي خفها حيث ينتهي طرفها.
(9/147)
1
فلما بلغ بيت المقدس أتى إلى الحجر الذي ثمة فغمزه جبريل عليه السلام بأصبعه فثقبه ثم ربطها ثم صعد ، فلما استويا في صرحة المسجد قال جبريل : يا محمد هل سألت ربك أن يريك الحور العين قال : نعم ، قال : فانطلق إلى أولئك النسوة فسلم عليهن وهن جلوس عن يسار الصخرة ، فأتيتهن فسلمت عليهن فرددن علي
السلام فقلت : من أنتن فقلن : خيرات حسان ، نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا وأقاموا فلم يظعنوا وخلدوا فلم يموتوا ، ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة فقمنا صفوفنا فانتظرنا من يؤمنا فأخذ جبريل بيدي فقدمني ، فصليت بهم فلما انصرفت قال جبريل : يا محمد أتدري من صلى خلفك قلت : لا ، قال : صلى خلفك كل نبي بعثه الله ، ثم أخذ بيدي فصعد بي إلى السماء فلما انتهينا إلى الباب استفتح قالوا : من أنت قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد ، قالوا : وقد بعث إليه قال : نعم ، ففتحوا له وقالوا : مرحبا بك وبمن معك ، فلما استوى على ظهرها إذا فيها آدم ، فقال لي جبريل : ألا تسلم على أبيك آدم قلت : بلى ، فأتيته فسلمت عليه فرد علي وقال لي : مرحبا بابني والنبي الصالح ، ثم عرج بي إلى السماء الثانية فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها عيسى
(9/148)
1
ويحيى ، ثم عرج بي إلى السماء الثالثة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها يوسف ، ثم عرج بي إلى السماء الرابعة فاستفتح قالوا له مثل ذلك فإذا فيها إدريس ، ثم عرج بي إلى السماء الخامسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها هارون ، ثم عرج بي إلى السماء السادسة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها موسى ، ثم عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح فقالوا له مثل ذلك فإذا فيها إبراهيم ، ثم انطلق بي على ظهر السماء السابعة حتى انتهى بي إلى نهر عليه خيام الياقوت واللؤلؤ والزبرجد وعليه طير خضر أنعم طير رأيت ، فقلت : يا جبريل إن هذا الطير لناعم ، قال : يا محمد آكله أنعم منه ، ثم قال : أتدري أي نهر هذا قلت : لا ، قال : الكوثر الذي أعطاك الله إياه فإذا فيه آنية الذهب والفضة تجري على رضراض من الياقوت والزمرد ماؤه أشد بياضا من اللبن فأخذت من آنية فاغترفت من ذلك الماء فشربت فإذا هو أحلى من العسل وأشد رائحة من المسك ، ثم انطلق بي حتى انتهى إلى الشجرة فغشيتني سحابة فيها من كل لون فرفضني جبريل وخررت ساجدا لله.
(9/149)
1
فقال الله لي : يا محمد إني يوم خلقت السماوات والأرض فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة فقم بها أنت وأمتك ، ثم انجلت عني السحابة وأخذ بيدي جبريل فانصرفت سريعا فأتيت على إبراهيم فلم يقل لي شيئا ثم أتيت على موسى فقال : ما صنعت يا محمد قلت :
فرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة ، قال : فلن تستطيعها أنت ولا أمتك ، فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنك ، فرجعت سريعا حتى انتهيت إلى الشجرة فغشيتني السحابة وخررت ساجدا وقلت : ربي خفف عنا ، قال : قد وضعت عنكم عشرا ، ثم انجلت عني السحابة فرجعت إلى موسى فقلت : وضع عني عشرا ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم ، فوضع عشرا إلى أن قال : هن خمس بخمسين ثم انحدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل : ما لي لم آت على أهل سماء إلا رحبوا بي وضحكوا إلي غير رجل واحد سلمت عليه فرد علي السلام ورحب بي ولم يضحك إلي قال : ذاك مالك خازن النار لم يضحك منذ خلق ولو ضحك لأحد لضحك إليك ، قال : ثم ركبت منصرفا فبينما هو في بعض طريقه مر بعير من قريش تحمل طعاما منها جمل عليه غرارتان غرارة سوداء وغرارة بيضاء فلما حاذى العير نفرت منه واستدارت وصرع ذلك البعير وانكسر ثم إنه مضى فأصبح فأخبر عما كان فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر رضي الله عنه فقالوا : يا أبا بكر هل لك في
(9/150)
1
صاحبك يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر ثم رجع من ليلته ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : إن كان قاله فقد صدق وإنا لنصدقنه فيما هو أبعد من هذا نصدقه على خبر السماء ، فقال المشركون لرسول الله ما علامة ما تقول قال : مررت بعير لقريش وهي في مكان كذا وكذا فنفرت العير منا واستدارت ، وفيها بعير عليه غرارتان : غرارة بيضاء وغرارة سوداء ، فصرع فانكسر فلما قدمت العير سألوهم فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك سمي أبو بكر (الصديق) وسألوه : هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى قال : نعم ، قالوا : فصفهما ، قال : أما موسى فرجل آدم كأنه من رجال أزدعمان.
وَأَمَّا عيسى فرجل ربعة سبط تعلوه حمرة كأنه يتحادر من لحيته الجمان.
وأخرج ابن جرير ، وَابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق عبد الرحمن بن هاشم بن عتبة عن أنس رضي الله عنه قال : لما جاء جبريل عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(9/151)
1
بالبراق فكأنها هزت أذنيها فقال جبريل : يا براق فوالله ما ركبك مثله ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو بعجوز على جانب الطريق فقال : ما هذه يا جبريل قال : سر يا محمد ، فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحيا عن الطريق يقول : هلم يا محمد فقال له جبريل : سر يا محمد ، فسار ما شاء الله أن يسير فلقيه خلق من خلق الله فقالوا : السلام عليك يا أول ، السلام عليك يا آخر ، السلام عليك يا حاشر ، فقال له جبريل عليه السلام : اردد السلام ، فرد السلام ثم لقيه الثانية فقال له مثل ذلك ثم الثالثة كذلك حتى انتهى إلى بيت المقدس فعرض عليه الماء والخمر واللبن فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن ، فقال له جبريل عليه السلام : أصبت الفطرة ولو شربت الماء لغرقت أمتك ولو شربت الخمر لغوت أمتك ثم بعث له آدم عليه السلام فمن دونه من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ثم قال جبريل : أما العجوز التي رأيت على جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا ما بقي من عمر تلك العجوز وأما الذي أراد أن تميل إليه فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه.
وَأَمَّا الذين سلموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى.
(9/152)
1
وأخرج ابن مردويه من طريق كثير بن خنيس عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بينما أنا مضطجع في المسجد ليلة نائما إذ رأيت ثلاثة نفر أقبلوا نحوي فقال الأول : هو ، هو ، قال الأوسط : نعم ، قال الآخر : خذوا سيد القوم فرجعوا عني ثم رأيتهم الليلة الثانية فقال الأول : هو ، هو ، قال الأوسط : نعم ، قال الآخر : خذوا سيد القوم فرجعوا عني حتى إذا كانت الليلة الثالثة رأيتهم فقال الأول هو هو ، وقال الأوسط : نعم ، وقال الآخر : خذوا سيد القوم حتى جاؤوا بي زمزم فاستلقوني على ظهري ثم غسلوا حشوة بطني ثم قال بعضهم لبعض : أنقوا ، ثم أتى بطست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا فأفرغ في جوفي ، ثم عرج بي إلى السماء فاستفتح فقالوا : من هذا قال : جبريل ، قالوا : ومن معك قال : محمد ، قالوا : وقد أرسل إليه قال : نعم ، ففتح ، فإذا آدم إذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن شماله بكى ، قلت : ياجبريل من هذا ، قال : هذا أبوك آدم إذا نظر على يمينه رأى من في الجنة من ذريته ضحك وإذا نظر عن يساره رأى من في النار من ذريته بكى ، ثم قال أنس بن مالك : يا ابن أخي إنه يطول علي الحديث ، ثم عرج بي
(9/153)
1
حتى جاء السماء السادسة فاستفتح ، فقال : من هذا قال : جبريل ، قال : ومن معك قال : محمد ، قال : وقد أرسل إليه قال : نعم ، ففتح فإذا موسى ، ثم
عرج بي إلى السماء السابعة فاستفتح ، قيل من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد ، قال : وقد أرسل إليه قال : نعم ، ففتح فإذا إبراهيم قال مرحبا بالابن والرسول ، ثم مضى حتى جاء الجنة فاستفتح فقيل : من هذا قال : جبريل ، قيل : ومن معك قال : محمد ، قال : وقد أرسل إليه قال : نعم ، ففتح الباب ، قال : فدخلت الجنة فأعطيت الكوثر فإذا نهر في الجنة عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ ثم مضى حتى جاء سدرة المنتهى (فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم آية 9) ، ففرض علي وعلى أمتي خمسين صلاة فرجعت حتى أمر موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : خمسين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : أربعين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : ثلاثين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فرجعت إليه فوضع عني عشرا فرجعت إلى موسى فقال : كم فرض عليك
(9/154)
1
وعلى أمتك قلت : عشرين صلاة ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فرجعت فوضع عني عشرا ثم مررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : عشر صلوات ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فرجعت فوضع عني خمسا ، ثم قال : إنه لا يبدل قولي ولا ينسخ كتابي تخفيفها عنكم كتخفيف خمس صلوات وإنها لكم كأجر خمسين صلاة ، فمررت على موسى فقال : كم فرض عليك وعلى أمتك قلت : خمس صلوات ، قال : فارجع إلى ربك فاسأله يخفف عنك وعن أمتك ، فإن بني إسرائيل قد أمروا بأيسر من هذا فلم يطيقوه ، قال : لقد رجعت إلى ربي حتى إني لأستحي منه.
وأخرج البزار ، وَابن أبي حاتم والطبراني ، وَابن مردويه والبيهقي في الدلائل وصححه عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله كيف أسري
بك فقال : صليت بأصحابي العتمة بمكة معتما فأتاني جبريل بدابة بيضاء فوق الحمار ودون البغل وقال : اركب فاستصعبت علي فأدارها بأذنها ثم حملني عليها فانطلقت تهوي بنا ، يقع حافرها حيث أدرك طرفها حتى بلغنا أرضا ذات نخل فقال : انزل ، فنزلت فقال : صل ، فصليت ثم ركبنا فقال : أتدري أين صليت قلت : الله أعلم ، قال : صليت بيثرب ،.
(9/155)
1
صليت بطيبة ثم انطلقت تهوي بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا فقال : انزل ، فنزلت