نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر
المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
عدد الأجزاء: 1
 
(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
 
( [ (الْحَمد لله رب الْعَالمين))
 
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم جمال الدّين، أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ ابْن الْجَوْزِيّ (رَحمَه الله) ] :
الْحَمد لله على إحسانه حمدا يُوجب الْمَزِيد من رضوانه، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي سُلْطَانه، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ لايضاح برهانه، وَصلى الله عَلَيْهِ، وعَلى أَصْحَابه، وأزواجه، وأعوانه، صَلَاة تدوم على مُرُور الزَّمَان ومرور أحيانه، وَسلم تلسيما كثيرا.
وَبعد لما نظرت فِي كتب الْوُجُوه والنظائر الَّتِي ألفها أَرْبَاب الِاشْتِغَال بعلوم الْقُرْآن، رَأَيْت كل مُتَأَخّر عَن مُتَقَدم يحذو حذوه، وينقل قَوْله مُقَلدًا لَهُ من غير فكرة (فِيمَا نَقله وَلَا بحث عَمَّا حصله.
(1/81)
 
 
قد نسب كتاب فِي " الْوُجُوه والنظائر " إِلَى (عِكْرِمَة عَن) ابْن عَبَّاس " رَضِي الله عَنْهُمَا " وَكتاب) آخر إِلَى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَمِمَّنْ ألف كتب " الْوُجُوه والنظائر ". الْكَلْبِيّ، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان، وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن الْفضل الْأنْصَارِيّ. وروى مطروح بن مُحَمَّد بن شَاكر عَن عبد الله بن هَارُون الْحِجَازِي عَن أَبِيه، كتابا فِي " الْوُجُوه والنظائر "، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
(1/82)
 
 
الْحسن النقاش، وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي، وَأَبُو عَليّ الْبناء من أَصْحَابنَا، وَشَيخنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبيد الله بن الزَّاغُونِيّ. وَلَا أعلم أحدا جمع الْوُجُوه والنظائر سوى هَؤُلَاءِ.
وَأعلم أَن معنى الْوُجُوه والنظائر (2 / أ) أَن تكون الْكَلِمَة وَاحِدَة، ذكرت فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على لفظ وَاحِد، وحركة وَاحِدَة، وَأُرِيد بِكُل مَكَان معنى غير الآخر، فَلفظ كل كلمة ذكرت فِي مَوضِع نَظِير للفظ الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة فِي الْموضع الآخر، وَتَفْسِير كل كلمة بِمَعْنى غير معنى الآخرى هُوَ الْوُجُوه.
فَإِذن النَّظَائِر: اسْم للألفاظ، وَالْوُجُوه: اسْم للمعاني، فَهَذَا الأَصْل فِي وضع كتب الْوُجُوه والنظائر، وَالَّذِي أَرَادَ الْعلمَاء بِوَضْع كتب الْوُجُوه والنظائر أَن يعرفوا السَّامع لهَذِهِ النَّظَائِر أَن مَعَانِيهَا تخْتَلف، وَأَنه لَيْسَ المُرَاد بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَا أُرِيد بِالْأُخْرَى، وَقد تجوز واضعوها فَذكرُوا كلمة وَاحِدَة مَعْنَاهَا فِي جَمِيع الْمَوَاضِع وَاحِد. كالبلد، والقرية، وَالْمَدينَة، وَالرجل، وَالْإِنْسَان، وَنَحْو ذَلِك. إِلَّا أَنه يُرَاد بِالْبَلَدِ فِي هَذِه الْآيَة غير الْبَلَد فِي الْآيَة الْأُخْرَى (وبهذه الْقرْيَة غير الْقرْيَة فِي الْآيَة الْأُخْرَى) . فحذوا
(1/83)
 
 
بذلك حَذْو الْوُجُوه والنظائر الْحَقِيقِيَّة. فَرَأَيْت أَن أذكر هَذَا الِاسْم كَمَا ذَكرُوهُ وَلَقَد قصد أَكْثَرهم كَثْرَة الْوُجُوه والأبواب، فَأتوا بالتهافت العجاب، مثل أَن ترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب الذُّرِّيَّة، وَذكر فِيهِ " ذَرْنِي "، " وتذروه الرِّيَاح "، " ومثقال ذرة ". وَترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب الرِّبَا، وَذكر فِيهِ " أَخْذَة رابية ". و " ربيون " و " ربائبكم "، و " جنَّة بِرَبْوَةٍ ".
وتهافتهم إِلَى مثل هَذَا كثير يعجب مِنْهُ ذُو اللب، إِذا رَآهُ، وجمعت فِي كتابي هَذَا أَجود مَا جَمَعُوهُ، وَوضعت (عَنهُ) كل وهم ثبتوه فِي كتبهمْ ووضعوه، وَقد رتبته على الْحُرُوف ترتيبا (2 / ب) ، وقربته إِلَى الِاخْتِصَار المألوف تَقْرِيبًا، وَأَنا أسأَل الله الَّذِي لم يزل قَرِيبا أَن يَجْعَل لي من عونه نَصِيبا إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ.
(1/84)
 
 
(كتاب الْألف)
 
وَهُوَ سِتَّة وَخَمْسُونَ بَابا: -
(أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ)
 
(1 - بَاب الِاتِّبَاع)
 
الأَصْل فِي الِاتِّبَاع: أَن يقفو المتبع أثر المتبع بالسعي فِي طَرِيقه. وَقد يستعار فِي الدّين وَالْعقل وَالْفِعْل.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَنه فِي الْقُرْآن على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. -
فَمن الأول: قَوْله تَعَالَى فِي طه: {فأتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {فأتبعوهم مشرقين} .
وَمن الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {إِذْ تَبرأ الَّذين} اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وَرَأَوا الْعَذَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب. وَقَالَ الَّذين اتبعُوا لَو
(1/85)
 
 
أَن لنا كرة} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {لَئِن اتبعتم شعيبا} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {إِنَّا كُنَّا لكم تبعا} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {واتبعك الأرذلون} .
وَلَا يَصح هَذَا التَّقْسِيم إِلَّا أَن تَقول: إِن الإتباع والاتباع بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد بِمَعْنى وَاحِد.
(2 - بَاب أخلد)
 
أخلد: على وزن أفعل، وَهُوَ بِمَعْنى الِاعْتِمَاد على الشَّيْء والميل إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس اللّغَوِيّ: يُقَال أخلد: إِذا أَقَامَ.
وَمثله: خلد، مِنْهُ جنَّة الْخلد.
وأخلد إِلَى الأَرْض: لصق بهَا. والخلد: البال. والخلدة: القرط.
وَجَاء فِي التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَيَطوف عَلَيْهِ ولدان مخلدون} مقرطون، وَيُقَال: إِنَّه من الْخلد.
(1/86)
 
 
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن أخلد فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: بِمَعْنى الْميل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى التخليد. وَمِنْه (3 / أ) قَوْله تَعَالَى فِي الْهمزَة: {يحْسب أَن مَاله أخلده} ، أَي: خلده من الخلود.
(3 - بَاب الْأَذَان)
 
الْأَذَان: نِدَاء يقْصد بِهِ إِعْلَام المنادى بِمَا يُرَاد مِنْهُ.
وَمِنْه الْأَذَان للصَّلَاة، فَإِذا أصغى إِلَيْهِ المنادى بالاستماع والاستجابة قيل قد أذن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {أَذِنت لِرَبِّهَا وحقت} ، يُرِيد استمعت، وَكَذَلِكَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يجْهر بِهِ ". أَي: مَا اسْتمع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَذَان فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: النداء. (وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف) :
(1/87)
 
 
{فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين} ،
وَفِي يُوسُف: {ثمَّ أذن مُؤذن أيتها العير إِنَّكُم لسارقون} ،
وَفِي الْحَج: {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} .
وَالثَّانِي: الْإِعْلَام وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {وأذان من الله وَرَسُوله} ،
وَفِي فصلت: {قَالُوا آذناك مَا منا من شَهِيد} .
وَيجوز أَن يعد هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَجها وَاحِدًا، فَلَا يَصح التَّقْسِيم إِذن.
(4 - بَاب الِاسْتِطَاعَة)
 
الأَصْل فِي الِاسْتِطَاعَة: أَنه استفعال من الطَّاعَة. فَسُمي الْفَاعِل مستطيعا، لِأَن الْفِعْل الَّذِي يرومه مُمكن مُطَاوع، وتسميته بذلك قبل الْفِعْل على سَبِيل الْمجَاز، لِأَن الِاسْتِطَاعَة من الْعباد لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الِاسْتِطَاعَة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
(1/88)
 
 
أَحدهمَا: سَعَة المَال، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت (3 / ب} من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} ، أَي: من وجد سَعَة من المَال. وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا} ، وَفِي بَرَاءَة: {لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ} .
وَالثَّانِي: الإطاقة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء وَلَو حرصتم} ، أَي: لن تُطِيقُوا. وَفِي هود: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع} ، أَي: لم يطيقوا أَن يسمعوا ذكر الْإِيمَان، وَفِي الْكَهْف: {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} ، فِي الْفرْقَان: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا} ، وَفِي التغابن: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} ، وَفِي الذاريات: {فَمَا اسْتَطَاعُوا من قيام} .
(5 - بَاب الاسْتِغْفَار)
 
الاسْتِغْفَار: استفعال من طلب الغفران. والغفران: تَغْطِيَة الذَّنب بِالْعَفو عَنهُ. والغفر: السّتْر. وَيُقَال: اصبغ ثَوْبك فَهُوَ أَغفر للوسخ وَغفر
(1/89)
 
 
الخد وَالصُّوف: مَا علا فَوق الثَّوْب مِنْهُمَا، كالزئبر: سمي غفرا لِأَنَّهُ يستر الثَّوْب: وَيُقَال: لجنة الرَّأْس مغفر لِأَنَّهَا تستر الرَّأْس وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَحكى بعض أهل اللُّغَة أَن الْمَغْفِرَة مَأْخُوذَة من الغفر. وَهُوَ نبت يداوى بِهِ الْجراح، يُقَال: إِنَّه إِذا ذَر عَلَيْهَا دملها وأبرأها.
ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الاسْتِغْفَار فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الاسْتِغْفَار نَفسه وَهُوَ طلب الغفران، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} ، وَفِي يُوسُف: {واستغفري لذنبك} ، وَفِي نوح: {اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا} . (4 / أ) . وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: الصَّلَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {والمستغفرين بالأسحار} ، وَفِي الْأَنْفَال: {وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ} ، وَفِي الذاريات: {وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ} .
(1/90)
 
 
وَقد عد بَعضهم الْآيَة الَّتِي فِي يُوسُف، من قسم الاسْتِغْفَار، وَجعل الَّتِي فِي هود وَفِي نوح بِمَعْنى التَّوْحِيد، فَيكون الْبَاب على قَوْله من أَقسَام الثَّلَاثَة.
(6 - بَاب الأسف)
 
الأسف: الْحزن الشَّديد على الشَّيْء والتلهف عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: أسفت آسَف آسفا، إِذا لهفت والأسف: الغضبان.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الأسف على فِي الْقُرْآن وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الْحزن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العأراف: {وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} ، وَمثله: {يَا أسفى على يُوسُف} .
وَالثَّانِي: الْغَضَب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزخرف: {فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم} ، أَي: أغضبونا.
(7 - بَاب أصبح)
 
الأَصْل فِي أصبح: إِدْرَاك الصَّباح للمصبح، وَيُقَال: أصبح، إِذا أوقد الْمِصْبَاح.
(1/91)
 
 
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن أصبح فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: إِدْرَاك الصَّباح للصبح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {فَأصْبح يقلب كفيه} ، وَفِي الْأَحْقَاف: {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم} ، وَفِي نون: {ليصرمنها مصبحين} ، وفيهَا: {فَأَصْبَحت كالصريم} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى صَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا} ، وَفِي الْمَائِدَة: {فَأصْبح من الخاسرين} (4 / ب) ، وفيهَا: {فَأصْبح من النادمين} ، وَفِي الْكَهْف: {أَو يصبح مَاؤُهَا غورا} ، [وَفِي فصلت] : {فأصبحتم من الخاسرين} ، وَفِي الْملك: {إِن أصبح ماؤكم غورا} .
(8 - بَاب الإصر)
 
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس اللّغَوِيّ: الإصر: الثّقل. والإصر:
(1/92)
 
 
الْعَهْد. والأخرة: الْقَرَابَة. وكل عقد وقرابة وعهد: إصر. وَالْعرب. تَقول: مَا تأصرني على فلَان آصرة. أَي: مَا تعطفني عَلَيْهِ قرَابَة وَلَا منَّة. قَالَ الحطيئة: -
(عطفوا عَليّ بغيرا ... صرة فقد عظم الأواصر)
 
أَي: عطفوا عَليّ بِغَيْر عهد وَلَا قرَابَة. والمأصر الْموضع الَّذِي يُقيم فِيهِ صَاحب الرصد فيأصر فِيهِ العير. أَي: يحبسها لطلب الضريبة، وأصرته: حَبسته.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الإصر فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الثّقل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا} .
وَالثَّانِي: الْعَهْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} . وَفِي الْأَعْرَاف: {وَيَضَع عَنْهُم إصرهم} .
قَالَ مُجَاهِد: عهود كَانَت عَلَيْهِم. وَقد ذهب قوم إِلَى أَن المُرَاد
(1/93)
 
 
بالإصر الْمَذْكُور فِي الْبَقَرَة: الْعَهْد. مِنْهُم ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَالضَّحَّاك، وَالسُّديّ. فَبَطل على قَوْلهم التَّقْسِيم.
(9 - بَاب الأفواه)
 
الأفواه: وَاحِدهَا فَم. وأصل الْفَم فوه على وزن فوز. والفوه: سَعَة الْفَم. يُقَال: رجل أفوه، وَامْرَأَة فوهاء، وَيُقَال: فَاه الرجل بالْكلَام يفوه، إِذا لفظ بِهِ، والمفوه: الْقَادِر على الْكَلَام. وأنشدوا:
(قد يخزن الْوَرع التقي لِسَانه ... هذر الْكَلَام وَإنَّهُ لمفوه)
 
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن [الأفواه فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: _
أَحدهمَا: الأفواه الْمَعْرُوفَة الَّتِي وَاحِدهَا فَم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} ، وَمَعْنَاهُ: إِنَّهُم قصدُوا إسكات الرُّسُل بلغوهم.
(1/94)
 
 
وَالثَّانِي: الألسن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم} ، أَي: بألسنتهم وَسمي اللِّسَان بذلك لمَكَان الْمُجَاورَة وَالسَّبَب كَمَا سمي الْعقل قلبا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب} ، أَي: عقل، لِأَن الْقلب ظرف لِلْعَقْلِ.
وَقد ألحق بَعضهم " وَجها " ثَالِثا فَقَالَ: والأفواه: الْكَلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم} ، أَي: بكلامهم
(10 - بَاب إِقَامَة الصَّلَاة)
 
أصل الْإِقَامَة: من الْقيام. وَهُوَ امتداد قامة الْإِنْسَان إِلَى جِهَة الْعُلُوّ بالانتصاب.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن إِقَامَة الصَّلَاة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: إِتْمَامهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: (الَّذين
(1/95)
 
 
يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة) {وفيهَا} (وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} .
وَالثَّانِي: الْإِقْرَار بهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة} ، أَي: أقرُّوا بهَا.
(11 - بَاب أولى)
 
الأَصْل فِي أولى أَنَّهَا مَوْضُوعَة لترجيح الأحق، تَقول: زيد أولى بالإكرام من عَمْرو، أَي: أَحَق.
قَالَ ابْن فَارس: فَأَما قَوْلهم فِي الشتم: أولى لَهُ، فَحَدثني على بن عمر، وَقَالَ: سَمِعت ثعلبا، يَقُول: أولى تهدد ووعيد. وأنشدوا (5 / ب) :
(فَأولى، ثمَّ أولى ثمَّ أولى ... وَهل للدر يحلب من مرد)
 
قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ قاربه مَا يهلكه. أَي: نزل بِهِ، وَأنْشد: -
(1/96)
 
 
(فعادى بَين هاديتين مِنْهَا ... وَأولى أَن يزِيد على الثَّلَاث)
 
أَي: قَارب أَن يزِيد، قَالَ ثَعْلَب: وَلم يقل أحد فِي أولى أحسن مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِي.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن أولى فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: بِمَعْنى أَحَق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْفَال: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} ، وَفِي مَرْيَم: {أولى بهَا صليا} .
وَفِي الْأَحْزَاب: {النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْوَعيد والتهديد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ينظرُونَ إِلَيْك نظر المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت فَأولى لَهُم} ، وَفِي الْقِيَامَة: {أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى} .
(أَبْوَاب الثَّلَاثَة)
 
(12 - بَاب الْإِذْن)
 
الأَصْل فِي الْإِذْن: الْإِطْلَاق من غير حجر. وأذنت للْحَدِيث
(1/97)
 
 
استمعت، وَفِي الحَدِيث: " مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " أَي مَا اسْتمع.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِذْن فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْإِذْن نَفسه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تَمُوت إِلَّا بِإِذن الله كتابا مُؤَجّلا} ، يُرِيد إِلَّا أَن يَأْذَن الله فِي مَوتهَا. وَفِي يُونُس: {وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله} .
وَالثَّانِي: الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله} ، وَفِي الْمَائِدَة: {ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ} ، وَفِي الرَّعْد: {وَمَا كَانَ لرَسُول (6 / أ} أَن يَأْتِي بِآيَة إِلَّا بِإِذن الله} ، وَفِي إِبْرَاهِيم: {لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذن رَبهم} ، وفيهَا: {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} ، وفيهَا: {خَالِدين فِيهَا بِإِذن رَبهم} .
وَالثَّالِث: الْإِرَادَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله} ، وفيهَا: (كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة
(1/98)
 
 
كَثِيرَة بِإِذن الله) {وفيهَا} (فهزموهم بِإِذن الله} ، وَفِي آل عمرَان: {وَمَا أَصَابَكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فبإذن الله} .
(13 - بَاب الاستحياء)
 
ذكر أهل التَّفْسِير أَن الاستحياء فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
[وَلم يفرقُوا بَين الْمَقْصُور والممدود] .
أَحدهمَا: الاستبقاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: {ويستحيون نساءكم} .
وَالثَّانِي: التّرْك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} .
وَالثَّالِث: من الْحيَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم} .
(1/99)
 
 
(14 - بَاب السّفل)
 
الْأَسْفَل: مَا انحط عَن رُتْبَة الْأَعْلَى، والسفل: مَا مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَجْسَام الثَّقِيلَة بالطبع، والعلو مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الْأَجْسَام الْخَفِيفَة بالطبع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَسْفَل فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: الانحطاط فِي الْمَكَان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار} ، وَفِي الْأَنْفَال: {والركب أَسْفَل مِنْكُم} ، أَي: هم فِي منهبط الْوَادي.
وَالثَّانِي: الخسران فِي الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: {فأرادوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأسفلين} .
وَالثَّالِث: بُلُوغ أرذل الْعُمر. وَمِنْه قَوْله تعال: (6 / ب) فِي سُورَة التِّين: {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين} .
(15 - بَاب الأغلال)
 
الأغلال: جمع غل. والغل: حَدِيدَة مستديرة تجْعَل فِي عنق
(1/100)
 
 
الْأَسير. والغل - بِكَسْر الْغَيْن: الحقد. والغال: الْوَادي ينْبت الشّجر، وَجمعه غلان، وغل الرجل: إِذا خَان لِأَنَّهُ أَخذ مختفيا. وأغلت الضَّيْعَة فَهِيَ مغلة: إِذا أَتَت بِشَيْء وَأَصلهَا بَاقٍ، قَالَ زُهَيْر: -
(فتغلل لكم مَا لَا تغل لأَهْلهَا ... قرى بالعراق من قفيز وَدِرْهَم)
 
والغلالة: الثَّوْب [الَّذِي] يلبس تَحت الثِّيَاب. وتغللت بالغالية، وتغليت: إِذا جَعلتهَا فِي أصُول الشّعْر. والغلل: المَاء الَّذِي يجْرِي فِي أصُول الشّجر. والغليل: حرارة الْعَطش. والغلغلة: سرعَة السّير. المغلغلة: الرسَالَة تغلغل تَحت كل شَيْء حَتَّى تصل.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الأغلال فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: أغلال الْحَدِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سبأ: {وَجَعَلنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا} .
وَالثَّانِي: الشدائد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: (والأغلال الَّتِي
(1/101)
 
 
كَانَت عَلَيْهِم} .
وَالثَّالِث: الْإِمْسَاك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم} ، أَي: أَمْسَكت عَن فعل الْخَيْر.
(16 - بَاب " إِلَى ")
 
" إِلَى ": حرف من حُرُوف الْخَفْض. وَهِي مَوْضُوعَة فِي الأَصْل للانتهاء والغاية.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عَليّ التبريزي: وَهِي للغاية فِي الْمَكَان وَغير ذَلِك، تَقول: سرت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة، وانتظرته إِلَى آخر النَّهَار. فَكَأَنَّهَا مُقَابلَة لمن، ومراسلة لَهَا (7 / أ) ، لِأَن تِلْكَ للابتداء، وَإِلَى للانتهاء، وَإِذا قلت: سرت من الْبَصْرَة إِلَى الْكُوفَة. فَجَائِز أَن تكون قد دَخَلتهَا، وَأَن تكون قد وصلت إِلَيْهَا وَلم تدْخلهَا. فمما جَاءَ فِي التَّنْزِيل دخل الْحَد فِي الْمَحْدُود قَوْله تَعَالَى: {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} . فالمرافق دَاخِلَة فِي الْغسْل الْوَاجِب. وَمِمَّا جَاءَ وَلم يدْخل الْحَد فِي الْمَحْدُود قَوْله: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} ، فالليل غير دَاخل فِي وجوب الصَّوْم.
(1/102)
 
 
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن " إِلَى " فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: وُرُودهَا على أَصْلهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} ، وَفِي طه: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْن} ، وَمثله: {وَإِلَى عَاد} ، {وَإِلَى ثَمُود} ، {وَإِلَى مَدين} ، وَهُوَ الْعَام.
وَالثَّانِي: بِمَعْنى " مَعَ ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصَّفّ: {من أَنْصَارِي إِلَى الله} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} ، وَفِي الْمَائِدَة: {وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى اللَّام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} ، وَقيل إِنَّه بِمَعْنى " فِي ". وَألْحق بَعضهم وَجها رَابِعا فَقَالَ: و " إِلَى " بِمَعْنى: الْبَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَإِذا خلوا إِلَى شياطينهم} ، وفيهَا: {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} ، وألحقه قوم بالقسم الثَّانِي فَقَالُوا: هُوَ بِمَعْنى " مَعَ "
(1/103)
 
 
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك النَّضر بن شُمَيْل.
(17 - بَاب الْأَمَانَة)
 
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ: الأَصْل فِي الْأَمَانَة: الْأَمْن والطمأنينة. والموضع الَّذِي يطمئن فِيهِ الْإِنْسَان: المأمن. والوديعة: أَمَانَة لِأَن (7 / ب) صَاحبهَا ائْتمن الْمُودع على حفظهَا فاطمأن إِلَيْهِ.
وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال: رجل أَمَنَة. وأمنة: يَثِق بِكُل أحد. وَرجل أَمِين وأمان. وأنشدوا:
(وَلَقَد شهِدت التَّاجِر ... الْأمان مورودا شرابه)
 
والأمون النَّاقة الموثقة الْخلق. وَكَأَنَّهُ أَمن فِيهَا الفتور فِي السّير.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْأَمَانَة فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْفَرَائِض، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْفَال: {لَا تخونوا الله وَالرَّسُول وتخونوا أماناتكم} ، أَي: تضيعوا فرائضكم. وَفِي الْأَحْزَاب: {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال}
(1/104)
 
 
وَالثَّانِي: الْوَدِيعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} ، وَفِي الْمُؤمنِينَ: {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ} .
وَالثَّالِث: الْعِفَّة. مِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين} .
(18 - بَاب أم)
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أم تكون بِمَعْنى أَو. وَتَكون بِمَعْنى ألف الِاسْتِفْهَام.
وَذكر الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: بِمَعْنى " أَو " وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني إِسْرَائِيل: {أم أمنتم أَن يعيدكم فِيهِ تَارَة أُخْرَى} ، وَفِي الْملك: {أم أمنتم من فِي السَّمَاء أَن يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى ألف الِاسْتِفْهَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة
(1/105)
 
 
النِّسَاء: {أم يحسدون النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله} ، أَرَادَ أيحسدون وَفِي سَجْدَة لُقْمَان: {أم يَقُولُونَ افتراه بل هُوَ الْحق من رَبك} ، وَفِي ص: {أتخذناهم سخريا أم زاغت عَنْهُم الْأَبْصَار} . وَفِي الطّور: {أم لَهُ الْبَنَات وَلكم البنون (8 / أ} أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون. أم عِنْدهم الْغَيْب فهم يَكْتُبُونَ} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى بل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرَّعْد: {أم بِظَاهِر من القَوْل} .
وَفِي الزخرف: {أم أَنا خير من هَذَا الَّذِي هُوَ مهين وَلَا يكَاد يبين} ، وَفِي الْقَمَر: {أم يَقُولُونَ نَحن جَمِيع منتصر} .
(19 - بَاب أَنى)
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَنى تكون لمعنيين: -
(1/106)
 
 
أَحدهمَا: بِمَعْنى: كَيفَ. وَالثَّانِي بِمَعْنى: من أَيْن. والمعنيان متقاربان، يجوز أَن يتَأَوَّل فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا الآخر.
قَالَ الْكُمَيْت: -
(أَنى وَمن أَيْن آبك الطَّرب ... من حَيْثُ لَا صبوة وَلَا ريب)
 
فجَاء بالمعنيين جَمِيعًا.
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: أَنى لفظ سُؤال يرد فِي كل مَكَان بِحَسب مَا يَقْتَضِيهِ من زمَان، وَحَال، وَمَكَان، فَإِذا وَقع سؤالا عَن زمَان، كَانَ بِمَعْنى " مَتى ". وَإِذا كَانَ سؤالا عَن حَال، كَانَ بِمَعْنى " كَيفَ ". فَإِذا كَانَ سؤالا عَن مَكَان، كَانَ بِمَعْنى " أَيْن ".
وَذكر الْمُفَسِّرُونَ أَنه فِي الْقُرْآن على هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة: -
فَمن الأول: وَهُوَ كَونه بِمَعْنى " مَتى "، قَوْله فِي الْبَقَرَة: {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} .
وَمن الثَّانِي: وَهُوَ كَونه بِمَعْنى " كَيفَ ". قَوْله فِي الْبَقَرَة: {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} ، وَفِي آل عمرَان: {أَنى يكون لي ولد} .
(1/107)
 
 
وَمن الثَّالِث: وَهُوَ كَونه بِمَعْنى " من أَيْن ". قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا} ، وَفِي بَرَاءَة: {قَاتلهم الله أَنى يؤفكون} .
(20 - بَاب " أَو ")
 
" أَو ": حرف يرد للشَّكّ. تَقول: رَأَيْت زيدا أَو عمرا. وَيرد للتَّخْيِير
تَقول: خُذ مِنْهُ دِينَارا أَو قِيمَته وَرقا. وَيرد بِمَعْنى " بل ".
أنْشد الْفراء (8 / ب: -
(بَدَت مثل قرن الشَّمْس فِي رونق الضُّحَى ... وَصورتهَا أَو أَنْت فِي الْعين أَمْلَح)
 
يُرِيد: بل أَنْت. وَترد بِمَعْنى " الْوَاو ".
قَالَ جرير: -
(نَالَ الْخلَافَة أَو كَانَت لَهُ قدرا ... كَمَا أَتَى ربه مُوسَى على قدر)
(1/108)
 
 
قَالَ تَوْبَة: -
(وَقد زعمت ليلى بِأَنِّي فَاجر ... لنَفْسي تقاها أَو عَلَيْهَا فجورها)
 
مَعْنَاهُ: وَعَلَيْهَا.
قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وَترد للإبهام، تَقول: اشْتريت هَذَا الثَّوْب بِدِينَار أَو أَكثر. تُرِيدُ بذلك الْإِبْهَام على السَّائِل.
وَكَقَوْلِه: {أَو يزِيدُونَ} . وَترد للْإِبَاحَة، تقل جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين. أَي جَالس الأخيار فان جالسهما أَو أَحدهمَا فقد أطاعك.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن " أَو " فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: التَّخْيِير وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} ، وَفِي الْمَائِدَة: {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى " الْوَاو ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم} ، وَفِي طه: {لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} .
(1/109)
 
 
وَفِي هَل أَتَى: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} ، وَفِي المرسلات: {عذرا أَو نذرا} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى " بل ". وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم} ، وَفِي النَّحْل: {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب} ، وَفِي النَّجْم: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} ، وَفِي الصافات: {وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلَيْسَ هَذَا الْوَجْه كَمَا تأولوا، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى " الْوَاو " أبدا. فعلى قَوْله يكون هَذَا الْبَاب من أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ (9 / أ) . وَقَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: فِي قَوْله {أَو يزِيدُونَ} ، إِنَّهَا للإبهام على الْمُخَاطب، قَالَ: وَلَيْسَ هِيَ بِمَعْنى " الْوَاو " وَلَا بِمَعْنى " بل " لِأَن الْحَرْف إِذا أمكن حمله على لَفظه لم يحمل على غَيره. قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: إِن الله تَعَالَى لَا يُرِيد أَن يلبس علينا إِنَّمَا يُرِيد أَن يبين لنا. قُلْنَا: بل قد تكون الْمصلحَة تَارَة فِي الْإِبْهَام وَتارَة فِي التَّبْيِين، كَقَوْلِه تَعَالَى: {يسئلونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} . وَلم يبين بِهَذَا الْكَلَام.
(1/110)
 
 
(أَبْوَاب الْأَرْبَعَة)
 
(21 - بَاب الْأَب)
 
الْأَب: بتَخْفِيف الْبَاء: الْوَالِد. وبتشديدها: المرعى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَاكِهَة وَأَبا} .
وَيُقَال: أَب الرجل إِذا تهَيَّأ للذهاب: أَبَا، وأبابة، وأبيبا: وَأنْشد للأعشى: -
(أَخ قد طوى كشحا وَأب ليذهبا)
 
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَب " بتَخْفِيف الْبَاء " فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْأَب الْأَدْنَى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَورثه أَبَوَاهُ} ، وَفِي الْأَنْعَام: {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر} ،
(1/111)
 
 
وَفِي مَرْيَم: {يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع} ، وَفِي الْقَصَص: {وأبونا شيخ كَبِير} ، وَفِي عبس: {وَأمه وَأَبِيهِ} .
وَالثَّانِي: الْأَب الْأَعْلَى وَهُوَ الْجد، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {وَاتَّبَعت مِلَّة آباءي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} ، وَفِي الْحَج: {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} .
وَالثَّالِث: الْعم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {نعْبد إلهك وإله آبَائِك إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل} ، وَإِنَّمَا إِسْمَاعِيل عَم يَعْقُوب.
وَالرَّابِع: الْخَالَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} .
(22 - بَاب الْأجر)
 
الْأجر: الْعِوَض الْمَأْخُوذ فِي العقد على الْمَنَافِع (9 / ب) .
وَيُسمى العقد: إجَازَة. وَتقول: أجرته على فعله، أَي: جعلت لَهُ أجرا.
وَالْأَجْر أَيْضا: جبر الْعظم. تَقول " أَيْضا ": أجرت يَده، أَي:
(1/112)
 
 
جبرت. والإجار: السَّطْح الَّذِي لَيْسَ حوله مَا يرد المرتقي، وَجمعه: أجاجير، وأجاجرة، والإنجار: لُغَة فِي الإجار.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأجر فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: نَفَقَة الرَّضَاع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى " فِي الطَّلَاق ": {فَإِن أرضعن لكم فَآتُوهُنَّ أُجُورهنَّ} .
وَالثَّانِي: الْمهْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وآتوهن أُجُورهنَّ بِالْمَعْرُوفِ} ، وَفِي الْأَحْزَاب: {واللاتي " آتيت أُجُورهنَّ} .
وَالثَّالِث: الْجعل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سبأ: {قل مَا سألتكم من أجر فَهُوَ لكم} ، وَمثله: {لَا أسئلكم عَلَيْهِ أجرا} .
وَالرَّابِع: الثَّوَاب على الطَّاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {ولنجزين الَّذين صَبَرُوا أجرهم بِأَحْسَن مَا كَانُوا يعْملُونَ} .
وَقد ألحق بَعضهم وَجْهَيْن آخَرين:
أَحدهمَا: الثَّنَاء الْحسن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العنكبوت (وَآتَيْنَاهُ
(1/113)
 
 
أجره فِي الدُّنْيَا} .
وَالثَّانِي: الْجنَّة. وَمِنْه قَوْله فِي سُورَة النِّسَاء: {يُؤْت من لَدنه أجرا عَظِيما} .
(23 - بَاب الْإِحَاطَة)
 
الْإِحَاطَة: الاستدارة بالشَّيْء من جَمِيع جوانبه. وَيُقَال للبستان: الْحَائِط، لِأَنَّهُ يجمع كثيرا من الثِّمَار. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: لِأَنَّهُ يحوط صَاحبه وينفعه.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْإِحَاطَة فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الْعلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {لوا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} ، (10 / أ) ، وَفِي سُورَة الْجِنّ: {وأحاط بِمَا لديهم} .
وَالثَّانِي: الْجمع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَالله مُحِيط بالكافرين} ، (أَي: جامعهم) .
(1/114)
 
 
وَالثَّالِث: الإهلاك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وأحاطت بِهِ خطيئته} ، وَفِي الْكَهْف: {وأحيط بثمره} .
وَالرَّابِع: الاشتمال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {أحَاط بهم سرادقها} ، وَفِي العنكبوت: {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} .
(24 - بَاب الْأَحَد)
 
الْأَحَد وَالْوَاحد: اسْم لمبدأ الْعدَد.
قَالَ ابْن فَارس: والأحد: بِمَعْنى الْوَاحِد. واستأحد الرجل: انْفَرد.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْأَحَد فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: الله عز وَجل. وَمِنْه قَوْله تعالي فِي الْبَلَد: {أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد يَقُول أهلكت مَالا لبدا أيحسب أَن لم يره أحد} .
(1/115)
 
 
وَالثَّانِي: مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {إِذْ تصعدون وَلَا تلوون على أحد} ، وَفِي الْحَشْر: {وَلَا نطيع فِيكُم أحدا أبدا} .
وَالثَّالِث: بِلَال بن حمامة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي اللَّيْل: {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى} ، [أَي: مَا لِبلَال عِنْد أبي بكر حِين اشْتَرَاهُ وَأعْتقهُ من نعْمَة تجزى] .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى الْوَاحِد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ الله أحد} .
(25 - بَاب الْأَحْزَاب}
الْأَحْزَاب: جمع حزب. والحزب: الْجَمَاعَة المنفردون برأيهم عَن غَيرهم.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْأَحْزَاب فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
(1/116)
 
 
أَحدهَا: بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة وَآل أبي طَلْحَة. مِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي هود: {وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده} ، وَفِي الرَّعْد: {وَمن الْأَحْزَاب} {10 / ب} {من يُنكر بعضه} ، وَفِي ص: {جند مَا هُنَالك مهزوم من الْأَحْزَاب} .
وَالثَّانِي: أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فِي قبائل الْعَرَب وَالْيَهُود، الَّذين تحزبوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق يُقَاتلُون فِي ثَلَاثَة أمكنة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {يحسبون الْأَحْزَاب لم يذهبوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَاب يودوا لَو أَنهم بادون فِي الْأَعْرَاب}
وَالثَّالِث: النَّصَارَى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم: {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم فويل للَّذين كفرُوا من مشْهد يَوْم عَظِيم} . وَفِي الزخرف: {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم فويل للَّذين ظلمُوا من عَذَاب يَوْم أَلِيم} .
أَرَادَ: أحزاب النَّصَارَى النسطورية واليعقوبية والملكانية.
وَالرَّابِع: كفار الْأُمَم الْمُتَقَدّمَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص: {كذبت قبلهم قوم نوح وَعَاد وَفرْعَوْن ذُو الْأَوْتَاد وَثَمُود وَقوم لوط وَأَصْحَاب الأيكة أُولَئِكَ الْأَحْزَاب} ، وَفِي الْمُؤمن: (إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم مثل
(1/117)
 
 
يَوْم الْأَحْزَاب، مثل دأب قوم نوح وَعَاد وَثَمُود} .
(26 - بَاب الإحصاء)
 
الأَصْل فِي الإحصاء: الْعد. تَقول: أحصيت الشَّيْء، أَي: عددته. ثمَّ يستعار فِي كل شَيْء بِحَسبِهِ.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الاحصاء فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْحِفْظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة إِلَّا أحصاها} ، وَفِي المجادلة: {أَحْصَاهُ الله ونسوه} .
وَالثَّانِي: الْكِتَابَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يس: {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} ، وَفِي عَم: {وكل شَيْء أحصيناه كتابا} .
وَالثَّالِث: (11 / أ) الإطاقة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المزمل: {وَالله يقدر اللَّيْل وَالنَّهَار علم أَن لن تحصوه} ، أَي: لن تطيقوه. قَالَ مقَاتل: لن تُحْصُوا قيام ثلث اللَّيْل وَلَا نصفه وَلَا ثُلثَيْهِ.
(1/118)
 
 
وَالرَّابِع: الْعدَد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: {وَإِن تعدوا نعمت الله لَا تحصوها} ، أَي: لَا تعرفوا عَددهَا من كثرتها. وَجعله قوم من الْقسم الَّذِي قبله. فَقَالُوا: لَا تُطِيقُوا شكرها.
وَقد ألحق قوم قسما خَامِسًا وَهُوَ: الْعلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْجِنّ: {وأحصى كل شَيْء عددا} ، وَالظَّاهِر أَنه من قسم الْعدَد.
(27 - بَاب أدنى)
 
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: أدنى. أفعل، من الدنو، وَهُوَ الْقرب. يُقَال: دنا يدنو دنوا فَهُوَ دَان. وَالسَّمَاء الدُّنْيَا: هِيَ الْقُرْبَى منا.
قَالَ ابْن فَارس: الدنيء من الرِّجَال مَهْمُوز: الدون. والدني غير مَهْمُوز: الْقَرِيب من دنا يدنو، وَسميت الدُّنْيَا: لدنوها. وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا دنياوي. ودانيت بَين الْأَمريْنِ: قاربت بَينهمَا (وَفِي الحَدِيث) : (إِذا أكلْتُم فدنوا، أَي: كلوا مِمَّا يليكم.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن أدنى فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: بِمَعْنى أَجْدَر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: (وَأدنى أَلا
(1/119)
 
 
ترتابوا} .
وَفِي سُورَة النِّسَاء: {ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا} ، وَفِي الْمَائِدَة: {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا} .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى أقرب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي تَنْزِيل السَّجْدَة: {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} ، أَرَادَ الْأَقْرَب. وَقيل هُوَ الرُّجُوع. وَفِي النَّجْم: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} ، (11 / ب) .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى أقل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المجادلة: {وَلَا أدنى من ذَلِك وَلَا أَكثر إِلَّا هُوَ مَعَهم} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى أدون. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى " فِي الْبَقَرَة ": {أتستبدلون الَّذِي هُوَ أدنى بِالَّذِي هُوَ خير} .
(28 - بَاب الْأَعْمَى}
الْأَعْمَى: الذَّاهِب الْبَصَر. يُقَال عمى يعمى. وَرجل عَم، وَقوم عمون. ويستعار فِيمَن ذهبت بصيرته وفيمن لم يهتد إِلَى حجَّته. وَيُقَال
(1/120)
 
 
هَؤُلَاءِ فِي عميتهم، وعميتهم، وعمايتهم، أَي: فِي جهلهم.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَعْمَى فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْأَعْمَى الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: {صم بكم عمي} ، وَفِي يُونُس: {وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك أفأنت تهدي الْعمي} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى وأضل سَبِيلا} .
وَالثَّانِي: الْأَعْمَى الْبَصَر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} ، وَفِي عبس: {أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى}
وَالثَّالِث: الْأَعْمَى عَن الْحجَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي طه: {ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى قَالَ رب لم حشرتني أعمى وَقد كنت بَصيرًا} .
وَالرَّابِع: الْكَافِر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم والبصير والسميع} ، وَفِي الرَّعْد: {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} .
(بَاب الْآل)
 
قَالَ شَيخنَا عَليّ بن عبيد الله: الْآل: اسْم لكل من رَجَعَ إِلَى مُعْتَمد عَلَيْهِ فِيمَا رَجَعَ فِيهِ إِلَيْهِ. فَتَارَة يكون بِالنّسَبِ، وَتارَة يكون بِالسَّبَبِ.
(1/121)
 
 
وَالْأَصْل فِي ذَلِك قَوْلنَا: آل، وَهُوَ بِمَعْنى: رَجَعَ، وَبِمَعْنى صَار. تَقول، آل الشَّيْء، يؤول، أَولا. وَمن ذَلِك قيل (2 / أ) [فِيهِ] لما يؤول فِيهِ ظَاهر اللَّفْظ فِي حَقِيقَته: انه تَأْوِيل، لِأَن الْأَمر رَجَعَ فِيهِ إِلَى غير مَا هُوَ ظَاهره. فَأَما مَا أُبْقِي، على لَفظه وكشف للفهم بِلَفْظ آخر يُسَاوِيه فِي مَعْنَاهُ فَذَلِك بَيَان وَتَفْسِير وَلَيْسَ بِتَأْوِيل.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْآل فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: أهل بَيت الرجل المتكنفين بنسبه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحجر: {فَلَمَّا جَاءَ آل لوط المُرْسَلُونَ} ، وَفِي الْقَمَر: {إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} ، وَفِي حم الْمُؤمن: {وَقَالَ رجل مُؤمن من آل فِرْعَوْن} ، أَي: من أهل نسبه، وَلِهَذَا قبل مِنْهُ فِرْعَوْن فِي ترك قتل مُوسَى وَلم يكن من بني إِسْرَائِيل، ذكره أَبُو بكر من أَصْحَابنَا فِي التَّفْسِير.
وَالثَّانِي: ذُرِّيَّة الرجل وَإِن سفل نسبهم مِنْهُ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: (إِن الله اصْطفى آدم ونوحا وَآل إِبْرَاهِيم وَآل عمرَان على
(1/122)
 
 
الْعَالمين} .
وَالثَّالِث: أهل دين الرجل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وأغرقنا آل فِرْعَوْن} ، وَفِي حم الْمُؤمن: {أدخلُوا آل فِرْعَوْن أَشد الْعَذَاب} ، وَفِي الْقَمَر: {وَلَقَد جَاءَ آل فِرْعَوْن النّذر} .
وَالرَّابِع: صلَة فِي الْكَلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون} ، أَي: مِمَّا ترك مُوسَى وَهَارُون.
(30 - بَاب إِلَّا)
 
إِلَّا: مَوْضُوعَة فِي الأَصْل للاستثناء. قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا: وللاستثناء أدوات مَوْضُوعَة فأشدها اسْتِيلَاء على بَاب الِاسْتِثْنَاء وأكثرها اسْتِعْمَالا إِلَّا وَهِي أم الْبَاب، وَمَا عَداهَا من أدوات الِاسْتِثْنَاء كَأَنَّهَا أخذت (12 / [) ، هَذَا الحكم من إِلَّا بطرِيق الشّبَه، فَمن الأدوات الَّتِي اسْتثْنى بهَا لشبهها بإلا أَسمَاء وأفعال وحروف، فَمن الْأَسْمَاء:
(1/123)
 
 
سوى، وفيهَا ثَلَاث لُغَات: فتح السِّين، وَضمّهَا، وَكسرهَا. فَإِذا فتحت السِّين مددتها لَا غير، وَإِذا ضممتها قصرت لَا غير، وَإِذا كسرتها كنت بِالْخِيَارِ بَين الْمَدّ وَالْقصر. وَالْقصر أَكثر. وَمِنْهَا " غير "، وَمِنْهَا " بيد "، " وميد "، وهما اسمان، وَمن الْأَفْعَال: " لَيْسَ "، وَلَا يكون، وَعدا، وَمن الْحُرُوف: حاشا، وخلا، وهما حرفان من حُرُوف الْجَرّ، وَفِيهِمَا معنى الِاسْتِثْنَاء. وَقد تقع إِلَّا بِمَعْنى " الْوَاو "، وأنشدوا من ذَلِك:
(وكل أَخ مفارقه أَخُوهُ ... لعمر أَبِيك إِلَّا الفرقدان)
 
وَذكر أهل التَّفْسِير [أَن] إِلَّا فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الِاسْتِثْنَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْفرْقَان: {ويخلد فِيهِ مهانا إِلَّا من تَابَ وآمن} ، وَفِي العنكبوت: {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما} ، وَفِي الزخرف: {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ، وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: الِاسْتِئْنَاف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {وَلَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ إِلَّا أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئا} ، وَفِي الْأَعْرَاف: (قل لَا أملك
(1/124)
 
 
لنَفْسي نفعا وَلَا ضرا إِلَّا مَا شَاءَ الله) {وفيهَا} (مَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} ، وَفِي اللَّيْل: {إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} ، وَفِي الغاشية: {إِلَّا من تولى وَكفر} ، وَفِي التِّين: {ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين. إِلَّا الَّذين آمنُوا} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى غير. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (13 / أ) فِي الْأَنْبِيَاء: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} ، وَفِي الدُّخان: {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} .
وَالرَّابِع: بِمَعْنى لَكِن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {فَإِنَّهُم عَدو لي إِلَّا رب الْعَالمين} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف} .
قَالَ بَعضهم: معنى الْآيَة: لَكِن مَا قد سلف فأجتنبوه. وَقَالَ قوم: مَعْنَاهَا: بَعْدَمَا قد سلف فَإِنَّكُم لَا تؤاخذون بِهِ. وَقَالَ بَعضهم: هَذِه الْآيَة بِمَعْنى " الْوَاو ": فتقديرها وَلَا مَا قد سلف. وَمَعْنَاهُ: اقْطَعُوا مَا أَنْتُم عَلَيْهِ من نِكَاح مَا نكح الْآبَاء. وَلَا تبتدئوا.
(1/125)
 
 
(31 - بَاب الإِمَام)
 
قَالَ الزّجاج: الإِمَام: الَّذِي يؤتم بِهِ، وَيفْعل كَفِعْلِهِ، ويقصد مَا قَصده، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} ، أَي: فاقصدوا.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الإِمَام فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمُتَقَدّم فِي الْخَيْر، المقتدى بِهِ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {إِنِّي جاعلك للنَّاس إِمَامًا} .
وَالثَّانِي: الْكتاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني إِسْرَائِيل: {يَوْم ندعوا كل أنَاس بإمامهم} ، أَي: بِكِتَابِهِمْ، أَو قيل: بِنَبِيِّهِمْ.
وَالثَّالِث: اللَّوْح الْمَحْفُوظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يس: {وكل شَيْء أحصيناه فِي إِمَام مُبين} .
وَالرَّابِع: الطَّرِيق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحجر: {وإنهما لبإمام مُبين} .
(1/126)
 
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَإِنَّمَا سمي الطَّرِيق إِمَامًا لِأَن الْمُسَافِر يأتم بِهِ ويستدل. وأصل الإِمَام مَا ائتممت بِهِ (13 / [) .
(32 - بَاب الْإِنْزَال)
 
الْإِنْزَال: حط الشَّيْء من الْعُلُوّ. وَالْفَاعِل: منزل. وَالْمَفْعُول: منزل. والنازلة الشَّدِيدَة من شَدَائِد الدَّهْر تنزل بِالنَّاسِ. النزال فِي الْحَرْب: أَن يتنازل الْفَرِيقَانِ. وَمَكَان نزل ينزل فِيهِ [الْقَوْم] كثيرا. وَتقول: وجدت الْقَوْم على نزلاتهم، أَي: مَنَازِلهمْ. والنزل: مَا تهَيَّأ للنزيل. والنزيل: الضَّيْف. وأنشدوا:
(نزيل الْقَوْم أعظمهم حقوقا ... وَحقّ الله فِي حق النزيل)
 
وَيُقَال: نزل الرجل، إِذا حج وأنشدوا من ذَلِك: -
(أنازلة أَسمَاء أم غير نازله ... أبيني لنا يَا أسم مَا أَنْت فَاعله)
 
وأنشدوا مِنْهُ أَيْضا: -
(1/127)
 
 
(وَلما نزلنَا قرت الْعين وانتهت ... أماني كَانَت قبل فِي الدَّهْر تسْأَل)
 
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِنْزَال فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه: -
أَحدهَا: القَوْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَنْعَام: {قَالَ سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله} .
وَالثَّانِي: الْخلق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق} ، وَفِي الزمر: {وَأنزل لكم من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج} ، وَمثله: {وأنزلنا الْحَدِيد} .
وَالثَّالِث: الْبسط، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم عسق: {وَلَكِن ينزل بِقدر مَا يَشَاء} .
وَالرَّابِع: نفس الْإِنْزَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي [حم]
(1/128)
 
 
عسق: {وَهُوَ الَّذِي ينزل الْغَيْث من بعد مَا قَنطُوا وينشر رَحمته} .
(33 - بَاب إِن)
 
إِن: تكون بِمَعْنى الشَّرْط. تَقول: إِن جَاءَ زيد فَأكْرمه. وَتَكون بِمَعْنى: " مَا "، تَقول: إِن زيد إِلَّا ذَاهِب.
وَذكر (14 / أ) أهل التَّفْسِير أَنَّهَا فِي الْقُرْآن على أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: بِمَعْنى الشَّرْط وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني} ، وَفِي سُورَة النِّسَاء: {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر} ، وَفِي الحجرات: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَاءَكُم فَاسق بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} ، وَهِي كَثِيرَة بِالْقُرْآنِ.
وَالثَّانِي: بِمَعْنى " مَا "، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْبِيَاء: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين} ، وَفِي الزخرف:
(1/129)
 
 
{وَإِن كل ذَلِك لما مَتَاع الحيوة الدُّنْيَا} ، وَفِي يس: {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة فَإِذا هم خامدون} ، وَفِي الْملك: {إِن الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غرور} ، وَفِي الطارق: {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} .
وَالثَّالِث: بِمَعْنى لقد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُونُس: {فَكفى بِاللَّه شَهِيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم إِن كُنَّا عَن عبادتكم لغافلين} ، وَفِي بني أسرائيل: {إِن كَانَ وعد رَبنَا لمفعولا} ، وَفِي الشُّعَرَاء: {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين} ، وَفِي الصافات: {إِن كدت لتردين} ، وَفِي الْأَعْلَى: {فَذكر إِن نَفَعت الذكرى} .
(قَالَ مقَاتل: " قد نَفَعت الذكرى ") ، وَهَذَا الْوَجْه فِي معنى الَّذِي قبله، إِلَّا الْآيَة الْأَخِيرَة فَإِنَّهَا بِمَعْنى الشَّرْط لِأَن الْمَعْنى إِن نَفَعت، وَإِن لم تَنْفَع.
وَالرَّابِع: بِمَعْنى " إِذْ ". مِنْهُ قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: (وذروا مَا بَقِي
(1/130)
 
 
من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} . وَفِي آل عمرَان: {وَأَنْتُم الأعلون إِن كُنْتُم مُؤمنين} ، وَفِي بَرَاءَة: {فَالله أَحَق أَن تخشوه إِن كُنْتُم مُؤمنين} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَهَذِه عِنْد أهل اللُّغَة: " إِن " بِعَينهَا، لَا يجعلونها بِمَعْنى " إِذْ " ويذهبون إِلَى أَنه أَرَادَ: من كَانَ مُؤمنا ترك الرِّبَا. وَلم يهن، وَلم يخْش إِلَّا الله (14 / ب) .
(أَبْوَاب الْخَمْسَة)
 
(34 - بَاب الْأَخ)
 
الْأَخ: اسْم يُرَاد بِهِ الْمسَاوِي والمعادل، وَالظَّاهِر فِي التعارف: أَنه يُقَال فِي النّسَب، ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع تدل عَلَيْهَا الْقَرِينَة. وَيُقَال: تأخيت الشَّيْء، أَي: تحريته. وَحكى ابْن فَارس عَن بعض الْعلمَاء، أَنه قَالَ: سمي الأخوان لتأخي كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا يتأخاه الآخر. والإخاء: مَا يكون بَين الْأَخَوَيْنِ، قَالَ: -
وَذكر أَن الْإِخْوَة: للولادة. والإخوان: للأصدقاء.
(1/131)
 
 
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَخ فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْأَخ من الْأَب وَالأُم أَو من أَحدهمَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس} ، وَفِي الْمَائِدَة: {فطوعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه فَقتله} .
وَالثَّانِي: الإخاء من الْقَبِيلَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هودا} ، {وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا} ، {وَإِلَى مَدين أَخَاهُم شعيبا} .
وَالثَّالِث: الإخاء فِي الدّين والمتابعة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا} ، وَفِي بني إِسْرَائِيل: {إِن المبذرين كَانُوا إخْوَان الشَّيَاطِين} ، وَفِي الحجرات: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَة} .
وَالرَّابِع: الاخاء فِي الْمَوَدَّة والمحبة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحجر: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا} .
وَالْخَامِس: الصاحب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص: {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة} .
(1/132)
 
 
(35 - بَاب الْأَخْذ)
 
الأَصْل فِي الْأَخْذ: تنَاول الشَّيْء بِالْيَدِ. ثمَّ يستعار فِي مَوَاضِع وَالْأَخْذ على (15 / ب) فعل الرمد وَبِه أَخذ: على فعل. وَهُوَ الرمد. والأخيذ: الْأَسير. والمستأخذ: المطأطئ رَأسه.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَخْذ فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْقبُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {لَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل} ، وَفِي آل عمرَان: {وأخذتم على ذَلِكُم إصري} ، وَفِي الْمَائِدَة: {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} ، وَفِي الْأَنْعَام. {وَإِن تعدل كل عدل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {خُذ الْعَفو} ، وَفِي بَرَاءَة: {وَيَأْخُذ الصَّدقَات} .
وَالثَّانِي: الْحَبْس. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {فَخذ أَحَدنَا مَكَانَهُ إِنَّا نرَاك من الْمُحْسِنِينَ قَالَ معَاذ الله أَن نَأْخُذ إِلَّا من وجدنَا متاعنا عِنْده} ، وفيهَا: {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك}
(1/133)
 
 
وَالثَّالِث: الْعَذَاب. وَمِنْه قله تَعَالَى فِي هود: {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد} ، وَفِي العنكبوت: {فكلا أَخذنَا بِذَنبِهِ} ، وَفِي الْمُؤمن: {فَأَخَذتهم فَكيف كَانَ عِقَاب} .
وَالرَّابِع: الْقَتْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمن: {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه} .
وَالْخَامِس: الْأسر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فَإِن توَلّوا فخذوهم} . وَفِي بَرَاءَة: {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وخذوهم} .
(36 - بَاب الْأَسْبَاب)
 
الْأَسْبَاب: جمع سَبَب. وَالسَّبَب فِي الأَصْل: الْحَبل. ثمَّ يستعار فِي كل شَيْء يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَطْلُوب. فَيُقَال للطريق سَبَب لِأَنَّك بسلوكه تصل إِلَى الْموضع الَّذِي تريده. وأساب السَّمَاء: أَبْوَابهَا. قَالَ زُهَيْر: (15 / ب) .
(1/134)
 
 
(وَمن هاب أَسبَاب الْمنية يلقها ... وَلَو نَالَ أَسبَاب السَّمَاء بسلم)
 
وَالسَّبَب الْمَفَازَة وَرجل سببة: يسب النَّاس. وسبة: يَسُبُّونَهُ.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَسْبَاب فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الحبال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} .
وَالثَّانِي: الْأَبْوَاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص: {فليرتقوا فِي الْأَسْبَاب} ، وَفِي الْمُؤمن: {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب} .
وَالثَّالِث: الْعلم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا} .
وَالرَّابِع: الطَّرِيق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْكَهْف] : {فأتبع سَببا} ، أَي: طَرِيقا.
(1/135)
 
 
وَالْخَامِس: المواصلة والمودة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْبَقَرَة] : {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} .
(37 - بَاب الْإِسْلَام)
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْإِسْلَام: الدُّخُول فِي السّلم، وَهُوَ الانقياد والمتابعة، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} ، أَي: انْقَادَ لكم وتابعكم. والاستسلام مثله. يُقَال: سلم فلَان لأمرك واستسلم، وَأسلم، أَي: دخل فِي السّلم، كَمَا يُقَال: أشتى الرجل: دخل فِي الشتَاء، وَأَرْبع: دخل فِي الرّبيع، وأقحط: دخل فِي الْقَحْط.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْإِسْلَام فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: اسْم للدّين الَّذِي تدين بِهِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام} ، وَفِي الْحَج: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} .
وَالثَّانِي: التَّوْحِيد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: (يحكم بهَا النَّبِيُّونَ
(1/136)
 
 
الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا} .
وَالثَّالِث: الْإِخْلَاص. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (16 / أ) فِي الْبَقَرَة: {إِذْ قَالَ لَهُ ربه أسلم قَالَ أسلمت لرب الْعَالمين} ، وَفِي آل عمرَان: {فَإِن حاجوك فَقل أسلمت وَجْهي لله وَمن اتبعن وَقل للَّذين أُوتُوا الْكتاب والأميين أأسلمتم فَإِن أَسْلمُوا فقد اهتدوا} ، وَفِي لُقْمَان: {وَمن يسلم وَجهه إِلَى الله (وَهُوَ محسن} } .
وَالرَّابِع: الاستسلام. [وَمِنْه] ، قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {وَله أسلم من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} ، وَفِي يُونُس: {آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل وَأَنا من الْمُسلمين} ، وَفِي النَّمْل: {وَأسْلمت مَعَ سُلَيْمَان لله رب الْعَالمين} ، وَفِي الصافات: {فَلَمَّا أسلما وتله للجبين} ،.
وَالْخَامِس: الْإِقْرَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ} ، وَفِي الحجرات: {قل لم تؤمنوا وَلَكِن قُولُوا أسلمنَا} .
(38 - بَاب الْإِفْك)
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْإِفْك: الْكَذِب، وَسمي إفكا، لِأَنَّهُ كَلَام قلب عَن
(1/137)
 
 
الْحق. وَأَصله من أفكت الرجل، إِذا صرفته عَن رَأْي كَانَ عَلَيْهِ، وَمِنْه قيل لمدائن قوم لوط: " الْمُؤْتَفِكَات " لانقلابها. قَالَ الشَّاعِر:
(إِن تَكُ عَن أحسن الصنيعة مأفوكا ... فَفِي آخَرين قد أفكوا)
 
وَقَالَ ابْن فَارس: كل أَمر صرف عَن وَجهه فقد أفك. وأفك الرجل إِذا كذب إفكا وأفكته عَن الشَّيْء صرفته عَنهُ أفكا. والمأفوك الضَّعِيف الرَّأْي وائتفكت الْبَلدة بِأَهْلِهَا انقلبت (والمؤتفكات الرِّيَاح تخْتَلف مهابها. وَيَقُولُونَ إِذا كثرت الْمُؤْتَفِكَات زكتْ الأَرْض.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَة) : وَيُقَال: أفكت الأَرْض (16 / ب) إِذا لم يصبهَا مطر وَصرف عَنْهَا فَلَا نَبَات بهَا وَلَا خير.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِفْك فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه:
أَحدهَا: الْكَذِب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْقَاف: {فسيقولون هَذَا إفْك قديم} ، وفيهَا: {وَذَلِكَ إفكهم} .
وَالثَّانِي: الصّرْف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْقَاف: " أجئتنا لتأفكنا
(1/138)
 
 
عَن آلِهَتنَا} ، وَفِي الذاريات: {يؤفك عَنهُ من أفك} {وَمثله} (فَأنى تؤفكون} ، أَي: تصرفون عَن الْحق.
وَالثَّالِث: الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {والمؤتفكات أَتَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ} ، وَفِي النَّجْم: {والمؤتفكة أَهْوى} .
وَالرَّابِع: السحر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف وَالشعرَاء: {فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون} .
وَالْخَامِس: الْقَذْف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النُّور: {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم} ، وَالْمرَاد بِهِ: قذف عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
وَقد ألحق بعض أهل التَّفْسِير وَجها سادسا: فَقَالُوا والإفك الْأَصْنَام وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: {أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ} .
(39 - بَاب الْإِقَامَة)
 
الْإِقَامَة: مَأْخُوذَة من الْقيام. وَهُوَ فِي الأَصْل: انتصاب الْقَامَة.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِقَامَة فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه
(1/139)
 
 
أَحدهَا: الْإِتْمَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المزمل: {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وأقرضوا الله قرضا حسنا} .
وَالثَّانِي: الْإِخْلَاص. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم: {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا} .
وَالثَّالِث: الْبناء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف (17 / أ) : {فوجدا فِيهَا جدارا يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} .
وَالرَّابِع: اللّّبْث. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {يَوْم ظعنكم وَيَوْم إقامتكم} .
وَالْخَامِس: الْبَيَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} ، أَي: بينوا مَا فِيهَا وَقيل: عمِلُوا بهَا.
(40 - بَاب الْأُم)
 
ألأم: الوالدة. وأصل كل شَيْء: أمة. وَمَكَّة: أم الْقرى، لِأَن الأَرْض دحيت من تحتهَا. وَيُقَال: إِن الْأُم فِي الأَصْل: أمهة.
(1/140)
 
 
وَكَذَلِكَ تجمع: أُمَّهَات. [وَيُقَال] : أمات وأنشدوا:
فرجت الظلام بأماتكا.
قَالَ ابْن فَارس: وجدت بِخَط سَلمَة أَن أُمَّهَات: فِي النَّاس. وأمات: فِي الْبَهَائِم.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْأُم فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الأَصْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزخرف: {وَإنَّهُ فِي أم الْكتاب لدينا لعَلي حَكِيم} ، وَفِي عسق: {لتنذر أم الْقرى وَمن حولهَا} .
وَالثَّانِي: الوالدة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {فلأمه الثُّلُث} ، وَفِي طه: {فرجعناك إِلَى أمك} .
وَالثَّالِث: الْمُرضعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم} ، أَرَادَ: حرمت عَلَيْكُم المرضعات، لِأَن
(1/141)
 
 
الْمُرضعَة تسمى بِالرّضَاعِ أما.
وَالرَّابِع: مشابهة الْأُم فِي الْحُرْمَة والتعظيم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {وأزواجه أمهاتهم} .
وَالْخَامِس: الْمرجع والمصير. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي القارعة] : {فأمه هاوية} ، وَقيل أَرَادَ أم رَأسه.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: " فأمه هاوية " يَعْنِي النَّار لَهُ كالأم يأوي إِلَيْهَا.
(41 - بَاب الْأمة)
 
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أصل الْأمة: الصِّنْف من النَّاس وَالْجَمَاعَة. وَيُقَال: الْأمة، وَيُرَاد بهَا الْحِين. وَيُقَال: (17 / ب) [الْأمة] ، وَيُرَاد بهَا الإِمَام والرباني. وَالْأمة: الدّين. قَالَ النَّابِغَة:
(وَهل يأثمن ذُو أمة وَهُوَ طائع)
(1/142)
 
 
قَالَ ابْن فَارس: وَالْأمة: الْقَامَة، فِي قَول الْقَائِل: -
(وَإِن مُعَاوِيَة الأكرمين ... حسان الْوُجُوه طوال الْأُمَم)
 
وَالْأمة: الْكَثِيرَة النِّعْمَة.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأمة فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: الْجَمَاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَمن ذريتنا أمة مسلمة لَك} ، وفيهَا: {تِلْكَ أمة قد خلت} ، وَفِي آل عمرَان: {أمة قَائِمَة} ، وَفِي الْمَائِدَة: {مِنْهُم أمة مقتصدة} ، وَفِي الْأَعْرَاف: {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} .
وَالثَّانِي: الْملَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} ، وَفِي يُونُس: {وَمَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة} ، (وَفِي النَّحْل: {وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة} ) ، وَفِي الْأَنْبِيَاء، وَالْمُؤمنِينَ: {وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} .
(1/143)
 
 
وَالثَّالِث: الْحِين. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي [هود] : {وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة} ، وَفِي يُوسُف: {وادكر بعد أمة} ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن غَيرهمَا. وَأَرَادَ بالحين فِي الْآيَتَيْنِ السنين.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَأَن الْأمة من النَّاس، الْقرن ينقرضون فِي الْحِين، فأقيمت الْأمة مقَام الْحِين.
وَالرَّابِع: الإِمَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي [النَّحْل] : {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة يَعْنِي إِمَامًا يقْتَدى بِهِ، فَسُمي أمة لِأَنَّهُ سَبَب الِاجْتِمَاع. وَيجوز أَن يكون سمي أمة (18 / أ) لِأَنَّهُ اجْتمع فِيهِ من خلال الْخَيْر مَا يكون مثله فِي الْأمة.
وَالْخَامِس: الصِّنْف. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام: {لَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم} ، أَي: أَصْنَاف، فَكل صنف من الطير وَالدَّوَاب مثل بني آدم فِي طلب الْغذَاء، وتوقي المهالك وَنَحْو ذَلِك. قَالَه ابْن قُتَيْبَة.
(1/144)
 
 
(42 - بَاب الْإِيمَان)
 
الْإِيمَان فِي اللُّغَة: التَّصْدِيق. وَيُطلق فِي الشَّرْع على ثَلَاثَة أَشْيَاء: الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ، والاعتقاد بِالْقَلْبِ، وَهُوَ طمأنينة النَّفس إِلَى صدق مَا حصل الْإِقْرَار بِهِ. وَالْعَمَل بالأعضاء بِمُقْتَضى مَا صدق بِهِ باقراره واعتقده بِقَلْبِه.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِيمَان فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -
أَحدهَا: التَّصْدِيق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي يُوسُف: {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} . وَفِي حم الْمُؤمن: {وَإِن يُشْرك بِهِ تؤمنوا} ، وَفِي الْحَشْر: {الْملك القدوس السَّلَام الْمُؤمن} .
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: أَي مُصدق مَا وعده.
وَالثَّانِي: الْإِقْرَار بِاللِّسَانِ من غير تَصْدِيق الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: (إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ من آمن
(1/145)
 
 
بِاللَّه} ، فَمَعْنَاه: آمنُوا بألسنتهم، فَقَالَ: من آمن بِقَلْبِه، وَنَظِيره فِي سُورَة النِّسَاء: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا} ، قيل مَعْنَاهُ: (يَا أَيهَا الَّذين أقرُّوا اعْمَلُوا واعتقدوا) وَفِي سُورَة الْمُنَافِقين: {ذَلِك بِأَنَّهُم آمنُوا ثمَّ كفرُوا} .
وَالثَّالِث: التَّوْحِيد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (18 / ب) فِي الْمَائِدَة: {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} ، وَفِي النَّحْل: {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} ، وَفِي الْمُؤمن: {إِذْ تدعون إِلَى الْإِيمَان فتكفرون} .
وَالرَّابِع: الْإِيمَان الشَّرْعِيّ. وَهُوَ مَا جمع الْأَركان الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} ، وَفِي الْكَهْف: {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} . وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن.
وَالْخَامِس: الصَّلَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} ، أَي: صَلَاتكُمْ إِلَى بَيت الْمُقَدّس. وَقد ألحق بعض ناقلي التَّفْسِير وَجها سادسا وَهُوَ: الدُّعَاء. وَمِنْه قَوْله
(1/146)
 
 
تَعَالَى: [فِي سُورَة يُونُس] : {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت فنفعها إيمَانهَا إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا} ، أَي: دعوا.
(أَبْوَاب السِّتَّة والسبعة)
 
(43 - بَاب الْإِثْم)
 
الْإِثْم: [الذَّنب] والوزر فِي الْمعْصِيَة. ثمَّ يستعار فِيمَا يحصل بِهِ الْإِثْم. يُقَال: فلَان آثم، وأثيم. وَيُقَال: إِن الأثوم: الْكذَّاب. وناقة آثمة، ونوق آثمات، أَي: مبطئات. والأثام: مَقْصُور الْإِثْم. وَيُقَال: الْعقُوبَة. وَيُقَال: أَثم: إِذا وَقع فِي الْإِثْم. وتأثم: إِذا تحرج من الْإِثْم، وكف عَنهُ. وَهُوَ كَقَوْلِك حرج إِذا وَقع فِي الْحَرج، وتحرج إِذا كف.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْإِثْم فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه: -
أَحدهَا: الزِّنَى. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَنْعَام] : {وذروا ظَاهر الْإِثْم وباطنه} .
وَالثَّانِي: الْخَطَأ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فَمن خَافَ من موص جنفا أَو إِثْمًا} .
(1/147)
 
 
وَالثَّالِث: الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {وَترى كثيرا (19 / أ} مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان} ، وفيهَا: {لَوْلَا ينههم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم} .
وَالرَّابِع: الْمعْصِيَة دون الشّرك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {تظاهرون عَلَيْهِم بالإثم والعدوان} ، وفيهَا: {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} ، أَي: فَلَا ذَنْب عَلَيْهِ. وَفِي الْمَائِدَة: {لَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان} ، وفيهَا: {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم} ، وَفِي المجادلة: {فَلَا تتناجوا بالإثم والعدوان} .
وَالْخَامِس: الْحَرَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {أتأخذونه بهتانا وإثما مُبينًا} .
وَالسَّادِس: الْخمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق} ، وَالْإِثْم فِيمَا يُقَال: اسْم للخمر مَشْهُور عِنْدهم. وأنشدوا:
(1/148)
 
 
(شربت الْإِثْم حَتَّى ضل عَقْلِي ... كَذَاك الْإِثْم يذهب بالعقول)
 
وأنشدوا أَيْضا:
(تشرب الْإِثْم بالكؤوس جهارا ... وَترى الْمسك بَيْننَا مستعارا)
 
قَالَ ابْن فَارس: [يُقَال] إِن الْمسك: الأترج، وَيُقَال الزماورد، قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: لَا يَصح عِنْد أهل اللُّغَة أَن الْإِثْم من أَسمَاء الْخمر.
(44 - بَاب الآخر)
 
الآخر: مَا قبله سَابق. وَسميت الْآخِرَة آخِرَة لِأَنَّهَا بعد الدُّنْيَا. وَتقول: فعلت هَذَا بِأخرَة، أَي: أخيرا. وَجَاء فلَان فِي أخريات النَّاس، وآخرة: الرحل: مؤخره. " وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْآخِرَة فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه: -
(1/149)
 
 
أَحدهَا: الْقِيَامَة. وَمِنْه قَوْله: [تَعَالَى فِي الْبَقَرَة] : {وبالآخرة هم يوقنون} ، (19 / ب) ، وَفِي النَّمْل: {إِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة زينا لَهُم أَعْمَالهم} .
وَالثَّانِي: الْجنَّة. وَمِنْه قَوْله [تَعَالَى فِي الْبَقَرَة] : {وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَاله فِي الْآخِرَة من خلاق} . وَفِي الْقَصَص: {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} . وَفِي الزخرف: {وَالْآخِرَة عِنْد رَبك لِلْمُتقين} . وَفِي عسق: {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب} .
وَالثَّالِث: جَهَنَّم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزمر: {أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا يحذر الْآخِرَة [ويرجو رَحْمَة ربه} ] .
وَالرَّابِع: الْقَبْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} .
وَالْخَامِس: مِلَّة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة ص: {مَا سمعنَا بِهَذَا فِي الْملَّة الْآخِرَة} .
وَالسَّادِس: الْمرة الْأَخِيرَة من اهلاك بني إِسْرَائِيل. وَمِنْه قَوْله
(1/150)
 
 
تَعَالَى فِي بني إِسْرَائِيل: {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة ليسؤوا وُجُوهكُم} .
(45 - بَاب الْإِرْسَال)
 
الْإِرْسَال: فِي الْمَحْبُوس إِطْلَاقه. وَفِي الْمُطلق بَعثه، تَقول أرْسلت الطَّائِر. بِمَعْنى: أطلقته. وَأرْسلت فلَانا إِلَى فلَان. بِمَعْنى بعثته.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِرْسَال فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه -
أَحدهَا: الْبَعْث. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا} ، [وَمثله كثير] .
وَالثَّانِي: التسليط. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي مَرْيَم: {ألم تَرَ أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا} . وَفِي الْقَمَر: {إِنَّا أرسلنَا عَلَيْهِم ريحًا صَرْصَرًا} ، وَفِي الْفِيل: {وَأرْسل عَلَيْهِم طيرا أبابيل} .
وَالثَّالِث: الْإِخْرَاج. (20 / أ) وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَمَر: {إِنَّا مرسلوا النَّاقة فتْنَة لَهُم} .
(1/151)
 
 
وَالرَّابِع: الْإِطْلَاق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {ولنرسلن مَعَك بني إِسْرَائِيل} . [وَفِي الشُّعَرَاء] {أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل} .
وَالْخَامِس: الْفَتْح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي فاطر: {وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده} ، أَي: فَلَا فاتح.
وَالسَّادِس: الْإِنْزَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي نوح: {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا} ، أَي: ينزل الْمَطَر.
(46 - بَاب الاسْتوَاء)
 
الاسْتوَاء: يُقَال على ضَرْبَيْنِ، أَحدهمَا: تَامّ، وَالْآخر: نَاقص. فالتام مثل، قَوْلك اسْتَوَى الْأَمر إِذا استقام. وَيُقَال: اسْتَوَى الشيئان إِذا اعتدلا. والناقص مَا لَا يتم إِلَّا بصلته، مثل قَوْلك: اسْتَوَى على السرير، واستوى على الدَّابَّة. [وَأما مَا صلته " إِلَى " فَمَعْنَاه: الْقَصْد. مثل قَوْلك: اسْتَوَى إِلَى الشَّيْء) . وَأما مَا صلته " مَعَ " فَمَعْنَاه: الْمُسَاوَاة. مثل قَوْلك: اسْتَوَى المَاء مَعَ الْخَشَبَة.
(1/152)
 
 
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الاسْتوَاء فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه:
أَحدهَا: الْعمد وَالْقَصْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي فصلت] : {ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان} .
وَالثَّانِي: الِاسْتِقْرَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: {واستوت على الجودي}
وَالثَّالِث: الرّكُوب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ: {فَإِذا استويت أَنْت وَمن مَعَك على الْفلك} ، وَفِي الزخرف: {ثمَّ تَذكرُوا نعْمَة ربكُم إِذا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} .
وَالرَّابِع: الْقُوَّة والشدة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {وَلما بلغ أشده واستوى} ، أَي: قوي وَاشْتَدَّ.
الْخَامِس: التشابه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْعَام [: {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} ، وَفِي فاطر] : {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} (20 / ب) ، وَفِي حم الْمُؤمن: (وَمَا يَسْتَوِي
(1/153)
 
 
الْأَعْمَى والبصير} .
وَالسَّادِس: الْعُلُوّ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي طه] : {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} .
(47 - بَاب الْآيَة)
 
الْآيَة فِي اللُّغَة: الْعَلامَة. وَقد يُقَال: الْآيَة وَيُرَاد بهَا: جمَاعَة حُرُوف من الْقُرْآن.
قَالَ ابْن قُتَيْبَة: الْآيَة: جمَاعَة حُرُوف. وَقد حُكيَ عَن الشَّيْبَانِيّ، أَنه قَالَ: خرج الْقَوْم بآيتهم، أَي: بجماعتهم.
وَقَالَ الزّجاج: يُقَال آيَة وآي، وآيات.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْآيَة فِي الْقُرْآن على سِتَّة أوجه: -
أَحدهَا: الْعَلامَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الرّوم: {وَمن آيَاته أَن خَلقكُم من تُرَاب} {وفيهَا} (وَمن آيَاته أَن تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض
(1/154)
 
 
بأَمْره} ، وَفِي يس: {وَآيَة لَهُم أَنا خملنا ذُرِّيتهمْ فِي الْفلك المشحون} ، وَفِي حم السَّجْدَة: {وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة، فَإِذا أنزلنَا} ، أَي: عَلامَة تدل على وحدانيته [تَعَالَى] .
وَالثَّانِي: المعجزة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْقَصَص: {فَلَمَّا جَاءَهُم مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَات} ، وَفِي الْقَمَر: {وَإِن يرَوا آيَة يعرضُوا} .
وَالثَّالِث: الْكتاب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمُؤمنِينَ: {قد كَانَت آياتي تتلى عَلَيْكُم} ، أَي: كتبي.
وَالرَّابِع: الْأَمر وَالنَّهْي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات} .
وَالْخَامِس: الْعبْرَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {إِن فِي ذَلِك لآيَات لقوم يُؤمنُونَ} . وَفِي الْمُؤمنِينَ: {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} ، وَفِي الْفرْقَان: {أغرقناهم وجعلناهم للنَّاس آيَة} ، وَفِي العنكبوت: {فأنجيناه وَأَصْحَاب السَّفِينَة وجعلناها آيَة} ، وَفِي الْقَمَر: {وَلَقَد (12 / أ} تركناها آيَة} .
وَالسَّادِس: الْجُزْء الْمَحْدُود من الْقُرْآن الْمُسَمّى آيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} ، فِي الرَّعْد:
(1/155)
 
 
{المر تِلْكَ آيَات الْكتاب وَالَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق} ، فِي يُوسُف: {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} وَفِي النَّحْل: {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة} .
(48 - بَاب الْإِلْقَاء)
 
الأَصْل فِي الْإِلْقَاء: رمي الشَّيْء. وَالْفَاعِل: ملق. وَالْمَفْعُول: ملقى ولقى. وَتقول: ألقيت الشَّيْء إِلْقَاء. وَلَقِيت فلَانا لقيا ولقيانا
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِلْقَاء فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه: -
أَحدهَا: الرَّمْي. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَعْرَاف: {وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك} ، وفيهَا، وَفِي الشُّعَرَاء: {فَألْقى عَصَاهُ} .
وَالثَّانِي: الوسوسة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} .
وَالثَّالِث: الْخلق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: (وَألقى فِي
(1/156)
 
 
الأَرْض رواسي أَن تميد بكم} .
وَالرَّابِع: الْإِنْزَال. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم الْمُؤمن: {يلقِي الرّوح من أمره على من يَشَاء من عباده} ، وَفِي المزمل: {إِنَّا سنلقي عَلَيْك قولا ثقيلا} .
وَالْخَامِس: الدُّخُول. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي حم السَّجْدَة: {أَفَمَن يلقى فِي النَّار خير أم من يَأْتِي آمنا يَوْم الْقيمَة} .
وَالسَّادِس: الإجلاس وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي ص: {وألقينا على كرسيه جسدا [ثمَّ أناب] ، أَي: أجلسنا.
وَالسَّابِع: الْإِعْلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {إِنَّمَا الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم رَسُول الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم} ، مَعْنَاهُ: أعلمها بهَا فِي قَول الْمَلَائِكَة لَهَا: إِن الله يبشرك بِكَلِمَة مِنْهُ (21 / ب} اسْمه الْمَسِيح عِيسَى ابْن مَرْيَم. وَقَالَ آخَرُونَ إلقاؤه إِلَى مَرْيَم هُوَ قَوْله لعيسى كن فَكَانَ.
(49 - بَاب الْإِمْسَاك)
 
الْإِمْسَاك: الْحَبْس. وضده: الْإِطْلَاق. والإمساك: أَيْضا: الْبُخْل، [يُقَال: فلَان مُمْسك، أَي: بخيل، والمسك: بِفَتْح الْمِيم وتسكين
(1/157)
 
 
السِّين، الإهاب وبكسر الْمِيم: الطّيب الْمَعْرُوف. وبفتح الْمِيم وَالسِّين: الأسورة من الذبل وَاحِدهَا مسكة. والذبل: شَيْء كالعاج.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِمْسَاك فِي الْقُرْآن على سَبْعَة أوجه: -
أَحدهَا: الْمُرَاجَعَة للزَّوْجَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} ، وَفِي الطَّلَاق: {فأمسكوهن بِمَعْرُوف}
وَالثَّانِي: الْحَبْس. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي سُورَة النِّسَاء] {فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت} .
وَالثَّالِث: الْبُخْل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بني إِسْرَائِيل: {إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق} .
وَالرَّابِع: الْحِفْظ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْحَج: {ويمسك السَّمَاء أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وَفِي فاطر: {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا} ، وَفِي الْملك: {مَا يمسكهن إِلَّا الرَّحْمَن} .
وَالْخَامِس: الْمَنْع. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي فاطر: (مَا يفتح الله
(1/158)
 
 
للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ من بعده} ، وَفِي الزمر: {هَل هن ممسكات رَحمته} .
وَالسَّادِس: الْأَخْذ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فقد استمسك بالعروة الوثقى} .
وَالسَّابِع: الْعَمَل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزخرف: {فَاسْتَمْسك بِالَّذِي أُوحِي إِلَيْك} .
(أَبْوَاب الْعشْرَة فَمَا فَوْقهَا)
(50 - بَاب الاتخاذ)
 
(22 / أ) الاتخاذ، والاعداد، والاصطناع يتقارب. والاتخاذ: يُقَال فِي الْغَالِب لما يخْتَار، ويرتضى. تَقول: اتَّخذت فلَانا صديقا.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الاتخاذ فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الِاخْتِيَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: [فِي سُورَة النِّسَاء] : {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} ، وَفِي الْمُؤمنِينَ: {مَا اتخذ الله من ولد} .
(1/159)
 
 
وَالثَّانِي: الصياغة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {وَاتخذ قوم مُوسَى من بعده من حليهم عجلا جسدا لَهُ خوار} .
وَالثَّالِث: السلوك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سربا} .
وَالرَّابِع: التَّسْمِيَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} ، أَي: سموهم.
وَالْخَامِس: النسج. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العنكبوت: {كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا} .
وَالسَّادِس: الْعِبَادَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: {إِن الَّذين اتَّخذُوا الْعجل} ، وَفِي الزمر: {وَالَّذين اتَّخذُوا من دونه أَوْلِيَاء} .
وَالسَّابِع: الْجعل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم} ، وَفِي الْكَهْف: {وَاتَّخذُوا آياتي وَمَا أنذروا هزوا} ، وَفِي الْمُنَافِقين: {اتَّخذُوا أَيْمَانهم جنَّة} .
الثَّامِن: الْبناء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي التَّوْبَة: {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} . وَفِي الْكَهْف: {لنتخذن عَلَيْهِم مَسْجِدا} .
(1/160)
 
 
وَفِي الشُّعَرَاء: {وتتخذون مصانع لَعَلَّكُمْ تخلدون}
وَالتَّاسِع: الرِّضَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي المزمل: {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ فاتخذه وَكيلا} .
والعاشر: الْعَصْر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي النَّحْل: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} .
(51 - بَاب الْأَذَى)
 
(22 / ب) الْأَذَى: اسْم [لما] يجدد كَرَاهِيَة قد يحْتَمل مثلهَا، وَقد لَا يحْتَمل. يُقَال: آذيت فلَانا، أوذيه، أذية وأذى. الآذي: موج الْبَحْر. وَإِذا: كلمة لمستقبل الزَّمَان. وَيُقَال: بعير أذ على فعل، وناقة أذية: إِذا كَانَت لَا تقر فِي مَكَان من غير وجع.
ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْأَذَى فِي الْقُرْآن على عشرَة أوجه: -
أَحدهَا: الْعِصْيَان. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {إِن الَّذين يُؤْذونَ الله وَرَسُوله لعنهم الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} .
وَالثَّانِي: الْمَنّ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {قَول مَعْرُوف ومغفرة خير من صَدَقَة يتبعهَا أَذَى} .
(1/161)
 
 
وَالثَّالِث: الْقمل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} .
وَالرَّابِع: الشدَّة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر} ، أَي: شدَّة من مطر.
وَالْخَامِس: الْقَذْف بِالْغَيْبِ. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِين آذوا مُوسَى} .
وَالسَّادِس: شغل الْقلب. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: {إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم} .
وَالسَّابِع: الشتم. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: {لن يضروكم إِلَّا أَذَى} .
وَالثَّامِن: ال