الدر المنثور للسيوطي ج ص معتمد 009

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
القيم} قال : القضاء القيم.
وأخرج أبو داود والبيهقي في شعب الإيمان عن محببة الباهلي عن أبيه أو عمه ، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال : يا رسول الله وما تعرفني قال : ومن أنت قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول ، قال : فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة قال : ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا قليل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم عذبت نفسك ثم قال : صم شهر
الصبر ويوما من كل شهر ، قال : زدني فإن لي قوة ، قال : صم يومين ، قال : زدني ، قال : صم ثلاثة أيام ، قال : زدني ، قال : صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة سنتين.
وأخرج مسلم وأبو داود عن عثمان بن حكيم رضي الله عنه قال : سألت سعيد بن جبير رضي الله عنه عن صيام رجب فقال : أخبرني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم
(7/343)
1
وأخرج البيهقي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوما من رجب كان كصيام سنة ومن صام سبعة أيام غلقت عنه سبعة أبواب جهنم ومن صام ثمانية أيام فتحت له ثمانية أبواب الجنة ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله عز وجل شيئا إلا أعطاه ومن صام خمسة عشر يوما نادى مناد من السماء قد غفرت لك ما سلف فاستأنف العمل قد بدلت سيئاتكم حسنات من زاد زاده الله ، وفي رجب حمل نوح عليه السلام في السفينة فصام نوح عليه السلام وأمر من معه أن يصوموا وجرت بهم السفينة ستة أشهر إلى آخر ذلك لعشر خلون من المحرم.
وأخرج البيهقي والأصبهاني عن أبي قلابة رضي الله عنه قال : في الجنة قصر لصوام رجب قال البيهقي : موقوف على أبي قلابة وهو من التابعين فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي.
وأخرج البيهقي وضعفه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصم بعد رمضان إلا رجب وشعبان.
وأخرج البيهقي وضعفه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رجب شهر الله ويدعى الأصم وكان أهل الجاهلية إذا دخل رجب يعطلون أسلحتهم ويضعونها فكان الناس ينامون ويأمن السبيل ولا يخافون بعضهم بعضا حتى ينقضي
(7/344)
1
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال : كن نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته في أنفسنا.
وأخرج البخاري والبيهقي عن أبي رجاء العطاردي رضي الله عنه قال : كنا في
الجاهلية إذا دخل رجب نقول : جاء منصل الأسنة لا ندع حديدة في سهم ولا حديدة في رمح إلا انتزعناها فألقيناها.
وأخرج البيهقي عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال : كنا نسمي رجب الأصم في الجاهلية من شدة حرمته.
وأخرج البيهقي وضعفه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك اليلة كان كمن صام من الدهر مائة سنة وقام مائة سنة وهو لثلاث بقين من رجب وفيه بعث الله محمدا.
وأخرج البيهقي وضعفه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا في رجب ليلة يكتب للعامل فيها حسنة مائة سنة وذلك لثلاث بقين من رجب فمن صلى فيها اثنتي عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة من القرآن يتشهد في كل ركعتين ويسلم في آخرهن ثم يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر مائة مرة ويستغفر الله مائة مرة ويصلي على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مائة مرة ويدعو لنفسه ما شاء من أمر دنياه وآخرته ويصبح صائما فإن الله يستجيب دعاءه كله إلا أن يدعو في المعصية ، قال البيهقي : هذا أضعف من الذي قبله
(7/345)
1
وأخرج البيهقي وقال : إنه منكن بمرة عن أنس رضي الله عنه مرفوعا خيرة الله من الشهور شهر رجب وهو شهر الله من عظم شهر رجب فقد عظم أمر الله ومن عظم أمر الله أدخله جنات النعيم وأوجب له رضوانه الأكبر وشعبان شهري فمن عظم شهر شعبان فقد عظم أمري ومن عظم أمري كنت له فرطا وذخرا يوم القيامة وشهر رمضان شهر أمتي فمن عظم شهر رمضان وعظم حرمته ولم ينتهكه وصام نهاره وقام ليلة وحفظ جوارحه خرج من رمضان وليس عليه ذنب يطلبه الله به.
وأخرج ابن ماجة والبيهقي وضعفه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم رجب كله.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله} قال : يقرب بها شر النسيء ما نقص من السنة.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله} ثم
(7/346)
1
اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرم وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال : في كلهن {وقاتلوا المشركين كافة} يقول : جميعا.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال : إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما شاء وقال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي لية القدر فعظموا ما عظم الله فإنما تعظم الأمور لما عظمها الله تعالى به عند أهل الفهم والعقل.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال : في الشهور كلها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {فلا تظلموا فيهن أنفسكم} قال : الظلم العمل لمعاصي الله والترك لطاعته
(7/347)
1
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل في قوله {وقاتلوا المشركين كافة} قال : نسخت هذه الآية كل آية فيها رخصة.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن كعب قال : اختار الله البلدان فأحب البلدان إلى الله البلد الحرام واختار الله الزمان فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم وأحب الأشهر إلى الله ذو الحجة وأحب ذو الحجة إلى الله العشر الأول منه واختار الله الأيام فأحب الأيام إلى الله يوم الجمعة وأحب الليالي إلى الله ليلة القدر واختار الله ساعات والليل والنهار فأحب الساعات إلى الله ساعات الصلوات المكتوبات واختار الله الكلام فأحب الكلام إلى الله لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله.
الآية 37
أخرج الطبراني وأبو الشيخ ، وَابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كانت العرب يحلون عاما شهرا وعاما شهرين ولا يصيبون الحج إلا في كل ستة وعشرين سنة مرة وهو النسيء الذي ذكر الله تعالى في كتابه فلما كان عام
(7/348)
1
حج أبو بكر بالناس وافق ذلك العام الحج فسماه الله الحج الأكبر ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل فاستقبل الناس الأهلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عمر قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة فقال : إن النسيء من الشيطان {زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما} فكانوا يحرمون المحرم عاما ويحرمون صفرا عاما ويستحلون المحرم وهو النسيء.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن ابن عباس قال : كان جنادة بن عوف الكناني يوفي الموسم كل عام وكان يكنى أبا ثمادة فينادي : ألا إن أبا ثمادة لا يخاف ولا يعاب ألا وإن صفر الأول العام حلال فيحله للناس فيحرم صفر عاما ويحرم المحرم عاما فذلك قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا) ، (ليواطئوا) : ليشهدوا.
وَأخرَج ابن أبي حاتم عن ابن عباس : (إنما النسيء زيادة في الكفر) قال : المحرم كانوا يسمونه صفر ، وصفر يقولون : صفران ، الول والآخر يحل لهم مرة الأول ومرة الآخر.
وَأخرَج ابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مالك قال : كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا فيجعلون المحرم صفرا فيستحلون فيه الحرمات فأنزل الله : (إنما النسيء زيادة في الكفر).
وَأخرَج أبو الشيخ ، عَن طاووس قال : الشهر الذي نزعه الله من الشيطان المحرم.
وَأخرَج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله : (إنما النسيء زيادة في الكفر) : وهو جنادة بن عوف بن أمية الكناني ، ويكنى أبا ثمامة كان يوافى الماسم كل عام فينادى : ألا إن أبا ثمامة لا يحاب ولا يعاب . فيقول : إلا أن صفر الأول حلال وكان طوائف من العرب إذا أرادوا أن يغيروا على
(7/349)
1
بعض عدوهم أتوه فقالوا : أحل لنا هذا الشهر - يعنون صفر - وكانت العرب لا تقاتل في الأشهر الحرم فيحله لهم عاما ويحرمه عليهم في العام الآخر ويحرم المحرم في قابل {ليواطئوا عدة ما حرم الله} يقول : ليجعلوا الحرم أربعة غير أنهم جعلوا صفرا عاما حلالا وعاما حراما.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانت النساة حيا من بني مالك من كنانة من بني تميم فكان أخراهم رجلا يقال له القلمس وهو الذي أنسأ المحرم وكان ملكا كان يحل المحرم عاما ويحرمه عاما فإذا حرمه كانت ثلاثة أشهر متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهي العدة التي حرم الله في عهد إبراهيم عليه السلام فإذا أحله دخل مكانه صفر في المحرم ليواطئ العدة يقول : قد أكملت الأربعة كما كانت لأني لم أحل شهرا إلا وقد حرمت مكانه شهرا فكانت على ذلك العرب من يدين للقلمس بملكه حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فأكمل الحرم ثلاثة أشهر متوالية ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي الله عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال : نزلت في رجل من بني كنانة يقال له نسي
(7/350)
1
كان يجعل المحرم صفرا ليستحل فيه المغانم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي وائل رضي الله عنه قال : كان الناسي رجلا من كنانة ذا رأي يأخذون من رأيه رأسا فيهم فكان عاما يجعل المحرم صفرا فيغيرون فيه ويستحلونه فيصيبون فيغنمون وكان عاما يحرمه.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} الآية ، قال : عمد أناس من أهل الضلالة فزادوا صفر في أشهر الحرم وكان يقوم قائلهم في الموسم فيقول : إن آلهتكم قد حرمت صفر فيحرمونه ذلك العام وكان يقال لهما الصفران وكان أول من نسأ النسيء بنو مالك من كنانة وكانوا ثلاثة أبو ثمامة صفوان بن أمية أحد بني تميم بن الحرث ثم أحد بني كنانة
(7/351)
1
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إنما النسيء زيادة في الكفر} قال : فرض الله الحج في ذي الحجة وكان المشركون يسمون الأشهر ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى ورجب وشعبان ورمضان وشوال وذو القعدة وذو الحجة ثم يحجون فيه ثم يسكتون عن المحرم فلا يذكرونه ثم يعودون فيسمون صفر صفر ثم يسمون رجب جمادى الآخر ثم يسمون شعبان رمضان ورمضان شوال ويسمون ذا القعدة شوال ثم يسمون ذا الحجة ذا القعدة ثم يسمون المحرم ذا الحجة ثم يحجون فيه واسمه عندهم ذو الحجة ثم عادوا مثل هذه القصة فكانوا يحجون في كل شهر عاما حتى وافق حجة أبي بكر رضي الله عنه الآخرة من العام في ذي القعدة ثم حج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حجته التي حج فيها فوافق ذو الحجة فذلك حين يقول النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في الآية قال : كان رجل من بني كنانة يقال له جنادة بن عوف يكنى أبا أمامة ينسئ الشهور وكانت
(7/352)
1
العرب يشتد عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر لا يغيروا بعضهم على بعض فإذا أراد أن يغير على أحد قام يوما بمنى فخطب فقال : إني قد أحللت المحرم وحرمت صفر مكانه فيقاتل الناس في المحرم فإذا كان صفر عمدوا ووضعوا الأسنة ثم يقوم في قابل فيقول : إني قد أحللت صفر وحرمت المحرم فيواطئوا أربعة أشهر فيحلوا المحرم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يحلونه عاما ويحرمونه عاما} قال : هو صفر كانت هوازن وغطفان يحلونه سنة ويحرمونه سنة.
الآية 38.
أَخرَج سنيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا} الآية ، قال : هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح وحنين أمرهم بالنفير في الصيف حين خرقت الأرض فطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج فأنزل الله سبحانه وتعالى (انفروا خفافا وثقالا) (التوبة الآية 41) ، قوله تعالى : {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}
(7/353)
1
وأخرج الحاكم وصححه عن المستور رضي الله عنه قال : كنا عند النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فتذاكروا الدنيا والآخرة فقال بعضهم : إنما الدنيا بلاغ للآخرة فيها العمل وفيها الصلاة وفيها الزكاة وقالت طائفة منهم : الآخرة فيها الجنة ، وقالوا ما شاء الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة إلا كما يمشي أحدكم إلى اليم فأدخل أصبعه فيه فما خرج منه فهي الدنيا ، وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه ، وَابن ماجة عن المستور بن شداد رضي الله عنه قال : كنت في ركب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر بسخلة ميتة فقال أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها قالوا : من هوانها ألقوها يا رسول الله قال : فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله جعل الدنيا قليلا وما بقي منها إلا القليل كالثعلب في الغدير شرب صفوه وبقي كدره.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : دخل عمر رضي الله عنه على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال : يا رسول الله لو اتخذت فرشا أوثر من هذا فقال ما لي وللدنيا وما للدنيا وما لي والذي نفسي بيده
(7/354)
1
ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة ثم راح وتركها.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه ، وَابن ماجة والحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نام على حصير فقام وقد أثر في جنبه فقلنا يا رسول الله : لو اتخذنا لك فقال : ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت ظل شجرة ثم راح وتركها.
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل رضي الله عنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فرأى شاة شائلة برجلها فقال أترون هذه الشاة هينة على صاحبها قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقي الكافر منها شربة ماء.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أحب دنياه أضر بآخرته ومن
(7/355)
1
أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وَابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والحاكم وصححه والبيهقي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل الذباب تمور في جوها فالله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم.
وأخرج الترمذي والحاكم وصححه والبيهقي عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أحب الله عبدا حماه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء.
وأخرج أحمد والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : حلوة الدنيا مرة الآخرة ومرة الدنيا حلوة الآخرة.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي جحيفة قال : أكلت لحما
(7/356)
1
كثيرا وثريدا ثم جئت فقعدت قبال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فجعلت أتجشأ فقال اقصر من جشائك فإن أكثر الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا في الآخرة.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد الراكب ولا تستخلفي ثوبا حتى ترقعيه وإياك ومجالسة الأغنياء.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن سعد بن طارق رضي الله عنه عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته حتى يرضي ربه وبئست الدار لمن صدته عن آخرته وقصرت به عن رضا ربه وإذا قال العبد : قبح الله الدنيا ، قالت الدنيا : قبح الله أعصانا لربه.
وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه والبيهقي عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعظ فقال : ازهد الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس
(7/357)
1
وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدنيا سجن المؤمن وسننه فإذا خرج من الدنيا فارق السجن والسنة.
وأخرج الحاكم والبيهقي عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن الأعمش عن أبي سفيان رضي الله عنه عن أشياخه قال : دخل سعد رضي الله عنه على سلمان يعوده فبكى فقال سعد : ما يبكيك يا أبا عبد الله قال : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض وترد عليه الحوض وتلقى أصحابك ، قال : ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا ، قال ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وحولي هذه الأساودة وإنما حوله
(7/358)
1
أجانة وجفنة ومطهرة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم وليس همهم إلا الدنيا ليس لله فيهم حاجة فلا تجالسوهم.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا ولا يزدادون من الله إلا بعدا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن سفيان قال : كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري قال : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح ذبابة ما سقى منها كافرا شربة ماء
(7/359)
1
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن المستور قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم ثم يرفعها فلينظر ثم يرجع.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال : قلت يا أبا هريرة : سمعت إخواني بالبصرة يزعمون أنك تقول : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يجزي بالحسنة ألف ألف حسنة فقال أبو هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يجزي بالحسنة ألفي ألف حسنة ثم تلا هذه الآية {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} فالدنيا ما مضى منها إلى ما بقي منها عند الله قليل وقال (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة) (البقرة الآية 245) فكيف الكثير عند الله تعالى إذا كانت الدنيا ما مضى منها وما بقي عند الله قليل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأعمش في قوله {فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل} كزاد الراعي
(7/360)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حازم قال : لما حضرت عبد العزيز بن مروان الوفاة قال : ائتوني بكفني الذي أكفن فيه أنظر إليه فلما وضع بين يديه نظر إليه فقال : أمالي كثير ما أخلف من الدنيا إلا هذا ثم ولى ظهره وبكى وقال : أف لك من دار إن كان كثيرك القليل وإن كان قليلك الكثير وإن كنا منك لفي غرور.
الآية 39.
وَأخرَج أبو داود ، وَابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وَابن مردويه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس في قوله {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} قال : إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم استنفر حيا من أحياء العرب فتثاقلوا عنه فأنزل الله هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما نزلت {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} وقد كان تخلف عنه ناس في البدو يفقهون قومهم فقال المنافقون : قد بقي ناس في البوادي ، وقالوا : هلك أصحاب البوادي فنزلت (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) (التوبة الآية 122)
(7/361)
1
وأخرج أبو داود ، وَابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما} قال : نسختها (وما كان المؤمنون لينفروا كافة).
الآية 40.
وَأخرَج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إلا تنصروه فقد نصره الله} قال : ذكر ما كان من أول شأنه حتى بعث يقول الله : فأنا فاعل ذلك به وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين.
وأخرج ابن سعد ، وَابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم ، وَابن أبي حاتم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رجلا بثلاثة عشر درهما فقال لعازب : مر البراء فليحمله إلى منزلي ، فقال : لا حتى تحدثنا كيف صنعت حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت معه فقال أبو بكر رضي الله
عنه : خرجنا فأدلجنا فاحثثنا يوما وليلة حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل أرى ظلا فآوي إليه فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة وقلت
(7/362)
1
اضطجع يا رسول الله فاضطجع ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب فإذا أنا براعي غنم فقلت : لمن أنت يا غلام فقال : لرجل من قريش فسماه فعرفته فقلت : هل في غنمك من لبن قال : نعم ، فقلت : وهل أنت حالب لي قال : نعم ، قال : فأمرته فاعتقل لي شاة منها ثم أمرته فنفض ضرعها من الغبار ثم أمرته فنفض كفيه ومعي إداوة على فمها خرقة فحلب لي كثبة من اللبن فصببت على القدح من الماء حتى برد أسفله ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ فقلت : اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت ثم قلت : هل آن الرحيل قال : فارتحلنا والقوم يطلبونا فلم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له فقلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا فقال : لا تحزن إن الله معنا حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة فقلت : يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت ، قال : لم تبك ، فقلت : أما والله لا أبكي على نفسي ولكني أبكي عليك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اكفناه بما شئت فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال : يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها
(7/363)
1
سهما فإنك ستمر بإبلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي فيها ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة فتلقاه الناس فخرجوا على الطرق وعلى الأجاجير واشتد الخدم والصبيان في الطرق الله أكبر جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد تنازع القوم أيهم ينزل عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك ، فلما أصبح غدا حيث أمر.
وأخرج البخاري عن سراقة بن مالك رضي الله عنه قال : خرجت أطلب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه حتى إذا دنوت منهما عثرت بي فرسي فقمت فركبت حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي الله عنه يكثر التلفت ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين فخررت عنها ثم
زجرتها فنهضت فلم تكد تخرج يديها فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها عنان ساطع في السماء مثل الدخان فناديتهما بالأمان : فوقفا لي ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من
(7/364)
1
الحبس عنهما أنه سيظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل لحق بغار ثور قال : وتبعه أبو بكر رضي الله عنه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حسه خلفه خاف أن يكون الطلب فلما رأى ذلك أبو بكر رضي الله عنه تنحنح فلما سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفه فقام له حتى تبعه فأتيا الغار فأصبحت قريش في طلبه فبعثوا إلى رجل من قافة بني مدلج فتبع الأثر حتى انتهى إلى الغار وعلى بابه شجرة فبال في أصلها القائف ثم قال : ما جاز صاحبكم الذي تطلبون هذا المكان ، قال : فعند ذلك حزن أبو بكر رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا قال : فمكث هو وأبو بكر رضي الله عنه في الغار ثلاثة أيام يختلف إليهم بالطعام عامر بن فهيرة وعلي يجهزهم فاشتروا ثلاثة أباعر من إبل البحرين واستأجر لهم دليلا فلما كان بعض الليل من الليلة الثالثة أتاهم علي رضي الله عنه بالإبل والدليل فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته وركب أبو بكر أخرى فتوجهوا نحو المدينة وقد بعثت قريش في طلبه.
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس وعلي وعائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم وعائشة بنت قدامة وسراقة بن جعشم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : خرج
(7/365)
1
رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم جلوس على بابه فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يدرها على رؤوسهم ويتلو (يس ، والقرآن الحكيم) (يس الآية 1 - 2) الآيات ومضى فقال لهم قائل ما تنتظرون قالوا : محمدا ، قال : قد - والله - مر بكم ، قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض وطلبته قريش أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار فقال بعضهم : إن عليه لعنكبوتا قبل ميلاد محمد.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عائشة بنت قدامة أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فعمى الله بصره عني وعن أبي بكر حتى مضينا.
وأخرج أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه رأى رجلا مواجه الغار فقال : يا رسول الله إنه لرائينا ، قال : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا.
وأخرج أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حين دخل الغار ضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض فلما انتهوا إلى فم
(7/366)
1
الغار قال قائل منهم : ادخلوا الغار فقال أمية بن خلف : وما أربكم إلى الغار إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد فنهى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل العنكبوت قال : إنها جند من جنود الله.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن أبي ميسرة رضي الله عنه قال : نسجت العنكبوت مرتين ، مرة على داود عليه السلام حين كان طالوت يطلبه ومرة على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الغار.
وأخرج ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن أنس رضي الله عنه قال : لما خرج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه التفت أبو بكر رضي الله عنه فإذا هو بفارس قد لحقهم فقال : يا نبي الله هذا فارس قد لحقنا ، فقال اللهم اصرعه ، فصرع عن فرسه فقال : يا نبي الله مرني بما شئت ، قال : تقف مكانك لا تتركن أحدا يلحق بنا ، فكان أول النهار جاهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي آخر النهار مسلحة له وفي ذلك يقول سراقة مخاطبا لأبي جهل : أبا حكم لو كنت والله شاهدا * لأمر جوادي أن تسيخ قوائمه علمت ولم تشكك بأن محمدا * رسول ببرهان فمن ذا يقاومه
(7/367)
1
وأخرج البيهقي في الدلائل ، وَابن عساكر عن ضبة بن محصن العبري قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنت خير من أبي بكر فبكى وقال : والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر هل لك أن أحدثك بليلته ويومه قال : قلت : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : أما ليلته فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هاربا من أهل مكة
خرج ليلا فتبعه أبو بكر رضي الله عنه فجعل يمشي مرة أمامه ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن يساره فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا أبا بكر ما أعرف هذا من فعلك قال : يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون من خلفك ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لا آمن عليك ، فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلته على أطراف أصابعه حتى حفيت رجلاه فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه أنها قد حفيت حمله على كاهله وجعل يشد به حتى أتى فم الغار فأنزله ثم قال : والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك فدخل فلم ير شيئا فحمله فأدخله وكان في الغار خرق فيه حيات وأفاعي فخشي أبو بكر رضي الله عنه أن يخرج منهن شيء يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فألقمه قدمه فجعلن يضربنه وتلسعه الأفاعي والحيات وجعلت دموعه تتحدر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته أي طمأنينته لأبي بكر رضي الله عنه فهذه ليلته.
وَأَمَّا يومه فلما توفي
(7/368)
1
رسول الله وارتدت العرب فقال بعضهم : نصلي ولا نزكي ، وقال بعضهم : لا نصلي ولا نزكي فأتيته ولا آلوه نصحا فقلت : يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم ، فقال : جبار في الجاهلية خوار في الإسلام بماذا تألفهم أبشعر مفتعل أو بشعر مفتري قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتفع الوحي فوالله لو منعوني عقالا مما كانوا يعطون لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ، قال : فقاتلنا معه فكان - والله - رشيد الأمر فهذا يومه.
وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب رضي الله عنه وعروة رضي الله عنه ، أنهم ركبوا في كل وجه يطلبون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون له الجعل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه وسمع أبو بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم أصواتهم وأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه سكينة من الله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}
(7/369)
1
وأخرج ابن شاهين ، وَابن مردويه ، وَابن عساكر عن حبشي بن جنادة قال : قال
أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله لو أن أحدا من المشركين رفع قدمه لأبصرنا ، قال يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل فلم يبق أن يدخلوا ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : أتينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا وانقطع الأثر فذهبوا يمينا وشمالا.
وأخرج ابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : خرج رسول الله وخرج أبو بكر رضي الله عنه معه لم يأمن على نفسه غيره حتى دخلا الغار.
وأخرج ابن شاهين والدارقطني ، وَابن مردويه ، وَابن عساكر عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر أنت صاحبي في الغار وأنت معي على الحوض.
وأخرج ابن عساكر من حديث ابن عباس عن أبي هريرة ، مثله.
وأخرج ابن عدي ، وَابن عساكر من طريق الزهري عن أنس رضي الله عنه أن
(7/370)
1
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان رضي الله عنه : هل قلت في أبي بكر شيئا قال : نعم ، قال : قل وأنا أسمع ، فقال : وثاني اثنين في الغار المنيف وقد * طاف العدو به إذ صاعد الجبلا وكان حب رسول الله قد علموا * من البرية لم يعدل به رجلا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : صدقت يا حسان هو كما قلت.
وأخرج خيثمة بن سليمان الإطرابلسي في فضائل الصحابة ، وَابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : إن الله ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر رضي الله عنه فقال {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}.
وأخرج ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن قال : ما دخلني إشفاق من شيء ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين قال لي هون عليك فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام.
وأخرج ابن عساكر عن سفيان بن عيينة رضي الله عنه قال : عاتب الله
المسلمين جميعا في نبيه صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر رضي الله عنه وحده فإنه خرج من المعاتبة ثم قرأ {إلا تنصروه فقد
(7/371)
1
نصره الله} الآية.
وأخرج الحكيم الترمذي عن الحسن رضي الله عنه قال : لقد عاتب الله جميع أهل الأرض فقال {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين}.
وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن يحيى قال : أخبرني بعض أصحابنا قال : قال شاب من أبناء الصحابة في مجلس فيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق : والله ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن إلا وأبي فيه معه ، قال : يا ابن أخي لا تحلف ، قال : هلم ، قال : بلى ما لا ترده قال الله {ثاني اثنين إذ هما في الغار}.
وأخرج ابن سعد ، وَابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم والترمذي وأبو عوانة ، وَابن حبان ، وَابن المنذر ، وَابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال : حدثني أبو بكر رضي الله عنه قال كنت مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في الغار فرأيت آثار المشركين فقلت : يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدمه ، فقال : يا أبا بكر ما
(7/372)
1
ظنك باثنين الله ثالثهما.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر وأبو الشيخ وأبو نعيم في الدلائل عن أبي بكر رضي الله عنه ، أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبو بكر رضي الله عنه رجليه قال : يا رسول الله إن كانت لدغة أو لسعة كانت في.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لما كانت ليلة الغار قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك فإن كانت حية أو شيء كانت في قبلك ، قال ادخل ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه فجعل يلمس بيديه فكلما رأى جحرا قال بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع وبقي جحر فوضع عليه عقبه وقال : ادخل ، فلما أصبح قال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : فأين ثوبك فأخبره بالذي صنع فرفع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يديه وقال : اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة ، فأوحى الله إليه أن الله قد استجاب لك.
وأخرج ابن مردويه عن جندب بن سفيان رضي الله عنه قال : لما انطلق أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال له أبو بكر رضي الله عنه : لا تدخل يا رسول الله حتى استبرئه
(7/373)
1
فدخل أبو بكر رضي الله عنه الغار ، فأصاب يده شيء فحعل يمسح الدم عن أصبعه وهو يقول :
هل أنت إلا أصبع دميت * وفي سبيل الله ما لقيت.
وَأخرَج ابن مردويه عن جعدة بن هبيرة رضي الله عنه قال : قالت عائشة رضي الله عنها : قال أبو بكر رضي الله عنه : لو رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صعدنا الغار فأما قدما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفطرتا دما وأما قدماي فعادتا كأنهما صفوان ، قالت عائشة رضي الله عنها : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتعود الحفية.
وأخرج ابن سعد ، وَابن مردويه عن ابن مصعب قال : أدركت أنس بن مالك وزيد بن أرقم والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النَّبِيّ فسترته وأمر الله العنكبوت فنسجت في وجه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسترته وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار وأقبل فتيان قريش من كل بطن رجل بعصيهم وأسيافهم وهراويهم حتى إذا كانوا من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعا فنزل بعضهم فنظر في الغار فرجع إلى أصحابه فقالوا : ما لك لم تنظر في الغار فقال : رأيت حمامتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد ، فسمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما قال فعرف
(7/374)
1
أن الله درأ عنه بهما فسمت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عليهن وفرض جزاءهن وانحدرن في الحرم فأخرج ذلك الزوج كل شيء في الحرم.
وأخرج ابن عساكر في تاريخه بسند واه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار فعطش فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب إلى صدر الغار فاشرب ، فانطلق أبو بكر رضي الله عنه إلى صدر الغار فشرب منه ماء أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأزكى رائحة من المسك ثم عاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهرا من جنة الفردوس إلى صدر الغار لتشرب.
وأخرج ابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال : والذي لا إله غيره لقد عوتب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في نصرته إلا أبا بكر رضي الله عنه فإن الله تعالى {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار} خرج أبو بكر رضي الله عنه والله من المعتبة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سالم بن عبيد الله رضي الله عنه - وكان من أهل الصفة - قال : أخذ عمر بيد أبي بكر رضي الله عنهما فقال : من له هذه الثلاث ، (إذ يقول لصاحبه) من صاحبه (إذ هما في الغار) من هما (لا تحزن إن الله
(7/375)
1
معنا).
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن الحارث عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : أيكم يقرأ سورة التوبة قال : رجل : أنا ، قال : اقرأ ، فلما بلغ {إذ يقول لصاحبه لا تحزن} بكى وقال : والله أنا صاحبه.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال : كان صاحبه أبا بكر رضي الله عنه والغار جبل بمكة يقال له ثور.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر أخي وصاحبي في الغار فاعرفوا ذلك له فلو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر.
وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : لو اتخذت خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي في الغار.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله {إذ هما في الغار} قال : الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثورا.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : رأيت قوما يصعدون حراء فقلت : ما يلتمس هؤلاء في حراء فقالوا : الغار الذي اختبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، قالت عائشة رضي الله عنها : ما اختبأ في حراء إنما اختبأ في ثور وما كان أحد يعلم مكان ذلك الغار إلا عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر فإنهما كانا يختلفان إليهما وعامر
(7/376)
1
بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنه فإنه كان إذا سرح غنمه مر بهما فحلب لهما.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال : مكث أبو بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد ، وعَبد بن حُمَيد والبخاري ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة قالت : لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية ولما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا قبل أرض الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وسيد القارة فقال ابن الدغنة : أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر رضي الله عنه : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي ، قال ابن الدغنة : فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم
وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فأنا لك جار ، فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة
(7/377)
1
وأمنوا أبا بكر وقالوا لابن الدغنة : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره وليصل فيها ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا ولا يشتغلن بالصلاة والقراءة في غير داره ، ففعل ثم بدا لأبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجدا بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه وكان أبو بكر رضي الله رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا : إنا أجرنا أبا بكر على أن يعبد ربه في داره وإنه جاوز ذلك فابتنى مسجدا بفناء داره وأعلن الصلاة والقراءة وإنا خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فإن أحب أن يقتصر أن يعبد ربه في داره فعل وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان ، فأتى ابن الدغنة أبا بكر رضي الله عنه فقال : يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترد إلي ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني خفرت في عقد رجل عقدت له ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فإني أرد إليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين قد أريت دار هِجْرتكم رأيت سبخة ذات نخل بين لابتين وهما حرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة من المسلمين وتجهز أبو بكر رضي الله عنه مهاجرا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي ، فقال أبو بكر رضي الله عنه :
(7/378)
1
وترجو ذلك بأبي أنت قال : نعم ، فحبس أبو بكر رضي الله عنه نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصحبته وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر ، فبينما نحن جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر رضي الله عنه : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا في ساعة لم يكن يأتينا فيها فقال أبو بكر رضي الله عنه : فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة إلا أمر فجاء رسول الله فاستأذن صلى الله عليه وسلم فأذن له فدخل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل لأبي بكر رضي الله عنه أخرج من عندك ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فإنه قد أذن لي بالخروج ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فالصحابة بأبي أنت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن ، فقالت عائشة رضي الله عنها : فجهزناهما أحسن الجهاز فصنعنا لهما سفرة من جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت به الجراب - فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لقن ثقف فيخرج من عندهما سحرا فيصبح مع قريش بمكة كبائت فلا يسمع أمر يكاد أن به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن
(7/379)
1
فهيرة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب بغلس ساعة من الليل فيبيتان في رسلهما حتى ينعق بهما عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلف في آل العاص بن وائل وهو على دين كفار قريش فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلاث ليال فارتحلا فانطل معهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر والدليل الديلي فأخذ بهم طريقا آخر وهو طريق الساحل قال الزهري : أخبرني عبد الرحمن بن مالك المدلجي وهو ابن أخي سراقة بن حعشم : إن أباه أخبره أنه سمع سراقة يقول : جاءتنا رسل كفار قريش يجعلون في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه دية كل واحد منهما لمن قتلهما أو أسرهما ، فبينما أنا جالس في مجلس من مجالس قومي بني مدلج أقبل رجل
(7/380)
1
منهم حتى قام علينا فقال : يا سراقة إني رأيت آنفا أسودة بالساحل لا أراها إلا محمدا وأصحابه قال سراقة : فعرفت أنهم هم ، فقلت : إنهم ليسوا بهم ولكن رأيت فلانا وفلانا انطلقوا ثم لبثت في المجلس حتى قمت فدخلت بيتي وأمرت جاريتي أن تخرج لي فرسي وهي من وراء أكمة فتحبسها علي وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت فخططت برمحي الأرض وخفضت عالية الرمح حتى أتيت فرسي فركبتها ودفعتها تقرب بي حتى رأيت أسودتهما فلما دنوت منهم حيث يسمعهم الصوت
عثرت بي فرسي فخررت عنها فقمت فأهويت بيدي إلى كنانتي فاستخرجت منها الأزلام فاستقسمت بها أضرهم أم لا فخرج الذي أكره أن لا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام حتى إذا سمعت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت وأبو بكر رضي الله عنه يكثر الالتفات ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغت الركبتين فخررت عنها فجررتها فنهضت فلم تكد تخرج يداها فلما
(7/381)
1
استوت قائمة إذا لأثر يديها عثان ساطع في السماء من الدخان فاستقسمت بالأزلام فخرج الذي أكره أن لا أضرهم فناديتهم بالأمان فوقف وركبت فرسي حتى جئتهم ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أنه سيظهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إن قومك قد جعلوا فيك الدية وأخبرتهم من أخبار سفرهم وما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع فلم يرزآني شيئا ولم يسألاني إلا أن أخف عنا فسألته أن يكتب لي كتابا موادعة آمن به فأمر عامر بن فهيرة فكتب لي في رقعة من أديم ثم مضى ، قال الزهري : وأخبرني عروة بن الزبير أنه لقي الزبير وركبا من المسلمين كانوا تجارا بالشام قابلين إلى مكة فعرفوا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر فكساهم ثياب بيض وسمع المسلمون بالمدينة بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يؤذيهم حر الظهيرة فانقلبوا يوما بعدما أطالوا انتظاره فلما أووا إلى بيوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم
(7/382)
1
السراب فنادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم الذي تنتظرون ، فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتوه بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل في بني عمرو بن عوف بقباء وذلك يوم الإثنين من شهر ربيع الأول فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه يذكر الناس وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتا وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يكن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسبه أبا بكر حتى أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم الشمس فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى ظلل عليه برادئه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ، فلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة وابتنى المسجد الذي أسس على التقوى وصلى فيه ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فسار ومشى الناس حتى بركت به عند مسجد رسول الله بالمدينة وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين وكان مربدا للتمر لسهل وسهيل غلامين يتمين أخوين في حجر أبي
أمامة أسعد بن زرارة من بني النجار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بركت به راحلته هذا المنزل إن شاء الله ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا ، فقالا : لا بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يقبله منهما حتى ابتاعه منهما وبناه مسجدا وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم اللبن في بنائه وهو يقول : هذا الجمال لا جمال خيبر *
(7/383)
1
هذا أبر ربنا وأطهر إن الأجر أجر الآخرة * فارحم الأنصار والمهاجرة ويتمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعر رجل من المسلمين لم يسم لي قال ابن شهاب : ولم يبلغني في الأحاديث أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تمثل ببيت من الشعر تاما غير هؤلاء الأبيات ولكن يرجزهم لبناء المسجد ، فلما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كفار قريش حالت الحرب بين مهاجري أرض الحبشة وبين القدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقوه بالمدينة زمن الخندق فكانت أسماء بنت عميس تحدث : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعيرهم بالمكث في أرض الحبشة فذكرت ذلك أسماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله : لستم كذلك وكانت أول آية أنزلت في القتال (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) (الحج آية 39) حتى بلغ (لقوي عزيز).
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس رضي الله عنه قال : أقبل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو يردف أبا بكر رضي الله عنه وهو شيخ يعرف والنبي لا يعرف فكانوا يقولون : يا أبا بكر من هذا الغلام بين يديك فيقول : هاد يهديني السبيل
(7/384)
1
قال : فلما دنونا من المدينة نزلنا الحرة وبعث إلى الأنصار فجاءوا قال : فشهدته يوم دخل المدينة فما رأيت يوما كان أحسن منه وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن عبد البر في التمهيد عن كثير بن فرقد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج مهاجرا إلى المدينة ومعه أبو بكر رضي الله عنه أتى براحلة أبي بكر فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركب ويردفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أنت راكب وأردفك أنا فإن الرجل أحق بصدر دابته فلما خرجا لقيا في الطريق سراقة بن جعشم - وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يكذب - فسأله من الرجل قال : باغ ، قال : فما الذي وراءك قال : هاد ، قال : أحسست محمدا قال : هو ورائي.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، وَابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فأنزل الله سكينته عليه} قال : على أبي بكر رضي الله عنه لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه.
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار
(7/385)
1
حراء فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أن أحدهم يبصر موقع قدمه لأبصرني وإياك ، فقال ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم تروها.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت رضي الله عنه {فأنزل الله سكينته عليه} قال : على أبي بكر رضي الله عنه فأما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقد كانت عليه السكينة.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى} قال : هي الشرك {وكلمة الله هي العليا} قال : لا إله إلا الله.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك ، مثله.
وأخرج البخاريي ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وَابن مردويه عن أبي موسى رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله قال من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله تعالى.
الآية 41
(7/386)
1
وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى رضي الله عنه قال : أول ما نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه قال : أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا} ثم نزل أولها وآخرها.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر عن أبي مالك رضي الله عنه قال : أول شيء نزل من براءة {انفروا خفافا وثقالا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال : نشاطا وغير نشاط.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن الحكم في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال : مشاغيل وغير مشاغيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {انفروا خفافا وثقالا} قال : في العسر واليسر.
وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله {خفافا وثقالا} قال : فتيانا وكهولا.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر عن عكرمة في قوله {خفافا وثقالا} قال : شبابا وشيوخا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال : قالوا : إن فينا الثقيل وذا الحاجة والصنعة والشغل والمنتشر به أمره في ذلك فأنزل الله {انفروا
(7/387)
1
خفافا وثقالا} وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافا وثقالا وعلى ما كان منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه قال : جاء رجل زعموا أنه المقداد وكان عظيما سمينا فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى فنزلت يومئذ فيه {انفروا خفافا وثقالا} فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى) (التوبة آية 91) الآية.
وأخرج ابن جرير عن حضرمي قال : ذكر لنا أن أناسا كانوا عسى أن يكون أحدهم عليلا أو كبير فيقول : إني لا آثم فأنزل الله {انفروا خفافا وثقالا} الآية.
وأخرج ابن سعد ، وَابن أبي عمر العدني في مسنده وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وأبو يعلى ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن حبان وأبو الشيخ والحاكم وصححه ، وَابن مردويه عن أنس بن مالك ، أنا أبا طلحة قرأ سورة براءة فأتى على هذه الآية {انفروا خفافا وثقالا} قال : أرى ربنا يستنفرنا شيوخا وشبابا ، وفي لفظ فقال : ما أسمع الله عذر أحد أجهزوني ، قال بنوه : يرحمك الله تعالى قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات وغزوت مع أبي بكر حتى مات وغزوت مع عمر رضي الله عنه حتى مات فنحن نغزو عنك ، فأبى فركب البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد
(7/388)
1
تسعة أيام فلم يتغير فدفنوه فيها.
وأخرج ابن سعد والحاكم عن ابن سيرين رضي الله عنه قال : شهد أبو أيوب رضي الله عنه بدرا ثم لم يتخلف عن غزوة للمسلمين إلا عاما واحدا وكان يقول : قال الله {انفروا خفافا وثقالا} فلا أجدني إلا خفيفا وثقيلا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن أبي راشد الحبراني قال : رأيت المقداد فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو فقلت : لقد أعذر الله تعالى إليك ، قال : أبت علينا سورة التحوب {انفروا خفافا وثقالا} يعني سورة التوبة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه عن أبي يزيد المديني قال : كان أبو أيوب الأنصاري والمقداد بن الأسود يقولان : أمرنا أن تنفر على كل حال ويتأولان قوله تعالى {انفروا خفافا وثقالا}
(7/389)
1
الآية 42
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له : ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم فقال رجلان : قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا ، فأذن لهما فلما انطلقا قال أحدهما : إن هو الأشحمة لأول آكل فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه في ذلك شيء فلما كان ببعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المياه {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك} ونزل عليه (عفا الله عنك لم أذنت لهم) (التوبة 43) ونزل عليه (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر) (التوبة 43) ونزل عليهم (إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون) (التوبة 95).
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {لو كان عرضا قريبا} قال : غنيمة قريبة {ولكن بعدت عليهم الشقة} قال : المسير ، وأخرجه ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {لو كان عرضا قريبا} يقول : دنيا يطلبونها {وسفرا قاصدا} يقول : قريبا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {والله يعلم إنهم لكاذبون} قال : لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند
(7/390)
1
أنفسهم وزهادة في الجهاد.
الآية 43.
أَخرَج عبد الرزاق في المصنف ، وَابن جَرِير عن عمرو بن ميمون الأودي رضي الله عنه قال : اثنتان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمر فيهما بشيء أذنه للمنافقين وأخذه من الأسارى فأنزل الله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مورق العجلي رضي الله عنه قال : سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا بدأ بالعفو قبل المعاتبة فقال {عفا الله عنك لم أذنت لهم}.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم}
قال : ناس قالوا : استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أذن لكم فاقعدوا وإن لم يأذن لكم فاقعدوا.
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآيات الثلاث ، قال : نسختها (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم
(7/391)
1
فأذن لمن شئت منهم) (سورة النور 62).
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {عفا الله عنك لم أذنت لهم} الآية ، قال : ثم أنزل الله بعد ذلك في سورة النور (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم).
الآيات 44 - 45.
وَأخرَج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر} الآيتين ، قال : هذا تفسير للمنافقين حين استأذنوا في القعود عن الجهاد بغير عذر وعذر الله المؤمنين فقال (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم).
وأخرج أبو عبيد ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله} الآيتين ، قال : نسختها الآية التي في سورة النور (إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله) (سورة النور 62) إلى
(7/392)
1
(إن الله غفور رحيم) فجعل الله النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بأعلى النظرين في ذلك من غزا غزا في فضيلة ومن قعد قعد في غير حرج إن شاء الله.
الآيات 46 - 48.
أَخْرَج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ولكن كره الله انبعاثهم} قال : خروجهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فثبطهم} قال : حبسهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} قال : هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك سأل الله عنها نبيه والمؤمنين فقال : ما يحزنكم {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا} يقول : جمع لكم وفعل وفعل يخذلونكم.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ولأوضعوا خلالكم} قال : لأسرعوا بينكم.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
(7/393)
1
مجاهد في قوله {ولأوضعوا خلالكم} قال : لأرفضوا {يبغونكم الفتنة} قال : يبطئنكم عبد الله بن نبتل وعبد الله بن أبي بن سلول ورفاعة بن تابوت وأوس بن قيظي {وفيكم سماعون لهم} قال : محدثون بأحاديثهم غير منافقين هم عيون للمنافقين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {وفيكم سماعون لهم} قال : مبلغون.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن المنذر عن الحسن البصري قال : كان عبد الله بن أبي وعبد الله بن نبتل ورفاعة بن زيد بن تابوت من عظماء المنافقين وكانوا ممن يكيد
الإسلام وأهله وفيهم أنزل الله تعالى {لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور} إلى آخر الآية.
الآية 49.
أَخْرَج ابن المنذر والطبراني ، وَابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما أراد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أن يخرج إلى غزوة تبوك قال لجد بن قيس : ما تقول في مجاهدة بني الأصفر فقال : إني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن أفتن فائذن لي ولا تفتني فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} الآية
(7/394)
1
وأخرج ابن أبي حاتم ، وَابن مردويه ، عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لجد بن قيس : يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر قال جد : أتأذن لي يا رسول الله فإني رجل أحب النساء وإني أخشى إن أنا رأيت نساء بني الأصفر أن أفتتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معرض عنه : قد أذنت لك ، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي} الآية.
وأخرج الطبراني ، وَابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال : اغزوا تغنموا بنات بني الأصفر ، فقال ناس من المنافقين : إنه ليفتنكم بالنساء ، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني}.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال : نزلت في الجد بن قيس قال : يا محمد ائذن لي ولا تفتني بنساء بني الأصفر.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر وأبوالشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله !
(7/395)
1
{ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر نساء الروم ، فقالوا : ائذن لنا ولا تفتنا بالنساء.
وأخرج ابن إسحاق ، وَابن المنذر والبيهقي في الدلائل من طريقه عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج في وجه من مغازيه إلا أظهر أنه يريد غيره غير أنه في غزوة تبوك قال : أيها الناس إني أريد الروم فأعلمهم وذلك في زمان البأس وشدة من الحر وجدب البلاد وحين
طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عنها فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في جهازه إذ قال للجد بن قيس : يا جد هل لك في بنات بني الأصفر قال : يا رسول الله لقد علم قومي أنه ليس أحد أشد عجبا بالنساء مني وإني أخاف إن رأيت نساء بني الأصفر أن يفتنني فأذن لي يا رسول الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : قد أذنت ، فأنزل الله {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا} يقول : ما وقع فيه من الفتنة بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبته بنفسه عن نفسه أعظم مما يخاف من فتنة نساء بني الأصفر {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} يقول : من ورائه ، وقال رجل من المنافقين (لا تنفروا في الحر) فأنزل الله (قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (التوبة الآية 81) قال : ثم إن رسول الله جد في سفره وأمر الناس بالجهاز وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في
(7/396)
1
سبيل الله فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا وأنفق عثمان رضي عنه في ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها وحمل على مائتي بعير.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة وموسى بن عقبة قالا ثم إن رسول الله تجهز غازيا يريد الشام فأذن في الناس بالخروج وأمرهم به وكان ذلك في حر شديد ليالي الخريف والناس في نخيلهم خارفون فأبطأ عنه ناس كثير وقالوا : الروم لا طاقة بهم ، فخرج أهل الحسب وتخلف المنافقون وحدثوا أنفسهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرجع إليهم أبدا فاعتلوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عنه رجال من المسلمين بأمر كان لهم فيه عذر منهم السقيم والمعسر وجاء ستة نفر كلهم معسر يستحملونه لا يحبون التخلف عنه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أجد ما أحملكم عليه ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون منهم من بني سلمة عمر بن غنمة ومن بني مازن ابن النجار أبو ليلى عبد الرحمن بن كعب ومن بني حارث علية بن زيد ومن بني عمرو بن عوف بن سالم بن عمير
(7/397)
1
وهرم بن عبد الله وهم يدعون بني البكاء وعبد الله بن عمر ورجل من بني مزينة فهؤلاء الذين بكوا واطلع الله عز وجل أنهم يحبون الجهاد وأنه الجد من أنفسهم فعذرهم في القرآن فقال (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) (التوبة الآية 91) الآية والآيتين بعدها.
وأتاه الجد بن قيس السلمي وهو في المسجد معه نفر فقال : يا رسول الله ائذن لي في القعود فإني ذو ضيعة وعلة فيها عذر لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تجهز فإنك موسر لعلك أن تحقب بعض بنات بني الأصفر ، فقال : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني ، فنزلت {ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني} وخمس آيات معها يتبع بعضها بعضا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه كان فيمن تخلف عنه غنمة بن وديعة من بني عمرو بن عوف فقيل : ما خلفك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مسلم فقال : الخوض واللعب ، فأنزل الله عز وجل فيه وفيمن تخلف من المنافقين (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب) (التوبة الآية 65) ثلاث آيات
(7/398)
1
متتابعات.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو تبوك قال نغزو الروم إن شاء الله ونصيب بنات بني الأصفر - كان يذكر من حسنهن ليرغب المسلمون في الجهاد - فقام رجل من المنافقين فقال : يا رسول الله قد علمت حبي للنساء فائذن لي ولا تخرجني فنزلت الآية.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {ولا تفتني} قال : لا تخرجني {ألا في الفتنة سقطوا} يعني في الحرج.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولا تفتني} قال : لا تؤثمني {ألا في الفتنة} قال : ألا في الإثم سقطوا.
الآية 50.
وَأخرَج ابن أبي حاتم ، عَن جَابر بن عبد الله قال : جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أخبار السوء يقولون : إن محمدا وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبي
(7/399)
1
وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى {إن تصبك حسنة تسؤهم} الآية.
وأخرج سنيد ، وَابن جَرِير عن ابن عباس {إن تصبك حسنة تسؤهم} يقول : إن تصبك في سفرك هذا لغزوة تبوك {حسنة تسؤهم} قال : الجد وأصحابه.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال : العافية والرخاء والغنيمة {وإن تصبك مصيبة} قال : البلاء والشدة {يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل} قد حذرنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال : إن أظفرك الله وردك سالما ساءهم ذلك {وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا} في القعود من قبل أن تصيبهم.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إن تصبك حسنة تسؤهم} قال : إن كان فتح للمسلمين كبر ذلك عليهم
(7/400)
1
وساءهم.
الاية 51.
أَخرَج أبو الشيخ عن السدي {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} قال : إلا ما قضى الله لنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم بن يسار رضي الله عنه قال : الكلام في القدر واديان عريضان يهلك الناس فيهما لا يدرك عرضهما فاعمل عمل رجل يعلم أنه لا ينجيه إلا عمله وتوكل توكل رجل يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له.
وأخرج أبو الشيخ عن مطرف رضي الله عنه قال : ليس لأحد أن يصعد فوق بيت فيلقي نفسه ثم يقول : قدر لي ، ولكن نتقي ونحذر فإن أصابنا شيء علمنا أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وأخرج أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
الآية 52
أخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله !
(7/401)
1
{قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} قال : فتح أو شهادة.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إلا إحدى الحسنيين} قال : إلا فتحا أو قتلا في سبيل الله.
وأخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبي من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده بينما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بالروحاء إذ هبط عليه أعرابي من سرب فقال : من القوم وأين تريدون قال : قوم بدوا مع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ما لي أراكم بذة هيئتكم قليلا سلاحكم قال : ننتظر إحدى الحسنيين إما أن نقتل فالجنة وإما أن نغلب فيجمعهما الله تعالى لنا الظفر والجنة ، قال : أين نبيكم قالوا : ها هو ذا ، فقال له : يا نبي الله ليست لي مصلحة آخذ مصلحي ثم ألحق قال اذهب إلى أهلك فخذ مصلحتك فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وخرج الرجل إلى أهله حتى فرغ من حاجته ثم لحق بهم ببدر فدخل في الصف معهم فاقتتل الناس فكان فيمن استشهد فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انتصر فمر بين ظهراني
(7/402)
1
الشهداء ومعه عمر رضي الله عنه فقال : ها يا عمر إنك تحب الحديث وإن للشهداء سادة وأشرافا وملوكا وإن هذا يا عمر منهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا} قال : القتل بالسيوف.
الآيات 53 - 54.
أَخْرَج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال الجد بن قيس : إني إذا رأيت النساء لم أصبر حتى أفتتن ولكن أعينك بمالي ، قال : ففيه نزلت {قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم} قال : لقوله أعينك بمالي.
الآية 55.
أَخْرَج ابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها} في الآخرة
(7/403)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} قال : بالمصائب فيهم هي لهم عذاب وللمؤمنين أجر.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} قال : هذه من مقاديم الكلام يقول : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} قال : تزهق أنفسهم في الحياة الدنيا {وهم كافرون} قال : هذه آية فيها تقديم وتأخير.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {فلا تعجبك} يقول : لا يغررك {وتزهق} قال : تخرج أنفسهم من الدنيا {وهم كافرون}.
الآيات 56 - 57.
أَخْرَج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {ويحلفون بالله إنهم لمنكم} الآية ، قال : إنما يحلفون بالله تقية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لو يجدون ملجأ} الآية ، قال : الملجأ الحرز في الجبال والغارات الغيران في الجبال والمدخل السرب
(7/404)
1
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا} يقول : محرزا لهم يفرون إليه منكم {لولوا إليه} قال : لفروا إليه منكم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وهم يجمحون} قال : يسرعون.
الآيات 58 - 59.
وَأخرَج البخاري والنسائي ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بينما النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويلك ومن العدل إذا لم أعدل فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا رسول الله ائذن لي فيه فاضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه
(7/405)
1
شيء ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شيء ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شيء ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى يديه - أو قال ثدييه - مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على حين فرقة من الناس قال : فنزلت فيهم {ومنهم من يلمزك في الصدقات} الآية قال أبو سعيد : أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشهد أن عليا حين قتلهم وأنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(7/406)
1
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ومنهم من يلمزك في الصدقات} قال : يروزك يسألك.
وَأخرَج ابن المنذر عن قتادة في قوله : (ومنهم من يلمزوك في الصدقات). قال : يطعن عليك.
وأخرج سنيد ، وَابن جَرِير عن داود بن أبي عاصم قال : أتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بصدقة فقسمها ههنا وههنا حتى ذهبت ورآه رجل من الأنصار فقال : ما هذا بالعدل فنزلت هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن إياد بن لقيط ، أنه قرأ / {وإن لم يعطوا منها إذا هم ساخطون > /.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : لما قسم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ، فأتيت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال رحمة الله على موسى قد أؤذي بأكثر من هذا فصبر ونزل {ومنهم من يلمزك في الصدقات}.
الآية 60.
وَأخرَج ابن أبي حاتم ، وَابن مردويه ، عَن جَابر قال جاء أعرابي إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فسأله وهو يقسم قسما فأعرض عنه وجعل يقسم قال : أتعطي رعاء الشاء والله ما عدلت ، فقال : ويحك ، من يعدل إذا أنا لم أعدل فأنزل الله هذه الآية {إنما الصدقات للفقراء} الآية
(7/407)
1
وأخرج أبو داود والبغوي في معجمه والطبراني والدارقطني وضعفه عن زياد بن الحارث الصدائي قال : قال رجل يا رسول الله أعطني من الصدقة ، فقال : إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك.
وأخرج ابن سعد عن زياد بن الحرث الصدائي قال : بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم يشكون عاملهم ثم قالوا : يا رسول الله آخذنا بشيء كان بيننا وبينه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير للمؤمن في الأمارة ثم قام رجل فقال : يا رسول الله أعطني من الصدقة ، فقال : إن الله لم يكل قسمها إلى ملك مقرب ولا
نبي مرسل حتى أجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزأ منها أعطيتك وإن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن.
وأخرج سعيد بن منصور والطبراني ، وَابن مردويه عن موسى بن يزيد الكندي قال : كان ابن مسعود يقرئ رجلا فقرأ {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} مرسلة فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : وكيف أقرأكها قال : أقرأنيها {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} فمدها
(7/408)
1
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نسخت هذه الآية كل صدقة في القرآن قوله (وآت ذا القربى حقه والمسكين ، وَابن السبيل) (الإسراء الآية 26) وقوله (إن تبدوا الصدقات) (البقرة الآية 271) وقوله (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذاريات الآية 19).
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} الآية ، قال : إنما هذا شيء أعلمه الله إياه لهم فأيما أعطيت صنفا منها أجزاك.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن حذيفة في قوله {إنما الصدقات للفقراء} الآية ، قال : إن شئت جعلتها في صنف واحد من الأصناف الثمانية الذين سمى الله أو صنفين أو ثلاثة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال : لا بأس أن تجعلها في صنف واحد
(7/409)
1
مما قال الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن الحسن وعطاء وإبراهيم وسعيد بن جبير ، مثله.
وأخرج ابن المنذر والنحاس عن ابن عباس قال : الفقراء فقراء المسلمين والمساكين الطوافون.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ عن قتادة قال : الفقير الذي به زمانة والمسكين المحتاج الذي ليس به زمانة.
وأخرج سعيد بن منصور ، وَابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب ، أنه مر برجل من أهل الكتاب مطروح على باب فقال : استكدوني وأخذوا مني الجزية حتى كف
بصري فليس أحد يعود علي بشيء ، فقال عمر : ما أنصفنا إذا ثم قال : هذا من الذين قال الله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} ثم أمر له أن يرزق ويجري عليه
(7/410)
1
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر في قوله {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} قال : هم زمني أهل الكتاب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال : لا يعطي المشركون من الزكاة ولا من شيء من الكفارات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر قال : ليس بفقير من جمع الدرهم إلى الدرهم ولا التمرة إلى التمرة إنما الفقير من أنقي ثوبه ونفسه لا يقدر على غنى (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) (البقرة الآية 273).
وأخرج ابن أبي شيبة ، عَن جَابر بن زيد قال : الفقراء المتعففون والمساكين الذين يسألون.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الزهري ، أنه سئل عن هذه الآية فقال : الفقراء الذين في بيوتهم ولا يسألون والمساكين الذي يخرجون فيسألون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : الفقير الرجل يكون فقيرا وهو بين ظهري قومه وعشيرته وذوي قرابته وليس له مال والمسكين الذي لا عشيرة له ولا قرابة ولا رحم وليس له مال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك في الآية قال : الفقراء الذين هاجروا
(7/411)
1
والمساكين الذين لم يهاجروا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال : يعطي من الزكاة من له الدار والخادم والفرس.
وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم رضي الله عنه قال : كانوا لا يمنعون الزكاة من له البيت والخادم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {والعاملين عليها} قال : السعاة أصحاب الصدقة.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه قال : يعطي كل عامل بقدر عمله.
وأخرج ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : العامل على الصدقة بالحق كالغازي حتى يرجع إلى بيته.
وأخرج ابن جرير ، وَابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {والمؤلفة قلوبهم} قال : هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلموا وكان يرضخ لهم من الصدقات فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرا قالوا :
(7/412)
1
هذا دين صالح وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه.
وأخرج البخاري ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه من اليمن إلى النَّبِيّ بذهيبة فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة : الأقرع بن حايس الحنظلي وعلقمة بن علاثة العامري وعينية بن بدر الفزاري وزيد الخيل الطائي ، فقالت قريش والأنصار : أيقسم بين صناديد أهل نجد ويدعنا فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : إنما أتألفهم.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه قال المؤلفة قلوبهم : من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ومن بني أمية أبو سفيان بن حرب ومن بني مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بني أسد حكيم بن حزام ومن بني عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي ومن بني جمح صفوان بن أمية ومن بني سهم عدي بن قيس ومن ثقيف العلاء بن حارثة أو حارثة ومن بني فزارة عينية بن حصن ومن بني تميم الأقرع بن حابس ومن بني نصر مالك بن عوف ومن بني سليم العباس بن مرداس ، أعطى
(7/413)
1
النبي صلى الله عليه وسلم كل رجل منهم مائة ناقة مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع وحويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال : المؤلفة قلوبهم الذين يدخلون في الإسلام إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال : المؤلفة قلوبهم قوم من وجوه العرب يقدمون عليه فينفق عليهم منها ما داموا حتى يسلموا أو يرجعوا.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن جبير قال : ليس اليوم مؤلفة قلوبهم.
وأخرج البخاري في تاريخه ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن
(7/414)
1
الشعبي رضي الله عنه قال : ليست اليوم مؤلفة قلوبهم إنما كان رجال يتألفهم النَّبِيّ صلى الل