الفروق للقرافي أنوار البروق في أنواء الفروق 004

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: الفروق = أنوار البروق في أنواء الفروق
المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)
عدد الأجزاء: 4
 
إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا وَالِاسْتِبْرَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ لَا يَجْرِي الِاسْتِبْرَاءُ قَبْلَ الْبَيْعِ إلَّا فِيمَنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَوْ وَدِيعَةً وَسَيِّدُهَا لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ الَّذِي فِي عِيَالِهِ وَسَكَنِهِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْ سَيِّدِهَا عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْغَيْبَةِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ أَوْ خَرَجَتْ حَائِضًا أَوْ الشَّرِيكُ يَشْتَرِي مِنْ شَرِيكِهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدَيْ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كُلُّ مَنْ أُمِنَ عَلَيْهَا الْحَمْلُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا، وَمَنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ حَمْلُهَا أَوْ شُكَّ فِيهَا اُسْتُبْرِئَتْ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ بَرَاءَتُهَا مَعَ جَوَازِ الْحَمْلِ فَقَوْلَانِ كَالصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ تُسْتَبْرَآنِ لِسُوءِ الظَّنِّ وَالْوَخْشِ مِنْ الرَّقِيقِ، وَمَنْ بَاعَهَا مَجْبُوبٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَالْمَشْهُورُ إيجَابُهُ وَأَشْهَبُ يَنْفِيهِ وَيَجُوزُ اتِّفَاقُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى اسْتِبْرَاءٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ فَهَذِهِ فُرُوعٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ لَا يَجُوزُ فِي الْعِدَدِ مِثْلُهَا فَلَوْ عُلِمَتْ بَرَاءَةُ الْمُعْتَدَّةِ قَبْلَ الْإِطْلَاقِ أَوْ الْوَفَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ الْعِدَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْعِدَّةَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هِيَ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَمِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعِدَّةَ تَجِبُ فِي الْوَفَاةِ عَلَى بِنْتِ الْمَهْدِ وَتَجِبُ فِي الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ عَلَى الْكَبِيرَةِ الْمَعْلُومِ بَرَاءَتُهَا بِسَبَبِ الْغَيْبَةِ وَغَيْرِهَا هَذِهِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعِدَّةِ شَائِبَةُ التَّعَبُّدِ وَجَبَ فِعْلُهَا بَعْدَ سَبَبِهَا مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ عُلِمَتْ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا تَوْفِيَةً لِشَائِبَةِ التَّعَبُّدِ وَالِاسْتِبْرَاءِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِفَرْدٍ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا؛ لِأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْفَرْدِ وَأَقَلُّ مَرَاتِبِ الْكَثْرَةِ اثْنَانِ فَيَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ
(الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ الصِّفَةَ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَسْتَثْنِيهَا فَاسْتِثْنَاؤُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ أَوَّلًا
(الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً نَفْسَ الطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ هُوَ طَلَاقٌ وَلَا يَأْخُذُهُ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ وَلَا بِقَيْدِ الْكَثْرَةِ، ثُمَّ يُورِدَ الِاسْتِثْنَاءَ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فَلَا يَنْفَعُهُ الِاسْتِثْنَاءُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ) أَنْ يَقْصِدَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا الْمَصْدَرَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَنْفَعُهُ أَيْضًا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جُمْلَةَ مَا وَضَعَهُ
(الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِ الْأَوَّلِ الطَّلَاقَ الْمَوْصُوفَ بِالْوَحْدَةِ وَيَقْصِدَ بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمَوْصُوفَ وَهُوَ مَفْهُومُ الطَّلَاقِ دُونَ الْوَحْدَةِ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِبَعْضِ مَا نَطَقَ بِهِ مُطَابَقَةً غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ أَصْلِ الطَّلَاقِ نَفْيُ صِفَاتِهِ مِنْ الْوَحْدَةِ وَالْكَثْرَةِ فَتَنْتَفِي الصِّفَةُ أَيْضًا مَعَ الْمَوْصُوفِ فَيَبْطُلُ اسْتِثْنَاؤُهُ وَيَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ بِالْمُطَابَقَةِ وَالِالْتِزَامِ
(الْحَالَةُ السَّادِسَةُ) أَنْ يَسْتَعْمِلَ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فِي الطَّلَاقِ بِوَصْفِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْلَاقُ الْجِنْسِ وَإِرَادَةُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا وَاحِدَةً يُرِيدُ بِهَا بَعْضَ ذَلِكَ الْعَدَدِ الَّذِي كَانَ يَقْصِدُهُ لَزِمَهُ طَلْقَتَانِ وَهُمَا اللَّتَانِ بَقِيَتَا مِنْ الثَّلَاثِ الَّتِي أَرَادَهَا بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إخْرَاجِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ فَظَهَرَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ كَيْفَ تَلْزَمُهُ اثْنَتَانِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً إنْ أَرَادَ بِالِاسْتِثْنَاءِ إحْدَى هَذِهِ الثَّلَاثِ لَزِمَهُ اثْنَتَانِ وَإِنْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ الصِّفَةِ وَهِيَ الْوَحْدَةُ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ هَذِهِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَلْزَمَهُ أَرْبَعُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ صِفَةَ الْوَحْدَةِ عَنْ طَلْقَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَيَقَعُ فِيهَا الْكَثْرَةُ فَتَصِيرُ تِلْكَ الطَّلْقَةُ طَلْقَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ سَبِيلٌ إلَى لُزُومِ أَرْبَعٍ بِالْإِجْمَاعِ اقْتَصَرْنَا عَلَى ثَلَاثٍ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَرْبَعَ تَطْلِيقَاتٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْأَصْلُ قَالَ، وَقَدْ بَسَطْت هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ مُجَلَّدٌ كَبِيرٌ أَحَدٌ وَخَمْسُونَ بَابًا وَأَرْبَعُمِائَةِ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الِاسْتِثْنَاءُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الصِّفَةِ مِنْ أَغْرَبِ أَبْوَابِهِ، وَقَدْ بَسَطْته لَك هَا هُنَا بِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَظَهَرَ لَك مَعْنَى هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الطَّلَاقِ بِسَبَبِهِ، وَلَوْلَاهُ لَمْ يُفْهَمْ أَصْلًا أَلْبَتَّةَ فَنَفَائِسُ الْقَوَاعِدِ لِنَوَادِرِ الْمَسَائِلِ وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ هَدَانَا اللَّهُ سَوَاءَ السَّبِيلِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ اهـ بِلَفْظِهِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ اهـ بِلَفْظِهِ.
وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّلَاقِ الَّتِي بَنَى هَذَا الْفَرْقَ عَلَيْهَا نَظِيرُ مَا نَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ عَنْ الْمَدْخَلِ لِابْنِ طَلْحَةَ الْمَالِكِيِّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي اعْتِبَارِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ، وَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَنَقَلَ هَذَا الْقَوْلَ الْقَرَافِيُّ وَأَنْكَرَهُ فَقَالَ الْأَقْرَبُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ يَعْنِي الْإِجْمَاعَ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ الرَّازِيّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَالْقَرَافِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا أَثَرَ فِي الْحُكْمِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ مُطْلَقًا كَانَ فِي الصِّفَاتِ أَوْ فِي الذَّوَاتِ فَلَوْ قَالَ لَهُ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً لَزِمَهُ عَشَرَةٌ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ إلَّا أَنْ
(3/204)
 
 
لَمْ تَرِدْ فِيهِ هَذِهِ الشَّائِبَةُ، بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ فَلِذَلِكَ حَيْثُ حَصَلَ الْمَعْنَى وَهُوَ الْبَرَاءَةُ سَقَطَتْ الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ وَهِيَ الِاسْتِبْرَاءُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِخُرُوجِ تِلْكَ الصُّوَرِ عَنْ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِثْلُهَا فِي قَاعِدَةِ الْعِدَدِ.
 
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْأَقْرَاءِ يَكْفِي قُرْءٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الِاسْتِبْرَاءِ بِالشُّهُورِ لَا يَكْفِي شَهْرٌ) مَعَ أَنَّ غَالِبَ النِّسَاءِ يَحْصُلُ لَهُنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ كَأَنْ يُكْتَفَى بِشَهْرٍ كَمَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ الْقُرْءَ الْوَاحِدَ وَهُوَ الْحَيْضُ دَالٌّ عَادَةً عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَإِنَّ الْحَيْضَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الْحَمْلِ غَالِبًا فَكَانَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ مِنْ الْحَيْضِ دَالًّا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَعَدَمِ الْحَمْلِ، وَالشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ قُرْءًا وَاحِدًا فِي حَقِّ مَنْ تَحِيضُ لَكِنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ لَا تَحِيضُ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَمْكُثُ مَنِيًّا فِي الرَّحِمِ نَحْوَ الشَّهْرِ، ثُمَّ يَصِيرُ مُضْغَةً بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَقَةً فَلَا يَظْهَرُ الْحَمْلُ فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَتُكْبِرُ الْجَوْفَ وَتَحْصُلُ مَبَادِئُ الْحَرَكَةِ أَمَّا الشَّهْرُ الْوَاحِدُ فَجَوْفُ الْحَامِلِ فِيهِ مُسَاوٍ فِي الظَّاهِرِ لِغَيْرِ الْحَامِلِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ الشَّهْرُ الْوَاحِدُ وَاعْتُبِرَ الْقُرْءُ الْوَاحِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُعَقِّبَ بِاسْتِثْنَاءٍ آخَرَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ نَحْوُ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا عَشَرَةً إلَّا أَرْبَعَةً فَفِي جَوَازِهِ وَأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ إمَّا اعْتِبَارُ الِاسْتِثْنَاءِ الثَّانِي مِنْ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِمَّا اعْتِبَارُ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَيَلْزَمُهُ سِتَّةٌ وَعَدَمُ جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي خِلَافٌ كَمَا فِي مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ نَعَمْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ بِأَنَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ أَثَرًا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ الرُّجُوعُ عَنْهَا فَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِعَشَرَةٍ إلَّا عَشَرَةً كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ فَتَأَمَّلْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
 
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ]
(الْفَرْقُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ اسْتِثْنَاءِ الْوَحَدَاتِ مِنْ الطَّلَاقِ)
قَاعِدَةُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا جُعِلَ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ مُعَرَّضًا لِلنِّسْيَانِ فَيَنْدَرِجُ فِي الْكَلَامِ سَهْوًا فَيَخْرُجُ بِالِاسْتِثْنَاءِ تَقْتَضِي أَنَّ الْعَطْفَ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ ظَاهِرٌ فِي مَنْعِ الِاسْتِثْنَاءِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ خُصُوصُ الْمَعْطُوفِ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو وَخَالِدٌ إلَّا خَالِدًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ لِلْعُقَلَاءِ نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً وَنَحْوُ لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا ضَرُورَةَ اشْتِرَاكِهِمَا فِي مُطْلَقِ الْقَصْدِ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى شَيْءٍ فِي الْمَعْطُوفِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْكَلَامِ الْمُسْتَقِلِّ الْمَقْصُودِ غَيْرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَوَّزُوا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً قَالَ الْأَصْلُ وَمَا عَلِمْت فِيهِ خِلَافًا وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ لَهَا عِبَارَتَانِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فَكَمَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّلَاثِ يَصِحُّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْأُخْرَى وَالْفَرْضُ أَيْضًا أَنَّ خُصُوصَ الْوَحَدَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ بِخِلَافِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خُصُوصًا لَيْسَ لِلْآخَرِ، وَالْوَحَدَاتُ مُسْتَوِيَةٌ مِنْ حَيْثُ هِيَ وَحَدَاتٌ فَصَارَ إجْمَالُهَا وَتَفْصِيلُهَا سَوَاءً لَكِنْ كَانَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ أَنَّ الْعِلَّةَ تَدُورُ مَعَ الْمَعْلُولِ وُجُودًا وَعَدَمًا أَنْ يَقُولُوا بِجَوَازِ: لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ إلَّا دِرْهَمًا وَأَنَّهُ إذَا قَالَ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا دِرْهَمَانِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ عِنْدَهُمْ لَا تَتَعَيَّنُ وَإِنْ عُيِّنَتْ فَإِنَّ خُصُوصَ دِرْهَمٍ لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ دِرْهَمٍ آخَرَ قَالَ الْأَصْلُ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي هَذَا أَيْ الْقَوْلِ بِجَوَازِ ذَلِكَ نَقْلًا، بَلْ حَكَى ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ الْمَنْعَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا. اهـ.
فَمِنْ هُنَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الشَّاطِّ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ وَفِي حَاشِيَةِ الْعَطَّارِ عَلَى مُحَلَّى جَمْعِ الْجَوَامِعِ قَالَ الْقَرَافِيُّ، قُلْت يَوْمًا لِلشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الْفُقَهَاءَ الْتَزَمُوا فِي الْأُصُولِ قَاعِدَةَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَخَالَفُوهَا فِي الْفُرُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا إلَّا الْكَتَّانَ فَقَعَدَ عُرْيَانًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَا الْكَتَّانَ وَعَلَى لُبْسِ الْكَتَّانِ وَمَا لَبِسَ الْكَتَّانَ فَيَحْنَثُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ أَنَّ الْأَيْمَانَ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ انْتَقَلَ إلَّا فِي الْحَلِفِ لِمَعْنَى الصِّفَةِ مِثْلُ سِوَى وَغَيْرِ فَمَعْنَى حَلِفِهِ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْت ثَوْبًا سِوَى الْكَتَّانِ أَوْ غَيْرَ الْكَتَّانِ فَالْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هُوَ الْمُغَايِرُ لِلْكَتَّانِ وَالْكَتَّانُ لَيْسَ مَحْلُوفًا عَلَيْهِ فَلَا يَضُرُّ لُبْسُهُ وَلَا تَرْكُهُ، ثُمَّ تُوَفِّيَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاتَّفَقَ الْبَحْثُ مَعَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ فَالْتَزَمَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَحْنَثُ إذَا قَعَدَ عُرْيَانًا وَأَنَّ إلَّا عَلَى بَابِهَا وَالِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ وَمِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ
(3/205)
 
 
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَةِ يُقَدَّمُ فِيهَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ بِخِلَافِ جَمِيعِ الْوِلَايَاتِ يُقَدَّمُ فِيهَا الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ) وَهُوَ أَنَّ قَاعِدَةَ الشَّرْعِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَكُلِّ وِلَايَةِ مَنْ هُوَ
أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا
فَيُقَدَّمُ فِي وِلَايَةِ الْحَرْبِ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِ الْحُرُوبِ مِنْ سِيَاسَةِ الْجُيُوشِ وَمَكَائِدِ الْعَدُوِّ وَيُقَدَّمُ فِي الْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِحِجَاجِ الْخُصُومِ وَقَوَاعِدِ الْأَحْكَامِ وَوُجُوهِ الْخُدَعِ مِنْ النَّاسِ وَيُقَدَّمُ فِي الْفَتْوَى مَنْ هُوَ أَنْقَلُ لِلْأَحْكَامِ وَأَشْفَقُ عَلَى الْأُمَّةِ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى إرْشَادِهَا لِحُدُودِ الشَّرِيعَةِ وَيُقَدَّمُ فِي سِعَايَةِ الْمَاشِيَةِ وَجِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِنَصْبِ الزَّكَوَاتِ وَمَقَادِيرِ الْوَاجِبِ فِيهَا وَأَحْكَامِ اخْتِلَاطِهَا وَافْتِرَاقِهَا وَضَمِّ أَجْنَاسِهَا وَيُقَدَّمُ فِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْرَفُ بِمَقَادِيرِ النَّفَقَاتِ وَأَهْلِيَّاتِ الْكَفَالَاتِ وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمُنَاضَلَةِ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْوِلَايَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْخِلَافَةِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَافِرُ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ قَوِيُّ النَّفْسِ شَدِيدُ الشَّجَاعَةِ عَارِفٌ بِأَهْلِيَّاتِ الْوِلَايَاتِ حَرِيصٌ عَلَى مَصَالِحِ الْأُمَّةِ قُرَشِيٌّ مِنْ قَبِيلَةِ النُّبُوَّةِ الْمُعَظَّمَةِ كَامِلُ الْحُرْمَةِ وَالْهَيْبَةِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَلَمَّا كَانَتْ الْحَضَانَةُ تَفْتَقِرُ إلَى وُفُورِ الصَّبْرِ عَلَى الْأَطْفَالِ فِي كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَالتَّضَجُّرِ مِنْ الْهَيْئَاتِ الْعَارِضَةِ لِلصِّبْيَانِ وَمَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالرِّقَّةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى الرِّفْقِ بِالضُّعَفَاءِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَكَانَتْ النِّسْوَةُ أَتَمَّ مِنْ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قَدْ مَنَّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ أَنَفَاتِ الرِّجَالِ وَإِبَاءَةَ نُفُوسِهِمْ وَعُلُوَّ هِمَمِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَأَرَانَا نَقْلًا فِي ذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْقَرَافِيِّ.
قَالَ سم مَا قَالَهُ تَاجُ الدِّينِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ مَمْنُوعٌ مَعَ أَنَّا نُبْقِي إلَّا عَلَى بَابِهَا وَنَلْتَزِمُ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِهَا فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ إثْبَاتٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَنْعُ مَا ذَكَرَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنْ النَّفْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا مِنْ النَّفْيِ هُوَ مَنْعُ نَفْسِهِ مِنْ لُبْسِ الثِّيَابِ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِثْبَاتِ هُوَ إبَاحَةُ لُبْسِ الْكَتَّانِ لَا الْتِزَامُ لُبْسِهِ فَلَا يَحْنَثُ بِالتَّرْكِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ حَسَنٌ دَقِيقٌ تَرَكَهُ الشَّيْخُ لَنَا، ثُمَّ رَأَيْت فِي بَعْضِ حَوَاشِي التَّلْوِيحِ مَا يُوَافِقُ هَذَا الْجَوَابَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ اهـ قَالَ الْعَطَّارُ وَفِي التَّمْهِيد لِلْإِسْنَوِيِّ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيك إلَّا دِرْهَمًا أَوْ لَا آكُلُ إلَّا هَذَا الرَّغِيفَ أَوْ لَا أَطَأُ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ بِالْكُلِّيَّةِ فَفِي حِنْثِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيلَاءِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ، أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتًا؛ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ مِنْ زَوَائِدِهِ الثَّانِيَ اهـ.
وَقَدْ سَنَحَ لِي مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ سَبَبُ الْمُخَالَفَةِ إلَخْ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ أَنْ يُقَالَ سَبَبُ مُخَالَفَةِ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي الْحَلِفِ دُونَ الِالْتِزَامِ أَنَّ الْأَيْمَانَ لَمَّا كَانَتْ تَتْبَعُ الْمَنْقُولَاتِ الْعُرْفِيَّةَ دُونَ الْأَوْضَاعِ اللُّغَوِيَّةِ إذَا تَعَارَضَا، وَقَدْ نَقَلَ الْعُرْفُ الْمَعْطُوفَانِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً إلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا خَالَفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَأَعْطَوْهَا حُكْمَهُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهَا إلَّا وَاحِدَةً يَلْزَمُهُ طَلْقَتَانِ كَمَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَالِالْتِزَامَاتُ لَمَّا كَانَتْ تَتْبَعُ الْأَوْضَاعَ اللُّغَوِيَّةَ لَمْ يُخَالِفُوا فِيهَا الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَمْ يُعْطُوا لِلَّهِ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمٌ حُكْمَ لِلَّهِ عَلَيَّ دَرَاهِمُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ إذَا قَالَ بَعْدَهُ إلَّا دِرْهَمًا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ فَتَأَمَّلْ بِإِنْصَافٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
 
[الفرق بَيْن قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ]
(الْفَرْقُ الْخَامِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ)
اتَّفَقَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَنَّ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضُ قَبْلَ مِلْكِهَا هُوَ الْمَعْدُومُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ وَعَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا قَبْلَ الْمِلْكِ بِالنَّذْرِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ مَلَكْت دِينَارًا فَهُوَ صَدَقَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي الذِّمَّةِ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ النَّقْدَيْنِ وَالْعُرُوضِ وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ قَبْلَ الْمِلْكِ بِأَنْ تَقُولَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ هَلْ هُمَا مِنْ الْمَعْدُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِقَوْلِهِ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ وَمِنْ الْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ فَيَلْزَمُ الطَّلَاقُ لِمَنْ قَالَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْعَتَاقُ لِمَنْ قَالَ لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ قِيَاسًا عَلَى النَّذْرِ فِي غَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِجَامِعِ الِالْتِزَامِ بِالْمَعْدُومِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَتَقَرَّرَ فِي الذِّمَّةِ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِلَى الثَّانِي مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ قَالَ الْأَصْلُ هُوَ الْخِلَافُ فِي مُقْتَضَى الْعُقُودِ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وَالشُّرُوطِ فِي.
قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِمُقْتَضَيَاتِهَا، ضَرُورَةَ أَنَّ الْأَوَامِرَ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ وَالْعَقْدُ قَدْ وَقَعَ وَصَارَ مَاضِيًا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَعَلَّقَ الْأَمْرُ
(3/206)
 
 
تَمْنَعُهُمْ مِنْ الِانْسِلَاكِ فِي أَطْوَارِ الصِّبْيَانِ وَمَا يَلِيقُ بِهِمْ مِنْ اللُّطْفِ وَالْمُعَامَلَاتِ وَمُلَابَسَةِ الْقَاذُورَاتِ وَتَحَمُّلِ الدَّنَاءَاتِ فَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْحَضَانَاتِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوَاعِدِ الْوِلَايَاتِ.
 
(الْفَرْقُ التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَقَاعِدَةِ مُعَامَلَةِ الْمُسْلِمِينَ) أَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَرَجَّحَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ أَكْرَهُ الصَّيْرَفِيَّ مِنْ صَيَارِفَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} [النساء: 161] .
وَقَالَ وَأَكْرَهُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ لِلْحَرْبِيِّ بِالرِّبَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ الرِّبَا مَعَ الْحَرْبِيِّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا رِبَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ لَا رِبَا إلَّا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» . وَالْحَرْبِيُّ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ -؛ لِأَنَّ الرِّبَا مَفْسَدَةٌ فِي نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْجَمِيعِ؛ وَلِأَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ، وَعُمُومُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَتَنَاوَلُ الْحَرْبِيَّ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا ظَهَرَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَمُعَامَلَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْلَى لِوَجْهَيْنِ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فَلَا يَكُونُ مَا أَخَذُوهُ بِالرِّبَا مُحَرَّمًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ مُخَاطَبٌ قَوْلًا وَاحِدًا فَكَانَتْ مُعَامَلَتُهُ إذَا كَانَ يَتَعَاطَى الرِّبَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَحَذِّرٍ أَشَدَّ مِنْ الذِّمِّيِّ
(الثَّانِي) أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ عَلَى مَا اكْتَسَبَهُ بِالرِّبَا وَالْغَصْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا تَابَ الْمُسْلِمُ لَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] وَمَا هُوَ بِصَدَدِ الثُّبُوتِ الْمُسْتَمِرِّ وَقَابِلٌ لِلثُّبُوتِ أَوْلَى مِمَّا لَا يَقْبَلُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَوْنُ عِنْدَ الشُّرُوطِ يَتَعَيَّنُ أَنَّهُ هُوَ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهَا وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ عَقْدَانِ عَقَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِمُقْتَضَاهُمَا وَالْوَفَاءُ بِمُقْتَضَى شُرُوطِهِمَا وَالنِّزَاعُ فِي مُقْتَضَاهُمَا مَا هُوَ هَلْ هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَمْ لَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ تَمَسُّكًا بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ حَلٌّ وَالنِّكَاحَ وَالشِّرَاءَ عَقْدٌ وَلَا يَكُونُ الْحَلُّ قَبْلَ الْعَقْدِ
(وَثَانِيهِمَا) مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عَتَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» وَذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَمَسُّكًا بِأَمْرَيْنِ أَيْضًا
(أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الشَّرْطُ إجْمَاعًا هُوَ الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيُّ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيُّ فَهُوَ صُورَةُ النِّزَاعِ وَالْمُقْتَضَى اللُّغَوِيُّ فِيهِمَا هُوَ لُزُومُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ
(وَثَانِيهِمَا) أَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى الشَّرْعِيِّ لَكَانَ التَّقْدِيرُ أَوْفُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَرْعًا الْوَفَاءُ بِهِ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ الْوُجُوبَ إلَّا مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِتَوَقُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا إذَا حُمِلَ عَلَى الْمُقْتَضَى اللُّغَوِيِّ فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِ اللُّغَةِ عَلَى الشَّرَائِعِ وَالْجَوَابُ عَمَّا تَمَسَّكَا بِهِ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي غَيْرِ عَقْدٍ، بَلْ إنَّمَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ بَعْدَ حُصُولِ الْعَقْدِ لَا قَبْلَهُ فَمَا قُلْنَا بِالْحَلِّ إلَّا بَعْدَ الْعَقْدِ فَطَلَاقُ ابْنِ آدَمَ وَعِتْقُهُ إنَّمَا وَقَعَا فِيمَا مَلَكَهُ وَالْمُتَقَدِّمُ إنَّمَا هُوَ التَّعْلِيقُ وَرَبْطُ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالْمِلْكِ إلَّا نَفْسَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ اهـ.
وَقَالَ حَفِيدٌ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ سَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ مِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَيْ وَالْعَتَاقِ وُجُودُ الْمِلْكِ مُتَقَدِّمًا بِالزَّمَانِ عَلَى الطَّلَاقِ أَيْ وَالْعَتَاقِ أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِهِ فَمَنْ قَالَ هُوَ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ لَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَيْ وَلَا الْعَتَاقُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ بِالْفِعْلِ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ إلَّا وُجُودُ الْمِلْكِ فَقَطْ قَالَ يَقَعُ أَيْ الطَّلَاقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَيْ وَالْعَتَاقُ بِغَيْرِ الْمَمْلُوكِ اهـ.
قَالَ الْأَصْلُ وَبِكَثْرَةِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ قَاعِدَةُ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ شَرَّعَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِحِكْمَةٍ لَا يُشَرِّعُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحِكْمَةِ وَبِعِبَارَةِ أَنَّ كُلَّ سَبَبٍ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ لَا يُشَرَّعُ كَمَا شَرَّعَ التَّعْذِيرَاتِ وَالْحُدُودَ لِلزَّجْرِ وَلَمْ يُشَرِّعْهَا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُمْ حَالَةَ التَّكْلِيفِ لِعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِمَقَادِيرِ انْخِرَاقِ الْحُرْمَةِ وَالذِّلَّةِ وَالْمَهَانَةِ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ فَلَا يَحْصُلُ الزَّجْرُ وَشَرَّعَ الْبَيْعَ لِلِاخْتِصَاصِ بِالْمَنَافِعِ فِي الْعِوَضَيْنِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ فِيمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا فِيمَا كَثُرَ غَرَرُهُ أَوْ جَهَالَتُهُ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ الِانْتِفَاعِ مَعَ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ الْمُخِلَّيْنِ بِالْأَرْبَاحِ وَحُصُولِ الْأَعْيَانِ، وَشَرَّعَ اللِّعَانَ لِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ لِلْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ لِانْتِفَاءِ النَّسَبِ بِغَيْرِ لِعَانٍ يُشْكِلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ شُرِعَ لِلتَّنَاسُلِ وَالْمُكَارَمَةِ وَالْمَوَدَّةِ فَمَنْ قَالَ بِشَرْعِيَّتِهِ أَيْ النِّكَاحِ فِي صُورَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ قَبْلَ الْمِلْكِ فَقَدْ الْتَزَمَ شَرْعِيَّتَهُ أَيْ النِّكَاحِ مَعَ انْتِفَاءِ حِكْمَتِهِ إذْ لَا يَتَأَتَّى حُصُولُهَا مَعَ تَرَتُّبِ الطَّلَاقِ عَلَى حُصُولِ عَقْدِهِ صَحِيحًا شَرْعًا فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ حِينَئِذٍ عَقْدُ نِكَاحٍ أَلْبَتَّةَ لَكِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ إجْمَاعًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الطَّلَاقِ تَحْصِيلًا لِحِكْمَةِ عَقْدِ النِّكَاحِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ.
وَلَيْسَ مِنْ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ وَتَبْعِيضُ الطَّلَاقِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ، بَلْ مِنْ الْأُمُورِ التَّابِعَةِ لِلْمَقْصُودِ مِنْهُ فَلَا يُشْرَعُ الْعَقْدُ لِأَجْلِهَا فَحَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى شَرْعِيَّتِهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ حِكْمَتِهِ وَهُوَ بَقَاءُ النِّكَاحِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَقَاصِدِهِ وَعَدَمُ لُزُومِ الطَّلَاقِ عَلَى وُقُوعِهِ صَحِيحًا فَتَأَمَّلْ
(3/207)
 
 
بِحَالٍ وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَوَرِّعِينَ عَلَى مُعَامَلَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ أَكْثَرَ مُلَاحَظَةً لِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ وَالْفَرِيقَيْنِ.
 
(الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمِلْكَ أُشْكِلَ ضَبْطُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ عَامٌّ يَتَرَتَّبُ عَلَى أَسْبَابٍ مُخْتَلِفَةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُهَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فَهُوَ حِينَئِذٍ غَيْرُ التَّصَرُّفِ فَالتَّصَرُّفُ وَالْمِلْكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمُّ مِنْ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ فَقَدْ يُوجَدُ التَّصَرُّفُ بِدُونِ الْمِلْكِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ يَتَصَرَّفُونَ وَلَا مِلْكَ لَهُمْ وَيُوجَدُ الْمِلْكُ بِدُونِ التَّصَرُّفِ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَغَيْرِهِمْ يَمْلِكُونَ وَلَا يَتَصَرَّفُونَ وَيَجْتَمِعُ الْمِلْكُ وَالتَّصَرُّفُ فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ الرَّاشِدِينَ النَّافِذِينَ لِلْكَلِمَةِ الْكَامِلِينَ الْأَوْصَافِ، وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ وَالْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ أَنْ يَجْتَمِعَا فِي صُورَةٍ وَيَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ فِي صُورَةٍ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ، وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (الْفَرْقُ الثَّمَانُونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْمِلْكِ وَقَاعِدَةِ التَّصَرُّفِ إلَى قَوْلِهِ كَالْحَيَوَانِ وَالْأَبْيَضِ) قُلْت مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ (وَالْعِبَارَةُ الْكَاشِفَةُ عَنْ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمَكُّنَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَالْعَرْضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ) قُلْت هَذَا الْحَدُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
ذَلِكَ وَلَعَلَّ الْإِمَامَ ابْنَ الشَّاطِّ لِهَذَا قَالَ وَيَكُونُ تَمَامُ الْفَرْقِ مُبَيَّنًا عَلَى أَنَّ مُقْتَضَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ هُوَ مُقْتَضَاهُمَا الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ قَالَ هَذَا الْفَرْقُ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَنَظَرٍ اهـ بِلَفْظِهِ (مَسْأَلَةٌ)
وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ بِشَرْطِ التَّزْوِيجِ وَإِنْ وَافَقَ مَالِكٌ فِيهِ أَبَا حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِيمَا إذَا عَمَّمَ الْمُطَلِّقُ جَمِيعَ النِّسَاءِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، فَاسْتَحْسَنَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ حِينَئِذٍ بِنَاءً عَلَى
الْمَصْلَحَةِ
وَهِيَ أَنَّهُ إذَا عَمَّمَ فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ التَّعْمِيمَ لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا إلَى النِّكَاحِ الْحَلَالِ فَكَانَ ذَلِكَ عَنَتًا بِهِ وَحَرَجًا وَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ فَقَالُوا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ مُطْلَقًا عَمَّمَ جَمِيعَ النِّسَاءِ أَوْ خَصَّصَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ بَلَدِ كَذَا أَوْ فِي وَقْتِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
 
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ]
(الْفَرْقُ السَّادِسُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا سَبَبٌ تَامٌّ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ الْإِيجَابَاتِ الَّتِي هِيَ أَجْزَاءُ الْأَسْبَابِ)
هُوَ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ
(الْأُولَى) يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إجْمَاعًا فَلَا يَقْدَحُ فِيهَا التَّأْخِيرُ كَالْخِيَارِ فِي عُيُوبِ النِّكَاحِ وَعُيُوبِ السِّلَعِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِيجَابَاتِ
(الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا فَيَقْدَحُ فِيهَا التَّأْخِيرُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيجَابَاتِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
(الْقِسْمُ الْأَوَّلُ) مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ التَّامَّ تَقَدَّمَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ كَخِيَارِ الْأَمَةِ إذَا أُعْتِقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَإِمْضَاءِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ
(الْقِسْمُ الثَّانِي) مَا اُتُّفِقَ عَلَى أَنَّهُ جُزْءُ السَّبَبِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ فَيَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ كَالْقَبُولِ بَعْدَ الْإِيجَابِ فِي نَحْوِ النِّكَاحِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْبَيْعِ إلَخْ
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ) مَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ التَّأْخِيرُ أَوْ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَيَقْدَحُ وَهُوَ الْجَوَابُ فِي التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ الْمُطْلَقَيْنِ فَفِيهِمَا عَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ لِلْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ كَالْمُبَايَعَةِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ افْتَرَقَا لِاحْتِيَاجِهَا لِلْمُشَاوَرَةِ.
وَهَذَا إذَا بَاشَرَهَا أَوْ وَكِيلُهُ فَإِنْ كَتَبَ إلَيْهَا أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا أَوْ عَلَّقَ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي تَمَادِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَطُلْ طُولًا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِالْإِسْقَاطِ بِأَنْ يَطُولَ نَحْوَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الزَّوْجِ سُؤَالٌ يَتَّصِلُ بِهِ جَوَابُهُ وَجَوَابُهُ لِلرِّسَالَةِ مَعَ مُرْسَلِهِ، قَالَ الْخَرَشِيُّ إذَا مَلَكَهَا تَمْلِيكًا مُطْلَقًا أَوْ خَيَّرَهَا تَخْيِيرًا مُطْلَقًا أَيْ عَارِيًّا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَلِمَالِكٍ قَوْلَانِ مَرْوِيَّانِ عَنْهُ قَوْلٌ رَجَعَ إلَيْهِ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا مَا لَمْ تُوقَفُ عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ تُوطَأُ أَيْ تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ طَائِعَةً قَالَتْ فِي الْمَجْلِسِ قَبِلْت أَمْ لَا وَاَلَّذِي رَجَعَ عَنْهُ أَنَّهُمَا بِيَدِهَا فِي الْمَجْلِسِ فَقَطْ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ إمْكَانِ الْقَضَاءِ فَلَا شَيْءَ لَهَا وَإِنْ وَثَبَ أَيْ قَامَ حِينَ مَلَكَهَا يُرِيدُ قَطْعَ ذَلِكَ عَنْهَا لَمْ يَنْفَعْهُ، وَحَدُّ ذَلِكَ إذَا قَعَدَ مَعَهَا قَدْرَ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّهَا تَخْتَارُ فِي مِثْلِهِ وَلَمْ يَقُمْ فِرَارًا وَإِنْ ذَهَبَ عَامَّةُ النَّهَارِ وَعَلِمَ أَنَّهُمَا قَدْ تَرَكَا ذَلِكَ وَخَرَجَا إلَى غَيْرِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَالْمَدَارُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِهَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ الْمُتَيْطِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ رَجَعَ مَالِكٌ آخِرًا إلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمَرْجُوعِ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ مَاتَ اهـ بِتَصَرُّفٍ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَأَرَى إمْهَالَ الْمَرْأَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَالْمُصَرَّاةِ
(3/208)
 
 
يَقْتَضِي يُمْكِنُ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمُلُوكِ وَالْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ، وَأَمَّا إنَّهُ مُقَدَّرٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ، وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ لَيْسَ وَصْفًا حَقِيقِيًّا، بَلْ يُقَدَّرُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ
(أَحَدُهَا) أَنَّ الْمِلْكَ مِنْ أَوْصَافِ الْمَالِكِ لَا الْمَمْلُوكِ لَكِنَّهُ وَصْفٌ مُتَعَلِّقٌ وَالْمَمْلُوكُ هُوَ مُتَعَلِّقُهُ
(وَثَانِيهَا) أَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِانْتِفَاعِ، بَلْ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ كَلَامُ الشَّارِعِ
(ثَالِثُهَا) أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعَرْضِ، بَلْ بِأَحَدِهِمَا
(رَابِعُهَا) أَنَّ الْمَمْلُوكَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمِلْكِ فَلَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِّ الْمِلْكِ أَنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَنْ الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ هَذَا إنْ قُلْنَا إنَّ الضِّيَافَةَ وَنَحْوَهَا لَا يَمْلِكُهَا مَنْ سُوِّغَتْ لَهُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُهَا زِدْنَا فِي الْحَدِّ فَقُلْنَا إنَّهُ تَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ شَرْعًا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنِيَابَةٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ وَمِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ أَوْ تَمَكُّنُهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ خَاصَّةً وَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَيَانِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ قَالَ (أَمَّا قَوْلُنَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَبِالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّةَ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحَدُ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْجُمْلَةِ فَذَلِكَ صَحِيحٌ قَالَ.
(وَأَمَّا أَنَّهُ مَقْدُورٌ فَلِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَلُّقِ إذْنِ الشَّرْعِ إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْأَسْبَابِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ) قُلْت قَوْلُهُ إنَّهُ عَدَمِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّسَبَ أُمُورٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَالشُّفْعَةِ لِمَا فِي الْفِرَاقِ مِنْ الصُّعُوبَةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ فَتَرَقَّبْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
 
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ]
(الْفَرْقُ السَّابِعُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ خِيَارِ التَّمْلِيكِ فِي الزَّوْجَاتِ وَبَيْنَ قَاعِدَةِ تَخْيِيرِ الْإِمَاءِ فِي الْعِتْقِ)
مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ إذَا غِبْت عَنْك فَأَمْرُك بِيَدِك فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ مَتَى غِبْت عَنِّي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الثَّانِي أَنْ يَحْلِفَ سَيِّدُ الْأَمَةِ بِحُرِّيَّتِهَا بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ أَصُمْ فَأَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ إنْ زَنَيْت فَتَقُولُ إنْ فَعَلْت فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِذَا قَالَتْ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مَبْسُوطَةٌ هِيَ أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَقَعَ قَبْلَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ لَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَعْدَهُمَا يَنْعَقِدُ إجْمَاعًا وَبَيْنَهُمَا فِي النُّفُوذِ قَوْلَانِ وَالْحُرَّةُ وُجِدَ فِي حَقِّهَا سَبَبٌ وَهُوَ قَوْلُ الزَّوْجِ الْمُقْتَضِي إذْنَهَا فِي الْقَضَاءِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ مَعَ إذْنِ الشَّرْعِ الْمُقَدَّرِ فَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَالْأَمَةُ انْفَرَدَ فِي حَقِّهَا الْإِذْنُ الْمُقَدَّرُ فَقَطْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى حُصُولِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْصُلْ فَوَقَعَ قَضَاؤُهَا بَعْدَ شَرْطِهِ وَقَبْلَ سَبَبِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْحَالِفَ بِحُرِّيَّتِهَا لَمْ يَأْذَنْ وَإِنَّمَا قَصَدَ حَثَّ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ عَلَى الْفِعْلِ أَوْ زَجْرَهَا عَنْهُ.
وَأَمَّا الزَّوْجُ فَأَذِنَ لِلْحُرَّةِ الْقَضَاءَ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَهُوَ غَيْبَتُهُ عَنْهَا وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي تَقَدَّمَتْ أَيْضًا أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ إنَّمَا تَسْقُطُ بِإِذْنِ الْعِبَادِ فَلِذَا جَرَى الْخِلَافُ فِي نُفُوذِ قَضَائِهَا كَالزَّوْجَاتِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَسَوَّى أَصْبَغُ الْإِمَاءَ بِالزَّوْجَاتِ وَعَدَمُ نُفُوذِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ الْفَرْقُ، وَقَدْ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مَالِكًا عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ أَتَعْرِفُ دَارَ قُدَامَةَ؟ وَدَارُ قُدَامَةَ يُلْعَبُ فِيهَا بِالْحَمَامِ بِالْمَدِينَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ نَعَمْ سَوَّى أَشْهَبُ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ لِعَدَمِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الِاخْتِيَارُ فَافْهَمْ وَلَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا إذَا قَالَتْ الْحُرَّةُ إنْ مَلَكْتنِي فَقَدْ اخْتَرْت نَفْسِي هَذَا تَهْذِيبُ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ ابْنُ الشَّاطِّ وَمَا قَالَهُ فِي هَذَا الْفَرْقِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَوَجْهُهُ مَا عَلَّلَ بِهِ أَشْهَبُ قَوْلَهُ بِتَسْوِيَةِ الزَّوْجَاتِ بِالْإِمَاءِ فَافْهَمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
 
[الْفَرْقُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ]
(الْفَرْقُ الثَّامِنُ وَالسِّتُّونَ وَالْمِائَةُ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ وَقَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ)
عَلَى مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ التَّمْلِيكَ جَعْلُ الزَّوْجِ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ حَقًّا لِلزَّوْجَةِ، وَكَذَا لِغَيْرِهَا رَاجِحًا فِي الثَّلَاثِ يَخُصُّ بِمَا دُونَهَا بِنِيَّةٍ وَالتَّخْيِيرُ جَعْلُهُ إنْشَاءَ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا حُكْمًا أَوْ نَصًّا عَلَيْهَا حَقًّا لَهَا، وَكَذَا لِغَيْرِهَا كَمَا لِابْنِ عَرَفَةَ فَمَوْضُوعُ التَّمْلِيكِ عَلَى هَذَا أَصْلُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إشْعَارٍ بِالْبَيْنُونَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ فَلَهَا أَنْ تَقْضِيَ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَتْ وَمَوْضُوعُ التَّخْيِيرِ عَلَى هَذَا الثَّلَاثُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَقْصُودُهُ الْبَيْنُونَةُ فَلِذَلِكَ تُقْبَلُ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ قَبْلَ الْبِنَاءِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْبَيْنُونَةُ بِالْوَاحِدَةِ حِينَئِذٍ دُونَ مَا بَعْدَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَيْ التَّخْيِيرَ حِينَئِذٍ صَرِيحٌ فِي الْبَيْنُونَةِ لَا يَقْبَلُ الْمَجَازَ كَالثَّلَاثِ إذَا نَطَقَ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عَزْلُهَا فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهَا مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ الْعِصْمَةِ.
وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ قَالَ الْحَطَّابُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوَكَالَةِ عَمَّنْ وَكَّلَهُ وَالْمُمَلَّكُ وَالْمُخَيَّرُ إنَّمَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَلَكَا مَا كَانَ يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ اهـ.
قَالَ حَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَتِهِ فَرَأْيُ مَالِكٍ أَنَّ قَوْلَهُ لَهَا اخْتَارِينِي أَوْ اخْتَارِي نَفْسَك أَنَّهُ ظَاهِرٌ بِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي مَعْنَى
(3/209)
 
 
وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ كَالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعِ كَالْإِجَارَاتِ وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ لِيَخْرُجَ التَّصَرُّفُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ وَتَصَرُّفُ الْقُضَاةِ فِي أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ وَالْمَجَانِينِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ لِيَخْرُجَ عَنْهُ الْإِبَاحَاتُ فِي الضِّيَافَاتِ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ مَأْذُونٌ فِيهَا، وَلَيْسَتْ مَمْلُوكَةً عَلَى الصَّحِيحِ وَيَخْرُجُ أَيْضًا الِاخْتِصَاصَاتُ بِالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْخَوَانِقِ وَمَوَاضِعِ الْمَطَافِ وَالسِّكَكِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا مِلْكَ فِيهَا مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
عَدَمِيَّةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ.
قَالَ (وَقَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ بِالْبَيْعِ وَالْمَنَافِعُ كَالْإِجَارَاتِ) قُلْت مَا قَالَهُ صَحِيحٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ تُمْلَكُ مِنْ الْمُسَامَحَةِ عَلَى مَا يَذْكُرُهُ هُوَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ (وَقَوْلُنَا يَقْتَضِي انْتِفَاعَهُ بِالْمَمْلُوكِ إلَى قَوْلِهِ فَإِنَّ هَذِهِ الطَّوَائِفَ لَهُمْ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ مِلْكٍ) قُلْت هَذَا التَّحَرُّزُ صَحِيحٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ حَدِّهِ.
قَالَ (وَقَوْلُنَا وَالْعِوَضُ عَنْهُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ الْمُكْنَةِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ) قُلْت جُعِلَ التَّصَرُّفُ بَدَلَ الِانْتِفَاعِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ هُوَ قَبْلَ هَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْأَوْصِيَاءِ وَالْحَاكِمِ حَيْثُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ دُونَ الِانْتِفَاعِ وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ هُنَا مِنْ ضَيْفٍ وَشَبَهِهِ لَيْسَ لَهُ مُطْلَقُ التَّصَرُّفِ، بَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ بِالِانْتِفَاعِ خَاصَّةً
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
الْبَيْنُونَةِ بِتَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ إنَّمَا كَانَ الْبَيْنُونَةَ وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي التَّمْلِيكِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ طَلَاقًا إذَا زَعَمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي مَعْنَى جَعْلِ الطَّلَاقِ بِيَدِهَا قَالَ وَصَارَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ وَالتَّمْلِيكَ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ مِنْ عُرْفِ دَلَالَةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَنْ مَلَّكَ إنْسَانًا أَمْرًا مِنْ الْأُمُورِ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوْ لَا يَفْعَلَهُ فَإِنَّهُ قَدْ خَيَّرَهُ اهـ.
مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ الَّذِي وَقَعَ اشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ طَلَاقًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ وَإِنْ نَوَاهُ فَهُوَ مَا أَرَادَ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُنَاكِرَهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ فِي الْخِيَارِ أَوْ التَّمْلِيكِ نَعَمْ التَّمْلِيكُ عِنْدَهُ إذَا أَرَادَ بِهِ الطَّلَاقَ كَالْوَكَالَةِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ مَتَى أَحَبَّ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ الْخِيَارُ وَالتَّمْلِيكُ وَاحِدٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا (وَقَدْ قِيلَ) الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ فِي التَّمْلِيكِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ.
(وَقَدْ قِيلَ) إنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ فِي التَّمْلِيكِ إلَّا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - رُوِيَ أَنَّهُ جَاءَ ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ فَقَالَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَتْ لَوْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْتَ كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ فَإِنَّ الَّذِي بِيَدِي مِنْ أَمْرِك بِيَدِك، قَالَتْ فَأَنْتَ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَالَ أَرَاهَا وَاحِدَةً وَأَنْتَ أَحَقُّ بِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَسَأَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، ثُمَّ لَقِيَهُ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ صَنَعَ اللَّهُ بِالرِّجَالِ وَفَعَلَ يَعْمِدُونَ إلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ فَيَجْعَلُونَهُ بِأَيْدِي النِّسَاءِ بِفِيهَا التُّرَابُ مَاذَا قُلْت فِيهَا قَالَ، قُلْت أَرَاهَا وَاحِدَةً وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا قَالَ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَلَوْ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّك لَمْ تُصِبْ، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ التَّمْلِيكُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ بِيَدِ الرَّجُلِ لَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى يَدِ الْمَرْأَةِ بِجَعْلِ جَاعِلٍ، وَكَذَلِكَ التَّخْيِيرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ وَمَعْنَى مَا ثَبَتَ مِنْ تَخْيِيرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ أَنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ طَلَّقَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا أَنَّهُنَّ كُنَّ يُطَلَّقْنَ بِنَفْسِ اخْتِيَارِ الطَّلَاقِ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ لِحَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ، وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي قِيلَ بِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ (إمَّا) عَدَمُ لُزُومِ شَيْءٍ إلَّا مَا أَرَادَهُ إنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ فَلَهُ مُنَاكَرَتُهَا فِي الطَّلَاقِ نَفْسِهِ وَفِي الْعَدَدِ (وَإِمَّا) مَا قَالَتْهُ مِنْ الْعَدَدِ، وَلَيْسَ لَهُ مُنَاكَرَتُهَا وَإِمَّا لُزُومُ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ (وَإِمَّا) أَنَّهُ لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ مُطْلَقًا وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَهُمَا مَشْهُورُ مَالِكٍ فَقَالُوا الْخِيَارُ لَيْسَ بِطَلَاقٍ أَيْ لَا صَرِيحٍ وَلَا ظَاهِرٍ، بَلْ كِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ وَفَرَّقَ ابْنُ حَنْبَلٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ مَا ذَكَرَ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ عَلَى الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ.
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك فَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا فِي الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِيهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالْمَجْلِسِ، بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ؛ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَلُّكٍ فِي الطَّلَاقِ، فَمَلَكَهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا أَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ
(3/210)
 
 
وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ لَهُمْ الْمِلْكُ، وَلَيْسَ لَهُمْ الْمُكْنَةُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ الْمَمْلُوكَةِ، لَكِنَّ تِلْكَ الْأَمْلَاكَ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ لِوُجُودِ النَّظَرِ إلَيْهَا اقْتَضَتْ مُكْنَةَ التَّصَرُّفِ وَإِنَّمَا جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ أُمُورٍ خَارِجَةٍ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَبُولِ الذَّاتِيِّ وَالِاسْتِحَالَةِ لِأَمْرٍ خَارِجِيٍّ وَلِذَلِكَ نَقُولُ إنَّ جَمِيعَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ لَهَا الْقَبُولُ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَوَاتِهَا وَهِيَ إمَّا وَاجِبَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وُجُودَهَا أَوْ مُسْتَحِيلَةٌ لِغَيْرِهَا إنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى عَدَمَهَا، وَكَذَلِكَ هَا هُنَا بِالنَّظَرِ إلَى الْمِلْكِ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ الْمَذْكُورُ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَقَوْلُنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، وَقَدْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ ذَلِكَ لِمَانِعٍ يَعْرِضُ إلَى قَوْلِهِ وَبِالنَّظَرِ لِمَا عَرَضَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْخَارِجَةِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ التَّصَرُّفِ) قُلْت كَلَامُهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ هُوَ مُوجِبُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، بَلْ مُوجِبُهُ الِانْتِفَاعُ، ثُمَّ الِانْتِفَاعُ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ انْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ وَانْتِفَاعٌ يَتَوَلَّاهُ النَّائِبُ عَنْهُ، ثُمَّ النَّائِبُ قَدْ يَكُونُ بِاسْتِنَابَةِ الْمَالِكِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ اسْتِنَابَتِهِ فَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ وَنِيَابَتِهِ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَّا بِنِيَابَتِهِ وَنَائِبِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِاسْتِنَابَتِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
وَفَضَالَةُ وَنَضْرَةُ فِي الشَّرْحِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ هُوَ ثَلَاثٌ» قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٍ فَيَتَنَاوَلُ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت وَاحِدَةً وَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ غَيْرِهَا أَيْ الزَّوْجَةِ بِأَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ.
(وَإِنْ) قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَك لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضٌ مُعَيَّنٌ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ أَمْرُك بِيَدِك فَإِنَّهُ أَمْرٌ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ جَعَلَهُ بِلَفْظِهِ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَارِي مَا شِئْت أَوْ اخْتَارِي الطَّلْقَاتِ إنْ شِئْت أَوْ جَعَلَهُ بِنِيَّةٍ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي عَدَدًا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَيَرْجِعُ فِيمَا يَقَعُ بِهَا إلَى نِيَّتِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا فَطَلُقَتْ أَقَلَّ مِنْهَا أَيْ مِنْ ثَلَاثٍ كَاثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ وَقَعَ مَا طَلَّقَتْهُ دُونَ مَا نَوَاهُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِتَطْلِيقِهَا وَلِذَا لَوْ لَمْ تُطَلِّقْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ اهـ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ، وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ التَّفَرُّقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا وَثَانِيهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ التَّخْيِيرَ ثَلَاثٌ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ رَدَّتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ حَكَاهَا الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ
، وَأَمَّا التَّمْلِيكُ فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ مَالِكٍ فَالتَّشْهِيرُ فِيمَا تَقَدَّمَ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ التَّخْيِيرِ لَا التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَهُ عِنْدَنَا أَصْلُ الطَّلَاقِ فَقَطْ كَمَا عَلِمْت فَهُوَ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ يَلْزَمُ بِهِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ لَمْ تُوقِعْ أَكْثَرَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ كَالتَّخْيِيرِ يُرْجَعُ فِيمَا يَقَعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى نِيَّةٍ، وَقَدْ قِيلَ هُوَ عَلَى مَا تَقُولُهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا كَالتَّخْيِيرِ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، وَقِيلَ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ لَغْوًا لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا.
وَقِيلَ هُوَ خِلَافُ التَّخْيِيرِ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ إلَّا مَا نَوَاهُ، وَقِيلَ هُوَ غَيْرُ التَّخْيِيرِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ مِنْ إعْدَادِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ فَالْأَقْوَالُ فِيهِ سَبْعَةٌ شَارَكَ التَّخْيِيرُ فِي أَرْبَعَةٍ وَخَالَفَهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَحُكِيَ الْأَصْلُ فِي التَّخْيِيرِ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي كِتَابِ التَّنْبِيهَاتِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ أَيْضًا
(الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا الثَّلَاثُ نَوَتْهَا الْمَرْأَةُ أَمْ لَا فَإِنْ قَضَتْ بِدُونِهَا فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهَا خِلَافٌ
(الْقَوْلُ الثَّانِي) لِعَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثُ وَإِنْ نَوَتْ دُونَهَا
(الْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ الثَّلَاثُ إنْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي وَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا أَوْ أَرَادَتْ الْخِيَارَ عَلَيْهِ، وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُقَابِلَا الْمَشْهُورِ عِنْدَنَا وَعَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ التَّخْيِيرُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ فَإِنَّ مَوْضُوعَ التَّمْلِيكِ أَصْلُ الطَّلَاقِ كَمَا عَلِمْت
(الْقَوْلُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ وَلَمْ يَنْسُبْهُ عِيَاضٌ لِأَحَدٍ وَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ إلَّا كَوْنُ التَّمْلِيكِ بِخِلَافِهِ فَقَطْ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِهَذَا الْقَوْلِ فِيهِ فَافْهَمْ
(الْقَوْلُ الْخَامِسُ) لِابْنِ الْجَهْمِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى هَذَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ الْمُنَاكَرَةُ فِي الثَّلَاثِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فِي التَّمْلِيكِ مِنْ أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَعَطَاءٌ هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي أَعْدَادِ الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مُنَاكَرَتُهَا فَتَأَمَّلْ
(الْقَوْلُ السَّادِسُ) أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ وَهُوَ إمَّا أَنْ
(3/211)
 
 
وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْبَيْعُ وَمِلْكُ الْعِوَضِ عَنْهَا بِسَبَبِ مَا عَرَضَ مِنْ الْوَقْفِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ كَالْحَجْرِ الْمَانِعِ مِنْ الْبَيْعِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِنْ، قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إنَّ الضِّيَافَةَ تُمْلَكُ وَهَلْ بِالْمَضْغِ أَوْ بِالْبَلْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ، فَهَذَا مِلْكٌ مَعَ أَنَّ الضَّيْفَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى مَا قُدِّمَ لَهُ وَلَا يُمْكِنُ مِنْ إطْعَامِهِ لِغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ أَنْ يَمْلِكَ وَهَلْ يُعَدُّ مَالِكًا أَوْ لَا قَوْلَانِ فَمَنْ مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا أَخْذِ الْعِوَضِ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي مَلَكَ أَنْ يَمْلِكَهُ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِحَقِيقَةِ الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَقَدْ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ فَقَطْ كَبُيُوتِ الدَّارِسِ وَالْأَوْقَافِ وَالرُّبُطِ وَنَحْوِهَا مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
قَالَ (وَكَذَلِكَ إذَا قُلْنَا الْأَوْقَافُ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِينَ إلَى قَوْلِهِ فَقَدْ انْطَبَقَ هَذَا الْحَدُّ عَلَى الْمِلْكِ) قُلْت قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ صَحِيحٍ قَالَ (فَإِنْ قُلْت قَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ إنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَمْلِكُ أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْ تِلْكَ الْمَنَافِعِ) ، قُلْت ذَلِكَ حِكَايَةُ سُؤَالَاتٍ وَلَا كَلَامَ فِي ذَلِكَ قَالَ (قُلْت أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ فِي الضِّيَافَاتِ أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكٌ) قُلْت مَا قَالَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِلِانْتِفَاعِ بِالْأَكْلِ خَاصَّةً سَوَاءٌ أَوَقَعَ الْبِنَاءُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته أَوْ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يُنْسَبَ لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَعَلَيْهِ فَهُوَ إمَّا بِخِلَافِ التَّمْلِيكِ فَإِنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِمَّا كَالتَّمْلِيكِ كَمَا مَرَّ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ رَوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّمْلِيكُ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ ثَلَاثًا وَإِمَّا أَنْ يُنْسَبَ لِابْنِ حَنْبَلٍ، فَيَكُونُ خِلَافَ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ كَالتَّوْكِيلِ يَلْزَمُ بِهِ مَا قَالَتْهُ فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورِ بْنِ إدْرِيسَ الْحَنْبَلِيِّ فَتَنَبَّهْ
(الْقَوْلُ السَّابِعُ) أَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحُكِيَ الْأَصْلُ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَأَنَّهُمْ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ لَفْظَ التَّخْيِيرِ يَحْتَمِلُ التَّخْيِيرَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَيَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ وَالْكَثْرَةَ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَنْوِيَ اهـ.
وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ مُعْتَمَدَ مَذْهَبِ ابْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَلَوْ أَوْقَعَتْ أَكْثَرَ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ مَنْصُورٍ الْحَنْبَلِيِّ وَأَنَّهُ خِلَافُ التَّمْلِيكِ إذْ التَّمْلِيكُ كَالتَّوْكِيلِ الْقَوْلُ قَوْلُهَا فِيمَا تُوقِعُهُ، فَإِنْ أَوْقَعَتْ وَاحِدَةً فَبَائِنَةٌ وَأَنَّ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَى هَذَا إنَّمَا هُوَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا مَعَ ذَلِكَ فِي التَّمْلِيكِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَالتَّخْيِيرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا إنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً فِيهِ فَهِيَ بَائِنَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ حَفِيدِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاعْتَمَدَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِمَشْهُورِ مَالِكٍ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَدَارَكَ
(الْمُدْرَكُ الْأَوَّلُ) قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] . الْآيَةَ. قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ بِالثَّلَاثِ
(الْمُدْرَكُ الثَّانِي) أَنَّ إحْدَى نِسَائِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَكَانَتْ أَلْبَتَّةَ فَكَانَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الْخِيَارِ
(الْمُدْرَكُ الثَّالِثُ) أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ عَادَةً إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتُهَا هَذَا هُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ لِزَوْجَتِهِ خَيَّرْتُك وَتَعَقَّبَ اللَّخْمِيُّ الْمُدْرَكَ الْأَوَّلَ بِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ الْمُطَلِّقُ لَا النِّسَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28]
(الْوَجْهُ الثَّانِي) سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَزْوَاجَ كُنَّ اللَّاتِي طَلَّقْنَ لَكِنَّ السَّرَاحَ لَا يُوجِبُ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ قَالَ سَرَّحْتُك
(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) سَلَّمْنَا أَنَّهُ الثَّلَاثُ لَكِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مُعَلَّلٌ بِالنَّدَمِ وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنَّا
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَعَقَّبَ الْمُدْرَكَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ إنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُهُ مِثْلَ ذَلِكَ» وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ هَذَا أَيْ التَّخْيِيرَ فِي الْكَوْنِ فِي الْعِصْمَةِ أَوْ مُفَارَقَتِهَا هُوَ الْمَفْهُومُ عَادَةً لَكِنْ فِي شَرْحِ الْحَطَّابِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ كَمَا فِي الْبُنَانِيِّ عَلَى ابْنِ عبق أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّمْلِيكِ قِيلَ أَمْرٌ عُرْفِيٌّ لَا مُشَارَكَةَ لِلُّغَةِ فِيهِ فَقَوْلُهُمْ فِي الْمَشْهُورِ إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَ الْمُمَلَّكَةَ دُونَ الْمُخَيَّرَةِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْعُرْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ بِانْعِكَاسِ الْعُرْفِ، وَقِيلَ هُوَ وَإِنْ كَانَ تَابِعًا لِلْعُرْفِ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ تَابِعٌ لِلُّغَةِ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ إعْطَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُنَاكِرَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ بِيَدِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ أَنَّهُ إعْطَاءٌ.
وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ خُيِّرَ فُلَانٌ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ إذَا جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ، فَيَكُونُ تَخْيِيرُ الزَّوْجَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ فَوَّضَ إلَيْهَا الْبَقَاءَ عَلَى الْعِصْمَةِ وَالذَّهَابَ عَنْهَا، وَذَلِكَ
(3/212)
 
 
كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ السَّمَكَ فِي الْمَاءِ وَالطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ وَالْحَشِيشَ وَالصَّيْدَ فِي الْفَلَاةِ لِمَنْ أَرَادَ تَنَاوُلَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَبَعْدُ إنْ بَلَعَ الطَّعَامَ كَيْفَ يَبْقَى سُلْطَانٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهَا فَسَدَتْ عَادَةً وَلَمْ تَبْقَ مَقْصُودَةَ التَّصَرُّفِ أَلْبَتَّةَ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
ارْتَضَاهُ هُوَ أَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَيْته فَلِأَنَّ مُقَدَّمَ الضِّيَافَةِ قَدْ مَكَّنَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَكْلِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْحَدِّ الَّذِي ارْتَضَاهُ هُوَ فَلِأَنَّهُ قَالَ حُكْمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْعَيْنِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ يَقْتَضِي تَمْكِينَ مَنْ يُضَافُ إلَيْهِ مِنْ انْتِفَاعِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَبِالْعِوَضِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ بِهِمَا فَيَبْقَى الِانْتِفَاعُ مُطْلَقًا.
قَالَ (كَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى السَّمَكَ فِي الْمَاءِ إلَى قَوْلِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَمْلُوكَةٌ لِلنَّاسِ) قُلْت هِيَ مَمْلُوكَةٌ بَعْدَ التَّنَاوُلِ وَإِبَاحَةُ التَّنَاوُلِ سَبَبُ مِلْكِهَا قَالَ (كَذَلِكَ الضَّيْفُ جُعِلَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إنْ أَرَادَ أَوْ يَتْرُكَ) قُلْت إبَاحَةُ صَاحِبِ الطَّعَامِ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْكُلَ سَبَبُ مِلْكِهِ أَنْ يَأْكُلَ وَمِلْكُهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ تَمَكُّنُهُ شَرْعًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ (وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يَمْلِكُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَالِكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ إلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ إذًا أَنَّهَا إبَاحَاتٌ لَا تَمْلِيكَاتٌ) قُلْت مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ مُشْكِلٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ التَّصَرُّفِ لَيْسَ كَمَا.
قَالَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ سُلْطَانِ الِانْتِفَاعِ لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا إذَا حَصَلَتْ عَلَى حَالٍ لَا يَبْقَى لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا حُكْمٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي إيقَاعِ الثَّلَاثِ، نَظَرَ ضَيْح وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اهـ.
وَقَالَ الْأَصْلُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ لُغَةً لَا مِرْيَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَفْتَى بِالثَّلَاثِ وَالْبَيْنُونَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بِنَاءً عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَانِهِ أَوْجَبَتْ نَقْلَ اللَّفْظِ عَنْ مُسَمَّاهُ اللُّغَوِيِّ إلَى هَذَا الْمَفْهُومِ فَصَارَ صَرِيحًا فِيهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَهُوَ سِرُّ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ التَّخْيِيرِ وَقَاعِدَةِ التَّمْلِيكِ غَيْرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ الْيَوْمَ وَوُجُوبُ الرُّجُوعِ إلَى اللُّغَةِ وَيَكُونُ كِنَايَةً مَحْضَةً كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ بِسَبَبِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ تَغَيَّرَ حَتَّى لَمْ يَصِرْ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ الَّتِي تُصَيِّرُهُ مَنْقُولًا وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ اللَّفْظَ مَتَى كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُضَافًا لِحُكْمٍ عَادِيٍّ بَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ بُطْلَانِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَتَغَيَّرَ إلَى حُكْمٍ آخَرَ إنْ شَهِدَتْ لَهُ عَادَةٌ أُخْرَى فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الْمُتَّجَهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَيْهِ ابْنُ الشَّاطِّ مَا نَصُّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَنَى عَلَى عُرْفِ زَمَانِهِ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا قَالَهُ مِنْ لُزُومِ تَغَيُّرِ الْفَتْوَى عِنْدَ تَغَيُّرِ الْعُرْفِ صَحِيحٌ اهـ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ الْخَرَشِيُّ عِنْدَ قَوْلِ خَلِيلٍ فِي جَوَازِ التَّخْيِيرِ قَوْلَانِ أَيْ وَكَرَاهَتِهِ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ يُنَاكِرُ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى كَرَاهَتِهِ مَعَ أَنَّ مَوْضِعَهُ الثَّلَاثُ نَظَرًا لِمَقْصُودِهِ إذْ هُوَ الْبَيْنُونَةُ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بِوَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَتْ بِحَسَبِ مَا هُنَا إنَّمَا تَكُونُ بِالثَّلَاثِ وَيَنْبَغِي جَرْيُ الْخِلَافِ فِي التَّمْلِيكِ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ وَإِلَّا فَهُوَ مُبَاحٌ وَانْظُرْ التَّوْكِيلَ إذَا قُيِّدَ بِالثَّلَاثِ، وَالظَّاهِرُ الْكَرَاهَةُ قَطْعًا اهـ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ عَلَيْهِ وَوَجْهُهُ إمَّا أَنَّ الْمُوَكِّلَ دَاخِلٌ عَلَى الث