التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام 003

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: التقرير والتحبير
المؤلف: أبو عبد الله، شمس الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن أمير حاج ويقال له ابن الموقت الحنفي (المتوفى: 879هـ)
عدد الأجزاء: 3
 
الْمُخْبِرِ عَلَيْهَا قَالُوا وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ جَمِيعِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ فَالصَّغِيرَةُ غَيْرُ مُمْتَنِعَةٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الصَّغَائِرِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا قَطْعَ بِصِدْقِهِ.
 
[مَسْأَلَةٌ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى]
(مَسْأَلَةٌ حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُشْتَرَكَ) لَفْظًا أَوْ مَعْنًى (وَنَحْوَهُ) كَالْمُجْمَلِ وَالْمُشْكِلِ وَالْخَفِيِّ (عَلَى أَحَدٍ مَا يَحْتَمِلُهُ) مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ (وَهُوَ) أَيْ الْحَمْلُ الْمَذْكُورُ (تَأْوِيلُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ لِذَلِكَ (وَاجِبُ الْقَبُولِ) عِنْدَ الْجُمْهُورِ (خِلَافًا لِمَشْهُورِي الْحَنَفِيَّةِ) وَوَجَبَ الْقَبُولُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (لِظُهُورِ أَنَّهُ) أَيْ حَمْلَهُ الْمَذْكُورَ (لِمُوجِبٍ هُوَ بِهِ أَعْلَمُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَنْطِقُ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِقَصْدِ التَّشْرِيعِ إلَّا وَمَعَهُ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ أَوْ مَقَالِيَّةٌ مُعَيَّنَةً مُرَادُهُ وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي الْحَاضِرُ لِمَقَالِهِ الشَّاهِدُ لِأَحْوَالِهِ أَعْرَفُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ قَبُولِ تَأْوِيلِهِ (مِثْلُ تَقْلِيدِهِ فِي اللَّازِمِ) يَعْنِيَ لَازِمَ وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ فِي حُكْمِهِ بِالْحُكْمِ وَلَازِمُ وُجُوبِ الرُّجُوعِ إلَى تَأْوِيلِهِ وَاحِدٌ فَالْفَرْقُ بِلَا فَارِقٍ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ اللَّازِمِ ظُهُورُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ جَازَ خِلَافُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبُ أَحْوَالِهِمْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَرَجَّحَ خِلَافُهُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَ) حَمْلُ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ (الظَّاهِرَ عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الظَّاهِرِ حُكْمُهُ مَا يُذْكَرُ: (فَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَالْكَرْخِيُّ الْمَعْمُولُ بِهِ هُوَ (الظَّاهِرُ) دُونَ مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الرَّاوِي مِنْ تَأْوِيلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ أَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِقَوْلِ مَنْ لَوْ عَاصَرْته لَحَاجَجْته) أَيْ الصَّحَابِيَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ الرَّاوِي وَفِي شَرْحِ الْبَدِيعِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ
وَقَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ إنْ عَلِمَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إنَّمَا صَارَ إلَى تَأْوِيلِهِ الْمَذْكُورِ لِعِلْمِهِ بِقَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنْ جَهِلَ أَنَّهُ لِذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِدَلِيلٍ ظَهَرَ لَهُ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ الدَّلِيلِ فَإِنْ اقْتَضَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ صِيرَ إلَيْهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْعَمَلُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْحُجَّةَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ تَأْوِيلِ الصَّحَابِيِّ وَاخْتَارَ الْآمِدِيُّ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ مَأْخَذَ الرَّاوِي فِي الْمُخَالَفَةِ وَكَانَ الْمَأْخَذُ مِمَّا يُوجِبُ حَمْلَ الْخَبَرِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْمَلِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ اتِّبَاعًا لِذَلِكَ الدَّلِيلِ لَا لِحَمْلِ الرَّاوِي عَلَيْهِ وَعَمَلِهِ بِهِ لِأَنَّ عَمَلَ أَحَدِ الْمُجْتَهِدِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْبَاقِي وَإِنْ جَهِلَ مَأْخَذَهُ عَمِلَ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّ الرَّاوِيَ عَدْلٌ وَقَدْ جَزَمَ بِالرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصْلُ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْهُ يُوجِبُ تَرْكَ الْعَمَلِ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ إذْ كَمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مُرَادُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنِسْيَانٍ طَرَأَ عَلَيْهِ أَوْ لِدَلِيلٍ اجْتَهَدَ فِيهِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فَلَا يَتْرُكُ الظَّاهِرَ بِالشَّكِّ أَثِمَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَفْسُقُ الرَّاوِي بَلْ تَبْقَى رِوَايَتُهُ مَقْبُولَةً فِي هَذَا الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ بِاجْتِهَادِهِ الَّذِي يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا فِسْقَ بِإِتْيَانِ الْوَاجِبِ فَإِنْ قِيلَ مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ (قُلْنَا لَيْسَ يَخْفَى عَلَيْهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي (تَحْرِيمُ تَرْكِ الظَّاهِرِ إلَّا لِمَا يُوجِبُهُ) أَيْ تَرْكَهُ (فَلَوْلَا تَيَقُّنُهُ) أَيْ الرَّاوِي (بِهِ) أَيْ بِمَا يُوجِبُ تَرْكَهُ (لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَوْ سُلِّمَ) انْتِفَاءُ تَيَقُّنِهِ بِهِ (فَلَوْلَا أَغْلَبِيَّتُهُ) أَيْ أَغْلَبِيَّةُ الظَّنِّ بِمَا يُوجِبُ تَرْكَهُ لَمْ يَتْرُكْهُ (وَلَوْ سُلِّمَ) انْتِفَاءُ أَغْلَبِيَّةِ الظَّنِّ بَلْ إنَّمَا ظَنَّ ذَلِكَ ظَنًّا لَا غَيْرُ (فَشُهُودُهُ) أَيْ الرَّاوِي (مَا هُنَاكَ) أَيْ لِحَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ مَقَالِهِ (يُرَجِّحُ ظَنَّهُ) بِالْمُرَادِ لِقِيَامِ قَرِينَةٍ حَالِيَّةٍ أَوْ مَقَالِيَّةٍ عِنْدَهُ بِذَلِكَ (فَيَجِبُ الرَّاجِحُ وَبِهِ) أَيْ وَبِشُهُودِهِ ذَلِكَ (يَنْدَفِعُ تَجْوِيزُ خَطَئِهِ بِظَنِّ مَا لَيْسَ دَلِيلًا دَلِيلًا) فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْهُ ذَلِكَ مَعَ عَدَالَتِهِ وَعِلْمِهِ بِالْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَمَوَاقِعِ اسْتِعْمَالِهَا وَحَالَةِ مَنْ صَدَرَ عَنْهُ ذَلِكَ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ الدَّلِيلُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْجَبَ ذَلِكَ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ (وَمِنْهُ) أَيْ تَرْكِ الظَّاهِرِ لِدَلِيلٍ (لَا مِنْ الْعَمَلِ بِبَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ) مِنْ الصَّحَابِيِّ (يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سَمَاعِ الْمُخَصِّصِ كَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ) مَرْفُوعًا «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَأَسْنَدَ أَبُو حَنِيفَةَ) عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ (عَنْهُ) أَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ (لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ) إذْ لَفْظُهُ لَا تُقْتَلُ النِّسَاءُ إذَا هُنَّ ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ لَكِنْ يُحْبَسْنَ وَيُدْعَيْنَ إلَى
(2/265)
 
 
الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرْنَ عَلَيْهِ (فَلَزِمَ) تَخْصِيصُهُ الْمُبَدَّلَ بِكَوْنِهِ مِنْ الرِّجَالِ لِسَمَاعِهِ مُخَصَّصًا لَهُ وَهُوَ إمَّا «نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَإِمَّا سَمَاعُهُ خُصُوصَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُقْتَلْ الْمُرْتَدَّةُ إذَا ارْتَدَّتْ» وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسٍ الْجَزَرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ أَوْ ثُبُوتُ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِوَجْهٍ غَيْرِ سَمَاعِهِ نَفْسِهِ لَهُ فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا (خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَقَالُوا يُقْتَلُ عَمَلًا بِالْعُمُومِ الظَّاهِرِ (فَلَوْ كَانَ) الْمَرْوِيُّ (مُفَسَّرًا وَتُسَمِّيهِ الشَّافِعِيَّةُ نَصًّا عَلَى مَا سَلَفَ) فِي التَّقْسِيمِ الثَّانِي لِلْمُفْرَدِ بِاعْتِبَارِ دَلَالَتِهِ أَوَائِلَ الْكِتَابِ (وَتَرْكُهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ (بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَا إنْ لَمْ يُعْرَفْ تَارِيخٌ) لِتَرْكِهِ وَرِوَايَتِهِ لَهُ (تَعَيَّنَ كَوْنُ تَرْكِهِ لِعَمَلِهِ بِالنَّاسِخِ) لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُخَالِفَ النَّصَّ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَتِهِ لَهُ سِوَى اطِّلَاعِهِ عَلَى نَاسِخٍ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ. (فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ) فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَبِهِ) أَيْ كَوْنِ تَرْكِ الرَّاوِي الْمَرْوِيَّ الْمُفَسَّرَ وَعَمَلِهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ إنَّمَا يَكُونُ لِعِلْمِهِ بِالنَّاسِخِ (يَتَبَيَّنُ نَسْخُ حَدِيثُ السَّبْعِ مِنْ الْوُلُوغِ) أَيْ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ» (إذْ صَحَّ اكْتِفَاءً) رِوَايَةُ (أَبِي هُرَيْرَةَ بِالثَّلَاثِ) كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ (فَيَقْوَى بِهِ) أَيْ بِاكْتِفَائِهِ بِالثَّلَاثِ (حَدِيثُ اغْسِلُوهُ ثَلَاثًا وَمِمَّنْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) وَلَكِنْ لَفْظُهُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ يُغْسَلُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا» ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ إسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّمَا يَقْوَى بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا (لِمُوَافَقَتِهِ الدَّلِيلَ) كَأَنَّهُ يُرِيدُ الدَّلِيلَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى ذِكْرِ الثَّلَاثِ فِي تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ
(وَلَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِ الضَّعْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فِي مُسَمَّاهُ) أَيْ الضَّعِيفِ (بَلْ) إنَّمَا يُعْتَبَرُ (ظَاهِرًا فَإِذَا اعْتَضَدَ) الضَّعِيفُ بِمُؤَيِّدٍ لَهُ (ظَهَرَ أَنَّ مَا ظَهَرَ غَيْرُ الْوَاقِعِ كَمَا يَضْعُفُ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ بِعِلَّةٍ بَاطِنَةٍ وَاحْتِمَالُ ظَنِّ الصَّحَابِيِّ مَا لَيْسَ نَاسِخًا نَاسِخًا لَا يَخْفَى بُعْدُهُ فَوَجَبَ نَفْيُهُ) أَيْ هَذَا الِاحْتِمَالِ لِانْتِفَاءِ الدَّلِيلِ الْمُلْجِئِ إلَى اعْتِبَارِهِ (قَالُوا النَّصُّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ قُلْنَا نَعَمْ وَهُوَ النَّاسِخُ الَّذِي لِأَجْلِهِ تَرَكَ) الْمَرْوِيُّ الْمُفَسَّرُ لَا نَفْسُ الْمُفَسِّرِ (وَمِنْهُ) أَيْ تَرْكِ الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ حَتَّى يَكُونَ تَرْكُهُ نَسْخًا لِمَرْوِيِّهِ (تَرْكُ ابْنِ عُمَرَ الرَّفْعَ) لِلْيَدَيْنِ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ مِنْ الصَّلَاةِ (عَلَى مَا صَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ صَحِبْت ابْنَ عُمَرَ سِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ) أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ مَا رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَا يَفْتَتِحُ وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ صَلَّيْت خَلْفَ ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ مَا أَخْرَجَ السِّتَّةُ عَنْهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِذَا رَفَعَ مِنْ الرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» وَإِنْ جُهِلَ تَارِيخُ الْمُخَالَفَةِ لِلْمَرْوِيِّ لَمْ يُرَدَّ بِهَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ بِيَقِينٍ فِي الْأَصْلِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي سُقُوطِهِ فَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَحُمِلَتْ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الرِّوَايَةِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى أَحْسَنِ الْوَجْهَيْنِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهُ قَبْلَ الرِّوَايَةِ بِيَقِينٍ لَا تَكُونُ مُخَالَفَتُهُ جَرْحًا فِي الْحَدِيثِ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْعَدْلِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِلْحَدِيثِ مَذْهَبًا لَهُ ثُمَّ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَتْرُكُ مَذْهَبَهُ وَيَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ.
 
(وَكَتَخْصِيصِهِ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي (الْعَامَّ تَقْيِيدُهُ لِلْمُطْلَقِ) فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى سَمَاعِ الْمُقَيِّدِ لِإِطْلَاقِهِ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَمَلَهُ) أَيْ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي لَهُ (وَعَلِمَ عَمَلَ الْأَكْثَرِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (اتَّبَعَ الْخَبَرَ) لِأَنَّ غَيْرَ الرَّاوِي جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا بِذَلِكَ الْمَرْوِيِّ ثُمَّ لَيْسَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حُجَّةً فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا يُتْرَكُ بِهِ الْخَبَرُ (وَمَنْ يَرَى حُجِّيَّةَ إجْمَاعِ) أَهْلِ (الْمَدِينَةِ) كَمَالِكٍ (يَسْتَثْنِيهِ) فَيَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَالْعَمَلُ بِإِجْمَاعِهِمْ (كَإِجْمَاعِ الْكُلِّ) لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْقِسْمَ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْآمِدِيُّ وَمُوَافِقُوهُ كَابْنِ الْحَاجِبِ وَصَاحِبِ الْبَدِيعِ فَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ غَيْرِ حِكَايَةِ خِلَافٍ لِلْحَنَفِيَّةِ فِيهِ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ يُوَافِقُ قَوْلَ الْحَنَفِيَّةِ أَخْذًا مِنْ
(2/266)
 
 
قَوْلِهِمْ فِي الصَّحَابِيِّ الْمَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَالِ إنْ قَبِلَ السَّلَفُ حَدِيثَهُ أَوْ سَكَتُوا أَوْ اخْتَلَفُوا عَمِلَ بِالْحَدِيثِ فَعُلِمَ مِنْ الْقَبُولِ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْعَمَلُ بِهِ فِي تَرْكِ الْأَكْثَرِ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ خُصُوصًا مَعَ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَشُهْرَةِ رَاوِيه ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَتَرْكُ الصَّحَابَةِ الِاحْتِجَاجَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِيثِ (عِنْدَ اخْتِلَافِهِمْ مُخْتَلَفٌ فِي رَدِّهِ) أَيْ الْحَدِيثِ (وَهُوَ) أَيْ رَدُّهُ بِتَرْكِهِمْ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ هُوَ (الْوَجْهُ إذَا كَانَ) الْحَدِيثُ (ظَاهِرًا فِيهِمْ وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ رَاوِي الْحَدِيثِ (مِنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ) أَيْ الْمَرْوِيِّ (فَالْحَنَفِيَّةُ إنْ كَانَ) الْحَدِيثُ (مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ عَلَى التَّارِكِ) لِلْعَمَلِ بِهِ (كَحَدِيثِ الْقَهْقَهَةِ) الْمَرْوِيِّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ الْوَاسِطِيِّ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «بَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ إذْ أَقْبَلَ أَعْمَى يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَقَعَ فِي زُبْيَةٍ فَاسْتَضْحَكَ الْقَوْمَ فَقَهْقَهُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَهْقَهَ فَلْيُعِدْ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» . (عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ (تَرْكُهُ) أَيْ الْعَمَلِ بِهِ (لَا يَضُرُّهُ) أَيْ الْحَدِيثَ (إذْ لَا يَسْتَلْزِمُ) تَرْكُهُ قَدْحًا فِي الْحَدِيثِ (مِثْلُ تَرْكِ الرَّاوِي) الصَّحَابِيِّ مَرْوِيَّهُ الْمُفَسَّرَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ لِجَوَازِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي وُقُوعِ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ وُقُوعَهَا فِي الصَّلَاةِ (مِنْ الْحَوَادِثِ النَّادِرَةِ فَجَازَ خَفَاؤُهُ) أَيْ الْحَدِيثِ (عَنْهُ) أَيْ أَبِي مُوسَى قُلْت لَكِنْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهَذَا نَظَرٌ فَفِي الْأَسْرَارِ قَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ رِوَايَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا عَنْ أَبِي مُوسَى وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا
فَلَا جَرَمَ أَنْ قَالَ (عَلَى أَنَّهُ مَنَعَ صِحَّتَهُ) أَيْ تَرَكَهُ (عَنْهُ) أَيْ أَبِي مُوسَى (بَلْ) رَوَى (نَقِيضَهُ) أَيْ نَقِيضِ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ عَنْهُ (أَوْ لَا) يَكُونُ الْحَدِيثُ (مِنْهُ) أَيْ جِنْسِ مَا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ (كَالتَّغْرِيبِ) الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ إخْرَاجُ الْحَاكِمِ لِلْمُحْصَنِ الْحُرِّ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا وَأَوَّلُ مُدَّتِهِ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي فُرُوعِ الشَّافِعِيَّةِ (تَرَكَهُ عُمَرُ بَعْدَ لَحَاقِ مَنْ غَرَّبَهُ مُرْتَدًّا) فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ غَرَّبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَبِيعَةَ بْنَ أُمِّيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْل فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا
(فَيَقْدَحُ) تَرْكُ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ (لِاسْتِلْزَامِهِ) أَيْ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ حِينَئِذٍ (ذَلِكَ) أَيْ الْقَدْحَ فِيهِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ التَّغْرِيبَ (كَانَ زِيَادَةَ تَعْزِيرِ سِيَاسَةٍ) شَرْعِيَّةٍ إيحَاشًا لِلزَّانِي وَزِيَادَةً فِي تَنْكِيلِهِ (إذْ لَا يَخْفَى) كَوْنُ التَّغْرِيبِ مِنْ الْحَدِّ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ عُمَرَ (لِابْتِنَاءِ الْحَدِّ عَلَى الشُّهْرَةِ مَعَ حَاجَةِ الْإِمَامِ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَيَفْحَصُ عَنْهُ وَكُفْرُهُ) أَيْ الْمُغَرَّبِ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ (لَا يُحِلُّ تَرْكهُ الْحَدَّ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ لِلْمُؤَلَّفَةِ بَعْدَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ فَهِمَ انْتِهَاءَ حُكْمِهِمْ وَهُمْ أَهْلُ شَوْكَةٍ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ وَمَنَعَهُمْ) . فَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَهُ لَمَّا أَتَاهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَأَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ. (بَقِيَ قِسْمٌ) لَمْ يُذْكَرْ فِي تَقْسِيمِهِمْ وَهُوَ (مُحْتَمَلٌ لَا يَخْفَى) أَيْ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْخَفَاءَ (وَلَيْسَ) الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِهِ (مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ) الصَّحَابِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ (التَّارِكِ) لِلْعَمَلِ بِهِ (الَّتِي تُهِمُّهُ) وَتُوجِبُ لَهُ زِيَادَةَ الْفَحْصِ عَنْهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَالْوَجْهُ لَيْسَ) تَرْكَ عَمَلِ غَيْرِ الرَّاوِي التَّارِكِ لَهُ (كَالرَّاوِي) أَيْ كَتَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ لِرَاوِيهِ (لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ عَدَمِ بُلُوغِهِ) أَيْ الْحَدِيثِ الَّذِي هُوَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إلَى تَارِكِهِ الَّذِي لَيْسَ بِرَاوِيهِ (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ (أَوْلَى مِنْ الْأَكْثَرِ) أَيْ مِنْ الْقِسْمِ الَّذِي تَرَكَ الْأَكْثَرُ الْعَمَلَ (بِهِ) أَيْ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِلزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلْيُطْلَبْ لَهُ مِثَالٌ إنْ كَانَ لَهُ وُجُودٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِلَّا فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ لِانْتِفَاءِ مِثَالِهِ فِي اسْتِقْرَائِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
 
[مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ]
(مَسْأَلَةٌ حَذْفُ بَعْضِ الْخَبَرِ الَّذِي لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَذْكُورِ جَائِزٌ) عِنْدَ الْأَكْثَرِ (بِخِلَافِ) مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى حَذْفُهُ مِثْلُ (الشَّرْطِ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ. يَعْنِي الْأَمَةَ غَيْرَ الْمُحْصَنَةِ»
(2/267)
 
 
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالِاسْتِثْنَاءُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَالْحَالُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (وَالْغَايَةُ) كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ حَذْفُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَقِيلَ لَا) يَجُوزُ مُطْلَقًا (وَقِيلَ إنْ رَوَى مَرَّةً عَلَى التَّمَامِ) هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْخَبَرَ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ عَلَى التَّمَامِ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ (وَمَا قِيلَ يَمْنَعُ إنْ خَافَ تُهْمَةَ الْغَلَطِ) كَمَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ حَيْثُ قَالَ مَنْ رَوَى حَدِيثًا عَلَى التَّمَامِ وَخَافَ إنْ رَوَاهُ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى النُّقْصَانِ أَنْ يُتَّهَمَ بِأَنَّهُ زَادَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ أَوْ أَنَّهُ نَسِيَ فِي الثَّانِي بَاقِيَ الْحَدِيثِ لِقِلَّةِ ضَبْطِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَنْفِيَ هَذِهِ الظِّنَّةَ عَنْ نَفْسِهِ (فَأَمَرُ آخَرُ) لَا دَخْلَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوَازِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ (لَنَا إذَا انْقَطَعَ التَّعَلُّقُ) بَيْنَ الْمَذْكُورِ وَالْمَحْذُوفِ (فَكَخَبَرَيْنِ أَوْ أَخْبَارٍ وَشَاعَ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَالْأَوْلَى الْكَمَالُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» ) أَيْ تَتَسَاوَى فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ «لَا فَضْلَ لِشَرِيفٍ عَلَى وَضِيعٍ» (وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَقَلُّهُمْ (وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ) أَيْ يَرُدُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُمْ التَّبِعَةَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاقْتَطَعَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ سَرَايَا وَجَّهَهَا لِلْإِغَارَةِ فَمَا غَنِمَتْهُ جَعَلَ لَهَا مَا سَمَّى وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ لِأَنَّ بِهِمْ قَدَرَتْ السَّرَايَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) أَيْ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي اتِّحَادِ كَلِمَتِهِمْ وَنُصْرَتِهِمْ وَتَعَاوُنِهِمْ عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ الْمُحَارِبَةِ لَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ إلَّا أَنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَيُجِير عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ فَفَسَّرَ الرَّدَّ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ بِالْإِجَارَةِ فَالْمَعْنَى يَرُدُّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ مُجِيرًا يُقَالُ أَجَرْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ إذَا حَمَيْته مِنْهُ وَمَنَعْته
 
[مَسْأَلَةٌ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ]
(مَسْأَلَةٌ. الْمُخْتَارُ) كَمَا هُوَ مُخْتَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ (أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ بِقَرَائِنِ غَيْرِ اللَّازِمَةِ لِمَا تَقَدَّمَ) أَيْ مَا يَلْزَمُ الْخَبَرَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُخْبِرِ أَوْ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ (وَلَوْ كَانَ) الْمُخْبِرُ (غَيْرَ عَدْلٍ لَا) أَنَّهُ يُفِيدُهُ (مُجَرَّدًا) عَنْ الْقَرَائِنِ (وَقِيلَ إنْ كَانَ) الْمُخْبِرُ (عَدْلًا جَازَ) أَنْ يُفِيدَ الْعِلْمَ (مَعَ التَّجَرُّدِ) عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ لَا يَطَّرِدُ فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ بَلْ قَدْ يُوجَدُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَلَا يُوجَدُ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ (وَعَنْ أَحْمَدَ) فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ مَعَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ لَكِنْ (يَطَّرِدُ) فِي خَبَرِ كُلِّ وَاحِدٍ عَدْلٍ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّمَا حَصَلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهِ (وَأَوَّلُ) الْعِلْمُ الْمُفَادُ بِهِ مُطَّرِدًا (بِعِلْمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ لَكِنَّ تَصْرِيحَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي مَرْوِيِّهِمَا) أَيْ صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (بِأَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ) وَسَبَقَهُ إلَى هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ يُوسُفَ (يَنْفِيه) أَيْ هَذَا التَّأْوِيلَ ثُمَّ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَهَبَ إلَى هَذَا (مُسْتَدِلًّا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِهِ وَإِنْ كَانَ) الْإِجْمَاعُ (عَنْ ظُنُونٍ) أَيْ ظَنِّ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (فَظَنٌّ مَعْصُومٌ) مِنْ الْخَطَأِ وَظَنِّ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ لَا يُخْطِئُ وَالْأُمَّةُ فِي إجْمَاعِهَا مَعْصُومَةٌ مِنْ الْخَطَأِ (وَالْأَكْثَرُ) مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ (لَا) يُفِيدُ الْعِلْمَ (مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِقَرَائِنَ أَوْ لَا (لَنَا) فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ إفَادَةُ الْعِلْمِ بِقَرَائِنَ (الْقَطْعُ بِهِ فِي نَحْوِ إخْبَارِ مَلِكٍ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلَى الْمَفْعُولِ أَيْ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ مَلِكًا (بِمَوْتِ وَلَدٍ) لَهُ (فِي النَّزْعِ مَعَ صُرَاخٍ وَانْتِهَاكِ حَرَمٍ) لِلْمَلِكِ (وَنَحْوِهِ) مِنْ خُرُوجِ الْمَلِكِ وَرَاءَ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُنْكَرَةٍ مِنْ تَمْزِيقِ ثَوْبٍ وَحَسْرِ رَأْسٍ وَاضْطِرَابِ بَالٍ وَتَشْوِيشِ حَالٍ إذْ كُلُّ عَاقِلٍ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ وَشَاهَدَ هَذِهِ الْقَرَائِنَ قَاطِعٌ بِصِحَّةِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَحَاصِلٌ لَهُ الْعِلْمُ بِهِ كَمَا يَعْلَمُ صِدْقَ الْمُتَوَاتِرِ
(وَفِي الثَّانِي) وَهُوَ عَدَمُ إفَادَةِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ (لَوْ كَانَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ (فَبِالْعَادَةِ) إذْ لَا عِلِّيَّةَ وَلَا تَرْتِيبَ إلَّا بِإِجْرَاءِ اللَّهِ عَادَتَهُ بِخَلْقِ شَيْءٍ عَقِبَ آخَرَ (فَيُطْرَدُ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْحُصُولُ دَائِمًا مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ وَهُوَ مَعْنَى الِاطِّرَادِ وَانْتِفَاءُ اللَّازِمِ ضَرُورِيٌّ بِالْوِجْدَانِ إذْ كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ خَبَرَ الْعَدْلِ وَلَا يَحْصُلُ لَنَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ (وَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ فِي الْإِخْبَارِ بِهِمَا) أَيْ
(2/268)
 
 
إخْبَارِ عَدْلَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ فَإِنَّ إخْبَارَهُمَا بِهِمَا جَائِزٌ بِالضَّرُورَةِ بَلْ وَاقِعٌ وَالْمَعْلُومَانِ ثَابِتَانِ فِي الْوَاقِعِ وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا وَبُطْلَانُ اجْتِمَاعِهِمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ اسْتِحَالَتَهُ بَدِيهِيَّةٌ وَفِي شَرْحِ أُصُولِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلسُّبْكِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقَائِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ إنَّمَا يَقُولُهُ إذَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةُ الْكَذِبِ مَوْجُودَةً لِأَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى خَبَرِ الْعَدْلِ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ يُقَالُ انْضِمَامُ خَبَرِ عَدْلٍ آخَرَ إلَيْهِ مُنَافٍ لَهُ قَرِينَةُ كَذِبِ أَحَدِهِمَا فَلَا يُفِيدُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ خَبَرُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلْمًا (وَوَجَبَ التَّأْثِيمُ) لَهُ بِالِاجْتِهَادِ لِمُخَالَفَتِهِ الْيَقِينَ حِينَئِذٍ (وَهُوَ) أَيْ وُجُوبُ التَّأْثِيمِ لِمُخَالِفِهِ (مُنْتَفٍ بِالْإِجْمَاعِ) هَذَا وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ التَّلَازُمُ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي مِنْ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ عَدَمِ الْقَرَائِنِ مِنْ اقْتِرَانِيَّيْنِ وَاسْتِثْنَائِيٍّ. بَيَانُهَا: لَوْ كَانَ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ لَكَانَ بِالْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَادَةِ لَاطَّرَدَتْ. يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ؛ لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ؛ ثُمَّ يُقَالُ أَيْضًا لَوْ كَانَ مُفِيدًا لَاطَّرَدَ وَلَوْ اطَّرَدَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ، يَنْتِجُ مِنْ الِاقْتِرَانِيِّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الشَّرْطِيَّاتِ أَيْضًا؛ لَوْ أَفَادَ لَاجْتَمَعَ النَّقِيضَانِ؛ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبِاسْتِثْنَائِيِّ فَيُقَالُ لَوْ أَفَادَ لَوَجَبَ التَّأْثِيمُ لَكِنْ لَا فَلَا (الْأَكْثَرُ)
قَالُوا (مُفِيدُهُ) أَيْ الْعِلْمِ (الْقَرَائِنُ فَقَدْ أَخْرَجُوا الْخَبَرَ عَنْ كَوْنِهِ جُزْءَ مُفِيدِ الْعِلْمِ) أَيْ جُزْءَ عِلَّةِ الْإِفَادَةِ (وَدَفْعُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ (بِأَنَّهُ لَوْلَا الْخَبَرُ لَجَوَّزْنَا مَوْتَ) شَخْصٍ (آخَرَ) لِلْمَلِكِ غَيْرِ وَلَدِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَبِيهِ فَلَا يَحْصُلُ الْجَزْمُ بِمَوْتِ وَلَدِهِ بِعَيْنِهِ (يُفِيدُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مُجَرَّدُ حُصُولِ الْعِلْمِ مَعَ الْمَجْمُوعِ) مِنْ الْخَبَرِ وَالْقَرَائِنِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إثْبَاتِ الْخَبَرِ جُزْءَ عِلَّةِ إفَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِذَا عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (جُزْءُ السَّبَبِ) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (لَزِمَ) كَوْنُهُ (شَرْطًا) لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (وَهُوَ) أَيْ كَوْنُهُ شَرْطًا لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ (عَيْنُ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا مَعَ الْخَبَرِ مِنْ الْقَرَائِنِ لَا مُجَرَّدَ قَرَائِنَ بِلَا خَبَرٍ (فَهُوَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ (اعْتِرَافٌ بِهِ) أَيْ بِكَوْنِهِ شَرْطًا (فَأَغْنَاهُمْ) أَيْ هَذَا الِاعْتِرَافُ أَهْلَ الْمُخْتَارِ (عَمَّا نَسَبُوهُ) أَيْ الْأَكْثَرَ (إلَيْهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْمُخْتَارِ (مِنْ قَوْلِهِمْ) أَيْ الْأَكْثَرِ (دَلِيلُكُمْ) أَصْحَابُ الْمُخْتَارِ (عَلَى نَفْيِهِ) أَيْ الْعِلْمِ عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (بِلَا قَرِينَةٍ يَنْفِيه) أَيْ الْعِلْمَ عَنْهُ (بِهَا) أَيْ بِالْقَرِينَةِ (وَهُوَ) أَيْ دَلِيلُكُمْ عَلَى نَفْيِهِ (لَوْ كَانَ) خَبَرُ الْوَاحِدِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ بِلَا قَرَائِنَ (أَدَّى إلَى النَّقِيضَيْنِ) أَيْ تَنَاقُضِ الْمَعْلُومَيْنِ (إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلُزُومِ الِاطِّرَادِ وَتَأْثِيمِ مُخَالِفِهِ (وَ) أَغْنَاهُمْ عَنْ (دَفْعِهِ بِأَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (إنَّمَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَهُ) أَيْ كَوْنِ الْخَبَرِ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ نَفْيِ الْقَرِينَةِ (لَا مُطْلَقًا) لِيَدْخُلَ فِيهِ مَا مَعَ الْقَرِينَةِ (لِأَنَّ لُزُومَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ) إنَّمَا هُوَ (بِتَقْدِيرِهِ) أَيْ عَدَمِ الْقَرَائِنِ
(أَمَّا الْجَوَابُ بِالْتِزَامِ الِاطِّرَادِ فِي مِثْلِهِ) أَيْ فِيمَا فِيهِ الْقَرَائِنُ بِأَنْ يُقَالَ خَبَرُ كُلِّ عَدْلٍ مَعَ الْقَرِينَةِ يُوجِبُ الْعِلْمَ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ (فَبَعِيدٌ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ لَيْسَ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ بِقَرَائِنَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالدَّعْوَى) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الدَّعْوَى تُفِيدُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ (قَدْ يُوجِبُهُ) أَيْ الْعِلْمَ (لَا الْكُلِّيَّةَ) أَيْ لَا أَنَّ كُلَّ خَبَرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ (لِمَا نَذْكُرُ) فِي جَوَابِ الْوَاقِعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَلِكِ مِنْ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ نَقِيضَهَا بِأَنْ يَرْجِعُوا فَيَذْكُرُوا أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا سَكَنَ وَبَرَدَ فَظَنَّ مَوْتَهُ (فَبِإِيجَابِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْعِلْمَ (يُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (ذَلِكَ) الْخَبَرُ الَّذِي يُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ يَعْنِي أَنَّ الدَّلِيلَ الْمُثْبِتَ إفَادَةَ الْعِلْمِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ إنِّي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِالْأَثَرِ عَلَى الْمُؤَثِّرِ (كَمَا فِي) الْخَبَرِ (الْمُتَوَاتِرِ يُعَرِّفُهُ) أَيْ كَوْنَهُ مُتَوَاتِرًا (أَثَرُهُ) أَيْ إذَا ثَبَتَ أَثَرُهُ وَهُوَ (الْعِلْمُ) ثَبَتَ أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ فَكَذَا هُنَا إذَا ثَبَتَ بِهِ الْعِلْمُ ثَبَتَ أَنَّهُ ذَلِكَ الْخَبَرُ الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ بِالْقَرَائِنِ (وَحِينَئِذٍ نَمْنَعُ إمْكَانَ مِثْلِهِ) أَيْ إخْبَارِ وَاحِدٍ آخَرَ عَدْلٍ (بِالنَّقِيضِ الْآخَرِ) لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ (إلَّا لَوْ وَقَعَ) الْإِخْبَارُ بِالْمُتَنَاقَضِينَ (فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَجُوزُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ التَّعَارُضِ) فِيهَا (لِلُّزُومِ اخْتِلَافِ الزَّمَانِ) فِيهَا (فَأَحَدُهُمَا مَنْسُوخٌ) وَالْآخَرُ نَاسِخٌ لَهُ (وَيَلْتَزِمُ التَّأْثِيمُ) لِلْمُخَالِفِ لِلْخَبَرِ الْمَحْفُوفِ بِالْقَرَائِنِ بِالِاجْتِهَادِ (لَوْ وَقَعَ) الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ (فِيهَا) أَيْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ مُفِيدِي الْعِلْمِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا (بِخِلَافِهِ) أَيْ التَّأْثِيمِ (بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فَإِنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ (لِلْقَطْعِ بِجَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ بَلْ) لِلْقَطْعِ (بِوُقُوعِهِ فَعُلِمَ بِهِ) أَيْ بِنَفْسِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِنَقِيضَيْنِ
(2/269)
 
 
(أَنَّهُ) أَيْ خَبَرَ الْوَاحِدِ (لَا يُفِيدُهُ) أَيْ الْعِلْمَ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمَا ذَلِكَ (وَمَا قِيلَ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ هَذَا مِنْ جَوَازِ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِمُتَنَاقِضَيْنِ (يَقَعُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ إخْبَارِ الْمَلِكِ) بِمَوْتِ ابْنِهِ بِأَنْ يُخْبِرَهُ مُخْبِرٌ بِمَوْتِهِ مَعَ الْقَرَائِنِ ثُمَّ يُخْبِرَهُ آخَرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى الْمُخْبَرِ وَالْحَاضِرِينَ وَقَامَتْ الْقَرَائِنُ عَلَى ذَلِكَ (يَرُدُّ بِأَنَّ ذَاكَ) أَيْ جَوَازَ إخْبَارِ اثْنَيْنِ بِخَبَرَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لِلْمَوْتِ وَهُمَا مَوْتُ ابْنِهِ وَعَدَمُهُ (عِنْدَ عَدَمِ إفَادَتِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِمَوْتِهِ الْعِلْمُ (الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْعِلْمُ بِهِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ التَّنَاقُضَ لِعَدَمِ اسْتِلْزَامِهِ الثُّبُوتَ فِي الْوَاقِعِ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْعِلْمِ فَامْتِنَاعُ حُصُولِ الْعِلْمِ بِنَقِيضِ مَا عُلِمَ ضَرُورِيٌّ (وَالطَّارِدُ) لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ (فِي مَرْوِيِّهِمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ
قَالَ (لَوْ أَفَادَ) مَرْوِيُّهُمَا الظَّنَّ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ لَكِنَّهُ أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَلَمْ يُفِدْ الظَّنَّ (أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَلِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِهِ) أَيْ الظَّنِّ وَالنَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ (وَالذَّمُّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اتِّبَاعِهِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] أَيْ لَا تَتَّبِعْ {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود: 46] (إنْ يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ) فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ فَدَلَّ عَلَى حُرْمَتِهِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ هَذَا (الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ لَا لِإِفَادَتِهِ) أَيْ مَرْوِيِّهِمَا (الْعِلْمَ بِمَضْمُونِهِ وَالسَّمْعِيَّ) أَيْ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] وَ (إنْ يَتَّبِعُونَ) (مَخْصُوصٌ بِالِاعْتِقَادِيَّاتِ) الْمَطْلُوبِ فِيهَا الْيَقِينُ لَا مَا يُطْلَبُ فِيهِ الْعَمَلُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ السَّمْعِيِّ الْعُمُومَ (وَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ) الْقَطْعِيُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ (دَلِيلُ وُجُودِ الْمُخَصَّصِ) فِي الِاعْتِقَادِيَّات عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ (أَوْ النَّاسِخِ) لِلنَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ فِي غَيْرِهَا عَلَى قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ (وَمَا قِيلَ لَا إجْمَاعَ) عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِلْخِلَافِ الْآتِي) فِي الْعَمَلِ بِهِ (لَيْسَ بِشَيْءٍ) مُعْتَبَرٍ (لِاتِّفَاقِ هَذَيْنِ الْمُتَنَاظِرَيْنِ عَلَى نَقْلِ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِهِ
(وَقَوْلُهُ) أَيْ الطَّارِدِ (ظَنٌّ مَعْصُومٌ قُلْنَا إنَّمَا أَفَادَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ كَوْنِ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ فَالْحَاصِلُ إنْ ادَّعَيْت أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لِإِفَادَةِ الْخَبَرِ الْعِلْمَ مَنَعْنَاهُ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى (وَهُوَ) أَيْ هَذَا الْمُدَّعَى (أَوَّلَ الْمَسْأَلَةِ) فَهُوَ مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ (أَوْ أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الْمُعَيَّنَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا أَمْكَنَ تَسْلِيمُهُ وَلَا يُفِيدُ) الْمَطْلُوبَ (إذْ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُ خَبَرِ الْوَاحِدِ يُفِيدُ الْعِلْمَ (هُوَ الْمُدَّعَى لَا الثَّانِيَ) وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ حَقٌّ قَطْعًا (وَسَوَاءٌ كَانَ) هَذَا الْمُجْمَعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ (مِنْهُمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ (أَوْ لَا يَكُونُ) مِنْهُمَا (وَقَدْ يَكُونُ) خَبَرُ الْوَحْدِ (مِنْهُمَا) أَيْ الصَّحِيحَيْنِ (وَلَا يُجْمَعُ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ لِتَكَلُّمِ بَعْضِ أَهْلِ النَّقْدِ فِيهِ كالدارقطني قِيلَ وَجُمْلَةُ مَا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْبُخَارِيِّ مِائَةٌ وَعَشْرَةُ أَحَادِيثَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى إخْرَاجِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنْهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ (فَالضَّابِطُ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ) لَا مَرْوِيِّهِمَا بِخُصُوصِهِ (وَهِيَ) أَيْ مَا أُجْمِعَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ
 
[مَسْأَلَةٌ أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا]
(مَسْأَلَةٌ إذَا أُجْمِعَ عَلَى حُكْمٍ يُوَافِقُ خَبَرًا قُطِعَ بِصِدْقِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (عِنْدَ الْكَرْخِيِّ وَأَبِي هَاشِمٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ) فِي جَمَاعَةٍ (لِعَمَلِهِمْ) أَيْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ (بِهِ) أَيْ بِالْخَبَرِ الْمُوَافِقِ لِعَمَلِهِمْ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُقْطَعْ بِصِدْقِهِ (احْتَمَلَ الْإِجْمَاعُ الْخَطَأَ فَلَمْ يَكُنْ) الْإِجْمَاعُ (قَطْعِيَّ الْمُوجِبِ) وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ عَلَى خَطَأٍ وَلَا يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ (وَمَنَعَهُ) أَيْ الْقَطْعَ بِصِدْقِهِ (غَيْرُهُمْ) وَهُوَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ ظَنًّا وَاخْتَارَهُ الْآمِدِيُّ وَصَاحِبُ الْبَدِيعِ (لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ) أَيْ عَمَلِهِمْ أَوْ عَمَلِ بَعْضِهِمْ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْأَدِلَّةِ لَا بِذَلِكَ الْخَبَرِ لِاحْتِمَالِ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْمَدْلُولِ الْوَاحِدِ وَحِينَئِذٍ لَا يَدُلُّ عَمَلُهُمْ عَلَى صِدْقِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ بِهِ (وَلَوْ كَانَ) عَمَلُهُمْ (بِهِ) أَيْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ (لَمْ يَلْزَمْ احْتِمَالُ الْإِجْمَاعِ) لِلْخَطَأِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُفِيدًا لِلظَّنِّ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي الْعَمَلِ بِهِ (لِلْقَطْعِ بِإِصَابَتِهِمْ فِي الْعَمَلِ بِالْمَظْنُونِ) كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ وَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يُقْطَعُ بِصِدْقِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ (وَتَحْقِيقُهُ) كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْهِنْدِيُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْإِجْمَاعَ الْمُوَافِقَ لِحُكْمِهِ (يُفِيدُ الْقَطْعَ بِحَقِّيَّةِ الْحُكْمِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ بِصِدْقِ الْخَبَرِ) بِمَعْنَى (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ بِلَفْظِهِ (سَمِعَهُ فُلَانٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -)
 
[مَسْأَلَةٌ أَخْبَرَ مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ]
(مَسْأَلَةٌ إذَا أَخْبَرَ)
(2/270)
 
 
مُخْبِرٌ خَبَرًا عَنْ مَحْسُوسٍ صَرَّحَ بِهِ الْآمِدِيُّ (بِحَضْرَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ وَعَلِمَ عِلْمَهُمْ بِكَذِبِهِ لَوْ كَذَبَ وَلَمْ يُكَذِّبُوهُ وَلَا حَامِلَ عَلَى السُّكُوتِ) مِنْ خَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقِيلَ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُكُوتِهِمْ تَصْدِيقُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَسْكُتُوا عَنْ تَكْذِيبِهِ لَا لِشَيْءٍ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ (قَطَعْنَا بِصِدْقِهِ بِالْعَادَةِ) لِأَنَّ مَعَ اخْتِلَافِ أَمْزِجَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ وَوُجُودِ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَمْتَنِعُ عَادَةً السُّكُوتُ عَنْ تَكْذِيبِهِ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فَانْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْمُخْتَارُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ مِنْ اشْتِرَاطِ تَمَادِي الزَّمَنِ الطَّوِيلِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
 
[مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ]
(مَسْأَلَةٌ التَّعَبُّدُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ) وَهُوَ أَنْ يُوجِبَ الشَّارِعُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ (جَائِزٌ عَقْلًا خِلَافًا لِشُذُوذِ) وَهْمِ الْجُبَّائِيِّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ (لَنَا الْقَطْعُ بِأَنَّهُ) أَيْ التَّعَبُّدَ بِهِ لِوُرُودِ السَّمْعِ بِهِ كَأَنْ يَقُولَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْمَلُوا بِهِ إذَا ظَنَنْتُمْ صِدْقَهُ وَعَرَضْنَاهُ عَلَى عُقُولِنَا عَلِمْنَا قَطْعًا أَنَّهُ (لَا يَسْتَلْزِمُ مُحَالًا) لِذَاتِهِ عَقْلًا (فَكَانَ) التَّعَبُّدُ بِهِ (جَائِزًا) إذْ لَا مَعْنَى لِلْجَوَازِ غَيْرُ هَذَا وَغَايَةُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي اتِّبَاعِهِ مِنْ الْمَحْذُورِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ كَذِبًا أَوْ خَطَأً فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّعَبُّدُ بِكَذِبٍ أَوْ خَطَإٍ لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لَا يَمْنَعُ التَّعَبُّدَ بِهِ إذْ كَانَ الصِّدْقُ رَاجِحًا وَإِلَّا لَامْتَنَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَقَوْلِ الْمُفْتِي لِلْعَامِّيِّ لِتَحَقُّقِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فِيهِمَا لَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْعَمَلَ بِهِمَا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
(قَالُوا) التَّعَبُّدُ بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ فَمُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ (يُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ) أَيْ تَحْلِيلِ الْحَرَامِ فِيمَا إذَا رَوَى وَاحِدٌ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ وَآخَرُ خَبَرًا يَدُلُّ عَلَى الْحِلِّ وَكَانَ أَحَدُهُمَا رَاجِحًا وَعَمِلَ بِهِ (لِجَوَازِ خَطَئِهِ وَ) يُؤَدِّي إلَى (اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ) إنْ تَسَاوَيَا وَعَمِلَ بِهِمَا (فَيَنْتَفِي الْحُكْمُ) وَهُوَ التَّعَبُّدُ بِهِ (قُلْنَا الْأَوَّلُ) أَيْ تَأْدِيَتُهُ إلَى تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ (مُنْتَفٍ عَلَى إصَابَةِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ) إذْ لَا حَلَالَ وَلَا حَرَامَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ هُمَا تَابِعَانِ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ وَيَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ فَيَكُونُ حَلَالًا لِوَاحِدٍ حَرَامًا لِآخَرَ (وَعَلَى اتِّحَادِهِ) أَيْ كَوْنِ الْمُصِيبِ وَاحِدًا فَقَطْ (إنَّمَا يَلْزَمُ) كَوْنُ التَّعَبُّدِ بِهِ مُؤَدِّيًا إلَى ذَلِكَ (لَوْ قَطَعْنَا بِمُوجِبِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَكِنَّا) لَا نَقْطَعُ بِهِ بَلْ (نَظُنُّهُ وَهُوَ) أَيْ ظَنُّهُ (مَا) أَيْ الَّذِي (كَلَّفَ) الْمُجْتَهِدَ بِهِ (وَنُجَوِّزُ خِلَافَهُ) أَيْ الْمَظْنُونِ وَنَقُولُ الْحَقُّ مَعَ مَنْ وَقَعَ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمُخَالِفُهُ عَلَى خَطَأٍ لَكِنْ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ لِظَنِّ الْمُجْتَهِدِ سَاقِطٌ عَنْهُ إجْمَاعًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ ظَنِّ نَفْسِهِ (وَنَجْزِمُ) فِي الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ مُؤَدِّيًا إلَى اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ (بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْمُتَعَارِضَيْنِ أَحَدُ الْحُكْمَيْنِ فَإِنْ ظَنَنَّاهُ) أَحَدَهُمَا (سَقَطَ الْآخَرُ) لِأَنَّ الْمَرْجُوحَ فِي مُقَابَلَةِ الرَّاجِحِ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ فَلَا تَنَاقُضَ (وَإِلَّا) لَوْ لَمْ يُظَنَّ أَحَدُهُمَا حَتَّى انْتَفَى التَّرْجِيحُ (فَالتَّكْلِيفُ بِالتَّوَقُّفِ) عَنْ الْعَمَلِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أَنْ يَظْهَرَ رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا فَيُعْمَلَ بِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَوْ يُتَخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ بِالْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فَإِذَا عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا سَقَطَ الْآخَرُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ آخَرِينَ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَكِلَاهُمَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ (وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ) أَيْ قَوْلَهُمْ التَّعَبُّدُ بِهِ مُمْتَنِعٌ لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّحْرِيمِ الْحَلَالِ وَقَلْبِهِ فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ لَا يَجُوزُ عَقْلًا كَمَا ذَكَرَهُ هَكَذَا الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ (لَيْسَ عَقْلِيًّا بَلْ مِمَّا أَخَذَهُ الْعَقْلُ مِنْ الشَّرْعِ فَالْمُطَابِقُ الثَّانِي) وَهُوَ لُزُومُ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ فَهُوَ تَعْرِيضٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ أَوْضَحَهُ الْمُصَنِّفُ بِحَاشِيَتِهِ هُنَا فَقَالَ أَيْ الْأَوَّلُ لَمَّا لَمْ يُفِدْ الِامْتِنَاعَ الْعَقْلِيَّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ قُرِّرَ عَلَى إرَادَةِ الِامْتِنَاعِ الْعَقْلِيِّ لِغَيْرِهِ لَا لِذَاتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى خِلَافِ الْوَاقِعِ وَهُوَ بَاطِلٌ وَمَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ عَقْلًا وَلَيْسَ بَلْ مَا يُؤَدِّي إلَى الْبَاطِلِ الْعَقْلِيِّ
أَمَّا الْبَاطِلُ الشَّرْعِيُّ فَمَا يُؤَدِّي إلَيْهِ بَاطِلٌ شَرْعًا وَالْعَقْلُ إنَّمَا يُحْكَمُ بِهِ أَخْذًا مِنْ الشَّرْعِ كَمَا إذَا أَخَذَ أَصْلًا غَيْرَهُ فَيُحْكَمُ بِمُقْتَضَاهُ فِي مَحَالِّ تَحَقُّقِهِ فَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ إلْزَامَ اجْتِمَاعِ النَّقِيضَيْنِ لِيَصِحَّ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى (وَمَا عَنْهُمْ) أَيْ الْمُخَالِفِينَ (مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (جَازَ) التَّعَبُّدُ بِهِ فِي الْعَقَائِدِ (وَنَقْلِ الْقُرْآنِ وَادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ بِلَا مُعْجِزٍ) لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ ظَنُّ الصِّدْقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْمَلْزُومُ (سَاقِطٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّجْوِيزِ الْعَقْلِيِّ فَنَمْنَعُ بُطْلَانَ التَّالِي) فَنَقُولُ بَلْ يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِهِ فِيهَا أَيْضًا عَقْلًا (غَيْرَ أَنَّ التَّكْلِيفَ
(2/271)
 
 
وَقَعَ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فِيهَا) أَمَّا فِي الْعَقَائِدِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّصِّ السَّمْعِيِّ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُخْتَارِ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَأَمَّا فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ فَلِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ فَحَكَمَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِ إثْبَاتِهِ قَطْعِيًّا وَأَمَّا فِي ادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ فَلِأَنَّ الْعَادَةَ تُحِيلُ صِدْقَ مُدَّعِيهَا بِغَيْرِ مُعْجِزَةٍ دَالَّةٍ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّهَا أَمْرٌ فِي نِهَايَةِ الْعَظَمَةِ وَغَايَةِ النُّدْرَةِ وَالطِّبَاعُ مُسْتَبْعَدَةٌ لِوُقُوعِهِ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ فَإِنَّهُ اُكْتُفِيَ فِيهَا بِالظَّنِّ.
 
[مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ]
(مَسْأَلَةٌ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْعَدْلِ وَاجِبٌ فِي الْعَمَلِيَّاتِ، وَمَنَعَهُ الرَّوَافِضُ وَشُذُوذٌ) مِنْهُمْ أَبُو دَاوُد (لَنَا تَوَاتُرُ) الْعَمَلِ بِهِ (عَنْ الصَّحَابَةِ فِي) آحَادِ (وَقَائِعَ خَرَجَتْ عَنْ الْإِحْصَاءِ لِلْمُسْتَقِرِّينَ يُفِيدُ مَجْمُوعَهَا) أَيْ آحَادِ الْوَقَائِعِ (إجْمَاعُهُمْ) أَيْ الصَّحَابَةِ (قَوْلًا أَوْ كَالْقَوْلِ عَلَى إيجَابِ الْعَمَلِ عَنْهَا) أَيْ أَخْبَارِ الْآحَادِ (فَبَطَلَ إلْزَامُ الدَّوْرِ و) إلْزَامُ (مُخَالَفَةٍ {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَاهُ بِتَوَاتُرِ الْعَمَلِ بِهَا لَا بِخَبَرِ وَاحِدٍ بِالْعَمَلِ بِهَا وَالْمُتَوَاتِرِ وَلَوْ مَعْنًى يُفِيدُ الْعِلْمَ (وَ) إلْزَامُ (كَوْنِ الْمُسْتَفَادِ) مِنْ هَذِهِ الْوَقَائِعِ (الْجَوَازَ) أَيْ جَوَازَ الِاسْتِدْلَالِ وَالْعَمَلِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ. وَالنِّزَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُوبِ لِأَنَّ إيجَابَهُمْ الْأَحْكَامَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا (عَلَى أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِهِ) أَيْ بِالْجَوَازِ (دُونَ وُجُوبٍ وَمِنْ مَشْهُورِهَا) أَيْ أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ ( «عَمَلُ أَبِي بَكْرٍ بِخَبَرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي تَوْرِيثِ الْجَدَّةِ السُّدُسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» كَمَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
(وَعُمَرَ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي الْمَجُوسِ) وَهُوَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ (وَبِخَبَرِ حَمَلِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ (ابْنِ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ) حَيْثُ قَالَ «كُنْت بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ فَضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جَنِينِهَا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَأَنْ تُقْتَلَ بِهَا» كَمَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَبِخَبَرِ الضَّحَّاكِ) بْنِ سُفْيَانَ (فِي مِيرَاثِ الزَّوْجَةِ مِنْ دِيَةِ الزَّوْجِ) حَيْثُ قَالَ «كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيَّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَبِخَبَرِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) كَمَا أَفَادَهُ مَا أَسْنَدَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْإِبْهَامِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَفِي الْخِنْصَرِ بِسِتٍّ حَتَّى وَجَدَ كِتَابًا عِنْدَ آلِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ «وَفِيمَا هُنَالِكَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَشْرٌ» ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى قُلْت فَعَلَى هَذَا قَوْلُ السُّبْكِيّ وَأَمَّا رُجُوعُهُ إلَى كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّ كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَلَغَ عُمَرَ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ بَلَغَهُ لَصَارَ إلَيْهِ وَفِي هَذَا الْقَوْلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ انْتَهَى مُتَعَقَّبٌ بِهَذَا فَلْيُحَرَّرْ ثُمَّ مِمَّنْ رَوَى كِتَابَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْجِعُونَ إلَيْهِ وَيَدَعُونَ آرَاءَهُمْ (وَ) عَمِلَ (عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ) بِنْتِ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ) كَذَا فِي شَرْحِ الْقَاضِي عَضُدِ الدِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ
وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ (وَمَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً مِنْ الْآحَادِ الَّتِي يَلْزَمُهَا الْعِلْمُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى عَمَلِهِمْ بِهَا لَا بِغَيْرِهَا وَلَا بِخُصُوصِيَّاتٍ فِيهَا سِوَى حُصُولِ الظَّنِّ فَعَلِمْنَاهُ) أَيْ حُصُولَ الظَّنِّ (الْمَنَاطُ عِنْدَهُمْ مَعَ ثُبُوتِ إجْمَاعِهِمْ بِالِاسْتِقْلَالِ عَلَى خَبَرِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» ) وَقَدَّمْنَا فِي الْبَحْثِ الْأَوَّلِ مِنْ مَبَاحِثِ الْعُمُومِ أَنَّ شَيْخَنَا الْحَافِظَ قَالَ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ بَلْ مَعْنَاهُ «وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ» ) وَقَدَّمْنَا ثَمَّةَ أَيْضًا أَنَّ الْمَحْفُوظَ؛ إنَّا؛ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
«وَالْأَنْبِيَاءُ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ» ) رَوَاهُ بِمَعْنَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي
(2/272)
 
 
الْوَفَاءِ (وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُونَ عِنْدَ رِيبَةٍ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الظَّنِّ كَإِنْكَارِ عُمَرَ خَبَرَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي نَفْيِ نَفَقَةِ الْمُبَانَةِ) كَمَا تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ وَالْحَال (وَعَائِشَةَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ فِي تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِبُكَاءِ الْحَيِّ)
كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَيْضًا تَوَاتَرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إرْسَالُ الْآحَادِ إلَى النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ) مِنْهُمْ مُعَاذٌ فَرَوَى الْجَمَاعَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ قَالَ إنَّك تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَادْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ» الْحَدِيثَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ تَعْدَادُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ قَبُولُ خَبَرِهِمْ لَمْ يَكُنْ لِإِرْسَالِهِمْ مَعْنًى (وَالِاعْتِرَاضُ) عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ (بِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِهِ وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ (سَاقِطٌ) لِأَنَّ إرْسَالَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَبْلِيغِ الْأَحْكَامِ (إذْ أَفَادَ وُجُوبَ عَمَلِ الْمُبَلَّغِ بِمَا بَلَّغَهُ الْوَاحِدُ) لِلْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى مَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رُسُلُهُ (كَانَ) إرْسَالُهُ (دَلِيلًا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) وَهُوَ وُجُوبُ عَمَلِ الْمُجْتَهِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْعَمَلِ عَلَى الْمُبَلَّغ الَّذِي لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ لِأَنَّ الْمُبَلَّغَ قَدْ يَكُونُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاجْتِهَادِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَعَلَى كُلٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَوْ أَفَادَ اللَّفْظُ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهِ عَمَلٌ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ اللَّفْظِ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَسُولًا مُفِيدًا لِوُجُوبِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ
(وَاسْتَدَلَّ) مَنْ قَبْلَنَا لِلْمُخْتَارِ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَوْلا نَفَرَ} [التوبة: 122] الْآيَةَ) أَيْ {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] لِأَنَّ الطَّائِفَةَ تَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَدْ جُعِلَ مُنْذِرًا وَوَجَبَ الْحَذَرُ بِإِخْبَارِهِ وَلَوْلَا قَبُولُ خَبَرِهِ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ (وَاسْتُبْعِدَ) الِاسْتِدْلَال بِهَا (بِأَنَّهُ) أَيْ النَّفَرَ لِإِفْتَائِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْذَارِ الْفَتْوَى بِقَرِينَةِ تَوَقُّفِهِ عَلَى التَّفَقُّهِ إذَا الْأَمْرُ بِالتَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِهِ وَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى التَّفَقُّهِ إنَّمَا هُوَ الْفَتْوَى لَا الْخَبَرُ الْمَخُوفُ مُطْلَقًا (وَيُدْفَعُ) هَذَا الِاسْتِبْعَادُ (بِأَنَّهُ) أَيْ الْإِنْذَارَ (أَعَمُّ مِنْهُ) أَيْ الْإِفْتَاءِ (وَمِنْ أَخْبَارِهِمْ) وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِنْذَارَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى التَّفَقُّهِ وَبِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْقَوْمِ بِالْمُقَلِّدِينَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا فِي فَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَمْلِ الْإِنْذَارِ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَإِنَّهُ كَمَا يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْإِنْذَارِ يَنْتَفِي تَخْصِيصُ الْقَوْمِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُجْتَهِدُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْمُقَلِّدُ فِي الِانْزِجَارِ وَحُصُولِ الثَّوَابِ فِي مِثْلِهَا إلَى غَيْرِهِ (وَأَمَّا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ} [البقرة: 159 - 174] الْآيَةُ (فَغَيْرُ مُسْتَلْزِمٍ) وُجُوبُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ لَمَا كَانَ لِلْإِيعَادِ عَلَى الْكِتْمَانِ لِقَصْدِ الْإِظْهَارِ فَائِدَةٌ (لِجَوَازِ نَهْيِهِمْ عَنْ الْكِتْمَانِ لِيَحْصُلَ التَّوَاتُرُ بِإِخْبَارِهِمْ و {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الْآيَةَ) الِاسْتِدْلَال بِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَمْرٌ بِالتَّثَبُّتِ فِي الْفَاسِقِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ بِخِلَافِهِ اسْتِدْلَالٌ (بِمَفْهُومٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ) وَهُوَ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
(وَلَوْ صَحَّ كَانَ ظَاهِرًا وَلَا يُثْبِتُونَ بِهِ) أَيْ بِالظَّاهِرِ (أَصْلًا دِينِيًّا وَإِنْ كَانَ) الْأَصْلُ الدِّينِيُّ (وَسِيلَةَ عَمَلٍ) وَهَذَا كَذَلِكَ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَمْرٌ اعْتِقَادِيٌّ وَهُوَ أَنَّ بِهِ تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ (قَالُوا تَوَقَّفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ (فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ) أَيْ الْخِرْبَاقِ حَيْثُ قَالَ «أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ حَتَّى أَخْبَرَهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَالَ النَّاسُ نَعَمْ فَقَامَ فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (قُلْنَا) تَوَقُّفُهُ (لِلرِّيبَةِ) فِي خَبَرِهِ (إذْ لَمْ يُشَارِكُوهُ مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي السَّبَبِ) فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْغَلَطِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ وَعَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ وَاجِبٌ اتِّفَاقًا (ثُمَّ لَيْسَ) خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ (دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْوَاحِدِ) أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ بِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ خَبَرُ ذِي الْيَدَيْنِ دَلِيلٌ (لِمُوجِبِ الِاثْنَيْنِ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَمَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا فِي رِوَايَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ رَوَاهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ
(2/273)
 
 
مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَاذَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالَا صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَابَ النَّاسُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ» (وَإِلَّا فَمَعَهُمَا) أَيْ خَبَرَيْ الِاثْنَيْنِ (لَا يَخْرُجُ) الْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ الْوَاحِدُ (عَنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَوْنُهُ) أَيْ خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ (لَيْسَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ) لِأَنَّ النِّزَاعَ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَبُّدِ الْأُمَّةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مَنْقُولًا عَنْ الرَّسُولِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ (لَا يَضُرُّ إذْ يَسْتَلْزِمُهُ) أَيْ خَبَرَهُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ خَبَرُ وَاحِدٍ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُقِلَ إلَى سَيِّدِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ اُتُّفِقَ أَنَّ النَّبِيَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الْأَعْظَمُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ وَذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَفْيِ كَوْنِ تَوَقُّفِهِ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ الْجَوَابُ إلَّا مَا ذَكَرْنَا
(قَالُوا قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْفُ} [الإسراء: 36] فَنَهَى عَنْ اتِّبَاعِ الظَّنِّ وَأَنَّهُ يُنَافِي الْوُجُوبَ وَلَا شَكَّ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ بِالظَّنِّ بَلْ (بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَنَّهُ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (بِمُقْتَضَى الْقَاطِعِ) وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهُ) أَيْ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (بِالْعَقْلِ أَيْضًا كَأَبِي الْحُسَيْنِ وَالْقَفَّالِ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ) كَابْنِ سُرَيْجٍ فِي جَمَاعَةٍ (قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَعْلُومِ الْأَصْلِ وَاجِبٌ) عَقْلًا (كَإِخْبَارِ وَاحِدٍ بِمَضَرَّةِ طَعَامٍ وَسُقُوطِ حَائِطٍ يُوجِبُ الْعَقْلُ الْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ لِلْأَصْلِ الْمَعْلُومِ مِنْ وُجُوبِ الِاحْتِرَاسِ) عَنْ الْمَضَارِّ (فَكَذَا خَبَرُ الْوَاحِدِ) يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْبَعْثَةَ لِلْمَصَالِحِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ) وَمَضْمُونُ الْخَبَرِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا (وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا الدَّلِيلَ (بِنَاءً عَلَى التَّحْسِينِ) الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أُبْطِلَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيجَابِ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ الْقَوْلَ بِالتَّحْسِينِ (لَكِنَّهُ) أَيْ الْعَمَلَ بِالظَّنِّ فِي تَفَاصِيلِ مَقْطُوعِ الْأَصْلِ (أَوْلَى عَقْلًا) لِلِاحْتِيَاطِ (لَا وَاجِبٌ سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ (لَكِنْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ دُونَ الشَّرْعِيَّاتِ) وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا لِعَدَمِ التَّمَاثُلِ وَهُوَ شَرْطُهُ (سَلَّمْنَاهُ) أَيْ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ وَاجِبٌ فِي الشَّرْعِيَّاتِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الْعَقْلِيَّاتِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِلْوُجُوبِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ وَصَحَّ قِيَاسُ الشَّرْعِيَّاتِ عَلَى الْعَقْلِيَّاتِ (لَكِنَّهُ) أَيْ هَذَا الْقِيَاسَ (قِيَاسٌ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ) وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ فَلَا يَصِحُّ ثُبُوتُهُ بِظَنِّيٍّ (قَالُوا) أَيْ الْبَاقُونَ مِنْ مُثْبِتِيهِ بِالْعَقْلِ أَيْضًا أَوَّلًا خَبَرٌ (يُمْكِنُ صِدْقُهُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا دَفْعًا لِمَضَرَّةٍ قُلْنَا لَمْ يَذْكُرُوا أَصْلَهُ) أَيْ الْقِيَاسِ (فَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ الْخَبَرَ (الْمُتَوَاتِرَ فَلَا جَامِعَ) بَيْنَهُمَا (لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِيهِ) أَيْ الْمُتَوَاتِرِ (لِلْعِلْمِ) أَيْ لِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ لَا لِلِاحْتِيَاطِ (وَإِنْ كَانَ) أَصْلُهُ (الْفَتْوَى) مِنْ الْمُفْتِي (فَخَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ) أَيْ فَحُكْمُ الْمُفْتِي خَاصٌّ بِمُقَلِّدِهِ فِيهَا (وَمَا نَحْنُ فِيهِ) مِنْ حُكْمِ خَبَرِ الْوَاحِدِ (عَامٌّ) فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ (أَوْ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِهَا) أَيْ الْفَتْوَى فَإِنَّ مُتَعَلِّقَهَا الْمُقَلِّدُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ خَاصٌّ بِالْمُجْتَهِدِينَ فَهُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ مُتَعَلِّقِ الْفَتْوَى (فَالْمُعَدَّى غَيْرُ حُكْمِ الْأَصْلِ وَلَوْ سُلِّمَ) عَدَمُ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ وَصِحَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى الْفَتْوَى (فَقِيَاسٌ كَالْأَوَّلِ) أَيْ تَمْثِيلِيٌّ يُفِيدُ الظَّنَّ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي أَصْلٍ دِينِيٍّ لَا يَجُوزُ ثُبُوتُهُ إلَّا بِقَطْعِيٍّ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ أَصْلُهُ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَمْ يَكُنْ عَقْلِيًّا بَلْ شَرْعِيًّا وَهُوَ خِلَافُ مَطْلُوبِكُمْ
(قَالُوا) ثَانِيًا (لَوْ لَمْ يَجِبْ) الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (لَخَلَتْ أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ) وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ الْقُرْآنَ وَالْمُتَوَاتِرَ لَا يَفِيَانِ بِالْأَحْكَامِ بِالِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ الْمُفِيدِ لِلْقَطْعِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى خِلَافِ مَقْصُودِ الْبَعْثَةِ (وَالْجَوَابُ مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ بَلْ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ وُجُوبُ التَّوَقُّفِ فَلَمْ يَخْلُ) أَكْثَرُ الْوَقَائِعِ عَنْ الْأَحْكَامِ (فَإِنْ كَانَ الْمَنْفِيُّ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ وُجُوبِ التَّوَقُّفِ (مَنَعْنَا بُطْلَانَ التَّالِي) أَيْ امْتِنَاعَ خُلُوِّ وَقَائِعَ عَنْ الْحُكْمِ لِأَنَّ عَدَمَ الدَّلِيلِ مُدْرَكٌ شَرْعِيٌّ لِعَدَمِ الْحُكْمِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَا لَا دَلِيلَ فِيهِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ (وَإِذَا لَزِمَ التَّوَقُّف ثَبَتَتْ الْإِبَاحَةُ الْأَصْلِيَّةُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ (عَلَى الْخِلَافِ) فِيهَا كَمَا عُرِفَ (وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ) أَيْ بُعْدُ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (مِنْ حَضِّ الشَّارِعِ) أَيْ حَثِّهِ كُلّ مَنْ سَمِعَ شَرْعِيَّةَ حُكْمٍ قَالَهُ (عَلَى نَقْلِ مَقَالَتِهِ) بِنَحْوِ مَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
(2/274)
 
 
«نَضَّرَ اللَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَحَفِظَهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمَنْقُولِ الْوَقْفَ أَدَّى إلَى أَنَّ حَضَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ سَمِعَ الْإِيجَابَ لِفَائِدَةِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهِ وَهَكَذَا النَّدْبُ وَالتَّحْرِيمُ بَلْ يُتَوَقَّفُ وَفِي هَذَا مِنْ الْفَسَادِ مَا لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ كَانَ عَدَمُ النَّقْلِ كَالنَّقْلِ فَإِنَّ عَدَمَ الْعَمَل بِحُكْمٍ خَاصٍّ وَالْوَقْفَ عَنْهُ وَثُبُوتَ الْإِبَاحَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ النَّقْلِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ حَضِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ سَامِعٍ لِيَحْصُلَ تَوَاتُرُ الْمَنْقُولِ عَنْهُ (مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ سُنَّتِهِ لَا يَصِلُ مِنْهَا إلَى التَّوَاتُرِ شَيْءٌ) مُوَافِقَةٌ لِمَنْ ادَّعَى عَدَمَ التَّوَاتُرِ أَصْلًا أَوْ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَوْ حَدِيثَانِ وَإِلَّا كَانَ أَمْرُهُ وَحَضُّهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ لَا يَحْصُلُ وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي ظَنِّ حُصُولِهِ إلَى وَفَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُقِرُّ عَلَى خَطَأٍ إلَى وَفَاتِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشِيرُ بِاقْتِصَارِ الْمُتَوَاتِرِ عَلَى حَدِيثٍ إلَى مَا يُفِيدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ حَدِيثُ «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» مِثَالٌ لِذَلِكَ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ مَعَهُ بَلْ صَرَّحَ بِعِزَّةِ وُجُودِهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ عَنْهُ وَبِقَوْلِهِ أَوْ حَدِيثَانِ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ جَعَلَهُ مُتَوَاتِرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَيْلِ الْكَلَامِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمُتَوَاتِرِ مَعْدُومًا أَوْ مَقْصُورًا عَلَى حَدِيثٍ أَوْ حَدِيثَيْنِ تَأَمُّلٌ وَقَدْ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ مَا ادَّعَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الْعِزَّةِ مَمْنُوعٌ وَكَذَا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْعَدَمِ لِأَنَّ ذَلِكَ نَشَأَ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعٍ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ وَصِفَاتِهِمْ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِبْعَادِ الْعَادَةِ أَنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ أَوْ يَحْصُلَ مِنْهُمْ اتِّفَاقًا وَمِنْ أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَوْنُ الْمُتَوَاتِرِ مَوْجُودًا وُجُودَ كَثْرَةٍ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِأَيْدِي أَهْلِ الْعِلْمِ شَرْقًا وَغَرْبًا الْمَقْطُوعَ عِنْدَهُمْ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهَا إلَى مُصَنِّفِيهَا إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إخْرَاجِ حَدِيثٍ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ الْعَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ إلَى آخِرِ الشُّرُوطِ أَفَادَ الْعِلْمُ الْيَقِينِيُّ بِصِحَّةِ نِسْبَتِهِ إلَى قَائِلِهِ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَثِيرٌ اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (أَوْ) لَا يَخْفَى (الْأَخِيرَانِ) أَيْ لُزُومِ التَّوَقُّفِ وَالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَيْ مَا فِيهِمَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ (فَإِنَّ عَدَمَ النَّقْلِ يَكْفِي فِي الْوَقْفِ) عَنْ الْحُكْمِ بِشَيْءٍ خَاصٍّ (وَ) فِي (ثُبُوتِ) الْإِبَاحَةِ (الْأَصْلِيَّةِ) فَلَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِ هَذَا لِيَتَحَقَّقَا (بَلْ الْجَوَابُ أَنَّهُ) أَيْ الدَّلِيلَ الْمَذْكُورَ (مِنْ قَبِيلِ) الدَّلِيلِ (النَّقْلِيِّ الصَّحِيحِ لَا عَقْلِيٍّ) عَلَى وِزَانِ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّعَبُّدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ
(وَلِمَنْ شَرَطَ الْمُثَنَّى) فِي قَبُولِ الْخَبَرِ (أَنَّهُ) أَيْ الْخَبَرَ (بِهِ) أَيْ بِاشْتِرَاطِهِ (أَوْلَى مِنْ الشَّهَادَةِ لِاقْتِضَائِهِ) أَيْ الْخَبَرِ (شَرْعًا عَامًّا بِخِلَافِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي أَمْرًا خَاصًّا (قُلْنَا الْفَرْقُ) بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ (وُجُودُ مَا لَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْحَوَامِلِ) عَلَيْهَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ (أَوْ) اشْتِرَاطِ الْمُثَنَّى فِي الشَّهَادَةِ (بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلِذَا) أَيْ وُجُودُ حَوَامِلَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَتْ فِي الرِّوَايَةِ (اُشْتُرِطَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعَ ظُهُورِ انْحِطَاطِهَا) أَيْ الرِّوَايَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ (اتِّفَاقًا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ وَالْحُرِّيَّةِ وَعَدَمِ الْوَلَاءِ) فِي الرِّوَايَةِ وَاشْتِرَاطِهَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِهَا (قَالُوا) أَيْ الْقَائِلُونَ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ (رَدَّ عُمَرُ خَبَرَ أَبِي مُوسَى فِي الِاسْتِئْذَانِ حَتَّى رَوَاهُ الْخُدْرِيُّ) أَيْ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَفَرَغَ عُمَرُ فَقَالَ أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ائْذَنُوا لَهُ فَقَالُوا رَجَعَ فَدَعَاهُ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ فَقَالَ لِتَأْتِينِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ فَانْطَلَقَ إلَى مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا لَا يَشْهَدُ لَك عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَصْغَرُنَا فَانْطَلَقَ أَبُو سَعِيدٍ فَشَهِدَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ» (قُلْنَا لِرِيبَةٍ فِي خُصُوصِهِ) أَيْ خَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لَمْ يَتَّهِمْ عُمَرُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّمَا كَانَ يُشَدِّدُ فِي الْحَدِيثِ حِفْظًا لِلرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (لَا) فِي (عُمُومِهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (وَلِذَا) أَيْ كَوْنُ تَوَقُّفِ الصَّحَابَةِ عَنْ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِرِيبَةٍ لَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ (عَمِلُوا) أَيْ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ) كَمَا يُشِيرُ
(2/275)
 
 
إلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
 
[مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ]
(مَسْأَلَةٌ الْوَاحِدُ فِي الْحَدِّ مَقْبُولٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْجَصَّاصِ) خِلَافًا لِلْكَرْخِيِّ وَالْبَصْرِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ) مِنْهُمْ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنَارِ لِلْكَاكِيِّ وَعَزَا الْأَوَّلُ فِي شَرْحِهِ لِأُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (لَنَا عَدْلٌ ضَابِطٌ جَازِمٌ فِي عَمَلِيٍّ فَيُقْبَلُ كَغَيْرِهِ) أَيْ كَمَا فِي غَيْرِ الْحَدِّ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (قَالُوا تَحَقَّقَ الْفَرْقُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ (بِقَوْلِهِ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا أَيْ ادْفَعُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» أَخْرَجَهُ أَبُو حَنِيفَةَ (وَفِيهِ) أَيْ خَبَرِ الْوَاحِدِ (شُبْهَةٌ) وَهِيَ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ بِخَبَرِهِ (قُلْنَا الْمُرَادُ) بِالشُّبْهَةِ الَّتِي يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ الشُّبْهَةُ (فِي نَفْسِ السَّبَبِ لَا الْمُثْبِتِ) لِلسَّبَبِ (وَإِلَّا) لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الشُّبْهَةَ فِي مُثْبِتِ السَّبَبِ (انْتَفَتْ الشَّهَادَةُ وَظَاهِرُ الْكِتَابِ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ لِانْتِفَاءِ الْقَطْعِ فِيهَا إذْ احْتِمَالُ الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ وَإِرَادَةُ غَيْرِ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِيهِ مِنْ تَخْصِيصٍ وَإِضْمَارٍ وَمَجَازٍ قَائِمٌ لَكِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ بِهِمَا اتِّفَاقًا (وَإِلْزَامُهُ) أَيْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ (بِالْقِيَاسِ) أَيْضًا لِأَنَّ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِهِ ثَابِتٌ بِدَلَائِلَ مُوجِبَةٍ لِلْعِلْمِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالشَّهَادَةِ (مُلْتَزَمٌ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ) وَعِنْدَهُمْ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ (وَالْفَرْقُ لَهُمْ) بَيْنَ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ فِي هَذَا (بِأَنَّهُ) أَيْ الْحَدَّ (مَلْزُومٌ لِكَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ لَا يَدْخُلُهَا الرَّأْيُ) فَامْتَنَعَ إثْبَاتُهَا بِهِ بِخِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ كَلَامُ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِلَيْهِ إثْبَاتُ كُلِّ حُكْمٍ فَيَجِبُ قَبُولُهُ
 
(تَقْسِيمٌ لِلْحَنَفِيَّةِ) لِخَبَرِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ وُرُودِهِ أَيْ مَا جُعِلَ الْخَبَرُ فِيهِ حُجَّةً (مَحَلُّ وُرُودِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَشْرُوعَاتٌ لَيْسَتْ حُدُودًا كَالْعِبَادَاتِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِهَا مِمَّا لَيْسَ عِبَادَةً مَقْصُودَةً كَالْأُضْحِيَّةِ أَوْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهِ تَابِعٌ كَالْعُشْرِ أَوْ لَيْسَ بِخَالِصٍ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ (وَالْمُعَامَلَاتِ وَهُوَ) أَيْ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْمَشْرُوطُ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَدَدٍ فِي الرَّاوِي (حُجَّةٌ فِيهَا خِلَافًا لِشَارِطِي الْمُثَنَّى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي هَذَا التَّقْسِيمُ فِي ذَيْلِهَا لَكِنْ إنْ كَانَ الْخَبَرُ حَدِيثًا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَا شَاذًّا وَلَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا سَيَأْتِي (وَحُدُودٌ وَفِيهَا مَا تَقَدَّمَ) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ فِيهَا بِشُرُوطِهِ الْمَاضِيَةِ وَأَمَّا ثُبُوتُ مُبَاشَرَةِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى الْمُبَاشِرِ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ (فَإِنْ كَانَ) مَحَلُّ وُرُودِ الْخَبَرِ (حُقُوقًا لِلْعِبَادِ فِيهَا إلْزَامٌ مَحْضٌ كَالْبُيُوعِ وَالْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ) أَيْ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ مِنْ هِبَةٍ وَغَيْرِهَا وَالْأَشْيَاءِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَمْوَالِ كَالْآجَالِ وَالدُّيُونِ (فَشَرْطُهُ) أَيْ هَذَا الْقِسْمِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ الشَّرْعِيِّ (الْعَدَدُ وَلَفْظُ الشَّهَادَةِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ