أصول الفقه لابن مفلح 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: أصول الفقه
المؤلف: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي (المتوفى: 763هـ)
عدد الأجزاء: 4
وعند أبي الخطاب (1): يعم -وفي كلام القاضي (2) والآمدي (3) ما يوافقه- ككلام الشارع، والأصل عدم البداء، ولأنه كجواز ورود النسخ، ولا يمنع القياس.
قالوا: "حرمت الخمر لإِسكاره" كـ"حرمت كل مسكر".
رد: دعوى بلا دليل، ثم: لو كان عتق من سبق.
فإِن قيل: لأنه حق آدمي، فوقف على الصريح.
رد: دعوى، ثم: يلزم التعارض، وهو خلاف الأصل، ثم: الظاهر فيه (4) كالصريح.
قالوا: قوله لابنه: "لا تأكله؛ لأنه مسموم" يتعدى.
رد: لقرينة شفقة الأب، والأحكام يجمع فيها بين مختلفين، ويفرق بين متماثلين؛ لأن المصلحة إِن اعتبرت (5) فقد تختلف بالأوقات.
وألزم ابن عقيل بالزمان.
قالوا: إِن لم يعم فلا فائدة.
رد: فائدته تعقّل المعنى -فإِنه أدعى إِلى القبول- ونفي الحكم عند عدمه.
__________
(1) انظر: التمهيد / 154 ب.
(2) انظر: العدة/ 212 ب.
(3) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 18.
(4) يعني: في العتق.
(5) في (ب): اعتبر.
(3/1346)
 
 
قالوا: كالتنبيه.
رد: إِنما فهم فيه لقرينة إِكرام الوالدين.
قالوا: كقوله: "الإِسكار علة التحريم" (1).
رد: (2): حكم بالعلة على مسكر، فلا أولوية (3)؛ لتساوي (4) نسبتها إِلى الجميع (5)
واعتمد في التمهيد (6) على قوله: أوجبت أكل السكر كل يوم؛ لأنه حلو. كذا قال.
وقال بعض أصحابنا (7): وفيه نظر؛ لأنه يبطل إِيجاب السكر.
احتج البصري (8): بأن من ترك رمانه لحموضتها لزمه التعميم، بخلاف صدقته على فقير.
رد: لا يلزمه.
__________
(1) في (ظ): للتحريم.
(2) نهاية 407 من (ح).
(3) يعني: للخمر.
(4) نهاية 206 أمن (ب).
(5) يعني: الخمر والنبيذ.
(6) انظر: التمهيد / 154أ.
(7) انظر: المسودة/ 391.
(8) انظر: المعتمد/ 754.
(3/1347)
 
 
ثم: لقرينة الأذى، ولا قرينة في الأحكام (1).
احتج من قصره: باحتماله الجزئية.
رد: ظاهر اقتصار الشارع عليه استقلاله، فلا يُترك باحتمال.
 
مسألة
الحكم المتعدي إِلى (2) الفرع بعلة منصوصة مراد بالنص، كعلة مجتَهَدٍ فيها: فرعها مراد بالاجتهاد؛ لأن الأصل مستتبع لفرعه، خلافا لبعضهم. ذكره أبو الخطاب (3).
قال بعض أصحابنا (4): كلامه يقتضي أنها مستقلة، قال: وهي عندي مبنية على المسألة قبلها، قال: وذكر القاضي أعم من ذلك، فقال: الحكم بالقياس على أصل منصوص عليه (5) مراد بالنص الذي في الأصل، خلافا لبعض المتكلمين.
 
مسألة
يجري القياس في الكفارات والحدود والأبدال والمقدرات عند أصحابنا
__________
(1) فقد تختص ببعض المحال لأمر لا يدرك.
(2) نهاية 140أمن (ظ).
(3) انظر: التمهيد / 155أ، والمسودة/ 386.
(4) انظر: المسودة/ 386.
(5) يعني: وإن لم ينص على العلة.
(3/1348)
 
 
والشافعية والأكثر -وأومأ إِليه أحمد (1) - خلافا للحنفية (2)، مع تقديرهم (3) الجمعة بأربعة، وخرق الخف بثلاث أصابع قياسًا.
 
وفي الانتصار (4) -في مسألة الموالاة-: "شروط الطهارة لا مدخل للقياس فيها؛ لعدم فهم معناها"، ثم سلّم.
لنا: عموم دليل كون القياس حجة، وقوله: "إِذا سكر هذى"، وكبقية (5) الأحكام.
قالوا: فهم المعنى شرط.
رد: الفرض فهمه، كالقتل بالمثقل وقطع النبَّاش.
قالوا: فيه شبهة، والحد يُدرأ بها.
رد: بخبر الواحد والشهادة.
 
مسألة
يجرى القياس في الأسباب عند أصحابنا وأكثر الشافعية (6).
__________
(1) انظر: العدة/ 218 ب، والمسودة/ 399.
(2) انظر: تيسير التحرير 4/ 103، وفواتح الرحموت 2/ 317.
(3) انظر: الهداية 1/ 28 - 29، 83، وبدائع الصنائع/ 105، 680 - 681.
(4) انظر: الانتصار 1/ 61أ.
(5) نهاية 206 ب من (ب).
(6) انظر: المحصول 2/ 2/ 465، والإِحكام للآمدي 4/ 65، ونهاية السول 3/ 33.
(3/1349)
 
 
ومنعه الحنفية (1)، واختاره الآمدي (2) وغيره.
وفي المغني (3) -في مسألة اللوث (4) -: لا يجوز القياس في المظان؛ لأنه جمع بمجرد الحكمة، وإنما يتعدى الحكم بتعدى سببه.
القائل بالأول: إِطلاق الصحابة، وقول علي: "إِذا سكر افترى"، ولإِفادته للظن.
وأيضاً: لصحة التعليل بالحكمة أو ضابطها.
رد: ذلك مستقل بثبوت الحكم، والوصف الذي جُعل سببا للحكم مستغنى عنه.
وقد (5) يجاب: بأنه لا يمنع الجواز.
القائل (6): ثبت القتل بالمثقل سببا كالمحدد، واللواط سببا كالزنا، وفحو ذلك.
__________
(1) انظر: فواتح الرحموت 2/ 319.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 65.
(3) انظر: المغني 8/ 494.
(4) اللوث: العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعَى عليه، كنحو ما بين القبائل والأحياء. وقيل: اللوث: ما يغلب على الظن صدق المدعي، فتكون العداوة صورة من صوره. انظر: المغني 8/ 491 - 493.
(5) نهاية 408 من (ح).
(6) في (ح) و (ظ): القائل بالثاني: ثبت ... إِلخ. والذي يظهر: أن هذا تابع لدليل القائل بالأول. وانظر: الإِحكام للآمدي 4/ 66، وشرح العضد 2/ 256.
(3/1350)
 
 
رد: السبب واحد، وهو القتل العمد العدوان، وإيلاج فرج في فرج.
 
مسألة
يجوز عند أصحابنا والجمهور ثبوت الأحكام كلها بتنصيص من الشارع؛ لا بالقياس؛ لأنه لا بد له من أصل، ولأن فيها (1) ما لا يعقل معناه.
قالوا: متماثلة يجمعها (2) حد الحكم، فتتساوى (3) فيما جاز (4) على بعضها (5).
رد: قد يجوز باعتبار خصوصيته.
قالوا: الحوادث لا تتناهي، فكيف تنطبق عليها نصوص (6) متناهية؟.
رد: بل متناهية (7)؛ لتناهي التكليف بالقيامة.
ثم: يجوز أن يحدث نصوص لا تتناهى.
 
مسألة
النفي: إِن كان أصليا جرى فيه قياس الدلالة -وهو الاستدلال
__________
(1) يعني: في الأحكام.
(2) في (ح): فيجمعها.
(3) في (ح): فيتساوى.
(4) في (ظ): ونسخة في هامش (ب): زاد.
(5) وهو القياس، فقد جاز على بعضها.
(6) نهاية 140 ب من (ظ).
(7) يعني: الحوادث متناهية.
(3/1351)
 
 
بانتفاء (1) حكم شيء على انتفائه عن مثله، فيؤكَّد به الاستصحاب- وإلا جرى فيه القياسان؛ لأنه حكم شرعي كالإِثبات.
* * *
ويستعمل القياس على وجه التلازم؛ فيجعل حكم الأصل في الثبوت ملزومًا، وفي النفي نقيضه لازما، نحو: "لما وجبت زكاة مال البالغ للمشترك بينه وبين مال الصبي وجب (2) فيه"، و"لو وجبت في حلي وجبت في جوهر قياسا، واللازم منتف، فينتفي ملزومه".
* * *
 
الاعتراضات على القياس
خمسة وعشرون:
الاستفسار: وهو طلب معنى لفظ المستدل؛ لإِجماله أو غرابته.
وبيانهما على المعترض باحتماله أو بجهة الغرابة بطريقة؛ لأن الأصل عدمهما (3).
ولا يلزمه (4) بيان تساوي الاحتمال، لعسره.
__________
(1) نهاية 207 أمن (ب).
(2) كذا في النسخ. ولعلها: وجبت.
(3) يعني: الإِجمال والغرابة.
(4) يعني: المعترض.
(3/1352)
 
 
ولو قال: "الأصل عدم مرجح (1) " فقيل: جيد.
وقيل: لا؛ لأنه سلّمه لما سلم الاستعمال، والأصل عدم الاشتراك.
رد: لا ينحصر سبب (2) الإِجمال في الاشتراك.
ثم: جواب المستدل: منع احتماله، أو بيان ظهوره في مقصوده بنقل أو عرف أو قرينة، أو تفسيره إِن تعذر إِبطال غرابته.
ولو قال: "يلزم ظهوره في أحدهما -دفعا للإِجمال (3) - أو فيما قصدتُه؛ لعدم ظهوره في الآخر اتفاقًا" كفى، بناء على أن المجاز أولى (4).
ولا يعتد بتفسيره بما لا يحتمله لغة.
* * *
فساد الاعتبار: وهو مخالفة (5) القياس نصا (6).
وجوابه: بضعفه، أو منع ظهوره، أو تأويله، أو القول بموجَبه، أو معارضته بمثله ليسلم القياس، أو يبين ترجيحه على النص بما سبق (7) (8) في خبر الواحد.
__________
(1) يعني: التزم التساوي تبرعًا، وبين التساوي بأن الأصل عدم مرجح.
(2) في (ح): بسبب.
(3) وهو خلاف الأصل.
(4) لأنه يلزم أن يكون مجازاً في الآخر، لكن المجاز أولى من الإجمال.
(5) نهاية 409 من (ح).
(6) يعني: مخالفته لنص.
(7) في ص 632 - 633.
(8) نهاية 207 من (ب).
(3/1353)
 
 
وفي الواضح (1): منه اعتبار ما بناؤه على التوسعة أو (2) التضييق بالآخر، أو الابتداء بالدوام، أو الرق بالعتق، أو العتق بالبيع، أو المرأة بالرجل في القتل بالردة مع اختلافهما في كفر أصلي (3).
* * *
فساد الوضع: وهو اعتبار الجامع في نقيض الحكم.
كقول شافعي في مسح الرأس: مسح، فَسُنَّ تكراره كالاستنجاء.
فيعترض: بكراهة تكرار مسح الخف.
وجواب المستدل: ببيان المانع؛ لتعرضه لتلفه (4).
وسؤال فساد الوضع نقض خاص (5)؛ لإِثباته نقيض الحكم.
فإِن ذكر المعترض نقيض الحكم مع أصله -فقال: لا يسن تكرار مسح الرأس كالخف- فهو القلب، لكن اختلف أصلهما (6).
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 187 ب- 188أ.
(2) في (ظ): والتضييق.
(3) يعني: هذا الاعتبار يعترض عليه لفساده؛ لمخالفة ما بني على التوسعة لما بني على التضييق، ومخالفة الابتداء للدوام؛ لأن الدوام أقوى، والابتداء أضعف، فلا يعتبر أحدهما بالآخر ... إِلخ.
(4) يعني: تلف الخف.
(5) نهاية 141 أمن (ظ).
(6) ففي القلب يثبت نقيض الحكم بأصل المستدل، وفي فساد الوضع يثبت بأصل آخر.
(3/1354)
 
 
وإن بين المعترض مناسبة الجامع للنقيض ولم يذكر أصله: فإِن بَيّنها من جهة دعوى المستدل فهو القدح في المناسبة، وإلا لم يقدح؛ لجواز أن للوصف جهتين، كمحل مشتهى: يناسب حلّه لإِراحة القلب، وتحريمه لكف النفس.
وفسر أبو محمَّد البغدادي فسماد الوضع بجعله القياس دليلاً على منكره، فيمنعه، وجوابه: بيان كونه حجة، وَرَدَّ التفسير السابق إِلى القلب.
* * *
 
منع حكم الأصل:
ولا ينقطع بمجرده عند أصحابنا والأكثر، فيدل عليه، كمنع (1) العلة أو وجودها، فإِنه (2) إِجماع (3)، ذكره الآمدي (4).
وقيل: ينقطع؛ لانتقاله، واختاره أبو إِسحاق الإِسفراييني (5) مع ظهور المنع.
واختار الغزالي (6): اتباع عُرْف المكان (7).
__________
(1) يعني: كمنع علية العلة أو منع وجودها. وفي (ظ): "منع" بعد أن مسحت الكاف.
(2) يعني: إِثباتها بدليل.
(3) ولا يعد المنع قطعاً له.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 75، ومنتهى السول له 3/ 40.
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 75 - 76.
(6) انظر: المستصفى 2/ 349، والإحكام للآمدي 4/ 76.
(7) فإِن عدوه قطعا فقطع، وإلا فلا؛ لأنه أمر وضعي لا مدخل فيه للشرع والعقل.
(3/1355)
 
 
واختار صاحب التنبيه الشافعي (1): لا يُقبل (2) منعه، فلا يلزمه يدل عليه. كذا قال. (3)
قال في الواضح (4): فإِن اعترض على حكم الأصل بأني لا أعرف مذهبي فيه: فإِن أمكن المستدل بيانه، وإلا دل على إِثباته (5).
ثم: أصح القولين: لا ينقطع المعترض بمجرد دلالة المستدل، فله الاعتراض، وليس بخارج عن المقصود الأصلي.
قال أصحابنا (6) والشافعية وغيرهم: للمستدل أن يحتج بدليل عنده
__________
(1) هو: أبو إِسحاق جمال الدين إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروز آبادي، فقيه أصولي متقن في علوم شتى، توفي سنة 476 هـ.
من مؤلفاته: المهذب، والتنبيه -وهما في الفقه- واللمع، وشرحه، والتبصرة، وهي في أصول الفقه.
انظر: المنتظم 9/ 7، وتهذيب الأسماء واللغات 1/ 2/ 172، ووفيات الأعيان 1/ 9, وطبقات الشافعية للسبكي 4/ 215، وشذرات الذهب 3/ 349.
وكتابه "التنبيه" من أهم المختصرات الفقيه في المذهب الشافعي، وهو مطبوع. انظر: الإِمام الشيرازي -حياته وآراؤه الأصولية- ص 168.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 76، والمنتهى لابن الحاجب/ 143.
(3) نهاية 208 أمن (ب).
(4) انظر: الواضح 1/ 170 ب.
(5) يعني: حكم الأصل.
(6) انظر: المسودة/ 439 - 440.
(3/1356)
 
 
فقط كمفهوم وقياس، فإِن منعه خصمه دَلَّ عليه ولم ينقطع، خلافا لأبي علي الطبري الشافعي إِن كان الأصل خفيا.
وأطلق أبو محمَّد البغدادي المنع عن قوم.
وليس للمعترض أن يلزمه ما يعتقده هو فقط (1)، ولا أن يقول: "إِن سلمتَه وإلا دللتُ عليه"، خلافا لبعض الشافعية (2)، (3) قال: لأنه بالمعارضة كالمستدل.
وقال بعض أصحابنا (4): لم ينقع واحد منهما، فيكون الاستدلال في مهلة النظر في المعارِض.
* * *
التقسيم: وارد عندنا وعند الأكثر.
وهو: احتمال لفظ المستدل لأمرين أحدهما ممنوع.
وبيانه على المعترض كالاستفسار.
مثاله -في الصحيح في الحضر (5) -: وُجِد السبب بتعذر الماء، فجاز التيمم.
__________
(1) ولا يعتقده المستدل.
(2) انظر: المسودة/ 440.
(3) نهاية 410 من (ح).
(4) انظر: المسودة/ 440 قال: والتحقيق أن المستدل إِن أمكنه من ذلك وأجاب انقطع المعترض، وإن لم يمكنه لم ينقطع واحد منهما.
(5) يعني: إِذا لم يجد الماء.
(3/1357)
 
 
فيقول المعترض: السبب تعذره مطلقًا، أو في سفر أو مرض (1)، الأول ممنوع.
فهو منع بعد تقسيم.
وجوابه: كالاستفسار.
ولو ذكر (2) المعترض احتمالين لم يدل عليهما لفظ المستدل -كقول المستدل (3): "وُجِد سبب استيفاء القصاص (4) [فيجب] (5) "، فيقول: متى (6)، مع مانع الالتجاء إلى الحرم أو عدمه؟ الأول ممنوع- فإن أورده على لفظ المستدل لم يقبل؛ (7) لعدم تردد لفظ السبب بين الاحتمالين، وإن أورده على دعواه الملازمة بين الحكم ودليله فهو مطالبة بنفي المانع، ولا يلزم المستدل.
وإن استدل المعترض مع ذلك (8) على وجود المعارِض فمعارضة.
* * *
__________
(1) يعني: تعذره في سفر أو مرض.
(2) نهاية 141 ب من (ظ).
(3) في مسألة الملتجئ إِلى الحرم.
(4) وهو القتل العمد العدوان.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ب).
(6) يعني: متى كان سببا؟
(7) نهاية 208 ب من (ب).
(8) في (ح): دليل.
(3/1358)
 
 
منع وجود ما ادعاه المستدل علة في الأصل: كقوله في الكلب: حيوان يُغسل من ولوغه سبعا، فلا يطهر بالدباغ كالخنزير.
فيمنع (1).
وجوابه: ببيانه بدليله من عقل أو حس أو شرع بحسب حال الوصف.
وله (2) تفسير لفظه بمحتمل.
وذكر الآمدي (3) عن بعضهم: "يُقبل بما له وجود في الأصل ولو لم يحتمله"، وليس بشيء.
* * *
منع كونه علة: وهو أعظم الأسئلة؛ لعموم وروده وتشعب مسالكه، قاله الآمدي (4).
ويقبل عندنا وعند الأكثر؛ لئلا يحتج المستدل بكل طرد، وهو لعب، ولأن الأصل عدم دليل القياس، خُولف فيما نقل عن الصحابة أو أفاد الظن.
وليس (5) القياس رد فرع إِلى أصل بجامع ما، بل بجامع مظنون.
__________
(1) يعني: يمنع أن الخنزير يغسل من ولوغه سبعا.
(2) يعني: للمستدل.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 81.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 82.
(5) هذا جواب دليل مقدر.
(3/1359)
 
 
وليس عجز المعارض دليل صحته؛ للزوم صحة كل صورةِ دليلٍ لعجزه (1).
وجوابه: ببيانه بأحد مسالك العلة السابقة (2).
* * *
عدم التأثير:
قال بعض أصحابنا (3): ولا يؤثر في قياس الدلالة على الصحيح فيه -وقاله ابن عقيل (4) - لأنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول، وذكره في الانتصار في مسألة عدالة الشهود والنكاح بلفظ الهبة.
وقال أيضًا: لا يرد على القياس النافي للحكم؛ لتعدد سبب انتفائه لعدم العلة أو جزئها، (5) أو وجود مانع أو ذوات شرط، بخلاف سبب ثبوته؛ (6) لأن عدم التأثير إِنما يصح إِذا لم يخلف العلة علة أخرى، ولأنه يرجع إلى قياس الدلالة، والقاضي يفسد كثيراً (7) الجمع والفرق بعدم التأثير في النفي، وهو
__________
(1) يعني: لعجز المعارض.
(2) في ص 1257 وما بعدها.
(3) انظر: انظر: المسودة/ 420، 422.
(4) انظر: الواضح 1/ 175 ب، والجدل على طريقة الفقهاء/ 56.
(5) نهاية 209أمن (ب).
(6) نهاية 411 من (ح).
(7) في (ب) و (ظ): كثير الجمع.
(3/1360)
 
 
ضعيف، كالفرق في لبن الآدميات بين الحية والميتة بالنجاسة، فيقول: "لا تأثير لهذا؛ فإِن لبن (1) الرجل والصيد طاهر، ولا يجوز بيعه"، وكالفرق بين اللبن وبين الدمع والعرق بعدم المنفعة، فيقول: "الوقف وأم الولد فيه منفعة، ولا يجوز بيعه".
وقسم الجدليون عدم التأثير أربعة أقسام:
عدم التأثير في الوصف: مثاله: الصبح صلاة لا تقصر، فلا يقدم أذانها على وقتها كالمغرب.
فعدم القصر هنا طردي (2)، فيرجع إِلى سؤال المطالبة (3) قبله.
الثاني: عدم التأثير في الأصل؛ لثبوت حكمه بدونه.
مثاله في بيع الغائب: مبيع غير مرئي، فبطل كالطير في الهواء.
فالعجز عن التسليم مستقل (4).
وقبوله وردُّه مبني على تعليل الحكم بعلتين.
ولم يقبله أبو محمَّد البغدادي (5) بناء على هذا.
__________
(1) نهاية 142 أمن (ظ).
(2) لا أثر له في عدم تقديم الأذان.
(3) يعني: المطالبة بكون الوصف علة.
(4) يعني: كاف في عدم صحة بيع الطير، فكونه غير مرئي وإن ناسب نفي الصحة فلا تأثير له.
(5) انظر: المسودة/ 421.
(3/1361)
 
 
وقبله في الروضة (1) وغيرها.
وهو معارضة في الأصل (2).
الثالث: عدم التأثير في الحكم (3):
مثاله في المرتدين: مشركون أتلفوا مالا في دار الحرب، فلا ضمان كالحربي.
فـ "دار الحرب" طردي، فيرجع إِلى الأول.
ومثَّله بعض أصحابنا (4) بقولنا في تخليل الخمر: مائع لا يطهر بالكثرة، فلا يطهر بالصنعة كالدهن واللبن.
فقيل للقاضي (4): قولك: "لا يطهر بالصنعة" لا أثر (5) له في الأصل (6).
فقال: هذا (7) حكم العلة، والتأثير يعتبر في العلة دون الحكم.
__________
(1) انظر: روضة الناظر/ 249.
(2) يعني: بإِبداء علة أخرى.
(3) وهو: أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير له في الحكم المعلَل. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 85.
(4) انظر: المسودة/ 420 - 421.
(5) نهاية 209 ب من (ب).
(6) يعني: فإنه لا يطهر بالصنعة ولا بغيرها.
(7) يعني: قولنا: لا يطهر بالصنعة.
(3/1362)
 
 
قال بعض أصحابنا (1): هذا ضعيف، وذكر أبو الخطاب (2) فيه مذهبين، ومثَّله بهذا.
الرابع: عدم التأثير في الفرع (3):
مثاله: زوجت نفسها، فبطل، كما لو زوجت بلا كفء.
وتزويجها نفسها مطلقًا لا أثر له في الأصل (4)، فيرجع إِلى الثاني (5).
قال الآمدي (6): عدم التأثير في محل النزاع، كـ "زوجت نفعسها بلا كفء فبطل"، فرده قوم؛ لمنعهم جواز الفرض في الدليل، وقَبِله من لم يمنعه، وهو المختار، ومع ذلك كله فالوصف قد يفيد لقصد دفع النقض أو لقصد الفرض (7) في الدليل. كذا قال.
وقال بعض أصحابنا (8): يجوز الفرض في بعض صور المسألة المسئول عنها عند عامة الأصوليين.
__________
(1) انظر: المسودة/ 421.
(2) انظر: التمهيد/ 174أ.
(3) وهو: أن يكون الوصف المذكور في الدليل لا يطرد في جميع صور النزاع وإن كان مناسبًا. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 86.
(4) انظر: حاشية التفتازاني على شرح العضد 2/ 266.
(5) وهو: عدم التأثير في الأصل.
(6) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 86.
(7) يعني: فلا يكون عدم التأثير.
(8) انظر: المسودة/ 425.
(3/1363)
 
 
وكذا (1) في الروضة (2): له أن يخص الدليل، فيفيد لغرض الفرض ببعض صور الخلاف، إِلا أن يعم الفتيا فلا (3).
وقال أبو محمَّد البغدادي (4): المختار مطابقة الجواب للسؤال، ويجوز أعم، وإن كان أخص: فمنع ابن فورك الفرض في الجواب والدليل، وجوزه غيره، مثل: السؤال (5) عن فسخ النكاح بالعيوب الخمس (6)، فيفرض في واحد منها؛ لأن الدليل قد يساعده في الرتق دون غيره، فله غرض صحيح، وجوز قوم الفرض في الدليل لا الجواب؛ ليطابق، وهو خطأ. ومن جوز الفرض اختلفوا في وجوب بيان (7) ما خرج عنه عليه، ثم اختلف الباقون في كيفية البناء، والمختار: جواز الفرض من غير بناء، وعليه الاصطلاح (8)؛ لإِرفاق (9) المستدل وتقريب الفائدة. هذا كلامه.
__________
(1) نهاية 412 من (ح).
(2) انظر: روضة الناظر/ 349.
(3) لأنه لا يفي بالدليل على ما أفتى به.
(4) انظر: المسودة/ 425.
(5) نهاية 142 ب من (ظ).
(6) كذا في النسخ. ولعلها: الخمسة.
(7) كذا في النسخ. ولعلها: بناء.
(8) في (ح) و (ظ) ونسخة في هامش (ب): الاصلاح.
(9) نهاية 210 أمن (ب).
(3/1364)
 
 
وعندنا (1) وعند الأكثر: إِن أتى بما لا أثر له في الأصل -لقصد دفع النقض- لم يجز.
وفي مقدمة المجرد (1): يحتمل أن لا يجوز، ويحتمل أن يجوز؛ لأنه محتاج إِليه كتعليق الحكم بالوصف المؤثر.
وذكر أبو المعالي (2): أنه أجازه من صحح العلة بالطرد، وبعضهم مطلقًا، ثم اختار تفصيلاً.
وفي التمهيد (3): ان أتى في العلة بما لا أثر له، نحو: "الجمعة صلاة مفروضة، فلم تفتقر إِلى إِذن كغيرها": فـ "مفروضة" قيل: يضر دخوله؛ لأنه بعض (4) العلة، وقيل: لا، فإِن فيه تنبيها على أن غير الفرض أولى أن لا يفتقر، ولأنه يزيد تقريبه (5) من الأصل (6)، فالأولى ذكره.
وِإن أتى به تأكيدا فكلامه (7) يقتضي منعه، بخلافه لزيادة بيان.
__________
(1) انظر: المسودة/ 428.
(2) انظر: البرهان/ 797 - 798.
(3) انظر: التمهيد/ 174 أ.
(4) كذا في النسخ. ولعل الصواب: لأنه نقص العلة. فقد قال في التمهيد: لأنه نقص العلة بعد أن كانت تامة؛ لأن قوله: "صلاة" يعم الفرائض والنوافل، فإِذا قال: "مفروضة" أخرج النوافل وأوهم.
(5) انظر: التمهيد/ 174أ، والمسودة/ 429.
(6) لأنه يكثر ما يجتمعان فيه.
(7) انظر: التمهيد/ 174أ، والمسودة/ 429.
(3/1365)
 
 
ويقتضي كلام ابن عقيل (1) [أن] (2) له ذكره تأكيدا أو لتأكيد العلة، فيتأكد الحكم، وللبيان ولتقريبه من الأصل، وقال (3): إِن جعل الوصف مخصصا لحكم العلة -كتخليل الخمر: "مائع لا يطهر بكثرة، فكذا بصنعة آدمي كخل نجس"، فلا (4) يطهر الأصل مطلقًا- فصححه (5) بعض الجدليين وبعض الشافعية؛ لأن الأثير يطالب به في العلة لا الحكم، وقيل: الحكم عدم الطهارة، وتعلقه بالصنعة من العلة (6)، فيجب بيان تأثيره، قال (7): وهذا أصح.
* * *
القدح في مناسبة الوصف بما يلزم من مفسدة راجحة أو مساوية:
وجوابه: بالترجيح (8)، كما سبق (9) في انخرام المناسبة.
* * *
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 178 ب.
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(3) انظر: الواضح 1/ 177 ب-178 أ.
(4) يعني: فيقول المعترض: لا تأثير لقولك: "بصنعة" في الأصل. لأنه لا يطهر بصنعة ولا بغيرها.
(5) يعني: ولم يصحح السؤال.
(6) يعني: من تمامها.
(7) انظر: الواضح 1/ 178 أ.
(8) في (ب): وبالترجيح.
(9) في ص 1284 - 1286.
(3/1366)
 
 
القدح في إِفضاء الحكم إِلى ما علّل به من المقصود: كتعليله حرمة المصاهرة أبدا بالحاجة إِلى رفع الحجاب المؤدي (1) إِلى الفجور، فإِذا تَأَبَّد انسد باب الطمع في مقدمات الهمّ بها ونظره إِليها.
فيعترض: بأن سَدَّه أفضى إِلى الفجور؛ (2) لميل النفس إِلى الممنوع.
وجوابه (3): بأن التأبيد يمنع عادة منه؛ لأنه يصير طبيعيا كالأمهات.
* * *
كون الوصف خفيا: كتعليله صحة النكاح بالرضا، ووجوب القود بالقصد.
فيعترض: بأنه خفي، والخفي لا يعرِّف الخفي.
وجوابه: ضبطه بما يدل عليه من صيغة -كإِيجاب وقبول- أو فعل.
* * *
كونه غير منضبط: كتعليله بالحِكَم والمقاصد، كتعليله رخص السفر بالمشقة، وقطع السارق بالزجر.
فيعترض: باختلافها (4) بالأشخاص والأزمان والأحوال.
__________
(1) نهاية 210 ب من (ب).
(2) نهاية 413 من (ح).
(3) نهاية 143أمن (ظ).
(4) في (ظ): باختلافهما.
(3/1367)
 
 
وجوابه: ببيان أنه منضبط بنفسه، أو بضابط للحكمة (1) كضبط الحرج بسفر أو مرض.
* * *
النقض: سبق (2) (3) بيانه والخلاف في إِبطال العلة به.
مثاله -في الحلي-: مال غير نام، فلا زكاة، كثياب البذلة (4).
فيعترض: بالحلي المحرم (5).
وجوابه: منع وجود العلة في صورة النقض، أو منع الحكم فيها.
وليس للمعترض الدلالة على وجود العلة فيها؛ لقلب القاعدة بجعله مستدلا، والمستدل معترضا، ذكره في الروضة (6)، وذكره القاضي (7) وأبو الطيب (7) الشافعي إِلا أن يبين (8) مذهب المانع.
وقيل: له ذلك؛ لتحقيق تمام سؤاله ومقصود النظر، وإنما يتقرر المنع بالدلالة،
__________
(1) في (ب): للحكم.
(2) في (ظ): ما سبق.
(3) في ص 1220.
(4) ثياب البذلة: ما يمتهن من الثياب. انظر: الصحاح/ 1632، ولسان العرب 13/ 52.
(5) فإنه غير نام، وتجب فيه الزكاة.
(6) انظر: روضة الناظر / 342.
(7) انظر: المسودة/ 437.
(8) في (ب) و (ظ): إلا أن يبين فيه مذهب المانع. وانظر: المسودة/ 437.
(3/1368)
 
 
واختاره الآمدي (1) إِن تعذر الاعتراض بغيره، واختاره بعضهم إِن لم يكن له طريق أولى بالقدح.
ومنعه بعضهم في الحكم الشرعي؛ لأن للمستدل فيه أن (2) يجيبه بتخلف الحكم لمانع أو انتفاء شرط جمعا بين الدليلين؛ بخلاف الحكم العقلي.
وكذا ذكر أبو محمَّد البغدادي: له الجواب بجواز تخلف الحكم فيها لمانع أو انتفاء شرط، وإن قيل: "انتفاء الحكم مع علته خلاف الأصل"، قيل: "وانتفاؤها (3) مع دليلها خلاف الأصل"، وهذا أرجح؛ لإِمكان إحالة الحكم على مانع أو انتفاء شرط، فهو ترك للدليل وأخذ بغيره، وإذا لم يعمل بدليل العلة ترك بالكلية من غير عدول إِلى غيره.
قال: وإن أجاب بأن انتفاء الحكم لمانع أو انتفاء شرط لزمه تحقيقه؛ لأنه كان من حقه (4) أن يحترز عنه أولاً، فلزمه ثانيًا.
قال أهل المناظرة -وتبعهم الآمدي (5) وغيره-: ولو دل المستدل على وجود العلة بدليل موجود في صورة النقض (6)، فقال المعترض: "ينتقض
__________
(1) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 89.
(2) نهاية 211أمن (ب).
(3) في (ح): وابتداؤها.
(4) نهاية 414 من (ح).
(5) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 89 - 90.
(6) يعني: ثم نقض المعترض العلة، فقال المستدل: لا أسلم وجودها.
(3/1369)
 
 
دليلك (1) "فقد انتقل (2) من نقض العلة إِلى نقض دليلها، فلا يقبل، كقول حنفي في عدم تبييت (*) النية: "أتى بمسمى الصوم -لأنه إِمساك (3) مع النية- فصح كمحل الوفاق"، فينقض المعترض بالنية بعد الزوال، فيجيبه بمنع وجودها فيه، فيقول: ينتقض دليلك.
وقال بعضهم (4): فيه نظر.
وفي الروضة (5): انتقل، ويكفي المستدل دليل يليق بأصله.
أما لو قال المعترض ابتداء: "يلزمك انتقاض علتك أو دليلها" قُبِل.
ولو منع المستدل تخلف الحكم في صورة النقض ففي تمكين المعترض من الدلالة الخلاف في تمكينه يدل على وجود العلة فيها.
وذكر ابن برهان (6): إِن منع الحكم انقطع الناقض، وإن منع الوصف فلا، فيدل عليه، وحكاه بعض أصحابنا (6) عن أبي (7) الخطاب وابن عقيل، وعلّله في التمهيد (8): بأنه بيان للنقض لا من جهة الدلالة عليه، فجاز.
....................
__________
(1) لوجوده في محل النقض بدون مدلوله، وهو وجود العلة.
(2) في (ح): انتقض.
(*) في (ح): تبيت.
(3) نهاية 143ب من (ب).
(4) انظر: المنتهى/ 145، ومختصره 2/ 268.
(5) انظر: روضة الناظر/ 343.
(6) انظر: المسودة/ 431.
(7) نهاية 211 ب من (ب).
(8) انظر: التمهيد/ 175أ.
(3/1370)
 
 
ويكفي قول المستدل في دفع النقض: لا أعرف الرواية فيها -ذكره أصحابنا (1) - للشك في كونها من مذهبه.
وفي الواضح (2): لقائل أن يجيب عنه: لا يثبت أنه قياس حتى يعلم سلامته من النقض، بخلاف استصحاب الحال؛ فإِنه تمسك بأصل موضوع، وكذا اختاره بعض الشافعية.
وإن قال: "أنا أحملها على مقتضى القياس، وأقول فيها كمسألة الخلاف" فإِن كان إِمامه يرى تخصيص العلة لم يجز؛ لأنه لا يجب الطرد عنده، وإلا احتمل الجواز -لأنه طرد علته- واحتمل المنع؛ لئلا يثبت لإِمامه مذهبا بالشك، وهو الأظهر عندي، ذكره في التمهيد (3).
وفي الواضح (4): ليس له؛ لأنه إِثبات مذهب بقياس، إِلا أن ينقل عنه أنه علّل بها، فيجريها.
......................
وإن فسر المستدل (5) لفظه بما يدفع النقض -بخلاف ظاهره، كتفسيره العام بالخاص- لم يُقبل، ذكره القاضي (6) وأبو الخطاب (7)
__________
(1) انظر: المسودة/ 435.
(2) انظر: الواضح 1/ 179أ- ب.
(3) انظر: التمهيد/ 175أ.
(4) انظر: الواضح 1/ 179 ب.
(5) نهاية 415 من (ح).
(6) انظر: العدة / 225 ب.
(7) انظر: التمهيد/ 175أ.
(3/1371)
 
 
وابن عقيل (1) وأبو الطيب (2) الشافعي وغيرهم؛ لأنه يزيد وصفا لم يكن، وذكره للعلة وقت حاجته، فلا يؤخر عنه بخلاف تأخير الشارع البيان عن وقت خطابه.
وظاهر كلام بعض أصحابنا: يُقبل وفاقا لبعضهم.
وكذا قال أبو محمَّد البغدادي (3): تفسير اللفظ بما يحتمله.
وإن (4) قال المستدل (5): "عللتُ لما سألتني عنه" فيجعل سؤاله من تمام العلة (6)؛ لوجوب استقلالها فلا تحتاج إِلى قرينة ونية.
...................
وإن أجاب المستدل بالتسوية (7) بين الأصل والفرع (8) لدفع النقض جاز عند القاضي (9) والحلواني (10) والحنفية (11).
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 180 ب- 181أ.
(2) انظر: المسودة/ 430.
(3) انظر: المسودة/ 407.
(4) في (ب) و (ظ): إِن قال.
(5) انظر: المسودة/ 436.
(6) يعني: فلا يجوز؛ لوجوب ... إِلخ.
(7) نهاية 212 أمن (ب).
(8) نهاية 144أمن (ب).
(9) انظر: العدة/ 226 ب.
(10) انظر: المسودة/ 431.
(11) انظر: أصول السرخسي 2/ 233، 277، 283، وكشف الأسرار 4/ 32، 43،=
(3/1372)
 
 
ومنعه الشافعية (1) وابن عقيل (2) -وذكره عن المحققين، والأول عن أصحابنا- وعلّل باشتراط الطرد.
وأجازه أبو الخطاب (3) إِن جاز تخصيص العلة؛ لأن الطرد ليس بشرط للعلة إِذًا، وإلا لم يجز؛ لاشتراطه، فقد وجد النقض -وهو وجود العلة بلا حكم- في الأصل والفرع.
فإِن قيل: من شرطه (4) أن لا يستوي الأصل والفرع.
رد: باطل.
مثاله -في المسح على العمامة-: عضو يسقط في التيمم، فمسح حائله كالقدم، فينقض: بالرأس في الطهارة الكبرى. فيجيبه: يستوي فيها الأصل والفرع (5).
ومثله: بائن، فلزمها الإِحداد كالمتوفَى عنها، فينقض: بالذمية
__________
=وتيسير التحرير 4/ 9، 117، 138، وفواتح الرحموت 2/ 277، 341، والواضح 1/ 181أ، والمسودة/ 431.
(1) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 266، والمستصفى 2/ 336، والمحصول 2/ 2/ 323، والإِحكام للآمدي 3/ 218، والواضح 1/ 181أ، والمسودة/ 431.
(2) انظر: الواضح 1/ 181 ب.
(3) انظر: التمهيد/ 176أ.
(4) يعني: شرط النقض.
(5) يعني: في عدم المسح.
(3/1373)
 
 
والصغيرة، فيجيبه: بالتسوية (1).
* * *
وليس للمعترض أن يلزم المستدل ما لا يقول به المعترض، كمفهوم وقياس وقول صحابي؛ لأنه احتج واً ثبت الحكم بلا دليل، ولاتفاقهما على تركه؛ لأن أحدهما لا يراه (2) دليلاً، والآخر لَمَّا خالفه دل على دليل أقوى منه، إِلا النقض والكسر على قول من التزمهما؛ لأن الناقض لم يحتجّ بالنقض ولا أثبت الحكم به، ولاتفاقهما على فساد العلة على أصل المستدل بصورة الإِلزام، وعلى (3) أصل المعترض بمحل النزاع، ذكره أصحابنا والشافعية (4) وغيرهم.
وجوز (5) بعض الشافعية (6): معارضته (7) بعلة منتقضة على أصل المعترض، وقاله (8) بعض أصحابنا (9) إِن قصد (10) إِبطال دليل المستدل لا
__________
(1) يعني: في عدم الإحداد.
(2) نهاية 416 من (ح).
(3) في (ح): الالزام على أصل ...
(4) انظر: المسودة/ 432.
(5) في (ح): وجوزه.
(6) انظر: التمهيد / 177 ب، والمسودة / 436.
(7) في (ح): معارضة.
(8) في (ح): وقال.
(9) انظر: المسودة/ 435.
(10) يعني: المعترض.
(3/1374)
 
 
إِثبات مذهبه؛ لأن المستدل إِنا يتم دليله إِذا سلم عن المعارضة (1) (2) والمناقضة، فكيف يلزم به غيره؟.
وقال ابن عقيل: إِن احتج بما لا يراه -كحنفي بخبر واحد فيما تعم به البلوى- فاعترض عليه: "لا تقول به"، فأجاب (3): "أنت تقول به، فيلزمك"، فهذا قد استمر عليه أكثر الفقهاء، وعندي: لا يحسن مثل هذا؟ لأنه -إِذًا- إِنما هو مستدل صورة.
قال: ومن نصر الأول قال: على هذا لا يحسن بنا أن نحتج على نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - بالتوراة والإِنجيل المبدَّلين، لكن نحتج به على أهل الكتاب، لتصديقهم به.
.................
وإن نقض المعترض أو المستدل علة الآخر بأصل نفسه لم يجز عند أصحابنا والشافعية (4)، خلافا للجرجاني (5) الحنفي وبعض الشافعية (6). (7)
__________
(1) من قوله: (وقاله بعض أصحابنا) إِلى قوله: (المعارضة) تكرر في (ب).
(2) نهاية 212 ب من (ب).
(3) في (ح): أجاب.
(4) انظر: المسودة/ 434.
(5) انظر: العدة/ 227أ، والمسودة/ 434.
(6) انظر: المسودة/ 434.
(7) نهاية 144 ب من (ظ).
(3/1375)
 
 
قال ابن الباقلاني (1): له وجه، فإِن (2) سلمه خصمه، وإلا دل عليه.
وقال بعض أصحابنا (3): نقض المعترض بأصل نفسه كقياسه على أصل نفسه، وحاصله (4): أن مقدمة الدليل المعارض ممنوعة، وليس ببعيد، كما يجوز ذلك للمستدل. كذا قال.
..................
ولو زاد (5) المستدل وصفا معهودًا [معروفا (6)] (7) في العلة لم يجز.
ذكره في التمهيد (8) والواضح (9).
ويتوجه احتمال -وفاقا لبعض الجدليين وبعض (10) الشافعية- لأنه تركه سهوا أو سبق لسان (11)، فعذر.
.....................
__________
(1) انظر: العدة/ 227أ، والمسودة/ 432.
(2) في (ب): فإِنه.
(3) انظر: المسودة/ 435.
(4) في (ب): وحاصل.
(5) يعني: بعد أن نقضت علته.
(6) أما إِذا لم يكن معروفا فقد اتفقوا على عدم قبوله.
(7) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح)، وترك مكانه خاليا.
(8) انظر: التمهيد/ 175 ب.
(9) انظر: الواضح 1/ 181 ب، والمسودة/ 431.
(10) نهاية 417 من (ح).
(11) في (ح): لسان سهوا. وضرب في (ب) و (ظ) على: سهوا.
(3/1376)
 
 
وفي قبول النقض بمنسوخ، وبخاص بالنبي عليه السلام: مذهبان في التمهيد (1) والواضح (2).
....................
ولا نقض برخصة ثابتة على خلاف مقتضى (3) الدليل، ذكره جماعة من أصحابنا (4) وغيرهم.
وقال أبو الخطاب (5): "هل تنتقض العلة بموضع الاستحسان؟ يحتمل وجهين"، ومثّله بما إِذا سوى بين العمد والسهو فيما يبطل العبادة (6)، فينقض بأكل الصائم (7).
وفي الواضح (8): عن أصحابنا والشافعية: لا نقض بموضع استحسان، ومثَّل بهذا، ثم قال: يقول المعترض: النص دل على انتقاضه، فيكون آكد للنقض.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 175 ب.
(2) انظر: الواضح 1/ 182أ.
(3) نهاية 213 أمن (ب).
(4) انظر: المسودة/ 437.
(5) انظر: التمهيد / 178أ.
(6) يعني: كالحدث.
(7) فإِنه يبطل عمدا لا سهوا.
(8) انظر: الواضح 1/ 180أ.
(3/1377)
 
 
وعند بعض أصحابنا (1): تنتقض المستنبطة إِن لم يبين مانعا كالنقض بالعرايا في الربا، وإِيجاب الدية على العاقلة؛ لاقتضاء المصلحة الخاصة ذلك، أو لدفع مفسدة آكد كحل الميتة للمضطر إِذا نقض بها علة تحريم النجاسة.
.......................
وهل يجب احتراز المستدل في دليله عن النقض؟
قيل: يجب -اختاره في الواضح (2) والروضة (3) وأبو محمَّد البغدادي، وذكره عن معظم الجدليين- لقربه من الضبط.
وقيل: لا؛ لأن انتفاء المعارض ليس من الدليل؛ لحصول العلم أو الظن بدون التعرض له، ولأن الدليل يتم بدونه إِن (4) لم يكن في نفس الأمر، وإلا ورد وإن احترز عنه اتفاقًا.
ومُنعا (5)، وضُعِّف المنع.
وقيل: يجب إِلا في نقض ورد (6) بطريق الاستثناء.
......................
__________
(1) انظر: المسودة/ 414، 437.
(2) انظر: الواضح 1/ 180أ.
(3) انظر: روضة الناظر/ 342.
(4) في (ظ): وإن.
(5) يعني: الدليلين.
(6) في (ظ): وطرد.
(3/1378)
 
 
وإن احترز عن النقض بشرط ذكره في الحكم نحو: حران مكلفان محقونا الدم، فيجب القود بينهما في العمد كالمسلمين:
فقيل: لا يصح؛ لاعترافه بالنقض، فإِن الحكم يتخلف عن الأوصاف (1) في الخطأ.
وقيل: يصح؛ لأن الشرط المتأخر متقدم (2) في المعنى كتقديم المفعول على الفاعل (3)، اختاره أبو الخطاب (4)، قال: وإن احترز بحذف (5) الحكم لم يصح كقول حنفي في الإِحداد على المطلقة: "بائن كالمتوفى عنها"، ينقض بصغيرة وذمية، فيقول: "قصدت التسوية بينهما"، فيقال: التسوية بينهما حكم، فيحتاج إِلى أصل يقاس عليه.
* * *
الكسر: نقض المعنى، والكلام فيه كالنقض، وقد سبق (6).
....................
__________
(1) نهاية 418 من (ح)، ونهاية 145أمن (ظ).
(2) في (ح): مقدم.
(3) نهاية 213 ب من (ب).
(4) انظر: التمهيد/ 178 ب، 179 أ.
(5) في نسخة في هامش (ظ): بخلاف.
(6) في ص 1227.
(3/1379)
 
 
قال في التمهيد (1): يشبه الكسر من الأسئلة الفاسدة قولهم: لو كان هذا علة في كذا لكان علة في كذا، نحو: لو مَنع عدمُ الرؤية صحة البيع مَنَعَ النكاح.
ويشبه ذلك قولهم: "أخذتَ النفي من الإِثبات أو بالعكس، فلم يجز"، كالقول في الموطوءة مغلوبة: ما فَطَّرها مع العمد لم يفطرها مغلوبة، كالقيء.
وجوابه: يجوز؛ لتضاد (2) حكمهما؛ للاختيار وعدمه، ولهذا: للشارع تفريق الحكم بهما.
ومن ذلك قولهم: "هذا استدلال بالتابع على المتبوع، فلم يجز، بخلاف العكس"، كقولنا في نكاح موقوف: "نكاح لا تتعلق به أحكامه المختصة به (3) كالمتعة"، فيقال: "الأحكام متابعة، والعقد متبوع"، فهذا فاسد بدليل بقية الأنكحة، وتناقضوا؛ فأبطلوا ظهار الذمي ويمينه لبطلان تكفيره، وهو فرع يمينه.
* * *
المعارضة في الأصل بمعنى آخر: مستقل بإِثبات الحكم -كمعارضة علة الطعم في الربا بالكيل- أو غير مستقل، كمعارضة القتل العمد العدوان بوصف الجارح.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 180 أ.
(2) في (ب): كتضاد.
(3) يعني: فكان باطلا.
(3/1380)
 
 
وهذا القسم الثاني مقبول (1) عندنا وعند أكثر الشافعية (2) والجمهور؛ لئلا يلزم التحكم؛ لأن وصف المستدل ليس بأولى بكونه جزءًا أو مستقلاً (3).
فإِن رجّح استقلاله بتوسعة الحكم في الأصل والفرع فتكثر الفائدة: فللمعترض منع دلالة الاستقلال عليها، ثم (4): له معارضته بأن الأصل انتفاء الأحكام، وباعتبارهما معا، فهو أولى.
قالوا: يلزم منه استقلالهما (5) بالعلية، فيلزم تعدد العلة المستقلة.
رد: بالمنع؛ لجواز اعتبارهما معا، كما لو أعطى قريبا عالماً.
ومثَّل في التمهيد (6) المعارضة في الأصل: بأن الذمي يصح طلاقه فصح ظهاره كالمسلم، فيعترض: بصحة تكفيره، فيجيبه: بأنها علة واقفة لا تصح (7)، وإن قال بصحتها قال: "أقول بالعلتين في الأصل، وتتعدى علتي إِلى الفرع"، فإِن قال: "أقررتَ بصحة علتي، فإِن ادعيت علة أخرى لزمك الدليل" قيل: هذا مطالبة بتصحيح العلة، فيجب تقديمه على المعارضة، وإلا
__________
(1) نهاية 214 أمن (ب).
(2) انظر: المنخول/ 416، والإِحكام للآمدي 4/ 93.
(3) نهاية 419 من (ح).
(4) يعني: لو سلم.
(5) في (ظ): استقلالها.
(6) انظر: التمهيد/ 185 ب- 186أ.
(7) نهاية 145 ب من (ظ).
(3/1381)
 
 
خرجت عن مقتضى الجدل. كذا قال.
وقال (1) -وقاله قبله أبو الطيب (2) الشافعي-: إِن عارضه بعلةٍ معلولُها داخل في معلول علته لم يصح، كمعارضة الكيل (3) بالقوت.
ومعنى ذلك كله في الواضح (4).
قال بعض أصحابنا (5): هي كمعارضة متعدية بقاصرة، وهي معارضة صحيحة.
..................
ولا يلزم المعترض بيان نفي وصف المعارضة عن الفرع.
وقيل: يلزمه؛ لأنه قَصَد الفرق، ولا يتم إِلا به.
واختاره الآمدي (6) إِن قَصَد الفرق، وإلا فلا بأن يقول: هو من العلة، فإِن لم يوجد في الفرع ثبت (7) الفرع (8)، وإلا فالحكم فيه بهما.
__________
(1) انظر: التمهيد/ 186 ب.
(2) انظر: المسودة/ 442.
(3) في التمهيد/ 186 ب، والمسودة/ 442: كمعارضة الطعم بالقوت.
(4) انظر: الواضح 1/ 86 ب وما بعدها، 189 ب- 190 أ- ب-194 أ.
(5) انظر: المسودة/ 442.
(6) انظر: الإِحكام للآمدى 4/ 94.
(7) نهاية 214 ب من (ب).
(8) في الإِحكام للآمدي 4/ 94: الفرق.
(3/1382)
 
 
وقيل: إِن صرّح بنفيه لزمه (1).
.....................
ولا يحتاج وصف العارضة إِلى أصل (2) عند أصحابنا والأكثر؛ لأن حاصله نفي حكم الفرع (3) لعدم (4) العلة (5) أو منع المستدل من علته (6)، ولأن (7) أصل المستدل أصله (8).
....................
وجواب المستدل عن المعارضة: بمنع وجود الوصف، أو المطالبة بتأثيره إِن أثبت المعترض عليته (9) بمناسبة أو بشبه لا بسبر، أو بخفائه، أو ليس منضبطا، أو منع ظهوره أو انضباطه، أو أنه عدم معارضٍ في الفرع: كقياس
__________
(1) في (ح): لزمته.
(2) يعني: فيبين تأثير وصفه الذكر أبداه في ذلك الأصل.
(3) يعني: بعلة المستدل.
(4) في (ح): كعدم.
(5) ويكفيه أن لا تثبت عليتها بالاستقلال، ولا يحتاج في ذلك إِلى أن يثبت علية ما أبداه بالاستقلال.
(6) لجواز تأثير ما أبداه، والاحتمال كاف.
(7) في (ح): لأن.
(8) بأن يقول: العلة الطعم أو الكيل أو كلاهما، كما في البر بعينه، فإِذًا: مطالبته بأصل مطالبة له بما قد تحقق حصوله، فلا فائدة فيه.
(9) في (ح): علته.
(3/1383)
 
 
المكره على المختار بجامع القتل، فيعترض: بالطواعية، فيجيب: بأنها عدم (1) الإِكراه، والإِكراه مناسب لعدم القود الذي هو نقيض وجوبه، فالإِكراه معارض في الفرع، فعدمه عدم معارض فيه، فيكون وصفا طرديا.
أو (2) أنه ملغى.
أو (3) أن ما عداه مستقل في صورة بظاهر نص أو إِجماع، كتعليله بالطعم، فيعترض: بالكيل، فيجيب: باستقلاله بقوله: (لا تبيعوا الطعام بالطعام)، وكتعليله حل القتل بتبديل الدين (4)، فيعترض: بتبديل الإِيمان بالكفر بعده، [فيجيب: باستقلاله] (5) بقوله: (من بدّل دينه فاقتلوه) (6).
واكتفى في الروضة (7) وغيرها -في بيان استقلاله- بإِثبات الحكم في
__________
(1) نهاية 420 من (ح).
(2) في (ح): وأنه.
(3) في (ظ): وأن ما عداه.
(4) يعني: في يهودي صار نصرانياً مثلاً.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(6) هذا الحديث رواه ابن عباس مرفوعًا. أخرجه البخاري في صحيحه 4/ 61 - 62، 9/ 15، وأبو داود في سننه 4/ 520، والترمذي في سننه 3/ 9 - 10 وقال: حسن صحيح، والنسائي في سننه 7/ 104، وابن ماجه في سننه/ 848، والطيالسي في مسنده (انظر: منحة المعبود 1/ 296).
وقد أخرجه الطبراني في معجمه الكبير من حديث معاوية بن حيدة مرفوعاً، وفي معجمه الوسط من حديث عائشة مرفوعاً. راجع: نصب الراية 3/ 456.
(7) انظر: روضة الناظر/ 347.
(3/1384)
 
 
صورة دونه؛ لأن الأصل عدم غيره، ويدل عليه عجز المعارض عنه.
وقيل: لا؛ لجواز علة أخرى، ولأجل هذا لو أبدى المعترض وصفا آخر يقوم مقام ما ألغاه المستدل (1) بثبوت (2) الحكم دونه فسد الإِلغاء، ويسمى (3) "تعدد الوضع"؛ لتعدد أصلهما (4)، كقولنا في أمان العبد للكافر: "أمان من مسلم عاقل، فصح كالحر؛ لأنهما (5) مظنتان لإِظهار مصالح الإِيمان (6)، فيعلل بهما"، فيعترض: بالحرية؛ فإِنهما مظنة الفراغ للنظر (7) في المصلحة، فهو أكمل، فنلغيها (8): بعبد أذن له في القتال، فيقول المعترض: قام الإِذن مقام الحرية، فإِنه مظنة لبذل الوسع في النظر، أو مظنة لعلم السيد بصلاحية العبد.
وجواب إفساد الالغاءِ [الالغاءُ] (9) إِلى أن يقف أحدهما.
__________
(1) نهاية 146أمن (ظ).
(2) "بثبوت" جار ومجرور متعلق بـ "ألغاه".
(3) نهاية 215 أمن (ب).
(4) في (ب) و (ظ): أصليهما.
(5) يعني: الإِسلام والعقل.
(6) يعني: بذل الأمان وجعله آمنا.
(7) في (ب): لنظر.
(8) يعني: نلغي الحرية. وفي (ب) و (ح): فيلغيها.
(9) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3/1385)
 
 
ولا يفيد المستدل بيان الإِلغاء لضعف المظنة في صورة بعد تسليمها (1)، كقياس المرتدة على المرتد في حل القتل بجامع الردة، فيعترض: بالرجولية، فإِنها مظنة الإِقدام على القتال، فيلغيها (2): بالمقطوع اليدين (3).
ولا يكفي المستدل رجحان وصفه، خلافا للآمدي (4)؛ لقوة (5) بعض أجزاء العلة كالقتل على العمد العدوان.
أما لو اتفقا على كون الحكم معللا بأحدهما قدم الراجح.
ولا يكفيه كونه متعديًا؛ لاحتمال جزئبة القاصر.
........................
ويجوز تعدد أصول المستدل؛ لأنه يقوى الظن يكون وصفه علة.
وقيل: لا؛ للنشر (6) وحصول المقصود بواحد (7).
فعلى الأول: قيل: يجوز اقتصار المعارضة على أصل واحد لإِبطال ما التزمه المستدل من صحة القياس على الجميع (8).
__________
(1) يعني: المظنة.
(2) يعني: يلغي المستدل الرجولية.
(3) فإِنه يقتل مع ضعف مظنة القتال.
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 96.
(5) في (ظ): كقوة.
(6) نهاية 431 من (ح).
(7) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 95.
(8) في (ح): الجمع.
(3/1386)
 
 
وقيل: لا -وجزم به في الواضح (1) - لحصول مقصوده بصحة قياس واحد، فقيل: يجب اتحاد المعارض في الجميع؛ للنشر (2)، وقيل: لا؛ (3) للتيسير على المعترض، فقيل: للمستدل الاقتصار في جوابه على أصل واحد (4)، وقيل: لا؛ لما سبق (5).
* * *
التركيب: سبق (6) في شروط حكم الأصل.
وذكره في الروضة (7) من الأسئلة الفاسدة، وقال: هو القياس المركب من اختلاف مذهب الخصم، نحو: "البالغة أنثى، فلا تزوج نفسها كابنة خمس عشرة"، فالخصم يعتقد (8): "لصغرها"، فقيل: فاسد؛ لرد الكلام إِلى سن البلوغ (9)، وليس بأولى من عكسه، وقيل: يصح؛ لأن حاصله
__________
(1) انظر: الواضح 1/ 192أ.
(2) يعني: دفعا للنشر. والنشر: انتشار الكلام. انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 95.
(3) نهاية 215 ب من (ب).
(4) إِذ به يتم مقصوده.
(5) من التزام المستدل صحة القياس على الجميع.
(6) في ص 1203.
(7) انظر: روضة الناظر/ 349.
(8) يعني: يعتقد أنها لا تزوج نفسها لصغرها.
(9) يعني: وما مقداره؟.
(3/1387)
 
 
منازعة في الأصل، فيُبطل المستدل ما يدعي المعترض تعليل الحكم به ليسلم ما يدعيه جامعا في الأصل.
واختار بعض أصحابنا (1): الصحة.
وقال أبو محمَّد البغدادي: يرجع إِلى منع الحكم في الأصل أو العلة، ثم: هو غير صحيح (2)؛ لاشتماله على منع حكمٍ على مذهب إِمامٍ نصُّه بخلافه، فلا يجوز.
* * *
التعدية: وهو معارضة وصف المستدل بوصف آخر متعد، مثل: "البكر البالغ بكر، فأجبرت كبكر صغيرة"، فيعترض: بالصغر، وتعديه إِلى الثيب الصغيرة يرجع بالاعتراض إِلى المعارضة في الأصل.
قال الآمدي (3): اختلف فيه، والحق: "لا يخرج عنها (4) "، ولا أثر لزيادة التسوية في التعدية، خلافا للداركي (5).
__________
(1) انظر: البلبل/ 172.
(2) نهاية 146 ب من (ظ).
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 101.
(4) يعني: عن المعارضة في الأصل.
(5) هو: أبو القاسم عبد العزيز بن عبد الله بن محمَّد، أحد أئمة المذهب الشافعي، فقيه مؤرخ، توفي سنة 375 هـ. من مؤلفاته: تاريخ نيسابور.
انظر: تاريخ بغداد 10/ 463، والعبر 2/ 370، وطبقات الشافعية للسبكي 3/ 330، وطبقات الفقهاء للشيرازي/ 297.
(3/1388)
 
 
منع وجود وصف المستدل في الفرع: مثل: "أمان من أهله كالعبد المأذون"، فيمنع المعترض الأهلية في غير المأذون، فيجيب المستدل: ببيان وجود ما عناه بالأهلية في الفرع، كجواب منع وجود (1) الوصف المدعَى علة في الأصل.
ويمنع المعترض -في الأصح- من تقرير نفي الوصف عن الفرع؛ لأنه مانع من الإِثبات، وتقريره (2) النفي يُوهِم الإِثبات.
* * *
المعارضة في الفرع (3) بما يقتضي نقيض حكم المستدل بأحد طرق إِثبات العلة:
وعندنا وعند الأكثر: تقبل؛ لأنه فائدة المناظرة.
قالوا: صار المعترض مستدلا.
رد: قصده هدم ما بناه المستدل، فلا حجر عليه فيه.
وجواب المستدل: بما يعترض عليه المعترض ابتداء.
ويقبل ترجيح ما ذكره بوجه ترجيح عندنا وعند قوم، واختاره الآمدي (4)؛ لتعيين العمل به وهو المقصود، خلافا لبعضهم.
__________
(1) نهاية 216 أمن (ب).
(2) في (ظ): وتقرير.
(3) نهاية 422 من (ح).
(4) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 102.
(3/1389)
 
 
ولا يلزم المستدل الإِيماء إِلى الترجيح في دليله -خلافا لبعضهم- لخروجه عنه، وتوقفُ العمل عليه (1) من توابع ورود المعارضة لدفعها، لا أنه من الدليل.
* * *
الفرق: راجع إِلى المعارضة في الأصل أو الفرع؛ لأنه: جعل أمر مخصوص بالأصل علة أو بالفرع مانعا.
وبنى بعضهم قبول الأول على منع التعليل بعلتين، والثاني على جعل النقض مع المانع قادحاً.
وقيل: بل إِليهما معا، فلهذا: قيل: لا يقبل؛ لأنه جمع بين أسئلة مختلفة، وقيل: يقبل، فقيل: سؤالان جاز الجمع بينهما؛ لأنه أدل على الفرق، وقيل: واحد؛ لاتحاد مقصوده، وهو الفرق.
قال ابن عقيل (2): يحتاج الفرق القادح في الجمع إِلى دلالة وأصل كالجمع، وإِلا فدعوى بلا دليل، خلافا لبعض الشافعية، وإن أحب (3) إِسقاطه (4) عنه طالب (5) المستدل بصحة الجمع.
__________
(1) يعني: على الترجيح.
(2) انظر: الواضح 1/ 202 ب، 1203، 203 ب.
(3) يعني المعترض.
(4) يعني: الأصل والدلالة.
(5) نهاية 216 ب من (ب).
(3/1390)
 
 
ومثل: "الصبي غير مكلف، فلا يزكي كمن لم تبلغه (1) الدعوة"، فينقض: بعشر زرعه والفطرة (2): فسؤال صحيح، بخلاف التفرقة (3) بالفسق بين النبيذ والخمر؛ لأنه (4) ليس من حكم العلة، ثم: يجوز جلبها للتحريم فقط؛ لأنه أعم.
ومن يرى أن العلة لا تستدعي أحكامها لا يلزم (5)؛ لأنها تكون علة في موضع دون آخر.
ومثل (6): "النكاح الموقوف لا يحيى، فبطل"، فيقال: "اعتبرت فساد الأصل بفساد الفرع؛ لأن الإِباحة حكم العقد (7) ":
__________
(1) نهاية 147 أمن (ظ).
(2) يعني: يقال: هذه العلة لم تستدع عدم إِيجاب العشر في زرعه وزكاة الفطر في ماله، وهما نظيرا زكاة ربع العشر، فلا تستدعي نفي ربع العشر.
(3) يعني: إِذا علل حنبلي أو شافعي تحريم النبيذ بأن فيه شدة مطربة فكان محرما كالخمر، فيقول المعارض: لو كانت هذه علة التحريم لكانت علة في الفسق، وإنما كان كذلك -أي: فاسدا- لأن الفسق أبطأ من التحريم، والتحريم أسرع من التفسيق؛ لأن لنا محرمات لا تفسق، ولأن مسالك الاجتهاد لا يفسق بها، فهذا وجه فساده ... إِلخ.
(4) يعني: الفسق.
(5) يعني: لا يلزمه هذا السؤال، فيقول في بيان فساده: إِن العلة تكون علة في موضع دون آخر.
(6) هذا تابع لكلام ابن عقيل.
(7) يعني: فلا يكون نفيها موجبا لنفي العقد.
(3/1391)
 
 
ففاسد (1)؛ لأن العقد يراد لأحكامه (2). (3)
* * *
اختلاف الضابط في الأصل والفرع:
مثاله -في شهود القود-: "تسببوا (4) بالشهادة كالمكره"، فيقال: ضابط الفرع الشهادة، والأصل الإكراه، فلا يتحقق تساويهما.
وجوابه: بيان أن الجامع التسبب المشترك بينهما، وهو مضبوط عرفا، أو بأن إِفضاء ضابط الفرع إِلى المقصود أكثر، كما لو (5) كان أصل الفرع المغري للحيوان، بجامع التسبب، فإِن انبعاث الولي على القتل بسبب الشهادة للتشفي أكثر من انبعاث الحيوان بالإِغراء؛ لنفرته من الإِنسان، وعدم علمه بجواز القتل وعدمه، فاختلاف أصل التسبب لا يضر، فإِنه اختلاف أصل وفرع.
__________
(1) يعني: سؤال فاسد.
(2) يعني: لا لعينه، فإِذا وجد ولم تتعلق به أحكامه -لا من جهة شرط يحتاج إِليه- دل على فساده.
(3) جاء -بعد هذا- في (ب): (جاز الجمع بينهما؛ لأنه أدل على الفرق، وقيل: واحد لاتحاد مقصوده وهو الفرق). وقد سبق في ص 1390، فهو تكرار، ولا محل له هنا.
(4) نهاية 423 من (ح).
(5) يعني: كما لو جعلنا -في مسألة القصاص من الشهود- الأصل هو المغري للحيوان على القتل.
(3/1392)
 
 
ولا يفيد قول المستدل في جوابه: "التفاوت في الضابط مُلْغَى لحفظ النفس، كما ألغي التفاوت بين قطع الأنملة (1) وقطع الرقبة في قود النفس"؛ لأن إِلغاء التفاوت في صورة لا (2) يوجب عمومه، كإِلغاء الشرف (3) وغيره، دون الإِسلام والحرية.
* * *
اختلاف جنس المصلحة:
مثل: أولج فرجا في فرج مشتهى طبعا محرم شرعًا، فيحد كالزاني.
فيقال: حكمة الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط، وحكمة الأصل دفع محذور هو اشتباه الإنساب، فقد يتفاوتان في نظر الشرع.
وحاصله: معارضة في الأصل.
وجوابه: بحذفه (4) عن الاعتبار. وسبق (5) في السبر.
* * *
مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل: لأن القياس تعدية حكم الأصل إِليه بالجامع.
__________
(1) إِذا مات منه.
(2) نهاية 217 أمن (ب).
(3) فيقتل الشريف بالوضيع.
(4) يعني: حذف خصوص الأصل.
(5) في ص 1269 - 1270.
(3/1393)
 
 
وجوابه: بيان اتحاد الحكم عينا -كصحة البيع على النكاح، والاختلاف عائد إِلى المحل، واختلافه (1) شرط فيه- أو جنسا كقطع الأيدي باليد كالأنفس (2) بالنفس.
وتعتبر مماثلة التعدية، ذكره في الروضة (3) وغيرها، وذكره القاضي (4) ومثّله بقول الحنفية -في ضم الذهب إِلى الفضة في الزكاة-: "كصحاح (5) ومكسرة"، فالضم في الأصل بالأجزاء، وفي الفرع بالقيمة عندهم.
ثم: لما نصر (6) جواز قلب التسوية -لأن الحكم التسوية فقط (7)، كقياس الحنفية طلاق المكره على المختار، (8) فيقال: فيجب استواء حكم (9) إِيقاعه وإقراره كالمختار- قال (10): فعلى هذا يجوز قياس الحنفية
__________
(1) يعني: المحل.
(2) في (ب): كالنفس.
(3) انظر: روضة الناظر/ 317 - 318.
(4) انظر: العدة/ 233 أ- ب، والسودة/ 374.
(5) نهاية 147 ب من (ظ).
(6) في (ظ): لما يضر.
(7) وإنما يختلفان في كيفية الاستواء، والكيفية حكم غير الاستواء.
(8) نهاية 424 من (ح).
(9) يعني: استواء حكم إِيقاعه مع حكم إِقراره قياسًا على المختار.
(10) انظر: العدة / 236أ، والمسودة/ 374.
(3/1394)
 
 
المذكور (1)، ومن منع هذا القلب -لتضاد حكم الأصل والفرع- لم يجزه (2)؛ لاختلافهما.
قال بعض أصحابنا (3): فصار له قولان، والمنع فيهما قول بعض الشافعية، والجواز قول الحنفية، واختاره في التمهيد (4).
وفي الواضح (5) - (6) في مسألة الضم-: إن اعترض بـ "أن حكم الأصل لم يتعدَّ" أجيب: "ألحقتُ في وجوب الضم لا صفته"، ويمكن المعترض أن يقول: الضم في الأصل نوع غير (7) الفرع.
وجعله الآمدي (8) كالقلب الثالث -وسيأتي (9) - ومثّله بقول الحنفي -في إِزالة النجاسة بالخل-: "مائع طاهر مزيل كالماء"، فيقال (10): فيستوي فيه الحدث والخبث كالماء.
__________
(1) في الضم.
(2) يعني: القياس.
(3) انظر: المسودة/ 374.
(4) انظر: التمهيد/ 172 ب، 184 أ- ب، والمسودة/ 426.
(5) انظر: الواضح 1/ 170أ- ب.
(6) نهاية 217 ب من (ب).
(7) يعني: غير النوع الذي في الفرع.
(8) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 109.
(9) في ص 1397، 1398.
(10) يعني: يقال: مائع طاهر مزيل للعين والأثر، فتستوي فيه طهارة الحدث والخبث=
(3/1395)
 
 
وجعله في الواضح (1) كالقلب الثاني.
فأما إِن اختلف الحكم جنسا ونوعاً -كوجوب على تحريم، ونفي على إِثبات، وبالعكس- فباطل؛ لأن الحكم إِنما شرع لإِفضائه إِلى مقصود العبد، واختلافه موجب للمخالفة بينهما في الإِفضاء إِلى الحكمة، فإِن كان بزيادة في إِفضاء حكم الأصل إِليها لم يلزم من شرعه شرع حكم (2) الفرع؛ لأن زيادة الإِفضاء مقصودة، ويمتنع (3) كون حكم (4) الفرع أفضى إِلى المقصود، وإلا كان تنصيص الشارع عليه أولى.
فإِن قيل: الحكم لا يختلف؛ لأنه كلام الله وخطابه، بل يختلف تعلُّقه ومتعلَّقه.
قولكم: "كان النص عليه أولى" إِنما يلزم لو لم يقصد التنبيه بالأدنى على الأعلى.
ثم: يحتمل أنه لمانع مختص به.
رد الأول: بأن التعلق داخل في مفهوم الحكم -كما سبق (5) في حد
__________
=كالماء، فإِنه يلزم من القول بالتسوية في الخل بين طهارة الحدث والخبث عدم حصول الطهارة بالخل في الخبث؛ لعدم حصولها به في الحدث، والحكم بالتسوية.
(1) انظر: الواضح 1/ 184 أ- ب.
(2) في (ب): الحكم الفرع. وفي (ظ): الحكم في الفرع.
(3) في (ظ): يمتنع.
(4) في (ظ) كون الحكم أفضى ... إِلخ.
(5) في ص 181 من هذا الكتاب.
(3/1396)
 
 
الحكم- فيلزم من اختلافه اختلافُه (1).
والثاني: بأنه لو كان لجاز إِثبات الفرع في الأصل.
والثالث: بأنه يلزم منه امتناع ثبوت حكم الأصل فيه.
* * *
القلب: تعليق نقيض الحكم أو لازمه على العلة إِلحاقا بالأصل.
وهو: قلب لتصحيح مذهبه.
وقلب لإِبطال مذهب المستدل صريحًا (2).
وقلب بالالتزام (3).
فالأول (4): كقول الحنفي -في اعتبار الصوم لصحة الاعتكاف-: لبث، فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة.
فيقلبه المعترض: بأنه لبث، فلا يعتبر فيه الصوم كالوقوف.
والثاني: كقول الحنفي -في مسح الرأس-: عضو من أعضاء الوضوء (5)، فلا يكفي أقله كبقية الأعضاء.
__________
(1) يعني: اختلاف الحكم.
(2) نهاية 218 أمن (ب).
(3) يعني: لإِبطال مذهب المستدل بالالتزام.
(4) نهاية 425 من (ح).
(5) نهاية 148 أمن (ظ).
(3/1397)
 
 
فيقول المعترض: فلا يقدر (1) بالربع كغيره.
والثالث: كقول الحنفي -في بيع المجهول-: عقد معاوضة، فيصح مع جهل المعوَّض كالنكاح.
فيقال: عقد معاوضة، فلا يعتبر فيه خيار الرؤية كالنكاح، فإِذا انتفى اللازم (2) انتفى الملزوم (3).
والقلب نوع معارضة (4) عند أصحابنا (5) وبعض الشافعية (6) -وذكره في الواضح (7) عن أكثر العلماء- بل أولى بالقبول؛ لأنه اشترك فيه الأصل والجامع، وإن نشأ من نفس دليل المستدل لكن لما التزم في دليله وجود الوصف لم يمنعه، وكالشركة في دلالة النص، كاستدلال الحنفي -في مسألة الساجة (8) وعدم نقض بناء الغاصب- بقول: (لا ضرر ولا
__________
(1) في (ب) و (ظ): فلا يتقدر.
(2) وهو ثبوت خيار الرؤية.
(3) وهو الصحة.
(4) في (ب): معاوضة.
(5) انظر: المسودة/ 441.
(6) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 475.
(7) انظر: الواضح 1/ 184أ.
(8) الساجة: واحدة الساج، وهو خشب يجلب من الهند، قال ابن الأعرابي: يقال: الساجة الخشبة الواحدة المربعة. انظر: لسان العرب 3/ 127.
(3/1398)
 
 
ضرار) (1)، واستدلال غيره به لمنع المغصوب من أخذ ماله.
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في سننه/ 784 من حديث ابن عباس مرفوعاً. وفي الزوائد: في إِسناده جابر الجعفي، متهم. وأخرجه -أيضاً- من حديث إِسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت: أن رسول الله قضى أن لا ضرر ولا ضرار. وفي الزوائد: هذا إِسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأن إِسحاق لم يدرك عبادة. وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 204، وتهذيب التهذيب 1/ 256.
وأخرجه مالك في الموطأ/ 745 عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرسلاً. ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في مسنده، انظر: ترتيب مسند الشافعي 2/ 134.
وأخرجه أحمد في مسنده 5/ 326 - 327 عن إِسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة مرفوعًا، كابن ماجه، وأخرجه -أيضًا- في مسنده 1/ 313 عن ابن عباس مرفوعاً، وفي سنده: جابر الجعفي.
وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 227 من حديث عائشة مرفوعًا. وفيه: الواقدي. وأخرجه -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث ابن عباس مرفوعًا، من طريق ليس فيه جابر الجعفي، لكن فيه إِبراهيم بن إِسماعيل بن أبي حبيبة، وفيه مقال، فوثقه أحمد، وضعفه النسائي. وقال الدارقطني: ليس بالقوي -وقال البخاري: عنده مناكير. وضعفه أبو حاتم، وقال: منكر الحديث لا يحتج به، فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 19، وتهذيب التهذيب 1/ 104. وأخرجه الدارقطني -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث أبي سعيد مرفوعًا، وأخرجه -أيضًا- في سننه 4/ 228 من حديث أبي هريرة مرفوعًا، بلفظ: (لا ضرر ولا ضرورة). وفيه: أبو بكر بن عياش، مختلف فيه، فانظر: ميزان الاعتدال 4/ 499 - 500. وأخرجه البيهقي في سننه 6/ 69 من حديث أبي سعيد مرفوعًا. وأخرجه الطبراني في الكبير 2/ 80 - 81 من حديث ثعلبة بن أبي مالك مرفوعًا. وفيه: إِسحاق بن إِبراهيم بن سعيد الصواف، قال أبو زرعة:=
(3/1399)
 
 
وقال بعض الشافعية (1): القلب إِفساد لا معارضة، فلا يتكلم عليه بما يُتكلم على العلة المبتدأة؛ لأن العلة الواحدة لا يعلق عليها حكمان متضادان.
رد: ليس القلب بحكمين متضادين من كل وجه، بل لا يمكن الخصم الجمع بينهما بمعنى آخر، فالحجة مشتركة، ولابد لتعلُّق أحمد الحكمين بالعلة (2) ترجيح (3).
__________
=منكر الحديث. وقال أبو حاتم: لين. فانظر: ميزان الاعتدال 1/ 176. وأخرجه في معجمه الوسط من حديث جابر مرفوعًا، وعن القاسم عن عائشة مرفوعًا، وقال لم يروه عن القاسم إِلا نافع بن مالك. فانظر: نصب الراية 4/ 386. وأخرجه أبو داود في المراسيل عن واسع بن حبان عن أبي لبابة عن النبي. فانظر: نصب الراية 4/ 385. قال ابن حجر في الدراية 2/ 282: وهو منقطع بين واسع وأبي لبابة. وأخرجه ابن أبي شيبة: حدثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا. فراجع: نصب الراية 4/ 384 - 385. وأخرجه الحاكم في مستدركه 2/ 57 - 58 من حديث أبي سعيد مرفوعًا، وقال: صحيح الإِسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
والحديث حسنه النووي، وقال: له طرق يقوى بعضها بعضًا. فانظر: متن الأربعين النووية/ 54 - 55. وقال المناوي في فيض القدير 6/ 432: قال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به.
(1) انظر: اللمع/ 67، والتبصرة/ 475.
(2) في (ح): بالحكمة.
(3) كذا في النسخ. ولعلها: من ترجيح.
(3/1400)
 
 
ومنع آخرون من الشافعية (1) وغيرهم من القلب -واختاره الآمدي (2) - لأنه ليس للمعترض فرض مسألة (3) على المستدل.
رد: بالمشاركة في دلالة النص (4).
ثم: إِنما شاركه في علته وأصله في معنى الحكم الذي فرض فيه.
قالوا: اعترف (5) المعترض باقتضاء الدليل لا رتبه عليه من الحكم، ومحال اقتضاؤه لمقابل (6) ذلك الحكم من جهة احتج بها المستدل؛ لاقتضاء العلة من جهة واحدة (7) للحكم ونقيضه.
ومن (8) جهة أخرى: ليس بقلب؛ لأنه لا بد فيه من اتحاد العلة في القياسين، بل معارضة بدليل منفصل.
أجاب في التمهيد (9): إِنما لا يجتمع الشيء وضده إِذا صرح به، وإِلا
__________
(1) انظر: اللمع/ 67. والتبصرة/ 475.
(2) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 110.
(3) نهاية 218 ب من (ب).
(4) فإِنه يجوز وإن لم يمكن ذلك إلا بفرض مسألة على المستدل.
(5) في (ظ): اعترض.
(6) في (ح): بمقابل.
(7) نهاية 426 من (ح).
(8) في (ح) و (ظ) ك من جهة.
(9) انظر: التمهيد/ 183 ب.
(3/1401)
 
 
جاز، وإن أدى أحدهما إِلى نفي الآخر.
وأجاب غيره: بأن التنافي حصل في الفرع لما هو بعرض الاجتماع.
وقلب التسوية سبق (1) في السؤال قبله.
قال أبو الخطاب (2): يصح جعل المعلول علة والعلة معلولاً، مثل: "من صح طلاقه صح ظهاره، ومن صح ظهاره صح طلاقه"، فالسابق في الثبوت علة للآخر، وهذا نوع من القلب لا يفسد العلة عند أصحابنا وأكثر الشافعية، خلافا للحنفية وبعض المتكلمين (3).
ثم احتج (4): بأن العلة أمارة، وكما لو صرح به الشارع، وإنما (5) امتنع في الحكم العقلي؛ لأنه لا يثبت بأكثر من علة (6).
...................
أما قلب (7) الدعوى مع إِضمار الدليل فيها فمثل: "كل موجود مرئي"، فيقال: "كل ما ليس في جهة ليس مرئيًا"، فدليل الرؤية الموجود، وكونه لا في جهة دليلُ منعها.
__________
(1) في ص 1394، 1395.
(2) انظر: التمهيد/ 184 ب- 185أ.
(3) انظر: المسودة/ 446.
(4) انظر: التمهيد/ 184 ب- 185 أ.
(5) في (ب): واما.
(6) نهاية 148 ب من (ظ).
(7) انظر: الإحكام للآمدي 4/ 105 - 106.
(3/1402)
 
 
ومع عدم إِضماره مثل: "شكْر المنعم واجب لذاته"، فيقلبه.
وقلب الاستبعاد في الدعوى: كقولنا -في مسألة الإِلحاق-: "تحكيم الولد فيه تحكم بلا دليل"، فيقال: [تحكيم] (1) القائف تحكم بلا دليل.
وقلب الدليل على وجه يكون ما ذكره المستدل يدل عليه فقط: كاستدلاله بقوله: (الخال وارث من لا وارث له) (2)،
__________
(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ح).
(2) هذا جزء من حديث أخرجه أبو داود في سننه 3/ 320 - 321 من حديث المقدام بن معد يكرب مرفوعًا. قال المنذري في مختصره 4/ 170: وأخرجه النسائي، واختلف في هذا الحديث فروي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام، وروي عن راشد بن سعد أن رسول الله قال، مرسلاً. وقال أبو بكر البيهقي في هذا الحديث: كان يحيى بن معين يضعفه ويقول: ليس فيه حديث قوي. وأخرجه الترمذي في سننه 3/ 285 من حديث عمر مرفوعًا، وقال: "حسن"، ومن حديث عائشة مرفوعاً، وقال: حسن غريب، وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه "عن عائشة". وأخرجه النسائي في سننه 2/ 914 - 915 من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه ابن حبان في صحيحه (انظر: موارد الظمآن/ 300 - 301) من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه الدارمي في سننه 2/ 274 من حديث أبي هريرة مرفوعًا.
وأخرجه أحمد في مسنده 1/ 28، 46، 4/ 131 من حديث عمر والمقدام مرفوعًا. وأخرجه الدارقطني في سننه 4/ 84 - 86 من حديث عمر وعائشة والمقدام وأبي هريرة مرفوعًا. وأخرجه الحاكم في مستدركه 4/ 344 من حديث المقدام مرفوعًا، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهبي: قلت: فيه علي بن أبي طلبة، قال أحمد: له أشياء منكرات، قلت: ولم يخرج له البخاري. وانظر: التلخيص الحبير 3/ 80.
(3/1403)
 
 
فيقال (1): [يدل] (2) أنه لا يرث بطريق أبلغ؛ لأنه نفي عام، مثل: الجوع زاد من لا زاد له.
وليس بمثال جيد.
وِإن سلم أن ما احتج به المستدل يدل له (3) من وجه فهو الأنواع السابقة (4).
* * *
القول بالموجَب: وهو تسليم دليل المستدل مع بقاء النزاع.
وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: أن يستنتج المستدل من دليله ما يتوهمه محل النزاع أو لازمه.
مثاله -في القتل بالمثقل-: قتل بما (5) يقتل غالبًا، فلا ينافي وجوب (6) القود كالمحدد.
فيرد: أن عدم المنافاة ليس محل النزاع ولا لازمه، فلا يلزم من (7) عدم
__________
(1) نهاية 219 أمن (ب).
(2) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(3) يعني: للمستدل.
(4) يعني: الثلاثة المذكورة في ص 1397. وانظر: الإحكلام للآمدي 4/ 108.
(5) في (ح): بما لا يقتل.
(6) في (ظ): وجود.
(7) نهاية 427 من (ح).
(3/1404)
 
 
منافاة بين شيئين ملازمة.
الثاني: أن يستنتجه (1) إِبطال ما يتوهمه مأخذَ الخصم، مثل: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القود كالمتوسل إِليه
فيقول المعترض: أقول بموجب الدليل، ولكن لا يلزم منه وجوبه، فإِنه لا يلزم من إِبطال مانعٍ عدمُ كل مانع ووجودُ الشرائط (2) والمقتضي.
وأكثر القول بالموجب من غلط المأخذ لخفائه، بخلاف الحكم المختلف فيه.
ويصدّق (3) المعترض في أن ما ذهب إِليه المستدل ليس مأخذ إمامه؛ فإِنه أعرف به، ثم: لو لزمه إِبداء المأخذ: فإِن مَكَّنَّا المستدل من إِبطاله صار معترضًا، وإلا فلا فائدة.
وقيل: لا يصدق (4)؛ لاحتمال عناده، واختاره (5) بعض أصحابنا، منهم: أبو محمَّد البغدادي، وقال: فإِن أبطله المستدل، وإلا انقطع.
الثالث: أن يسكت في دليله عن صغرى قياسه وليست مشهورة، مثل (6): "كل قربة شرطها النية"، ويسكت عن: "والوضوء قربة"، فيقول
__________
(1) يعني: يستنتج منه.
(2) في (ظ): الشرط.
(3) في (ب): يصدق.
(4) يعني: فيلزمه إِبداء المأخذ.
(5) في (ب) و (ظ): وأجازه.
(6) يعني: قوله في اشتراط النية للوضوء.
(3/1405)
 
 
المعترض: أقول بموجَبه ولا يُنتِج.
ولو ذكر الصغرى لم يرد إِلا منعها (1).
ولا وجه لقول بعضهم: "يلزم في هذا النوع (2) انقطاع أحدهما"؛ لاختلاف مرادهما.
وجواب الأول: بأنه محل (3) النزاع أو لازمه، مثل: "لا يجوز قتل مسلم بذمي"، (4) فيقال بموجبه لأنه يجب، فيقول المستدل: أعني بـ "لا يجوز" تحريمه، ويلزم عدم الوجوب.
والثاني: بأنه (5) المأخذ لشهرته.
والثالث: بجواز الحذف.
ويجاب في الجميع: بقرينة أو عهد ونحوه.
وفي (6) التمهيد (7): في مثل قول حنفي في زكاة الخيل: "حيوان تجوز
__________
(1) يعني: الصغرى.
(2) نهاية 149أمن (ظ).
(3) نهاية 219 ب من (ب).
(4) يعني: قياسًا على الحربي.
(5) في (ظ): بأن.
(6) في (ب): في التمهيد.
(7) انظر: التمهيد/ 180 ب.
(3/1406)
 
 
المسابقة عليه، فزكّاه كالإِبل"، فيقال بموجبه في زكاة التجارة (1)، فيجيب المستدل بالألف والسلام (2)، والسؤال عن زكاة السوم.
فقيل: لا يصح -وجزم به في الواضح (3) - لوجوب استقلال العلة بلفظها.
وقيل: يصح، وجزم به في الروضة (4) وغيرها.
أما مثل قوله -في إِزالة النجاسة بالخل-: "مائع كالمرق"، فيقال بموجبه في خل نجس: فلا يصح (5).
قال أبو (6) محمَّد البغدادي وغيره: ولو كان حكم العلة فقال به في صورة لم يقل بالموجَب.
* * *
وترد الأسئلة على قياس الدلالة، إِلا ما تعلق بمناسبة الجامع؛ لأنه ليس بعلة فيه (7)، وكذا القياس في معنى الأصل (8)، ولا يرد عليه -أيضًا- ما
__________
(1) يعني: والنزاع إِنما هو في زكاة السوم.
(2) في: "زكاة الخيل"، فإِنهما يستعملان للعهد.
(3) انظر: الواضح 1/ 182 ب.
(4) انظر: روضة الناظر/ 351.
(5) لأن المستدل يقول: ظاهر كلامي إِنما هو النحل الطاهر. انظر: الإحكام للآمدي 4/ 113.
(6) نهاية 428 من (ح).
(7) يعني: قياس الدلالة.
(8) يعني: لا يرد عليه ما تعلق بمناسبة الجامع.
(3/1407)
 
 
تعلق بنفس الجامع؛ لعدم ذكره فيه.
* * *
الاعتراضات من جنس -كنقوض ومعارضات- تتعدد اتفاقا.
ومن أجناس -كمنع ومطالبة ونقض ومعارضة- تتعدد إِلا عند أهل (1) سمرقند (2)؛ للخبط.
قال الآمدي (3): ويلزمهم تعددها من جنس (4).
وإن كانت (5) مرتبة (6) منعه الأكثر، ولهذا قال القاضي (7) وغيره وأبو الطيب (8): لو أورد النقض ثم منع وجود العلة لم يقبل؛ لتسليمه للمتقدم، فلا يجاب المعترض لغير الأخير.
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.
(2) سمرقند -بفتح أوله وثانيه- مدينة مشهورة فيما وراء النهر بعد بخارى.
انظر: معجم البلدان 3/ 246.
(3) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.
(4) فإِنها مقبولة اتفاقًا مع إِفضائها إِلى النشر.
(5) يعني: على تجويز التعدد.
(6) مثل: منع حكم الأصل ومنع العلية؛ إِذ تعليل الحكم بعد ثبوته طبعًا.
انظر: شرح العضد 2/ 280.
(7) انظر: العدة/ 228أ.
(8) انظر: المسودة/ 437.
(3/1408)
 
 
وجوزه أبو إِسحاق الإِسفراييني (1) وغيره، واختاره الآمدي (1) وغيره؛ لأن التسليم تقديري.
وإن (2) لم يرتب الاعتراضات فمنع بعد تسليم (3)، (4) كالمطالبة بتأثيره ثم منع وجوده.
واختاره أبو محمَّد البغدادي؛ لأنا نقدرها من جماعة، ولأن مفسدة الاخلال بتقرير الدليل آكد من الاخلال بالترتيب.
وبعضها مقدم طبعا، فليقدم وضعا، فيقدم (5) الاستفسار ليعرف ما يرد على اللفظ، ثم: فساد الاعتبار؛ لأنه نظر في فساده جملة، ثم: فساد الوضع؛ لأنه أخص منه، ثم: ما تعلق بالأصل، ثم: العلة؛ لاستنباطها منه، ثم: الفرع لبنائه عليهما، ويقدم النقض على المعارضة؛ لإِيراده لإِبطال العلة (6)، وهي (7) لإِبطال استقلالها (8).
__________
(1) انظر: الإِحكام للآمدي 4/ 116.
(2) يعني: إِذا عرفنا جواز المرتبة فالواجب إِيرادها مترتبة ورعاية الترتيب في الإِيراد، وإلا كان منعا بعد تسليم. انظر: شرح العضد 2/ 280.
(3) يعني: فلا يسمع.
(4) نهاية 220 أمن (ب).
(5) في (ح): فليقدم.
(6) نهاية 149 ب من (ظ).
(7) يعني: المعارضة.
(8) يعني: العلة.
(3/1409)
 
 
وأوجب أبو محمَّد البغدادي ترتيب الأسئلة، فاختار: فساد الوضع، ثم: الاعتبار، ثم: الاستفسار، ثم: المنع، ثم: المطالبة -وهو منع العلة في الأصل- ثم: الفرق، ثم: النقض، ثم: القول بالموجب، ثم: القلب، وَرَدّ التقسيم إِلى الاستفسار أو الفرق، وأن (1) عدم التأثير مناقشة لفظية.
وقال بعض أصحابنا (2): ذكر ابن (3) عقيل وابن المني وجمهور الجدليين: لا يطالبه بطرد دليل إِلا بعد تسليم ما ادعاه من دلالته، فلا ينقضه حتى يسلمه، فلا يقبل المنع بعد التسليم.
قال: وهذا ضعيف؛ لأن السكوت لا يدل على التسليم، ولأنه (4) لو سلم صريحاً جاز -بل وجب- رجوعه للحق كمفت وحاكم وشاهد، ولا عيب فيه، وقد اعترفوا بالفرق بين أسئلة الجدل وأسئلة الاسترشاد، فمن هنا التخبيط، [وإِلا] (5) فلا ينبني (6) الجدل إلا على وجه الإِرشاد والاسترشاد؛ لا الغلبة والاستزلال (7)، والواجب رد الجميع (8) إِلى ما دل عليه كتاب أو سنة، وإِلا فلهم من الحيل والاصطلاح الفاسد أوضاع، كما
__________
(1) في (ظ): فإِن.
(2) انظر: المسودة/ 551، 552 - 553.
(3) نهاية 429 من (ح).
(4) في (ظ): لأنه.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في (ظ).
(6) كذا في النسخ، وفي المسودة أيضًا، ولعلها: فلا ينبغي.
(7) في المسودة: الاستذلال.
(8) يعني: جميع أبواب الجدل والمخاصمة في العلم وفي الحقوق.
(3/1410)
 
 
للفقهاء والحكام في الجدل الحكمي، وقد (1) ذكر ابن عقيل (2) في الجدل: أن الجواب إِذا زاد أو نقص لم يطابق السؤال؛ لعدوله عن مطلوبه، ويجيب قوم بمثله ويعدونه جوابا، ولو سئل عن المذهب فذكر دليله فليس بجواب محقق، كما لا يخلط السؤال عن المذهب بالسؤال عن دليله، كقوله: "مذهبي كذا بدليل كذا"، فإِن قال: "والدليل عليه كذا" فهو الإِتباع بجواب ما لم يسأل عنه، كالخلط بما لم يسأل عنه. والصحيح خلاف هذا، وعليه عمل أكثر الجدليين (3). والله أعلم.
* * *
فأما الجدال: فمأمور به لقصد الحق، دل عليه القرآن (4)، وفعله الصحابة والسلف، وذكره بعضهم إِجماعًا.
وقال البربهاري من أصحابنا: المسترشد (5) كَلَّمه وأَرْشده، والمناظر احذره، في المناظرة المراء والجدال والغلبة والخصومة والغضب، وتزيل عن
__________
(1) نهاية 220 ب من (ب).
(2) انظر: الواضح 1/ 63 ب- 64 أ.
(3) انظر: المسودة/ 551.
(4) قال تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن) سورة النحل: آية 125. وقال تعالى: (قل هاتوا برهانكم) سورة البقرة: آية 111.
(5) قال هذا في كتابه "شرح كتاب السنة" الذي أورد صاحب "طبقات الحنابلة" مقتطفات منه عند الكلام على ترجمته. وانظر ما قاله هنا في الطبقات 2/ 39، 43.
وانظر: الآداب الشرعية للمؤلف 1/ 229، ففيها ما نقل هنا بعبارة أوضح وأوفى.
(3/1411)
 
 
الحق، ولم (1) يبلغنا عن أحد من علمائنا أنه فعله، وفيه غلق باب الفائدة، والمجالسة للمناصحة (2) فتح باب الفائدة.
وفي فنون ابن عقيل (3): قال بعض مشايخنا المحققين: إِذا كانت مجالس النظر مشحونة بالمحاباة لأرباب المناصب تَقَربا، وللعوام تَخَوُّنًا (4)، وللنظراء (5) تعملاً وتَجَمُّلا (6)، ثم: إِذا لاح دليل خونتم اللائح وأطفأتم مصباح (7) (8) الحق [الواضح] (9)، هذا والله الإِياس من الخير، مصيبة عمت العقلاء في أديانهم، وترك المحاباة في أموالهم، ما ذاك إِلا لأنهم لم يشموا ريح اليقين.
وقال في الواضح (10): لولا ما يلزم من إِنكار (11) الباطل واستنقاذ
__________
(1) في (ح): ولو لم.
(2) في (ظ): والمناصحة.
(3) انظر: الآداب الشرعية للمؤلف 1/ 228، ففيها ما نقله هنا بعبارة أوضح.
(4) تخونا: أي تنقصا. انظر: معجم مقاييس اللغة 2/ 231، والصحاح/ 2110.
(5) نهاية 430 ص (ح).
(6) التجمل: تكلف الجميل. انظر: الصحاح/ 1662، ولسان العرب 13/ 133.
(7) في (ح): مصابيح.
(8) نهاية 150أمن (ظ).
(9) ما بين المعقوفتين من نسخة في هامش (ب).
(10) انظر: الواضح 1/ 120 ب- 121 أ.
(11) في (ظ): الإنكار.
(3/1412)
 
 
الهالك بالاجتهاد في رده عن ضلالته لَمَا حَسُنت المجادلة للإِيحاش فيها غالبا، ولعن فيها أعظم المنفعة إِذا قصد بها نصرة الحق -وقال أيضًا- أو التقوِّي على الاجتهاد، ونعوذ (1) بالله من قصد المغالبة وبيان الفراهة (2)، وينبغي أن يجتنبه.
وقال في الفنون: قال بعض العلماء: يجوز (3) أن يطلب المذهب، ولا يجوز وضع مذهب ويطلب له دليل، ولكن أهل مذهبنا يتبعون مذهبا بالعصبية، ثم يطلبون له أدلة، وصاحب العصبية يقنع بأي شيء تَخَيَّله دليلاً لِما قد حصل في نفسه من نفسه، ويسخر من نفسه لِتَطَلّبِه لما وضعه بما يقويه في نفسه (4).
وقال ابن هبيرة (5): الجدل الذي يقع بين المذاهب أوفق ما يحمل الأمر فيه بأن يخرج مخرج الإِعادة (6) والدرس، فأما اجتماع جمع متجادلين في مسألة -مع أن كلا منهم لا يطمع أن يرجع إِن ظهرت حجة، ولا فيه
__________
(1) نهاية 221أمن (ب).
(2) الفراهة: الحذق بالشيء، وكذلك الأشر والبطر. انظر: الصحاح/ 2242 - 2243.
(3) في (ب): يجب. والمثبت من (ظ) ونسخة في هامش (ب).
(4) جاء -بعد هذا- في (ب) كلام سيأتي في ص 1425، وهو من قوله: "كتقبيحه" إِلى قوله: "وأكل جائع". وقد نبهت على محله.
(5) انظر: المسودة/ 541.
(6) نهاية 221 ب من (ب).
(3/1413)
 
 
مؤانسة ومودة وتوطئة القلوب لوعيِ حقٍّ، بل هو على الضد -فتكلم (1) فيه العلماء- كابن بطة (2) -وهو محدث.
وما قاله صحيح، وذكره بعضهم عن العلماء، وعليه يحمل ما رواه أحمد والترمذي وصححه (3) عن أبي غالب (4) -وهو مختلف فيه- عن
__________
(1) في (ظ) و (ب): وتكلم.
(2) هو: أبو عبد الله عبيد الله بن محمَّد العكبري الحنبلي، فقيه محدث، توفي بعكبرا سنة 387 هـ. من مؤلفاته: الإبانة في أصول الديانة -كبرى وصغرى- والسنن.
انظر: طبقات الحنابلة 2/ 144، والمنهج الأحمد 2/ 69، وشذرات الذهب 3/ 122.
(3) انظر: مسند أحمد 5/ 252، 256، وسنن الترمذي 5/ 55 - 56 وقال: حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه في سننه/ 19، والطبري في تفسيره 25/ 53، والحاكم في مستدركه 2/ 447 - 448 وقال: صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. ووافقه والذهبي. وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 2/ 119، والخطيب في الفقيه والمتفقه 1/ 230.
(4) هو: صاحب أبي أمامة، قيل: اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع، بصري، ويقال: أصبهاني، روى عن أبي أمامة الباهلي وأنس بن مالك، وعنه: الأعمش وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينه وغيرهم. وعن ابن معين قال: صالح الحديث. وقال الدارقطني: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف. وحسن الترمذي بعض أحاديثه، وصحح بعضها. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إِلا فيما وافق الثقات. وقال ابن سعد: كان ضعيفاً. قال ابن حجر في التقريب: صدوق يخطئ. انظر: ميزان الاعتدال 1/ 476، 4/ 560، وتهذيب التهذيب 12/ 197، وتقريب التهذيب 2/ 460.
(3/1414)
 
 
أبي أمامة مرفوعًا: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إِلا أوتوا الجدل)، ثم تلا: (ما ضربوه لك) الآية (1).
ولأحمد (2) عن مكحول عن أبي هريرة -ولم يسمع (3) منه- مرفوعًا: (لا يؤمن العبد الإِيمان كله حتى يترك المراء وإن كان (4) مُحِقًّا).
وللترمذي عن ابن عباس مرفوعًا: (لا تُمارِ أخاك) (5).
ولأبي داود (6) -بإِسناد حسن- عن أبي أمامة مرفوعًا: (أنا زعيم ببيت في ربض (7) الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحِقًّا).
__________
(1) سورة الزخرف: آية 58.
(2) انظر: مسند أحمد 2/ 352، 364، وهو بلفظ: (وإن كان صادقًا).
(3) انظر: تهذيب التهذيب 10/ 290 - 291.
(4) نهاية 431 من (ح).
(5) انظر: سنن الترمذي 3/ 242 وقال: غريب لا نعرفه إِلا من هذا الوجه. قال الحافظ العراقي: يعني من حديث ليث بن أبي سليم، وضعفه الجمهور، وقال الذهبي: فيه ضعف من جهة حفظه. انظر: فيض القدير 6/ 421.
(6) أخرجه أبو داود في سننه 5/ 150. وراجع: مجمع الزوائد 1/ 156 - 157.
(7) في النهاية في غريب الحديث 2/ 185: ربض الجنة -بفتح الباء-: ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع.
وانظر: لسان العرب 9/ 12.
(3/1415)
 
 
ولابن ماجه والترمذي (1) -وحسنه- عن سلمة بن وردان (2) -وهو ضعيف- عن أنس مرفوعاً: (ومن ترك المراء وهو مُحِقّ بُني له في وسط الجنة).
يقال: مارى (3) يماري مماراة ومراء، أي: جادل، والمراء: استخراج غضب المجادل، من قولهم: "مَرَيْتُ الشاة" إذا استخرجت لبنها.
ومن بان له سوء قصد خصمه فيتوجه في تحريم مجادلته خلاف كدخول من لا جمعة عليه (4) مع من تلزمه: لنا فيه (5) وجهان.
ويأتي (6) -في شروط المفتي- جدال المنافق.
__________
(1) انظر: سنن ابن ماجه/ 19 - 20، وسنن الترمذي 3/ 241 - 242 وقال: حديث حسن لا نعرفه إِلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس.
(2) هو: أبو يعلى الليثي -بالولاء- المدني، روى عن أنس ومالك بن أوس بن الحدثان، ورأى جابرًا، وعنه ابن وهب والقعنبي وإسماعيل بن أبي أويس وجماعة، توفي سنة 106 هـ. قال أبو حاتم: ليس بقوي، عامة ما يرويه عن أنس منكر. وقال أبو داود: ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أحمد: منكر الحديث.
انظر: يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 227، وميزان الاعتدال 2/ 193، وتهذيب التهذيب 4/ 160.
(3) انظر: معجم مقاييس اللغة 5/ 314، والصحاح/ 2491.
(4) يعني: في البيع بعد نداء الجمعة الثاني.
(5) في (ح): لنا وجهان فيه.
(6) في ص 1548 - 1550.
(3/1416)
 
 
قال ابن الجوزي (1) -في قوله: (فلا ينازعنك في الأمر) - (2): أي: في الذبائح، والمعنى: فلا تنازعنهم (3)، ولهذا قال: (وإن جادلوك (4) فقل الله أعلم بما تعملون) (5)، قال: وهذا (6) [وجه] (7) أدب حسن علَّمه الله عباده ليردّوا به من جادل تعنتا (*) ولا يجيبوه.
والجدل (8): فتل الخصم عن قصده (9)، والإِجدال (10) هو الظفر (11) عندهم، وجدلت الحبل أجدُله جدلا: فتلته (12) فتلا محكما، والجَدَالة: الأرض، يقال: طعنه فجَدله -أي: رماه بالأرض- فانجدل أي: سقط، وجادله -أي: خاصمه- مجادلة وجدالاً، والاسم: الجَدَل، وهو شدة (13) الخصومة.
__________
(1) انظر: زاد المسير 5/ 448 - 450.
(2) سورة الحج: آية 67.
(3) في (ح) و (ظ): فلا تنازعهم.
(4) نهاية 222 أمن (ب).
(5) سورة الحج: آية 68.
(6) نهاية 150 ب من (ظ).
(7) ما بين المعقوفتين من (ظ)
(*) في (ظ): تعبثًا.
(8) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 433 - 434، والصحاح/ 1653.
(9) في (ح): قصد.
(10) كذا في النسخ. ولعلها: الأجدل.
(11) كذ افي (ب). وفي (ح) و (ظ): الضفر. أقول: ولعلها: الصقر.
(12) في (ح): قتله.
(13) في (ب) و (ظ): شدة في الخصومة.
(3/1417)
 
 
قال ابن الجوزي: "طلب الرئاسة والتقدم بالعلم مُهْلِك"، ثم ذكر اشتغال أكثرهم بالجدل (*) ورفع أصواتهم في المساجد -وإنما المقصود الغلبة والرفعة- وإفتاء من ليس أهلا.
.........................
والسؤال: طلب الإِخبار، فهو استخبار من مستخبِر.
والجواب لغة (1): القطع، ومنه: (جابوا الصخر بالواد) (2)، والمجيب يقطع لمعنى الخبر بإِثبات أو نفي.
قال ابن عقيل (3): ويبدأ كل منهما بحد الله والثناء عليه، قال (4): وللسائل مضايقته إِلى الجواب (5)، فيلجئه إِليه، أو بأن جهله بتحقيقه، وليس له الجواب تعريضًا لمن أفصح به، ولا يقنع به، وإنما عليه أن يجيبه فيما بينه وبينه فيه خلاف لتظهر حجته فيه، والكلام في هذا الشأن إِنما يعول فيه على الحجة لتُظْهر والشبهة (6) لتُبْطل، وإلا فهدر (7)، وهو الذي رفعت
__________
(*) في (ب) و (ظ): في الجدل.
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة 1/ 491، والصحاح/ 104.
(2) سورة الفجر: آية 9.
(3) انظر: الواضح 1/ 121أ.
(4) انظر: المرجع السابق 1/ 63 ب، 65 ب، 71 ب، 73 ب-74أ.
(5) نهاية