فتح القدير للكمال ابن الهمام 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: فتح القدير
المؤلف: كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسي المعروف بابن الهمام (المتوفى: 861هـ)
عدد الأجزاء: 10
 
بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ» وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]
(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ) (قَوْلُهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ، وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ، وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا، وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يُسْقِطُ السَّهْوَ.
وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ أَنْ يُسَلِّمَ وَمِنْ قَصْدِهِ السُّجُودَ، بَلْ لَوْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ مِنْ عَزْمِهِ أَنْ لَا يَسْجُدَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ وَلَا يَبْطُلُ سُجُودُهُ، كَمَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ عَزْمِهِ أَنْ يُفْسِدَهَا لَا تَفْسُدُ إلَّا بِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْقَصْدِ بِالْفِعْلِ وَنِيَّتُهُ لَغْوٌ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّهْوَ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ.
وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذَا تَذَكَّرَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْقَعْدَةِ فَسَجْدَةٌ فَإِنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْقَعْدَةَ حَتَّى يُفْتَرَضَ الْقُعُودُ بَعْدَهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَهَا. وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَلَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْفَرْضِ، وَهَذَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
 
(قَوْلُهُ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ» ) فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ. حَتَّى إذَا قَضَى الصَّلَاةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَرُوِيَ أَنَّهُ «سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ» فِي السِّتَّةِ أَيْضًا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ «أَنَّهُ صَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ» .
وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ انْفَرَدَ بِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ الْحَقُّ فِي ابْنِ عَيَّاشٍ تَوْثِيقُهُ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَقَالَةً فِي الرِّجَالِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، قَالَ عَبَّاسُ عَنْ يَحْيَى
(1/498)
 
 
السَّلَامِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ سَالِمًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
ابْنِ مَعِينٍ ثِقَةٌ، وَتَوْهِينُهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ لَا يُقْبَلُ، وَنَاهِيك بِأَبِي زُرْعَةَ، وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالشَّامِّ بَعْدَ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحْفَظُ مِنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، وَغَايَةُ مَا عَنْ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ قَوْلُهُ عَنْ الشَّامِيِّينَ حَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَخُلُقٌ عَنْ الْمَدَنِيِّينَ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ ابْنِ حَنْبَلٍ وَكَثِيرٍ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ.
وَرِوَايَتُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ الشَّامِيِّينَ رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ الْكَلَاعِيِّ وَهُوَ الشَّامِيُّ الدِّمَشْقِيُّ وَثَّقَهُ دُحَيْمٌ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ سَالِمٍ الْعَنْسِيِّ بِالنُّونِ وَهُوَ أَبُو الْمُخَارِقِ الشَّامِيُّ، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَفِيرٍ الْحَضْرَمِيِّ أَبُو حُمَيْدٍ، وَيُقَالُ أَبُو حِمْيَرٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ أَبُو زَرْعَةُ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْتَنْكِرُ حَدِيثَهُ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَهُوَ عَنْ ثَوْبَانَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ كَانَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ إلَيْنَا وَقَالَ: فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ» فَهَذَا تَشْرِيعٌ عَامٌّ قَوْلِيٌّ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَنْ سَهْوِ الشَّكِّ وَالتَّحَرِّي، وَلَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ بَيْنَهُ أَوْ بَيْنَ تَحَقُّقِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَقَدْ تَمَّ أَمْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي حَقِّ حُجِّيَّتِهِ.
(قَوْلُهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ إلَخْ) لَمَّا أَوْقَعَ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِيبَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْفِعْلِ وَكَانَ دَلِيلُهُمْ أَقْوَى مِنْ جِهَةِ الثُّبُوتِ مَعَ قِيَامِ دَلِيلِ عَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ، إذْ قَدْ شَارَكُوهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ اسْتَشْعَرَ أَنْ يُقَالَ دَلِيلُنَا أَرْجَحُ ثُبُوتًا وَتَرْجِيحُ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْقُوَّةِ فَقَالَ ذَاكَ لَوْ سَلِمَ دَلِيلُكُمْ مِنْ الْمُعَارِضِ، لَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ يُعَادِلُهُ، فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ الْأَحَطِّ رُتْبَةً فِي الثُّبُوتِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ الْمُعَارِضِ لَا لِتَرْجِيحِهِ بِالْفِعْلِ الْمَرْوِيِّ ثَانِيًا، وَلَا لِتَرْجِيحِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِهِ لِيَكُونَ تَرْجِيحًا بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ، فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّهُ إنَّمَا صِيرَ إلَى مَا بَعْدَ الدَّلِيلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ لَا إلَى مَا فَوْقِهِمَا فَانْدَفَعَ الْإِشْكَالَانِ الْقَائِلَانِ أَنَّ الرَّسْمَ فِي الْمُعَارَضَةِ أَنْ يُصَارَ إلَى مَا بَعْدَ الْمُتَعَارِضَيْنِ كَالسُّنَّةِ عِنْدَ تَعَارُضِ نَصِّ الْكِتَابِ، وَالْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ السُّنَّةِ لَا إلَى مَا فَوْقَهُمَا وَالْقَوْلُ فَوْقَ الْفِعْلِ فَكَيْفَ وَقَفَ الصَّيْرُورَةَ إلَيْهِ عَلَى تَعَارُضِ الْفِعْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ تَرْجِيحًا فَالتَّرْجِيحُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ بَاطِلٌ عِنْدَنَا.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا سَقَطَ النَّظَرُ إلَى الْفِعْلِ
(1/499)
 
 
وَلِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مِمَّا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُؤَخَّرُ عَنْ السَّلَامِ حَتَّى لَوْ سَهَا عَنْ السَّلَامِ يَنْجَبِرُ بِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
الْمُوَافِقِ لِرَأْيِنَا لِلُزُومِ التَّسَاقُطِ بِالتَّعَارُضِ يَلْزَمُ كَوْنُ السُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الْقَوْلِيِّ فَيُنَافِيهِ كَوْنُ الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ حَتَّى لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عِنْدَنَا يَجُوزُ.
فَالْجَوَابُ مَا قَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ فَلَا إشْكَالَ عَلَى هَذِهِ، وَعَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلُزُومُ التَّسَاقُطِ عِنْدَ عَدَمِ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِالْمُتَعَارَضِينَ جَمِيعًا، وَهُنَا يُمْكِنُ إذْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ مِنْ شَرْعِيَّةِ السُّجُودِ وَهُوَ الْجَبْرُ لَا يَنْتَفِي بِوُقُوعِهِمَا قَبْلَ السَّلَامِ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْفِعْلَيْنِ بَيَانًا لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ، وَأَوْلَوِيَّةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ إيقَاعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ هُوَ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ، وَيُؤَكِّدُهُ الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ تَأَخَّرَ عَنْ زَمَانِ الْعِلَّةِ وَهُوَ وَقْتُ وُقُوعِ السَّهْوِ تَفَادِيًا عَنْ تَكْرَارِهِ، إذْ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَأُخِّرَ لِيَكُونَ جَبْرًا لِكُلِّ سَهْوٍ يَقَعُ فِي الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يُسَلِّمْ فَتَوَهُّمُ السَّهْوِ ثَابِتٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ شَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَشَغَلَهُ ذَلِكَ حَتَّى أَخَّرَ السَّلَامَ. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا فَإِنَّهُ لَوْ سَجَدَ بِهَذَا النَّقْصِ بِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ تَكَرَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَقِيَ نَقْصًا لَازِمًا غَيْرَ مَجْبُورٍ فَاسْتُحِبَّ أَنْ يُؤَخَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ لِهَذَا الْمُجَوِّزِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ. وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ لَا تَجِبُ إعَادَتُهَا بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُحْمَلْ اخْتِلَافُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ عَلَى مَوْرِدَيْهِمَا، وَمَوْرِدُ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ كَانَ فِي النَّقْصِ وَمَوْرِدُهُ بَعْدَهُ كَانَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ قَوْلُ مَالِكٍ وَهَذَا الْمَأْخَذُ مَأْخَذُهُ.
فَالْجَوَابُ كَانَ ذَلِكَ مُحَتَّمًا لَوْ لَمْ يَثْبُتْ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ سَهْوٍ، أَوْ فِي كُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ» فَلَمَّا وَرَدَ ذَلِكَ لَزِمَ حَمْلُ اخْتِلَافِ الْفِعْلَيْنِ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، غَيْرَ أَنَّ الْأَوْلَى وُقُوعُهُ بَعْدَ السَّلَامِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِهَذَا الَّذِي صِرْنَا إلَيْهِ يَقَعُ الْجَمْعُ بَيْنَ كُلِّ الْمَرْوِيَّاتِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، بِخِلَافِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
فَإِنْ قُلْت: كَمَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ كَذَلِكَ تَعَارَضَتْ رِوَايَاتُ قَوْلِهِ، فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ حَدِيثَ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَغَيْرَهُ أَيْضًا فَالْجَوَابُ الْكَلَامُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ يُعَارِضْ حَدِيثَ ثَوْبَانَ فِيهِ دَلِيلٌ قَوْلِيٌّ أَنَّهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ وَسَائِرُ أَمْثَالِهِ مِنْ الْقَوْلِيَّاتِ خَاصَّةٌ فِي الشَّكِّ وَلَيْسَ الْكَلَامُ الْآنَ فِي هَذَا، عَلَى أَنَّ الْقَوْلِيَّةَ فِي الشَّكِّ قَدْ تَعَارَضَتْ أَيْضًا، رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ» وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، قِيلَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: إسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَأَحْسَنُ مِنْهُ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدَثَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إنَّهُ لَوْ حَدَثَ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي،
(1/500)
 
 
وَهَذَا خِلَافٌ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ، وَيَأْتِي بِتَسْلِيمَتَيْنِ هُوَ الصَّحِيحُ صَرْفًا لِلسَّلَامِ الْمَذْكُورِ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ.
 
وَيَأْتِي بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ.
 
قَالَ (وَيَلْزَمُهُ السَّهْوُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مُخْتَصَرًا (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَقِيلَ وَالْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَأْتِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَوْنَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ لِأَنَّ الِانْحِرَافَ التَّحِيَّةُ، وَالْمُرَادُ هُنَا مُجَرَّدُ التَّحْلِيلِ.
وَمُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ مُخْتَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ أَخِي فَخْرِ الْإِسْلَامِ. وَنَسَبَ الْقَائِلَ بِالتَّسْلِيمَةِ إلَى الْبِدْعَةِ فَدَفَعَهُ أَخُوهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ مُشَارٌ إلَيْهِ فِي الْأَصْلِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَتَقَصَّيْنَا عَنْ عُهْدَةِ الْبِدْعَةِ. وَجْهُ مُخْتَارِ الْمُصَنِّفِ مَا قَالَهُ مِنْ صَرْفِ السَّلَامِ: يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ إلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ وَالسَّلَامُ الْمَعْهُودُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَانِ
 
(قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي الْقَعْدَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا آخِرُ.
وَقِيلَ قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَعْدَهُ
(1/501)
 
 
إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا لَيْسَ مِنْهَا) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ وَاجِبَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ، وَإِذَا كَانَ وَاجِبًا لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ تَأْخِيرِهِ أَوْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ سَاهِيًا هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرَى عَنْ تَأْخِيرِ رُكْنٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ.
 
قَالَ (وَيَلْزَمُهُ إذَا تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا إلَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِتَسْمِيَتِهِ سُنَّةً أَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَالَ (أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
لِأَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ. وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ أَحْوَطُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ
 
(قَوْلُهُ إذَا زَادَ فِي صَلَاتِهِ فِعْلًا مِنْ جِنْسِهَا) كَسَجْدَةٍ أَوْ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ سَاهِيًا ثُمَّ إذَا رَكَعَهُمَا فَالْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ فِي رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْمَسْنُونَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ لَا يُرْفَضُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ
 
(قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (قَوْلُهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ) فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِ التَّعَوُّذِ وَالْبَسْمَلَةِ فِي الْأَوْلَى وَالثَّنَاءِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوَائِدِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَفِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ زَائِدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ السُّجُودُ، وَكَذَا فِيهَا كُلِّهَا بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الْأُولَى.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ سَلَّمَ عَنْ الشِّمَالِ أَوَّلًا سَاهِيًا وَتَقَدَّمَتْ.
وَلَوْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ سَاهِيًا بِأَنْ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ سَاجِدًا.
فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ أَنَّ عَلَيْهِ السُّجُودَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَهُوَ يَقْتَضِي وُجُوبَهَا عِنْدَ هُمَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَحْثًا أَنَّ وُجُوبَهَا مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَتَفْسُدُ لِأَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَهُ، وَلَا تَجِبُ بِتَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ أَوْ تَأْخِيرُهُ) كَتَأْخِيرِ سَجْدَةٍ صُلْبِيَّةٍ مِنْ الْأَوْلَى، أَوْ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّشَهُّدِ سَاهِيًا وَلَوْ بِحَرْفٍ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقِيلَ بَلْ بِتَمَامِهَا، وَقِيلَ بَلْ بِاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ.
وَالتَّحْقِيقُ انْدِرَاجُ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى تَرْكِ الْوَاجِبِ لِأَنَّ عَدَمَ التَّأْخِيرِ وَاجِبٌ، فَالتَّأْخِيرُ تَرْكُ وَاجِبٍ.
وَقَالُوا: لَوْ افْتَتَحَ فَشَكَّ أَنَّهُ هَلْ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَبَّرَ إنْ شَغَلَهُ التَّفَكُّرُ عَنْ أَدَاءِ رُكْنٍ مِنْ الصَّلَاةِ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ أَنَّهُ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ سَهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ إنْ تَفَكَّرَ قَدْرَ رُكْنٍ كَالرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يَجِبُ، وَلَوْ شَكَّ فِي هَذِهِ فِي صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَهَا لَا سُجُودَ سَهْوٍ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ، وَلَوْ انْصَرَفَ لِسَبْقِ حَدَثٍ فَشَكَّ أَنَّهُ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ عَلِمَ وَشَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً ثُمَّ أَتَمَّ وُضُوءَهُ كَانَ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَلِأَنَّهُ فِي حُرْمَتِهَا
 
(قَوْلُهُ أَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي إحْدَى أُولَيَيْ الْفَرْضِ لَا أُخْرَيَيْهِ.
وَمُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ، وَكَذَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَهَا لَا أَقَلَّهَا
(1/502)
 
 
(أَوْ الْقُنُوتَ أَوْ التَّشَهُّدَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَكَذَا تَرْكُ السُّورَةِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ السُّورَةَ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ قِصَارٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ.
حَتَّى لَوْ قَرَأَ مِنْ سُورَةٍ هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ لَا سَهْوَ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ بِالسُّجُودِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ يَعُودُ فَيَقْرَأُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَةِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يُعِيدُ السُّورَةَ ثُمَّ الرُّكُوعَ فَإِنَّهُمَا يَرْتَفِضَانِ بِالْعَوْدِ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي السُّورَةِ السُّورَةَ، ثُمَّ يُعِيدُ الرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِ بِالْعَوْدِ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ عَلَى التَّعْيِينِ شَرْعًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا إلَّا فِي الشَّفْعِ الثَّانِي تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مَا يَقْتَضِيهِ مِنْهَا فِيهِ وَمَا لَا يَقْضِيهِ وَكَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
وَلَوْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ أَصْلًا فِي الْأُولَيَيْنِ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَيَصِيرَانِ كَالْأُولَيَيْنِ فَيَجْهَرُ فِيهِمَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَلَوْ بَدَأَ بِحَرْفٍ مِنْ السُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ فَذَكَرَ فَقَرَأَ الْفَاتِخَةَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلتَّأْخِيرِ، وَفِي هَذَا إذَا وَزَنْتَهُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفَكُّرِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مِنْ السُّورَةِ مِقْدَارَ مَا يَتَأَدَّى فِيهِ رُكْنٌ لِيَجِبَ السَّهْوُ.
وَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لَا سَهْوَ، وَفِي الْأُولَيَيْنِ مُتَوَالِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ، لَا إنْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِالسُّورَةِ لِلُزُومِ تَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ السُّورَةُ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي، إذْ لَيْسَ الرُّكُوعُ وَاجِبًا بِأَثَرِ السُّورَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِفِعْلِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّهُمَا مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً فِيهِمَا فَلَا تَتَقَدَّرُ بِقَدْرٍ يَجِبُ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ بَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ الْقُنُوتَ) أَوْ تَكْبِيرَتَهُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُهُ بِالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ، أَمَّا لَوْ تَذَكَّرَهُ فِي الرُّكُوعَ قَبْلَ الرَّفْعِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَقِيلَ لَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ.
وَالْأَوْجَهُ الْأُوَلُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعَنْهُمَا أَنَّهُ سُنَّةٌ. ثُمَّ رَجَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتَاوَى رِوَايَةَ عَدَمِ الْعَوْدِ إلَى الْقُنُوتِ وَجَعَلَهَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، وَتَقَدَّمَ تَصْحِيحُ عَدَمِ ارْتِفَاضِ الرُّكُوعِ لَوْ أَخَذَ بِرِوَايَةِ الْعَوْدِ إلَى قِرَاءَتِهِ وَكَأَنَّهُ لِضَعْفِ وُجُوبِ الْقُنُوتِ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ.
وَلَوْ قَرَأَ الْقُنُوتَ فِي الثَّالِثَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَكَعَ قَامَ وَقَرَأَ وَأَعَادَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَا مَحَلُّهُ قَبْلَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَمَحَلَّهَا فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهَا ثُمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَيُعِيدُهُ اسْتِحْبَابًا
 
(قَوْلُهُ أَوْ التَّشَهُّدَ) أَوْ بَعْضَهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ، قَالُوا إنْ كَانَ إمَامًا يَأْخُذُ بِهَذَا كَيْ لَا يَلْتَبِسَ عَلَى الْقَوْمِ، ثُمَّ قَدْ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ السُّجُودَ إلَّا فِي الْأَوَّلِ.
أَمَّا التَّشَهُّدُ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ، فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ شَيْءٍ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إيجَابُ السُّجُودِ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَهُ وَسَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ارْتَفَضَ قُعُودُهُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِ قَدْرِ التَّشَهُّدِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ قُعُودَهُ مَا ارْتَفَضَ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ الْقَعْدَةُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى رَفْضِهَا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَعَنْ هَذَا اخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ السُّورَةَ حَتَّى رَكَعَ فَذَكَرَ فَقَامَ لِلْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَجَدَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسُدُ لِأَنَّهُ ارْتَفَضَ رُكُوعُهُ بِالْقِيَامِ، فَإِذَا لَمْ يُعِدْهُ تَفْسُدُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَرْتَفِضُ لِأَنَّ الرَّفْضَ كَانَ لِلْقِرَاءَةِ، فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ. وَقِيلَ الْفَسَادُ قِيَاسُ ارْتِفَاضِ الظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أُقِيمَ مَقَامَ نَفْسِهَا لِدَلِيلٍ أَوْجَبَهُ هُنَاكَ وَلَيْسَ الْقِيَامُ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ هَذَا.
(1/503)
 
 
أَوْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ) لِأَنَّهَا وَاجِبَاتٌ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً وَهِيَ أَمَارَةُ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَى جَمِيعِ الصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ خَصَائِصِهَا وَذَلِكَ بِالْوُجُوبِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ.
 
(وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِيمَا يُخَافِتُ أَوْ خَافَتْ فِيمَا يَجْهَرُ تَلْزَمُهُ سَجْدَتَا السَّهْوِ) لِأَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمُخَافَتَةَ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَأَمَّا لَوْ قَرَأَ حِينَ عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ فَسَدَتْ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا تَفْسُدُ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ حِينَ قَامَ حَتَّى سَجَدَ آخِذًا بِأَحَدِ ذَيْنِك الْقَوْلَيْنِ، وَلَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَهُمَا مَحَلُّهُ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِمَا فَإِنَّ فِيهِ السَّهْوَ.
وَلَوْ قَرَأَهُ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَهْوٌ أَوْ بَعْدَهَا فَعَلَيْهِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهَا مَحَلُّ الثَّنَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى.
وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي الْقَعْدَةِ إنَّمَا يَجِبُ السَّهْوُ إذَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ التَّشَهُّدِ، أَمَّا إذَا فَرَغَ فَلَا يَجِبُ. وَتَكْرَارُ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى يُوجِبُ السُّجُودَ دُونَ الْأَخِيرَةِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَطْلَقَ عَدَمَ الْوُجُوبِ
 
(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْكِهَا مَرَّةً) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّ فِي ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُنُوتِ نَظَرًا إذْ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ
 
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تُضَافُ إلَخْ) قَدْ أَسْلَفْنَا فِي اسْتِفَادَةِ الْوُجُوبِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ نَظَرٌ.
 
(قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ السُّجُودُ. وَعَنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ بِالْفَسَادِ فِي تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأُولَى
(1/504)
 
 
وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْمِقْدَارِ، وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَعَنْ كَثِيرٍ مُمْكِنٌ، وَمَا يَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ كَثِيرٌ غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَعِنْدَهُمَا ثَلَاثُ آيَاتٍ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ دُونَ الْمُنْفَرِدِ لِأَنَّ الْجَهْرَ وَالْمُخَافَتَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْجَمَاعَةِ. .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
مِنْ النَّفْلِ سَاهِيًا، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ فِيهَا السَّهْوُ
 
(قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ أَنَّهُ إذَا جَهَرَ فِي الْمُخَافَتَةِ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَإِنْ خَافَتْ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ الْفَاتِحَةِ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ آيَةٍ قَصِيرَةٍ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَعَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِلَّا فَلَا.
وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْجَهْرَ فِي مَوْضِعِ الْمُخَافَتَةِ أَغْلَظُ مِنْ قَلْبِهِ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَغَلُظَ حُكْمُهُ، وَلِأَنَّ لِصَلَاةِ الْجَهْرِ حَظًّا مِنْ الْمُخَافَتَةِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَلَا حَظَّ لِصَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ فِي الْجَهْرِ بِحَالٍ فَأَوْجَبْنَا فِي الْجَهْرِ وَإِنْ قَلَّ، وَشَرَطْنَا الْكَثْرَةُ فِي الْمُخَافَتَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، وَإِنَّمَا شَرَطْنَا الْأَكْثَرِيَّةَ فِي الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهَا ثَنَاءٌ مِنْ وَجْهٍ وَلِذَا شُرِعَتْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلَاوَةً حَقِيقِيَّةً فَبِالنَّظَرِ إلَى جِهَةِ الثُّنَائِيَّةِ لَا يُوجِبُ، وَإِلَى جِهَةِ التِّلَاوَةِ يُوجِبُ قَدْرَ الْفَرْضِ مِنْهَا فَاعْتَبَرْنَا الْأَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِلْجِهَتَيْنِ، وَالْأَصَحُّ مَا فِي الْكِتَابِ أَمَّا فِي الْمُخَافَتَةِ فَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْجَهْرِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْهَا مُتَعَسِّرٌ، فَإِنَّ فِي مَبَادِئِ التَّنَفُّسَاتِ غَالِبًا يَظْهَرُ الصَّوْتُ، وَفِي الْحَدِيثِ «وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا» ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهَذَا السَّبَبِ. وَأَمَّا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا قُرْآنٌ أَلْبَتَّةَ، وَكَوْنُهَا ثَنَاءً بِصِيغَتِهِ لَا أَثَرَ لَهُ، وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ثَنَاءٌ وَقَصَصٌ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ اعْتِبَارَ جِهَةٍ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ فِيهِ فِي حَقِّ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَكَوْنُ شَرْعِيَّتِهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَمْنُوعٌ، بَلْ شُرِعَ فِيهِمَا ابْتِدَاءُ الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الثَّنَاءِ وَالسُّكُوتِ، هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ.
أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَقَدْ يُقَالُ كَوْنُهُ مُخَيَّرًا فِي الْجَهْرِيَّةِ مُسَلَّمٌ أَمَّا فِي السَّرِيَّةِ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ تَجْوِيزَ الْجَهْرِ لَهُ، وَقَدَّمْنَا
(1/505)
 
 
قَالَ (وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِقَامَةِ بِنِيَّةِ الْإِمَامِ (فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَمَا الْتَزَمَ الْأَدَاءَ إلَّا مُتَابِعًا.
 
(فَإِنْ سَهَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَلْزَمْ الْإِمَامَ وَلَا الْمُؤْتَمَّ السُّجُودُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
زِيَادَةَ كَلَامٍ فِيهِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ
 
(قَوْلُهُ وَسَهْوُ الْإِمَامِ يُوجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ السُّجُودَ) وَإِنْ كَانَ مَسْبُوقًا لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ السَّهْوِ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ بَلْ يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ حَتَّى يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الْقَضَاءِ، وَعَنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ بَلْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَنْقَطِعَ ظَنُّهُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ، وَقَدْ عَقَدْنَا لِلْمَسْبُوقِ فَصْلًا نَافِعًا بِذَيْلِ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ فَارْجِعْ إلَيْهِ
 
(قَوْلُهُ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ فِي حَقِّ الْأَصْلِ) يَعْنِي الْإِمَامَ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلسُّجُودِ عَلَى الْمَأْمُومِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا لُزُومُ النَّقْصِ فِي صَلَاتِهِ إذْ هِيَ بِنَاءٌ عَلَى النَّاقِصَةِ وَلِذَا تَفْسُدُ بِفَسَادِهَا فَاحْتَاجَ إلَى الْجَابِرِ كَالْإِمَامِ، وَالْآخَرُ لُزُومُ الْمُتَابَعَةِ شَرْعًا حَتَّى قَالُوا لَوْ تَرَكَ بَعْضُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ حَتَّى قَامُوا مَعَهُ بَعْدَ مَا تَشَهَّدَ كَانَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ أَنْ يَعُودَ فَيَتَشَهَّدَ وَيَلْحَقَهُ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الثَّالِثَةُ، بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ حَيْثُ لَا يَعُودُ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ هُنَا فَرْضٌ بِحُكْمِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقْضِي السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رَكْعَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ خَافَ ذَلِكَ تَرَكَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ هُوَ يَقْضِي هَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ ضِمْنَ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِحْرَازِ الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى إذَا خَافَ فَوْتَهَا، وَهُنَا لَا يَقْضِي التَّشَهُّدَ بَعْدَ
(1/506)
 
 
لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ، وَلَوْ تَابَعَهُ الْإِمَامُ يَنْقَلِبُ الْأَصْلُ تَبَعًا.
 
(وَمَنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأُولَى ثُمَّ تَذَكَّرَ وَهُوَ إلَى حَالَةِ الْقُعُودِ أَقْرَبُ عَادَ وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ) لِأَنَّ مَا يَقْرُبُ مِنْ الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ ثُمَّ يَتَّبِعَ.
كَاَلَّذِي نَامَ خَلْفَ إمَامِهِ ثُمَّ انْتَبَهَ، عَلَى أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ تَبِعُوهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سُجُودِهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا سَاهِينَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي مَحَلِّ السَّهْوِ بَلْ عَامِدِينَ
 
(قَوْلُهُ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ كَانَ مُخَالِفًا) أَيْ فِي نَفْسِ مَا يُؤَدِّيهِ مَعَ الْإِمَامِ حُكْمًا وَإِنْ كَانَ سُجُودُهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ صُورَةً كَمَا لَوْ كَانَ لَاحِقًا سَهَا إمَامُهُ فِيمَا فَاتَهُ مَعَهُ لِنَوْمِهِ مَثَلًا فَانْتَبَهَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ السُّجُودَ إذَا فَرَغَ وَالْفَرْضُ أَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَسْجُدْ لَزِمَ الْمُخَالَفَةُ لِأَنَّ السُّجُودَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَوْضِعِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ عِلَّتُهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُ سَجَدَ بَعْدَمَا انْتَبَهَ هُوَ أَوْ عِنْدَ مَا جَاءَ مِنْ وُضُوئِهِ فِيمَا إذَا كَانَ الْفَوَاتُ لِسَبْقِ الْحَدَثِ فَأَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، وَلَوْ سَجَدَ مَعَهُ لَا يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ وَيَسْجُدُ ثَانِيًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَالْمُقِيمِ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ بَعْدَ الْإِمَامِ مِنْ قَضَاءِ الْمَسْبُوقِ وَإِتْمَامِ الْمُقِيمِ إذَا سَهِيَا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَحَلٍّ قَبْلَهُ شَرْعًا فَلَا مُخَالَفَةَ فَيَسْجُدَانِ لِسَهْوِهِمَا، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ سَهْوٌ وَجَبَ عَلَيْهِمَا مُتَابَعَتُهُ فَيَتَكَرَّرُ السُّجُودُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ وَلَا الْمُقِيمُ الْمُقْتَدِي بِالْمُسَافِرِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلَا لِسَهْوِهِمَا فِيمَا يَقْضِي اللَّاحِقُ وَيُتِمُّ الْمُقِيمُ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ حُكْمًا وَإِنْ اتَّحَدَتَا حَقِيقَةً لِتَحَقُّقِ الِانْفِرَادِ وَالِائْتِمَامِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِقِ فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيمَا يَقْضِيهِ حُكْمًا، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَسْجُدُ اللَّاحِقُ لِمَا سَهَا فِيهِ مِمَّا يَقْضِيهِ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ فِيهِ فَيَكُونُ لَوْ سَجَدَ مُخَالِفًا وَإِذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سَجَدَ وَتَابَعَهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ.
وَأَمَّا الْأُولَى فَيَسْجُدُونَ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَسْبُوقُونَ وَالْأُولَى لَاحِقُونَ، وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ السَّاهِيَ الْحَدَثُ بَعْدَ سَلَامِهِ اسْتَخْلَفَ لِيَسْجُدَ الْخَلِيفَةُ كَمَا لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ، وَلَيْسَ
(1/507)
 
 
لِلتَّأْخِيرِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ كَمَا إذَا لَمْ يَقُمْ (وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ) لِأَنَّهُ كَالْقَائِمِ مَعْنًى (يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ.
 
(وَإِنْ سَهَا عَنْ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ رَجَعَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ) لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الِاسْتِخْلَافِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إذْ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى السَّلَامِ، وَإِنَّمَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ حَالَةَ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ يَسْجُدُ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا قَدْ صَارَ إمَامًا لِلْمُسْتَخْلِفِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ لَمْ تَفْسُدْ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْمَامِ فِي الْجُمْلَةِ بِأَنْ يَتَأَخَّرَ وَيُقَدِّمَ مُدْرِكًا يُسَلِّمُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ، وَيَسْجُدُ الْخَلِيفَةُ لِلْمَسْبُوقِ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ الْآنَ مُقْتَدٍ ثُمَّ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ مَعَهُمْ سَجَدَ آخِرَ صَلَاتِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْمَسْبُوقِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيلَ عَدَمِ قُدْرَةِ الْمَسْبُوقِ عَلَى السُّجُودِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السَّلَامِ لِانْتِفَاءِ مَحَلِّيَّةِ السُّجُودِ قَبْلَهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ، أَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّ كَوْنَهُ بَعْدَ السَّلَامِ إنَّمَا هُوَ الْأَوْلَى فَلَا، فَالْأَوْجُهُ تَعْلِيلُ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى السُّجُودِ بِكَوْنِهِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ، وَلَا يَسْجُدُ فِي أَثْنَائِهَا إلَّا مُقْتَدِيًا وَهُوَ قَدْ صَارَ إمَامًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَلْفَ الْإِمَامِ مُدْرِكٌ بَلْ الْكُلُّ مَسْبُوقُونَ قَامُوا وَقَضَوْا مَا سُبِقُوا بِهِ فُرَادَى لِأَنَّ تَحْرِيمَةَ الْمَسْبُوقِ انْعَقَدَتْ لِلْأَدَاءِ عَلَى الِانْفِرَادِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ، ثُمَّ إذَا فَرَغُوا لَا يَسْجُدُونَ فِي الْقِيَاسِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَسْجُدُونَ
 
(قَوْلُهُ لِلتَّأْخِيرِ) أَيْ لِتَأْخِيرِ الْقُعُودِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ قِيَامًا وَإِلَّا لَمْ يُطْلِقْ لَهُ الْعَوْدَ فَكَانَ مُعْتَبَرًا قُعُودًا أَوْ انْتِقَالًا بِالضَّرُورَةِ، وَهَذَا الِاعْتِبَارُ يُنَافِيهِ اعْتِبَارُ التَّأْخِيرِ الْمُسْتَتْبِعِ لِوُجُوبِ السُّجُودِ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ) الْأَصَحُّ فِيهِ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ: يَعْنِي وَظَهْرُهُ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ فِي رِوَايَةِ إذَا قَامَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِيَنْهَضَ يَقْعُدُ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ رَفَعَ أَلْيَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَرُكْبَتَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يَرْفَعْهُمَا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْحَاصِلُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ. وَقَدْ اخْتَارَ فِي الْأَجْنَاسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ عَلَيْهِ السَّهْوَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ مَا إذَا فَارَقَتْ رُكْبَتَاهُ الْأَرْضَ دُونَ أَنْ يَسْتَوِيَ نِصْفُهُ الْأَسْفَلُ شَبَهُ الْجَالِسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ.
فَالْحَاصِلُ ثُبُوتُ التَّلَازُمِ بَيْنَ عَدَمِ الْعَوْدِ وَسُجُودِهِ وَعَدَمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَوْدِ ثُمَّ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اخْتَارَهُ مَشَايِخُ بُخَارَى، أَمَّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ قَائِمًا يَعُودُ، قِيلَ
(1/508)
 
 
صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ. قَالَ (وَأَلْغَى الْخَامِسَةَ) لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى شَيْءٍ مَحَلُّهُ قَبْلَهَا فَتَرْتَفِضُ (وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا.
 
(وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ شُرُوعَهُ فِي النَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِ الْمَكْتُوبَةِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ بِسَجْدَةٍ وَاحِدَةٍ صَلَاةٌ حَقِيقَةً حَتَّى يَحْنَثَ بِهَا فِي يَمِينِهِ لَا يُصَلِّي (وَتَحَوَّلَتْ صَلَاتُهُ نَفْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) خِلَافًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ مَا رَوَاهُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فَسَبَّحُوا لَهُ فَرَجَعَ» ، وَمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْجِعْ» بِالْحَمْلِ عَلَى حَالَتَيْ الْقُرْبِ مِنْ الْقِيَامِ وَعَدَمِهِ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْهُ بِالْحَمْلِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ، ثُمَّ لَوْ عَادَ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ عَدَمِهِ قِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهَا تَفْسُدُ لِكَمَالِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِيَامِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ لِإِظْهَارِ مُخَالِفَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ الْكَفَرَةِ وَلَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعْنَاهُ أَصْلًا عَلَى أَنَّا نَقُولُ الْجِنَايَةُ هُنَا بِالرَّفْضِ وَلَيْسَ تَرْكُ الْقِيَامِ لِلسُّجُودِ رَفْضًا لَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهَا قَدْرَ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى رَكَعَ صَحَّتْ، هَذَا وَفِي النَّفْسِ مِنْ التَّصْحِيحِ شَيْءٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِي الرُّجُوعِ إلَى الْقَعْدَةِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةَ قِيَامِ مَا فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ لَكِنَّهُ بِالصِّحَّةِ لَا يَحِلُّ لِمَا عُرِفَ أَنَّ زِيَادَةَ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا تَفْسُدُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِاقْتِرَانِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِالرَّفْضِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الْمُتَحَقِّقُ لُزُومُ الْإِثْمِ أَيْضًا بِالرَّفْضِ، أَمَّا الْفَسَادُ فَلَمْ يَظْهَرْ وَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ إيَّاهُ فَيَتَرَجَّحُ بِهَذَا الْبَحْثِ الْقَوْلُ الْمُقَابِلُ لِلْمُصَحِّحِ.
 
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا) أَيْ وَاجِبًا قَطْعِيًّا وَهُوَ الْفَرْضُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ
 
(قَوْلُهُ وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِسَجْدَةٍ بَطَلَ فَرْضُهُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) لَهُ أَنَّ الْحَاصِلَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ كَوْنُهُ صَلَّاهَا بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ مِثْلُ زِيَادَةِ مَا دُونَهَا، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا» قُلْنَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ يَصْدُقُ مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَمَعَ فِعْلِهَا، وَلَا دَلَالَةَ لِلْأَعَمِّ عَلَى خُصُوصِ أَخَصَّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مَا إذَا صَلَّاهَا خَمْسًا مَعَ تَرْكِ الْقَعْدَةِ فَجَازَ كَوْنُهُ مَعَ فِعْلِهَا، ثُمَّ
(1/509)
 
 
لِمُحَمَّدٍ عَلَى مَا مَرَّ (فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، ثُمَّ إنَّمَا يَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
بِتَرَجُّحِ ذَلِكَ حَمْلًا لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا هُوَ الْأَقْرَبُ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ نَفْلٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الِاتِّصَافُ بِكَوْنِهِ فِي صَلَاتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْ الْوَصْفَيْنِ، فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا حُكْمٌ بِالضَّرُورَةِ بِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرِيضَةِ، بِخِلَافِ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ.
 
(قَوْلُهُ عَلَى مَا مَرَّ) فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ وَصْفِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ التَّحْرِيمَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَبِنَاءً عَلَى أَصْلٍ آخَرَ وَهُوَ مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنْ أَنَّ تَرْكَ الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ لَا يُفْسِدُهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، وَفِي تَحَوُّلِهَا نَفْلًا يَلْزَمُ ذَلِكَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً سَادِسَةً عِنْدَهُمَا كَيْ لَا يَنْتَفِلَ بِالْوِتْرِ، وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ قِيلَ نَعَمْ، وَالصَّحِيحُ لَا لِأَنَّ النُّقْصَانَ بِالْفَسَادِ لَا يَنْجَبِرُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ لَمْ يَضُمَّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ وَاجِبًا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ الْأَصْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّنَفُّلِ بِالْوِتْرِ لِأَنَّهُ مَظْنُونُ الْوُجُوبِ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَاللُّزُومُ إنَّمَا يَثْبُتُ شَرْعًا بِالِالْتِزَامِ أَوْ إلْزَامِ الرَّبِّ تَعَالَى ابْتِدَاءً، وَشُرُوعُهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ بَلْ لِقَصْدِ الْإِسْقَاطِ، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ سَقَطَ أَصْلًا، وَلَكِنْ لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ ثُمَّ قَطَعَ لَزِمَهُ قَضَاءُ سِتٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْفَصْلِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ هُنَاكَ: لَوْ قَطَعَهَا يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِمَا نَذْكُرُ فِيهِ.
 
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِرَفْعِهِ لِأَنَّ تَمَامَ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ) وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ، لِأَنَّ السُّجُودَ لَوْ تَمَّ قَبْلَ الرَّفْعِ لَمْ يَنْقُضْهُ الْحَدَثُ، لَكِنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى لُزُومِ إعَادَةِ كُلِّ رُكْنٍ وُجِدَ فِيهِ سَبْقُ الْحَدَثِ عِنْدَ الْبِنَاءِ، وَعَلَى الِاعْتِدَادِ بِمَا لَحِقَ فِيهِ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ إذَا سَبَقَهُ الْمَأْمُومُ فِي ابْتِدَائِهِ خِلَافًا لِزُفَرَ فِي هَذَا
(1/510)
 
 
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ بَنَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ.
 
(وَلَوْ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ قَامَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ مَا لَمْ يَسْجُدْ لِلْخَامِسَةِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَالَةِ الْقِيَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَمْكَنَهُ الْإِقَامَةُ عَلَى وَجْهِهِ بِالْقُعُودِ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ.
 
(وَإِنْ قَيَّدَ الْخَامِسَةَ بِالسَّجْدَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّ فَرْضُهُ) لِأَنَّ الْبَاقِيَ إصَابَةُ لَفْظَةِ السَّلَامِ وَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَإِنَّمَا يَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ نَفْلًا لِأَنَّ الرَّكْعَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُهُ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الْبَتْرَاءِ» ، ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
وَلَوْ كَانَ الرُّكْنُ تَمَّ بِمُجَرَّدِ وَضْعِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ فِعْلَ الْإِمَامِ حِينَئِذٍ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَكُلُّ رُكْنٍ أَدَّاهُ الْمُقْتَدِي قَبْلَ إمَامِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ
؛
(قَوْلُهُ فِي السُّجُودِ) أَيْ سُجُودِ الْخَامِسَةِ بَنَى: أَيْ عَلَى الْفَرْضِ: أَيْ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْحَدَثِ أَمْكَنَهُ إصْلَاحُ فَرْضِهِ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَأْتِيَ فَيَقْعُدَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، لِأَنَّ الرَّفْعَ حَصَلَ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَكُونُ مُكَمِّلًا لِلسَّجْدَةِ لِيَفْسُدَ الْفَرْضُ بِهِ، وَهَذَا مَا أَعْنِي صِحَّةَ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ سَبْقِ الْحَدَثِ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ فِي ذَلِكَ السُّجُودِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنْ تَذَكَّرَ ذَلِكَ فَسَدَتْ اتِّفَاقًا لِمَا سَنَذْكُرُ فِي تَتِمَّةٍ نَعْقِدُهَا فِي السَّجَدَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ فَسَدَ فَرْضُهُ فَلَا يُمْكِنُهُ إصْلَاحُهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِيهِ. وَقَدْ سُئِلَ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ: بَطَلَتْ وَلَا يَعُودُ إلَيْهَا. فَأَخْبَرَ بِجَوَابِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ زِهْ صَلَاةٌ فَسَدَتْ يُصْلِحُهَا الْحَدَثُ. وَزِهْ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا هَاءٌ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ، وَهُوَ هُنَا عَلَى وَجْهِ التَّهَكُّمِ.
قِيلَ قَالَهُ لِغَيْظٍ لَحِقَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ مَا بَلَغَهُ مِنْ عَيْبِهِ قَوْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا خَرِبَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَإِنْ صَارَ مَأْوًى لِلْكِلَابِ وَالدَّوَابِّ
 
(قَوْلُهُ عَادَ إلَى الْقَعْدَةِ) إنَّمَا يَعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ وَسَلَّمَ قَائِمًا حُكِمَ بِصِحَّةِ فَرْضِهِ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ حَالَ الْقِيَامِ، وَهَلْ يَتَّبِعُهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْقِيَامِ؟ قِيلَ نَعَمْ، فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ تَبِعُوهُ، وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيّ عَنْ عُلَمَائِنَا لَا يَتَّبِعُونَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَيَنْتَظِرُونَهُ، فَإِنْ عَادَ قَبْلَ السَّجْدَةِ تَبِعُوهُ فِي السَّلَامِ، وَإِنْ سَجَدَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ، وَإِذَا عَادَ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ
 
(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا تَنُوبَانِ عَنْ سُنَّةِ.
(1/511)
 
 
الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ. وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَلَوْ قَطَعَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
الظُّهْرِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ تَنُوبُ، وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ بِالْمُوَاظَبَةِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِ السُّنَّةِ فِي وُقُوعِهَا سُنَّةً، بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَرْبَعِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهَا بِتَحْرِيمَةٍ قُصِدَتْ ابْتِدَاءً لِلنَّفْلِ فَلِذَا تَقَعُ الْأُولَيَانِ مِنْهَا سُنَّةً، وَلَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي الْعَصْرِ: أَعْنِي صَلَّاهَا خَمْسًا بَعْدَمَا قَعَدَ الثَّانِيَةَ أَوْ فِي الْفَجْرِ سَجَدَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ، قَالُوا لَا يَضُمُّ سَادِسَةً لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُتَنَفِّلًا بِرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ الْقَصْدِيِّ بَعْدَهُمَا، وَكَذَا إذَا تَطَوَّعَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا (قَوْلُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْجُدَ لِأَنَّهُ صَارَ إلَى صَلَاةٍ غَيْرِ الَّتِي سَهَا فِيهَا، وَمَنْ سَهَا فِي صَلَاةٍ لَا يَسْجُدُ فِي أُخْرَى.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النُّقْصَانَ دَخَلَ فِي فَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ بِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهُوَ السَّلَامُ، وَهَذَا النَّفَلُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ السَّهْوِ كَأَنَّهُمَا وَاحِدَةٌ، كَمَنْ صَلَّى سِتًّا تَطَوُّعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَسَهَا فِي الشَّفْعِ الْأَوَّلِ يَسْجُدُ فِي الْآخِرِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ شَفْعٍ صَلَاةً عَلَى حِدَةٍ بِنَاءً عَلَى الِاتِّحَادِ الْحُكْمِيِّ الْكَائِنِ بِوَاسِطَةِ اتِّحَادِ التَّحْرِيمَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ النُّقْصَانُ فِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ، إذْ الْوَاجِبُ أَنْ يَشْرَعَ فِي النَّفْلِ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ لِلنَّفْلِ وَهَذِهِ كَانَتْ لِلْفَرْضِ. كَذَا فِي الْكَافِي.
وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْفَرْضِ بِالْخُرُوجِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ، وَفِي النَّفْلِ بِالدُّخُولِ لَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ مُرَادُهُ مَسْنُونُ الثُّبُوتِ فَيَعُمُّ الْوَاجِبَ وَهُوَ الْمُرَادُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ، فَالْأَوَّلُ لِمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي لِأَبِي يُوسُفَ، وَظَهَرَ أَنَّ كَوْنَهُ اسْتِحْسَانًا يُقَابِلُهُ قِيَاسٌ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَسْجُدُ قِيَاسًا اسْتِحْسَانًا، وَقُدِّمَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى لِأَنَّ مَنْ قَامَ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ بِلَا تَسْلِيمٍ وَلَا تَحْرِيمَةٍ عَمْدًا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ بَلْ فِي الْفَرْضِ، كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، لَكِنْ أَبُو يُوسُفَ يَمْنَعُ أَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْ الشُّرُوعِ، وَلَوْ قَطَعَهَا: يَعْنِي
(1/512)
 
 
وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ الْمُؤَدَّى بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ، وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ خُرُوجُهُ عَنْ الْفَرْضِ وَلَوْ أَفْسَدَهُ الْمُقْتَدِي فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ السُّقُوطَ بِعَارِضٍ يَخُصُّ الْإِمَامَ.
 
قَالَ (وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
صَلَاةَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ إتْمَامِ الرَّكْعَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَظْنُونٌ، وَعِنْدَ زُفَرَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ؛
 
(قَوْلُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فِيهِمَا يُصَلِّي سِتًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِمَا ذُكِرَ (وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتَحْكَمَ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْفَرْضِ) فَانْقَطَعَ إحْرَامُهُ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ فِي إحْرَامَيْنِ لِصَلَاتَيْنِ مُتَبَايِنَتَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَاقٍ لِأَنَّ إحْرَامَ الْفَرْضِ اشْتَمَلَ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَوَصْفَ الْفَرِيضَةِ وَالِانْتِقَالُ إلَى النَّفْلِ أَوْجَبَ انْقِطَاعَ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ، وَلِهَذَا لَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ صَارَ شَارِعًا فِي النَّفْلِ بِلَا تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، فَلَوْ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الِانْتِقَالِ إلَى النَّفْلِ انْقِطَاعُ الْإِحْرَامِ اُحْتِيجَ إلَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَلَيْسَ فَلَيْسَ الْإِحْرَامُ مُنْقَطِعًا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْضِي رَكْعَتَيْنِ) كَأَنَّ حَقَّهُ أَنْ يَقُولَ: وَعِنْدَهُمَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَعِنْدَهُمَا رَكْعَتَيْنِ، يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ، ثُمَّ الْفَتْوَى هُنَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ النَّفْلِ غَيْرُ مَضْمُونٍ قَصْدًا غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِنَّمَا شُرِعَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ لِنُقْصَانِ عَزِيمَتِهِمَا، فَإِذَا انْتَقَضَتْ عَزِيمَةُ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِأَنْ شَرَعَ فِيهِ عَلَى عَزْمِ إسْقَاطِ الْوَاجِبِ لَا عَزْمِ التَّطَوُّعِ الْتَحَقَ بِهِمَا حِينَئِذٍ، وَهَذَا يَخُصُّ الْإِمَامَ فَلَا يَتَعَدَّى
(1/513)
 
 
فَسَهَا فِيهِمَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ أُخْرَيَيْنِ لَمْ يَبْنِ) لِأَنَّ السُّجُودَ يَبْطُلُ لِوُقُوعِهِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا سَجَدَ السَّهْوَ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ حَيْثُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْنِ يُبْطِلُ جَمِيعَ الصَّلَاةِ، وَمَعَ هَذَا لَوْ أَدَّى صَحَّ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ.
 
(وَمَنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فَدَخَلَ رَجُلٌ فِي صَلَاتِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ كَانَ دَاخِلًا وَإِلَّا فَلَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هُوَ دَاخِلٌ سَجَدَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَسْجُدْ، لِأَنَّ عِنْدَهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لِأَنَّهَا وَجَبَتْ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُمَا يُخْرِجُهُ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
إلَى الْمُقْتَدِي.
 
(قَوْلُهُ لَمْ يَبْنِ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ؛
 
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ) الْحَاصِلُ أَنَّ نَقْضَ الْوَاجِبِ وَإِبْطَالَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا اسْتَلْزَمَ تَصْحِيحُهُ نَقْضَ مَا هُوَ فَوْقَهُ، فَفِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْوَاجِبِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ سُجُودُ السَّهْوِ وَوَجَبَ الْبِنَاءُ فِي الْمُسَافِرِ يَسْجُدُ ثُمَّ يَنْوِي الْإِقَامَةَ لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْمُوجِبِ، وَمَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ أَقَلَّهُمَا مَحْذُورًا.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: حَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ الْعَوْدَ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ بَعْدَ التَّحْلِيلِ لِضَرُورَةٍ تَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَا أُخْرَى، وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ تَعْمَلُ فِي إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَظَهَرَ عُودُ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّهَا، فَأَمَّا كُلُّ شَفْعٍ مِنْ النَّفْلِ فَصَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ تَعُدْ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى فَلَا يُمْكِنُ الْبِنَاءُ بَعْدَمَا اُعْتُبِرَ مُحَلَّلًا، لَكِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَصِحَّ الْبِنَاءُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِذَا بَنَى قِيلَ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْآخِرِ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ وَقَعَ جَابِرًا حِينَ وَقَعَ، وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِمَا طَرَأَ مِنْ وَصْلِ الْبَاقِي.
 
(قَوْلُهُ جَبْرًا لِلنُّقْصَانِ) أَيْ النُّقْصَانِ الْكَائِنِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَلَا
(1/514)
 
 
سَبِيلِ التَّوَقُّفِ لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ فِي نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ فَلَا يَظْهَرُ دُونَهَا، وَلَا حَاجَةَ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ الْعَوْدِ، وَيَظْهَرُ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا وَفِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَتَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ بَلْ نَظَرِيَّةٌ، إذْ لَا مَانِعَ فِي الْعَقْلِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَابِرِ بَعْدَهَا مُتَّصِلًا، لَكِنْ تَرَكُوا بَيَانَهَا لِأَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ بَيْنَهُمْ وَزُفَرُ مَعَ مُحَمَّدٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْ الْعِلَّةِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَا يَعْمَلُ لِحَاجَتِهِ إلَى أَدَاءِ السَّجْدَةِ) أَيْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يَظْهَرُ عَدَمُ عَمَلِهِ دُونَهَا: أَيْ دُونَ السَّجْدَةِ، وَهَذِهِ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ قَبْلَ السَّجْدَةِ حَلَّلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَوَانُ الضَّرُورَةِ وَهُوَ السَّجْدَةُ فَلَا يَتَأَخَّرُ عَمَلُهُ فَيَثْبُتُ التَّحْلِيلُ ثُمَّ يَعُودُ إلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَبْلَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى ظُهُورِ عَاقِبَتِهِ إنْ سَجَدَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ إذْ تَبَيَّنَ عَدَمُ الضَّرُورَةِ الْمُوجِبَةِ لِتَخَلُّفِ تَحْلِيلِهِ عَنْهُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الِاحْتِمَالَيْنِ قَوْلَانِ لِلْمَشَايِخِ حَكَاهُ خِلَافًا صَرِيحًا بَيْنَهُمْ فِي الْبَدَائِعِ، مِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ.
قَالَ: وَهُوَ أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْفُرُوعِ وَالتَّوَقُّفِ فِي بَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَبُطْلَانُهَا أَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا بَطَلَتْ لَا تَعُودُ إلَّا بِإِعَادَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ اهـ.
وَلَا يَبْعُدُ جَعْلُ الشَّرْعِ نَفْسَ السُّجُودِ وَالْعُودَ إلَيْهِ إعَادَةً، وَيَعْنِي بِالْفُرُوعِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بَعْدَ السَّلَامِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَصِيرُ مُقْتَدِيًا أَلْبَتَّةَ، وَعِنْدَهُمَا يُوقَفُ عَلَى السُّجُودِ، وَانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ بَعْدَهُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يُنْتَقَضُ، وَكَذَا لَوْ ضَحِكَ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَفِي تَغَيُّرِ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَهُ قَبْلَ السُّجُودِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَصِيرُ أَرْبَعًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، وَيَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُجُودَ السَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيَتْرُكُ وَيَقُومُ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ إذْ كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ.
وَفِيمَنْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ ثُمَّ تَكَلَّمَ هَذَا الْمُقْتَدِي قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ الْإِمَامُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي قَضَاءُ شَيْءٍ عِنْدَهُمَا وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ قَبْلَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا يُصَلِّي الْإِمَامُ.
وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ عِنْدَهُمَا يَخْرُجُ بِالسَّلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لَا أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ أَنْ يُثْبِتَ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ بِالسُّجُودِ يَدْخُلُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِهَا عِنْدَهُمَا أَيْضًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ مِنْ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ بِالْقَهْقَهَةِ وَلُزُومِ الْأَدَاءِ بِالِاقْتِدَاءِ، وَلُزُومِ الْأَرْبَعِ عِنْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَعْنَى التَّوَقُّفِ الْمُقَابِلِ لِمَا اخْتَارَهُ مِمَّا اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالْفُرُوعِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُهُ فِي حُرْمَتِهَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ الْقَوْلِ بِالتَّوَقُّفِ لِلْمُتَأَمِّلِ، إذْ حَقِيقَتُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ أَوَّلًا، فَالثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدُهُمَا عَيْنًا، وَالسُّجُودُ وَعَدَمُهُ مُعَرَّفٌ كَمَا يُفِيدُهُ مَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ التَّجْوِيزَيْنِ، وَهَذَا
(1/515)
 
 
وَ (مَنْ سَلَّمَ يُرِيدُ بِهِ قَطْعَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ) لِأَنَّ السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
قَطُّ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، بَلْ الْوُقُوفُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ وَجْهٍ أَصْلًا فَتَأَمَّلْ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَمْ يَدْرِ تَحَقُّقَ ثُبُوتِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي مَعْنَى التَّوَقُّفِ.
 
(قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا السَّلَامَ غَيْرُ قَاطِعٍ) لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّهِ بَعْدَ الْقَعْدَةِ فَهُوَ مُحَلَّلٌ مِنْهُ، وَنِيَّتُهُ تَغْيِيرُ الْمَشْرُوعِ وَهُوَ الْقَطْعُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّجُودِ، وَالنِّيَّةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْعَمَلِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ إبْطَالُ مَا رُكْنُهُ أَعْمَالُ الْجَوَارِحِ وَهُوَ السُّجُودُ فَلَغَتْ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا تُؤْثِرُ إبْطَالَ الْإِيمَانِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ رُكْنَهُ عَمَلُ الْبَاطِنِ فَقَطْ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَالْإِقْرَارُ إنَّمَا هُوَ شَرْطُ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ وَهُوَ فَرْضٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا الْعَمَلَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ لِيَنْدَفِعَ مَا يُقَالُ هَذِهِ مَقْرُونَةٌ بِالْعَمَلِ وَهُوَ التَّسْلِيمُ هَذَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ لَا يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَهُ قَاطِعًا وَإِلَّا لَمْ يَعُدْ إلَى حُرْمَتِهَا، بَلْ الْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ كَانَ مُحَلِّلًا مُخْرِجًا، وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ كَانَ قَاطِعًا مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ، فَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُ وَهُوَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَقَدْ قَطَعَ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَتَعَذَّرَ جَبْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ نَفْسَ سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ رُكْنًا فَسَدَتْ، وَإِنْ سَلَّمَ غَيْرَ ذَاكِرٍ أَنَّ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَصِرْ خَارِجًا، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْفُرُوعُ فَلْنَذْكُرْ طَرَفًا يَنْفَعُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَنَقُولُ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى: إذَا سَلَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةً صُلْبِيَّةً أَوْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، وَلَوْ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ الصَّلَاةِ، حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ هَذَا السَّلَامِ صَارَ دَاخِلًا، فَإِنْ سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ صُلْبِيَّةً وَفَسَدَتْ صَلَاةُ الدَّاخِلِ بِفَسَادِهَا بَعْدَ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى الدَّاخِلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ فِي فَرْضٍ رُبَاعِيٍّ مُتَنَفِّلًا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُقِيمًا وَرَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَانْصَرَفَ إنْ جَاوَزَ الصُّفُوفَ خَلْفَهُ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَسَدَتْ فِي الصُّلْبِيَّةِ وَتَقَرَّرَ النَّقْصُ وَعَدَمُ الْجَبْرِ فِي التِّلَاوِيَّةِ وَالسَّهْوِيَّةِ.
وَإِنْ مَشَى إمَامُهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَحُكْمُهُ إنْ كَانَ لَهُ سُتْرَةٌ بَنَى مَا لَمْ يُجَاوِزْهَا لَا إنْ جَاوَزَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ سُتْرَةٌ فَقِيلَ إنْ مَشَى قَدْرَ الصُّفُوفِ خَلْفَهُ عَادَ أَوْ أَكْثَرَ امْتَنَعَ الْبِنَاءُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اعْتِبَارًا لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْآخَرِ.
وَقِيلَ إنْ جَاوَزَ مَوْضِعَ سُجُودِهِ لَا يَعُودُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ فِي حُكْمِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَانَ مَانِعًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ، وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّهُ تَرَكَ صُلْبِيَّةً فَقَامَ وَاسْتَقْبَلَ الظُّهْرَ فَصَلَّى أَرْبَعًا فَسَدَتْ، لِأَنَّ نِيَّةَ الِاسْتِقْبَالِ لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْأُولَى فَصَارَ خَالِطًا الْمَكْتُوبَةَ بِالنَّافِلَةِ قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا، وَهَذِهِ نَظِيرُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْمَغْرِبِ فَسَلَّمَ عَلَى ظَنِّ الْإِتْمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَكَبَّرَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَصَلَّى ثَلَاثًا إنْ صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ
(1/516)
 
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَتْ الْمَغْرِبُ وَإِلَّا فَسَدَتْ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمَغْرِبِ ثَانِيًا لَمْ تَصِحَّ فَبَقِيَ فِي الْأُولَى، فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً وَقَعَدَ تَمَّتْ وَإِلَّا فَلَا.
وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ تِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِ خَاصَّةً لَا يُعَدُّ سَلَامُهُ قَاطِعًا، فَإِذَا تَذَكَّرَ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَإِنْ سَلَّمَ ذَاكِرًا لَهُمَا أَوْ لِلتِّلَاوَةِ خَاصَّةً كَانَ قَاطِعًا وَسَقَطَتْ عَنْهُ التِّلَاوِيَّةُ وَالسَّهْوُ لِامْتِنَاعِ الْبِنَاءِ بِسَبَبِ الِانْقِطَاعِ، إلَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ عَلَى مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ حَيْثُ قَالَ: إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ لِلتَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ.
وَإِنْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَكُنْ سَلَامُهُ قَاطِعًا وَيَفْعَلُ كَالْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهُمَا ولِلصُّلْبِيَّةِ خَاصَّةً فَهُوَ قَاطِعٌ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوِيَّةٌ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُنَّ أَوْ ذَاكِرًا لِلسَّهْوِيَّةِ لَمْ يَقْطَعْ وَيَقْضِي الْأُولَيَيْنِ مُرَتِّبًا الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ النِّيَّةِ فِي الْمُقْضَى مِنْ السَّجَدَاتِ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي التَّتِمَّةِ الَّتِي تَقَدَّمَ الْوَعْدُ بِهَا ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ أَوْ التِّلَاوِيَّةِ فَسَدَتْ وَكَانَ سَلَامُهُ قَاطِعًا، وَهَذَا فِي الصُّلْبِيَّةِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَمْدًا ذَاكِرًا رُكْنًا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا فِي التِّلَاوِيَّةِ فَالْمَذْكُورُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ لِأَنَّ سَلَامَهُ فِي حَقِّ الرُّكْنِ سَلَامُ سَهْوٍ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ، وَفِي حَقِّ الْوَاجِبِ عَمْدٌ وَهُوَ لَا يُوجِبُهُ أَيْضًا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَاكِرًا لِلصُّلْبِيَّةِ دُونَ التِّلَاوِيَّةِ وَدُفِعَ بِأَنَّ جَانِبَ الْوَاجِبِ يُوجِبُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَانِبَ الرُّكْنِ إنْ لَمْ يُوجِبْهُ لَا يَمْنَعْ مِنْ الْإِخْرَاجِ، فَكُلُّ سَلَامٍ الْأَصْلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا لِأَنَّهُ جُعِلَ مُحَلِّلًا شَرْعًا. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ عَلَى مَا مَرَّ إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْإِخْرَاجِ حَالَةَ السَّهْوِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَثْرَةِ السَّهْوِ وَغَلَبَةِ النِّسْيَانِ، وَلَا يَكْثُرُ سَلَامُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَاجِبَ لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْوَاجِبَ فَبَقِيَ مُخَرَّجًا عَلَى أَصْلِ الْوَضْعِ، وَإِذَا تَمَّتْ عِلَّةُ الْإِخْرَاجِ وَجَانِبُ الرُّكْنِ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَا قُلْنَا صَارَ مَحْكُومًا بِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ شَرْعًا قَبْلَ إكْمَالِ الْأَرْكَانِ فَتَفْسُدُ.
وَمَا أَحْسَنَ عِبَارَةَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَخْصَرَهَا حَيْثُ قَالَ: فَسَدَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ، وَإِذَا جُعِلَتْ قَضَاءً الَّتِي كَانَ نَاسِيًا لَهَا وَجَبَ أَنْ يَقْضِيَ الَّتِي كَانَ ذَاكِرًا لَهَا. وَإِذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ وَتَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ وَالتَّلْبِيَةِ بِأَنْ كَانَ مُحْرِمًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَاكِرًا لِلْكُلِّ أَوْ سَاهِيًا عَنْ الْكُلِّ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ يُقَدِّمُ بَعْدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ التَّكْبِيرَ ثُمَّ التَّلْبِيَةَ وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ قَبْلَ السَّهْوِ سَقَطَتْ سَجْدَتَا السَّهْوِ وَالتَّكْبِيرُ، وَلَوْ لَبَّى قَبْلَ التَّكْبِيرِ يَسْقُطُ التَّكْبِيرُ، وَلَوْ سَلَّمَ وَعَلَيْهِ صُلْبِيَّةٌ وَتِلَاوِيَّةٌ وَسَهْوٌ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّلْبِيَةُ غَيْرَ ذَاكِرٍ لَهُمَا سَجَدَهُمَا عَلَى التَّرْتِيبِ فِي وُجُوبِهِمَا ثُمَّ يَفْعَلُ الْبَاقِيَ، وَلَوْ بَدَأَ بِالتَّلْبِيَةِ فَسَدَتْ أَوْ بِالتَّكْبِيرِ لَا تَفْسُدُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ بَعْدَ فِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(1/517)
 
 
فَلَغَتْ.
 
(وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِلْ الصَّلَاةَ» (وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ) لِقَوْلِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[فتح القدير]
قَوْلُهُ وَمَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ) قَيَّدَ بِالظَّرْفِ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ، إلَّا إنْ وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ بِأَنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَتْرُوكَ الرُّكُوعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الرَّكْعَةِ وَسَجْدَتَيْنِ لِأَنَّ السُّجُودَ الَّذِي كَانَ أَوْقَعَهُ دُونَهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَجْدَةً فَقَدْ سَجَدَ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً وَشَكَّ أَنَّهَا مِنْهَا أَوْ مِنْ الظُّهْرِ يَتَحَرَّى، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ تَحَرِّيهِ عَلَى شَيْءٍ يُتِمُّ الْعَصْرَ وَيَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْهَا ثُمَّ يُعِيدُ الظُّهْرَ ثُمَّ الْعَصْرَ احْتِيَاطًا اسْتِحْبَابًا، وَلَوْ لَمْ يُعِدْ الْعَصْرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ أَدَّى رُكْنًا وَشَكَّ أَنَّهُ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ أَوْ لَا أَوْ هَلْ أَحْدَثَ أَوْ لَا أَوْ أَصَابَهُ نَجَاسَةٌ أَوْ هَلْ مَسَحَ بِرَأْسِهِ أَوْ لَا إنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ اسْتَقْبَلَ وَإِلَّا مَضَى وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ وَلَا غَسْلُ ثَوْبِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ أَنَّ هَذِهِ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ أَوْ الْقُنُوت