الشرح الكبير لمختصر الأصول

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: الشرح الكبير لمختصر الأصول من علم الأصول
المؤلف: أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي
عدد الأجزاء: 1
مقدمة المؤلف:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
أما بعد ...
فهذا شرح لرسالة (الأصول من علم الأصول) لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - وطريقتي في الشرح سوف تكون - بإذن الله - أولا باختصار عبارة الشيخ قدر المستطاع ثم شرحها.
ومنهجي في الاختصار إن أحافظ على عبارة الشيخ ولا أتصرف فيها.
ومنهجي في الشرح أنني غالبا انقل ما يتضح به مقصود العبارة التي اختصرتها عن الشيخ من الأصل (1) أو من شرحه (2)، وقد أعرج أحيانا على غيرهما من كتب الشيخ؛ لتحقيق مذهب الشيخ في بعض المسائل، وقد أتبع ذلك بالنقول عن غيره من علماء المذهب الحنبلي وقد أضيف إلى ذلك بعض النقول عن غيرهم من علماء المذاهب الأخرى، أو عن بعض المعاصرين ما قد أرى أنه مناسبا وخادما للأفكار الرئيسة للمتن. كل ذلك مع التنبيه على المرجوح بدون استطراد في عرض ومناقشة الخلاف، إلا أن الأمر لا يخلو بإذن الله من بعض التنبيهات التي لها علاقة مباشرة بالمتن.
__________
(1) هذه العبارة سوف تتكرر كثيرا، ومقصودي بها "الأصول من علم الأصول" فهو أصل لمختصرنا.
(2) ومقصودي بالشرح: شرح الأصول من علم الأصول للشيخ العثيمين.
(1/5)
 
 
وسبب اختصاري لعبارة الشيخ أن الشيخ - رحمه الله - قد صنف هذه الرسالة للتدريس لطلاب السنة الثالثة الثانوية في المعاهد ومن نظر فيها علم أنها كالمتن الممزوج بالشرح المبسط.
فالشيخ - والله أعلم - لم يكن هدفه أن يضع هذه الرسالة على أنه متن يسهل حفظه على الطلاب، وإنما كان غرضه تقريب هذا العلم إليهم.
فقلت: لعلي إن اختصرت عبارتها أن أسهل حفظها على طلاب العلم.
لذلك سوف اختصر أهم النقاط الواردة في الرسالة ثم من خلالها أتوسع بذكر متعلقاتها النافعة بإذن الله.
وقبل الشروع في اختصار وشرح الرسالة سوف أقدم بين يديها بالتعريف بمؤلفها، وبرسالته، فالله المستعان.
 
المنيا في 14 شوال 1429 هـ الموافق 13/ 10 / 2008م
(1/6)
 
 
ترجمة الماتن:
هو الشيخ محمد بن عثيمين ذلك العالم الجليل والمربي الفاضل والقدوة الصالحة في العلم والزهد والصدق والإخلاص والتواضع والورع والفتوى.
هو شيخ التفسير والعقيدة والفقه والسيرة النبوية والأصول والنحو وسائر العلوم الشرعية.
هو العالم الداعي إلى الله على بصيرة الذي انتفع بعلمه المسلمون في شتى أنحاء العالم الإسلامي والذي أجمعت القلوب على قبوله ومحبته وفضله وعلو مرتبته.
هو فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وقد أفرد تلاميذ الشيخ وغيرهم سيرة الشيخ بمؤلفات مفردة ومنها:
1 - ابن عثيمين، الإمام الزاهد": كتاب قيم يحمل في طياته سيرة الإمام ابن عثيمين رحمه الله يرويها العلماء وطلبة العلم، مع ما قيل في الشيخ رحمه الله من مراثي وأشعار .. يقع الكتاب في (1022) صفحة.
2 - الجامع لحياة العلامة محمد بن صالح العثيمين": بقلم تلميذه الشيخ "وليد بن أحمد الحسين" رئيس تحرير مجلة "الحكمة"، وهو كتاب جميل، بل من أجمل ما كُتب عن الشيخ رحمه الله، فأنصح طلبة العلم ومحبي الشيخ بقراءته، وترجم له ترجمة أيضا مختصرة في العدد الثاني من مجلة الحكمة، وقد طبعت الترجمة في رسالة مفردة بعنوان: صفحات مضيئة من حياة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.
3 - سيرة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله": وهي رسالة لطيفة كتبها " إحسان بن محمد بن عايش العتيبي"، وهي من أول ما كُتب في رثاء الشيخ رحمه الله.
4 - صفحات مشرقة من حياة الإمام محمد بن صالح العثيمين" جاء في (176) صفحة من تأليف "حمود بن عبد الله المطر" ..
5 - أربعة عشر عاماً مع سماحة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين": وهو للشيخ "عبدالكريم بن صالح المقرن" .. جاء في (93) صفحة.
6 - لمحات من حياة سماحة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين": للشيخ
(1/7)
 
 
"متعب بن عبدالرحمن القبيسي" .. جاء في (17) صفحة.
7 - الدر الثمين في ترجمة العلامة ابن عثيمين": شارك في إعدادها أحد عشر باحثاً معظمهم من تلاميذ الشيخ رحمه الله .. وهي رسالة صغيرة في (45) صفحة.
8 - ابن عثيمين، سيرة زاهد": وهي من تأليف "خالد قندس" من اليمن .. تقع في (20) صفحة.
9 - "صفحات من حياة الفقيد العالم الزاهد الشيخ محمد بن عثيمين" رسالة لطيفة للشيخ: عبدالله بن محمد بن احمد الطيار.
10 - وسطر مازن الغامدي (رحلتي إلى النور) وهي قصه يذكر فيها مواقفه وحياته مع الشيخ العلامة بن عثيمين، ومات قبل أن تيمها - رحمهما الله تعالى -.
11 - هذا غير الرسائل الجامعية والمقالات الكثيرة التي كتبت في أكثر المجلات والجرائد العربية وغيرها تتحدث عن حياة هذا العالم الجليل.
وغير ذلك الكثير فرحم الله الشيخ رحمة واسعة.
وسوف ألخص جملا مما وقفت عليه من هذه الكتب والرسائل بما يتضح به المقصود من ترجمة الشيخ - رحمه الله -، فالله المستعان.
 
اسمه ونسبه:
هو أبو عبد الله محمد بن صالح بن محمد بن سليمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أحمد بن مقبل من آل مقبل من آل ريِّس الوهيبي التميمي، وجده الرابع عثمان أطلق عليه عثيمين فاشتهر به، وهو من فخذ وهبه من تميم نزح أجداده من الوشم إلى عنيزة.
 
مولده:
كان مولده في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك عام 1347هـ، في مدينة عُنَيِّزَة - إحدى مدن القصيم- بالمملكة العربية السعودية.
(1/8)
 
 
وصفه:
قصير القامة معتدل الجسد ـ إلا في مرضه الأخير فقد هزل جدا ـ ذو لحية طويلة إلى صدره بيضاء ـ ما كان يحنيها ـ أبيض البشرة بشوش دائما طلق الوجه.
 
نشأته العلمية:
نشأ الشيخ في عائلة معروفة بالتدين والاستقامة، بل وتتلمذ على بعض أفراد عائلته أمثال جده لأمه الشيخ عبدالرحمن بن سليمان آل دامغ - رحمه الله - فقرأ عليه القرآن، وحفظه، وقبل أن يتجاوز الخامسة عشر من عمره كان يحفظ - بالإضافة إلى كتاب الله - " زاد المستقنع " و" ألفيَّة ابن مالك " - كما أخبر بذلك هو عن نفسه.
وقد جدَّ الشيخ ونشط في طلب العلم على قلة ذات اليد في ذلك الزمان، وقد حدَّث عن نفسه فقال إنه كان لا يملك إلا " الروض المربع " يقرأ فيه، في غرفة من طين.
ثم درس على فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي - رحمه الله -وقد توسم فيه شيخه النجابة، والذكاء، وسرعة التحصيل فكان به حفياً ودفعه إلى التدريس وهو لا يزال طالباً في حلقته.
ولما فتح المعهد العلمي بالرياض أشار عليه الشيخ علي الصالحي أن يلتحق به فاستأذن شيخه عبد الرحمن السعدي فأذن له فالتحق بالمعهد العلمي في الرياض سنة 1372هـ وانتظم في الدراسة سنتين انتفع فيهما بالعلماء الذين كانوا يدرسون في المعهد حينذاك، والتقى هناك بسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ ويعتبر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز شيخه الثاني في التحصيل والتأثر به.
وتخرج من المعهد العلمي ثم تابع دراسته الجامعية انتساباً حتى نال الشهادة الجامعية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض.
 
شيوخه:
1. جده من جهة أمه عبد الرحمن بن سليمان الدامغ - رحمه الله- درس عليه القرآن الكريم.
2. فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ ويعتبر
(1/9)
 
 
الشيخ عبدالرحمن السعدي شيخه الأول الذي نهل من معين علمه وتأثر بمنهجه وتأصيله واتباعه للدليل وطريقة تدريسه.
3. سماحة الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله- فقرأ عليه في المسجد من صحيح البخاري ومن رسائل شيخ الإسلام بن تيمية وانتفع منه في علم الحديث والنظر في آراء فقهاء المذاهب والمقارنة بينها.
4. الشيخ محمد بن عبد العزيز المطوع -رحمه الله-.
5. قرأ على الشيخ عبد الرحمن بن علي بن عودان -رحمه الله- في علم الفرائض حال ولايته القضاء في عنيزة.
6. قرأ على الشيخ عبد الرزاق عفيفي -رحمه الله- في النحو والبلاغة أثناء وجوده في عنيزة.
7. الإمام العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ـ رحمه الله ـ.
يقول الشيخ: (كنا طلابا في المعهد العلمي في الرياض، وكنا جالسين في الفصل، فإذا بشيخ يدخل علينا، إذا رأيته قلت: هذا بدوي من الأعراب، ليس عنده بضاعة من علم، رث الثياب، ليس عليه آثار الهيبة، لا يهتم بمظهره، فسقط من أعيننا، فتذكرت الشيخ عبدالرحمن السعدي، وقلت في نفسي: أترك الشيخ عبدالرحمن السعدي، وأجلس أمام هذا البدوي؟ فما ابتدأ الشنقيطي درسه انهالت علينا الدرر من الفوائد العلمية من بحر علمه الزاخر، فعلما أننا أمام جهبذ من العلماء وفحل من فحولها، فاستفدنا من علمه، وسمته، وخلقه، وزهده، وورعه).
8. الشيخ عبد العزيز بن ناصر بن رشيد ـ رحمه الله ـ
9. الشيخ عبد الرحمن الأفريقي.
10. قرأ على سماحة الشيخ عبدالله بن عقيل العقيل في الفقه ...
وغيرهم.
 
زواجه:
تزوج ـ رحمه الله ـ ثلاث مرات الأولى: ابنة عمه بنت سليمان بن محمد العثيمين التي توفيت أثناء الولادة، ثم تزوج بعد وفاتها من ابنة الشيخ عبدالرحمن بن
(1/10)
 
 
الزامل العفيسان وظلت معه خمس سنوات لم ينجب منها فطلقها ثم تزوج بنت محمد بن إبراهيم التركي وهي أم أولاده، ولم يجمع بين زوجتين.
 
أولاده:
الذكور: خمسة وهم:
1. عبدالله: موظف في جامعة الملك سعود.
2. عبدالرحمن: ضابط في وزارة الدفاع.
3. إبراهيم: ضابط في الحرس الملكي.
4. عبدالعزيز: ضابط في الجوازات.
5. عبدالرحيم: موظف في الخطوط السعودية.
ولم يطلب العلم أحد من أبناءه عليه ـ رحمه الله ـ، وله ثلاث بنات تزوجتْ اثنتان منهن باثنين من طلابه وهما الشيخ سامي الصقير والشيخ خالد المصلح.
 
أعماله ونشاطه العلمي:
* بدأ التدريس منذ عام 1370هـ في الجامع الكبير بعنيزة في عهد شيخه عبدالرحمن السعدي وبعد أن تخرج من المعهد العلمي في الرياض عين مدرساً في المعهد العلمي بعنيزة عام 1374هـ.
* وفي سنه 1376هـ توفي شيخه عبدالرحمن السعدي فتولى بعده إمامة المسجد بالجامع الكبير في عنيزة والخطابة فيه والتدريس بمكتبة عنيزة الوطنية التابعة للجامع والتي أسسها شيخه عام 1359هـ.
* ولما كثر الطلبة وصارت المكتبة لا تكفيهم صار يدرس في المسجد الجامع نفسه واجتمع إليه طلاب كثيرون من داخل المملكة وخارجها حتى كانو يبلغون المئات وهؤلاء يدرسون دراسة تحصيل لا لمجرد الاستماع - ولم يزل مدرساً في مسجده وإماماً وخطيباً حتى توفي -رحمه الله-.
* استمر مدرساً بالمعهد العلمي في عنيزة حتى عام 1398هـ وشارك في آخر هذه الفترة في عضوية لجنة الخطط ومناهج المعاهد العلمية في جامعة الإمام محمد بن
(1/11)
 
 
سعود الإسلامية وألف بعض المناهج الدراسية.
* ثم لم يزل أستاذاً بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم بكلية الشريعة وأصول الدين منذ العام الدراسي 1398 - 1399هـ حتى توفي - رحمه الله -.
* درّس في المسجد الحرام والمسجد النبوي في مواسم الحج وشهر رمضان والعطل الصيفية.
* شارك في عدة لجان علمية متخصصة عديدة داخل المملكة العربية السعودية.
* ألقى محاضرات علمية داخل المملكة وخارجها عن طريق الهاتف.
* تولى رئاسة جمعية تحفيظ القرآن الكريم الخيرية في عنيزة منذ تأسيسها عام 1405هـ حتى وفاته - رحمه الله -.
* كان عضواً في مجلس كلية الشريعة وأصول الدين بفرع الجامعة بالقصيم ورئيساً لقسم العقيدة فيها.
* كان عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية منذ عام 1407هـ حتى وفاته -رحمه الله-.
وكان بالإضافة إلي أعماله الجليلة والمسؤوليات الكبيرة حريصاً على نفع الناس بالتعليم والفتوى وقضاء حوائجهم ليلاً ونهاراً حضراً وسفراً وفي أيام صحته ومرضه -رحمه الله تعالى رحمة واسعة-.
أمضى وقته ـ رحمه الله ـ في التعليم والتربية والإفتاء والبحث والتحقيق وله اجتهادات واختيارات موفقة، لم يترك لنفسه وقتاً للراحة حتى إذا سار على قدميه من منزله إلى المسجد وعاد إلى منزله فإن الناس ينتظرونه ويسيرون معه يسألونه فيجيبهم ويسجلون إجاباته وفتاواه.
 
جهوده الأصولية:
خلف الشيخ تراثا ضخما من النتاج الأصولي بين مقروء ومسموع ومما وقفت عليه من ذلك:
- رسالة الأصول من علم الأصول، وهي رسالة مختصرة في أصول الفقه
(1/12)
 
 
وضعت على وفق المنهج المقرر للسنة الثالثة الثانوية في المعاهد العلمية، وطبعت في دار ابن الجوزي، وتقع في (98) صفحة وهي موضوع كتابنا هذا.
- شرح الأصول من علم الأصول في مجلد كبير يقع في (672) صفحة وطبع بدار البصيرة.
- "منظومة أصول الفقه وقواعده" فيما يزيد على المائة بيت، وقد اشتملت على جملة من القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية، والضوابط الفقهية، والفروق الفقهية، وشرحها الشيخ نفسه في مجلد متوسط يقع في (358) صفحة وطبع بدار ابن الجوزي
- التعليق على القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة وقد نشرته مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية في مجلد كبير (451) صفحة.
- شرح نظم الورقات في أصول الفقه طبعه دار ابن الجوزي في مجلد متوسط (253) صفحة.
- رسالة في الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه.
- شرح خاتمة منظومة السفاريني في العقيدة، وهي في علم المنطق، وذلك ضمن شرحه لنظومة السفاريني.
- مختارات من أعلام الموقعين، وقد طبع في مجلد صغير بمؤسسة آسام للنشر في (153) صفحة.
- "نيل الأرب من قواعد ابن رجب" وهو اختصار الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - لكتاب القواعد لابن رجب وقد اشتمل على قواعده الحسان، مع حذف فروعها.
- تعليق على التعبيرات الواضحات على شرح الورقات في (9) أشرطة.
- شرح قطعة من مختصر التحرير لابن النجار في (17) شريط.
- شرح قطعة كبيرة من قواعد الأصول ومعاقد الفصول لصفي الدين الحنبلي حتى أول باب القياس في (14) شريط.
- شرح قطعة كبيرة من قواعد ابن رجب حتى القاعدة القاعدة السابعة والعشرين بعد المائة في (18) شريط.
إلى غير ذلك مما لم أقف عليه، فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وجزاه خيرا على ما قدم من خدمات جليلة للعلم وطلابه.
(1/13)
 
 
طلابه:
قال الشيخ وليد الزبيري: أذكر في بداية طلبي للعلم عند الشيخ في مطلع (1402 هـ) كنا ربما لا نزيد على عشرة طلاب في المجلس الواحد، ولم تكن للشيخ شهرة على ما هو عليها الآن، ولعل اكتسابه للشهرة، وتوافد طلاب العلم عليه من كل حدب وصوب يرجع إلى عدة عوامل منها:
1 - صدقه وإخلاصه في طلب العلم والتعليم - بحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا - وبذل نفسه في ذلك.
2 - تصديه للدروس والمحاضرات والفتوى في الحرم المكي في شهر رمضان
3 - وضوحه في الأداء.
4 - سلامة المنهج في العقيدة.
5 - عدم تعصبه وجموده لمذهب معين في جميع مسائل الأحكام.
6 - تقليده بعض المناصب المهمة، مثل: عضويته في هيئة كبار العلماء، ورئاسة قسم العقيدة وجماعة تحفيظ القرآن، ومشاركته في برنامج نور على الدرب الذي يذاع في المذياع.
7 - استجابته لكثير من الدعوات الموجهة إليه لإلقاء المحاضرات في كثير من مدن المملكة.
8 - كثرة الأشرطة العلمية التي سجلت له، والتي وصلت إلى دول أوربا وأمريكا وغيرها من دول الغرب.
9 - كثرة مؤلفاته التي أكثرها صغيرة الحجم، غزيرة الفائدة، واضحة العبارة وترجم بعضها إلى عدة لغات. اهـ
ومنهم:
1. الدكتور إبراهيم بن علي العبيد.
2. الدكتور أحمد بن عبدالرحمن القاضي.
3. الدكتور أحمد بن محمد الخليل.
4. الشيخ خالد بن عبدالله المصلح، زوج بنت الشيخ.
5. الدكتور خالد بن عبدالله المشيقح.
(1/14)
 
 
6. الشيخ سامي بن محمد الصقير، وهو زوح بنت الشيخ.
7. الأمير الدكتور عبدالرحمن بن سعود الكبير آل سعود.
8. الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الطيار.
9. الشيخ محمد بن سليمان السلمان.
10. وليد بن أحمد الحسين.
11. الشيخ صالح بن عبدالله بن عبدالكريم الدرويش.
12. الدكتور ناصر بن عبدالله القفاري.
وغيرهم الكثير.
 
منهجه العلمي:
لقد أوضح الشيخ يرحمه الله منهجه، وصرح به مرات عديدة، أنه يسير على الطريقة التي انتهجها شيخه العلامة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي يقول شيخنا أبو عبدالله: لقد تأثرت كثيرا بشيخي عبدالرحمن السعدي في طريقة التدريس، وعرض العلم، وتقريبه للطلبة بالأمثلة والمعاني.
والمنهج الذي سلكه الشيخ عبد الرحمن السعدي هو منهج خرج به عن المنهج الذي يسير عليه علماء الجزيرة علماء نجد عامتهم أو غالبيتهم، حيث اعتماد المذهب الحنبلي في الفروع من مسائل الأحكام الفقهية، والاعتماد على كتاب زاد المستقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل، فكان الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي معروفا بخروجه عن المذهب الحنبلي وعدم التقيد به في مسائل كثيرة، حتى أخبرني أحد علماء مدينة بريدة التي تبعد عن مدينة الشيخ عنيزة حوالي خمسة وعشرين كيلومترا أن علماء بريدة، رحمهم الله، في عهد الشيخ السعدي كانون ينقمون على الشيخ السعدي بسبب خروجه عن المذهب الحنبلي، حتى رفعوا عليه دعوى إلى الملك عبد العزيز آل سعود يشكونه إليه، حتى أن الشيخ السعدي، إذا أراد أن يجتمع مع محبيه ومناصريه من أهل بريدة لا يجتمع معهم في داخل مدينة بريدة، بل كانوا يخرجون إليه ويجتمعون به في أطراف المدينة، وهكذا اخبرني شيخي أبو عبد الله العثيمين.
ومنهج الشيخ السعدي هو انه كثيراً ما يتبنى آراء شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه
(1/15)
 
 
ابن القيم ويرجحها على المذهب الحنبلي، فلم يكن عنده الجمود تجاه مذهب معين، بل كان متجرداً للحق، وقد انطبعت هذه الصفة وانتقلت إلى تلميذة محمد الصالح العثيمين.
ولم يكن تبني الشيخ لآراء شيخ الإسلام نابعاً عن هوى أو تقليد أعمى، بل كان متجرداً للحق أيضا، فحيثما وجد الحق فهو ضالته ومطلبه، بل إنه خالف شيخ الإسلام في عشرات المسائل أكثر من مخالفة شيخه السعدي لشيخ الإسلام، ومخالفته لشيخ الإسلام في هذه المسائل لا يدل على استنقاصه لشيخ الإسلام ولا تقليلاً من شأن شيخ الإسلام ومكانته العلمية، ولا يدل على أنه اعلم منه في هذه المسائل، بل ربما يكون الحق في جانب شيخ الإسلام فيما خالفه فيه، ومازال العلماء قديما وحديثاً يخالف بعضهم بعضاً في عشرات أو مئات وربما ألوف المسائل لكن العيب في المخالفة أن تكون نابعة عن هوى أو سوء نية، أو عدم توفر الكفاءة العلمية وعدم الدقة في فهم النصوص واحتواء الخلاف فيها بالنسبة للمخالف، وكل هذه الصفات يتنزه عنها شيخنا رحمه الله فهو معروف بسعة علمه، ودقة فهمه، وآثاره العلمية، من مكتوب ومسموع، شاهدة على أهليته وكفاءته.
وكل مسألة يخالف فيها شيخنا أبو عبد الله العثيمين من هو اعلم منه، له حظ من النظر فيها، وما كان كذلك فلا حرج في المخالفة.
قال الناظم:
وليس كل خلاف جاء معتبراً ... إلا خلافاً له حظ من النظر
ولا بأس في أن نذكر أمثلة لبعض المسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية منها:
1 - يرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، ويرى شيخنا أنها واجبة.
2 - يرى شيخ الإسلام أن المتمتع في الحج يكفيه سعي العمرة عن سعي الحج، ويرى شيخنا أن سعي العمرة لا يكفي عن سعي الحج.
3 - يرى شيخ الإسلام جواز سفر المرأة بلا محرم مع الأمن، ويرى شيخنا عدم جواز سفر المرأة بلا محرم مطلقا.
4 - يرى شيخ الإسلام جواز الجمع بين الأختين من الرضاع، ويرى شيخنا
(1/16)
 
 
التحريم لعموم حديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
5 - يرى شيخ الإسلام جواز دفع الزكاة في قضاء دين الميت الذي لم يخلف وفاء، ويرى شيخنا عدم الجواز.
6 - يرى شيخ الإسلام جواز تعفير الوجه بالتراب تذللاً لله تعالى ذكرها في الاختيارات ويرى شيخنا ضعف هذا القول، لان الأصل في العبادات المنع والحظر، حتى يقوم دليل على المشروعية. ...
7 - يرى شيخ الإسلام أن للأم الثلث مع الأخوة المحجوبين بالأب، ويرى شيخنا أن للأم السدس، أي أن الأخوة، وان كانوا محجوبين بالأب، لكن تأثيرهم على الأم يظل باقياً، فيحجبونها حجب نقصان من الثلث إلى السدس، وهو قول الجمهور.
8 - يرى شيخ الإسلام جواز الزيادة بين الربويين من جنس واحد في مقابلة الصنعة، ويرى شيخنا عدم الجواز للعمومات الدالة على أن الذهب بالذهب لابد فيه من التساوي وزنا بوزن، سواء بسواء، يداً بيد.
9 - يرى شيخ الإسلام أن المأموم تكفيه قراءة إمامه في الصلاة الجهرية، وهو المذهب، ويرى شيخنا وجوب قراء الفاتحة على المأموم في الجهرية.
 
مؤلفاته:
بلغت مؤلفات الشيخ ما يزيد على 125 مؤلفا بين كتاب صغير ومجلدات كبيرة ومنها:
1. مجموع فتاوى الشيخ، ويحوى المجموع حسبما أمر الشيخ كل مؤلفات الشيخ التي تبلغ مجلدين فأقل، وبلغت خمسة عشر مجلد وقد تصل إلى ثلاثين مجلدا.
2. تخريج أحاديث الروض المربع.
3. الشرح الممتع على زاد المستقنع، وهو أكبر مؤلفات الشيخ وأكثرها نفعا وفيها يظهر دقة علم الشيخ وقد يصل إلى خمسة عشر مجلد.
4. فتاوى منار الإسلام. ثلاث مجلدات.
5. نيل الأرب من قواعد ابن رجب.
6. القواعد المثلى.
(1/17)
 
 
7. القول المفيد على كتاب التوحيد. ثلاث مجلدات.
8. فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام.
9. شرح العقيدة الواسطية. مجلدان.
10. شرح رياض الصالحين. سبع مجلدات.
وغيرها الكثير وقد جمعت بعض آثار الشيخ ورسائله وفتاويه فبلغت بضعا وعشرين مجلدا.
 
عبادته
وعُرف عن الشيخ قيامه بالفرائض والنوافل والطاعات، ومن صور ذلك:
1 - أنه يحج في كل عام منذ سنوات طويلة.
2 - أنه يعتمر في رمضان وفي غيره من مواسم " العطلات ".
3 - أنه يقيم الليل حتى مع شدة تعبه، وقد حدَّث عن ذلك بعض تلامذته - وهو الشيخ حمد العثمان - ومما قال - بالمعنى - أنه سافر مع الشيخ إلى الرياض فمكثوا فيه وقتاً ثم غادروا إلى جدة فأدوا العمرة في مكة، فلما انتهوا من عمرتهم وإذ بالتعب قد سرى لجسدهم فاستسلموا للنوم.
قال الشيخ حمد: فقمت في الليل إلى الحمام لقضاء الحاجة، وإذ بي أرى الشيخ رحمه الله قائماً يصلي!!
فقلت: سبحان الله، أنا شاب واستسلمت للنوم، وهذا شيخ كبير تعب معي مثلي ثم يقوم في الليل ليصلي؟ فتشجع أخونا " حمد " ليصلي فقام وتوضأ ولما أراد أن يصلي وإذ بالنعاس يغالبه! فقال: " يا عمي! إحنا وين والشيخ وين!!؟ " فرجع للنوم! - ولا أدري أصلَّى شيئاً أو لا -.
 
برنامج الشيخ اليومي:
وعن برنامجه اليومي قال ابنه إبراهيم:
إن الوالد - رحمه الله - كان عادة ما يستيقظ قبل صلاة الفجر ويوتر ثم يصلي
(1/18)
 
 
الفجر ويرجع إلى البيت ويرتاح قليلاً، ثم بعد ذلك يبدأ اليوم إذا كان عنده محاضرة استعد لها، وإلا جلس للكتابة والرد على مكالمات السائلين حتى وقت الظهر، ثم يذهب للمسجد لصلاة الظهر، ثم يرجع للبيت مرة ثانية لمكتبته حتى يحين وقت الغداء، وهي الفرصة التي يلتقي فيها بأبنائه! وحتى في هذه اللحظة يضع التليفون بالقرب منه لمباشرة الرد على الأسئلة، ثم بعد الغداء يجلس ويرد على التليفون ثم يذهب لصلاة العصر ويجلس بعدها بالمسجد قليلاً، حيث يلتقي غالباً ببعض أهل القضايا والحاجات، ثم يعود للبيت ويجلس بالمكتبة حتى صلاة المغرب، ثم يذهب لصلاة المغرب ليبدأ بعدها الدرس إلى العشاء، ثم بعد صلاة العشاء يعود للبيت، ودائماً ما يكون لديه برنامج بعد العشاء وحتى حوالي التاسعة والنصف إما خارج " عنيزة " أو عبر التليفون أي في بلدان المملكة أو أحيانا خارج المملكة في هولندا وألمانيا وكثير من الدول، فيكون على اتصال بالمراكز هناك، ويقوم بإلقاء محاضرة ربما امتدت لساعة عبر التليفون، ثم بعدها يجلس إلى القراءة حتى حوالي الحادية عشرة. هذا هو يومه العادي.
 
مواقف للشيخ:
* دخل على الشيخ ـ رحمه الله ـ صبي دون السادسة من عمره وهو بين طلابه وأمسك بيده وقال: أبي يريد السلام عليك قبل سفره فلاطفه الشيخ والطفل آخذ بيده حتى بلغ به والده فتعجب من هذا الخلق النبيل.
 
* ركب الشيخ مع أحد محبيه وكانت سيارة الرجل كثيرة الأعطال فتوقفت فيهم أثناء الطريق فنزل الشيخ وقال للرجال: أنت ابق مكانك وأنا أدفع السيارة!! فدفعها ـ رحمه الله ـ حتى تحركت بهم.
 
* ويحكي مدير المعهد العلمي في عنيزة سابقا فيقول: احتجت مبلغ من المال فاقترضت من الشيخ ـ رحمه الله ـ وذكرت له أنني محتاج المبلغ لأنني سأسافر للرياض فقال لي: بي رغبة بالسفر للرياض هل تأخذني معك؟، فأخذته معي وكانت
(1/19)
 
 
المواصلات صعبة في تلك الفترة، فلما وصلنا أصر الشيخ على دفع مبلغ مقابل السفر، فرفضت بشدة فقال: لو أنني ما أقرضتك لكان الأمر هينا ولكن أخشى أن يكون قرضا جر نفعا!!.
 
* أنه دعيَ لافتتاح " تسجيلات إسلامية " ضخمة، وبينما هو يتجول في أنحائها إذ يلاحظ أنه قد جعل لكل صاحب أشرطة من المشايخ لوحة كبيرة فيها اسمه، وبمروره على " زاوية " الشيخ الألباني رحمه الله رأى أن لوحة اسمه صغيرة! فأنكر عليهم الشيخ رحمه الله غاية الإنكار! وأمرهم بتكبير لوحة الشيخ أو تصغير لوحات المشايخ الآخرين.
وكان ذلك، ففي اليوم التالي جاء الناس إلى " التسجيلات " وقد جعلوا لوحة الشيخ مثل أخواتها!
 
* ولما بشَّره بعض الشباب برؤيا رآها بعض المجاهدين في الشيخ الألباني فرح بها الشيخ رحمه الله وطلب من ناقلها له أن يتصل بالشيخ الألباني من بيته ليبشره بها، لكن قدَّر الله أن لا يكون الشيخ حينذاك في بيته.
وملخص الرؤيا: أن الرائي قد رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله إذا أشكل عليَّ شيءٌ في الحديث فمَن أسأل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سل الشيخ محمد ناصر الدين الألباني!!
 
* سافر شباب من " الأردن " إلى العمرة، وفي " خيبر " قدَّر الله عليهم حادثاً صدموا به عمود الإنارة! فهرعت الشرطة لمكان الحادث، وأصروا على السائق أن يدفع تكاليف العمود وكانوا قد قدَّروا ذلك بـ (21000) واحد وعشرون ألف ريال!
وهذا السائق - ومعه المعتمرون - لا يقدرون على دفع مثل هذا المبلغ!
فحجز الشرطة جواز سفر السائق لحين تدبير المبلغ ودفعه عند رجعتهم من أداء العمرة.
(1/20)
 
 
فغلب الشباب على أمرهم وفكروا في طريقة تحصيل المبلغ، فلم يكن أمامهم إلا عرض الموضوع على بعض المشايخ، فكان أن ذهب واحدٌ منهم - وهو الذي حدثني بالقصة - إلى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في غرفته في الحرم المكي بعد صلاة العصر.
فعرف الشيخ منه القصة، وقال له: " تعال غداً وإن شاء الله يصير خير "!
قال الشاب: فلم أرجع للشيخ لأنني عرفت أن المبلغ كبير، والشيخ لا يعرفنا، ولم يُعرف عن الشيخ أنه يساعد في مثل هذه الأمور، لكنني ذهبت - والكلام لمحدثي - تحقيقاً لرغبة الشباب في أن أكلِّم الشيخ فقط.
ثم رجع القوم إلى " الأردن "، وكان لا بدَّ من المرور على " خيبر "! لأخذ الجواز، ولعلَّ الله أن يكون قد رقق قلوبهم فيسقطوا عنا المبلغ.
ولما دخل الشباب إلى المركز أصرَّ الضابط على إحضار المبلغ كاملاً وإلا لا سفر، فإن أرادوا السفر فمن غير السائق!!
تحيَّر الشباب وسائقهم! ماذا يفعلون؟
توجهوا للشاب الذي ذهب للشيخ ابن عثيمين فقالوا له: ألم تذهب أنت للشيخ ماذا قال لك؟ قال: قال: تعال غداً!!
قالوا: فهل ذهبتَ له؟ قال: لا!!
قالوا: اتَّصل به لعل الله أن يكون الفرج على يديه ونحن محبوسون عن أهلنا هنا ونحن في آخر أيام رمضان!!
قال: فاتَّصلتُ بالشيخ في غرفته فردَّ عليَّ وأخبرته بحالنا!
قال: أنت الشاب الأردني؟؟!!
قلت: نعم يا شيخ!
قال: ألم أقل لك تعال في الغد، لمَ لمْ تأتِ؟
قال: استحييتُ!
قال: فلمَ كلمتني إذن؟؟! على كل حال: المبلغ كان جاهزاً في اليوم نفسه!!!!!
فلم يصدِّقوا، وكاد الشباب أن يطيروا فرحاً - ومعهم السائق بالطبع! -.
قال الشاب: والحل يا شيخ؟
(1/21)
 
 
قال الشيخ: أنا أحوِّل المبلغ للمركز، وأطلب منهم أن ييسروا أمركم وترجعوا إلى أهليكم قبل العيد!!
قال الشيخ: أعطني الضابط المسؤول!
كلَّم الضابطُ الشيخ بنوع من اللامبالاة!
قال الشيخ: المبلغ عندي وأعطني رقم حسابكم وأنا أحوله لكم وأطلقوا الشباب وسائقهم ليذهبوا إلى أهليهم!
ردَّ الضابط بقلة أدب: آسفين يا شيخ! لا بدَّ من إحضار المبلغ نقداً وإلا فلن يسافروا ولن يرجعوا!!
غضب الشيخ جدّاً من الضابط، وقال: أقول لك المبلغ عندي دعهم يذهبوا إلى أهليهم!!
رفض الضابط مرة أخرى!
أغلق الشيخ السماعة.
قال الشاب: فما هي إلا لحظات إلا والمركز ينقلب رأساً على عقب!!
ما الخطب؟؟
إنه أمير المدينة!! - الأمير عبد المجيد - اتصل يسأل عن الضابط الذي رفض طلب الشيخ وبدأ يهدد ويتوعد بالعقوبة!!
حاول الضباط وأفراد الشرطة التستر على زميلهم!!
ورأى الشباب تغير العنجهية بصورة سريعة ومذهلة! إلى رقة وأدب!
فأمرهم أمير المدينة بإطلاق الشباب وسائقهم فوراً وتصليح العمود على حساب الدولة!!
لا يتصور أحد مدى فرحة الشباب بهذا الخبر! فشكروا للشيخ جهوده ووقفته معهم وارتفعت أصواتهم بالدعاء للشيخ، وأكبروا في الأمير احترامه للعلماء وتقديره لمكانتهم في موقف لن ينساه أحد منهم ما عاش أبداً!
 
* قال الشيخ وليد الحسين: ولقد لمستُ حرص الشيخ على طلابه منذ بداية ملازمتي له، وذلك عندما قصدت هذه البلاد المباركة - المملكة العربية السعودية -
(1/22)
 
 
قبل ثلاث عشرة سنة، وقد صحبتُ معي القليل من المال حتى نفد، ولم يبق عندي منه شيء فصبَّرتُ نفسي، وأيقنتُ أن الله سيفرج هذا الضيق:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ... فرجت وكنت أظن أنها لا تفرج
حتى إذا ما مضى أسابيع، وأنا أعيش هذا الضيق، فإذا بالشيخ يناديني بعد صلاة الفجر، وبيده مبلغ من المال ليس بالقليل، ويعلم الله أنني لم أشكُ له حالي، ولكنه الفرج من الله.
وبعد مدة من الزمن نفد ما عندي من المال، فخشيتُ أن أكون قد أحرجتُ الشيخ في مساعدته لي، أو يظن أنني لازمته من أجل المال، فقررتُ أن أرحل، وأجمع مالاً أتقوى به على طلب العلم، فرحلتُ إلى " الدمام " - حيث معارفي - وتركتُ رسالة للشيخ بيَّنتُ فيها سبب ارتحالي، فساءه ذلك جدّاً، وحاول أن يتعرف على عنواني، فتيسر له الحصول عليه وعلى رقم هاتفي، واتصل بي هاتفيّاً! وألزمني بالرجوع، وألحَّ عليَّ، فأجبتُه إلى طلبه وأنا في حرج، واستأنفتُ ملازمتي له.
وكان - رحمه الله - لا يبخل عليَّ وعلى زملائي من المغتربين بالإنفاق علينا، ومتابعة أحوالنا، وتذليل الصعاب التي تواجهنا.
 
* في إحدى عمرات الشيخ كان قد أدى العمرة مع جمع من أصحابه وقد سكنوا جميعاً في مسكن واحدٍ، وفي أثناء رجوعهم من المسجد الحرام إلى المسكن مرَّ الشيخ رحمه الله مع مَن معه على مجموعة من الشباب اللاهي وهم يلعبون " كرة القدم "! فوقف الشيخ بينهم ينصحهم ويوجههم للصلاة، فكان أن قابل أولئك الشباب الشيخَ بشيء من اللامبالاة والاستهزاء! فطلب الشيخ ممن معه أن يذهب إلى السكن ويبقى وحده مع أولئك الشباب!
فكان أن حصل للشيخ ما أراده، فلما رأى الشباب أن الشيخ مصرٌّ على البقاء ليذهبوا معه للصلاة سبَّ عليه واحدٌ منهم سبّاً مقذعاً بكلمات قبيحة نابية!
وقد فعل ذلك حتى لا يجعل مجالاً للشيخ في أن يبقى بينهم، وهم - بطبيعة الحال - لا يعرفون أن هذا هو الشيخ ابن عثيمين!
فتبسم الشيخ! وأصرَّ على البقاء حتى يصلِّي الشباب، وأن يذهب هذا السابُّ معه!
(1/23)
 
 
وجلس الشيخ وسطهم على حجر مصرّاً على قوله.
والشباب استاءوا من مسبَّة صاحبهم لمثل هذه " الشيبة "!
فطلبوا من صاحبهم السابّ - لما رأوا إصرار الشيخ - أن يرافق الشيخ، ومعنى كلامهم أن يمشُّوه على قدر عقله!
فذهب الشاب السابُّ أخيراً مع الشيخ!
ولما دخلوا المسكن، استأذن الشيخ من الشاب قليلاً.
فخاطب بعضُ مَن مع الشيخ ذلك الشاب: هل تعرف الشيخ ابن عثيمين من قديم!!
فكاد الشاب أن يُغمى عليه من الصعقة!
وقال: ماذا قلت؟ من هذا الشيخ؟
قال: هذا الشيخ ابن عثيمين! ألا تعرفه؟؟
فما كان من الشاب إلا أن تأثر من موقفه ذاك وبكى، فلما حضر الشيخ قبَّل رأسَه وطلب منه المسامحة!
وما كان من الشيخ إلا أن يسامحه وهو الذي صبر عليه وهو يسبه ويشتمه، ثم علَّمه الوضوء والصلاة، فالتزم ذلك الشاب على يد الشيخ رحمه الله.
فانظر إلى هذه الهمة، وهذا الحرص، وذلك الصبر من الإمام رحمه الله.
 
* ولما أفتى الشيخ رحمه الله بفتيا معلومة اتهمه بعض الناس بتهم شتى، تتعلق باعتقاده! والشيخ مقتنع بما قال وله في ذلك سلف مثل شيخ الإسلام رحمه الله.
وفي مرَّة زاره شبابٌ من طلبة العلم ومعهم أسئلة، ومن ضمن تلك الأسئلة ما يتعلق بتلك الفتوى، وما قيل في الشيخ - رحمه الله -.
فأجاب الشيخ، ومن ضمن إجابته قال: إن الناس إذا رأوا إنساناً مشهوراً! تكلموا عليه وطعنوا فيه حسداً من عند أنفسهم ... إلخ.
وراح الشباب ومعهم التسجيل.
وفي الليل اتصل الشيخ رحمه الله بالشاب الذي أحضرهم إليه طالباً منه الشريط!!
فاستغرب الشاب - أولاً - اتصال الشيخ، واستغرب أكثر من هذا الطلب!!
(1/24)
 
 
فطلب الشاب التوضيح من الشيخ عن سبب طلبه الشريط قال الشيخ: هناك كلمة قلتُها ما كان ينبغي لي قولها! وأرى أن تحذف من الشريط! وهي قولي " إنساناً مشهوراً "!! فهذه فيها تزكية للنفس أرى أن تحذف!!!
 
* صلَّى الشيخ ابن عثيمين في الحرم المكي، وأراد بعد خروجه من الحرم الذهاب إلى مكان يحتاج الذهاب إليه إلى سيارة.
أوقف الشيخ ابن عثيمين سيارة تاكسي، وصعد معه.
وفي الطريق، أراد السائق التعرف على الراكب!
السائق: من الشيخ؟
الشيخ: محمد بن عثيمين!
السائق: الشيخ؟؟؟؟ - وظن أن الشيخ يكذب عليه، إذ لم يخطر بباله أن يركب معه مثل الشيخ -.
الشيخ: نعم، الشيخ!
الشيخ ابن عثيمين: من الأخ؟
السائق: الشيخ عبد العزيز بن باز!!!!!!!!!!
فضحك الشيخ.
الشيخ: أنت الشيخ عبد العزيز بن باز؟؟؟!!! لكن الشيخ عبد العزيز ضرير، ولا يسوق سيارة!!
السائق: ابن عثيمين في نجد وش اللي يجيبه هنا , تمزح معي أنت؟
هنا ضحك الشيخ , وأفهمه أنه بالفعل ابن عثيمين.
 
* سأله سائل: إذا كان القارئ يستمع إلى المسجّل فجاءت سجدة التلاوة فهل يسجد للتلاوة؟ فقال الشيخ: نعم إذا سجد المسجَّل!
* كان الشيخ ابن عثيمين يتكلم في درس عن عيوب النساء في أبواب النكاح، فسأله سائل وقال له: إذا تزوجت ثم وجدت زوجتي ليس لها أسنان، فهل هذا عيب يبيح لي طلب الفسخ؟
(1/25)
 
 
فضحك الشيخ وقال: هذه امرأة جيدة حتى لا تعضك!
 
مرض الشيخ
قال أحد أبناء الشيخ رحمه الله وهو عبد الله الصالح العثيمين (1):
لقد جاء اكتشاف مرض الشيخ - رحمه الله - متأخراً، وكان اكتشافه أول الأمر في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني، وقد قام المستشفى - إدارة ومختصين - بما يُشكرون عليه من عناية، ثم أجريت له فحوصات أخرى في مستشفى الملك فيصل التخصصي، ونال من إدارته والمختصين به كل عناية ورعاية، فجزى الله الجميعَ في المستشفيين خير الجزاء، وقد اختلفت آراء الأطباء سواء من كشفوا عليه أو من اطلعوا على التقارير عنه، واستشيروا حولها في طريقة علاجه، فكان منهم من رأى علاجه بالأشعة والكيماوي، ومنهم من لم ير ذلك، وفي تلك الظروف كان الشيخ محمد متردداً لِما رآه من اختلاف وجهات نظر الأطباء، ولمزيد من الاطمئنان - تشخيصا وعلاجا - جاءت مشورة ولاة الأمر في هذا الوطن له كي يسافر إلى أمريكا، حفظهم الله ورعاهم وجزاهم أفضل ما يجزي به عباده الصالحين على ما أبدوه تجاهه من عطف وما قاموا به من رعاية، وقد أكدت الفحوصات هناك ما تُوصل إليه من تشخيص في المملكة، واستقر الرأي الطبي على أن يعالج مدةً بالأشعة، مع جرعات مخففة بالكيماوي، ثم يبدأ العلاج بالكيماوي وحده، وسُرَّ الشيخ محمد بذلك، وقدم إلى الوطن ليبدأ في مستشفى الملك فيصل التخصصي ما استقر الرأي الطبي عليه، [وعولج] بالأشعة فعلا، على أن الأطباء رأوا أخيراً أن سلبيات علاجه بالكيماوي أوضح من إيجابياته، ففضلوا عدم علاجه به، وقبِل الشيخ ما فضَّلوه.
 
الدرس الأخير للشيخ رحمه الله في الحرم المكي
وكان صوت الشيخ يشير لما وصلت إليه حاله من تدهور في الصحة العامة، ونحول شديد في جسمه نقله عنه كل من رآه، لا سيما وأن مرض السرطان - أجارنا
__________
(1) كتبه في جريدة الجزيرة - الطبعة الأولى - محليات الخميس 23،شوال 1421، العدد 10339.
(1/26)
 
 
الله وإياكم - معروف عنه أنه يسبب آلاماً رهيبة ومبرحة للمصاب به لا يمكن التغلب عليها إلا بجرعات كثيرة من دواء مخدر (كالمورفين)، ولا أشك في أن الشيخ - قدس الله روحه - وكما سمعنا أيضا - قد رفض تعاطي ذلك الدواء وآثر الاحتساب فعلى الله أجره ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
بدأ الشيخ بالحديث بصوت أثقلته الآلام، فتحدث عن العيد وأن الله سبحانه وتعالى جعل للمسلمين ثلاثة أعياد - الأضحى والفطر والجمعة - حق للمسلمين أن يفرحوا فيها بما أنعم الله عليهم من توفيق للأعمال الصالحة، وفصّل فيها قليلا، ثم انتقل إلى الإجابة على الأسئلة ..
ثم قال الشيخ بعدها قولة حُفرت في الذاكرة!!
آخر كلمات نطق بها الشيخ فأوشك على البكاء وأبكى من استمع له .. !!
قال الشيخ بصوته المتعب: وحيث أن هذه الليلة هي ليلة الثلاثين من رمضان فسيكون هذا آخر درس ... وخنقته العبرة: ثم قال: لهذا العام، ولكن كان لسان الحال يقول: بل آخر درس إلى الأبد .. !!!
 
آخر ساعات الشيخ كانت مع كتاب الله
تحدث الدكتور " عامر رضوي " عن آخر ساعة في حياة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين بأنه كان يقرأ القرآن الكريم، ثم دخل في غيبوبة وبعدها بساعة انتقل إلى جَوار ربه الكريم قبيل مغرب يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وصلى على الشيخ في المسجد الحرام بعد صلاة العصر يوم الخميس السادس عشر من شهر شوال سنة 1421هـ الآلاف المؤلفة وشيعته إلي المقبرة في مشاهد عظيمة لا تكاد توصف، ودفن بمكة المكرمة رحمه الله رحمة واسعة.
نسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا رحمة الأبرار وأن يسكنه فسيح جناته وأن يغفر له ويجزيه عما قدم للإسلام والمسلمين خيراً، ويعوض المسلمين بفقده خيراً، والحمد لله على قضائه، وقدره، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
(1/27)
 
 
التعريف بالرسالة:
وأما عن الرسالة فهي رسالة مبسطة وضعها الشيخ وفق خطة محددة لتصنيف منهج معين لطلاب السنة الثالثة الثانوية في المعاهد العلمية (1).
ولما كان المذهب المعتمد في هذه المعاهد هو المذهب الحنبلي، فيكون الشيخ قد وضع هذه الرسالة على أصول المذهب الحنبلي. إلا أنه كما سبق فالشيخ يسير في الفروع الفقهية على طريقة شيخه السعدي من عدم التقيد بالمذهب الحنبلي، وكان غالبا ما يوافق ترجيحات شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم هذا المنهج انعكس عليه في تأليفه لهذه الرسالة.
فتراه في بعض المواضع يشير إلى المذهب كما سيأتي - بإذن الله - في مسألة الفاسد والباطل.
وتراه يختار ترجيح تقي الدين ابن تيمية كما في رجوعه عن القول بوقوع المجاز في القرآن واللغة إلى القول بالمنع كما ذهب إليه تقي الدين وابن القيم.
وكما في مسألة الإجماع الظني وهو ما لا يعلم إلا بالتتبع والاستقراء قال: (وقد اختلف العلماء في إمكان ثبوته، وأرجح الأقوال في ذلك رأي شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في "العقيدة الواسطية": "والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة).
وكذلك اختياره لقول شيخ الإسلام في تحريم التقليد العام بأن يلتزم مذهباً معيناً يأخذ برخصه، وعزائمه في جميع أمور دينه، حتى أنه قال في الشرح في هذه المسألة (ص/643): (وكلام شيخ الإسلام عليه نور دائما).
ومن نظر للرسالة بوجهة نظر موضعية ترى غالب تعريفاته يظهر فيها النفس الاجتهادي وعدم التقيد بمذهب معين.
فالخلاصة أن صياغة هذه الرسالة كانت حنبلية يخرج فيها الشيخ عما يراه مخالفا للأدلة.
__________
(1) قال الشيخ في "شرح الأصول" (ص/119): "وضعوا لنا خطة لتصنيف منهج معين للمعهد، ومشينا على هذه الخطة ".
(1/28)
 
 
وقد تناقل البعض أن رسالة الشيخ إنما هي كالشرح لورقات الإمام الجويني، ولعل ما أوهم ذلك أمران:
الأول - التشابه في ترتيب غالب أبواب رسالة الشيخ والورقات.
الثاني - اهتمام الشيخ بورقات الإمام الجويني فقد علق على رسالة "التعبيرات الواضحات عن شرح الورقات" لمحمد عبد رب الرسول همام، وشرح نظم العمريطي على الروقات المسمى بـ: "تسهيل الطرقات".
وهذا القول ليس له حظ من النظر لمن تأمل الرسالتين، والقرائن التي تدل على ذلك:
1 - بالرغم من أن غالب كتب الأصول تتشابه في ترتيب الأبواب في الجملة إلا أن الشيخ خالف في ترتيب بعض الأبواب الإمام الجويني، فتراه أفرد بابا للمطلق والمقيد بخلاف الإمام الجويني الذي أشار إليه في نهاية العام والخاص.
والإمام الجويني تكلم عن الأفعال بعد الظاهر والمؤول بينما أخرها الشيخ العثيمين إلى باب الأخبار.
كما قدم الشيخ العثيمين باب الأخبار على الإجماع، بينما أخرها عنه الإمام الجويني.
إلى غير ذلك من المخالفات في ترتيب بعض الأبواب.
2 - خالف الشيخُ العثيمين الإمامَ الجويني في جلِّ تعريفات الكتاب، وترجيحاته، وكذا تفاريع الأبواب.
3 - أن الشيخ وإن كان له اهتمام بالورقات إلا أنه عندما ذكر مصادره التي اعتمد عليها في تأليف هذه الرسالة لم يذكر من بينها الورقات، ولا أي شرح من شروحه، ولا أشار إليها في أي موضع من الكتاب.
 
سبب اختياري لهذه الرسالة:
وإنما وقع اختياري على رسالة الشيخ العثيمين للأسباب التالية:
1 - أن رسالة الأصول من علم الأصول قد حوت أمهات أبواب أصول الفقه، والتي يحتاج إليها المبتدئ في دراسة هذا العلم مع حسن الترتيب.
(1/29)
 
 
2 - كما سبق مرارا أن الشيخ كان حنبليا تأصيلا وتفريعا لكنه على طريقة متقدمي الحنابلة والتي يتبع فيها العالم الدليل والتي أحيا مدرستهم ابن تيمية بعد اندثارها وشيوع طريقة التقليد عند متوسطي الحنابلة، وقد انعكس مذهبه وطريقته في الترجيح على اختياراته وتعريفاته في هذه الرسالة، بمعنى أن صياغة الأصول من علم الأصول كانت حنبلية يخرج فيها الشيخ عما يراه مخالفا للأدلة، فلذلك كانت هي من أفضل ما نبدأ به لدراسة أصول الحنابلة.
3 - سهولة عبارة الشيخ ووضوحها مما يؤدى إلى سهولة الوصول للمعلومة بعيدا عن الإلغاز، والتكلفات اللغوية، التي يشتهر بها المختصرات وخاصة الأصولية.
4 - عقيدة الشيخ السلفية، وهذه قلما تجدها وخاصة عند علماء الأصول.
5 - بُعد الشيخ عن علم الكلام والمنطق الذين حشدت بهما كتب الأصول، وذلك لأنه كان يرى تحريم تعلم المنطق - رحمه الله -.
6 - ذكره للأمثلة الفقهية مع ربطها بالقواعد الأصولية، وهذا مما يساعد على تثبيت القاعدة، وحسن تصورها، وأيضا تكوين ملكة الاجتهاد والاستنباط لدى طالب العلم.
 
شروح الرسالة:
شرحها المؤلف نفسه في مجلد كبير، ويمتاز هذا الشرح بتوضيح عبارة المتن وكثرة الأمثلة.
وقد توسع الشيخ - رحمه الله - في مناقشة بعض الأمثلة الفقهية، ما لم يتوسعه في مناقشة القضايا الأصولية.
وقد سبرت الشرح ووقفت فيه على بعض الفوائد الأصولية التي لا توجد في الأصل ومن ذلك قوله:
- إذا اجتمع مباشر ومتسبب فالضمان على المباشر إلا في حالتين:
1 - إذا كان لا يمكن تضمين المباشر كمن ألقى إنسانا لأسد فأكله.
2 - إذا كانت المباشرة مبنية على السبب كمن قتل شخصا قصاصا لشهادة الشهود ثم نكصوا واعترفوا بذلك فعليهم الضمان. (ص/240).
(1/30)
 
 
- العام عمومه شمولي والمطلق عمومه بدلي (ص/251).
- الاستثناء من العام متصل ومن المطلق منقطع. (ص/252 - 253).
- النكرة في سياق الاستفهام الاستنكاري للعموم أما غير الإنكاري فللإطلاق (ص /254 - 255 (.
- علامة (الـ) الاستغراقية أن يحل محلها كل. (ص/256).
- الخاص إذا كان حكمه موافقًا للعام فإن هذا لا يسمى تخصيصًا (ص/270، 573).
- (الـ) صيغة عموم وهي صيغة عموم على رأي المتعمقين في النحو، وعلى رأي المتساهلين يقولون المحلى بالـ هو صيغة العموم. (ص/307 (.
- المشترك يستعمل في معانيه إذا لم يكن بينها تضاد. (ص/340).
 
تراجعات وتصويبات:
وقد تراجع الشيخ في الشرح عن بعض اختياراته في الأصل، وصوب بعض العبارات ومن ذلك:
- ما قاله الشيخ في تعريف الحكم اصطلاحاً بقوله: ما اقتضاه خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين من طلب أو تخيير أو وضع.
ثم قال في الشرح (ص/39): (لو قلنا "بأعمال المكلفين"؛ لأن العمل هو الذي يشمل القول والفعل، والفعل يُؤتى به في مقابل القول بخلاف العمل. فالعمل يطلق على الفعل والقول، والقول مقابل الفعل. ففي الحقيقة لو إننا عكسنا لكان أولى).
- ما قاله الشيخ في التمثيل للام الأمر بقوله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِه) [الفتح: 9]، [المجادلة: 4].
ثم قال في الشرح (ص/140): (هذه ليست آية ولكنها مثال "لام كي"، فاللام هنا " لام تعليل "، فالمثال الذي في الكتاب ليس هو الآية، فاللام في مثالنا لام الأمر). ثم فصل وذكر فروقا بين لان الأمر ولام التعليل.
- ما قاله في الأصل: (ولأن نسخ أحد الخبرين يستلزم أن يكون أحدهما كاذبًا) ثم استدرك في الشرح (ص/401) بقوله: (ليتنا زدنا: "أو وهمًا").
(1/31)
 
 
- ما رجحه في الأصل من أن قول الصحابي حجة فقال (ص/61): (الموقوف: ما أضيف إلى الصحابي ولم يثبت له حكم الرفع، وهو حجة على القول الراجح، إلا أن يخالف نصًّا أو قول صحابي آخر، فإن خالف نصًّا أخذ بالنص، وإن خالف قول صحابي آخر أخذ بالراجح منهما).
وخالف ذلك في الشرح (ص/464) فقال: (والتحقيق في هذه المسألة أن يقال: أما من نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على أن قولهم حجة فلا ريب في أنه حجة كأبي بكر وعمر، وأما من سواهما فمن كان من العلماء - علماء الصحابة المشهورين بالفقه المعروفين بالإمامة - فإن إتباعهم أولى من إتباع الإمام أحمد والشافعي وأبي حنيفة ومالك وأشباههم، - وقال: أيضا: (فهؤلاء القول بأن قولهم حجة قول قوي جدا) -، وأما من كان دون ذلك كرجل أعرابي دخل المدينة وآمن بالرسول وعرف منه حكما، أو حكمين فإن قلنا: "قول هذا حجة" فهو قول فيه نظر قوي، وهو بعيد من الصواب ... وهذا خلاف ما مشينا عليه في الأصل).
 
شروح أخرى:
وقد اهتم العلماء وطلبة العلم بشرح هذه الرسالة وقد وقفت لها على عدة شروح، مقروءة وصوتية، ذات مشارب متفاوتة فقد تفاوتت الجهود في شرح الرسالة بين مختصر، ومطول، وملتزم بالمتن، وخارج عنه، ومن هذه الشروح شرح:
- شرح الشيخ سعد بن ناصر الشثري وذلك في دورة عليمة سميت بدورة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - أقيمت بدولة الكويت عام 1422 هـ، وقد قام بعض طلاب العلم بإخراجه من حيز المسموع إلى حيز المقروء، وطبع عام 1430 هـ بدار كنوز إشبيليا.
- الشيخ عطاء عبد اللطيف (80) شريطا (1).
- الشيخ أحد بن عمر الحازمي (15) شريط.
- الشيخ عياض بن نامي السلمي (5) أشرطة.
__________
(1) ولم أتمكن من الوقوف على الأشرطة العشر الأخيرة، وقد وصل في الشريط السبعين حتى باب الأخبار.
(1/32)
 
 
- الشيخ عبد العزيز الريس (5) أشرطة.
- الشيخ حامد العلي (14) شريط.
- الشيخ فتحي الموصلي (36) شريط.
- الشيخ سامي بن محمد الصقير (17) شريط.
- الشيخ عبد الرحمن بن دخيل الله الدخيل الله. (15) شريط.
- الشيخ غازي بن مرشد العتيبي (15) شريط.
- الشيخ علي بن عبد العزيز الشبل (11) شريط.
وغيرها الكثير.
(1/33)
 
 
تمهيد
قبل أن أبدأ في اختصار وشرح رسالة الأصول من علم الأصول لابد من التقدمة بين يدي ذلك بذكر بعض الجمل في الحد من: تعريفه وبيان أقسامه وشروطه ومداخل الخلل فيه، ونحو ذلك، وذلك نظرا لكثرة حاجتنا إليها عند الكلام على الحدود التي ذكرها الشيخ.
 
الجزئيات والكليات:
قال الميداني في ضوابط المعرفة (ص/30) (1): (تنقسم المفردات التصورية الواقعة في الذهن إلى قسمين:
القسم الأول- الجزئيات. القسم الثاني: الكليّات.
ولكي نعرف الجزئيات والكليات لا بد أن نعرف ما هو الجزئي وما هو الكلى أولاً، ثم ننتقل إلى بيان الكليات وأقسامها، وما يلحقها من بيان الجزئيات.
أما الجزئي- فهو كل مفهوم ذهني يمتنع فرض صدقه على أكثر من فرد واحد بعينه. ويدل على الجزئي في الكلام الاسم العَلَم وما هو في قوته نحو: سعيد - خالد- صالح- فالاسم العلم موضوع لفرد بعينه، ومع تخصيص الوضع له بالفرد المعين لا يتصور الفكر جواز إطلاقه على فرد آخر مهما كان مماثلا له، لأن العَلم لم يوضع له إلا لتمييزه عن كل فرد سواه.
وحينما يشترك جزئيان في اسم علم واحد فإن لكل منهما اسما خُصص له بالوضع غير اسم الأخر، فهما في الحقيقة عَلَمان لا علمٌ واحد، ولو تشابها في اللفظ، لأن من سمّاهما لم يضع في الأصل اسما واحدا إذا أطلق فُهم منه هذا أو هذا، وإنما وضع لهذا اسمه الخاص به، ولهذا اسمه الخاص به، وصادف تشابه الاسمين في اللفظ.
وأما الكلي- فهو كل مفهوم ذهني لا يمنع تصوُّرُه من وقوع الشركة فيه، وإن
كان لا يصدق في الواقع إلا على فرد واحد فقط، أو لا يوجد منه في الواقع أي فرد.
__________
(1) يعني وما بعدها، وهذا ديدني عند العزو بأن أقتصر على أول الصفحات، ولا أخالف ذلك إلا نادرا فلينتبه.
(1/34)
 
 
ويدل على الكليّ في الكلام النكرات وما كان من المعارف في قوة النكرة كالأسماء المعرفة بال التي للجنس.
أمثلة الكليّ: إنسان- حيوان- نجم- طائر- شمس- قمر- خالق من العدم- معدوم- عنقاء- شريك الخالق- واجب الوجود. ...
والكلى الذهني ينقسم باعتبار وجود أفراده في الخارج وعدم وجودها وباعتبار الكم والكيف إلى الأقسام التالية:
الأول- كلي يستحيل عقلا وجود أي فرد من أفراده في الواقع، مثاله: (شريك الباري) سبحانه.
الثاني- كلي يمكن وجود أفراد منه في الواقع الا أنه لم يوجد أي فرد منها، مثاله: (عنقاء) فهو اسم لطائر وهمي غير موجود في الواقع، ولكن لا يمنع العقل من وجود أفراد له لو وجدت، فوجودها أمر ممكن عقلا.
الثالث- كلي يمكن وجود أفراد منه في الواقع إلا أنه لم يوجد منها غير فرد واحد فقط، مثاله: (شمس) و (قمر) و (إنسان) يوم لم يكن في الوجود غير آدم عليه السلام.
الرابع- كلي يستحيل في العقل وجود أكثر من فرد واحد له، مثاله: (واجب الوجود) و (خالق من العدم) فإن هذا الكلي لا ينطبق إلا على الله تبارك وتعالى، ويستحيل عقلا أن ينطبق على غيره، ومتى كان الشيء مستحيلا عقلاً كان الواقع تبعا له حتما.
الخامس- كلي يمكن وجود أفرادٍ منه غير متناهية العدد، ولكن لم يوجد منها الا عدد محصور، فأفراده في الواقع متناهية العدد، مثاله: (كوكب سيار) و (إِنسان) و (نجم) ونحو ذلك.
السادس- كلي يمكن وجود أفراد منه في الواقع غير متناهية العدد، وقد وجد منه في الواقع أفراد غير متناهية العدد، مثاله: (علم الله تعالى) فهو غير متناهي الأفراد، و (العدد) نفسه فهو غير متناهي الأفراد أيضا ....
ثم قال: خلاصة تعريفات:
1 - الكل: ما تركب من جزأين فأكثر.
2 - الكلّي: ما لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه.
(1/35)
 
 
3 - الجزء: ما تركب منه ومن غيره كلُّ (1).
4 - الجزئي: ما كان معناه لا يقبل في الذهن الاشتراك).
 
الفرق بين الكل والكلي:
قال الشنقيطي في آداب البحث والمناظرة (1/ 25): وأما الفرق بين الكل والكلي فمن جهتين:
الجهة الأولى: الكلي لا يمنع تعقل مدلوله من حمله على كثيرين حمل مواطأة فيجوز حمل الكلي على كل فرد من أفراده حمل مواطأة كقولك: عمرو إنسان، وخالد إنسان إلخ فالإنسان كلي وقد صح حمله على كل فرد من أفراده حمل مواطأة.
وأما الكل فلا يجوز حمله على جزء من أجزائه حمل مواطأة بل حمل إضافة أو اشتقاق، فالكرسي مثلا كل مركب من خشب ومسامير، فلا يجوز أن تقول الكرسي مسمار، ولا أن تقول الكرسي خشب، ولكن يصح حمله على أجزائه بالإضافة والاشتقاق، فالإضافة كأن تقول الكرسي ذو مسامير، والاشتقاق كقولك: الكرسي مسمر، وكالشجرة فإنها كل مركب من جذوع وأغصان فلا يقال: الشجرة جذوع ولا الشجرة أغصان، وإنما يقال: الشجرة ذات جذوع وذات أغصان مثلاً.
الجهة الثانية: أن الكلي يجوز تقسيمه إلى جزئياته كأن تقول: الحيوان إما إنسان وإما فرس، وإما بغل وإما حمار إلخ. بخلاف الكل فلا يجوز تقسيمه إلى أجزائه بأداة التقسيم. فلا يصح أن يقال: الكرسي إما خشب وإما مسامير - ولا أن يقال: الشجرة إما جذوع وإما أغصان، وغنما يجوز حمل الكل على أجزائه حمل مواطأة مع العطف خاصة أعني عطف بعض أجزائه على بعضها كقولك: الكرسي مسامير وخشب، والشجرة جذوع وأغصان.
 
أقسام الكليات:
قال الميداني في ضوبط لمعرفة (ص/39) وما بعدها: (وقد استقرأ علماء هذا الفن الكليات فوجدوا أنها تقع في خمسة أقسام، وهي:
__________
(1) كالمسامير بالنسبة للكرسي، وكالخشب بالنسبة إليه، وكالجذع بالنسبة للشجرة، والأغصان بالنسبة إليها.
(1/36)
 
 
ا- الجنس. ... 2 - النوع. ... 3 - الفصل.
4 - الخاصة. وتُسمّى أيضا (عرضا خاصّاً). 5 - العرض العام.
وشرحها فيما يلي:
1 - الجنس: هو مفهوم كلي يشتمل على كل الماهية المشتركة بين متعدد مختلف في الحقيقة. مثاله: حيوان، فهو كلي يتناول الإنسان والفرس والغزال وسائر الحيوانات، وهذه الأفراد مختلفة في حقيقتها، إذ الماهية الكاملة للإنسان مخالفة للماهية الكاملة للفرس أو الغزال وإن اشتركت هذه الكليات في جزء الماهية وهي الحيوانية، ولذلك يقال على كل منها حيوان.
ويعرفونه بأنه المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟.
وهذا الاستفهام وهو (ما هو؟) يستفهم به عن الماهيات، أي عن العناصر الذاتية، لا العناصر العرضية غير الذاتية، فالعناصر الذاتية هي ما كان داخلا في حقيقة الشيء، كالحيوانية والناطقية بالنسبة إلى الإنسان، والعناصر العرضية هي ما لا يدخل في حقيقة الشيء، ولكنه من صفاته العرضية سواء كانت أعراضاً ملازمة أو مفارقة، كالمشي بالنسبة إلى الحيوان فإنه من الصفات العرضية للحيوان، وكالضحك بالنسبة إلى الإنسان فإنه من صفاته العرضية على ما يقولون.
2 - النوع: هو مفهوم كلي يشتمل على كل الماهية المشتركة بين متعدّد متفق في الحقيقة. مثاله: إنسان- فرس- غزال، فكل من هذه الأمثلة هو نوع من الأنواع التي ينقسم إليها الحيوان.
ومفهوم الإنسان يشتمل على كل ماهية هذا الكلي، وهو الحيوان الناطق، ومفهوم الفرس يشتمل على كل ماهية هذا الكلي الذي هو الحيوان المعروف، وكذلك الغزال.
وُيعرّفونه بأنه المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو؟.
وقد يطلق اسم النوع على بعض ما هو جنس ولكن باعتباره قسماً متميزا بالماهية عن أقسام أخرى ينقسم إليها جنسُ فوقه، مثل: الحيوان والنبات بالنسبة إلى الجسم النامي، فالجسم النامي جنس ينقسم إلى أقسام مختلفة في الحقيقة، كل قسم منها يعتبر بالنسبة إليه نوعاً من أنواعه، ثم هي أجناسٌ لما تحتها من أنواع أخرى.
ويسمى هذا نوعا إضافيا لا حقيقيا، لأنه نوعٌ بالإضافة إلى جنس فوقه، وهو في
(1/37)
 
 
الحقيقة جنس لأنواع تحته.
3 - الفصل: هو مفهوم كلي يتناول من الماهية الجزء الذي يميز النوع عن سائر الأنواع المشاركة له في الجنس. مثاله: ناطق، فهو كلي يتناول جزء ماهية الإنسان، وهذا الجزء هو الذي يميز النوع الإنساني عن سائر الأنواع، أما الجزء الآخر من ماهيته وهو الحيوانية فهو الجزء المشترك بينه وبين سائر الأنواع (1).
ويعرفونه بأنه كلي يقال على الشيء في جواب أي شيء هو في ذاته؟.
4 - الخاصة: مفهوم كلي هو من صفات الشيء الخارجة عن ماهيته والخاصة بها. مثالها: الضاحك إذا أطلق على الإنسان، فهو مفهوم كلي خارج عن ماهية الإنسان كما يقولون، لكنه من الصفات الخاصة بهذا النوع، فليس الضحك الذي هو ظاهرة للتعجب النفسي جزءاً من ماهية الإنسان، لكنه صفة خاصة به دون سائر الأنواع التي يتنوع إليها الحيوان، وضحك القرد قهقهة غير ناتجة عن تعجب، فليس هو كالضحك التعجبي الخاص بالإنسان.
ومثال الخاصة أيضا: قابلية العلم وصنعة الكتابة بالنسبة إلى الإنسان. ويعرفونها بأنها كلية تقالُ على ما تحت حقيقة واحدة فقط قولاً عرضيّا.
5 - العرض العام: مفهوم كلي هو من صفات الشيء الخارجة عن ماهيته وغير الخاصة بها. مثاله: الماشي، إذا أطلق هذا المفهوم على الإنسان، فهو مفهوم كليّ خارجٌ عن ماهية الإنسان، وهو من الصفات التي تعرض له، إلا أن هذه الصفة غير خاصة بهذا النوع، بل هي مشتركة بينه وبين غيره من أنواع الحيوان.
ويعرّفونه بأنه كلي يقالُ على ما تحت حقائق مختلفة قولاً عرَضياً.
وكل من الخاصة والعرض العام ينقسم إلى قسمين:
أ- فإمّا أن يكون عرضاً لازماً، وهو ما لا ينفك عن الماهية.
ب- وإما أن يكون عرضا مفارقا، وهو ما يقبل الانفكاك عن الماهية ...
__________
(1) قال الشنقيطي (ص/35): (وأعلم أن الفصل إنما سمي فصلا لأنه يفصل بين الأنواع المشتركة في الصفات فالإنسان والفرس مثلا يشتركان في الجوهرية والجسمية والنمائية والحساسية ـ فالناطق يفصل الإنسان عن الفرس المشارك له فيما ذكر والصاهل يفصل الفرس عن الإنسان كذلك).
(1/38)
 
 
هذه هي الكليات الخمس، وإذا نظرنا في مختلف الأجناس والأنواع وجدنا أن كل جنس ينقسم إلى أنواع مختلفة في الحقيقة، وأن الجنس قد يكون نوعا لجنس أعلى منه، وأن النوع قد يكون جنسا لأنواع تحته، فهو بالإضافة إلى ما فوقه نوع، وبالإضافة إلى ما تحته جنس، ونتدرج نزولا حتى نصل إلى أسفل الأنواع، وهو النوع الذي لا يكون جنساً لأنواع تحته، وهذا يسمى نوع الأنواع، ونتدرج صعودا حتى نصل إلى أعلى الأجناس، وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر، ويُسمى جنس الأجناس، وما بينهما متوسطاتٌ، كل واحد منها جنس لما تحته نوعٌ مما فوقه، ئم إن كل جنس عالٍ هو جنس قريب لما تحته مباشرة، وهو جنس بعيد لما دون ذلك، والبُعدُ قد يكون بمرتبة أو أكثر، وكل فصل لنوع عالٍ هو فصل بعيد لنوع دونه، لأنه يميزه عن جنس أعلى منهما نوع تمييز.
 
خلاصة تعريفات:
1 - الكلّي: هو الذي لا يمنع نفس تصوّر مفهومه من وقوع الشركة فيه.
2 - الجنس: هو المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق في جواب ما هو؟.
3 - النوع: هو المقول على كثيرين متفقين بالحقيقة في جواب ما هو؟.
4 - الفصل: كلى يقال على الشيء في جواب: أيُّ شيء هو في ذاته؟.
5 - الخاصة: كلي مقول على أفراد حقيقة واحدة قولا عرضيا.
6 - العرض العام: كلي مقول على أفراد حقائق مختلفة قولاً عرضيّا).
قال الشنقيطي (ص/35): (وأعلم أن الجنس والفصل عندهم ذاتيان بلا خلاف، والخاصية والعرض العام عرضيان عندهم بلا خلاف، والنوع فيه ثلاثة مذاهب: أحدها أنه ذاتي: بناء على أن كل ما ليس بخارج عن الذات فهو ذاتي.
الثاني - أنه عرضي بناء على أن كل ما لم يدخل في الذات فهو عرضي.
الثالث - وهو أقربها إلى الواقع، أنه ليس بذاتي ولا عرضي لأنه تمام الماهية، فليس جزء منها حتى يكون داخلا ومعلوم أن تمام الماهية لا يمكن خروجه عنها حتى يكون عرضياً).
(1/39)
 
 
تعريف الحد:
الحد لغة: المنع، وسميت الحدود حدودا لأنها تمنع من العود إلى المعصية.
وسمي التعريف حدا لأنه يمنع غير أفراد المعرف من الدخول، ويمنع أفراد المعرف من الخروج.
الحد اصطلاحا هو: الوصف المحيط بموصوفه المميز له عن غيره.
 
فائدة - شروط المعرف:
قال الأخضري في شرحه على السلم: (اعلم أنه يشترط في كل واحد من المعرفات:
ـ أن يكون جامعاً لأفراد المحدود وهو معنى مطرداً،
ـ ومانعاً من دخول غيره في الحد وهو معنى منعكساً، هذا معناه عند القرافي (1). وقال الغزالي وابن الحاجب المطرد المانع والمنعكس الجامع وهو الجاري على ألسنة الفقهاء.
__________
(1) وهذا الاصطلاح هو الذي سوف نسير عليه في تعريفاتنا.
قال الشيخ العثيمين في شرح البيقونية: ومعنى (حدَّه) أي تعريفه، والحدُّ: هو التعريف بالشيء. ويشترط في الحد أن يكون مطرد: أي يستوعب كل ما في الشيء، وأن يكون منعكساً: يعني لا يستوعب ما خارج الشيء، يعني أن الحدّ يُشترط ألا يخرج عنه شيء من المحدود، وألا يدخل فيه شيء من غير المحدود.
فمثلاً: إذا حددنا الإنسان كما يقولون: أنه حيوانٌ ناطق، وهذا الحدُّ يقولون: إنه مطرد، ومنعكس.
فقولنا: (حيوانٌ) خرج به ما ليس بحيوان كالجماد. هكذا منعكس.
وقولنا: (ناطق) خرج به ما ليس بناطق كالبهيم، منعكس أيضا، فهذا الحد الآن تام لا يدخل فيه شيء من غير المحدود ولا يخرج منه شيء من المحدود.
ولو قلنا: إن الإنسان حيوان فقط؛ فهذا لا يصح! لماذا؟ لأنه يدخل فيه ما ليس منه، فإننا إذا قلنا إن الإنسان حيوانٌ لدخل فيه البهيم والناطق.
وإذا قلنا: إن الإنسان حيوانٌ ناطق عاقل، فهذا لا يصح أيضاً؛ لأنه يخرج منه بعض أفراد المحدود وهو المجنون. مطرد: يعني ادخل الإنسان سواء كان عاقل أو غير عاقل. إذاً فلابد في الحد أن يكون مطرداً منعكساً.
(1/40)
 
 
ـ وأن يكون أظهر من المحدود (1) لا أخفى منه ولا مساوياً له؛ فالخفي كقولنا ما هو البر فتقول الحنطة، والمساوي كقولنا المتحرك ما ليس بساكن.
ـ ويجتنب فيها أيضاً الألفاظ الغريبة والمشتركة (2) والمجازية (3) وكل ما فيه إجمال؛ قال الغزالي إلا إذا كانت قرينة تدل على تفصيله فيجوز.
ـ ولا يجوز أيضا بما تتوقف معرفته على معرفة المحدود للزوم الدور؛ قالوا كالعلم لا يقال فيه معرفة المعلوم لأن المعلوم مشتق من العلم، والمشتق لا يعرف إلا بعد معرفة المشتق منه، فمعرفة المعلوم إذن تتوقف على معرفة على معرفة العلم، والعلم على معرفة المعلوم فجاء الدور ...
ـ ويجتنب أيضا في الحدود دخول الحكم لأن التصديق فرع التصور، والتصور فرع الحد فيلزم الدور.
ـ ولا يجوز أيضاً دخول "أو" في الحقيقي، قال الأصبهاني لئلا يلزم أن يكون للنوع الواحد فصلان على البدل وذلك محال، وأما في الرسم فجائز (4).)
 
أقسام الحد:
ينقسم الحد إلى: حد حقيقي، ورسمي، ولفظي، وتعريف بالمثال، وبالتقسيم.
الحد (الحقيقي)
قوله: (فالحقيقي هو القول الدال على ماهية الشيء. والماهية ما يصلح جوابا للسؤال بصيغة "ما هو").
قال الغزالي في المستصفى (1/ 13): (إن الحاد ينبغي أن يكون بصيرا بالفرق بين
__________
(1) كتعريف الغضنفر بأنه الأسد أو العقار بأنه الخمر.
(2) كتعريف الشمس بأنها عين، ولكن مع القرينة المبينة يجوز فتقول: عين تضيء جميع آفاق الدنيا.
(3) كتعريف البليد بأنه حمار، ولكن يجوز مع القرينة كقولك: حمار يكتب.
(4) الرسوم - كمَا سَيَأْتِي إن شَاء الله - فِيها التَّعْرِيف بالخاص والشَّيْء الَوَاحِد يشمل عَلَى خَوَاصّ كَثِير عكس الْحَدّود فأَنها لَا تَكُون الَا بالجنس والْفَصْل.
مثالَه تقَوْل مَا الَانسان؟ بالْحَدّ تقَوْل: حَيَوَان ناطق مَن غَيْر (أو) التشككية. وبالرسم تقَوْل: حَيَوَان ضاحك أو قابَل للتعلَم أو الْكِتَابَة أو. . الخ
(1/41)
 
 
الصفات الذاتية واللازمة والعرضية وذلك غامض فلا بد من بيانه فنقول: المعنى إذا نسب إلى المعنى الذي يمكن وصفه به وجد بالإضافة إلى الموصوف إما ذاتيا له ويسمى صفة نفس، وإما لازما ويسمى تابعا، وإما عارضا لا يبعد أن ينفصل عنه في الوجود، ولا بد من إتقان هذه النسبة فإنها نافعة في الحد والبرهان جميعا.
أما الذاتي فإني أعني به كل داخل في ماهية الشيء وحقيقته دخولا لا يتصور فهم المعنى دون فهمه وذلك كاللونية للسواد والجسمية للفرس والشجر فإن من فهم الشجر فقد فهم جسما مخصوصا فتكون الجسمية داخلة في ذات الشجرية دخولا به قوامها في الوجود والعقل لو قدر عدمها لبطل وجود الشجرية وكذا الفرس ولو قدر خروجها عن الذهن لبطل فهم الشجر والفرس من الذهن وما يجري هذا المجرى فلا بد من إدراجه في حد الشيء فمن يحد النبات يلزمه أن يقول جسم نام لا محالة.
وأما اللازم فما لا يفارق الذات البتة ولكن فهم الحقيقة والماهية غير موقوف عليه كوقوع الظل لشخص الفرس والنبات والشجر عند طلوع الشمس فإن هذا أمر لازم لا يتصور أن يفارق وجوده عند من يعبر عن مجاري العادات باللزوم ويعتقده ولكنه من توابع الذات ولوازمه وليس بذاتي له وأعني به أن فهم حقيقته غير موقوف على فهم ذلك له إذ الغافل عن وقوع الظل يفهم الفرس والنبات بل يفهم الجسم الذي هو أعم منه وإن لم يخطر بباله ذلك وكذلك كون الأرض مخلوقة وصف لازم للأرض لا يتصور مفارقته له ولكن فهم الأرض غير موقوف على فهم كونها مخلوقة فقد يدرك حقيقة الأرض والسماء من لم يدرك بعد أنهما مخلوقتان فإنا نعلم أولا حقيقة الجسم ثم نطلب بالبرهان كونه مخلوقا ولا يمكننا أن نعلم الأرض والسماء ما لم نعلم الجسم.
وأما العارض فأعني به ما ليس من ضرورته أن يلازم بل يتصور مفارقته إما سريعا كحمرة الخجل أو بطيئا كصفرة الذهب وزرقة العين وسواد الزنجي وربما لا يزول في الوجود كزرقة العين ولكن يمكن رفعه في الوهم وأما كون الأرض مخلوقة وكون الجسم الكثيف ذا ظل مانع نور الشمس فإنه ملازم لا تتصور مفارقته ومن مثارات الأغاليط الكثيرة التباس اللازم التابع بالذاتي فإنهما مشتركان في استحالة
(1/42)
 
 
المفارقة (1) واستقصاء ذلك في هذه المقدمة التي هي كالعلاوة على هذا العلم غير ممكن وقد استقصيناه في كتاب معيار العلم فإذا فهمت الفرق بين الذاتي واللازم فلا
__________
(1) قال الشنقيطي في آداب البحث والمناظرة (1/ 36): (تنبيه: لا يخفى أنا ذكرنا في الأمثلة الماضية أن الناطق فصل وأنه مميز ذاتي وأنه جزء الماهية الداخل فيها الصادقَ عليها صدقاً ذاتياً وأنا ذكرنا أن الضاحك والكاتب مثلا خاصتان وأنهما عرضيان خارجان عن الماهية وليس واحد منهما جزءاً منها ولا داخلا فيها فقد يقول السامع، ما حقيقة الفرق بين الناطق والضاحك حتى صار أحدهما جزءاً من الماهية عندهم والثاني خارجاً عنها.
والجواب أن لهم أجوبة متعددة كثير منها ليس فيه مقنع، وأقربها عند الذهن ثلاثة:
الأول: أن الذاتي هو المعروف عند المتكلمين بالصفة النفسية وضابطه أنه لا يمكن إدراك حقيقة الماهية بدونه والعرضي يمكن إدراكها بدونه.
الثاني: أن الذاتي لا يعلل والعرضي يعلل.
الثالث: أن الذاتي هو الذي لا تبقى الذات مع توهم رفعه، والعرضي بخلافه وإيضاح الفوارق الثلاثة بالأمثلة كما سيأتي:
كون الذات لا تعقل بدون الناطق، ولكن تعقل بدون الضاحك والكاتب فقد قالوا لو فرضنا أن عاقلا من العقلاء لم ير الإِنسان ولم يتصوره بحال فسأل عنه من يعرفه فإن عرفه له بأنه جسم دخل في التعريف (الحجر) مثلا فإن زاد في التعريف أنه (نام) دخل النبات والشجر. فإن زاد أنه (حساس) دخل الفرس مثلا. فإن زاد أنه (ناطق) مثلا انفصل عن غيره وتميز عن كل ما سواه.
والنطق: في الاصطلاح عند المنطقيين (القوة العاقلة المفكرة التي يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء) وليس المراد به عندهم الكلام.
وإن قال هو منتصب القامة يمشى على اثنتين دخل الطير فإن زاد (لا ريش له)
دخل منتوف الريش من الطيور وساقطه. فإن زاد أنه (ناطق) حصل التمييز والإِدراك.
فإن قيل كذلك يحصل التمييز والإِدراك فيما لو قال: (أنه ضاحك). أو كاتب لأنه لا يشاركه غيره في الضحك والكتابة.
فالجواب: أن يقولون الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة والكتابة نقوش على هيئات ومقادير معلومة لا تحصل بتفكير القوة الناطقة، فظهر أن الضحك والكتابة فرعان عن النطق لا يوجدان إلا تبعاً له. ولا يعقلان إلا تبعاً له فلم تعقل حقيقة الإِنسان دون النطق، بخلاف الضحك، والكتابة، فإن الحقيقة تعقل بدونهما كذا قالوا.
وأما الفرق الثاني: الذي هو كون الذاتي لا يعلل، والعرضي يعلل، فواضح فإنك لا تقول: لم كان الإِنسان ذا قوة مفكرة يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء تعني النطق ولكن إذا رأيته يضحك أو يكتب شيئاً فإنك قد تقول له ما هو السبب الذي أضحكك وما هو السبب الذي حملك على كتابة هذا الذي كتبت.
وأما الفرق الثالث: الذي هو أن الذاتي لا تبقى الذات مع توهم رفعه أي عدمه فواضح. لأنك لو فرضت خلو حيوان من القوة العاقلة المفكرة التي يقتدر بها على إدراك العلوم والآراء لا يمكن أن يكون ذلك الحيوان إنساناً. ولا يرد على ذلك المعتوه الذي لا عقل له. والمجنون الفاقد العقل بالكلية لأن المراد بكونه ناطقاً أن ذلك هو طبيعته وجبلته التي جبل عليها. ولو زالت عن بعض الأفراد لسبب خاص.
فبهذه الفوارق الثلاثة تعرف الفرق بين الذاتي والعرضي.).
(1/43)
 
 
تورد في الحد الحقيقي إلا الذاتيات وينبغي أن تورد جميع الذاتيات حتى يتصور بها كنه حقيقة الشيء وماهيته وأعني بالماهية ما يصلح أن يقال في جواب ما هو فإن القائل ما هو يطلب حقيقة الشيء فلا يدخل في جوابه إلا الذاتي).
 
الحد الحقيقي ينقسم إلى تام وناقص:
قال الميداني في ضوابط المعرفة (ص/63): (الحد التام: وهو ما كان تعريفا للشيء بذكر تمام ذاتياته، أي: بذكر جنسه وفصله (1) القريبين، أو بما هو مماثل لهما ...
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه حيوانٌ ناطق (أي مفكر مدرك للكليات والجزئيات) فالإنسان نوع نريد أن نعرفه بقول يشرح حقيقته، وحقيقته تشتمل على عنصرين
ذاتيين فيه هما:
__________
(1) قال النملة: والفصل يتنوع إلى نوعين: النوع الأول: الفصل القريب وهو: المميز للماهية عن مشاركتها في الجنس القريب، وذلك مثل (الناطق، للإنسان، فإن ذلك يميزه عما يشاركه في الحيوان وهو جنسه القريب.
النوع الثاني: الفصل البعيد، وهو: المميز للشيء عما يشاركه في الجنس البعيد مثل: "الحساس"، للإنسان فإن ذلك يميزه عن مشاركاته في الجسم النامي، وهو جنس بعيد للإنسان.
(1/44)
 
 
العنصر الأول: جنسه القريب، وجنسه القريب هو الحيوان، أما النامي فهو جنس
له بعيد وليس بقريب، وأما الجسم فهو جنس له أبعد بدرجتين، وكلما ابتعدنا فإننا نبتعد عن ذكر تمام ذاتياته في حدود هذا العنصر.
العنصر الثاني: فصله القريب، وفصله القريب هو (ناطق). وباشتراط الفصل القريب يخرج الفصل البعيد له، كحسّاس، فإن (حسّاس) فصلٌ بعيد للإنسان وليس بقريب، إذ هو فصلٌ لجنسه وهو الحيوان، فإذا ذكر في تعريفه فصله البعيد فإنه لا يميزه عن سائر الحيوانات، وإنما يميزه فقط عن الجماد والنبات، لذلك فلا بد من ذكر فصله القريب، حتى يُميّزه تمام تمييز، وبذكر الجنس والفصل القريبين يكون التعريف بتمام ماهية الشيء، أي بتمام ذاتياته.
ب- وكتعريف الإنسان بأنه جسم نامٍ حساس متفكر بالقوة مدرك للكليات والجزئيات.
فقولنا: (جسم نام حساس) هو مثل قولنا (حيوان) وهو تفصيل له، فهو في قوة الجنس القريب، وقولنا: (متفكر بالقوة مدرك للكليات والجزئيات) هو بيان وتفصيل لمعنى (ناطق) ومماثل له فهو في قوة الفصل القريب، بل هو بعبارة مفصلة.
 
الحد الناقص: وهو ما كان تعريفا للشيء بذكر البعض الذي يفصله عن غيره من ذاتياته.
ويكون ذلك بذكر فصله القريب فقط، أو بذكر فصله القريب مع جنسه البعيد، أو بما هو مماثل لذلك.
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه (الناطق) أو (المتفكر بالقوة المدرك للكليات والجزئيات). فهذا هو الفصل القريب للإنسان، أو مماثل له وفي قوته كما سبق.
ب- وكتعريف الإنسان بأنه (نام ناطق) أو (جسم ناطق) فهذان تعريفان للإنسان بفصله القريب وجنسه البعيد، إلا أن الجسم جنس أبعد من نام لأنه أعلى منه).
(1/45)
 
 
شروط الحد الحقيقي:
قال الغزالي في "المستصفى" (1/ 15): (إن ما وقع السؤال عن ماهيته وأردت أن تحده حدا حقيقيا فعليك فيه وظائف لا يكون الحد حقيقيا إلا بها فإن تركتها سميناه رسميا أو لفظيا ويخرج عن كونه معربا عن حقيقة الشيء ومصورا لكنّه معناه في النفس.
الأولى أن تجمع أجزاء الحد من الجنس والفصول فإذا قال لك مشيرا إلى ما ينبت من الأرض ما هو فلا بد أن تقول جسم لكن لو اقتصرت عليه لبطل عليك بالحجر فتحتاج إلى الزيادة فتقول نام فتحترز به عما لا ينمو فهذا الاحتراز يسمى فصلا أي فصلت به المحدود عن غيره.
الثانية أن تذكر جميع ذاتياته وإن كانت ألفا ولا تبالي بالتطويل لكن ينبغي أن تقدم الأعم على الأخص فلا تقول نام جسم بل بالعكس وهذه لو تركتها لتشوش النظم ولم تخرج الحقيقة عن كونها مذكورة مع اضطراب اللفظ فالإنكار عليك في هذا أقل مما في الأول وهو أن تقتصر على الجسم.
الثالثة إنك إذا وجدت الجنس القريب فلا تذكر البعيد معه فتكون مكررا كما تقول مائع شراب أو تقتصر على البعيد فتكون مبعدا كما تقول في حد الخمر جسم مسكر مأخوذ من العنب وإذا ذكرت هذا فقد ذكرت ما هو ذاتي ومطرد ومنعكس لكنه مختل قاصر عن تصوير كنَه حقيقة الخمر بل لو قلت مائع مسكر كان أقرب من الجسم وهو أيضا ضعيف بل ينبغي أن تقول شراب مسكر فإنه الأقرب الأخص ولا تجد بعده جنسا أخص منه فإذا ذكرت الجنس فاطلب بعده الفصل إذ الشراب يتناول سائر الأشربة فاجتهد أن تفصل بالذاتيات إلا إذا عسر عليك ذلك وهو كذلك عسير في أكثر الحدود فاعدل بعد ذكر الجنس إلى اللوازم (1) واجتهد أن يكون ما ذكرته من اللوازم الظاهرة المعروفة فإن الخفي لا يعرف كما إذا قيل ما الأسد فقلت سبع أبخر ليتميز بالبخر عن الكلب فإن البخر من خواص الأسد لكنه خفي ولو قلت سبع شجاع عريض الأعالي لكانت هذه اللوازم والأعراض أقرب إلى المقصود لأنها أجلى وأكثر ما ترى
__________
(1) قال ابن قدامة في الروضة (1/ 37): وينبغي أن يفصل بالذاتيات ليكون الحد حقيقيا، فإن عسر ذلك عليك فاعدل إلى اللوازم لكي يصير رسميا.
(1/46)
 
 
في الكتب من الحدود رسمية إذ الحقيقية عسرة جدا وقد يسهل درك بعض الذاتيات ويعسر بعضها فإن درك جميع الذاتيات حتى لا يشذ واحد منها عسر والتمييز بين الذاتي واللازم عسر ورعاية الترتيب حتى لا يبتدأ بالأخص قبل الأعم عسر وطلب الجنس الأقرب عسر فإنك ربما تقول في الأسد إنه حيوان شجاع ولا يحضرك لفظ السبع فتجمع أنواعا من العسر وأحسن الرسميات ما وضع فيه الجنس الأقرب وتمم بالخواص المشهورة المعروفة.
الرابعة أن تحترز من الألفاظ الغريبة الوحشية والمجازية البعيدة والمشتركة المترددة واجتهد في الإيجاز ما قدرت وفي طلب اللفظ النص ما أمكنك فإن أعوزك النص وافتقرت إلى الاستعارة فاطلب من الاستعارات ما هو أشد مناسبة للغرض واذكر مرادك للسائل فما كل أمر معقول له عبارة صريحة موضوعة للإنباء عنه ولو طول مطول واستعار مستعير أو أتى بلفظ مشترك وعرف مراده بالتصريح أو عرف بالقرينة فلا ينبغي أن يستعظم صنيعه ويبالغ في ذمه إن كان قد كشف عن الحقيقة بذكر جميع الذاتيات فإنه المقصود وهذه المزايا تحسينات وتزيينات كالأبازير من الطعام المقصود وإنما المتحذلقون يستعظمون مثل ذلك ويستنكرونه غاية الاستنكار لميل طباعهم القاصرة عن المقصود الأصلي إلى الوسائل والرسوم والتوابع ... ومن قال حد اللون ما يدرك بحاسة العين على وجه كذا وكذا فلا ينبغي أن ينكر من حيث إن لفظ العين مشترك بين الميزان والشمس والعضو الباصر لأن قرينة الحاسة أذهبت عنه الاحتمال وحصل التفهيم الذي هو مطلوب السؤال واللفظ غير مراد بعينه في الحد الحقيقي إلا عند المرتسم الذي يحوم حول العبارات فيكون اعتراضه عليها وشغفه بها).
قال الميداني في "ضوابط المعرفة" (ص/65):
3 - الرسم التامّ. ... 4 - الرسم الناقص.
وسمي رسماً لأن الرسم في اللغة الأثر (1)، والخاصة أثر من آثار الحقيقة التي تدل عليها وتميّزها عن غيرها.
__________
(1) قال الرازي في مختار الصحاح مادة (ر س سم): الرسم الأثر ورسم الدار ما كان من آثارها لاصقا بالأرض.
(1/47)
 
 
3 - الرسم التام: هو ما كان تعريفا للشيء بذكر جنسه القريب مع خاصته اللازمة الشاملة، أي: مع ذكر عرضه اللازم لكل ما صدقاته (1) والخاص به، أو ما هو مماثل لذلك وفي قوته.
فلا يصح التعريف بالعرض العام، مثل (الماشي) بالنسبة إلى الإنسان، فهو عرض ليس خاصا بالإنسان بل هو عام فيه وفي غيره من الحيوانات. ولا يصحّ التعريف بالخاصة المفارقة غير اللازمة، مثل (الضاحك بالفعل) بالنسبة إلى الإنسان، فالضحك بالفعل من خواص الإنسان المفارفة لا اللازمة، إذ قد يكون بالفعل غير ضاحك بخلاف (الضاحك بالقوة)، فهي خاصة لازمة. ولا يصح التعريف بالخاصة غير الشاملة، مثل (الكاتب) بالنسبة إلى الإنسان، وذلك لأن بعض الناس غير كاتب.
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه (الحيوان الضاحك بالقوة) أو بأنه (الجسم النامي الحساس الضاحك بالقوة)، فالحيوان ويماثله الجسم النامي الحسّاس هو الجنس القريب للإنسان، والضاحك بالقوة هو خاصة من خواص الإنسان اللازمة له والشاملة لأفراده.
ب- وكتعريف الحيوان بأنه (نام آكل) فالنامي هو الجنس القريب للحيوان، والآكل هو خاصة من خواصه اللازمة له الشاملة لأفراده.
4 - الرسم الناقص: هو ما كان تعريفا للشيء بذكر خاصته اللازمة الشاملة وحْدَها، أو مع جنسه البعيد، أو مع عرضه العامّ، أو بذكر عرضياب له تختص جملتها بحقيقته.
__________
(1) لفظ (الماصدق) أسم صناعي مأخوذ في الأصل من كلمة (ما) الاستفهامية أو الموصولية، وكلمة (صدق) التي هي فعل ماضٍ من الصدق. إذ كأن يقال مثلا: على ماذا صدق هذا اللفظ؟ فيقال في الجواب: صدق على كذا أو كذا، فاشتقوا من ذلك أو نحتوا كلمة (ماصدق) وعرّفوها بأل التعريف فصاروا يقولون: (الماصدق) ويقصدون به الفرد أو الأفراد التي ينطبق عليها اللفظ إذ يتحقق فيها مفهومه الذهني. فاللفظ الجزئي يثير في الذهن الصورة والصفات التي نعرفها عما يدل عليه هذا اللفظ، مثل: (مكة- نهر الفرات- عمر بن الخطاب) هذا هو مفهوم اللفظ، أما ماصدقه فهو مكة البلد الحرام نفسه، ونهر الفرات ذاته، وعمر بن الخطاب عينه. انظر ضوابط المعرفة (ص/45 - 46).
(1/48)
 
 
الأمثلة:
أ- كتعريف الإنسان بأنه (الضاحك بالقوة) أو (القابل للعلم وصنعة الكتابة) فكل منها بالنسبة إلى الإنسان من خواصه اللازمة الشاملة لكل أفراده.
ب- وكتعريف الإنسان بأنه (جسم ضاحكٌ بالقوة) فالجسم جنس بعيد للإنسان، وضاحك بالقوة خاصة لازمة شاملة من خواصه.
ج- وكتعريف الإنسان بأنه (ماش على قدميه عريض الأظفار بادي البشرة ضحّاك بالطبع) فكل هذه عرضيات تختصُّ جملتها بحقيقة نوع الإنسان.
5 - التعريف اللفظي: وهو تعريف اللفظ بلفظ آخر مرادف له معلوم عند المخاطب، ومرادفُ الشيء هو في الحقيقة خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف البر بأنه (القمح).
ب- وكتعريف القسورة بأنه (الأسد).
ج- وكتعريف القُرء بأنه لفظ مشترك بين الحيض والطهر.
6 - التعريف بالمثال: وهو تعريف الشيء بذكر مثال من أمثلته، ومثالُ الشيء هو في الحقيقة خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف الاسم بأنه ما أشبه لفظ زيد ورجل والذي.
ب- وكتعريف الفعل بأنه ما أشبه لفظ سَمِعَ ويقول وخُذْ.
7 - التعريف بالتقسيم: وهو تعريف الشيء بذكر الأقسام التي ينقسم إليها، ومعلوم أن أقسام الشيء خاصة من خواصه.
الأمثلة:
أ- كتعريف الكلمة بأنها اسم وفعل وحرف.
ب- وكتعريف العدد بأنه زوج وفرد.
(1/49)
 
 
مداخل الخلل في الحدود:
قال الغزالي في محك النظر: (في حصر مداخل الخلل في الحدود: وهي ثلاثة فإنه تارة يدخل من جهة الجنس وتارة من جهة الفصل وتارة من جهة أمر مشترك بينهما.
إما الخلل في الجنس فأن يؤخذ الفصل بدله كما يقال في حد العشق أنه إفراط المحبة، وينبغي أن يقال المحبة المفرطة، فالإفراط يفصلها عن سائر أنواع المحبة. ومن ذلك إن يؤخذ المحل بدل الجنس، كقولك حد الكرسي أنه خشب يجلس عليه، والسيف أنه حديد يقطع به بل ينبغي أن يقال للسيف أنه آلة صناعية من حديد مستطيلة مع تقوس ويقطع بها كذا، فالآلة جنس والحديد محل للصورة لا جنس، وأبعد منه أن يؤخذ بدل الجنس ما كان والآن ليس بموجود، كقولك الرماد خشب محترق والولد نطفة مستحيلة، فإن الحديد موجود في السيف في الحال والنطفة والخشب غير موجودين في الولد والرماد. ومن ذلك أن يؤخذ الجزء بدل الجنس كما يقدر حد العشرة أنها خمسة وخمسة، ومن ذلك أن يوضع القوة موضع الملكة (1) كما يقال حد العفيف هو الذي يقوى على اجتناب الشهوات واللذات وهو فاسد، بل هو الذي يترك، وإلا فالفاسق أيضاً يقوى على الترك والاجتناب ولا ترك. ومن ذلك أن توضع اللوازم التي ليست ذاتية بدل الجنس كالواحد والموجود إذا أخذته في حد الشمس أو الأرض، ومن ذلك أن يضع النوع مكان الجنس كقولك الشر هو ظلم الناس والظلم نوع من الشره. وأما من جهة الفصل فبأن يأخذ اللوازم والعرضيات في الاحتراز بدلاً عن الذاتيات وأن لا يورد جميع الفصول. وأما القوانين المشتركة فمن ذلك أن تحد الشيء بما هو مساو له في الخفاء أو فرع له، كقولك العلم ما يعلم به أو العلم ما تكون الذات به عالمة. ومن ذلك أن يعرف الضد بالضد فنقول حد العلم ما ليس بظن، ولا شك ولا جهل، وهكذا حتى تحصر الأضداد وحد الزوج ما ليس بفرد فيدور الأمر ولا يحصل به ب