مختصر التحرير شرح الكوكب المنير 002

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: شرح الكوكب المنير
المؤلف: تقي الدين أبو البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي المعروف بابن النجار الحنبلي (المتوفى: 972هـ)
عدد الأجزاء: 4
 
أَبِي مُوسَى1 فِي الاسْتِئْذَانِ2، حَتَّى وَافَقَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ3.
__________
1 هو الصحابي عبد الله بن قيس بن سليم، أبو موسى الأشعري. أسلم قبل الهجرة وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة بعد خيبر. واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على بعض اليمن وعدن، واستعمله عمر على البصرة بعد المغيرة. وافتتح الأهواز ثم أصبهان. واستعمله عثمان على الكوفة، وكان أحد الحكمين بصفين، ثم اعتزل الفريقين. كان حسن الصوت بالقرآن. وفي الصحيح أنه أوتي مزماراً من مزامير آل داود، وهو أحد القضاة المشهورين. سكن الكوفة، وتفقه أهلها به. مات سنة 42 هـ، وقيل 44هـ.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 359، تهذيب الأسماء 2/ 268، شذرات الذهب 1/ 53، مشاهير علماء الأمصار ص 37، حلية الأولياء 1/ 256، الخلاصة ص 210".
2 روى البخاري ومسلم ومالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارمي والطبراني عن أبي موسى وأبي سعيد معاً، أن أبا سعيد قال: كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصار، فأتانا أبو موسى فزعاً مذعوراً، فقلت: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إليَّ أن آتيه، فأتيت بابه فسلمت ثلاثاً فلم يرد، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا؟ فقلت: أتيت فسلمت على بابك ثلاثاً فلم ترد، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع"، فقال عمر: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك؟! فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغرهم، قال: فاذهب به، فذهبت إلى عمر فشهدت.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 88، صحيح مسلم 3/ 1694، الموطأ 2/ 964، مسند أحمد 3/ 6، 19، 4/ 393، سنن أبي داود 2/ 637، تحفة الأحوذي 7/ 464، سنن ابن ماجه 2/ 1220، سنن الدارمي 2/ 274، فيض القدير 1/ 273".
3 انظر: أصول السرخسي 1/ 321، 331، فواتح الرحموت 2/ 133، 144، كشف الأسرار 3/ 28، توضيح الأفكار 1/ 19، تدريب الراوي 1/ 72 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المسودة ص 238، مناهج العقول 2/ 307، الإحكام للآمدي 2/ 94، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307، شرح تنقيح الفصول ص 357، 368، اللمع ص 40، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المعتمد 2/ 622، 623.
(2/363)
 
 
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُمَا فَعَلا ذَلِكَ تَثَبُّتًا فِي قَضِيَّةٍ خَاصَّةٍ. وَلِذَلِكَ حَكَمَا1 فِي وَقَائِعَ كَثِيرَةٍ بِأَخْبَارِ الآحَادِ2.
وَاخْتَارَ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيُّ، وَحُكِيَ عَنْ الْجُبَّائِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ بِخَبَرٍ دَالٍّ عَلَى حَدِّ الزِّنَا إلاَّ أَنْ يَرْوِيَهُ أَرْبَعَةٌ، قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ بِهِ3. وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ4 مَعَ الْفَارِقِ، إذْ بَابُ الشَّهَادَةِ أَحْوَطُ. وَلِذَلِكَ أَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِ5.
__________
1 في ز: حكمنا.
2 انظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، أصول السرخسي 1/ 331 وما بعدها، فواتح الرحموت 2/ 134، كشف الأسرار 3/ 28، مناهج العقول 2/ 307، 308، المعتمد 2/ 622، تدريب الراوي 1/ 73، نهاية السول 2/ 310، المحلي على جمع الجوامع 2/ 137، المستصفى 1/ 155، اللمع ص 40، الروضة ص 56، إرشاد الفحول ص 49، مختصر الطوفي ص 55، 56، 57.
3 وكذا ما يوجب الحدّ، وما يندرئ بالشبهة عند الكرخي وأكثر الحنفية كما جاء في "التحرير" و"مسلم الثبوت"، وهو قول أبي عبد الله البصري وغيره، فلا يثبت ذلك بخبر الآحاد عندهم، إلا إذا رواه أربعة فما فوق.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 357، أصول السرخسي 1/ 321، 333 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 88، فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت 2/ 136-137، 144، كشف الأسرار 3/ 28، المسودة ص 239، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، 137، المعتمد 2/ 622، الإحكام للآمدي 2/ 94، 117، المستصفى 1/ 155، نهاية السول 2/ 309، مناهج العقول 2/ 307".
4 في ض: قياساً.
5 انظر: المسودة ص 239، تيسير التحرير 3/ 88، كشف الأسرار 3/ 29، المعتمد 2/ 624، فواتح الرحموت 2/ 137، 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 133، المستصفى 1/ 155، الروضة ص 56، 66، إرشاد الفحول ص 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 96.
(2/364)
 
 
وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ قَبُولِ أَخْبَارِ1 الآحَادِ مُطْلَقًا، مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي2 دَاوُد3 وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الرَّافِضَةُ4.
وَ5نَاقَضُوا فَأَثْبَتُوا تَصَدُّقَ عَلِيٍّ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلاةِ وَنِكَاحَ الْمُتْعَةِ6
__________
1 في ز ش: خبر.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 كذا في جميع النسخ، ولعله تصحيف عن أحمد بن أبي دؤاد المعتزلي انظر: شذرات الذهب 2/ 93؛ لأن ابن أبي داود إمام من أئمة الحديث، وهو محدث ابن محدث، فكيف يمنع قبول خبر الآحاد؟؟!.
وهو عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني، الحافظ، ومن أكابر الحفاظ ببغداد، متفق على إمامته، وهو إمام ابن إمام. شارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد. كان زاهداً ناسكاً. جمع وصنف، وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي فيسرد من حفظه. ومن مصنفاته: "المصابيح"، و"المسند"، و"السنن"، و"التفسير"، و"القراءات"، و"الناسخ والمنسوخ" وغيرها. توفي سنة 316 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 2/ 51، المنهج الأحمد 2/ 11، طبقات المفسرين 1/ 229، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3/ 307، طبقات الحفاظ ص 322، تذكرة الحفاظ 2/ 767، طبقات الفقهاء الشافعية للعبادي ص 60، ميزان الاعتدال 2/ 433، شذرات الذهب 2/ 168، 273، طبقات القراء 1/ 420، الفهرست ص 324".
4 انظر آراءهم وأدلتهم مع المناقشة في "أصول السرخسي 1/ 321، فواتح الرحموت 2/ 131، تيسير التحرير 3/ 82، كشف الأسرار 2/ 370، المعتمد 2/ 603 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، شرح تنقيح الفصول ص 357، المسودة ص 238، الروضة ص 53، مختصر الطوفي ص 55، إرشاد الفحول ص 48".
5 ساقطة من ع.
6 كان نكاح المتعة مباحاً في أول الإسلام، ثم حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد روى البخاري ومسلم ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن علي رضي الله عنه مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر". وروى أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والدارمي عن سبرة الجهني أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم..........=
(2/365)
 
 
وَالنَّقْضَ بِأَكْلِ لَحْمِ1 الإِبِلِ2. وَكُلُّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ بِالآحَادِ3.
قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: وَإِنَّمَا دَفَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلامِ خَبَرَ الآحَادِ لِعَجْزِهِ عَنْ السُّنَنِ رَغْمَ4 أَنَّهُ لا يَقْبَلُ مِنْهَا إلاَّ مَا تَوَاتَرَ بِخَبَرِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ. وَهَذَا ذَرِيعَةٌ إلَى إبْطَالِ السُّنَنِ. فَإِنَّ مَا شَرَطَهُ لا يَكَادُ يُوجَدُ إلَيْهِ سَبِيلٌ اهـ.
__________
= ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخْلِ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً".
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي عن سبرة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة".
"انظر: صحيح البخاري 3/ 52، 246، صحيح مسلم 2/ 1025، سنن أبي داود 1/ 478، تحفة الأحوذي 4/ 267، سنن النسائي 6/ 102، 179، سنن ابن ماجه 1/ 631، الموطأ 2/ 542، مسند أحمد 3/ 405، 4/ 55، 1/ 103، 2/ 95، سنن الدارمي 2/ 86، 140، تخريج أحاديث البزدوي ص 343، نيل الأوطار 6/ 152، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 60".
1 ساقطة من ب. وفي ض: لحوم.
2 روى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن سمرة أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت توضأ، وإن شئت فلا تتوضأ"، قال: أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم، توضأ من لحوم الإبل ... ". وروى ابن ماجه نحوه عن ابن عباس. وكذلك رواه أبو داود والترمذي. وروى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة في صحيحه عن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء عن لحوم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها".
"انظر: مسند أحمد 5/ 86، 88، صحيح مسلم 1/ 275، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 263، سنن ابن ماجه 1/ 166، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 237، 239".
3 لقد رد الإمام الشافعي على هذه الفئة في "الرسالة ص 458 وما بعدها".
وانظر: فواتح الرحموت 2/ 136، المستصفى 1/ 148، "كشف الأسرار 2/ 370".222
4 في ب ز ع ض: زعم.
(2/366)
 
 
وَمَنَعَهُ الْمَالِكِيَّةُ إذَا خَالَفَهُ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ1. وَمَنَعَهُ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، أَوْ خَالَفَهُ رَاوِيهِ2، أَوْ عَارَضَ الْقِيَاسَ3؛ لأَنَّ مَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى - كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ4 - تَقْتَضِي الْعَادَةُ تَوَاتُرَهُ، وَلأَنَّ مَا خَالَفَهُ رَاوِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَهُ لِدَلِيلٍ أَقْوَى. وَلِذَلِكَ5 لَمْ يُوجِبُوا التَّسْبِيعَ فِي وُلُوغِ
__________
1 انظر تفصيل هذا الموضوع في "عمل أهل المدينة ص 308، 320".
2 يشترط السرخسي والبزدوي في هذه الحالة أن يُعلَم أن تاريخ المخالفة كانت بعد رواية الحديث. أما إذا كانت قبله أو جهل التاريخ فيقدم الخبر. انظر: "أصول السرخي 2/5، كشف الأسرار 3/ 63".
3 يفرق السرخسي بين حالتين: الأولى: إذا كان الراوي من الصحابة معروفاً بالفقه والرأي والاجتهاد، فإن خبره حجة موجبة للعلم، وموجبة للعمل به، سواء كان الخبر موافقاً للقياس أو مخالفاً له، فيترك القياس، ويعمل بالخبر، ويرد على الإمام مالك في تقديم القياس على الخبر مطلقاً. والثاني: إذا كان الصحابي معروفاً بالعدالة وحسن الضبط والحفظ ولكنه قليل الفقه، فيقدم القياس على الخبر، ويضرب أمثلة لذلك ... لكنه يعترف لأبي هريرة بالحفظ والضبط والعدالة، ثم يقول عنه إنه غير فقيه، وأنه نقل الحديث بالمعنى فلم يدرك كلام الرسول صلى الله عليه وسلم؟! انظر: "أصول السرخسي 1/ 338 وما بعدها، 341".
بينما يقسم الكمال بن الهمام الصحابة إلى مجتهد وعدل ضابط ومجهول العين والحال ويقول: إن هذا التقسيم عند الحنفية للراوي صحابياً كان أم غيره. انظر: "تيسير التحرير 3/ 52-54".
وانظر: كشف الأسرار 2/ 377، 384، 390، مناهج العقول 2/ 308، المسودة ص 239.
4 روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن الجارود والدارمي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مسّ أحدكم ذكره فليتوضأ". وهذا لفظ ابن ماجه. وروي مثله عن جابر وأبي أيوب وأم حبيبة وبسرة.
"انظر: مسند أحمد 2/ 223، سنن أبي داود 1/ 41، تحفة الأحوذي 1/ 270، سنن النسائي 1/ 84، سنن ابن ماجه 1/ 161، الموطأ 1/ 184، بدائع المنن 1/ 34، المستدرك 1/ 136، سنن الدارمي 1/ 184، موارد الظمآن ص 78، نيل الأوطار 1/ 233، كشف الخفا 1/ 100، تخريج أحاديث البزدوي ص 165".
5 في ز ش: وكذلك.
(2/367)
 
 
الْكَلْبِ لِمُخَالَفَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِرِوَايَتِهِ1، وَلأَنَّ مُخَالَفَةَ الْقِيَاسِ تَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ كَذِبِهِ. وَلِهَذَا رَدُّوا خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ2 لِمُخَالَفَتِهِ لِقِيَاسِ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ3.
__________
1 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً، أولاهن، وفي رواية إحداهن، وفي رواية أخراهن بالتراب". ورواه الدارمي وابن ماجه عن عبد الله بن مغفل، وفيه: "والثامنة عفروه في التراب".
"انظر: صحيح البخاري 1/ 44، صحيح مسلم 1/ 235، مسند أحمد 2/ 245، سنن أبي داود 1/ 17، تحفة الأحوذي 1/ 300، سنن النسائي 1/ 46، سنن ابن ماجه 1/ 130، الموطأ 1/ 34، سنن الدارمي 1/ 188، نيل الأوطار 1/ 49، المستدرك 1/ 160، سنن الدارقطني 1/ 63".
2 روى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحبلها، إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 17 وما بعدها، صحيح مسلم 3/ 1155 وما بعدها، مسند أحمد 2/ 242، سنن أبي داود 2/ 242، تحفة الأحوذي 4/ 459، سنن النسائي 7/ 223، سنن ابن ماجه 2/ 753، نيل الأوطار 5/ 241، تخريج أحاديث البزدوي ص 159، أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ص 76، سنن الدارمي 2/ 251".
والمصراة هي الناقة أو الشاة التي يترك صاحبها حلبها ليتجمع لبنها في ضرعها ليوهم المشتري بكثرة لبنها.
3 انظر أدلة الحنفية ومناقشتها في "الإحكام لابن حزم 1/ 104، 143 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 94، 112، المستصفى 1/ 171 وما بعدها، نهاية السول 2/ 313، كشف الأسرار 2/ 381 وما بعدها، 390 وما بعدها، 3/ 11، 16، 64، المسودة ص 238، 239، المعتمد 2/ 548 وما بعدها، 653 وما بعدها، 659، 670، قواعد التحديث ص 91، العضد على ابن الحاجب 2/ 68، 72، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 372، أصول السرخسي 1/ 340، 341، 368، 2/ 5، فواتح الرحموت 2/ 128 وما بعدها، تيسير التحرير 2/ 73، 113 وما بعدها، مختصر الطوفي ص 69، 70، اللمع ص 40، الروضة ص 65، إرشاد الفحول ص 56".
وسوف يذكر المؤلف بعضها فيما بعد ص 565 وما بعدها.
(2/368)
 
 
وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ عَلَى قَبُولِهِ بِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ جِدًّا قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَمَلاً شَائِعًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ يَحْصُلُ بِهِ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ عَادَةً قَطْعًا1. فَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لَمَّا جَاءَتْهُ الْجَدَّةُ تَطْلُبُ مِيرَاثَهَا مَا لَك فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ. وَمَا عَلِمْت لَك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ. فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: حَضَرْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهَا السُّدُسَ. فَقَالَ: هَلْ مَعَك غَيْرُك؟ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِثْلَهُ. فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٍ. رَوَاهُ 2أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد1 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ3. وَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي الْجَنِينِ. فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَضَى فِيهِ رَسُولُ
__________
1 انظر: مناهج العقول 2/ 282 وما بعدها، شرح الورقات ص 185، الرسالة للشافعي ص 401 وما بعدها، 435 وما بعدها، 452 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 322 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 98 وما بعدها، الإحكام للآمدي 2/ 56 وما بعدها، 112 وما بعدها، المستصفى 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 132، تيسير التحرير 3/ 82، 113، نهاية السول 2/ 287، تخريج الفروع على الأصول ص 15، شرح تنقيح الفصول ص 358، 368، 372، كشف الأسرار 2/ 371، 378، 3/ 28، المعتمد 2/ 583 وما بعدها، 622 وما بعدها، 655، جامع بيان العلم 2/ 42، العضد على ابن الحاجب 2/ 59، 68، المحلي على جمع الجوامع 2/ 135 وما بعدها، الكفاية ص 26 وما بعدها، غاية الوصول ص 98، اللمع ص 46، الروضة ص 53، 65، مختصر الطوفي ص 55، 70، إرشاد الفحول ص 49، 56، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، 96.
2 ساقطة من ز ش.
3 قال الشوكاني: "رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الترمذي"، ولم يروِ النسائي هذا الحديث، ولعل المصنف رآه في السنن الكبرى للنسائي التي لم تطبع بعد، والحديث رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن قبيصة بن ذؤيب.
"انظر: مسند أحمد 5/ 327، الموطأ 2/ 513، سنن أبي داود 2/ 109، تحفة الأحوذي 6/ 278، سنن ابن ماجه 2/ 910، سنن الدارمي 2/ 359، موارد الظمآن ص 300، نيل الأوطار 6/ 67".
(2/369)
 
 
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ. فَقَالَ: لَتَأْتِيَنَّ بِمَنْ يَشْهَدُ مَعَك. فَشَهِدَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ1.
وَلأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا2 لَقَضَيْنَا بِغَيْرِهِ3. وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدٌ4 مِنْ حَدِيثِ طَاوُسٍ أَنَّهُ سَأَلَ5 عَنْ ذَلِكَ. فَقَالَ حَمَلُ بْنُ مَالِكٍ6: "إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ7"، وَقَوْلُ عُمَرَ ذَلِكَ
__________
1 هذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة. ورواه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد والدارمي عن المغيرة بن شعبة عن عمر، ورواه ابن حبان وغيره عن ابن عباس. ورواه مالك مرسلاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 193، صحيح مسلم 3/ 1309، 1311، سنن أبي داود 2/ 497، تحفة الأحوذي 4/ 666، سنن النسائي 8/ 42، سنن ابن ماجه 2/ 882، نيل الأوطار 7/ 78، 80، الموطأ 2/ 855، سنن الدارمي 2/ 196، مسند أحمد 4/ 244، 253، موارد الظمآن ص 366، المنتقى للباجي 7/ 79".
2 ساقطة من ز ش.
3 في ش: بغرة.
وانظر: سنن أبي داود 2/ 498، بدائع المنن 2/ 268، الأم 6/ 107.
4 هو سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني، الحافظ، أبو عثمان، أحد الأعلام، الثقة. قال أحمد عنه: من أهل الفضل والصدق. وقال أبو حاتم: من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنف، وهو صاحب كتاب "السنن والزهد". توفي بمكة سنة 227 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحفاظ ص 179، تذكرة الحفاظ 2/ 416، الخلاصة ص 43، شذرات الذهب 2/ 62، ميزان الاعتدال 2/ 159، العقد الثمين 4/ 586".
5 في ز ش: سئل.
6 هو الصحابي حمل بن مالك بن النابغة الهذلي، أبو نضلة، نزل البصرة، وله فيها دار. جاء ذكره في حديث أبي هريرة في الصحيح وغيره في قصة الجنين، مما يدل على أنه عاش إلى خلافة عمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم استعمله على صدقات هذيل.
انظر ترجمته في الإصابة 1/ 355، 3/ 27، الاستيعاب 1/ 366، تهذيب الأسماء 1/ 169، الخلاصة ص 94.
7 رواه الشافعي وأبو داود والدارمي وابن حبان عن ابن عباس: أن عمر نشد الناس قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال: كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة، وأن تقتل بها. وعند ابن حبان: "بغرة، عبد أو أمة".
"انظر: الرسالة ص 427 تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، سنن أبي داود 2/ 498، سنن الدارمي 2/ 196، موارد الظمآن ص 367، بدائع المنن 2/ 268، الأم للشافعي 6/ 107".
(2/370)
 
 
وَطَاوُسٌ لَمْ يُدْرِكْهُ.
وَأَخَذَ عُمَرُ بِقَوْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ1 فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ2. وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لا يُوَرِّثُ الْمَرْأَةَ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ3: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ
__________
1 هو الصحابي عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف، أبو محمد، القرشي الزهري المدني. كان اسمه في الجاهلية: عبد عمرو، وقيل: عبد الكعبة. وأمه الشفاء، أسلم قديماً، وهو أحد الثمانية السابقين إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنهم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أهل الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، هاجر الهجرتين، وآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، شهد بدراً وبيعة الرضوان وسائر المشاهد، وكان كثير الإنفاق في سبيل الله. جرح يوم أحد إحدى وعشرين جراحة، ومناقبه كثيرة. توفي سنة 32 هـ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 416، الاستيعاب 2/ 393، تهذيب الأسماء 1/ 301، الخلاصة ص 232، حلية الأولياء 1/ 97".
2 الحديث رواه البخاري وأحمد وأبو داود والترمذي والشافعي ومالك عن عبد الرحمن بن عوف وغيره.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 200، مسند أحمد 1/ 191، سنن أبي داود 2/ 150، تحفة الأحوذي 5/ 211، الموطأ 1/ 278، نيل الأوطار 8/ 63، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، بدائع المنن 2/ 126".
3 هو الصحابي الضحاك بن سفيان بن كعب العامري الكلابي، أبو سعيد، كان من الشجعان الأبطال، يعد بمائة فارس، وكان يقوم على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحاً بسيفه، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على سرية إلى بني كلاب، وكان على صدقات قومه، وهو معدود في أهل المدينة، وكان ينزل باديتها.
انظر ترجمته في "الإصابة 2/ 206، الاستيعاب 2/ 206، تهذيب الأسماء 1/ 249، الخلاصة ص 176".
(2/371)
 
 
أَشْيَمَ1 مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا. رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ2.
وَرَوَى هَؤُلاءِ "أَنَّ عُثْمَانَ أَخَذَ. بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ3 أُخْتِ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ عِدَّةَ الْوَفَاةِ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ4".
وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ سَعْدًا حَدَّثَهُ أَنَّ "النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ. فَسَأَلَ ابْنُ عُمَرَ أَبَاهُ عَنْهُ. فَقَالَ: نَعَمْ5، إذَا حَدَّثَك سَعْدٌ عَنْ
__________
1 هو أشيم الضِّبابي –بكسر المعجمة الأولى-، قتل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وهو صحابي مسلم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته.
"انظر: الإصابة 1/ 52، الاستيعاب 1/ 115، تهذيب الأسماء 1/ 123".
2 ورواه أيضاً ابن ماجه وأبو يعلى.
"انظر: الموطأ 2/ 866، مسند أحمد 3/ 452، سنن أبي داود 2/ 117، تحفة الأحوذي 4/ 674، سنن ابن ماجه 2/ 883، نيل الأوطار 6/ 84، 85، سنن الدارمي 2/ 377".
3 هي الصحابية فُريعة بنت مالك بن سنان الخُدرية، ويقال لها: الفارعة، أنصارية، وهي أخت أبي سعيد الخدري, شهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها، فقال لها: "امكثي حتى يبلغ الكتاب أجله"، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إليها يسألها، فأخبرته به فاتبعه وقضى به.
"انظر: الإصابة 4/ 386، الاستيعاب 4/ 387، تهذيب الأسماء 2/ 353، الخلاصة ص 495".
4 رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والشافعي والطبراني وابن حبان والدارمي والحاكم وصححه.
"انظر: الموطأ 2/ 591، مسند أحمد 6/ 413، سنن أبي داود 1/ 536، تحفة الأحوذي 4/ 378، سنن النسائي 6/ 166، سنن ابن ماجه 1/ 654، نيل الأوطار 6/ 335، تخريج أحاديث البزدوي ص 156، موارد الظمآن ص 323، سنن الدارمي 2/ 169، بدائع المنن 2/ 409".
5 ساقطة من ض.
(2/372)
 
 
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلا تَسْأَلْ عَنْهُ غَيْرَهُ"1.
وَرَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ. رَوَاهُ الأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ مِنْ طُرُقٍ عَدَمَ رُجُوعِهِ2. وَتَحَوَّلَ أَهْلِ قُبَاءَ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُمْ فِي الصَّلاةِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ3. وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ4.
__________
1 صحيح البخاري 1/ 49. ومر تخريج حديث المسح على الخفين مفصلاً ص 332
2 قال الشوكاني: "التصريح بتحريم ربا الفضل هو مذهب الجمهور، للأحاديث الكثيرة في الباب، وروي عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل، ثم رجع عنه. وكذلك روي عن ابن عباس، واختلف في رجوعه".
وهذا مارواه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 21، صحيح مسلم 3/ 1209، مسند أحمد 2/ 262، 5/ 200، تحفة الأحوذي 4/ 442، سنن النسائي 7/ 247، سنن ابن ماجه 2/ 758، نيل الأوطار 5/ 216، تخريج أحاديث البزدوي ص 172".
3 ورواه أحمد ومسلم وأبو داود عن أنس أيضاً. قال الشوكاني: وفي الباب عن البراء عن الجماعة إلا أبا داود. وعن ابن عباس عند أحمد والبزار والطبراني، وإسناده صحيح كما قال العراقي. وعن عمارة بن أوس عند أبي يعلى في المسند والطبراني في الكبير. وعن عمرو بن عوف المزني عند البزار والطبراني أيضاً. وعن سعد بن أبي وقاص عند البيهقي بإسناد صحيح. وعن سهل بن سعد عند الطبراني والدارقطني. وعن عثمان بن حنيف عند الطبراني ... وغيرهم". "نيل الأوطار 2/ 186".
"وانظر: صحيح مسلم 1/ 375، مسند أحمد 2/ 113، سنن أبي داود 1/ 240، تحفة الأحوذي 8/ 299، الموطأ 1/ 196، شرح السنة للبغوي 2/ 323، تخريج أحاديث البزدوي ص 244، سنن النسائي 1/ 196، 2/ 47".
4 روى البخاري ومسلم ومالك والدارمي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 82، صحيح مسلم 1/ 375، الموطأ 1/ 195، سنن الدارمي 1/ 281".
(2/373)
 
 
1وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ2: "مَا كُنَّا نَرَى بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا، حَتَّى سَمِعْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ2 يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا فَتَرَكْتُهَا3 مِنْ أَجْلِهِ4".
وَلِلشَّافِعِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ "كُنَّا نُخَابِرُ فَلا نَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا فَزَعَمَ رَافِعٌ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ، فَتَرَكْنَاهُ مِنْ أَجْلِهِ5".
__________
1 ساقطة من ب. وفي ع: وقال.
2 هو الصحابي رافع بن خديج بن رافع الأنصاري الأوسي الحارثي المدني. أبو عبد الله، وقيل غير ذلك. استصغره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده، وأجازه يوم أحد، فشهد أحداً والخندق وأكثر المشاهد، أصابه سهم يوم أحد فنزعه وبقي نصله إلى أن مات، وانتقضت جراحته، فتوفي بالمدينة سنة 74 هـ. وقيل غير ذلك. قال البخاري: مات زمن معاوية. وقال ابن حجر: وهو المعتمد، وما عداه واهٍ، وأرخه سنة 59هـ. وكان عريف قومه، وشهد صفين مع علي رضي الله عنهم.
انظر ترجمته في "الإصابة 1/ 495، الاستيعاب 1/ 495، تهذيب الأسماء 1/ 187، الخلاصة ص 113".
3 في ش وهامش ز: فتركناه.
4 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه ومالك.
"انظر: صحيح البخاري 2/ 46، صحيح مسلم 3/ 1180-1184، سنن أبي داود 2/ 234، الموطأ 2/ 711، تحفة الأحوذي 4/ 542، سنن النسائي 7/ 31، 32، سنن ابن ماجه 2/ 819، نيل الأوطار 5/ 312 وما بعدها".
وعبارة "من أجله" ساقطة من ب ض.
5 رواه الشافعي ومسلم والنسائي وأحمد.
"انظر: صحيح مسلم 3/ 1178، 1179، سنن النسائي 7/ 36، مسند أحمد 3/ 463، بدائع المنن 2/ 170".
وانظر معنى الحديث في النهي عن المخابرة في "صحيح البخاري 2/ 46، سنن الدارمي 2/ 270، موارد الظمآن ص 277، الموطأ 2/ 711".
والمخابرة هي مزرعة الأرض بجزء مما يخرج كالثلث والربع، أو بجزء معين من الخارج. وفيها خلاف بين الفقهاء. "انظر: الرسالة للشافعي ص 445، المنتقى للباجي 5/ 142".
(2/374)
 
 
وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَرَى أَنْ لا تَصْدُرَ الْحَائِضُ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: "سَلْ1 فُلانَةَ الأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ. فَرَجَعَ زَيْدٌ، وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا أَرَاك إلاَّ صَدَقْت" رَوَاهُ مُسْلِمٌ2، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ3.
لا يُقَالُ: إنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ؛ لأَنَّا نَقُولُ: بَلْ هِيَ مُتَوَاتِرَةٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَخْبَارِ الإِجْمَاعِ4.
وَأَيْضًا: تَوَاتَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلاةِ وَالسَّلامِ5 كَانَ يَبْعَثُ 6الآحَادَ إلَى6 النَّوَاحِي لِتَبْلِيغِ الأَحْكَامِ، مَعَ الْعِلْمِ بِتَكْلِيفِ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِمْ الْعَمَلَ بِذَلِكَ7.
__________
1 ساقطة من ش.
2 صحيح مسلم 2/ 964.
وروى البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والدارمي عن عائشة وعمر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أن الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف، وأن الحائض تنفر قبل أن تودع.
"انظر: صحيح البخاري 1/ 303، صحيح مسلم 2/ 964، سنن أبي داود 1/ 462، تحفة الأحوذي 4/ 13، سنن النسائي 1/ 160، سنن ابن ماجه 2/ 21، نيل الأوطار 5/ 52، مسند أحمد 6/ 177، سنن الدارمي 2/ 72، موارد الظمآن ص 251".
3 انظر: المستصفى 1/ 148 وما بعدها، الروضة ص 54.
4 انظر: أصول السرخسي 1/ 328، المستصفى 1/ 148، تيسير التحرير 3/ 82، العضد على ابن الحاجب 2/ 59.
5 في ب ع ض: وأتم السلام.
6 في ش: الآحاء في. وفي ز: الآحاد في.
7 ولقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا أَنْ تُصِيْبُوْا قَوْماً بِجَهَالَةٍ} الحجرات/ 6، وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوْا فِي الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوْا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوْا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ} التوبة/ 122.
"انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 323 وما بعدها، فواتح.....=
(2/375)
 
 
لا يُقَالُ: هَذَا مِنْ الْفُتْيَا لِلْعَامِّيِّ؛ لأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى كُتُبِهِ مَعَ الآحَادِ إلَى الأَطْرَافِ، وَمَا يَأْمُرُ بِهِ مِنْ قَبْضِ زَكَاةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَأَسَّوْا بِهِ، وَذَلِكَ مَقْطُوعٌ بِهِ1. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَهَلْ يُعْمَلُ بِهِ مُطْلَقًا، أَوْ حَيْثُ لا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ غَيْرُهُ2؟ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ لِلأَصْحَابِ3.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي "الْمُسَوَّدَةِ" قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْحُكْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ عَنْ الرَّسُولِ4 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، مِثْلُ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ 5وَاخْتِيَارِهِ. يَعْنِي: أَنَّهُ لا يَجُوزُ5. وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ بَقِيَّةُ6 أَصْحَابِنَا الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: جَوَازُ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ سُؤَالُهُ، أَوْ أَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ إلَى التَّوَاتُرِ، مُحْتَجِّينَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ إجْمَاعٌ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ بَعْضِ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ لا يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مَعَ إمْكَانِ
__________
1 يقول ابن حزم –بعد ذكر الأدلة على قبول خبر الواحد-: "فصح بهذا إجماع الأمة كلها على قبول خبر الواحد الثقة عن النبي صلى الله عليه وسلم". "الإحكام 1/ 102".
وانظر: تيسير التحرير 3/ 84، كشف الأسرار 2/ 374.
2 ساقطة من ب ز ع ض.
3 انظر: مختصر الطوفي ص 49، المسودة ص 291.
4 في ع: رسول الله.
5 في ض: و"المسودة": واختيارُه أنه لا يجوز.
6 في ز ش: بعض. والأعلى من ب ع، وهو الموافق للمسودة.
(2/376)
 
 
الْعِلْمِ بِالْوَقْتِ. وَهَذَا الْقَوْلُ خِلافُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ. وَخِلافُ مَا شَهِدَتْ بِهِ النُّصُوصُ. وَذَكَرَ فِي1 مَسْأَلَةِ مَنْعِ التَّقْلِيدِ: أَنَّ الْمُتَمَكِّنَ مِنْ الْعِلْمِ لا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الظَّنِّ، وَجَعَلَهُ مَحِلَّ وِفَاقٍ وَ2احْتَجَّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ3. اهـ.
__________
1 في ش ز: من.
2 ساقطة من ب ع ض.
3 المسودة ص 239.
(2/377)
 
 
"فَصْلٌ: "الرِّوَايَةُ"
الرِّوَايَةُ فِي اصْطِلاحِ الْعُلَمَاءِ "إخْبَارٌ" يُحْتَرَزُ بِهِ "عَنْ" الإِنْشَاءِ عَنْ أَمْرٍ "عَامٍّ" مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ "لا يَخْتَصُّ" وَاحِدٌ مِنْهُمَا "بِ" شَخْصٍ "مُعَيَّنٍ" مِنْ الأُمَّةِ1.
"وَ" مِنْ صِفَةِ هَذَا الإِخْبَارِ: أَنَّهُ "لا تَرَافُعَ2 فِيهِ مُمْكِنٌ عِنْدَ الْحُكَّامِ".
"وَعَكْسُهُ" أَيْ وَعَكْسُ هَذَا الْمَذْكُورِ "الشَّهَادَةُ" فَإِنَّهَا إخْبَارٌ بِلَفْظٍ خَاصٍّ 3عَنْ خَاصٍّ3 عِلْمُهُ مُخْتَصٌّ بِمُعَيَّنٍ 4يُمْكِنُ التَّرَافُعُ4 فِيهِ عِنْدَ الْحُكَّامِ5.
__________
1 انظر: الفروق للقرافي 1/ 5، فقد حكى هذا التعريف حرفيًّا عن المازري.
2 في ش: تدافع.
3 مشطوب عليها في ع.
4 في ش: ممكن التدافع.
5 انظر الفرق بين الرواية والشهادة في "الرسالة للشافعي ص 372 وما بعدها، أصول السرخسي 1/ 353 وما بعدها، الإحكام لابن حزم 1/ 118، الإحكام للآمدي 2/ 46، المستصفى 1/ 161، كشف الأسرار 2/ 402، المعتمد 2/ 574، تدريب الراوي 1/ 331، الرفع والتكميل ص 50 وما بعدها، الكفاية ص 94، جمع الجوامع 2/ 161، الفروق للقرافي / 4 وما بعدها، شرح النووي على مسلم 1/ 72".
(2/378)
 
 
"وَمِنْ شُرُوطِ رَاوٍ1: عَقْلٌ" إجْمَاعًا؛ إذْ لا وَازِعَ2 لِغَيْرِ3 عَاقِلٍ يَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ، وَلا عِبَارَةَ4 أَيْضًا، كَالطِّفْلِ5.
"وَ" مِنْهَا "إسْلامٌ" إجْمَاعًا لِتُهْمَةِ عَدَاوَةِ الْكَافِرِ لِلرَّسُولِ6 صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِشَرْعِهِ7.
"وَ" مِنْهَا "بُلُوغٌ" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ 8مِنْ الأَئِمَّةِ8،
__________
1 المقصود هنا شروط الراوي عند الأداء، وهي تختلف في جملتها عن شروط الراوي عند التحمل.
"انظر: الرسالة للشافعي ص 370 وما بعدها، تيسير التحرير 3/ 39، توضيح الأفكار 2/ 114، أصول الحديث ص 229".
2 في هامش ز ش: "لا مانع. والوازع هو الكافّ، يقال: وزعه يزعه وزعاً، إذا كفّه"، وفي نهاية العبارة في ز: "طوفي".
3 في ب: بغير.
4 في ع: عبادة. وكذا في "مختصر الطوفي" ص 58، وفي "المدخل إلى مذهب أحمد" ص 93: ولا عبادة لهما "أي للصبي والمجنون".
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 138، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 392، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، أصول السرخسي 1/ 345، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 76، توضيح الأفكار 2/ 114، تدريب الراوي 1/ 300، مقدمة ابن الصلاح ص 50، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
6 في ع: لرسوله.
7 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 358، أصول السرخسي 1/ 346، الإحكام للآمدي 2/ 73، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 41، 47، المعتمد 2/ 618، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 62، جمع الجوامع 2/ 146، الكفاية ص 77، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 56، مختصر الطوفي ص 57، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 57.
8 ساقطة من ش.
(2/379)
 
 
لاحْتِمَالِ كَذِبِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، كَالْفَاسِقِ بَلْ أَوْلَى؛ لأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، فَلا يَخَافُ
الْعِقَابَ1.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَخَرَّجُ فِي رِوَايَتِهِ رِوَايَتَانِ، كَشَهَادَتِهِ2.
وَرُوِيَ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ شَهَادَةَ الْمُمَيِّزِ3 تُقْبَلُ.
وَعَنْهُ ابْنُ عَشْرٍ. وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ4.
"وَ" مِنْهَا "ضَبْطٌ" لِئَلاَّ يُغَيِّرَ اللَّفْظَ وَالْمَعْنَى فَلا يُوثَقُ بِهِ5.
__________
1 انظر: التمهيد ص 135، غاية الوصول ص 99، شرح تنقيح الفصول ص 359، أصول السرخسي 1/ 372، الإحكام للآمدي 2/ 71، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 139، تيسير التحرير 3/ 39، المسودة ص 258، نهاية السول 2/ 294، مناهج العقول 2/ 292، كشف الأسرار 2/ 395، مقدمة ابن الصلاح ص 50، الكفاية ص 77، المعتمد 2/ 620، أصول الحديث ص 230، توضيح الأفكار 2/ 115، تدريب الراوي 1/ 300، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 146، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، النووي على صحيح مسلم 1/ 61.
2 قال الإسنوي عن خبر الصبي: فيه خلاف بين الأصوليين، وكذلك عند المحدثين والفقهاء، والأصح عند الجميع عدم القبول. "التمهيد ص 135".
وانظر: نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 292، توضيح الأفكار 2/ 124، المسودة ص 258، غاية الوصول ص 99، تيسير 3/ 40، المجموع شرح المهذب للنووي 3/ 100، والمراجع السابقة في الهامش السابق.
3 في ب: الكبير.
4 انظر: المغني 10/ 144، المسودة ص 290، تدريب الراوي 2/ 6.
5 انظر: أصول السرخسي 1/ 345، فواتح الرحموت 2/ 142، تيسير التحرير 3/ 44، كشف الأسرار 2/ 392، مقدمة ابن الصلاح ص 50، أصول الحديث ص 232، توضيح الأفكار 2/ 116، تدريب الراوي 1/ 300، الإحكام للآمدي 2/ 75، المستصفى 1/ 156، الروضة ص 57، اللمع ص 42، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 54، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، نهاية السول 2/ 308، مناهج العقول 2/ 306.
(2/380)
 
 
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لا يَنْبَغِي لِمَنْ لا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ أَنْ
يُحَدِّثَ بِهِ.
وَالشَّرْطُ غَلَبَةُ ضَبْطِهِ وَذِكْرِهِ عَلَى سَهْوِهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ إذًا. ذَكَرَهُ الآمِدِيُّ
وَجَمَاعَةٌ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَفِي الْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَقِيلَ لَهُ: مَتَى تَتْرُكُ2 حَدِيثَ الرَّجُلِ.؟ قَالَ: إذَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْخَطَأُ، وَلأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ تَرَكُوا رِوَايَةَ3 كَثِيرٍ4 مِمَّنْ ضَعُفَ ضَبْطُهُ مِمَّنْ سَمِعَ كَثِيرًا5 ضَابِطًا.
فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ. فَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُ: أَنَّهَا6 لا تُقْبَلُ7؛ لأَنَّهُ لا غَالِبَ لِحَالِ الرُّوَاةِ8.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَأَنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا قَالَ الآمِدِيُّ: مِنْ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غَالِبِ9 حَالِ10 الرُّوَاةِ. فَإِنْ جُهِلَ حَالُهُمْ: اُعْتُبِرَ حَالُهُ. فَإِنْ قِيلَ:
__________
1 انظر في تعريف الضبط كتاب "التعريفات للجرجاني ص 142، أصول السرخسي 1/ 348، الإحكام لابن حزم 1/ 132، تيسير التحرير 3/ 44، مناهج العقول 2/ 306، كشف الأسرار 2/ 396 وما بعدها، مقدمة ابن الصلاح ص 50، المعتمد 2/ 619، توضيح الأفكار 1/ 8، تدريب الراوي 1/ 304، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، الكفاية ص 158، الإحكام للآمدي 2/ 75".
2 في ب ع ض: يترك.
3 ساقطة من ض.
4 في ض: كثيراً.
5 في ش ز: كبيراً.
6 في ض: أنه.
7 في ب ع ض: يقبل.
8 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 75، الروضة ص 57، إرشاد الفحول ص 54.
9 في ع: الغالب.
10 ساقطة من ش.
(2/381)
 
 
ظَاهِرُ حَالِ الْعَدْلِ أَلاَّ يَرْوِيَ إلاَّ مَا يَضْبِطُهُ. وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ الإِكْثَارُ1.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّبْطِ، بَلْ خِيفَ 2ذَلِكَ لإِكْثَارِهِ2.
فَإِنْ قِيلَ: الْخَبَرُ دَلِيلٌ. وَالأَصْلُ صِحَّتُهُ فَلا يُتْرَكُ3 بِاحْتِمَالٍ، كَاحْتِمَالِ حَدَثٍ بَعْدَ طَهَارَةٍ4.
رُدَّ إنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ مَعَ الظَّنِّ، وَلا ظَنَّ مَعَ تَسَاوِي الْمُعَارِضِ وَاحْتِمَالُ الْحَدَثِ وَرَدَ عَلَى يَقِينِ الطُّهْرِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ5.
"وَ" مِنْهَا "عَدَالَةٌ" إجْمَاعًا لِمَا سَبَقَ مِنْ الأَدِلَّةِ "ظَاهِرًا وَبَاطِنًا" عِنْدَ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا6. وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ عَنِ الأَكْثَرِ7.
__________
1 انظر: فواتح الرحموت 2/ 142-143، الإحكام 2/ 75.
2 في ش: من ذلك الإكثار.
وانظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، فواتح الرحموت 2/ 143.
3 في ب ع ض: نتركه. وصححت على هامش ع كما أثبتناه أعلاه.
4 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76.
5 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50 وما بعدها، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 56 وما بعدها.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 360، المستصفى 1/ 157، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، جمع الجوامع 2/ 148، الكفاية ص 34، 77، المسودة ص 257، تدريب الراوي 1/ 300، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، توضيح الأفكار 2/ 116، صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 61، مقدمة ابن الصلاح ص 50، معرفة علوم الحديث ص 53، المعتمد 2/ 620، كشف الأسرار 2/ 392، تيسير التحرير 3/ 44، فواتح الرحموت 2/ 143، أصول السرخسي 1/ 345، أصول الحديث ص 231، غاية الوصول ص 99، اللمع ص 42، 43، الروضة ص 57، التمهيد ص 136، مختصر الطوفي ص 57، إرشاد الفحول ص 51، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92.
7 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 76.
(2/382)
 
 
وَعِنْدَ الْقَاضِي وَابْنِ الْبَنَّاءِ، وَغَيْرِهِمَا: تَكْفِي الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا لِلْمَشَقَّةِ. كَمَا قُلْنَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ. اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَصَاحِبُ "رَوْضَةِ الْفِقْهِ" مِنْ أَصْحَابِنَا1.
"وَمَنْ رَوَى" حَالَ كَوْنِهِ "بَالِغًا مُسْلِمًا عَدْلاً وَقَدْ تَحَمَّلَ"2 حَالَ كَوْنِهِ "صَغِيرًا ضَابِطًا3، أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "كَافِرًا" ضَابِطًا "أَوْ" حَالَ كَوْنِهِ "فَاسِقًا" ضَابِطًا "قُبِلَ" مَا رَوَاهُ، لاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ فِيهِ حَالَ رِوَايَتِهِ4.
"وَهِيَ" أَيْ الْعَدَالَةُ فِي اللُّغَةِ: التَّوَسُّطُ فِي الأَمْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلا نُقْصَانٍ5.
__________
1 وهو قول بعض الشافعية في الاكتفاء بالعدالة الظاهرة لقبول الرواية.
انظر: اللمع ص 43، فواتح الرحموت 2/ 146-147.
2 في ز: يحتمل.
3 يشترط في الراوي في حال السماع أن يكون مميزاً ضابطاً، فلو سمع المجنون حال جنونه، ثم أفاق فلا يصح ذلك، لأنه وقت الجنون غير ضابط.
انظر: اللمع ص 41، المستصفى 1/ 156، فواتح الرحموت 2/ 138 وما بعدها، الإلماع للقاضي عياض ص 62، أصول الحديث ص 227، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93.
4 ذهب أكثر العلماء إلى جواز تحمل الصبي المميز للرواية على أن يؤديها بعد البلوغ، ويقاس عليه غيره ممن ذكر أعلاه، لكنهم في تحديث سن الصبي لصحة سماعه وتحمله.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 72، المستصفى 1/ 156، نهاية السول 2/ 295، مناهج العقول 2/ 293، كشف الأسرار 2/ 395، المسودة ص 258، 290، الكفاية ص 54، 76، مقدمة ابن الصلاح ص 60، المعتمد 2/ 620، تدريب الراوي 2/ 4، العضد على ابن الحاجب 2/ 61، جمع الجوامع 2/ 147، تيسير التحرير 3/ 39، شرح تنقيح الفصول ص 359، غاية الوصول ص 99، الروضة ص 57، مختصر الطوفي ص 58، إرشاد الفحول ص 50، المدخل إلى مذهب أحمد ص 93، شرح النووي على مسلم 1/ 61".
5 انظر: المصباح المنير 2/ 604، القاموس المحيط 4/ 13.
(2/383)
 
 
وَهِيَ فِي اصْطِلاحِ أَهْلِ الشَّرْعِ "صِفَةٌ" أَيْ كَيْفِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ، وَتُسَمَّى قَبْلَ رُسُوخِهَا حَالاً "رَاسِخَةٌ فِي النَّفْسِ" أَيْ نَفْسِ الْمُتَّصِفِ بِهَا تَحْمِلُهُ عَلَى مُلازَمَةِ التَّقْوَى وَالْمُرُوءَةِ، وَتَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى "تَرْكِ الْكَبَائِرِ1"
"وَمِنْهَا" أَيْ مِنْ الْكَبَائِرِ: غِيبَةٌ وَنَمِيمَةٌ.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِيرِ": اُخْتُلِفَ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ. هَلْ هُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ مِنْ الْكَبَائِرِ؟ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمَا مِنْ الْكَبَائِرِ. وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي "أُصُولِهِ"، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي "فُرُوعِهِ".
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: "لا خِلافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ2".اهـ.
وَقِيلَ: إنَّهُمَا مِنْ الصَّغَائِرِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ "الْفُصُولِ3" "وَالْغُنْيَةِ4" وَالْمُسْتَوْعِبِ5".
__________
1 انظر: المغني 10/ 148، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، إرشاد الفحول ص 51.
2 تفسير القرطبي 16/ 337.
3 كتاب "الفصول" لعلي بن عقيل بن محمد البغدادي الفقيه الأصولي المجتهد، المتوفى سنة 513 هـ، ومرت ترجمته في المجلد الأول.
"انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 209".
4 كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي البغدادي.
"انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص 208".
5 كتاب "المستوعب" للعلامة محمد بن عبد الله بن الحسين بن محمد السامري، المتوفى سنة 610هـ، وهو كتاب مختصر، جمع فيه مؤلفه بين عدد من المختصرات في المذهب الحنبلي. قال ابن بدران: "وبالجملة فهو أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه". ثم قال: "وقد حذا حذوه الشيخ موسى الحجاوي في كتابه "الإقناع"، وجعله مادة كتابه. "المدخل إلى مذهب أحمد ص 210، 217".
(2/384)
 
 
"وَ" تَحْمِلُهُ أَيْضًا عَلَى تَرْكِ "الرَّذَائِلِ" الْمُبَاحَةِ. كَالأَكْلِ فِي السُّوقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَلا يَأْتِي بِكَبِيرَةٍ لِلآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي الْقَاذِفِ1. وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ الْكَبَائِرِ2.
وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ "بِلا بِدْعَةٍ مُغَلَّظَةٍ" وَسَيَأْتِي الْكَلامُ عَلَيْهَا3.
"وَتُقْبَلُ4 رِوَايَةُ" مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ5، وَلَوْ أَنَّهُ "قَاذِفٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ".
قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ: إنْ قَذَفَ6 بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ رِوَايَتُهُ؛ لأَنَّ7 نَقْصَ الْعَدَدِ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ8.
__________
1 وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . الآية 4 من النور.
2 انظر في تعريف العدالة: "التعريفات للجرجاني ص 152، اللمع ص 42، المعتمد 2/ 616، توضيح الأفكار 2/ 117، مختصر ابن الحاجب 2/ 63، المغني 10/ 148، شرح تنقيح الفصول ص 361، أصول السرخسي 1/ 350 وما بعدها، الكفاية ص 78، الإحكام للآمدي 2/ 77، المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 143، تيسير التحرير 3/ 44، جمع الجوامع 2/ 148، نهاية السول 2/ 303، مناهج العقول 2/ 296، كشف الأسرار 2/ 399، 400، شرح نخبة الفكر ص 52، غاية الوصول ص 99، المدخل إلى مذهب أحمد ص 92، إرشاد الفحول ص 51، 52، شرح منح الجليل 4/ 218".
3 صفحة 402.
4 في ع: ويقبل.
5 أي تقبل رواية من اتصف بهذه الشروط السابقة في الراوي.
6 في ب: القذف.
7 في ب: لأنه.
8 قال الحنفية بقبول رواية المحدود في القذف مطلقاً، سواء كان محدوداً بشهادة أم.....=
(2/385)
 
 
زَادَ الْقَاضِي فِي "الْعُدَّةِ1": وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْقَذْفِ. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ، وَيَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ، وَلا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِمَا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ2. وَكَذَا زَادَ ابْنُ عَقِيلٍ.
قَالَ الشِّيرَازِيُّ فِي "اللُّمَعِ": "وَأَبُو بَكْرَةَ3 وَمَنْ شَهِدَ مَعَهُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ؛ لأَنَّهُمْ أَخْرَجُوا أَلْفَاظَهُمْ مَخْرَجَ الإِخْبَارِ، لا مَخْرَجَ الْقَذْفِ. وَجَلَدَهُمْ عُمَرُ بِاجْتِهَادِهِ4".
__________
1 في ز ش: العمدة. وهو تصحيف.
2 لا ترد الرواية بما يسوغ فيه الاجتهاد، كاللعب بالشطرنج وشرب النبيذ ونحوه لقول بعض المجتهدين به.
"انظر: الإحكام للآمدي 2/ 90، فواتح الرحموت 2/ 148، تيسير التحرير 3/ 43، 46، 55، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 151، 165، المسودة ص 258، 265، 266".
3 هو الصحابي نفيع بن الحارث بن كلدة، ويقال: نفيع بن مسروح، الثقفي، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من عبيد الحارث بن كلدة بن عمرو الثقفي فاستلحقه، وهو مشهور بكنيته. وكان من فضلاء الصحابة، سكن البصرة، وأنجب أولاداً لهم شهرة في العلم والمال والولايات. وكان تدلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حصن الطائف ببكرة، فاشتهر بأبي بكرة، وكان ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل. وكان ممن شهد على المغيرة بن شعبة بالزنا، فلم تتم الشهادة، فجلده عمر، ثم سأله الانصراف والرجوع عن ذلك فلم يفعل وأبى، فلم يقبل له شهادة، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي سنة 51 هـ بالبصرة.
انظر ترجمته في "الإصابة 3/ 572، الاستيعاب 3/ 567، تهذيب الأسماء 2/ 198، الخلاصة ص 404".
4 اللمع ص 43.
وانظر شرح تنقيح الفصول ص 360، كشف الأسرار 2/ 404، المسودة ص 258.
(2/386)
 
 
"وَيُحَدُّ" الْقَاذِفُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مَعَ قَبُولِ رِوَايَتِهِ1.
قَالَ فِي "شَرْحِ التَّحْرِير"ِ: وَاتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ2. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ يُحَدُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لا يُحَدُّ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: فَيُتَوَجَّهُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَقَاءُ عَدَالَتِهِ. وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ الآمِدِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَرْحِ؛ لأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْقَذْفِ3.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: صَرَّحَ الْقَاضِي فِي قِيَاسِ الشَّبَهِ مِنْ الْعَدَالَةِ بِعَدَالَةِ مَنْ أَتَى بِكَبِيرَةٍ45أَيْ وَاحِدَةً1، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ6} 7.
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ أَكَلَ الرِّبَا: إنْ أَكْثَرَ لَمْ يُصَلَّ خَلَفَهُ.
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُغْنِي": "إنْ أَخَذَ صَدَقَةً مُحَرَّمَةً وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، رُدَّتْ رِوَايَتُهُ8".
__________
1 انظر: الروضة ص 60، مختصر الطوفي ص 61.
2 قال الخزرجي عن أبي بكرة رضي الله عنه: "له مائة واثنان وثلاثون حديثاً اتفقا "أي البخاري ومسلم" على ثمانية، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بآخر. روى عنه أولاده عبد الرحمن وعبد العزيز وعبيد الله ومسلم وجماعة. "الخلاصة ص 404".
3 انظر: الإحكام للآمدي 2/ 89.
4 في ب ع ض: كبيرة.
5 ساقطة من ش ب ز، وفي ع: بواحدة.
6 في ب ز ض: الآية.
7 الآية 102 من المؤمنون. وفي ع: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الآية القارعة/.
8 المغني 10/ 164 "مع التصرف".
(2/387)
 
 
"وَالصَّغَائِرُ" وَهِيَ كُلُّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ لا حَدَّ فِيهِ فِي الدُّنْيَا وَلا وَعِيدَ فِي الآخِرَةِ وَهُنَّ مَعَ كَثْرَةِ صُوَرِهِنَّ "سَوَاءٌ1 حُكْمًا" أَيْ فِي الْحُكْمِ.
قَالَ فِي "التَّحْرِير"ِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّغَائِرِ، بَلْ أَطْلَقُوا. فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لا فَرْقَ.
"إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ تَكَرُّرًا يُخِلُّ بِالثِّقَةِ2 بِصِدْقِهِ3" أَيْ صِدْقِ الرَّاوِي لَمْ تَقْدَحْ4 فِي صِحَّةِ رِوَايَتِهِ "لِتَكْفِيرِهَا" أَيْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ "بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَمَصَائِبِ الدُّنْيَا" عَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الذُّنُوبِ تَنْقَسِمُ إلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ5.
وَقَالَ الأُسْتَاذُ6 وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْبَاقِلاَّنِيِّ وَابْنُ فُورَكٍ وَالْقُشَيْرِيُّ7 وَالسُّبْكِيُّ8. وَحُكِيَ عَنْ الأَشْعَرِيَّةِ: إنَّ جَمِيعَ الذُّنُوبِ كَبَائِرُ9.
__________
1 ساقطة من ش.
2 في ع ز: الثقة.
3 انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، مناهج العقول 2/ 297، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160، إرشاد الفحول ص 53.
4 في ش ع ز: يقدح.
5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، إرشاد الفحول ص 52، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 هو الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، كما هو معروف في مصطلح الفقه الشافعي، وهو ما نص عليه ابن حجر الهيتمي في الزواجر 1/ 3.
7 في الزواجر 1/ 3: ابن القشيري في "المرشد".
8 هو تقي الدين السبكي، والد تاج الدين صاحب جمع الجوامع. انظر: "جمع الجوامع" 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52.
9 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، جمع الجوامع 2/ 152، إرشاد الفحول ص 52.
(2/388)
 
 
قَالَ الْقَرَافِيُّ: كَأَنَّهُمْ1 كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةً إجْلالاً لَهُ، مَعَ مُوَافَقَتِهِمْ فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، بَلْ مِنْهُ مَا يَقْدَحُ، وَمِنْهُ مَا لا يَقْدَحُ. وَإِنَّمَا الْخِلافُ فِي التَّسْمِيَةِ2.اهـ.
اسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} – الآيَةَ3، وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَكْفِيرِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ مَا بَيْنَهُمَا إذَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ4؛ إذْ لَوْ كَانَ الْكُلُّ كَبَائِرَ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُكَفَّرُ بِمَا ذُكِرَ. وَفِي5 الْحَدِيثِ: "الْكَبَائِرُ سَبْعٌ" 6، وَفِي رِوَايَةٍ "تِسْعٌ".
__________
1 في ش: كأنما. وفي الفروق: وكأنهم.
2 الفروق للقرافي 1/ 121. وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361.
3 الآية 31 من النساء.
4 روى مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجه، واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". وهو عنوان عند البخاري: "باب الصلوات الخمس كفارة"، وساق حديث أبي هريرة مرفوعاً: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم ... ".
"انظر: صحيح مسلم 1/ 209، مسند أحمد 2/ 229، تحفة الأحوذي 1/ 627، سنن ابن ماجه 1/ 196، صحيح البخاري 1/ 102، فيض القدير 4/ 243، مرعاة المفاتيح 2/ 1".
5 في ش ب: وفي هذا.
6 روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
"انظر: صحيح مسلم 1/ 92، صحيح البخاري 2/ 131، فيض القدير 1/ 153".
وروى النسائي عن عمير: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "هنّ سبع، أعظمهن الإشراك وقتل النفس والفرار" ... الحديث. سنن النسائي 7/ 72".
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد مرفوعاً: "الكبائر سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة". قال السيوطي: صحيح، لكن تعقبه المناوي وضعفه. "انظر: فيض القدير 5/ 61". ورواه الخطيب في "الكفاية ص 103".
(2/389)
 
 
وَعَدَّهَا"1. فَلَوْ كَانَتْ الذُّنُوبُ كُلُّهَا كَبَائِرَ لَمَا سَاغَ ذَلِكَ2.
وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْكُورَانِيُّ فِي "شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ": إنْ أَرَادُوا إسْقَاطَ الْعَدَالَةِ فَقَدْ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ. وَإِنْ أَرَادُوا قُبْحَ الْمَعْصِيَةِ نَظَرًا إلَى كِبْرِيَائِهِ تَعَالَى، وَأَنَّ3 مُخَالَفَتَهُ لا تُعَدُّ4 أَمْرًا صَغِيرًا، فَنِعْمَ الْقَوْلُ5.اهـ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ سَوَاءً حُكْمًا. وَقَالَ الآمِدِيُّ، وَمَنْ وَافَقَهُ: إنَّ مِثْلَ سَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَالتَّطْفِيفِ بِحَبَّةٍ، وَاشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ عَلَى إسْمَاعِ6 الْحَدِيثِ يُعْتَبَرُ تَرْكُهُ7 كَالْكَبَائِرِ8. وَقَدْ قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ
__________
1 روى أبو داود والنسائي والحاكم عن عمير مرفوعاً: "الكبائر تسع، أعظمهن الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار يوم الزحف، وعقوق الوالدين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً".
"انظر: المستدرك 1/ 59، الفتح الكبير 2/ 337".
2 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، إرشاد الفحول ص 52، تفسير الطبري 5/ 36 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121.
3 في ش ز: فإن.
4 في ب: يُعد.
5 انظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 3، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 في ب: سماع.
7 ساقطة من ش. أي يعتبر ترك هذه الصغائر في صفات العدل وشروطه لقبول الرواية.
8 قال الآمدي: "وذلك "أي تعريف العدالة" إنما يتحقق باجتناب الكبائر وبعض الصغائر وبعض المباحات. أما الكبائر ... وأما بعض الصغائر فما يدل فعله على نقص الدين، وعدم الترفع عن الكذب، وذلك كسرقة لقمة، والتطفيف بحبة، واشتراط أخذ الأجرة على إسماع الحديث، ونحو ذلك. وأما بعض المباح فما يدل على نقص المروءة ودناءة الهمة كالأكل في السوق، والبول في الشوارع، وصحبة الأراذل، والإفراط في المزح، ونحو ذلك مما يدل على سرعة الإقدام على الكذب، وعدم الاكتراث به. "الإحكام للآمدي 2/ 77".
"وانظر: المستصفى 1/ 157، فواتح الرحموت 2/ 144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، مقدمة ابن الصلاح ص 56".
(2/390)
 
 
اللَّهُ عَنْهُ فِي اشْتِرَاطِ أَخْذِ الأُجْرَةِ: لا يُكْتَبُ عَنْهُ الْحَدِيثُ وَلا كَرَامَةَ1. وَقَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو حَاتِمٍ2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَيُعْتَبَرُ تَرْكُ3 مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ كَأَكْلِهِ فِي السُّوقِ بَيْنَ النَّاسِ الْكَثِيرِ. وَمَدِّ رِجْلَيْهِ وَ4كَشْفِ رَأْسِهِ بَيْنَهُمْ وَالْبَوْلِ فِي الشَّوَارِعِ وَاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَصُحْبَةِ5 الأَرَاذِلِ6 وَالإِفْرَاطِ فِي الْمَزْحِ7، لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ "إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت" رَوَاهُ
__________
1 رواه الخطيب في "الكفاية" عن الإمام أحمد. "انظر الكفاية ص 153".
وانظر حكم أخذ الأجرة على الرواية في "توضيح الأفكار 2/ 251، تدريب الراوي 1/ 337، العضد على مختصر ابن الحاجب 2/ 63، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 148-149، الكفاية ص 153، المسودة ص 266، فواتح الرحموت 2/ 144، طبقات الحنابلة 1/ 170".
2 هو محمد بن إدريس بن المنذر بن مِهْران، الغطفاني الحنظلي، أبو حاتم الرازي، أحد الأعلام، حافظ المشرق، كان بارع الحفظ، واسع الرحلة، من أوعية العلم. قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات، مشهوراً بالعلم، مذكوراً بالفضل. جمع أحاديث الزهري وصنفها ورتبها، وكان المرجع في معرفة رجال الحديث. توفي سنة 277 هـ، وقيل 275هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 2/ 207، شذرات الذهب 2/ 171، طبقات القراء 2/ 970، طبقات الحفاظ ص 255، تذكرة الحفاظ 2/ 567، تاريخ بغداد 3/ 73، المنهج الأحمد 1/ 183، طبقات الحنابلة 1/ 284".
3 في ض: تركه.
4 في ب ز ض: أو.
5 في ع: وصحبته.
6 في ز ش ب: الأرذال.
7 قال ابن الحاجب: وتتحقق "العدالة" باجتناب الكبائر وترك الإصرار على الصغائر، وبعض الصغائر، وبعض المباح. "مختصر ابن الحاجب 2/ 63". وهو معنى ما نقلناه عن الآمدي في "الإحكام 2/ 77".
(2/391)
 
 
الْبُخَارِيُّ1، يَعْنِي: إذَا2 صَنَعَ مَا شَاءَ فَلا يُوثَقُ بِهِ3.اهـ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ إنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ مِنْهُ4 تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِ الرَّاوِي لَمْ يُقْدَحْ فِي رِوَايَتِهِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ": حَدُّ الإِصْرَارِ5 الْمَانِعِ فِي الصَّغَائِرِ: أَنْ تَتَكَرَّرَ مِنْهُ تَكَرُّرًا يُخِلُّ الثِّقَةَ بِصِدْقِهِ6.اهـ.
وَقِيلَ: يَقْدَحُ تَكْرَارُهَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَقِيلَ: ثَلاثًا. قَالَهُ7 ابْنُ حَمْدَانَ فِي "الْمُقْنِعِ" وَ"آدَابِ الْمُفْتِي8".
__________
1 رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود. ورواه بعضهم عن حذيفة. ورواه أحمد عن أبي مسعود الأنصاري وعن حذيفة. ورواه ابن ماجه عن عقبة بن عمرو، ولفظه: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة؛ إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". ورواه مالك مرسلاً.
"انظر: صحيح البخاري 4/ 68، مسند أحمد 4/ 121، 5/ 383، سنن ابن ماجه 2/ 1400، سنن أبي داود 2/ 552، الموطأ 1/ 158، كشف الخفا 1/ 98، فيض القدير 2/ 540".
2 في ب: أي إن من. وفي ع: أي من. وفي ض: أي.
3 انظر: المستصفى 1/ 157، الإحكام للآمدي 2/ 77، تيسير التحرير 3/ 45، جمع الجوامع وشرح المحلي عليه 2/ 149، المغني 10/ 149.
4 ساقطة من ش ب ز.
5 في ش: الاحتراز.
6 قال الشوكاني: "وقد قيل: إن الإصرار على الصغيرة حكمه حكم مرتكب الكبيرة، وليس على هذا دليل يصلح للتمسك به، وإنما هي مقالة لبعض الصوفية، فإنه قال: لا صغيرة مع إصرار. وقد روى بعض من لا يعرف علم الرواية هذا اللفظ، وجعله حديثاً، ولا يصح ذلك، بل الحق أن الإصرار حكمه حكم ما أصر عليه، فالإصرار على الصغيرة صغيرة، والإصرار على الكبيرة كبيرة". "إرشاد الفحول ص 53".
وانظر: العضد على ابن الحاجب 2/ 63.
7 في ب: قال.
8 قال ابن حمدان: وبالجملة كل ما يأثم بفعله مرة يفسق بفعله ثلاثاً. "صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 13".
وانظر: شرح تنقيح الفصول ص 361.
(2/392)
 
 
وَقَالَ فِي "التَّرْغِيبِ" وَغَيْرِهِ: تَقْدَحُ كَثْرَةُ الصَّغَائِرِ وَإِدْمَانُ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي "الْمُقْنِعِ": "لا يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ1".
وَهُوَ مُرَادُ الأَوَّلِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ فَالإِدْمَانُ هُنَا كَمَا قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ فِي "أُصُولِهِ" كَمَا تَقَدَّمَ.
وَعَلَى الأَصَحِّ فِي كَوْنِ الصَّغَائِرِ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَبِمَصَائِب الدُّنْيَا لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} 2. وَلِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ بِمَصَائِبِ الدُّنْيَا. وَاخْتَارَ ذَلِكَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ. وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ3.
"وَيُرَدُّ كَاذِبٌ وَلَوْ تَدَيَّنَ" أَيْ تَحَرَّزَ عَنْ الْكَذِبِ "فِي الْحَدِيثِ عِنْدَ" أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الإِمَامَانِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا؛ لأَنَّهُ لا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْذِبَ فِيهِ.
وَعَنْهُ: وَلَوْ بِكَذْبَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي "الْوَاضِحِ" وَغَيْرُهُ4.
__________
1 وعبارة ابن قدامة: ويعتبر لها "للعدالة" شيئان: الصلاح في الدين، وهو أداء الفرائض واجتناب المحارم، وهو أن لا يرتكب كبيرة، ولا يدمن على "صغيرة. المقنع 3/ 690".
2 الآية 31 من النساء. وتتمة الآية: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيْماً} .
3 انظر: منهاج السنة النبوية 3/ 31 وما بعدها، 35 وما بعدها، تفسير الطبري 5/ 44، تفسير غريب القرآن ص 125، الكبائر للذهبي ص 7.
4 قال المجد ابن تيمية: "وقد روي عن أحمد أن الكذبة الواحدة لا تردّ بها الشهادة، فالرواية أولى" "المسودة ص 262". وهذه الرواية هي الراجحة عند الإمام أحمد، كما يفهم من عبارة المصنف بلفظ: "وعنه". وهو ما صرح به المصنف أيضاً بعد عدة أسطر، ونص عليها غيره.
"انظر: المسودة ص 262، 266، المحلي على جمع الجوامع 2/ 149، الكفاية ص 101، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 51، كشف الأسرار 2/ 404".
(2/393)
 
 
وَاحْتَجَّ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "رَدَّ شَهَادَةَ رَجُلٍ فِي كَذْبَةٍ1". وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ. رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ2 وَالْخَلاَّلُ وَجَعَلَهُ فِي التَّمْهِيدِ إنْ صَحَّ لِلزَّجْرِ. وَفِيهِ وَعِيدٌ فِي مَنَامِهِ34صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 فِي الصَّحِيحِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: الزَّجْرُ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ، وَأَنَّهَا مِنْ الْكَبَائِرِ5.
__________
1 انظر: المغني 10/ 149.
2 هو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي. قال ابن أبي يعلى: "كان إماماً في العلم، رأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراًَ بالأحكام، حافظاً للحديث". وهو أحد الناقلين لمذهب أحمد. صنف كتباً كثيرة، منها: "غريب الحديث"، و"دلائل النبوة"، و"كتاب الحمام"، و"سجود القرآن"، و"ذم الغيبة"، و"النهي عن الكذب"، و"المناسك". توفي سنة 285 هـ.
انظر ترجمته في "طبقات الحنابلة 1/ 86، المنهج الأحمد 1/ 196، شذرات الذهب 2/ 190، طبقات الحفاظ ص 259، تذكرة الحفاظ 2/ 584، المدخل إلى مذهب أحمد ص 206".
3 كذا في جميع النسخ. ولعل الصواب: عقابه أو عتابه.
4 في ض ب ع: عليه أفضل الصلاة والسلام.
5 روى البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والبيهقي عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ - ثلاثاً- قلنا: نعم يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" - وكان متكئاً فجلس - فقال: "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 102، صحيح مسلم 1/ 91، تحفة الأحوذي 6/ 584، مسند أحمد 5/ 36، السنن الكبرى 10/ 121".
وروى أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد والبيهقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عدلت شهادة الزور بالإشراك بالله"- ثلاث مرات، ثم قرأ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} . الحج/ 30-31.
"انظر: سنن أبي داود 2/ 274، تحفة الأحوذي 6/ 585، سنن ابن ماجه 2/ 794، السنن الكبرى 10/ 121، التلخيص الحبير 2/ 404، مسند أحمد 4/ 178".
وروى البخاري والترمذي والنسائي عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور".
"انظر: صحيح البخاري 2/ 12، تحفة الأحوذي 8/ 372، 6/ 584، سنن النسائي 7/ 81، مسند أحمد 3/ 131، 5/ 37".
(2/394)
 
 
وَذَكَرَ فِي "الْفُصُولِ" فِي الشَّهَادَةِ: أَنَّ بَعْضَهُمْ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَاسَ عَلَيْهَا بَقِيَّةَ الصَّغَائِرِ.
وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ الْكَذْبَةَ الْوَاحِدَةَ لا تَقْدَحُ لِلْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ دَلِيلِهِ1.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ "الْفُصُولِ": أَنَّهُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ. وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ. وَقِيَاسُ بَقِيَّةِ الصَّغَائِرِ عَلَيْهَا بَعِيدٌ، لأَنَّ الْكَذِبَ مَعْصِيَةٌ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ الْخَبَرُ الْعَامُّ2.اهـ.
"وَتَقْدَحُ كَذْبَةٌ" وَاحِدَةٌ "فِيهِ" أَيْ فِي الْحَدِيثِ "وَلَوْ تَابَ مِنْهَا". نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَقَالَ: لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ3 مُطْلَقًا4. وَقَالَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ5، قَالَ: لأَنَّهُ زِنْدِيقٌ. فَتُخَرَّجُ تَوْبَتُهُ عَلَى تَوْبَتِهِ وَفَارَقَ الشَّهَادَةَ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَكْذِبُ فِيهَا لِرِشْوَةٍ إلَى أَرْبَابِ الدُّنْيَا.
__________
1 "انظر: المسودة ص 262، شرح تنقيح الفصول ص 361 وما بعدها.
2 ساقطة من ز ش ب ع ض.
3 ساقطة من ش ب ز ع.
4 نقل الخطيب البغدادي بإسناده، والمجد بن تيمية عن الإمام أحمد أنه سئل عن محدث كذب في حديث واحد ثم تاب ورجع، فقال: "توبته فيما بينه وبين الله تعالى، ولا يكتب حديثه أبداً".
"انظر: الكفاية ص 117، المسودة ص 261، 262".
"وانظر: توضيح الأفكار 2/ 237، تدريب الراوي 1/ 239 وما بعدها".
5 يقول عبد العزيز البخاري: "ثم التائب من أسباب الفسق والكذب تقبل روايته، إلا التائب من الكذب متعمداً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا تقبل روايته أبداً، وإن حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ..........=
(2/395)
 
 
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: هَذَا فَرْقٌ بَعِيدٌ؛ لأَنَّ الرَّغْبَةَ إلَيْهِمْ بِأَخْبَارِ الرَّجَاءِ1، أَوْ2 الْوَعِيدِ غَايَةُ3 الْفِسْقِ.
وَظَاهِرُ كَلامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّ تَوْبَتَهُ تُقْبَلُ. وَقَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، لَكِنْ فِي غَيْرِ مَا كَذَبَ فِيهِ. كَتَوْبَتِهِ فِيمَا أَقَرَّ بِتَزْوِيرِهِ4.
وَقَبِلَهَا الدَّامَغَانِيُّ الْحَنَفِيُّ5 فِيهِ أَيْضًا. قَالَ: لأَنَّ رَدَّهَا لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَرَدُّ الشَّهَادَةِ حُكْمٌ.
__________
= البخاري. ثم نقل مثل ذلك عن أبي بكر الصيرفي في شرحه لـ"رسالة الشافعي" وعن أبي المظفر السمعاني، وأبي عمرو بن الصلاح. "انظر: كشف الأسرار 2/ 404".
وانظر: مقدمة ابن الصلاح ص 55، توضيح الأفكار 2/ 237 وما بعدها، 241، الكفاية ص 117، المسودة ص 262.
لكن النووي رحمه الله قال: "قلت: هذا كله مخالف لقاعدة مذهبنا ومذهب غيرنا، ولا يتقوى الفرق بينه وبين الشهادة" "تدريب الراوي شرح تقريب النواوي 1/ 330".
وانظر: توضيح الأفكار 2/ 240، 242.
1 في ض: الرجال.
2 في ز ش: و.
3 في د ع: غايته.
4 وهذا ما رجحه النووي وقطع به، وقال: "المختار القطع بصحة توبته وقبول روايته". شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 70.
وانظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي 1/ 330.
5 هو محمد بن علي بن الحسين بن عبد الملك، أبو عبد الله الدامغاني، قاضي القضاة ببغداد، سمع الحديث، وبرع بالفقه، وانتهت إليه رئاسة الفقهاء. وكان ذا عقل واسع، وتواضع جم، وكان كثير العبادة، وبقي في القضاء ثلاثين سنة. توفي سنة 478 هـ، ولم يتفق له الحج، وله "شرح مختصر الحاكم".
انظر ترجمته في "الجواهر المضية 2/ 96، الفوائد البهية ص 182، شذرات الذهب 4/ 362، تاريخ بغداد 3/ 109، البداية والنهاية 12/ 129".
(2/396)
 
 
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: سَأَلْت أَبَا بَكْرٍ الشَّاشِيَّ1 عَنْهُ. فَقَالَ: لا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا رُدَّ، وَيُقْبَلُ2 فِي غَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِالشَّهَادَةِ. قَالَ: وَسَأَلْت قَاضِي الْقُضَاةِ الدَّامَغَانِيَّ. فَقَالَ: يُقْبَلُ حَدِيثُهُ الْمَرْدُودُ وَغَيْرُهُ، بِخِلافِ شَهَادَتِهِ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ تِلْكَ خَاصَّةً. قَالَ: لأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا مِنْ الْحَاكِمِ بِرَدِّهَا. فَلا يُنْقَضُ، وَرَدُّ الْخَبَرِ مِمَّنْ رُوِيَ لَهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ3.اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَذَا يَتَوَجَّهُ لَوْ رَدَدْنَا الْحَدِيثَ لِفِسْقِهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَذْهَبُ. فَأَمَّا إذَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الشَّهَادَةِ؟ فَنَظِيرُهُ أَنْ يَتُوبَ مِنْ شَهَادَةِ زُورٍ 4وَيُقِرَّ فِيهَا5 بِالتَّزْوِيرِ5.
"وَالْكَبِيرَةُ" عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا "مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ" فِيهِ "وَعِيدٌ" خَاصٌّ "فِي الآخِرَةِ. وَزِيدَ" أَيْ وَزَادَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ أَوْ مَا فِيهِ "لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ 6أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ 7"
__________
1 كذا في جميع النسخ. وقد يرد على الذهن أن المقصود هو محمد بن علي بن إسماعيل القفال، أبو بكر الشاشي، الذي مرت ترجمته ص 154، وهو غير صحيح، لأن أبا بكر الشاشي توفي قبل ولادة أبي يعلى بنصف قرن تقريباً.
وفي المسودة: أبا بكر الشامي.
2 في ز ش ب: وتقبل.
3 انظر: المسودة ص 262.
4 في ش: ويقرنها.
5 المسودة ص 262.
6 ساقطة من ش. وفي د: أو نفي إيمان أو غضب.
7 وهذا ما قاله الواحدي في تفسيره. "انظر: الوجيز للواحدي 1/ 148، فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63".
(2/397)
 
 
1اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْكَبِيرَةِ، هَلْ لَهَا ضَابِطٌ تُعْرَفُ بِهِ أَوْ لا؟
فَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا لا يُعْرَفُ ضَابِطُهَا2.
قَالَ2 الْقَاضِي فِي الْمُعْتَمَدِ: مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ، وَلا يُعْلَمَانِ إلاَّ بِتَوْقِيفٍ.
قَالَ الْوَاحِدِيُّ3: الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَيْسَ لَهَا حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ، وَإِلاَّ لاقْتَحَمَ النَّاسُ الصَّغَائِرَ وَاسْتَبَاحُوهَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْفَى ذَلِكَ عَنْ الْعِبَادِ لِيَجْتَهِدُوا فِي اجْتِنَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، رَجَاءَ أَنْ تُجْتَنَبَ4 الْكَبَائِرُ. نَظِيرُهُ إخْفَاءُ الصَّلاةِ الْوُسْطَى وَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الإِجَابَةِ 5فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ6 وَقِيَامِ السَّاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ6.
__________
1 ساقطة من ش. وانظر: إرشاد الفحول ص 52، الوجيز في تفسير القرآن العزيز للواحدي 1/ 148.
2 في د ض: وقال.
3 هو علي بن أحمد بن محمد، أبو الحسين الواحدي، النيسابوري، المفسر، كان أستاذ عصره في علم النحو والتفسير، ودأب في العلوم، وأخذ اللغة، وتصدر للتدريس والإفادة مدة طويلة، وكان شاعراً، وله مصنفات كثيرة، منها: التفاسير الثلاثة: "البسيط"، و"الوسيط"، و"الوجيز"، وله "أسباب النزول"، و"الإغراب في الإعراب"، و"التحبير" في شرح الأسماء الحسنى"، و"شرح ديوان المتنبي"، و"نفي التحريف عن القرآن الشريف". توفي سنة 468 هـ بنيسابور.
انظر ترجمته في "طبقات القراء 1/ 523، طبقات المفسرين 1/ 387، وفيات الأعيان 2/ 464، إنباه الرواة 2/ 464، بغية الوعاة 2/ 145، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 240، شذرات الذهب 3/ 330، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 168، البداية والنهاية 12/ 114".
4 في ش ب ز: يجتنبوا.
5 ساقطة من ش. وفي ب ع ض: في الجمعة.
6 قال ابن حجر الهيثمي: "قاله الواحدي في بسيطه" "الزواجر 1/ 5". وانظر: الوجيز للواحدي 1/ 148.
(2/398)
 
 
وَذَهَبَ الأَكْثَرُونَ إلَى أَنَّ لَهَا1 ضَابِطًا مَعْرُوفًا2، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ الضَّابِطِ عَلَى أَقْوَالٍ.
الأَوَّلُ - وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا أَوْ وَعِيدٌ فِي الآخِرَةِ، لِوَعْدِ3 اللَّهِ مُجْتَنِبَهَا4 بِتَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ5.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلأَنَّهُ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ. ذَكَرَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَأُلْحِقَ بِذَلِكَ مَا فِيهِ لَعْنَةٌ أَوْ غَضَبٌ أَوْ نَفْيُ إيمَانٍ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ نَفْيُ الإِيمَانِ لأَمْرٍ مُسْتَحَبٍّ، بَلْ لِكَمَالٍ وَاجِبٍ6.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ كَلامَ أَحْمَدَ إلاَّ عَلَى مَعْنًى يُبَيِّنُ مِنْ كَلامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ، لا عَلَى مَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ مِنْ كَلامِ كُلِّ أَحَدٍ.
الْقَوْلُ7 الثَّانِي - وَهُوَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ -:أَنَّ مَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى صَغِيرَةٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِحَقِّ الآدَمِيِّ كَبِيرَةٌ.
__________
1 في ش: لهما.
2 وضع العز بن عبد السلام ضابطاً لتمييز الصغائر من الكبائر فقال: "إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي من الكبائر ... ". ثم ذكر أمثلة. "انظر: قواعد الأحكام 1/ 23".
وانظر: تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/ 5، الفروق للقرافي 1/ 121، إرشاد الفحول ص 52.
3 في ش: كوعد.
4 في ش: لمن يجتنبها. وفي د ع: مجتنبيها.
5 انظر: فواتح الرحموت 2/ 144، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، تفسير الطبري 5/ 40، الفروق للقرافي 1/ 121.
6 انظر: شرح تنقيح الفصول ص 361، فواتح الرحموت 2/ 144.
7 في ع ض: والقول.
(2/399)
 
 
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَنُسِبَ إلَى الأَكْثَرِ -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ1.
الرَّابِعُ: مَا أَوْجَبَ حَدًّا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَغَيْرُهُ صَغِيرَةٌ، وَهُوَ لِجَمَاعَةٍ2.
الْخَامِسُ - وَهُوَ لِلْهَرَوِيِّ3 -: أَنَّ الْكَبِيرَةَ 4كُلُّ مَعْصِيَةٍ9 يَجِبُ فِي جِنْسِهَا حَدٌّ مِنْ قَتْلٍ وَ5غَيْرِهِ. وَتَرْكُ كُلِّ فَرِيضَةٍ6 مَأْمُورٍ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْكَذِبُ فِي الشَّهَادَةِ وَ7الرِّوَايَةِ وَفِي الْيَمِينِ.
__________
1 انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، غاية الوصول ص 100، إرشاد الفحول ص 52.
2 وهو تعريف البغوي وغيره.
"انظر: الزواجر 1/ 4، جمع الجوامع 2/ 152، شرح تنقيح الفصول ص 361، غاية الوصول ص 100".
3 إن الفقهاء والمحدثين الذين ينتسبون إلى هراة كثيرون، منهم القاضي أبو عاصم محمد بن أحمد العبادي، الهروي، صاحب "أدب القضاء" المتوفى سنة 458 هـ، ومنهم أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي صاحب "كتاب الغريبين"، وإذا أطلق "الهروي" في أبواب القضاء فالمقصود القاضي أبو سعيد محمد بن أحمد بن أبي يوسف الهروي تلميذ القاضي أبي عاصم، وهو قاضي همذان، شرح "أدب القضاء" للعبادي الهروي، وسماه "الإشراف على غوامض الحكومات"، وكان من الأئمة الفقهاء. توفي في حدود سنة 500هـ، وقيل: قتل شهيداً مع ابنه في جامع همذان سنة 498هـ. وهو المقصود هنا، لأن ابن حجر الهيتمي نص عليه فقال: "وهو تعريف الهروي في إشرافه". "الزواجر 1/ 2".
انظر ترجمة أبي سعيد الهروي في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 5/ 365، تهذيب الأسماء 2/ 236، طبقات الشافعية لابن هداية الله ص 187، طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 519.
وفي هامش ب: الحافظ الحنبلي.
4 ساقطة من ز ش.
5 في ب ع ض: أو.
6 في ض: كبيرة.
7 في ض: وفي.
(2/400)
 
 
الْقَوْلُ السَّادِسُ - وَهُوَ لإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ-: أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ جَرِيمَةٍ1 تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ2. وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ3.
وَمَجْمُوعَةُ مَا جَاءَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الأَحَادِيثِ مِنْ الْكَبَائِرِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ4: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالزِّنَا، وَأَفْحَشُهُ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ5، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ، وَالسِّحْرُ، 6وَأَكْلُ الرِّبَا10، وَأَكْلُ
__________
1 وفي رواية: جريرة، وهي بمعناها "انظر: الزواجر 1/ 4".
2 قال ابن حجر الهيتمي: "على أنك إذا تأملت كلام الإمام "الجويني" الأول ظهر لك أنه لم يجعل ذلك حدًّا للكبيرة، خلافاً لمن فهم منه ذلك، لأنه يشمل صغائر الخسّة، وليست كبائر، وإنما ضبطه به ما يبطل العدالة، لأن إمام الحرمين قال في آخر التعريف: "ورقة الديانة مبطلة للعدالة" "الزواجر 1/ 4".
3 وهو ما اختاره السبكي وغيره، وانظر تعريف الكبيرة في التعريفات للجرجاني ص 192، إرشاد الفحول ص 52، غاية الوصول ص 100، فواتح الرحموت 2/ 143-144، تيسير التحرير 3/ 45، مناهج العقول 2/ 297، كشف الأسرار 2/ 399 وما بعدها، العضد على ابن الحاجب 2/ 93، جمع الجوامع 2/ 152، الزواجر 1/ 4، تفسير الطبري 5/ 37 وما بعدها، الفروق للقرافي 1/ 121، تفسير مجاهد ص 153، قواعد الأحكام 1/ 26.
4 اختلف العلماء في عدد الكبائر، فقيل هي سبع، وقيل تسع، وقيل عشر، وقيل اثنتا عشرة، وقيل أربع عشرة، وقيل ست وثلاثون، وقيل سبعون، وقيل ثلاث. وأكد الذهبي أن عددها سبعون، وصنف كتاباً فيها "الكبائر"، ولكن الحافظ ابن حجر الهيتمي صنف كتاب "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وأوصلها إلى سبعمائة معصية. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع". وليس هناك دليل على حصرها في عدد معين. قال الطبري: "والذي نقول به في ذلك كل ما ثبت به الخبر".
"انظر: فواتح الرحموت 2/ 143، كشف الأسرار 2/ 399، العضد على ابن الحاجب 2/ 63، المحلي على جمع الجوامع 2/ 160 وما بعدها، الزواجر 1/ 9، موسوعة فقه إبراهيم النخعي 2/ 576، تفسير الطبري 5/ 42، إرشاد الفحول ص 52، قواعد الأحكام 1/ 24، الكبائر للذهبي ص 8".
5 في ز ش: الجارة. وفي ع: جاره.
6 ساقطة من ش.
(2/401)
 
 
مَالِ الْيَتِيمِ