التفسير لابن جرير الطبري ج ص معتمد 008

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى [ص:486] يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود: 75] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَوْفُ الَّذِي أَوْجَسَهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ رُسُلِنَا حِينَ رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَى طَعَامِهِ، وَأَمِنَ أَنْ يَكُونَ قُصِدَ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ بِسُوءٍ، وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى بِإِسْحَاقَ، ظَلَّ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/485)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ،} [هود: 74] يَقُولُ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ، {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} [هود: 74] بِإِسْحَاقُ "
(12/486)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى،} [هود: 74] بِإِسْحَاقَ، وَيَعْقُوبَ وَلَدًا مِنْ صُلْبِ إِسْحَاقَ، وَأَمِنَ مِمَّا كَانَ يَخَافُ؛ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهْبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّيَ لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} " وَقَدْ قِيلَ مَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ يُرِيدُونَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/486)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، " {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} [هود: 74] قَالَ: حِينَ أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاهُ [ص:487] يُرِيدُونَ "
(12/486)
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، قَالَ: ثَنَا مَعْمَرٌ وَقَالَ آخَرُونَ: «بُشِّرَ بِإِسْحَاقَ» وَأَمَّا الرَّوْعُ: فَهُوَ الْخَوْفُ، يُقَالُ مِنْهُ: رَاعَنِي كَذَا يَرُوعُنِي رَوْعًا: إِذَا خَافَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَيْفَ لَكَ بِرَوْعَةِ الْمُؤْمِنِ» وَمِنْهُ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل]
مَا رَاعَنِي إِلَّا حَمُولَةُ أَهْلِهَا ... وَسْطَ الدِّيَارِ تَسَفُّ حَبَّ الْخِمْخِمِ
بِمَعْنَى: مَا أَفْزَعَنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/487)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " الرَّوْعُ: الْفَرَقُ "
(12/487)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، [ص:488] قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: 74] قَالَ: الْفَرَقُ "
(12/487)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {" فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ،} [هود: 74] قَالَ: الْفَرَقُ "
(12/488)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: 74] قَالَ: ذَهَبَ عَنْهُ الْخَوْفُ " وَقَوْلُهُ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] يَقُولُ: يُخَاصِمُنَا. كَمَا:
(12/488)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {يُجَادِلُنَا} [هود: 74] يُخَاصِمُنَا " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(12/488)
وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {يُجَادِلُنَا} [هود: 74] يُكَلِّمُنَا، وَقَالَ: لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَا يُجَادِلُ اللَّهَ إِنَّمَا يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ. وَهَذَا مِنَ الْكَلَامِ جَهْلٌ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ يُجَادِلُ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: إِبْرَاهِيمُ لَا يُجَادِلُ، مُوهُمًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {يُجَادِلُنَا} [هود: 74] يُخَاصِمُنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يُخَاصِمُ رَبَّهُ جَهْلٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا كَانَ جِدَالُهُ الرُّسُلَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَاجَّةِ لَهُمْ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُ رُسُلُنَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ حَذَفَ الرُّسُلَ. وَكَانَ جِدَالُهُ إِيَّاهُمْ كَمَا:
(12/489)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، عَنْ سَعِيدٍ، " {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] قَالَ: لَمَّا جَاءَ جَبْرَئِيلُ، وَمَنْ مَعَهُ قَالُوا لِإِبْرَاهِيمَ: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31] قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا مِئَتَا مُؤْمِنٍ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعُونَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: أَفَتُهْلِكُونَ قَرْيَةً فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مُؤْمِنًا؟ قَالُوا: لَا. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَعَدُّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بِامْرَأَةِ لُوطٍ، فَسَكَتَ عَنْهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ "
(12/489)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ [ص:490] جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " قَالَ الْمَلَكُ لِإِبْرَاهِيمَ: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةٌ يُصَلُّونَ رُفِعَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ "
(12/489)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُجَادَلَتُهُ إِيَّاهُمْ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَمُعَذِّبُوهَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا حَتَّى صَارَ ذَلِكَ إِلَى عَشَرَةٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا عَشَرَةٌ أَمُعَذِّبُوهُمْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: لَا. وَهِيَ ثَلَاثُ قُرًى فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْكَثْرَةِ وَالْعَدَدِ "
(12/490)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ لَمْ نُعَذِّبْهُمْ، قَالَ: أَرْبَعُونَ؟ قَالُوا: وَأَرْبَعُونَ. قَالَ: ثَلَاثُونَ؟ قَالُوا: ثَلَاثُونَ. حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ، قَالَ: مَا قَوْمٌ لَا يَكُونُ فِيهِمْ عَشَرَةٌ فِيهِمْ خَيْرٌ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ: قَالَ مَعْمَرٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي قَرْيَةِ [ص:491] لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ "
(12/490)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ، وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} [هود: 74] {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ} [الحجر: 57] قَالُوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ فَجَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ، قَالَ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهَا مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا: لَا، فَلَمْ يَزَلْ يَحُطُّ حَتَّى بَلَغَ عَشَرَةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: لَا نُعَذِّبُهُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ عَشَرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. ثُمَّ قَالُوا: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [هود: 76] إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ لُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76] "
(12/491)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى،} [هود: 74] يَعْنِي: إِبْرَاهِيمَ جَادَلَ عَنْ قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ قَالَ: فَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ مُجَادَلَةَ إِبْرَاهِيمَ إِيَّاهُمْ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ لِيَرُدَّ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، إِنَّمَا قَالَ لِلرُّسُلِ فِيمَا يُكَلِّمُهُمْ بِهِ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ فِيهِمْ مِائَةُ مُؤْمِنٍ أَتُهْلِكُونَهُمْ؟ قَالُوا:، لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا تِسْعِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا ثَمَانِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سَبْعِينَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا سِتِّينَ؟ قَالُوا لَا، قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانُوا خَمْسِينَ؟ قَالُوا لَا، قَالَ:
(12/491)
أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا مُسْلِمًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَذْكُرُوا لِإِبْرَاهِيمَ أَنَّ فِيهَا مُؤْمِنًا وَاحِدًا {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا} [العنكبوت: 32] يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 32] قَالُوا: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ "
(12/492)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: " قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُهْلِكُونَهُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ فِيهَا مِائَةُ مُؤْمِنٍ ثُمَّ تِسْعِينَ؟ حَتَّى هَبَطَ إِلَى خَمْسَةٍ، قَالَ: وَكَانَ فِي قَرْيَةِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفٍ "
(12/492)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثَنَا صَفْوَانُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو الْمُثَنَّى، وَمُسْلِمٌ أَبُو الْحَبِيلِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَا: " {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ} [هود: 74] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: أَتُعَذِّبُ عَالَمًا مِنْ عَالَمِكَ كَثِيرًا فِيهِمْ مِائَةُ رَجُلٍ؟ قَالَ: لَا، وَعِزَّتِي وَلَا خَمْسِينَ قَالَ: فَأَرْبَعِينَ؟ فَثَلَاثِينَ؟ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسَةٍ، قَالَ: لَا وَعِزَّتِي لَا أُعَذِّبُهُمْ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسَةٌ يَعْبُدُونَنِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات: 36] أَيْ لُوطًا وَابْنَتَيْهِ، قَالَ: فَحَلَّ [ص:493] بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [الذاريات: 37] وَقَالَ: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 74] «وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تَتَلَقَّى» لَمَّا " إِذَا وَلِيَهَا فِعْلٌ مَاضٍ إِلَّا بِمَاضٍ، يَقُولُونَ: لَمَّا قَامَ قُمْتُ، وَلَا يَكَادُونَ يَقُولُونَ: لَمَّا قَامَ أَقُومُ. وَقَدْ يَجُوزُ فِيمَا كَانَ مِنَ الْفِعْلِ لَهُ تَطَاوُلٌ مِثْلُ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَةِ وَالْقِتَالِ، فَيَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: لَمَّا لَقِيتُهُ أُقَاتِلُهُ، بِمَعْنَى: جَعَلْتُ أُقَاتِلُهُ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَبَطِيءُ الْغَضَبِ مُتَذَلِّلٌ لِرَبِّهِ خَاشِعٌ لَهُ، مُنْقَادٌ لَأَمْرِهِ، مُنِيبٌ رَجَّاعٌ إِلَى طَاعَتِهِ. كَمَا:
(12/492)
حَدَّثَنِي الْحَرْثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود: 75] قَالَ: الْقَانِتُ: الرَّجَّاعُ " وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَوَّاهُ فِيمَا مَضَى بِاخْتِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ، وَالشَّوَاهِدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْهُ عِنْدَنَا مِنَ الْقَوْلِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ
(12/493)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76][ص:494] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَوْلِ رَسُلِهِ لِإِبْرَاهِيمَ: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [هود: 76] وَذَلِكَ قِيلُهُمْ لَهُ حِينَ جَادَلَهُمْ فِي قَوْمِ لُوطٍ، فَقَالُوا: دَعْ عَنْكَ الْجِدَالَ فِي أَمْرِهِمْ وَالْخُصُومَةِ فِيهِ {إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} [هود: 76] : بِعَذَابِهِمْ، وَحَقَّ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَمَضَى فِيهِمْ بِهَلَاكِهِمُ الْقَضَاءُ، {وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ} [هود: 76] ، يَقُولُ: وَإِنَّ قَوْمَ لُوطٍ نَازِلٌ بِهِمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ غَيْرُ مَدْفُوعٍ. وَقَدْ مَضَى ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِمَا ذَكَرْنَا فِيهِ عَمَّنْ ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْهُ
(12/493)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَتْ مَلَائِكَتُنَا لُوطًا، سَاءَهُ مَجِيئُهُمْ. وَهُوَ «فَعْلٌ» مِنَ السُّوءِ، وَضَاقَ بِهِمْ بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعًا يَقُولُ: وَضَاقَتْ نَفْسُهُ غَمًّا بِمَجِيئِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ فِي حَالِ مَا سَاءَهُ مَجِيئِهِمْ، وَعَلِمَ مِنْ قَوْمِهِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِهِمُ الْفَاحِشَةَ، وَخَافَ عَلَيْهِمْ، فَضَاقَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِمَجِيئِهِمْ ذَرْعًا، وَعَلِمَ أَنَّهُ سَيَحْتَاجُ إِلَى الْمُدَافَعَةِ عَنْ أَضْيَافِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ [ص:495] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/494)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [هود: 77] يَقُولُ: سَاءَ ظَنًّا بِقَوْمِهِ وَضَاقَ ذَرْعًا بِأَضْيَافِهِ "
(12/495)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ: " لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا أَتَوْهُ وَهُوَ فِي أَرْضٍ لَهُ يَعْمَلُ فِيهَا، وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ: لَا تُهْلِكُوهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ لُوطٌ قَالَ: فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: إِنَّا مُتَضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا مَضَى سَاعَةً الْتَفَتَ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أُنَاسًا أَخْبَثَ مِنْهُمْ قَالَ: فَمَضَى مَعَهُمْ، ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا قَالَ، فَانْطَلَقَ بِهِمْ، فَلَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ عَجُوزُ السُّوءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
(12/495)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " أَتَتِ الْمَلَائِكَةُ لُوطًا وَهُوَ فِي مَزْرَعَةٍ لَهُ، وَقَالَ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: إِنْ شَهِدَ لُوطٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي هَلَكَتِهِمْ، فَقَالُوا: يَا لُوطُ إِنَّا نُرِيدُ أَنْ نُضَيِّفَكَ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ: وَمَا بَلَغَكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ؟ قَالُوا: وَمَا أَمْرُهُمْ؟ قَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهَا لَشَرُّ قَرْيَةٍ فِي الْأَرْضِ عَمَلًا يَقُولُ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ. فَشَهِدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ، فَدَخَلُوا مَعَهُ مَنْزِلَهُ "
(12/496)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " خَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ نَحْوَ قَرْيَةِ لُوطٍ، فَأْتَوهَا نِصْفَ النَّهَارِ، فَلَمَّا بَلَغُوا نَهْرَ سَدُومٍ لَقُوا ابْنَةَ لُوطٍ تَسْتَقِي مِنَ الْمَاءِ لِأَهْلِهَا، وَكَانَتْ لَهُ ابْنَتَانِ، اسْمُ الْكُبْرَى رِيثَا، وَالصُّغْرَى زَغْرَتَا، فَقَالُوا لَهَا: يَا جَارِيَةُ، هَلْ مِنْ مَنْزِلٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَكَانَكُمْ لَا تَدْخُلُوا حَتَّى آتِيكُمْ فَرَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ قَوْمِهَا، فَأَتَتْ أَبَاهَا فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ أَرَادَكَ فِتْيَانُ عَلَى بَابِ الْمَدِينَةِ، مَا رَأَيْتُ وَجْهَ قَوْمٍ أَحْسَنَ مِنْهُمْ، لَا يَأْخُذُهُمْ قَوْمُكَ [ص:497] فَيَفْضَحُوهُمْ وَقَدْ كَانَ قَوْمُهُ نَهَوْهُ أَنْ يُضَيِّفَ رَجُلًا، فَقَالُوا: خَلِّ عَنَّا فَلْنُضِفِ الرِّجَالَ فَجَاءَ بِهِمْ، فَلَمْ يَعْلَمْ أَحَدٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِ لُوطٍ، فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْ قَوْمَهَا، قَالَتْ: إِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ رِجَالًا مَا رَأَيْتُ مِثْلَ وجُوهِهِمْ قَطُّ فَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ "
(12/496)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " خَرَجَتِ الرُّسُلُ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ بِالْمُؤْتَفِكَةِ، فَلَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [هود: 77] وَذَلِكَ مِنْ تَخَوُّفِ قَوْمِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْضَحُوهُ فِي ضَيْفِهِ، فَقَالَ: {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَقَالَ لُوطٌ: هَذَا الْيَوْمُ يَوْمٌ شَدِيدٌ شَرُّهُ، عَظِيمٌ بَلَاؤُهُ، يُقَالُ مِنْهُ: عَصَبَ يَوْمُنَا هَذَا يَعْصِبُ عَصْبًا، وَمِنْهُ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
[البحر الوافر]
وَكُنْتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لَمْ أُعَرِّدْ ... وَقَدْ سَلَكُوكَ فِي يَوْمٍ عَصِيبِ
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
(12/497)
يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الْأَبْطَالَا ... عَصْبَ الْقَوِيِّ السَّلَمَ الطِّوَالَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل]
وَإِنَّكَ إِلَّا تُرْضِ بَكْرَ بْنَ وَائِلٍ ... يَكُنْ لَكَ يَوْمٌ بِالْعِرَاقِ عَصِيبُ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ جُعَيلٍ:
[البحر الخفيف]
وَيُلَبُّونَ بِالْحَضِيصِ فِئَامٌ ... عَارِفَاتٌ مِنْهُ بِيَوْمٍ عَصِيبِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/498)
حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " عَصِيبٌ: شَدِيدٌ "
(12/498)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] يَقُولُ شَدِيدٌ "
(12/498)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " {هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] أَيْ يَوْمِ بَلَاءٍ وَشِدَّةٍ "
(12/499)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] شَدِيدٌ
(12/499)
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: 77] أَيْ يَوْمٍ شَدِيدٍ "
(12/499)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَاءَ لُوطًا قَوْمُهُ يَسْتَحِثُّونَ إِلَيْهِ يَرْعَدُونَ مَعَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ مِمَّا بِهِمْ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ، يُقَالُ: أُهْرِعَ الرَّجُلُ مِنْ بَرْدٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ حُمَّى: إِذَا أُرْعِدَ، وَهُوَ مُهْرِعٌ إِذَا كَانَ مُعْجَلًا حَرِيصًا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
بِمُعْجِلَاتٍ نَحْوَهُ مَهَارِعِ
وَمِنْهُ قَوْلُ مُهَلْهَلٍ:
[البحر الوافر]
[ص:500] فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسَارَى ... تَقُودُهُمُ عَلَى رَغْمَ الْأُنُوفِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/499)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: " {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ: يُهْرَعُونَ، وَهُوَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْي " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
(12/500)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو خَالِدٍ، وَالْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، " {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ: يَسْعَوْنَ إِلَيْهِ "
(12/500)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، يَقُولُ: سِرَاعًا إِلَيْهِ "
(12/500)
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ: يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ "
(12/500)
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] يَقُولُ: يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ إِلَيْهِ "
(12/501)
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ: يُهَرْوِلُونَ فِي الْمَشْي "، قَالَ سُفْيَانُ: {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ
(12/501)
حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ: " {يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] قَالَ: كَأَنَّهُمْ يُدْفَعُونَ "
(12/501)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: «أَقْبَلُوا يُسْرِعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ»
(12/501)
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ} [هود: 78] يَقُولُ: مُسْرِعَيْنِ " [ص:502] وَقَوْلُهُ: {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 78] : يَقُولُ: مِنْ قَبْلِ مَجِيئِهِمْ إِلَى لُوطٍ كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ. كَمَا
(12/501)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: " {وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 78] قَالَ: يَأْتُونَ الرِّجَالَ " وَقَوْلُهُ: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود: 78] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ لَمَّا جَاءُوا يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ: هَؤُلَاءِ يَا قَوْمِ بَنَاتِي يَعْنِي نِسَاءَ أُمَّتِهِ فَانْكِحُوهُنَّ فَـ {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] كَمَا:
(12/502)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] قَالَ: أَمَرَهُمْ لُوطٌ بِتَزْوِيجِ النِّسَاءِ، وَقَالَ: هُنَّ أَطْهُرُ لَكُمْ " حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي هَذَا أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ
(12/502)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] قَالَ: لَمْ يَكُنْ [ص:503] بَنَاتُهُ، وَلَكِنْ كُنَّ مِنْ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ "
(12/502)
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهِمْ سِفَاحًا "
(12/503)
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: " {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] قَالَ: مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ نِكَاحًا وَلَا سِفَاحًا "
(12/503)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] ، قَالَ: «أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ، وَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقِيَ أَضْيَافَهُ بِبَنَاتِهِ»
(12/503)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] يَعْنِي التَّزْوِيجَ "
(12/503)
حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ: " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] يَعْنِي التَّزْوِيجَ "
(12/503)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَبِيبٍ الزَّهْرَانِيُّ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ لُوطٍ: " {[ص:504] هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] يَعْنِي: نِسَاؤُهُمْ هُنَّ بَنَاتُهُ هُوَ نَبِيُّهُمْ " وَقَالَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ»
(12/503)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِِلَيْهِ} [هود: 78] قَالُوا: أَوَ لَمْ نَنْهَكَ أَنْ تُضَيِّفَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ} [هود: 78] "
(12/504)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " لَمَّا جَاءَتِ الرُّسُلُ لُوطًا، أَقْبَلَ قَوْمُهُ إِلَيْهِمْ حِينَ أُخْبِرُوا بِهِمْ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَيَزْعُمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ امْرَأَةَ لُوطٍ هِيَ الَّتِي أَخْبَرَتْهُمْ بِمَكَانِهِمْ، وَقَالَتْ: إِنَّ عِنْدَ لُوطٍ لَضِيفَانًا مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ، وَلَا أَجْمَلَ قَطُّ مِنْهُمْ وَكَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، فَاحِشَةً لَمْ يَسْبِقْهُمْ بِهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا جَاءُوهُ قَالُوا: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70] ، أَيْ: أَلَمْ نَقُلْ لَكَ: لَا يَقْرَبَنَّكَ أَحَدٌ، فَإِنَّا لَنْ نَجِدَ عِنْدَكَ أَحَدًا إِلَّا فَعَلْنَا بِهِ الْفَاحِشَةَ. {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] فَأَنَا أَفْدِي ضَيْفِي مِنْكُمْ بِهِنَّ. وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَّا إِلَى الْحَلَالِ مِنَ النِّكَاحِ "
(12/504)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: " {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} [هود: 78] قَالَ: النِّسَاءُ " وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ بِرَفْعِ أَطْهَرُ، عَلَى أَنْ جَعَلُوا «هُنَّ» اسْمًا، «وَأَطْهَرُ» خَبَرُهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ: بَنَاتِي أَطْهُرُ لَكُمْ مِمَّا تُرِيدُونَ مِنَ الْفَاحِشَةِ مِنَ الرِّجَالِ. وَذُكِرَ عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: «هُنَّ أَطْهُرَ» لَكُمْ بِنَصْبِ «أَطْهُرَ» . وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ. هَذَا لَا يَكُونُ، إِنَّمَا يُنْصَبُ خَبَرُ الْفِعْلِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْخَبَرِ إِذَا كَانَ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْخَبَرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُضَمَّرَةُ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: مَنْ نَصَبَهُ جَعَلَهُ نَكِرَةً خَارِجَةً مِنَ الْمَعْرِفَةِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: «هُنَّ» عِمَادًا لِلْفِعْلِ فَلَا يَعْمَلُهُ. وَقَالَ آخِرُ مِنْهُمْ: مَسْمُوعٌ مِنَ الْعَرَبِ: هَذَا زَيْدٌ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ، قَالَ: فَقَدْ جَعَلَهُ
(12/505)
خَبَرًا لِهَذَا مِثْلَ قَوْلِكَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِعَيْنِهِ. قَالَ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقَعَ الْفِعْلُ هَهُنَا لِأَنَّ التَّقْرِيبَ رَدُّ كَلَامٍ، فَلَمْ يَجْتَمِعَا لِأَنَّهُ يَتَنَاقَضُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ مَعْهُودٍ، وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنِ ابْتِدَاءٍ مَا هُوَ فِيهِ: هَا أَنَا ذَا حَاضِرٌ، أَوْ زَيْدٌ هُوَ الْعَالِمُ، فَتَنَاقَضَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَعْهُودُ عَلَى الْحَاضِرِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يُجُزْ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا فِي ذَلِكَ: الرَّفْعُ {هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ مَعَ صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَبُعْدُ النَّصْبِ فِيهِ مِنَ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [هود: 78] يَقُولُ: فَاخْشَوُا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَاحْذَرُوا عِقَابَهُ فِي إُتْيَانِكُمُ الْفَاحِشَةَ الَّتِي تَأْتُونَهَا وَتَطْلُبُونَهَا. {وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي} [هود: 78] يَقُولُ: وَلَا تُذِلُّونِي بِأَنْ تَرْكَبُوا مِنِّي فِي ضَيْفِي مَا يَكْرَهُونَ أَنْ تَرْكَبُوهُ مِنْهُمْ. وَالضَّيْفُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى جَمْعٍ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَاحِدَ وَالْجَمْعَ ضَيْفًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالُوا: رَجُلٌ عَدْلٌ، وَقَوْمٌ عَدْلٌ،
(12/506)
وَقَوْلُهُ: {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ} [هود: 78] يَقُولُ: أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ ذُو رَشَدٍ، يَنْهَى مَنْ أَرَادَ رُكُوبَ الْفَاحِشَةِ مِنْ ضَيْفِي، فَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ؟ كَمَا:
(12/507)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، " {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رُشَيْدٌ} [هود: 78] أَيْ رَجُلٍ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ "
(12/507)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ لُوطٍ لِلُوطٍ: {لَقَدْ عَلِمْتَ} [هود: 79] يَا لُوطُ {مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود: 79] لِأَنَّهُنَّ لَسْنَ لَنَا أَزْوَاجًا. كَمَا:
(12/507)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " {قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود: 79] أَيْ مِنْ أَزْوَاجٍ؛ {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] " وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] يَقُولُ: قَالُوا: وَإِنَّكَ يَا لُوطُ لَتَعْلَمُ أَنَّ حَاجَتِنَا فِي غَيْرِ بَنَاتِكَ، وَأَنَّ الَّذِي نُرِيدُ هُوَ مَا تَنْهَانَا عَنْهُ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ [ص:508] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/507)
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ " {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] إِنَّا نُرِيدُ الرِّجَالَ "
(12/508)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، " {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود: 79] أَيْ إِنَّ بُغْيَتَنَا لِغَيْرِ ذَلِكَ " فَلَمَّا لَمْ يَتَنَاهُوا، وَلَمْ يَرُدُّهُمْ قَوْلُهُ، وَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ شَيْئًا مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ بَنَاتِهِ {قَالَ لَوْ أَنَّ لِيَ بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80]
(12/508)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ حِينَ أَبَوْا إِلَّا الْمُضِيَّ لِمَا قَدْ جَاءُوا لَهُ مِنْ طَلَبِ الْفَاحِشَةِ وَأَيسَ مِنْ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا عَرَضَ عَلَيْهِمْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً} [هود: 80] بِأَنْصَارٍ تَنْصُرُنِي عَلَيْكُمْ وَأَعْوَانٍ تُعِينُنِي، {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] يَقُولُ: أَوْ أَنْضَمُّ إِلَى عَشِيرَةٍ مَانِعَةٍ تَمْنَعُنِي مِنْكُمْ، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ تُرِيدُونَهُ مِنِّي فِي أَضْيَافِي. وَحَذَفَ جَوَابَ «لَوْ» لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ مَفْهُومٌ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ [ص:509] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/508)
حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " قَالَ لُوطٌ: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] يَقُولُ: إِلَى جُنْدٍ شَدِيدٍ لَقَاتَلْتُكُمْ "
(12/509)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ " {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: الْعَشِيرَةَ "
(12/509)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: الْعَشِيرَةَ "
(12/509)
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: " {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: إِلَى رُكْنٍ مِنَ النَّاسِ "
(12/509)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ قَوْلُهُ: " {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيُّ بَعْدَ لُوطٍ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
(12/509)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ [ص:510] قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] أَيْ عَشِيرَةٍ تَمْنَعُنِي أَوْ شِيعَةٍ تَنْصُرُنِي، لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ هَذَا "
(12/509)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: " {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْعَشِيرَةَ "
(12/510)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»
(12/510)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، عَنْ مُبَارَكٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، فَلِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَكَانَ»
(12/510)
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدَةُ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، إِذْ قَالَ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] ، مَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ " قَالَ مُحَمَّدٌ: وَالثَّرْوَةُ: الْكَثْرَةُ وَالْمَنَعَةُ [ص:511] حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِهِ
(12/510)
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: ثَنِي بَكْرُ بْنُ مُضَرَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَذَكَرَ مِثْلَهُ
(12/511)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] «قَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» ، يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَعَثَ اللَّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ»
(12/512)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي يُونُسَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ
(12/512)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، أَوْ أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا بَعْدَ [ص:513] لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّكُمْ فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ: مِنْ أَوَى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ: أَوَيْتُ إِلَيْكَ، فَأَنَا آوِي إِلَيْكَ أَوْيًا بِمَعْنَى صِرْتُ إِلَيْكَ، وَانْضَمَمْتُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
 
يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ مِنَ الْأَرْكَانِ ... فِي عَدَدٍ طَيْسٍ وَمَجْدٍ بَانِ
وَقِيلَ: إِنَّ لُوطًا لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَجَدَتِ الرُّسُلُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ
(12/512)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ: " قَالَ لُوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ وَقَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ "
(12/513)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ الْلَّيلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]
(12/513)
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لِلُوطٍ لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] وَرَأَوْا مَا لَقِيَ مِنَ الْكَرْبِ بِسَبَبِهِمْ مِنْهُمْ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود: 81] أُرْسِلْنَا لِإِهْلَاكِهِمْ، وَإِنَّهُمْ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ، وَإِلَى ضَيْفِكَ بِمَكْرُوهٍ، فَهَوِّنْ عَلَيْكَ الْأَمْرَ، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] يَقُولُ: فَاخْرُجْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ بِبَقِيَّةٍ مِنَ اللَّيْلِ، يُقَالُ مِنْهُ: أَسْرَى وَسَرَى، وَذَلِكَ إِذَا سَارَ بِلَيْلٍ. {وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {فَأَسْرِ} [هود: 81] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ: «فَاسْرِ» وَصْلٌ بِغَيْرِ هَمْزِ الْأَلِفِ مِنْ «سَرَى» . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: {فَأَسْرِ} [هود: 81] بِهَمْزِ الْأَلِفِ مِنْ «أَسْرَى» وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ قُدْوَةٍ فِي الْقِرَاءَةِ، وَهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي الْعَرَبِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] فَإِنَّ عَامَّةَ الْقُرَّاءِ مِنَ الْحِجَازِ وَالْكُوفَةِ، وَبَعْضِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، قَرَءُوا بِالنَّصْبِ {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] بِتَأْوِيلِ: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ، وَعَلَى أَنَّ لُوطًا أُمِرَ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ سِوَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَسْرِيَ بِهَا،
(12/514)
وَأَمَرَ بِتَخْلِيفِهَا مَعَ قَوْمِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: «إِلَّا امْرَأَتُكَ» رَفْعًا، بِمَعْنَى: وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ، فَإِنَّ لُوطًا قَدْ أَخْرَجَهَا مَعَهُ، وَإِنَّهُ نُهِيَ لُوطٌ وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ أَسْرَى مَعَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ سِوَى زَوْجَتِهِ، وَأَنَّهَا الْتَفَتَتْ فَهَلَكَتْ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] يَقُولُ: إِنَّهُ مُصِيبُ امْرَأَتِكَ مَا أَصَابَ قَوْمُكَ مِنَ الْعَذَابِ. {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود: 81] يَقُولُ: إِنَّ مَوْعِدَ قَوْمِكَ الْهَلَاكُ الصُّبْحَ. فَاسْتَبْطَأَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لُوطٌ، وَقَالَ لَهُمْ: بَلَى عَجِّلُوا لَهُمُ الْهَلَاكَ فَقَالُوا: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81] أَيْ عِنْدَ الصُّبْحِ نُزُولُ الْعَذَابِ بِهِمْ. كَمَا
(12/515)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: " {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81] أَيْ إِنَّمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ " وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/515)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: " فَمَضَتِ الرُّسُلُ مِنْ عِنْدِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى لُوطٍ، فَلَمَّا أَتَوْا لُوطًا، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ، قَالَ جَبْرَئِيلُ لِلُوطٍ: يَا لُوطُ {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31] فَقَالَ لَهُمْ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ [ص:516] بِقَرِيبٍ} [هود: 81] فَأُنْزِلَتْ عَلَى لُوطٍ: {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81] قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْرِيَ بِأَهْلِهِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَهُ " قَالَ: فَسَارَ، فَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أُهْلِكُوا فِيهَا أَدْخَلَ جَبْرَئِيلُ جَنَاحَهُ فَرَفَعَهَا حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ، وَنُبَاحَ الْكِلَابِ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهَا حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ، قَالَ: وَسَمِعَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ الْهَدَّةَ، فَقَالَتْ: وَاقَوْمَاهُ فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا "
(12/515)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: " كَانَ لُوطٌ أَخَذَ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ لَا تُذِيعَ شَيْئًا مِنْ سِرِّ أَضْيَافِهِ، قَالَ: فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَبْرَئِيلُ وَمَنْ مَعَهُ، رَأَتْهُمْ فِي صُورَةٍ لَمْ تَرَ مِثْلَهَا قَطُّ فَانْطَلَقَتْ تَسْعَى إِلَى قَوْمِهَا، فَأَتَتِ النَّادِي فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَأَقْبَلُوا يُهْرَعُونَ مَشْيًا بَيْنَ الْهَرْوَلَةِ وَالْجَمْزِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى لُوطٍ قَالَ لَهُمْ لُوطٌ مَا قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ جَبْرَئِيلَ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ، فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ، فَجَعَلُوا يَطْلُبُونَهُمْ، يَلْمِسُونَ الْحِيطَانَ، [ص:517] وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ "
(12/516)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: " لَمَّا بَصُرَتْ بِهِمْ، يَعْنِي بِالرُّسُلِ، عَجُوزُ السُّوءِ امْرَأَتُهُ، انْطَلَقَتْ فَأَنْذَرَتْهُمْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ تَضَيَّفَ لُوطًا قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا أَحْسَنَ وجُوهًا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَتْ: وَلَا أَشَدَّ بَيَاضًا، وَأَطْيَبَ رِيحًا، قَالَ: فَأَتَوْهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَأَصْفَقَ لُوطٌ الْبَابَ، قَالَ: فَجَعَلُوا يُعَالِجُونَهُ، قَالَ: فَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ رَبَّهُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَصَفَقَهُمْ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا يَتَرَدَّدُونَ فِي أَخْبَثُ لَيْلَةٍ مَا أَتَتْ عَلَيْهِمْ قَطُّ، فَأَخْبَرُوهُ {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود: 81] {فَأَسِرْ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] قَالَ: وَلَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَتْ مَعَ لُوطٍ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْقَرْيَةِ امْرَأَتُهُ، ثُمَّ سَمِعْتِ الصَّوْتَ، فَالْتَفَتَتْ وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا حَجَرًا فَأَهْلَكَهَا. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81] فَأَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ مَا هُوَ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ "
(12/517)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: " انْطَلَقَتِ امْرَأَتُهُ، يَعْنِي امْرَأَةَ لُوطٍ، حِينَ رَأَتْهُمْ، يَعْنِي حِينَ رَأَتِ الرُّسُلَ إِلَى قَوْمِهَا، فَقَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ ضَافَهُ [ص:518] اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمُ قَطُّ أَحْسَنَ وجُوهًا، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا فَجَاءُوا يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ، فَبَادَرَهُمْ لُوطٌ إِلَى أَنْ يَزُجَّهُمْ عَلَى الْبَابِ، فَقَالَ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الحجر: 71] فَقَالُوا: {أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70] ، فَدَخَلُوا عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَتَنَاوَلَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَطَمَسَتْ أَعْيُنَهُمْ، فَقَالُوا: يَا لُوطُ جِئْتَنَا بِقَوْمٍ سَحَرَةٍ سَحَرُونَا كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ قَالَ: وَاحْتَمَلَ جَبْرَئِيلُ قَرْيَاتَ لُوطٍ الْأَرْبَعَ، فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مِائَةُ أَلْفٍ، فَرَفَعَهُمْ عَلَى جَنَاحِهِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا أَصْوَاتَ دِيَكَتِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَالِيَهَا سَافِلَهَا "
(12/517)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ: " لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، ذَهَبَتْ عَجُوزَةٌ عَجُوزُ السُّوءِ، فَأَتَتْ قَوْمَهَا، فَقَالَتْ: لَقَدْ تَضَيَّفَ لُوطًا اللَّيْلَةَ قَوْمٌ مَا رَأَيْتُ قَوْمًا قَطُّ أَحْسَنَ وجُوهًا مِنْهُمْ قَالَ: فَجَاءُوا يُسْرِعُونَ، فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ، فَقَامَ مَلَكٌ فَلَزَّ الْبَابَ، يَقُولُ: فَسَدَّهُ، وَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأُذِنَ لَهُ، فَضَرَبَهُمْ جَبْرَئِيلُ بِجَنَاحِهِ، فَتَرَكَهُمْ عُمْيَانًا، فَبَاتُوا بِشَرِّ لَيْلَةٍ، ثُمَّ قَالُوا {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ} [هود: 81] {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا [ص:519] سَمِعَتْ صَوْتًا، فَالْتَفَتَتْ فَأَصَابَهَا حَجَرٌ، وَهِيَ شَاذَّةٌ مِنَ الْقَوْمِ، مَعْلُومٌ مَكَانَهَا " حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ
(12/518)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: " لَمَّا قَالَ لُوطٌ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] بَسَطَ حِينَئِذٍ جَبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَنَاحَيْهِ، فَفَقَأَ أَعْيُنَهُمْ وَخَرَجُوا يَدُوسُ بَعْضُهُمْ فِي أَدْبَارِ بَعْضٍ عُمْيَانًا يَقُولُونَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: 37] وَقَالُوا لِلُوطٍ: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا} [هود: 81] وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ يَقُولُ: سِرْ بِهِمْ، {وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ} [الحجر: 65] فَأَخْرَجَهُمُ اللَّهُ إِلَى الشَّامِ، وَقَالَ لُوطٌ: أَهْلِكُوهُمُ السَّاعَةَ فَقَالُوا: إِنَّا لَمْ نُؤْمَرْ إِلَّا بِالصُّبْحِ، أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟ فَلَمَّا أَنْ كَانَ السَّحَرَ خَرَجَ لُوطٌ وَأَهْلُهُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ} [القمر: 34] "
(12/519)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ، أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ، يَقُولُ: " كَانَ أَهْلُ سَدُومٍ الَّذِينَ فِيهِمْ لُوطٌ قَوْمًا قَدِ اسْتَغْنَوْا عَنِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ؛ فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ ذَلِكَ بَعَثَ الْمَلَائِكَةَ لِيُعَذُّبُوهُمْ، فَأَتَوْا إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، فَلَمَّا بَشَّرُوا سَارَةَ بِالْوَلَدِ، قَامُوا وَقَامَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ يَمْشِي، قَالَ: أَخْبِرُونِي لِمَ بُعِثْتُمْ وَمَا خَطْبُكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ لِنُدَمِّرَهَا، وَإِنَّهُمْ قَوْمُ سُوءٍ قَدِ اسْتَغْنَوْا بِالرِّجَالِ عَنِ النِّسَاءِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنْ كَانَ فِيهِمْ خَمْسُونَ رَجُلًا صَالِحًا؟ قَالُوا: إِذَنْ لَا نُعَذِّبُهُمْ. فَجَعَلَ يَنْقِمُ حَتَّى قَالَ أَهْلُ الْبَيْتِ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِيهَا بَيْتٌ صَالِحٌ؟ قَالَ: فَلُوطٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ. قَالُوا: إِنَّ امْرَأَتَهُ هَوَاهَا مَعَهُمْ. فَلَمَّا يَئِسَ إِبْرَاهِيمُ انْصَرَفَ، وَمَضَوْا إِلَى أَهْلِ سَدُومٍ، فَدَخَلُوا عَلَى لُوطٍ؛ فَلَمَّا رَأَتْهُمُ امْرَأَتُهُ أَعْجَبَهَا حُسْنُهُمْ وَجَمَالُهُمْ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِنَا قَوْمٌ لَمْ يُرَ قَوْمٌ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُمْ وَلَا أَجْمَلَ فَتَسَامَعُوا بِذَلِكَ، فَغَشَوْا دَارَ لُوطٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَتَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْجُدْرَانَ. فَلَقِيَهُمْ لُوطٌ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ لَا تَفْضَحُونِي فِي ضَيْفِي، وَأَنَا أُزَوِّجُكُمْ بَنَاتِي فَهُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَقَالُوا: لَوْ كُنَّا نُرِيدُ بَنَاتِكَ لَقَدْ عَرَفْنَا مَكَانَهُنَّ، فَقَالَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] ، فَوَجَدَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ، قَالُوا: إِنَّ رُكْنَكَ لَشَدِيدٌ، وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ [ص:521] غَيْرُ مَرْدُودٍ فَمَسَحَ أَحَدُهُمْ أَعْيُنَهُمْ بِجَنَاحَيْهِ، فَطَمَسَ أَبْصَارَهُمْ، فَقَالُوا: سَحَرَنَا، انْصَرِفُوا بِنَا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْهِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا قَدْ قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. فَأَدْخَلَ مِيكَائِيلُ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعَذَابِ جَنَاحَهُ حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَ الْأَرْضِ، فَقَلَبَهَا، وَنَزَلَتْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ، فَتَتَبَّعَتْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي الْقَرْيَةِ حَيْثُ كَانُوا، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَنَجَّى لُوطًا وَأَهْلَهُ، إِلَّا امْرَأَتَهُ "
(12/520)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ: " دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ، قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْتِيهِمْ فَيَقُولُ: وَيْحَكُمْ أَنْهَاكُمْ عَنِ اللَّهِ أَنْ تَعَرَّضُوا لِعُقُوبَتِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ لِمَحِلِّ عَذَابِهِمْ، وَسَطَوَاتِ الرَّبِّ بِهِمْ، قَالَ: فَانْتَهَتِ الْمَلَائِكَةُ إِلَى لُوطٍ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الضِّيَافَةِ، فَقَالُوا: إِنَّا مُضَيِّفُوكَ اللَّيْلَةَ. وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى عَهِدَ إِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا تُعَذِّبَهُمْ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ لُوطٌ ثَلَاثَ شَهَادَاتٍ؛ فَلَمَّا تَوَجَّهَ بِهِمْ لُوطٌ إِلَى الضِّيَافَةِ، ذَكَرَ مَا يَعْمَلُ قَوْمُهُ مِنَ الشَّرِّ، وَالدَّوَاهِي الْعِظَامِ، فَمَشَى مَعَهُمْ سَاعَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ، أَيْنَ أَذْهَبُ بِكُمْ؟ إِلَى قَوْمِي، وَهُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ جَبْرَئِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ: احْفَظُوا هَذِهِ [ص:522] وَاحِدَةً ثُمَّ مَشَى سَاعَةً؛ فَلَمَّا تَوَسَّطَ الْقَرْيَةَ، وَأَشْفَقَ عَلَيْهِمْ وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ، قَالَ: أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ وَمَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَرًّا مِنْهُمْ، إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ فَالْتَفَتَ جَبْرَئِيلُ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ: احْفَظُوا هَاتَانِ ثِنْتَانِ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى بَابِ الدَّارِ بَكَى حَيَاءً مِنْهُمْ، وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: إِنَّ قَوْمِي شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ، أَمَا تَعْلَمُونَ مَا يَعْمَلُ أَهْلُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ مَا أَعْلَمُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَهْلَ قَرْيَةٍ شَرًّا مِنْهُمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ: احْفَظُوا هَذِهِ ثَلَاثٌ قَدْ حَقَّ الْعَذَابُ. فَلَمَّا دَخَلُوا ذَهَبَتْ عَجُوزَةٌ، عَجُوزُ السُّوءِ، فَصَعِدَتْ فَلَوَّحَتْ بِثَوْبِهَا، فَأَتَاهَا الْفُسَّاقُ يُهْرَعُونَ سِرَاعًا، قَالُوا: مَا عِنْدَكِ؟ قَالَتْ: ضَيَّفَ لُوطٌ اللَّيْلَةَ قَوْمًا مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ وجُوهًا مِنْهُمْ، وَلَا أَطْيَبَ رِيحًا مِنْهُمْ فَهُرِعُوا مُسَارِعِينَ إِلَى الْبَابِ، فَعَاجَلَهُمْ لُوطٌ عَلَى الْبَابِ، فَدَافَعُوهُ طَوِيلًا، هُوَ دَاخِلٌ وَهُمْ خَارِجٌ، يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَيَقُولُ: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78] فَقَامَ الْمَلَكُ فَلَزَّ الْبَابَ، يَقُولُ: فَسَدَّهُ، وَاسْتَأْذَنَ جَبْرَئِيلُ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَأَذِنَ اللَّهُ لَهُ، فَقَامَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا فِي السَّمَاءِ، فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، وَلِجَبْرَئِيلَ جَنَاحَانِ، وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا أَجْلَى الْجَبِينِ، وَرَأْسُهُ حُبُّكٌ حُبُّكٌ، مِثْلُ الْمَرْجَانِ وَهُوَ [ص:523] اللُّؤْلُؤُ، كَأَنَّهُ الثَّلْجُ، وَقَدَمَاهُ إِلَى الْخَضِرَةِ، فَقَالَ: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] امْضِ يَا لُوطُ مِنَ الْبَابِ وَدَعْنِي وَإِيَّاهُمْ فَتَنَحَّى لُوطٌ عَنِ الْبَابِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ فَنَشَرَ جَنَاحَهُ، فَضَرَبَ بِهِ وجُوهَهُمْ ضَرْبَةً شَدَخَ أَعْيُنَهُمْ فَصَارُوا عُمْيًا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ، وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ. ثُمَّ أَمَرَ لُوطًا فَاحْتَمَلَ بِأَهْلِهِ مِنْ لَيْلَتِهِ، قَالَ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] "
(12/521)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: " لَمَّا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] وَالرُّسُلُ تَسْمَعُ مَا يَقُولُ، وَمَا يُقَالُ لَهُ وَيَرَوْنَ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ كَرْبِ ذَلِكَ، فَلَمَّا رَأَوْا مَا بَلَغَهُ {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] أَيْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ، {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبَهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81] أَيْ إِنَّمَا يَنْزِلُ بِهِمُ الْعَذَابُ مِنْ صُبْحِ لَيْلَتِكَ هَذِهِ، فَامْضِ لِمَا تُؤْمَرُ "
(12/523)
قَالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ: " حَدَّثَ أَنَّ الرُّسُلَ عِنْدَ ذَلِكَ سَفَعُوا فِي وجُوهِ الَّذِينَ جَاءُوا لُوطًا مِنْ قَوْمِهِ يُرَاوِدُونَهُ عَنْ ضَيْفِهِ، فَرَجَعُوا عُمْيَانًا. قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ [ص:524]: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: 37] "
(12/523)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: " {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] قَالَ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ "
(12/524)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: " {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ "
(12/524)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ:: " {بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 81] قَالَ: جَوْفِ اللَّيْلِ " وَقَوْلُهُ: {وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ} [الحجر: 65] يَقُولُ: وَاتَّبِعْ أَدْبَارَ أَهْلِكَ، {وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81] وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
(12/524)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81] قَالَ: لَا يَنْظُرُ وَرَاءَهُ أَحَدٌ {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود: 81] " [ص:525] وَرُوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ»
(12/524)
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، قَالَ: " فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالنَّصْبِ
(12/525)
الْقَوْلُ فِي تَأَوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا بِالْعَذَابِ وَقَضَاؤُنَا فِيهِمْ بِالْهَلَاكِ، {جَعَلْنَا عَالِيَهَا} [هود: 82] يَعْنِي عَالِيَ قَرْيَتِهِمْ {سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا} [هود: 82] يَقُولُ: وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهَا {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى سِجِّيلٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ سِنْكُ وَكُلْ [ص:526] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/525)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] بِالْفَارِسِيَّةِ، أَوَّلُهَا حَجَرٌ، وَآخِرُهَا طِينٌ " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
(12/526)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] قَالَ: فَارِسِيَّةٌ أُعْرِبَتْ سِنْكُ وَكُلْ "
(12/526)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: " السَّجِيلُ: الطِّينُ "
(12/526)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ: " {مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] قَالَا: مِنْ طِينٍ "
(12/526)
حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: [ص:527] ثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ، عَنْ وَهْبٍ، قَالَ: " سِجِّيلٌ بِالْفَارِسِيَّةِ: سِنَّكُ وَكُلْ "
(12/526)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: " {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] أَمَا السِّجِّيلُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ: سِنْكُ وَجُلُّ، سِنَّكَ: هُوَ الْحَجَرُ، وَجُلُّ هُوَ الطِّينُ، يَقُولُ: أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ "
(12/527)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] قَالَ: طِينٌ فِي حِجَارَةٍ " وقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ مَا:
(12/527)
حَدَّثَنِي بِهِ يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: " {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود: 82] قَالَ: السَّمَاءُ الدُّنْيَا، قَالَ: وَالسَّمَاءُ الدُّنْيَا اسْمُهَا سِجِّيلٌ، وَهِيَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ " وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ يَقُولُ: السِّجِّيلُ: هُوَ مِنَ الْحِجَارَةِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ وَمِنَ الضَّرْبِ، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر البسيط]
ضَرْبًا تَوَاصَى بِهِ الْأَبْطَالُ سِجِّيلًا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَحَوَّلَ اللَّامُ نُونًا. [ص:528] وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: هُوَ فَعِيلٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَسْجَلْتُهُ: أَرْسَلْتُهُ، فَكَأَنَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛ أَيْ مُرْسَلَةً عَلَيْهِمْ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ مِنْ «سَجَّلْتُ لَهُ سَجْلًا» مِنَ الْعَطَاءِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: مُنِحُوا ذَلِكَ الْبَلَاءُ فَأُعْطُوهُ، وَقَالُوا أَسْجَلَهُ: أَهْمَلَهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ السِّجِّيلِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا عِلْمٌ كَالْكِتَابِ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: بَلْ هُوَ طِينٌ يُطْبَخُ كَمَا يُطْبَخُ الْآجُرُّ، وَيُنْشَدُ بَيْتُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ:
[البحر الرمل]
مَنْ يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ مَاجِدًا ... يَمْلَأُ الدَّلْوَ إِلَى عَقْدِ الْكَرَبْ
فَهَذَا مِنْ سَجَلْتُ لَهُ سَجْلًا: أَعْطَيْتُهُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَهُوَ أَنَّهَا مِنْ طِينٍ، وَبِذَلِكَ وَصَفَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي مَوْضِعٍ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات: 34] وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: هِيَ فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ
(12/527)
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «فَارِسِيَّةٌ وَنَبَطِيَّةٌ سِجْ إِيلْ» فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اسْمَ الطِّينِ بِالْفَارِسِيَّةِ جَلَّ لَا إِيلْ، وَأَنَّ [ص:529] ذَلِكَ لَوْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَكَانَ سِجِلًّا لَا سِجِّيلًا، لِأَنَّ الْحَجَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُدْعَى سِجْ، وَالطِّينَ جَلَّ، فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِ الْيَاءِ فِيهَا، وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ. وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْلُ الْحِجَارَةِ طِينًا فَشُدِّدَتْ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَنْضُودٍ} [هود: 82] فَإِنَّ
(12/528)
قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ يَقُولَانِ فِيهِ مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ " {مَنْضُودٍ} [هود: 82] يَقُولُ: مَصْفُوفَةٍ "
(12/529)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {مَنْضُودٍ} [هود: 82] يَقُولُ: مَصْفُوفَةٍ "
(12/529)
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِيهِ، مَا: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، " فِي قَوْلِهِ {مَنْضُودٍ} [هود: 82] قَالَ: نَضَدَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ "
(12/529)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَمَا قَوْلُهُ: " {مَنْضُودٍ} [هود: 82] فَإِنَّهَا فِي السَّمَاءِ مَنْضُودَةٌ: مُعَدَّةٌ، وَهِيَ مِنْ عُدَّةِ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّ لِلْظَلَمَةِ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْضُودٌ: يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضًا عَلَيْهِمْ، قَالَ: فَذَلِكَ نَضْدُهُ.
(12/529)
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {مَنْضُودٍ} [هود: 82] مِنْ نَعْتِ «سِجِّيلٍ» ، لَا مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ، وَإِنَّمَا أُمْطِرَ الْقَوْمُ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ، صِفَةُ ذَلِكَ الطِّينِ أَنَّهُ نَضَدَ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، فَيَصِيرُ حِجَارَةً، وَلَمْ يُمْطَرُوا الطِّينَ، فَيَكُونُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ تَتَابَعَ عَلَى الْقَوْمِ بِمَجِيئِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ هَذَا الْمُتَأَوِّلُ لَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ بِالنَّصْبِ مَنْضُودَةً، فَيَكُونُ مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [هود: 83] فَإِنَّهُ يَقُولُ: مُعَلَّمَةً عِنْدَ اللَّهِ، أَعْلَمَهَا اللَّهُ، وَالْمُسَوَّمَةُ مِنْ نَعْتِ الْحِجَارَةِ، وَلِذَلِكَ نُصِبَتْ وَنُعِتَ بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/530)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] قَالَ: مُعَلَّمَةً " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ [ص:531] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ " مُسَوَّمَةً لَا تُشَاكِلُ حِجَارَةَ الْأَرْضِ
(12/530)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعِكْرِمَةَ، " {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] قَالَا: مُطَوَّقَةً بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةِ "
(12/531)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] عَلَيْهَا سِيَمًا مَعْلُومَةٌ حَدَّثَ بَعْضُ مَنْ رَآهَا أَنَّهَا حِجَارَةٌ مُطَوَّقَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ بِهَا نَضْحٌ مِنْ حُمْرَةٍ لَيْسَتْ كَحِجَارَتِكُمْ "
(12/531)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ، فِي قَوْلِهِ: " {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] قَالَ: عَلَيْهَا سِيَمًا خُطُوطٌ "
(12/531)
حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " {مُسَوَّمَةً} [هود: 83] قَالَ: الْمُسَوَّمَةُ: الْمُخَتَّمَةُ " وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] فَإِنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُتَهَدِّدًا مُشْرِكِي قُرَيْشٍ: وَمَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ الَّتِي أَمْطَرْتُهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ بِبَعِيدٍ أَنْ يُمْطَرُوهَا إِنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ شِرْكِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ [ص:532] ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ:
(12/531)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: ثَنَا أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] قَالَ: أَنْ يُصِيبَهُمُ مَا أَصَابَ الْقَوْمَ "
(12/532)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] قَالَ: يُرْهِبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ " حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
(12/532)
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] يَقُولُ: مَا أَجَارَ اللَّهُ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدَ قَوْمِ لُوطٍ "
(12/532)
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، [ص:533] وَعِكْرِمَةَ، " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] يَقُولُ: لَمْ يَبْرَأْ مِنْهَا ظَالِمٌ بَعْدَهُمْ "
(12/532)
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ شَوْذَبٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] قَالَ: يَعْنِي ظَالِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَجَارَ مِنْهَا ظَالِمًا بَعْدُ "
(12/533)
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] يَقُولُ: مِنْ ظَلَمَةِ الْعَرَبِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَيُعَذَّبُوا بِهَا "
(12/533)
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ يَقُولُ: " {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] مِنْ ظَلَمَةِ أُمَّتِكَ بِبَعِيدٍ، فَلَا يَأْمَنُهَا مِنْهُمْ ظَالِمٌ، وَكَانَ قَلْبُ الْمَلَائِكَةِ عَالِيَ أَرْضِ سَدُومِ سَافِلَهَا "
(12/533)
كَمَا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَخَذَ جَبْرَئِيلُ [ص:534] عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْمَ لُوطٍ مِنْ سَرْحِهِمْ، وَدُورِهِمْ، حَمَلَهُمْ بِمَوَاشِيهِمْ، وَأَمْتِعَتِهِمْ حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ نُبَاحَ كِلَابِهِمْ ثُمَّ أَكْفَأَهُمْ»
(12/533)
حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «أَدْخَلَ جَبْرَائِيلُ جَنَاحَهُ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى مِنْ قَوْمِ لُوطٍ، ثُمَّ أَخَذَهُمْ بِالْجَنَاحِ الْأَيْمَنِ، فَأَخَذَهُمْ مِنْ سَرْحِهِمْ، وَمَوَاشِيهِمْ ثُمَّ رَفَعَهَا»
(12/534)
حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ، قَالَ: ثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، كَانَ يَقُولُ: " {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [هود: 82] قَالَ: لَمَّا أَصْبَحُوا غَدَا جَبْرَئِيلُ عَلَى قَرْيَتِهِمْ، فَفَتَقَهَا مِنْ أَرْكَانِهَا، ثُمَّ أَدْخَلَ جَنَاحَهُ، ثُمَّ حَمْلَهَا عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ "