الدر المنثور للسيوطي ج ص معتمد 007

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
وأخرج ابن مردويه عن محمد بن عبد الله التيمي عن أبي بكر الصديق سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بذل ولا أقر قوم المنكر بين أظهارهم إلا عمهم الله بعقاب وما بينك وبين أن يعمكم الله بعقاب من عنده إلا أن تأولوا هذه الآية على غير أمر بمعروف ولا نهي عن المنكر {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
وأخرج ابن مردويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : خطب أبو بكر الناس فكان في خطبته قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس لا تتكلموا على هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} إن الذاعر ليكون في الحي فلا يمنعوه فيعمهم الله بعقاب.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ عن الحسن ، أنه تلا هذه الآية {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فقال : يالها من سعة ما أوسعها ويالها ثقة ما أوثقها.
وأخرج أبو الشيخ عن عثمان الشحام أبي سلمة قال : حدثني شيخ من أهل البصرة وكان له فضل وسن قال : بلغني أن داود سأل ربه قال : يا رب كيف لي أن أمشي لك في الأرض وأعمل لك فيها بنصح قال ياداود تحب من
(5/569)
1
أحبني من أحمر وأبيض ولا يزال شفتاك رطبتين من ذكري واجتنب فراش المغيب ، قال : أي رب فكيف أن تحبني أهل الدنيا البر والفاجر قال : ياداود تصانع أهل الدنيا لدنياهم وتحب أهل الآخرة لآخرتهم وتجتان إليك ذنبك بيني وبينك فإنك إذا فعلت ذلك فلا يضرك من ضل إذا اهتديت.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر ، أنه جاء رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن نفر ستة كلهم قرأ القرآن وكلهم مجتهد لا يألوهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك فقال : لعلك ترى أني آمرك أن تذهب إليهم تقاتلهم عظهم وانههم فإن عصوك فعليك نفسك فإن الله تعالى يقول {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} حتى ختم الآية.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن صفوان بن محرز ، أنه أتاه رجل من أصحاب الأهواء فذكر له بعض أمره فقال له صفوان : ألا أدلك على خاصة الله التي خص الله بها أولياءه {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} يقول : أطيعوا أمري
(5/570)
1
واحفظوا وصيتي.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} يقول : إذا ما أطاعني العبد فيما أمرته من الحلال والحرام فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به.
وأخرج ابن جرير من طريق قارب بينهما عن الضحاك عن ابن عباس قال : {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} مالم يكن سيف أو سوط.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مكحول ، أن رجلا سأله عن قول الله {عليكم أنفسكم} الآية ، فقال : إن تأويل هذه الآية لم يجيء بعد إذا هاب الواعظ وأنكر الموعوظ فعليك نفسك لا يضرك حينئذ من ضل إذا اهتديت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر مولى غفرة قال : إنما أنزلت هذه الآية لأن الرجل كان يسلم ويكفر أبوه ويسلم الرجل ويكفر أخوه فلما دخل قلوبهم حلاوة الإيمان دعوا آباءهم وإخوانهم فقالوا : حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا ، فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا
(5/571)
1
اهتديتم}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه سئل عن هذه الآية فقال : نزلت في أهل الكتاب يقول {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل} من أهل الكتاب {إذا اهتديتم}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال : إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن المسيب في قوله {لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} قال : إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
وأخرج ابن جرير عن الحسن ، أنه تلا هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم} فقال : الحمد لله بها والحمد لله عليها ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله
(5/572)
1
وأخرج أحمد ، وَابن ماجه والبيهقي في الشعب عن أنس قال : قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني اسرائيل قبلكم ، قالوا : وما ذاك يارسول الله قال : إذا ظهر الادهان في خياركم والفاحشة في كباركم وتحول الملك في صغاركم والفقه وفي لفظ : والعلم في رذالكم.
وأخرج البيهقي عن حذيفة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ، والله تعالى أعلم.
- قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين * فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين * ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين.
أَخْرَج الترمذي وضعفه ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ ، وَابن مردويه وأبو النعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي عن باذان مولى أم هانى ء عن ابن عباس عن تميم الداري في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} قال برى ء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم
عليهما مولى لبني سهم يقال
(5/573)
1
له : بديل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله ، قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ماكان معنا وفقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا : ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره ، قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه فحلف الله {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} إلى قوله {أن ترد أيمان بعد أيمانهم} فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء.
وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والبيهقي في "سُنَنِه" عن ابن عباس قال خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فلما قدما بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله : ما كتمتماها ولا اطلعتما ثم وجدوا الجام بمكة فقيل : اشتريناه من تميم وعدي
(5/574)
1
فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم وأخذ الجام وفيه نزلت {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}.
وَأخرَج ابن منده وأبو نعيم في المعرفة من طريق محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة قال : خرج ثلاثة نفر تجارا ، عدي بن بداء وتميم بن أوس الداري وخرج معهم بديل بن أبي مارية مولى بن العاص وكان مسلما ، حتى إذا قدموا الشام مرض بديل فكتب كتابا في صحيفة فيه جميع ما معه ، وفسره ثم طرحه في جوالفه فلما اشتد مرضه أوصى إلى تميم وإلى عدي النصرانيين فأمهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله قال : ومات بديل ، فقبضا متاعه ، ففتشاه وأخذا منه إناء كان فيه من فضة منقوشا بالذهب فيه ثلاثمائة مثقال مموه بالذهب ، فانصرفا فقدما المدينة ، فدفعا المتاع إلى أهل الميت ففتشوا المتاع فوجدوا الصحيفة فيها تسمية ما كان فيها من متاعه وفيه الإناء الفضة المموه بالذهب ، فرفعوهما إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فأنزلت : (ياأيها الذين أمنوا شهادة بينكم) الآية .
(5/575)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر عن عكرمة قال كان تميم الداري وعدي بن بداء رجلين نصرانيين يتجران إلى مكة في الجاهلية ويطيلان الإقامة بها فلما هاجر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حول متجرهما إلى المدينة فخرج بديل بن أبي مارية مولى عمرو بن العاص تاجرا حتى قدم المدينة فخرجوا جميعا تجارا إلى الشام حتى إذا كانوا ببعض الطريق اشتكى بديل فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه وأوصى إليهما فلما مات فتحا متاعه فأخذا منه شيئا ثم حجزاه كما كان وقدما المدينة على أهله فدفعا متاعه ففتح أهله متاعه فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به وفقدوا شيئا فسألوهما عنه فقالوا : هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا فقالوا لهما : هذا كتابه بيده قالوا :
ما كتمنا له شيئا فترافعوا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} إلى قوله {إنا إذا لمن الآثمين} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا فمكثا ما شاء الله أن يمكثا ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب فقال أهله : هذا من متاعه ولكنا اشتريناه منه ونسينا أن نذكره حين حلفنا فكرهنا أن نكذب نفوسنا فترافعوا إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية الأخرى {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} فأمر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه ثم أن تميما الداري أسلم وبايع
(5/576)
1
النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول : صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء ثم قال : يا رسول الله إن الله يظهرك على أهل الأرض كلها فهب لي قريتين من بيت لحم - وهي القرية التي ولد فيها عيسى - فكتب له بها كتابا فلما قدم عمر الشام أتاه تميم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : أنا حاضر ذلك فدفعها إليه.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عاصم أنه قرأ {شهادة بينكم} مضاف برفع شهادة بغير نون وبخفض بينكم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي عن أبي طلحة عن ابن عباس {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم} هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين من المسلمين ثم قال {أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض} فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين أمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة : ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلا فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة فذلك قوله تعالى {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} يقول : إن اطلع على أن الكافرين كذبا قام الأوليان فحلفا أنهما كذبا ذلك أدنى أن يأتي الكافران بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم فتترك شهادة
(5/577)
1
الكافرين ويحكم بشهادة الأوليان فليس على شهود المسلمين أقسام إنما الأقسام إذا كانا كافرين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله
{اثنان ذوا عدل منكم} قال : من أهل الإسلام {أو آخران من غيركم} قال : من غير أهل الأسلام وفي قوله {فيقسمان بالله} يقول : يحلفان بالله بعد الصلاة ، وفي قوله {فآخران يقومان مقامهما} قال : من أولياء الميت فيحلفان {بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما} يقول : فيحلفان بالله ما كان صاحبنا ليوصي بهذا وانهما لكاذبان ، وفي قوله {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} يعني أولياء الميت فيستحقون ماله بأيمانهم ثم يوضع ميراثه كما أمر الله وتبطل شهادة الكافرين ، وهي منسوخة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية {اثنان ذوا عدل منكم} قال : ما من الكتاب إلا قد جاء على شيء جاء على إدلاله غير هذه الآية ولئن أنا لم أخبركم بها لأنا أجهل من الذي ترك الغسل يوم الجمعة هذا رجل خرج مسافرا ومعه مال فأدركه قدره فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين فإن
(5/578)
1
لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب فإن أدى فسبيل ما أدى وإن هو جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة : أن هذا الذي وقع إلي وما غيبت شيئا فإذا حلف برى ء فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه فذلك الذي يقول الله {ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ عن مجاهد {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} قال : أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران لا يحضره غير اثنين منهم فإن رضي ورثته بما غابا عنه من تركته فذلك ويحلف الشاهدان أنهما صادقان فإن عثر قال : وجد لطخ أو لبس أو تشبيه حلف الإثنان الأولان من الورثة فاستحقا وأبطلا أيمان الشاهدين.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله {أو آخران من غيركم} قال : من غير المسلمين من أهل الكتاب
(5/579)
1
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن سعيد بن المسيب في قوله {اثنان ذوا عدل منكم} قال : من أهل دينكم {أو آخران من غيركم} قال : من أهل الكتاب إذا كان ببلاد لا يجد غيرهم.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن شريح قال : لا تجوز شهادة اليهودي ولا النصراني إلا في وصية ولا تجوز في وصية إلا في سفر.
وأخرج عبد الرزاق وأبو عبيد ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر والطبراني ، وَابن مردويه والحاكم وصححه عن الشعبي ، أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا أبا موسى الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها وصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله {شهادة بينكم} الآية ، كلها قال : كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة وكان الناس يتوارثون بينهم بالوصية ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها.
وأخرج ابن جرير عن الزبير قال : مضت السنة أن لايجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر إنما هي في المسلمين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هذه الآية منسوخة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبوالشيخ عن عكرمة {أو آخران من غيركم} قال : من المسلمين من غير حيه.
وأخرج سعيد بن منصور ، وعَبد بن حُمَيد والنحاس وأبو الشيخ والبيهقي في "سُنَنِه" {اثنان ذوا عدل منكم} قال : من قبيلتكم {أو آخران من غيركم} قال : من غير قبيلتكم ألا ترى أنه يقول {تحبسونهما من بعد الصلاة} كلهم من المسلمين.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق عقيل قال : سألت ابن شهاب عن هذه الآية قلت : أرأيت الاثنين اللذين ذكر الله من غير أهل المرء الموصي أهما من المسلمين أو هما من أهل الكتاب ورأيت الآخرين اللذين يقومان مقامهما أتراهما من أهل المرء الموصي أم هما في غير المسلمين قال ابن شهاب : لم نسمع في هذه اللآية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أئمة العامة سنة أذكرها وقد كنا نتذكرها أناسا من علمائنا
أحيانا فلا يذكرون فيها سنة معلومة ولاقضاء من إمام عادل ولكنه مختلف فيها رأيهم وكان أعجبهم فيها رأيا إلينا الذين كانوا يقولون : هي فيما بين أهل الميراث من المسلمين يشهد بعضهم الميت الذي يرثونه ويغيب عنه بعضهم ويشهد من شهده على ما أوصى به لذوي القربى فيخبرون من غاب عنه منهم بما حضروا من وصية فإن سلموا جازت وصيته وإن ارتابوا أن يكونوا بدلوا قول الميت وآثروا بالوصية من أرادوا ممن لم يوص لهم الميت بشيء حلف اللذان يشهدان على ذلك بعد الصلاة وهي أن المسلمين {فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين} فإذا أقسما على ذلك جازت شهادتهما وأيمانهما ما لم يعثر على أنهما استحقا إثما في شيء من ذلك قام آخران مقامهما من أهل الميراث من الخصم الذين ينكرون ما يشهد عليه الأولان المستحلفان أول مرة فيقسمان بالله لشهادتنا على تكذيبكما أو إبطال ما شهدتما به وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين
(5/580)
1
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله {تحبسونهما من بعد الصلاة} قال : صلاة العصر.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {لا نشتري به ثمنا} قال : لا نأخذ به رشوة {ولا نكتم شهادة الله} وإن كان صاحبها بعيدا.
وأخرج أبو عبيدة ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أنه كان يقرأ (ولا نكتم شهادة) يعني بقطع الكلام منونا (الله) بقطع الألف وخفض اسم الله على القسم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرؤها (ولا نكتم شهادة الله) يقول هوالقسم.
وأخرج عن عاصم (ولا نكتم شهادة الله) مضاف بنصب شهادة ولاينون.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن قتادة في قوله {فإن عثر على أنهما استحقا إثما} أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا أجيز شهادة الآخرين وبطلت شهادة الأولين.
وأخرج الفريابي ، وعَبد بن حُمَيد وأبو عبيدة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبوالشيخ عن علي بن أبي طالب أنه كان يقرأ (من الذين استحق عليهم الأوليان) بفتح التاء.
وأخرج ابن مردويه والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن عدي عن أبي مجلز أن أبي بن كعب قرأ {من الذين استحق عليهم الأوليان} قال عمر : كذبت ، قال : أنت أكذب ، فقال الرجل : تكذب أمير المؤمنين قال : أنا أشد تعظيما لحق أمير المؤمنين منك ولكن كذبته في تصديق كتاب الله ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله ، فقال عمر : صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى ابن يعمر أنه قرأها (الأوليان) وقال : هما الوليان.
وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبوالشيخ عن ابن عباس أنه كان يقرأ (من الذين استحق عليهم الأولين) ويقول : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين كيف يقومان مقامهما
(5/581)
1
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن أبي العالية أنه كان يقرأ الأولين مشددة على الجماع.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عاصم (من الذين استحق) برفع التاء وكسر الحاء (عليهم الأولين) مشددة على الجماع.
وأخرج ابن جرير عن ابن يزيد في قوله {الأوليان} قال : الميت.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله {ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها} يقول : ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} يقول : وأن يخافوا العنت.
وأخرج ابن جرير عن ابن يزيد في قوله {أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم} قال : فتبطل أيمانهم وتؤخذ أيمان هؤلاء.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مقاتل في قوله {واتقوا الله واسمعوا} قال : يعني القضاء.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {والله لا يهدي
(5/582)
1
القوم الفاسقين} قال : الكاذبين الذين يحلفون على الكذب ، والله تعالى أعلم.
- قوله تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب
- أَخْرَج الفريابي وعبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيفزعون فيقول : ماذا أجبتم فيقولون : لاعلم لنا فيرد إليهم أفئدتهم فيعلمون.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال : ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فلما سئلوا قالوا : لا علم لنا ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم} فيقولون للرب تبارك وتعالى : لا علم لنا إلا علم أنت أعلم به منا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال : فرقا
(5/583)
1
تذهل عقولهم ثم يرد الله عقولهم إليهم فيكونون هم الذين يسألون يقول الله {فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين} الأعراف الآية 6.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} قال : من هول ذلك اليوم.
وأخرج أبوالشيخ عن زيد بن أسلم قال : يأتي على الخلق ساعة يذهل فيها عقل كل ذي عقل {يوم يجمع الله الرسل}.
وأخرج الخطيب في تاريخه عن عطاء بن أبي رباح قال : جاء نافع بن الأزرق إلى ابن عباس فقال : والذي نفسي بيده لتفسرن لي آيا من كتاب الله عز وجل أو لأكفرن به ، فقال ابن عباس : ويحك ، أنا لها اليوم أي آي قال : أخبرني عن قوله عز وجل {يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} وقال في آية أخرى {ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله} القصص الآية 75 فكيف علموا وقد قالوا لا علم لنا وأخبرني عن قول الله {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} الزمر الآية 31 وقال في آية أخرى {لا تختصموا لدي} ق الآية 38 فكيف يختصمون وقد
قال : لا تختصموا لدي وأخبرني عن قول الله {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} يس الآية 65 فكيف شهدوا وقد ختم على الأفواه فقال ابن عباس : ثكلتك أمك يا ابن الأزرق إن للقيامة أحوالا وأهوالا وفظائع وزلازل فإذا تشققت
(5/584)
1
السموات وتناثرت النجوم وذهب ضوء الشمس والقمر وذهلت الأمهات عن الأولاد وقذفت الحوامل ما في البطون وسجرت البحار ودكدكت الجبال ولم يلتفت والد إلى ولد ولا ولد إلى والد وجيء بالجنة تلوح فيها قباب الدر والياقوت حتى تنصب على يمين العرش ثم جيء بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام من حديد ممسك بكل زمام سبعون ألف ملك لها عينان زرقاوان تجر الشفة السفلى أربعين عاما تخطر كما يخطر الفحل لو تركت لأتت على كل مؤمن وكافر ثم يؤتى بها حتى تنصب عن يسار العرش فتستأذن ربها في السجود فيأذن لها فتحمده بمحامد لم يسمع الخلائق بمثلها تقول : لك الحمد إلهي إذ جعلتني أنتقم من أعدائك ولم تجعل لي شيئا مما خلقت تنتقم به مني إلى أهلي فلهي أعرف بأهلها من الطير بالحب على وجه الأرض ، حتى إذا كانت من الموقف على مسيرة مائة عام وهو قول الله تعالى {إذا رأتهم من مكان بعيد} الفرقان الآية 12 زفرت زفرة فلا يبقي ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صديق منتخب ولا شهيد مما هنالك الآخر جاثيا على ركبتيه ثم تزفر الثانية زفرة فلا يبقى قطرة من الدموع إلا بدرت فلو كان لكل آدمي يومئذ عمل اثنين وسبعين نبيا لظن أنه سيواقعها ثم تزفر الثالثة زفرة فتنقطع القلوب من أماكنها فتصير بين اللهوات والحناجر ويعلو سواد العيون بياضها ينادي كل آدمي يومئذ : يا رب نفسي نفسي لا أسألك غيرها ونبيكم صلى الله عليه وسلم يقول : يا رب أمتي أمتي لا همة
(5/585)
1
له غيركم فعند ذلك يدعى بالأنبياء والرسل فيقال لهم {ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا} طاشت الأحلام وذهلت العقول فإذا رجعت القلوب إلى أماكنها {ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله} القصص الآية 75 وأما قوله تعالى {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} الزمر الآية 31 فيؤخذ
للمظلوم من الظالم وللمملوك من المالك وللضعيف من الشديد وللجماء من القرناء حتى يؤدي إلى كل ذي حق حقه فإذا أدى إلى كل ذي حق حقه أمر بأهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار اختصموا فقالوا : ربنا هؤلاء أضلونا {ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار} ص الآية 16 فيقول الله تعالى {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد} ق الآية 38 إنما الخصومة بالموقف وقد قضيت بينكم بالموقف فلا تختصموا لدي.
وَأَمَّا قوله {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم} يس الآية 65 فهذا يوم القيامة حيث يرى الكفار ما يعطي الله أهل التوحيد من الفضائل والخير ، يقولون : تعالوا حتى نحلف بالله ما كنا مشركين فتتكلم الأيدي بخلاف ما قالت الألسن : وتشهد الأرجل تصديقا للأيدي ثم يأذن الله للأفواه فتنطق {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} فصلت الآية 21.
- قوله تعالى : إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرأ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين
(5/586)
1
-.
أَخْرَج ابن أبي حاتم ، وَابن عساكر ، وَابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة دعى بالأنبياء وأممها ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقربها يقول {يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} الآية ، ثم يقول {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} المائدة الآية 116 فينكر أن يكون قال ذلك فيؤتي بالنصارى فيسألون فيقولون : نعم هو
أمرنا بذلك ، فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام حتى يوقع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي بكر بن عياش عن ابن وهب عن أبيه قال : قدم رجل من أهل الكتاب اليمن فقال أبي : ائته واسمع منه ، فقلت : تحيلني على رجل نصراني قال : نعم ، ائته واسمع منه ، فأتيته فقال : لما رفع الله عيسى عليه السلام أقامه بين يدي جبريل وميكائيل فقال له {اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك} فعلت بك وفعلت بك ثم أخرجتك من بطن أمك ففعلت بك وفعلت بك ستكون أمة بعدك ينتجلونك وينتجلون ربوبيتك ويشهدون أنك قدمت وكيف يكون رب يموت فبعزتي حلفت لأناصبنهم الحساب يوم القيامة ولأقيمنهم مقام الخصم من الخصم حتى ينفذوا ما قالوا ولن ينفذوه أبدا ثم أسلم وجاء من الأحاديث بشيء لم أسمع مثلها
(5/587)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات} أي الآيات التي وضع على يديه من إحياء الموتى وخلقه من الطين كهيئة الطير ، ثم ينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب مما يدخرون في بيوتهم وما رد عليهم من التوراة مع الإنجيل الذي أحدث الله إليه ثم ذكر كفرهم بذلك كله.
- قوله تعالى : وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون.
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن السدي في قوله {وإذ أوحيت إلى الحواريين} يقول : قذفت في قلوبهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة {وإذ أوحيت إلى الحواريين} قال : وحي قذف في قلوبهم ليس بوحي نبوة والوحي وحيان : وحي تجيء به الملائكة ووحي يقذف في قلب العبد.
- قوله تعالى : إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين.
أَخْرَج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ ، وَابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك إنما قالوا : هل تستطيع أنت ربك هل تستطيع أن تدعوه
(5/588)
1
وأخرج الحاكم وصححه والطبراني ، وَابن مردويه عن عبد الرحمن بن غنم قال : سألت معاذ بن جبل عن قول الحواريين {هل يستطيع ربك} أو تستطيع ربك فقال أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل تستطيع ربك) بالتاء.
وأخرج أبو عبيد ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن عباس أنه قرأها (هل تستطيع ربك) بالتاء ونصب ربك.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن جَرِير عن سعيد بن جبير أنه قرأها (هل تستطيع ربك) قال : هل تستطيع أن تسأل ربك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عامر الشعبي أن عليا كان يقرأها (هل يستطيع ربك) قال : هل يعطيك ربك.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن يحيى بن وثاب وأبي رجاء أنهما قرآ (هل يستطيع ربك) بالياء والرفع.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} قال : قالوا : هل يطيعك ربك إن سألته فأنزل الله عليهم مائدة من السماء فيها جميع الطعام إلا اللحم فأكلوا منها.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله {مائدة} قال : المائدة
(5/589)
1
الخوان ، وفي قوله {وتطمئن} قال : توقن.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن السدي في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} يقول : نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله {تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} قال : أرادوا أن تكون لعقبهم من بعدهم.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات عن سلمان الفارسي قال : لما سأل الحواريون عيسى بن مريم المائدة كره ذلك جدا وقال : اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض ولا تسألوا المائدة من السماء فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها فأبوا إلا أن يأتيهم بها فلذلك {قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} ، فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعوا لهم بها قام فألقى عنه الصوف ولبس الشعر الأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثم
(5/590)
1
توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطاطا رأسه خشوعا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه من خشوعه فلما رأى ذلك دعا الله فقال {اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا} تكون عظة منك لنا {وآية منك} أي علامة منك تكون بيننا وبينك وارزقنا عليها طعاما نأكله {وأنت خير الرازقين} ، فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها وغمامة تحتها وهم ينظرون إليها في الهواء منقضة من فلك السماء تهوي إليهم وعيسى يبكي خوفا
للشروط التي اتخذ الله فيها عليهم إنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين وهو يدعو الله في مكانه ويقول : إلهي اجعلها رحمة إلهي لا تجعلها عذابا إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني إلهي اجعلنا لك شاكرين إلهي أعوذ بك أن تكون أنزلتها غضبا ورجزا إلهي اجعلها سلامة وعافية ولا تجعلها فتنة ومثلة فما زال يدعو حتى استقرت السفرة بين يدي عيسى والحواريون وأصحابه حوله يجدون رائحة طيبة لم يجدوا فيما مضى رائحة مثلها قط وخر عيسى والحواريون لله سجدا شكرا له بما رزقهم من حيث لم يحتسبوا وأراهم فيه آية
(5/591)
1
عظيمة ذات عجب وعبرة ، وأقبلت اليهود ينظرون فرأوا أمرا عجبا أورثهم كمدا وغما ثم انصرفوا بغيظ شديد وأقبل عيسى والحواريون وأصحابه حتى جلسوا حول السفرة فإذا عليه منديل مغطى قال عيسى : من أجرؤنا على كشف المنديل عن هذه السفرة وأوثقنا بنفسه وأحسننا بلاء عند ربه فليكشف عن هذه الآية حتى نراها ونحمد ربنا ونذكر باسمه ونأكل من رزقه الذي رزقنا فقال الحواريون : يا روح الله وكلمته أنت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عنها ، فقام عيسى : فاستأنف وضوءا جديدا ثم دخل مصلاه فصلى بذلك ركعات ثم بكى طويلا ودعا الله أن يأذن له في الكشف عنها ويجعل له ولقومه فيها بركة ورزقا ثم انصرف وجلس إلى السفرة وتناول المنديل وقال : بسم الله خير الرازقين وكشف عن السفرة وإذا هو عليها سمكة ضخمة مشوية ليس عليها بواسير وليس في جوفها سوك يسيل منها السمن سيلا قد نضد حولها بقول من كل صنف غير الكراث وعند رأسها خل وعند ذنبها ملح وحول البقول خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الآخر تمرات وعلى الآخر خمس رمانات فقال شمعون رأس الحواريين لعيسى : يا روح الله وكلمته أمن طعام الدنيا هذا أم من طعام الجنة فقال : أما آن لكم أن تعتبروا بما ترون من الآيات وتنتهوا عن تنقير المسائل ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا في سبب هذه الآية ، فقال شمعون : لا وإله إسرائيل
(5/592)
1
ما أردت بها سوءا يا ابن الصديقة ، فقال عيسى : ليس شيء مما ترون عليها من طعام الجنة ولا من طعام الدنيا إنما هو شيء ابتدعه الله في الهواء بالقدرة الغالبة
القاهرة فقال له كن فكان أسرع من طرفة عين فكلوا مما سألتم بسم الله واحمدوا عليه ربكم يمدكم منه ويزدكم فإنه بديع قادر شاكر ، فقال يا روح الله وكلمته إنا نحب أن ترينا آية في هذه الآية ، فقال عيسى : سبحان الله ، أما اكتفيتم بما رأيتم من هذه الآية حتى تسألوا فيها آية أخرى ثم أقبل عيسى على السمكة فقال : يا سمكة عودي بإذن الله حية كما كنت فأحياها الله بقدرته فاضطربت وعادت بإذن الله حية طرية تلمظ كما يتلمظ الأسد تدور عيناها لها بصيص وعادت عليها بواسيرها ففزع القوم منها وانحاسوا فلما رأى عيسى ذلك منهم قال : ما لكم تسألون الآية فإذا أراكموها ربكم كرهتموها ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا بما تصنعون يا سمكة عودي بإذن الله كما كنت فعادت بإذن الله مشوية كما كانت في خلقها الأول ، فقالوا لعيسى : كن أنت يا روح الله الذي تبدأ بالأكل منها ثم نحن بعد ، فقال : معاذ الله من ذلك يبدأ بالأكل كل من طلبها ، فلما رأى الحواريون وأصحابهم امتناع نبيهم منها خافوا أن يكون نزولها سخطة وفي أكلها مثلة فتحاموها فلما رأى ذلك عيسى دعا لها الفقراء والزمنى وقال : كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم واحمدوا الله الذي أنزلها لكم يكون مهناها لكم وعقوبتها على غيركم وافتتحوا أكلكم بسم الله واختتموه بحمد الله ففعلوا فأكل منها ألف وثلثمائة إنسان بين رجل وامرأة يصدرون
(5/593)
1
عنها كل واحد منهم شبعان يتجشأ ، ونظر عيسى والحواريون فإذا ما عليها كهيئة إذ نزلت من السماء لم ينتقص منه شيء ثم انها رفعت إلى السماء وهم ينظرون فاستغنى كل فقير أكل منها وبريء كل زمن منهم أكل منها فلم يزالوا أغنياء صحاحا حتى خرجوا من الدنيا وندم الحواريون وأصحابهم الذين أبو أن يأكلوا منها ندامة سالت منها أشفارهم وبقيت حسرتها في قلوبهم إلى يوم الممات ، قال : فكانت المائدة إذا نزلت بعد ذلك أقبلت بنو إسرائيل إليها من كل مكان يسعون يزاحم بعضهم بعضا الأغنياء والفقراء والنساء والصغار والكبار والأصحاء والمرضى يركب بعضهم بعضا فلما رأى عيسى ذلك جعلها نوبا بينهم فكانت تنزل يوما ولا تنزل يوما فلبثوا في ذلك أربعين يوما تنزل عليهم غبا عند ارتفاع الضحى فلا تزال موضوعة يؤكل منها حتى إذا قالوا ارتفعت عنهم بإذن الله إلى جو السماء وهم ينظرون إلى ظلها في الأرض حتى توارى عنهم.
فأوحى الله إلى عيسى أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس فلما فعل الله ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر وأدرك الشيطان
(5/594)
1
منهم حاجته وقذف وساوسه في قلوب المرتابين حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء حق فإنه ارتاب بها بشر منا كثير ، قال عيسى : كذبتم وإله المسيح طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم فلما أن فعل وأنزلها الله عليكم رحمة ورزقا وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله وأوحى الله إلى عيسى إني آخذ المكذبين بشرطي فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة من نسائهم آمنين فلما كان من آخر الليل مسخهم الله خنازير وأصبحوا يتتبعون الأقذار في الكناسات.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس ، أنه كان يحدث عن عيسى بن مريم أنه قال لبني اسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم فإن أجر العامل على من عمل له ففعلوا ثم قالوا : يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء} إلى قوله {أحدا من العالمين} فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة
(5/595)
1
أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.
وأخرج الترمذي ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبوالشيخ ، وَابن مردويه عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من وجه آخر عن عمار بن ياسر موقوفا مثله ، قال الترمذي : والوقف أصح.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه عن عمار بن ياسر قال : نزلت المائدة عليها ثمر من ثمر الجنة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : المائدة سمكة وأريغفة.
وأخرج سفيان بن عيينة عن عكرمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا بنو إسرائيل ما خنز الخبز ولا أنتن اللحم ولكن خبأوه لغد فأنتن اللحم وخنز الخبز
(5/596)
1
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الأضداد عن أبي عبد الرحمن السلمي في قوله {أنزل علينا مائدة من السماء} قال : خبزا وسمكا.
وأخرج ابن الأنباري وأبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن جبير قال : نزلت المائدة وهي طعام يفور فكانوا يأكلون منها قعودا فأحدثوا فرفعت شيئا فأكلوا على الركب ثم أحدثوا فرفعت البتة.
وأخرج ابن الأنباري عن وهب بن منبه قال : كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف فقالوا لقوم من وضعائهم : إن هؤلاء يلطخون ثيابنا علينا فلو بنينا لها دكانا يرفعها فبنوا لها دكانا فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء فلما خالفوا أمر الله عز وجل رفعها عنهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن الانباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عطية العوفي قال : المائدة سمكة فيها من طعم كل طعام
(5/597)
1
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة ، أن الخبز الذي أنزل مع المائدة كان من أرز.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : نزل على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أينما تولوا إذا شاؤوا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن الأنباري في كتاب الأضداد من طريق عكرمة عن ابن عباس في المائدة قال : كان طعاما ينزل عليهم من السماء حيثما نزلوا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد قال : هو الطعام ينزل عليهم حيث نزلوا.
وأخرج ابن جرير عن إسحاق بن عبد الله ، أن المائدة نزلت على عيسى بن مريم عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات يأكلون منها ما شاؤوا فسرق بعضهم منها وقال : لعلها لا تنزل غدا فرفعت
(5/598)
1
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن الأنباري وأبو الشيخ عن قتادة قال : ذكر لنا أنها كانت مائدة ينزل عليها الثمر من ثمار الجنة وأمروا أن لا يخبئوا ولا يخونوا ولا يدخروا لغد بلاء أبلاهم الله به وكانوا إذا فعلوا شيئا من ذلك أنبأهم به عيسى فخان القوم فيه فخبأوا وادخروا لغد.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أنزل على المائدة كل شيء إلا اللحم ، والمائدة الخوان.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن ميسرة وزاذان قالا : كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت الأيدي فيها بكل طعام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه سئل عن المائدة التي أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل قال : كان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى فكانت يقعد عليها أربعة آلاف فإذا أكلوا أبدل الله مكان ذلك بمثله فلبثوا بذلك ما شاء الله.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله !
(5/599)
1
{أنزل علينا مائدة من السماء} قال : هو مثل ضرب ولم ينزل عليهم شيء.
وأخرج أبو عبيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام أبوها حين عرض عليهم العذاب ان كفروا فأبوا أن ينزل عليهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن الأنباري عن الحسن قال : لما قيل لهم {فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا} قالوا : لا حاجة لنا فيها فلم تنزل عليهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} قال : ذكر لنا أنهم لما صنعوا في المائدة ما صنعوا حولوا خنازير.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {فمن يكفر بعد منكم} بعد ما جاءته المائدة {فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين} يقول : أعذبه بعذاب لا أعذبه أحدا غير أهل المائدة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون
(5/600)
1
وآل فرعون.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عاصم أنه قرأ {إني منزلها} مثقلة.
- الآية (116 - 117).
أَخْرَج الترمذي وصححه والنسائي ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والديلمي عن أبي هريرة قال : يلقي الله عيسى حجته والله لقاه في قوله {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} قال أبوهريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم : فلقاه الله {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} ، الآية كلها.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ميسرة قال : لما {قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} أرعد كل مفصل منه حتى وقع.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح قال : لما قال {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} زال كل مفصل له من مكانه خيفة.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله !
(5/601)
1
{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} متى يكون ذلك قال : يوم القيامة ألا ترى انه يقول {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} المائدة الآية 119.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} قال : لما رفع الله عيسى بن مريم إليه قالت النصارى ما قالت وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك
فسأله عن قوله {قال سبحانك ما يكون لي} إلى قوله {وأنت على كل شيء شهيد}.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وَابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، عَن طاووس في هذه الآية قال : احتج عيسى وربه والله وفقه {قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}.
وأخرج أبو الشيخ من طريق طاووس عن أبي هريرة عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال إن عيسى حاجه ربه فحاج عيسى ربه والله لقاه حجته بقوله {أأنت قلت للناس} الآية.
وأخرج ابن مردويه ، عَن جَابر بن عبد الله سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ودعي كل أناس بإمامهم قال : ويدعى عيسى فيقول لعيسى {يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}
(5/602)
1
فيقول {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} إلى قوله {يوم ينفع الصادقين صدقهم}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} والناس يسمعون فراجعه بما قد رأيت فأقر له بالعبودية على نفسه فعلم من كان يقول في عيسى ما كان يقول أنه إنما كان يقول باطلا.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {أن اعبدوا الله ربي وربكم} قال : سيدي وسيدكم.
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد ، وعَبد بن حُمَيد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن حبان وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا ثم قرأ {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} الأنبياء الآية 104 ثم قال : ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا
وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول :
(5/603)
1
يا رب أصحابي أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح {وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} فيقال : أما هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {كنت أنت الرقيب عليهم} قال : الحفيظ.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {كنت أنت الرقيب} قال : الحفيظ.
- الآية (118).
أَخْرَج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والنسائي ، وَابن مردويه والبيهقي في "سُنَنِه" عن أبي ذر قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقرأ بآية حتى أصبح يركع بها ويسجد بها {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية ، فلما أصبح قلت : يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتى أصبحت قال : إني سألت ربي الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي ائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا
(5/604)
1
وأخرج ابن ماجة عن أبي ذر قال قام النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
وأخرج مسلم والنسائي ، وَابن أبي الدنيا في حسن الظن ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم ، وَابن حبان والطبراني والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تلا قول الله في إبراهيم {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني} إبراهيم الآية 36 الآية ، وقال عيسى بن مريم {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} فرفع يديه فقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله : جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر قال بات رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يشفع لأمته
فكان يصلي بهذه الآية {إن تعذبهم فإنهم عبادك} إلى آخر الآية ، كان بها يسجد وبها يركع وبها يقوم وبها يقعد حتى أصبح.
وأخرج ابن مردويه عن أبي ذر قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية من القرآن ومعك قرآن لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه قال : دعوت لأمتي ، قال : فماذا أجبت قال : أجبت بالذي لو
(5/605)
1
اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة ، قال : أفلا أبشر الناس قال : بلى ، فقال عمر : يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادة فناداه أن ارجع فرجع وتلا الآية التي يتلوها {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم}.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {إن تعذبهم فإنهم عبادك} يقول : عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم {وإن تغفر لهم} أي من تركت منهم ومد في عمره حتى أهبط من السماء إلى الأرض يقتل الدجال فنزلوا عن مقالتهم ووحدوك وأقروا انا عبيد {وإن تغفر لهم} حيث رجعوا عن مقالتهم {فإنك أنت العزيز الحكيم}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {إن تعذبهم فإنهم عبادك} يقول : إن تعذبهم تميتهم بنصرانيتهم فيحق عليهم العذاب فإنهم عبادك {وإن تغفر لهم} فتخرجهم من النصرانية وتهديهم إلى الإسلام {فإنك أنت العزيز الحكيم} هذا قول عيسى عليه السلام في الدنيا.
- الآية (119 - 120).
أَخْرَج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} قال : يقول هذا يوم ينفع الموحدين توحيدهم
(5/606)
1
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} قال : هذا فصل بين كلام عيسى وهذا يوم القيامة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة قال : متكلمان تكلما يوم القيامة ، نبي الله عيسى وإبليس عدو الله فأما إبليس فيقول {إن الله وعدكم وعد الحق} إبراهيم الآية 42 إلى قوله {إلا أن دعوتكم فاستجبتم} لي وصدق عدو الله يومئذ وكان في الدنيا كاذبا وأما عيسى فما قص الله عليكم في قوله {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي} المائدة الآية 116 إلى آخر الآية : {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} وكان صادقا في الحياة الدنيا وبعد الموت ، قوله تعالى : {لله ملك السماوات} الآية.
أخرج أبوعبيد في فضائله عن أبي الزاهرية أن عثمان رضي الله عنه كتب في آخر المائدة لله ملك السموات والأرض والله سميع بصير
(5/607)
1
المجلد السادس
(6)- سورة الأنعام.
مكية وآياتها خمس وستون ومائة.
أَخْرَج ابن الضريس وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الأنعام بمكة.
وأخرج أبو عبيدة ، وَابن الضريس في فضائلهما ، وَابن المنذر والطبراني ، وَابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة حولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح.
وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : أنزلت سورة الأنعام جميعا بمكة معها موكب من الملائكة يشيعونها قد طبقوا ما بين السماء والأرض لهم زجل بالتسبيح حتى كادت الأرض أن ترتج من زجلهم بالتسبيح ارتجاجا فلما سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم زجلهم بالتسبيح رعب من ذاك فخر ساجدا حتى أنزلت عليه بمكة
(6/5)
1
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال : نزلت سورة الأنعام يشيعها سبعون ألفا من الملائكة.
وأخرج ابن مردويه عن أسماء قالت : نزلت سورة الأنعام على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وهو في مسير في زجل من الملائكة وقد نظموا ما بين السماء والأرض.
وأخرج الطبراني ، وَابن مردويه عن أسماء بنت يزيد قالت : نزلت سورة الأنعام على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم جملة واحدة وأنا آخذة بزمام ناقة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إن كادت من ثقلها لتكسر عظام الناقة.
وأخرج الطبراني ، وَابن مردويه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح والتحميد
(6/6)
1
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ ، وَابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان والسلفي في
الطيوريات عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت علي سورة الأنعام ومعها موكب من الملائكة يسد ما بين الخافقين لهم زجل بالتسبيح والتقديس والأرض ترتج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبحان الله العظيم سبحان الله العظيم.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب والإسماعيلي في معجمه ، عَن جَابر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق.
وأخرج البيهقي في الشعب وضعفه والخطيب في تاريخه عن علي بن أبي طالب قال : أنزل القرآن خمسا خمسا ومن حفظ خمسا خمسا لم ينسه إلا سورة الأنعام فإنها نزلت جملة في ألف يشيعها من كل سماء سبعون ملكا حتى أدوها إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما قرئت على عليل إلا شفاه الله.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت علي سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زجل
(6/7)
1
بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل.
وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس قال : سورة الأنعام نزلت بمكة جملة واحدة فهي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلتا بالمدينة {قل تعالوا أتل} الأنعام الآيات 151 - 153 إلى تمام الآيات الثلاث.
وأخرج الديلمي بسند ضعيف عن أنس مرفوعا ينادي مناديا : قارى ء سورة الأنعام هلم إلى الجنة بحبك إياها وتلاوتها.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد قال : نزلت سورة الأنعام كلها جملة معها خمسمائة ملك يزفونها ويحفونها.
وأخرج ابن المنذر عن أبي جحيفة قال : نزلت سورة الأنعام جميعا معها سبعون ألف ملك كلها مكية إلا {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} الأنعام الآية 111 فإنها مدنية.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن محمد بن المنكدر قال : لما نزلت سورة الأنعام سبح النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق
(6/8)
1
وأخرج الفريابي وإسحاق بن راهويه في مسنده ، وعَبد بن حُمَيد عن شهر بن
حوشب قال : نزلت الأنعام جملة واحدة معها رجز من الملائكة قد نظموا ما بين السماء الدنيا إلى الأرض قال : وهي مكية غير آيتين {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} الأنعام الآيات 151 - 152 والآية التي بعدها.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال : أنزلت الأنعام جميعا ومعها سبعون ألف ملك.
وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال : نزلت الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال {ما أنزل الله على بشر من شيء} الأنعام الآية 91 الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال : نزلت الأنعام كلها بمكة إلا آيتين نزلتا بالمدينة في رجل من اليهود وهو الذي قال {ما أنزل الله على بشر من شيء} الأنعام الآية 91 وهو فنحاص اليهودي أو مالك بن الصيف.
وأخرج أبو عبيدة في فضائله والدارمي في مسنده ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب قال : الأنعام من مواجب القرآن.
وأخرج محمد بن نصر عن ابن مسعود قال : الأنعام من مواجب القرآن
(6/9)
1
وأخرج أبو الشيخ عن حبيب أبي محمد العابد قال : من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام إلى تكسبون بعث الله له سبعين ألف ملك يدعون له إلى يوم القيامة وله مثل أعمالهم فإذا كان يوم القيامة أدخله الله الجنة وسقاه من سلسبيل وغسله من الكوثر وقال : أنا ربك حقا وأنت عبدي حقا.
وأخرج ابن الضريس عن حبيب بن عيسى عن أبي محمد الفارسي قال : من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام بعث الله سبعين ألف ملك يستغفرون له إلى يوم القيامة وله مثل أجورهم فإذا كان يوم القيامة أدخله الله الجنة أظله في ظل عرشه وأطعمه من ثمار الجنة وشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وقال الله : أنا ربك وأنت عبدي.
وأخرج السلفي بسنده واه عن ابن عباس مرفوعا قال من قرأ إذا صلى الغداة
ثلاث آيات من أول سورة الأنعام إلى {ويعلم ما تكسبون} نزل إليه أربعون ألف ملك يكتب له مثل أعمالهم وبعث إليه ملك من سبع سموات ومعه مرزبة من حديد فإن أوحى الشيطان في قلبه شيئا من الشر ضربه حتى يكون بينه وبينه سبعون حجابا فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : أنا ربك وأنت عبدي : امش في ظلي واشرب من الكوثر واغتسل من السلسبيل وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب
(6/10)
1
وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى الفجر في جماعة وقعد في مصلاه وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الانعام وكل الله به سبعين ملكا يسبحون الله ويستغفرون له إلى القيامة.
وأخرج عبد الرزاق عن حذيفة أنه مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ليلة وهو يصلي في المسجد قال : فقمت أصلي وراءه فاستفتح سورة البقرة فلما ختم قال : اللهم لك الحمد اللهم لك الحمد وترا ثم افتتح آل عمران فختمها فلم يركع وقال : اللهم لك الحمد ثلاث مرات ثم افتتح سورة المائدة فختمها فركع فسمعته يقول : سبحان ربي العظيم ويرجع شفتيه فاعلم انه يقول : غير ذلك ثم افتتح سورة الأنعام فتركته وذهبت.
- الآية (1).
أَخْرَج ابن الضريس في فضائل القرآن ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن كعب قال : فتحت التوراة {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} وختمت {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} إلى قوله {وكبره تكبيرا}.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن الربيع بن أنس {الحمد لله الذي خلق
(6/11)
1
السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال : هي في التوراة بستمائة آية.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض} حمد نفسه فأعظم خلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن علي ، أنه أتاه رجل من الخوارج فقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون أليس كذلك قال : نعم ، فانصرف عنه ثم قال : ارجع ، فرجع فقال : أي قل إنما أنزلت في أهل الكتاب.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أنه أتاه رجل من الخوارج فقرأ عليه {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} الآية ، ثم قال : أليس الذي كفروا بربهم يعدلون قال : بلى ، فانصرف عنه الرجل فقال له رجل من القوم : يا ابن أبزي إن هذا أراد تفسير الآية غير ما ترى إنه رجل من الخوارج ، قال : ردوه علي ، فلما جاء قال : أتدري فيمن أنزلت هذه الآية قال : لا ، قال : نزلت في أهل الكتاب فلا تضعها في غير موضعها
(6/12)
1
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في الزنادقة {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال : قالوا : إن الله لم يخلق الظلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئا قبيحا وإنما خلق النور وكل شيء حسن فأنزل فيهم هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : نزل جبريل مع سبعين ألف ملك معهم سورة الأنعام لهم زجل من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض فكان فيه رد على ثلاثة أديان منهم فكان فيه رد على الدهرية لأن الأشياء كلها دائمة ثم قال : {وجعل الظلمات والنور} فكان فيه رد على المجوس الذين زعموا أن الظلمة والنور هما المدبران وقال {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فكان فيه رد على مشركي العرب ومن دعا دون الله إلها.
وأخرج ابن جرير عن أبي روق قال : كل شيء في القرآن {جعل} فهو خلق
(6/13)
1
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وجعل الظلمات والنور} قال : الكفر والإيمان.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال : خلق الله السموات قبل الأرض والظلمة قبل النور والجنة قبل النار {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال : كذب العادلون بالله فهؤلاء أهل الشرك.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وجعل الظلمات والنور} قال : الظلمات ظلمة الليل والنور نور النهار {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال : هم المشركون.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال : يشركون.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال : الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله تعالى
(6/14)
1
وليس لله عدل ولا ند وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا.
- الآية (2 - 5).
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس {هو الذي خلقكم من طين} يعني آدم {ثم قضى أجلا} يعني أجل الموت {وأجل مسمى عنده} أجل الساعة والوقوف عند الله.
وأخرج الفريابي ، وَابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله {ثم قضى أجلا} قال : أجل الدنيا ، وفي لفظ : أجل موته {وأجل مسمى عنده} قال : الآخرة لا يعلمه إلا الله.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس {قضى أجلا} قال : هو النوم يقبض الله فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه حين اليقظة {وأجل مسمى عنده} قال : هو أجل موت الإنسان
(6/15)
1
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة في قوله {هو الذي خلقكم من طين} قال : هذا بدء الخلق خلق آدم من طين {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} السجدة الآية 8 {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} يقول : أجل حياتك إلى يوم تموت وأجل موتك إلى يوم البعث {ثم أنتم تمترون} قال : تشكون.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ثم قضى أجلا} قال : أجل الدنيا الموت {وأجل مسمى عنده} قال : الآخرة البعث.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة والحسن في قوله {قضى أجلا} قالا : قضى أجل الدنيا منذ خلقت إلى أن تموت {وأجل مسمى عنده} قال : يوم القيامة.
وأخرج أبو الشيخ عن يونس بن يزيد الايلي {قضى أجلا} قال : ما خلق في ستة أيام {وأجل مسمى عنده} قال : ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ثم أنتم تمترون} قال : تشكون
(6/16)
1
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله {ثم أنتم تمترون} يقول يقول : في البعث.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله وما {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} يقول : ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه ، وفي قوله {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون} يقول : سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزأوا به من كتاب الله عز وجل.
- الآية (6).
أَخْرَج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {من قرن} قال : أمة.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} يقول : أعطيناهم ما لم نعطكم.
وأخرج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق علي عن ابن عباس في قوله {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} يقول : يتبع بعضها بعضا
(6/17)
1
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التميمي في قوله {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} قال : المطر في إبانه.
- الآية (7).
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم} يقول : لو أنزلنا من السماء صحفا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم لزادهم ذلك تكذيبا.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} يقول : في صحيفة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {فلمسوه بأيديهم} يقول : فعاينوه معاينة ومسوه بأيديهم.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {فلمسوه بأيديهم} قال : فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به.
- الآية (8 - 9).
(6/18)
1
-.
أَخْرَج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب والنضر بن الحارث بن كلدة وعبدة بن عبد يغوث وأبي بن خلف بن وهب والعاصي بن وائل بن هشام : لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله في ذلك من قولهم {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} الآية.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} قال : ملك في صورة رجل {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} قال : لقامت الساعة.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} يقول : لو أنزل الله ملكا ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {ولو أنزلنا ملكا} قال : ولو أتاهم ملك في صورته {لقضي الأمر} لأهلكناهم {ثم لا ينظرون} لا يؤخرون {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} يقول : لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة !
(6/19)
1
{وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول : لخلطنا عليهم ما يخلطون.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير عن مجاهد في قوله {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} قال : في صورة رجل وفي خلق رجل.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} يقول : في صورة آدمي.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} قال : لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل لم نرسله في صورة الملائكة.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس {وللبسنا عليهم} يقول : شبهنا عليهم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول : شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم
(6/20)
1
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول : ما لبس قوم على أنفسهم إلا لبس الله عليهم واللبس إنما هو من الناس قد بين الله للعباد وبعث رسله واتخذ عليهم الحجة وأراهم الآيات وقدم إليهم بالوعيد.
- الآية (10).
أَخْرَج ابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل بن هشام فهمزوه واستهزؤا به فغاظه ذلك فأنزل الله {ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون}.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله {فحاق بالذين سخروا منهم} من الرسل {ما كانوا به يستهزؤون} يقول : وقع بهم العذاب الذي استهزؤا به.
- الآية (11 - 12).
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} قال : بئس - والله - ما كان عاقبة المكذبين دمر الله عليهم وأهلكهم ثم صيرهم إلى النار
(6/21)
1
أخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم عن سلمان في قوله {كتب على نفسه الرحمة} قال : إنا نجده في التوراة عطيفتين إن الله خلق السموات والأرض ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ثم خلق
الخلق فوضع بينهم واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة فيها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها يتباذلون وبها يتزاورون وبها تحن الناقة وبها تنتج البقرة وبها تيعر الشاة وبها تتابع الطير وبها تتابع الحيتان في البحر فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ورحمته أفضل وأوسع.
وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سلمان عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة منها رحمة يتراحم بها الخلق وتسع وتسعون ليوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي ، وَابن أبي شيبة والبخاري ومسلم ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم ، وَابن مردويه والبيهقي في الأسماء
(6/22)
1
والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى الله الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي.
وأخرج الترمذي وصححه ، وَابن ماجه ، وَابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الخلق كتب كتابا بيده على نفسه : إن رحمتي تغلب غضبي.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ الله من القضاء بين الخلق أخرج كتابا من تحت العرش : إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين فيقبض قبضة أو قبضتين فيخرج من النار خلق كثير لم يعملوا خيرا : مكتوب بين أعينهم عتقاء الله.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب كتابا بيده لنفسه قبل أن يخلق السموات والأرض فوضعه تحت عرشه فيه : رحمتي سبقت غضبي.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، عَن طاووس ، أن الله لما خلق الخلق لم يعطف شيء منه على شيء حتى خلق مائة رحمة فوضع بينهم رحمة واحدة فعطف بعض الخلق على بعض
(6/23)
1
وأخرج ابن جرير عن عكرمة حسبته أسنده قال : إذا فرغ الله من القضاء بين خلقه أخرج كتابا من تحت العرش فيه : إن رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين ، قال : فيخرج من النار مثل أهل الجنة أو قال مثلا أهل الجنة.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال : إن لله مائة رحمة فأهبط منها رحمة واحدة إلى أهل الدنيا يتراحم بها الجن والإنس وطائر السماء وحيتان الماء ودواب الأرض وهوامها وما بين الهواء واختزن عنده تسعا وتسعين رحمة حتى إذا كان يوم القيامة اختلج الرحمة التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا فحواها إلى ما عنده فجعلها في قلوب أهل الجنة وعلى أهل الجنة.
وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال : قال عمر لكعب : ما أول شيء ابتدأه الله من خلقه فقال كعب : كتب الله كتابا لم يكتبه بقلم ولا مدد ولكن كتب بأصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت : أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب حسن الظن بالله عن أبي قتادة عن
(6/24)
1
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله للملائكة : ألا أحدثكم عن عبدين من بني إسرائيل أما أحدهما فيرى بنو إسرائيل أنه أفضلهما في الدين والعلم والخلق والآخر أنه مسرف على نفسه ، فذكر عند صاحبه فقال : لن يغفر الله له ، فقال : ألم يعلم أني أرحم الراحمين ألم يعلم رحمتي سبقت غضبي وأني أوجبت لهذا العذاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تألوا على الله.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن ماجه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة فجعل في الأرض منها رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والبهائم بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة مائة رحمة.
وأخرج مسلم ، وَابن مردويه عن سلمان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السموات والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة
(6/25)
1
- الآية (13 - 18).
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {وله ما سكن في الليل والنهار} يقول : ما استقر في الليل والنهار ، وفي قوله {قل أغير الله أتخذ وليا} قال : أما الولي فالذي يتولاه ويقر له بالربوبية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {فاطر السماوات والأرض} قال بديع السموات والأرض.
وأخرج أبو عبيدة في فضائله ، وَابن جَرِير ، وَابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس قال : كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاطر السماوات والأرض} قال : خالق السموات والأرض.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله !
(6/26)
1
{وهو يطعم ولا يطعم} قال : يرزق ولا يرزق.
وأخرج النسائي ، وَابن السني والحاكم والبيهقي في الشعب ، وَابن مردويه عن أبي هريرة قال دعا رجل من الأنصار النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فانطلقنا معه فلما طعم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وغسل يده قال : الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ومن علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا الحمد لله غير مودع ربي ولا مكفأ ولا مكفور ولا مستغنى عنه الحمد لله الذي أطعمنا من الطعام وسقانا من الشراب وكسانا من العرى وهدانا
من الضلال وبصرنا من العمى وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلا الحمد لله رب العالمين.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {من يصرف عنه يومئذ} قال : من يصرف عنه العذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق بشر بن السرى عن هارون النحوي قال : في قراءة أبي (من يصرفه الله)
(6/27)
1
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {وإن يمسسك بخير} يقول : بعافية.
- الآية (19).
أَخْرَج ابن إسحاق ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : جاء النحام بن زيد وقردم بن كعب وبحرى بن عمرو فقالوا : يا محمد ما تعلم مع الله إلها غيره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا إله إلا الله بذلك بعثت وإلى ذلك أدعو فأنزل الله في قولهم {قل أي شيء أكبر شهادة} الآية.
وأخرج آدم بن أبي اياس ، وَابن أبي شيبة ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله {قل أي شيء أكبر شهادة} قال : أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل قريشا أي شيء أكبر شهادة ثم أمره أن يخبرهم فيقول : الله شهيد بيني وبينكم.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به} يعني
(6/28)
1
أهل مكة {ومن بلغ} يعني من بلغه هذا القرآن فهو له نذير.
وأخرج أبو الشيخ ، وَابن مردويه عن أنس قال : لما نزلت هذه الآية {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به} كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي وكل جبار يدعوهم إلى الله عز وجل وليس بالنجاشي الذي صلى عليه.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي بن كعب قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسارى فقال لهم : هل دعيتم إلى الإسلام قالوا : لا ، فخلى سبيلهم ثم قرأ {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} ثم قال : خلوا سبيلهم حتى يأتوا ما منهم من أجل أنهم لم يدعوا.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم والخطيب عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلغه القرآن فكأنما شافهته به ثم قرأ {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن الضريس ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله تعالى {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} قال : من بلغه القرآن فكأنما رأى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وفي
(6/29)
1
لفظ : من بلغه القرآن حتى يفهمه ويعقله كان كمن عاين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه.
وأخرج آدم بن أبي أياس ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد في قوله {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به} قال : العرب {ومن بلغ} قال : العجم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن بن صالح قال : سألت ليثا هل بقى أحد لم تبلغه الدعوة قال : كان مجاهد يقول : حيثما يأتي القرآن فهو داع وهو نذير ثم قرأ {لأنذركم به ومن بلغ}.
وأخرج عبد الرزاق ، وعَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ} أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول بلغوا عن الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ من طريق قتادة عن الحسن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : يا أيها الناس بلغوا ولو آية من كتاب الله فمن بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذها أو تركها
(6/30)
1
وأخرج البخاري ، وَابن مردويه عن عبد الله بن عمر وعن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قال بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : كأن الناس لم يسمعوا القرآن قبل يوم القيامة حين يتلوه الله عليهم .
- الآية (20).
أَخْرَج أبو الشيخ عن السدي {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} الآية ، يعني يعرفون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم لأن نعته معهم في التوراة {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} لأنهم كفروا به بعد المعرفة.
- الآية (21 - 22).
أَخْرَج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : قال النضر وهو من بني عبد الدار : إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فأنزل الله {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون}.
- الآية (23 - 24).
أَخْرَج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن ابن عباس {ثم لم تكن فتنتهم}
(6/31)
1
قال : معذرتهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {ثم لم تكن فتنتهم} قال : حجتهم {إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين} يعني المنافقين والمشركين قالوا وهم في النار : هلم فلنكذب فلعله أن ينفعنا ، فقال الله {انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم} في القيامة {ما كانوا يفترون} يكذبون في الدنيا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن عاصم أنه قرأ (ثم لم تكن فتنتهم) بالنصب (إلا أن قالوا والله ربنا) بالخفض.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن شعيب بن الحجاب ، سمعت الشعبي يقرأ (والله ربنا) بالنصب ، فقلت : إن أصحاب النحو يقرأونها (والله ربنا) بالخفض ، فقال : هكذا أقرأنيها علقمة بن قيس.
وأخرج عَبد بن حُمَيد وأبو الشيخ عن علقمة أنه قرأ (والله ربنا) والله يا ربنا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله {والله ربنا ما كنا مشركين} ثم قال {ولا يكتمون الله حديثا} النساء الآية 42 قال : بجوارحهم
(6/32)
1
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {والله ربنا ما كنا مشركين} قال : قول أهل الشرك حين رأوا الذنوب تغفر ولا يغفر الله لمشرك {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} قال : بتكذيب الله إياهم.
وأخرج عَبد بن حُمَيد ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير ، أنه كان يقرأ هذا الحرف (والله ربنا) بخفضها قال : حلفوا واعتذروا.
وأخرج عَبد بن حُمَيد عن قتادة {انظر كيف كذبوا على أنفسهم} قال : باعتذارهم بالباطل والكذب {وضل عنهم ما كانوا يفترون} قال : ما كانوا يشركون به.
- الآية (25).
- أَخْرَج عَبد بن حُمَيد ، وَابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ومنهم من يستمع إليك} قال : قريش ، وفي قوله {وجعلنا على قلوبهم أكنة} قال : كالجعبة للنبل.
وأخرج عبد الرزاق ، وَابن جَرِير ، وَابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا}
قال : يسمعونه بآذانهم
(6/33)
1
ولا يعون منه شيئا كمثل البهيمة التي تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدى في قوله {وجعلنا على قلوبهم أكنة} قال : الغطاء أكن قلوبهم {أن يفقهوه} فلا يفقهون الحق {وفي آذانهم وقرا} قال : صمم ، وفي قوله {أس