القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: القواعد والفوائد الأصولية ومايتبعها من الأحكام الفرعية
المؤلف: ابن اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 803هـ)
عدد الأجزاء: 1
مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر يا كريم.
قال الشيخ الأمام العالم العلامة قدوة الأنام رحلة الطالبين الأعلام أبو الحسن علاء الدين علي بن عباس البعلي الحنبلي رحمه الله تعالى:.
الحمد لله الذي مهد قواعد الدين بكتابه المنزل وجعلنا من عباده المؤمنين بأتباع نبيه المرسل الذي اظهر به الحق بعد أن كان خفيا واختاره على كافة خلقه وكان به حفيا.
واشهد أن لا اله آلا الله وحده لا شريك له شهادة تبوى قائلها أعلى المقامات وتحله من دار كرامته أعلى الغرف في الجنات.
واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد السادات صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه أولى المناقب السنية والكرامات.
أما بعد:
فإن علم أصول الفقه لما كان في علم الشريعة كواسطة النظام متوسطا بين رتبتي الفروع وعلم الكلام وهو علم عظيم شأنه وقدره وعلا في العالم شرفه ومخبره. إذ ثمرته ما تضمنته الشريعة المطهرة من الأحكام وبه تحكم الأئمة الفضلاء مباحثهم غاية الإحكام؛
(1/15)
 
 
استخرت الله تعالى في تأليف كتاب أذكر فيه قواعد وفوائد أصولية وأردف كل قاعدة بمسائل تتعلق بها من الأحكام الفروعية.
والله تعالى اسأل النفع المتعدى به واللازم وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم الدائم فإنه مجيب دعوة المضطرين وهو خير موفق ومعين.
(1/16)
 
 
القاعدة 1.
الفقه له حدود:.
أحدها: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال.
خرج بـ "العلم بالإحكام" العلم بالذات كزيد وبالصفات كسواده وبالأفعال كقيامه وعبر الآمدي1 بقوله: هو العلم بجملة غالبة من الأحكام وهو تعبير حسن لكن شأن الحد الإيضاح والتحقيق.
وقول الآمدي: "العلم بجملة غالبة" فيه إجمال لأن غلبة هذه الجملة لا يعلم حدها "أي منتهاها" فلذلك قال بعض المتأخرين: "هو ظن جملة غالبة عرفا".
وخرج بـ "الشرعية" العقلية كالحسابيات ـ أي الهندسية ـ واللغوية كرفع الفاعل وكذلك نسبة الشيء إلى غيره إيجابا كقام زيد أو سلبا نحو لم يقم.
وفي ذلك نظر لأن ذلك ينتفي بالفرعية إذ الأحكام العقلية المذكورة لا تسمى فرعية.
وبـ الفرعية الأحكام الأصولية كأصول الدين وأصول الفقه.
وبـ أدلتها التفصيلية الأحكام الحاصلة عن أدلة إجمالية نحو ثبت الحكم بالمقتضى وامتنع بالنافي.
__________
1 هو الفقيه الأصولي المقريء المتكلم سيف الدين علية بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي الحنبلي ثم الشافعي "551 – 631" "انظر البداية والنهاية "13/140".
(1/17)
 
 
وبـ الاستدلال علم المقلد.
وعلى هذا الحد أسئلة ومؤاخذات كثيرة جدا ليس هذا موضع ذكرها وإنما نذكر ههنا سؤالا واحدا وجوابه لما يترتب عليه من المسائل الفقهية وتقرير السؤال أن غالب الفقه مظنون لكونه مبنيا على العمومات وأخبار الآحاد والأقيسة وغيرها من المظنونات فكيف يعبرون عنه بالعلم.
وأجيب عنه بأنه لما كان المظنون يجب العمل به كما في المقطوع رجع إلى العلم بجامع وجوب العمل.
إذ تقرر هذا فيتفرع على العمل بالظن فروع كثيرة ولم يطرد أصل أصحابنا في ذلك ففي بعض الأماكن قالوا: يعمل بالظن وفي بعضها قالوا: لابد من اليقين وطرد أبو العباس1 أصله وقال: يعمل بالظن في عامة أمور الشرع والله أعلم.
مسائل من ذلك.
منها: إذا أجزنا له التحري في الماء والثياب المشتبهة على مقالة ضعيفة أو في القبلة على الصحيح فانه يعمل بما غلب على ظنه.
ومنها: إذا غلب على ظن المصلى دخول الوقت فله العمل به إذا لم يكن له سبيل إلى العلم لغيم ونحوه وقال في المغنى2 والأولى تأخيرها احتياطا إلا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر في وقت الغيم فإنه
__________
1 هو تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني [661 -721هـ] انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب "2/387" والبداية والنهاية لابن كثير "14/135".
2 هو كتاب المغني في شرح مختصر الخرقي لأبي محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة وهو من أجل الكتب التي صنفت في الفقه الحنبلي طبع في خمسة عشر مجلدا سنة "1990" بتحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح محمد الحلو.
(1/18)
 
 
يستحب التبكير بها وقال ابن تميم1 ومن غلب على ظنه دخول الوقت استحب له التأخير حتى يتيقن وقال الآمدي يستحب له تعجيل المغرب إذا تيقن غروب الشمس أو غلب على ظنه وقال ابن حامد2 وغيره لا يجوز الاجتهاد في دخول وقت الصلاة وقد أومأ إليه أحمد3 فقال: لا يصلى حتى يستقين الزوال.
ومنها: الأسير إذا اشتبهت عليه الأشهر تحرى فصام على غالب ظنه ولم أقف على خلاف في ذلك لأصحابنا أنه لابد من اليقين كما ذكرنا في الصلاة.
ومنها: إذا شك في طهارة الماء أو نجاسته قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين ولا عبرة بغلبة الظن.
ومنها: إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو تيقن الحدث وشك في الطهارة قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين ولا فرق بين أن يغلب على ظنه أحدهما أو يتساوى الأمران عنده.
ومنها: المستجمر إذا أتى بالعدد المعتبر فانه يكتفي بغلبة الظن في زوال النجاسة ذكره في المذهب4 وجزم به جماعة من الأصحاب وفي النهاية5 لا بد من العلم.
__________
1 هو أبو عبد الله محمد بن تميم الحراني [ت حوالي 675هـ] انظر ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة "2/290" وهو صاحب المختصر المشهور في الفقه وصل فيه إلى باب الزكاة انظر المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن لابن بدران "319".
2 ابن حامد: هو أبو عبد الله الحسن بن حامد بن علي بن مروان البغدادي الوراق [ت 403هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى "2/169 – 171" وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي "5/17".
3 هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني [154 – 241هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة" تح محمد حامد الفقي القاهرة/1952" 1/4 – 20" وشذرات الذهب "القاهرة/ 1350هـ 3/185 – 189".
4 "المذهب الأحمد في مذهب أحمد" للفقيه الأصولي: محي الدين أبو محمد يوسف بن عبد الرحمن بن الجوزي [580 – 556هـ] وهو ابن أبي الفرج بن الجوزي.
5 لأبي المعالي أسعد بن المنجا [519 – 606هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/49".............==
==النهاية في شرح الهداية قال ابن رجب: وفيه فروع ومسائل كثيرة غير معروفة في المذهب والظاهر أنه كان ينقلها من كتب غير الأصحاب ويخرجها على ما يقتضيه المذهب عنده.
(1/19)
 
 
ومنها: الغسل من الجنابة أو الحيض أو غيرهما من الأغسال. فالمذهب أنه يكفي فيه الظن في الإسباغ وقال بعض أصحابنا يحرك المغتسل خاتمه ليتحقق وصول الماء.
ومنها: ما لو كان معه مال حلال وحرام وجهل قدر الحرام تصدق بما يراه حراما نقله فوزان1 وهذا النص يدل على انه يكفي الظن وقاله ابن الجوزي2.
ومنها: إذا خفيت عليه نجاسته غسل حتى يتيقن غسلها نص عليه الإمام أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم3 ومحمد بن أبى حرب4 وكذلك قال الخرقي5 وابن أبى موسى6 والقاضي7 والأصحاب.
ونقل عن أحمد رحمه الله تعالى رواية في المذي أنه يكفي فيه الظن
__________
1 كذا في الأصل: والصواب: فوران وهو أبو محمد عبد الله بن محمد بن المهاجر [ت: 256هـ] أحد الرواة عن الإمام أحمد بن حنبل.
2 هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله [511 – 597هـ] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي بيروت "1983" "21/365" والكامل لابن الأثير "12/71".
3 هو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن هانيء النيسابوري [218 – 275هـ] نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/108".
4 هو محمد بن النقيب بن أبي حرب الجرجرائي ممن روى عن الإمام أحمد وكان يكاتبه انظر طبقات الحنابلة "1/331".
5 هو أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد [ت 334هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/75 – 118" وشذرات الذهب "4/186".
6 هو أبو علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي القاضي [345 – 428هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182 - 186" وشذرات الذهب "5/138".
7 المقصود هو: القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء [386 – 458هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "2/193" وشذرات الذهب "5/252" وحيثما أطلق القاضي في هذا الكتاب فهو المقصود.
(1/20)
 
 
فيحتمل أن يخرج رواية في بقية النجاسات أنه يكفي فيها الظن وذكره أبو الخطاب1 في الانتصار2 في الجلالة ويحتمل أن يختص ذلك بالمذي خاصة لأنه من النجاسات المعفو عن يسيرها على رواية لكن لازم ذلك أنه يتعدى إلى كل نجاسة يعفى عن يسيرها وهو غير ملتزم.
ومنها: لو تيقن سبق الوجوب وشك في مقدار ما عليه أبرأ ذمته يقينا نص عليه الإمام أحمد.
وقد ذكر أبو المعالي3 لا يخرج عن العهدة إلا بيقين أو ظن وفي الغنية إن شك في ترك الصوم أو النية فليتحر أو ليقض ما ظن أنه تركه فقط وإن احتاط فقضى الجميع كان حسنا وكذا قال في الكفارة والنذر مخالف لقوله في الصوم.
ومنها: لو شك المصلي في عدد الركعات فعن أحمد رحمه الله تعالى في ذلك ثلاث روايات.
إحداهن: اختارها القاضي وأكثر أصحابنا منهم أبو بكر عبد العزيز الأخذ باليقين كالطهارة والطواف ذكره ابن شهاب4 وغيره وذكره صاحب المحرر5 مع أنه ذكر هو وغيره أنه يكفي الظن في وصول الماء إلى ما يجب
__________
1 هو أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني [432 – 510هـ] انظر ترجمته في طبقات الحنابلة "2/258" وذيل طبقات الحنابلة "1/116 – 127" شذرات الذهب "6/45 – 46".
2 تمامه: "الانتصار في المسائل الكبار" ويسمى "الخلاف الكبير" مصنف في الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني طبع منه المجلد الأول في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
3 هو القاضي وجيه الدين أبو المعالي أسعد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي المعري ثم الدمشقي [519 – 606هـ] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء "21/436 وشذرات الذهب "7/36".
4 هو أبو علي الحسن بن شهاب بن الحسن بن شهاب العكبري [335 – 420هـ] الأديب المقرئ المحدث والفقيه الحنبلي كان من أصحاب أبي عبد الله بن بطة العكبري انظر طبقات الحنابلة "2/186 – 187" شذرات الذهب "5/143".
5 هو كتاب "المحرر في الفقه" لأبي بركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية [ت 652هـ] طبع سنة "1950" بالقاهرة.
(1/21)
 
 
غسله فيكون المراد بالطهارة إذا شك هل تطهر أم لا فلا بد من اليقين.
والرواية الثانية: الأخذ بالظن.
والرواية الثالثة: يأخذ الإمام بالظن والمنفرد باليقين اختارها أبو محمد المقدسي1 وذكرها المذهب.
وإن سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما سواء غلب على ظنه صدقهما أو لا جزم به أبو محمد وذكره بعضهم نص أحمد ما لم يتيقن صواب نفسه على الروايات كلها.
وقال ابن عقيل2 إذا لم يرجع إليهما إذا قلنا يعمل بغلبة ظنه وإذا جوزنا له العمل بالظن الغالب فانه يجوز له تركه والعمل باليقين ذكره القاضي في الأحكام3 وغيره.
وان شك في ركن فالمذهب العمل باليقين وقال أبو الفرج4 التحري سائغ في الأقوال والأفعال ولا أثر لشك من مسلم نص عليه الإمام أحمد وفيه وجه بلى مع قصر الزمن.
ومنها: إذا شك المتوضىء في عدد الغسلات فالمذهب الأخذ باليقين وهو الأقل وفي النهاية بالأكثر.
ومنها: إذا شك في طلوع الفجر في رمضان فإنه يباح له الأكل حتى
__________
1 المقصود: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسي [541 – 620هـ] انظر شذرات الذهب "7/155" وسير أعلام النبلاء "22/165" وحيثما أطلق: أبو محمد المقدسي في هذا الكتاب فهو المقصود أو "أبو محمد.
2 هو أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن أحمد البغدادي الظفري [431 – 513هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/259" وسير أعلام النبلاء "19/443".
3 هو أحكام القرآن للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205".
4 المقصود هو: جمال الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب [ت 795 هـ] انظر شذرات الذهب "6/578 – 580" وحيثما ذكر في هذا الكتاب "أبو الفرج" أو "شيخنا" فهو المقصود والآراء التي يعزوها المصنف إليه مأخوذة من كتابه "القواعد الفقهية" والمطبوع بعنوان: "القواعد في الفقه الإسلامي" القاهرة "1933".
(1/22)
 
 
يستقين طلوعه نص عليه أحمد في رواية عبد الله1 ولا عبرة في ذلك بغلبة. الظن حتى يتيقن طلوعه نص عليه بالقرائن ونحوها ما لم يكن مستندا إلى خبر ثقة بالطلوع.
ومنها: الشك في غروب الشمس والمذهب يباح له الفطر بغلبة الظن.
وفي التلخيص2 يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم ولا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل ولم يتيقن لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الأول انتهى وهو ضعيف.
ومنها: إذا رأى منيا في ثوب لا ينام فيه غيره قال أبو المعالي والأزجي3 لا بطاهر فاغتسل له ويعمل في الإعارة باليقين وقيل بظنه.
ومنها: من أراد الصدقة بماله كله وكان وحده وعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة جاز له ذلك بل يستحب له جزم به في منتهى الغاية4 وغيرها وإن لم يعلم لم يجز له قال أبو الخطاب وغيره قاله أصحابنا.
قلت: وصرح كل من وقفت على كلامه بالعلم في الصورتين.
ومنها: إذا شك الطائف في عدد الطواف فالمنصوص عن الإمام أحمد
__________
1 المقصود هم: أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل [213 – 290هـ] ابن الإمام أحمد وممن أكثر عنه الرواية لا سيما المسند انظر طبقات الحنابلة "1/180" الشذرات "3/377".
2 العنوان بأكمله:" تخليص المطلب في تلخيص المذهب" وهو من تصنيف فخر الدين بن تيمية الخطيب.
3 هو يحيى بن يحيى الأزجي [ت بعد سنة 600هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/120" صاحب كتاب "نهاية المطلب في علم المذهب" وهو كتاب كبير جدا وعبارته جزلة حذا فيه حذو نهاية المطلب لإمام الحرمين الجويني الشافعي وأكثر استمداده من كلام ابن عقيل في الفصول ومن المجرد لأبي يعلى.
4 العنوان بأكمله: "منتهى الغاية في شرح الهداية" لأبي بركات مجد الدين عبد السلام بن تيمية وهو شرح لكتاب الهداية في الفقه لأبي الخطاب محفوظ الكلوذاني.
(1/23)
 
 
الأخذ باليقين وذكر أبو بكر عبد العزيز1 وغيره الأخذ بالظن وهو رواية عن أحمد رحمه الله تعالى وما قاله أبو بكر هنا من الأخذ بالظن مخالف له لما قاله في الشك في عدد الركعات وأنه يبنى على اليقين.
ومنها: إذا شك رامي حصاة الجمار في حصاة من أي الجمار تركها قال غير واحد من الأصحاب يبنى على اليقين.
ومنها: أن حصى الرمي لا بد أن يحصل في المرمى وهل يشترط علمه بحصوله في المرمى أو ظنه في المسألة قولان الأصح العلم.
ومنها: أن المذهب المنصوص عن أحمد الذي نقله الجماعة أنه لا يصح بيع ما قصد به الحرام كالعصير لم يتخذه خمرا ونحوه قال غير واحد من الأصحاب إذا علم ذلك ولنا قول آخر أو ظنه.
قال أبو العباس مؤيدا لأصله معارضا لما قاله الأصحاب في هذه المسألة لأنهم قالوا: يعنى الأصحاب لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية كبيع الخمر ونحوه لم يجز له أن يؤجره تلك الدار ولم تصح والإجارة والبيع سواء والله أعلم.
ومنها: أن التوكيل في الخصومة جائز وهو المنصوص عن الإمام أحمد وقاله الأصحاب ويروى عن على نقله حرب2.
لكن قال ابن عقيل في فنونه3 لا يصح التوكيل ممن علم ظلم موكله في
__________
1 هو أبو بكر عبد عزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد بن معروف المعروف بـ غلام الخلال [ت 363هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/119" وشذرات الذهب "4/335".
2 هو أبو محمد حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني [ت 180هـ] وهو ممن أكثر الرواية عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/145".
3 كتاب الفنون لأبي الوفاء بن عقيل وهو كتاب متعدد الأغراض جمع فيه الفقه وأصول الفقه وأصول الدين والتفسير وغيره. قال عنه الذهبي: لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب طبع منه جزءان بتحقيق جورج مقدسي بيروت "1969".
(1/24)
 
 
الخصومة وقال القاضى قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء: 105] يدل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غير عالم بحقيقة أمره وكذا في المغنى في الصلح عن المنكر يشترط أن يعلم صدق المدعى فلا يحل دعوى ما لا يعلم ثبوته.
ومنها: المكره الذي لا يترتب على أقواله وأفعاله شيء هل يشترط فيه أن يمسه بشيء من العذاب أم يكفي في كونه مكرها التهديد بالضرب والحبس وأخذ مال يضره من قادر يغلب على ظنه وقوع ما هدده به؟
في المسألة روايتان الأصح غلبة الظن وقال أبو العباس ولو ظن أنه يضره بلا تهديد في نفسه أو ماله أو أهله فإنه يكون مكرها.
ومنها: لو أريدت نفس إنسان أو ماله أو حرمته دفع عن تلك بأسهل ما يعلم أنه يندفع به قاله أبو محمد المقدسي والسامري1 وغيرهما وقال في الترغيب2 والمحرر يدفع بأسهل ما يظن أنه يندفع به واختار أبو محمد المقدسي وغيره أن له دفعه بالأسهل إن خاف أن يبدره3.
ومنها: لو أدخل إلى جوفه شيئا وقلنا يفطر به فيعتبر العلم بالواصل إلى جوفه وجزم أبو البركات في منتهى الغاية بأنه يكفي الظن.
ومنها: لو رمى صيدا قال غير واحد وتحقق الإصابة وقال بعضهم وعلم الإصابة وكلاهما بمعنى فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به لغير السهم فهل يحل أم لا؟
في المسألة ثلاث روايات ثالثها إن غاب نهارا حل وإن غاب ليلا لم يحل وإن وجد فيه غير أثر سهمه مما يحتمل أنه أعان على قتله حرم قاله غير
__________
1 هو نصر الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الفرضي القاضي ويعرف بـ ابن سنينة [535 – 616هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/121" شذرات الذهبب "7/126" ومن تصانيفه المستوعب في الفقه وكتاب الفروق.
2 العنوان بأكمله: "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" لفخر الدين بن تيمية الخطيب صنفه على منهج الوسيط في الفقه الشافعي لأبي حامد الغزالي.
3 "إن خاف أن يبدره" أي أن يعاجله لسان العرب "1/228".
(1/25)
 
 
واحد من الأصحاب وعزى إلى نص أحمد.
ولم يقولوا ووجد فيه أثرا يغلب على الظن أنه أعان على قتله كما قالوا في السهم المسموم قال بعض المتأخرين من أصحابنا ويتوجه التسوية بين السهم والأثر لعدم الفرق وأن المراد بالظن في السهم المسموم الاحتمال.
ومنها: لو قال له على ألف في علمي أو في ظني لزمه في الأول لا الثاني والله أعلم.
ومنها: الصائم إذا غلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل حرم عليه التقبيل ذكره الأصحاب محل وفاق.
ومنها: لو غاب عن مطلقته المحرمة عليه حتى تنكح زوجا غيره ثم أتته فذكرت أنها نكحت من أصابها وانقضت عدتها منه وكان ذلك ممكنا فله نكاحها إذا غلب على ظنه صدقها قاله الأصحاب وفي الترغيب وقيل لا يقبل قولها إلا أن تكون معروفة بالثقة والديانة ولو كذبها الزوج الثاني في الوطء فالقول قوله في تنصيف المهر والقول قولها في إباحتها للأول لأن قولها في الوطء مقبول ولو ادعت نكاح حاضر وأصابته وأنكرها أصل النكاح والإصابة حلت للأول في الأصح وهذان الفرعان مشكلان جدا.
ومنها: إذا شك في عدد الطلاق أو عدد الرضعات بني على اليقين.
ومنها: ما نقل عن الإمام أحمد رضي الله عنه فيمن تعرض عليه آنية مشتبهة فقال إن علم أنه حرام بعينه فلا يأكل منها.
ومنها: الشهادة هل تجوز بغلبة الظن أم لا بد من اليقين.
قال القاضي أبو يعلى ما أمكن تحمله مطلقا لا يجوز بغلبة الظن وما لا يمكن جاز بغلبة الظن وهو الاستفاضة ومنع في شهادة الأعمى أن الشهادة طريقها غلبة الظن قال بل القطع واليقين وكذلك قال الشيخ أبو محمد في شهادة الأخرس وقال الشيخ أبو محمد في شهادة الملكية يجوز بغلبة الظن لأن الظن يسمى علما قال الله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ولا سبيل إلى العلم اليقيني فجاز بالظن فيؤخذ من هذا أن شهادة
(1/26)
 
 
الاستفاضة تجوز بغلبة الظن وفي غيرها قولان أخذا من قول الشيخ أبى محمد إن الظن يسمى علما. يؤيده أن لنا قولا في جواز الشهادة في غير الاستفاضة بغلبة الظن أن الشاهد إذا رأى خطه متيقنا له ولم يذكر الشهادة هل له أن يشهد أم لا في المسألة ثلاث روايات ثالثها يشهد إن كان في حفظه وحرزه وكذلك الخلاف في الحاكم.
ومنها: إذا وجد سماعه بخط يثق به وغلب على ظنه أنه سمعه جاز له أن يرويه قاله أكثر أصحابنا وغيرهم قال الإمام أحمد في رواية الحسين بن حسان1 في الرجل يكون له السماع مع الرجل فلا بأس أن يأخذ به بعد سنين إذا عرف الخط وقيل له فإذا عرف كتابة من يثق به فقال كل ذلك أرجو فإن الزيادة في الحديث لا تكاد تخفى لأن الأخبار مبنية على حسن الظن وغلبته.
ومنها: هل للوصي أن يوصى إذا لم يجعل إليه ذلك أم لا؟
في المسألة روايتان أشهرهما عدم الجواز قال الحارثي2 ولو غلب على الظن أن القاضي يستند إلى من ليس أهلا أو أنه ظالم اتجه جواز الإيصاء قولا واحدا بل يجب لما فيه من حفظ الأمانة وصون المال عن التلف والضياع.
ومن المسائل التي يعمل فيها بغلبة الظن الحكم بالقرائن كاللقطة3 والركاز4 والبيع بالمعاطاة5 والوقف بالفعل الدال عليه ودفع الثوب إلى القصار والخياط والدخول إلى الحمام من غير تقدير أجرة ولهم عادة بأجرة معينة وغير ذلك من الأفعال الدالة على الأقوال وهي كثيرة جدا.
__________
1 لعله الحسين بن إسحاق التستري انظر طبقات الحنابلة "1/142".
2 هو شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري قاضي القضاة [671 – 732هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/420" شذرات الذهب "8/177".
3 اللقطة: هو المال الضائع من صاحبه يلتقطه غيره المغني "6/328".
4 الركاز: هو ما عثر عليه مدفونا في الأرض انظر المغني "2/612 – 614".
5 البيع بالمعاطاة: أن يقول الرجل لآخر: أعطني بهذا الدينار ختزا" فيعطيه ما يرضيه أو "خذ هذا الثوب بدينار" فيأخذه وهو بيع صحيح المغني "4/453".
(1/27)
 
 
ومن الحكم بالقرائن دفع ما يصلح للزوج أو للزوجة إذا تنازعا فيه ودفع ما يصلح لكل صانع.
وفي بعض هذه الصور خلاف ضعيف. ومسائل كثيرة من هذا النمط في الدعاوى.
ومن المسائل التي يعمل فيها بغلبة الظن أيضا الحكم بالشاهدين أو بالشاهد واليمين أو الأربعة والحكم بالشاهد حيث قلنا به وبالمرأة الواحدة حيث قلنا بها والعمل بخبر الواحد حيث قلنا به والمجتهد والحاكم إذا حدثت له واقعة فإنه يجب عليه العمل بما يغلب على ظنه.
ومنها: المستحاضة إذا قلنا بالمذهب المشهور أنها تجلس ستا أو سبعا فالمذهب أنها تفعل ذلك بما تغلب على ظنها لا بالتشهى.
ومنها: إذا أعتق عبدا وغلب على ظنه أنه يزنى أو يلحق بدار الحرب فإنه يحرم عليه إعتاقه ويصح ذكره صاحب المغنى.
ومنها: ما قاله صاحب التلخيص والرعاية1 يجوز للرجل دخول الحمام مع ظن السلامة ولكن قال أحمد لرجل أراد دخول الحمام إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخله.
ومنها: أن فرض الكفاية واجب على الجميع على المشهور ويسقط بفعل البعض فان غلب على ظن جماعة أن غيرهم يقوم بذلك سقط عنهم ذكره القاضي وغيره.
ومنها: أن النوم المستثقل ينقض الوضوء لأنه مظنة خروج الحدث. وان كان الأصل عدم خروجه وبقاء الطهارة هذا المذهب المشهور وحكى ابن أبى موسى في شرح الخرقى2 وجها أن النوم نفسه حدث لكن يعفى عن
__________
1 هو عنوان لكتابين في الفقه صنفهما القاضي نجم الدين أبو عبد الله بن أحمد بن حمدان بن شيب بن محمود بن شيب بن غياث بن سابق النميري الحراني المعروف بـ "ابن أبي الثناء" [603 – 695هـ] وهما الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى قال ابن رجب وفيهما نقول كثيرة جدا لكنها غير محررة انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/329".
2 للقاضي أبي علي محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي وهو شرح لـ مختصر الخرقي........................................==
== الذي صنفه أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقي [ت 334هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182" والكتاب طبع سنة "1964" وقد حظي بانتشار واسع وعناية خاصة من الفقهاء إذ خصصت له عدة شروح كان أوسعها المغني لابن قدامة.
(1/28)
 
 
يسيره كالدم ونحوه.
واختار أبو العباس أن النائم لا ينتقض وضوؤه إذا غلب على ظنه أنه لم يحدث.
ومنها: لو استأجر أرضا للزراعة وكان يعلم بوجود الماء وقت الحاجة إليه صح وان غلب على الظن وجوده بالأمطار أو زيادة الأنهار جزم في المغنى وغيره بالصحة وفي التلخيص وجهان.
ومنها: أن المصلى إذا غلب على ظنه وجود الماء إما في رحلة أو رأى ركبا أو موضعا قريبا عليه طير وجب الطلب رواية واحدة ولو قطع أن لا ماء فلا طلب رواية واحدة ولو ظن عدمه وقلنا بوجوب الطلب فأشهر الروايتين يجب وذكر في التبصرة1 رواية لا يجب وهي أظهر فان تيمم ثم رأى ركبا يظن أن معه ماء أو ما يدل على الماء وقلنا بوجوب الطلب بطل تيممه ذكره أبو محمد وأبدى احتمالا آخر لا يبطل تيممه وعبر أبو البركات2 في شرحه3 إذا رأى ركبا يعلم أنه لا يخلو عن ماء لزمه الطلب فإن حصل له وإلا استأنف التيمم.
ومنها: ما ذكره أبو الخطاب في التمهيد4 في مسألة التعبد بالقياس
__________
1 مصنف في الفقه الحنبلي وصاحبه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن علي ابن تيمية الحراني [490 – 652هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/221".
2 هو مجد الدين أبو بركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضري بن محمد بن علي ابن تيمية الحراني [590"652هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/349" وشذرات الذهب "7/443" ومن تصانيفه المنتقى من أحاديث الأحكام والمحرر في الفقه ومنتهى الغاية في شرح الهداية والمسودة في أصول الفقه.
3 المقصود هو منتهى الغاية في شرح الهداية لأبي البركات بن تيمية.
4 هو التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب محفوظ الكلوذاني طبع في جامعة أم القرى في أربعة أجزاء "1985" تحقيق: محمد بن علي بن إبراهيم.
(1/29)
 
 
أن من أخبره بلصوص في طريقه وظن صدق المخبر لزمه ترك المسير.
ومنها: إذا قلنا على رواية اختارها أبو الخطاب وغيره يمنع العمل بالعام قبل البحث عن المخصص فهل يشترط حصول اعتقاد جازم بأنه لا مخصص أو يكفي غلبة الظن بعدمه فيه خلاف اختار القاضي أبو بكر1 الأول وابن سريج2 وإمام الحرمين3 والغزالي4 الثاني.
ومنها: ما ذكره شيخنا تقي الدين ابن تيمية في تعليقه5 على المحرر أنه يتعين تقييد إباحة النظر إلى المخطوبة بمن إذا خطبها غلب على ظنه إجابته ومتى غلب على ظنه عدم الإجابة لم يجز.
ومنها: للإمام عزل القاضي إذا رابه أمره ويكفي غلبة الظن ذكره في الترغيب.
__________
1 هو الفقيه الأصولي المتكلم الأشعري القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم ابن الباقلاني البصري ثم البغدادي [338 – 403هـ] ومن تصانيفه "الإنصاف التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والخوارج والمعتزلة" و"نمهيد الدلائل" و"إعجاز القرآن".
2 هو الفقيه الشافعي القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريح البغدادي الشافعي [249 – 306هـ] من كتبه: "الأقسام والخصال" والودائع لمنصوص الشرائع".
3 هو إمام الحرمين ضياء الدين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني الشافعي الأشعري [419 – 478هـ] ومن تصانيفه "الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الإعتقاد" و"الورقات" و"البرهان" في أصول الفقه و" الشامل في أصول الدين" و"نهاية المطلب في دراية المذهب" في فروع الشافعية و"غنية المسترشدين" في الخلاف.
4 هو حجة الإسلام زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الغزالي الشافعي [450 – 505هـ] صاحب التصانيف التي لا تحصى ومن بينها: في الفقه الشافعي "البسيط" و"الوسيط" و"الوجيز" و"منهاج العابدين" و"الخلاصة" وفي أصول الفقه "المستصفى من علم الأصول" و"المنخول من علم الأصول و"اللباب" و"شفاء العليل".
5 كذا ولعل الصواب "تعليقته" وتعليقة الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد الحليم بن تيمية على "المحرر" في الفقه لجده أبي البركات بن تيمية ذكره ابن رجب في قائمة مصنفات ابن تيمية في الترجمة المخصصة له في ذيل طبقات الحنابلة.
(1/30)
 
 
ومنها: إنكار المنكر لا يسقط بظنه أنه لا يفيد هذا هو الصحيح من الروايتين وجزم به القاضي في الجامع الكبير1 والرواية الأخرى يسقط كإياسه على الصحيح من الروايتين.
ومنها: لو خاف المصلي هدم سور أو طم خندق إن صلى آمنا فله أن يصلى صلاة خائف ما لم يعلم خلافه ذكره القاضي وقال ابن عقيل يصلى آمنا ما لم يظن ذلك.
ومنها: ما ذكره ابن عقيل وغيره أنه لا يجوز الإقدام على فعل لا يعلم جوازه وذكر بعض المالكية عدم الجواز إجماعا ويتوجه يجوز له الإقدام إذا ظن جوازه.
ومنها: أنه لا يتابع الإمام في تكبير الجنازة إذا زاد على أربع إذا علم أو ظن بدعته ورفضه لإظهار شعارهم ذكره أبو الوفاء ابن عقيل محل وفاق.
ومنها: إذا علم المزكى أن المدفوع له أهلا للزكاة وقال ابن تميم إذا ظن كره إعلامه بها نص عليه أحمد وقال بعض أصحابنا لا يستحب نص عليه ولنا قول باستحبابه وفي الروضة2 لا بد من إعلامه وقال ابن تميم وعن أحمد نحوه وان علمه أهلا لها ولكن من عادته أنه لا يأخذ زكاة فأعطاه ولم يعلمه لم يجزه في قياس المذهب لأنه لم يقبل زكاة ظاهرا ولهذا لو دفع المغصوب إلى مالكه ولم يعلمه أنه دفعه لم يبرأ ذكره أبو البركات وحكى ابن تميم هذا القول ولم يحك غيره وقال فيه بعد.
ومنها: إذا تبع الجنازة منكر فهل يتبعها وينكره بحبسه أو يحرم عليه أن يتبعها في المسألة روايتان وصحح جماعة الثاني وأبو العباس صحح الاول.
__________
1 الجامع الكبير: مصنف في الفقه الحنبلي للقاضي أبي يعلى بن الفراء وله أيضا "الجامع الصغير" انظر طبقات الحنابلة "2/205 – 206".
2 الروضة: هو كتاب "روضة الناظر وجنة المناظر" لموفق الدين بن قدامة طبع في القاهرة سنة 1397هـ ثم طبع عدة مرات وحظي بعدة شروح كما اختصره نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي الطوفي وطبع هذا المختصر في الرياض "1963".
(1/31)
 
 
قال صاحب المحرر ولو ظن أنه إن تبعها أزيل المنكر لزمه إتباعها على الروايتين ويعايى بها.
ومنها: من دفن في مقبرة مسبلة1 ثم أريد حفر قبره ليدفن معه غيره قال الآمدي ظاهر المذهب أنه لا يجوز وقال القاضي وغيره لا بأس به إذا كان الميت قد بلى ومراده إذا غلب على ظنه ولهذا ذكر غير واحد يعمل بقول أهل الخبرة وبعضهم عبر إذا علم أن الميت قد بلى ومراده الظن والله أعلم.
ومنها: أن الميت غير الشهيد يجوز نقله إلى مكان آخر لغرض صحيح هذا المذهب عندنا قال صاحب المحرر محل هذا إذا لم يظن تغيره.
ومنها: ما ذكره صاحب المحرر محل وفاق أن المرأة يحرم عليها زيارة القبور إذا علمت أنه يقع منها محرم لكن قال تأثم بظن وقوع النوح ولا فرق بين النوح وغيره من المحرمات فإما أن يعمل بالظن مطلقا أو بالعلم مطلقا فالتفرقة لا وجه لها مع أنه هو وغيره لم يحرم دخول الحمام إلا مع العلم بالمحرم.
__________
1 مسبلة: ما كان وقفا في سبيل الله.
(1/32)
 
 
القاعدة 2
شرط التكليف العقل وفهم الخطاب.
ذكره الآمدي اتفاق العقلاء فلا تكليف على صبي ولا مجنون لا عقل له وقال أبو البركات في المسودة1 واختار قوم تكليفهما.
قلت: من اختار تكليفهما إن أراد أنه يترتب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع2 فلا نزاع في ترتبه وان أراد خطاب التكليف3 فإنه لا يلزمهما بلا نزاع وان اختلف في مسائل هل هي من خطاب الوضع أم من خطاب التكليف أو بعض مسائل من مسائل التكليف وقد حكى حنبل4 عن أحمد رواية في المجنون أنه يقضي الصلاة والصوم وعنه إن أفاق بعد الشهر لم يقض الصوم وان أفاق فيه قضى والمذهب الصحيح خلاف ذلك.
والظاهر والله أعلم أن من قال بتكليفهما إنما قاله بناء على التكليف
__________
1 المسودة: هي "المسودة في أصول الفقه" من تأليف أبي البركات عبد السلام بن تيمية زاد فيها ولده شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ثم حفيده أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية طبعت بتحقيق محي الدين عبد الحميد "القاهرة: 1964".
2 خطاب الوضع: هو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء أو شرطا له أو مانعا منه أو صحيحا أو فاسدا أو عزيمة أو رخصة.
3 خطاب التكليف: هو ما اقتضى طلب فعل من المكلف أو كفه عن فعل أو تخييره بين الفعل والكف عنه.
4 هو حنبل بن إسحاق بن حنبل ابن أخي الإمام أحمد روى عنه الكثير ونقل عنه المسند انظر طبقات الحنابلة "1/224".
(1/33)
 
 
بالمحال على ما سيأتي في تكليف الغافل إن شاء الله تعالى.
وأما الصبي المميز فالجمهور على أنه ليس بمكلف وحكي عن أحمد رواية بتكليفه لفهمه الخطاب ذكرها في الروضة وعنه يكلف المراهق واختار ذلك ابن عقيل في مناظراته1.
واختلف أصحابنا في سن التمييز فالأكثر على أنه سبع سنين لتخييره بين أبويه وقيل ست اختاره في الرعاية وفي كلام بعضهم ما يقتضي أنه عشر.
وقال في المطلع2 المميز الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الإفهام والصحيح في المذهب عدم تكليفه وما ثبت من أحكام تكليفه فبدليل خارجي.
إذا تقرر هذا فلنتكلم على مسائل تتعلق بالتمييز.
ومنها: إذا خلت المميزة بماء يسير في طهارتها وقلنا لا يجوز للرجل التطهر بما خلت به المرأة فهل يجوز للرجل التطهر بما خلت به المميزة حكي في الرعاية في المسألة احتمالين.
ومنها: إذا جامع أو جومع وكان مثله يطأ أو يوطأ لزمه الغسل على المنصوص وفيه وجه يستحب اختاره القاضي.
ومنها: وجوب الصلاة عليه.
ظاهر المذهب أنها لا تجب عليه وعنه3 تجب عليه وعنه تجب على
__________
1 لعله المجالس "النظريات في الفقه" لأبي الوفاء علي بن عقيل.
2 العنوان بأكمله: "المطلع على أبواب المقنع" من تأليف زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن محمود بن عبيدان البعلي [675 – 734هـ] وهو كتاب في الفقه الحنبلي رتبه على أبواب "المقنع" لموفق الدين بن قدامة توجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الجامع الأزهر. وللمؤلف نفسه كتاب "زوائد الكافي" و"المحرر على المقنع" طبع بعناية: محمد زهير الشاويش "منشورات المكتب الإسلامي: بدون تاريخ" وهو كتاب جمع فيه صاحبه زيادات "الكافي" لابن قدامة و"المحرر" لأبي البركات بن تيمية على "المقنع" انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/423".
3 أي عن الإمام أحمد بن حنبل.
(1/34)
 
 
من بلغ عشرا اختارها القاضي أبو بكر1 وظاهر كلامه في الجارية إذا بلغت تسعا يجب عليها وعنه يجب على المراهق اختارها أبو الحسن التميمي2 قال أبو المعالي ونقل عن أحمد في ابن أربع عشر سنة إذا ترك الصلاة قتل.
وإذا أوجبنا الصلاة عليه فهل الوجوب مختص بما عدا الجمعة أو يعم الجمعة وغيرها في المسألة وجهان لأصحابنا أصحهما لا تلزمه الجمعة وان قلنا بتكليفه بالصلاة قال صاحب المحرر هو كالإجماع للخبر وإذا قلنا بعدم الوجوب عليه فإنه يجب على وليه تعليمه الصلاة والطهارة وشروطها نص عليه أحمد خلافا لابن عقيل في مناظراته.
ومنها: أذانه أنه للبلغ هل يجزئ؟
في المسألة روايتان الرواية التي نصرها القاضي الصحة وعدم الصحة علله طائفة من الأصحاب بأن الأذان فرض كفاية وفعل الصبي نفل وعلله صاحب المغنى والمحرر بأنه لا يقبل خبره وذكره جماعة في أصول الفقه.
وقال أبو العباس ويتخرج في أذانه روايتان كشهادته وولايته.
أما صحة أذانه في الجملة وكونه جائزا إذا أذن غيره فلا خلاف في جوازه قال ومن الأصحاب من أطلق الخلاف لأن أحمد قال في رواية حنبل لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم إذا كان قد راهق وقال في رواية على ابن سعيد3 وقد سئل عن الغلام يؤذن قبل أن يحتلم فلم يعجبه قال والأشبه أن الأذان الذي يسقط الفرض عن أهل القرية ويعتمد في وقت الصلاة والصيام لا يجوز أن يباشره صبي قولا واحدا ولا يسقط الفرض ولا يعتمد في مواقيت العبادات وأما الأذان الذي يكون سنة مؤكدة في مثل المساجد التي
__________
1 المقصود هو القاضي أبو بكر الباقلاني وحيثما أطلقت هذه العبارة في هذا الكتاب فهو المقصود.
2 هو عبد العزيز بن الحارث بن أسد التميمي [317 – 371هـ] صحب أبا القاسم الخرقي وغلام الخلال وصنف في الأصول والفروع والفرائض انظر طبقات الحنابلة "2/139".
3 هو أبو الحسن علي بن سعيد بن جرير النسوي ممن روى عن الإمام أحمد انظر طبقات الحنابلة "1/224".
(1/35)
 
 
في المصر ونحو ذلك فهذا فيه روايتان والصحيح جوازه.
ومنها: عورة الحرة المراهقة قال بعض أصحابنا المميزة كالأمة؟
نقل أبو طالب1 في شعر وساق وساعد لا يجب ستره حتى تحيض وقال أبو المعالي هي بعد التسع والصبي بعد العشر كالبالغ ثم ذكر عن أصحابنا إلا في كشف الرأس وقبلهما وبعد السبع الفرجان.
ومنها: وجوب الصوم عليه والمذهب لا يجب عليه حتى يبلغ. وعن أحمد رواية يجب عليه إن أطاقه اختارها أبو بكر2 وابن أبي موسى. وحد ابن أبي موسى طاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره لخبر مرسل وعنه يلزم من بلغ عشرا وأطاقه.
وإن قلنا بعدم الوجوب عليه فإنه يجب على وليه ضربه عليه ليعتاده ذكره جماعة قال صاحب المحرر وغيره لا يؤخذ به ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة.
ومنها: إحرامه بإذن وليه صحيح وبغير إذنه لا يصح اختاره الأكثر.
ولنا قول واختاره أبو البركات أنه يصح كصلاته وصومه.
فعلى هذا يحلله الولي منه إن رآه ضررا عليه في الأصح كالعبد.
تنبيه:
وإذا لم نوجب عليه العبادة فما فعله فإنه يثاب عليه وثوابه له. ذكره الشيخ أبو محمد3 في موضع والإمام أبو العباس وكذا قال ابن عقيل في فنونه في أوائل المجلد التاسع عشر.
__________
1 المقصود هو أبو طالب أحمد بن حميد المشكاني [ت 244هـ] كان متخصصا بصحية الإمام أحمد وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/39".
2 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي [ت275هـ] كان من أصحاب الإمام أحمد ومن المقدمين عنده روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/56" وشذرات الذهب "3/313".
3 المقصود هو الشيخ أبو محمد المقدسي.
(1/36)
 
 
وعندي انه يثاب على طاعات بدنه وما يخرج من العبادات المالية من ماله قال ابن هبيرة1 في الحج معنى قولهم يصح منه أي يكتب له قال وكذا أعمال البر كلها فهي له ولا تكتب عليه.
وعلله ابن عقيل في الجنائز بتقديم النساء على الصبيان بالتكليف ففضلهن بالثواب والصبي ليس من أهل الثواب والعقاب.
وطريقة بعض أصحابنا في مسألة تصرفه ثوابه لوالديه.
ولأحمد وغيره بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعا " أن حسنات الصبي لوالديه أو أحدهما" وذكره ابن الجوزي في الموضوعات.
ومنها: بيعه بإذن وليه للكثير صحيح على الصحيح وبغير إذن صحيح في الشيء اليسير وجزم به طائفة.
وقال القاضي في الجامع قال أبو بكر اختلف قوله2 في صحة بيعه فروى عنه صحة ذلك في اليسير وروى عنه لا يصح.
ويجب أن يكون موضع الروايتين في اليسير إذا لم يكن مأذونا له فأما إذا كان مأذونا له فيصح بيعه وشراؤه في اليسير والكثير وفي الكثير لا يصح على الصحيح.
وعن أحمد رواية يصح موقوفا على إجازة وليه.
وعنه يصح من غير إجازة ذكرها الفخر إسماعيل3.
__________
1 هو الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة [499 – 562هـ] من تصانيفه "الإفصاح عن معاني الصحاح" والعبادات الخمس.
انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/251 – 289" وشذرات الذهب "6/319 – 327" والبداية والنهاية "12/252".
2 اختلف قوله: الهاء تعود على الإمام أحمد بن حنبل.
3 هو إسماعيل بن علي بن حسين البغدادي المعروف أيضا بـ "ابن الوفاء" و"ابن الماشطة" كما اشتهر تعريفه بـ "غلام ابن المني" [549 – 610هـ] من مصنفاته "التعليقة" و"المفردات" و"جنة الناظر وجنة المناظر" انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/66" وشذرات الذهب "7/76".
(1/37)
 
 
وقال ابن عقيل الصحيح عن أحمد لا تصح عقوده وان شنحه1 وقال الصحيح عندي في عقوده كلها روايتان وفي الانتصار2 وعيون المسائل3 ذكر أبو بكر صحة بيعه ونكاحه.
ومنها: إذا أوجبنا على البالغ الكفارة في وطء الحائض فهل تجب على الصبي إذا وطىء في المسألة وجهان.
ومنها: إمامته بالبالغ هل تصح أم لا؟
في المسألة ثلاث روايات ثالثها تصح في النفل دون الفرض واختارها أكثر أصحابنا وظاهر المسألة لو قلنا تلزمه الصلاة وصرح به ابن البنا4 في العقود5 وبناؤهم المسألة على أن صلاته نافلة تقتضى صحة إمامته إن لزمته قاله صاحب النظم6 وهو ظاهر متجه.
وقال ابن عقيل يخرج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجه بناء على القول بوجوب الصلاة عليه.
وقال بعض أصحابنا تصح في التراويح إذا لم يكن غيره قارئا وجها
__________
1 شنحه كذا في الأصل ولعلها سمح له.
2 هو الإنتصار للشيخ أبي بكر للقاضي أبي يعلى بن الفراء ألفه لترجيح المسائل التي خالف فيها أبو بكر عبد العزيز المعروف بغلام الخلال أبا القاسم الخرقي وهي تتجاوز التسعين مسألة ذكرها ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة "2/120".
3 "عيون المسائل" للقاضي أبي يعلى بن الفراء انظر طبقات الحنابلة "2/205".
4 هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي [396 – 471هـ] مما صنفه "شرح مختصر الخرقي" "الكامل في الفقه" "الكافي المجدد في شرح المجرد" و"الخصال والأقسام" و"نزهة الطالب في تجريد المذاهب" انظر طبقات الحنابلة "2/243" وذيل طبقات الحنابلة "1/32" وشذرات الذهب "5/305".
5 العقود: كذا في ولا يوجد كتاب بهذا الاسم في قائمة مصنفات أبي علي بن البناء التي أوردها ابن رجب ذيل طبقات الحنابلة "1/46" ولعل المسألة وردت في باب العقود في أحد كتبه التي صنفها في الفقه والتي أوردناها أعلاه.
6 النظم: كذا في الأصل ولعل الصواب "النظام" وتمامه: "النظام بخصال الأقسام" للقاضي أبي الفتح عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن جلبة الحراني [ت 476هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/43".
(1/38)
 
 
واحدا وتصح إمامته بمثله قطع به غير واحد وفي المنتخب1 لا تصح.
ومنها: مصافته للبالغ فإن كان في النافلة صح لحديث أنس وذكر أبو الخطاب رواية لا تصح كإمامته.
وان كان في الفريضة فروى عن أحمد أنه توقف في هذه المسألة وقال ما أدري فذكر له حديث أنس2 فقال ذلك في التطوع.
واختلف أصحابنا في ذلك فقال بعضهم لا تصح كإمامته وعلله أبو حفص3 بأنه يخشى أن لا يكون متطهرا فيصير البالغ فذا.
وقال ابن عقيل تصح لأنه يصح أن يصاف الرجل في النفل فصح في الفرض كالمتنفل ولا يشترط لصحة مصافته صلاحية الإمامة بدليل الفاسق والعبد والمسافر في الجمعة وما قاله أصوب.
ومنها: جواز غسل صبي له سبع للمرأة هل يجوز أم لا؟
وفي المسألة روايتان والمنع قول أبى بكر وابن حامد وحكى بعضهم الجواز قول أبى بكر ويغسل صبيا دون سبع مجردا بغير سترة ويجوز لمس عورته والنظر إليها نص عليه الإمام أحمد وفيما زاد على السبع قبل البلوغ وجهان وحكى أبو الخطاب فيمن بلغ السبع ولم يبلغ روايتين قال ابن تميم
__________
1 تمامه: "المنتخب في الفقه" لشرف الإسلام أبو القاسم عبد الوهاب بن أبي الفرج عبد الواحد السيرازي ثم الدمشقي المعروف بـ "ابن الحنبلي" [ت 536هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/199".
2 حديث أنس حول صلاة غير البالغ بقرب البالغ.
إشارة إلى حديث أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فأكل منه ثم قال: "قوموا فلنصل بكم" قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما بسط فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت عليه أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى بنا ركعتين ثم انصرف. رواه الترمذي وقال: وقد روى عن موسى بن أنس عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقامه عن يمينه باب الصلاة رقم: "334" ومسند المصنف هنا ليس الرواية الأولى وإنما الثانية والتي رواها أحمد المسند رقم: "13997, 13003, 13693, 13729, 13609, 13493, 13530".
3 هو أبو حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل البرمكي [ت 387هـ] .
(1/39)
 
 
والصحيح أنها لا تغسله إذا بلغ عشرا وجها واحدا.
وأما الجارية إذا لم تبلغ سبعا فقال القاضي وأبو الخطاب يجوز للرجال غسلها وحكى ابن تميم وجها له غسل بنت خمس فقط وعنه لا يغسل الجارية رجل إلا أن يكون أبا يغسل ابنته الصغيرة.
وقال الخلال يكره للرجل الغريب أن يغسل ابنة ثلاث سنين وينظر إليها.
وقال الخلال1 أيضا القياس التسوية بينهما قياسا لكل واحد منهما على الآخر لولا أن التابعين فرقوا بينهما.
فعلى قولنا حكمها حكم الغلام لا يغسل الرجل من بلغت عشرا لما ذكرنا في الصبي ويحتمل أن يحد ذلك في الجارية بتسع وفيما قبل ذلك الوجهان واختار أبو محمد المنع.
ومنها: جواز كونه غاسلا للميت ويسقط به الفرض حكى طائفة من أصحابنا روايتين وطائفة وجهين والصحيح السقوط.
ولنا وجهان أيضا في سقوط فرض الصلاة بفعله وقدم أبو البركات السقوط لغسله وجزم أبو المعالى بالثانى.
ومنها: لو التقط لقطة وعرفها فظاهر كلامه في المغنى عدم الإجزاء قال الحارثي والأظهر خلافه لأنه يعقل التعريف فالمقصود حاصل.
ومنها: إذا وجدناه ضائعا لا كافل له هل يكون لقيطا أم لا؟
تردد صاحب التلخيص2 وقال ويحتمل أنه ليس بلقيط فإنه قريب
__________
1 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف "بالخلال" [ت 311هـ] من تصانيفه "الجامع لعلوم الإمام أحمد" "العلل" "السنة" "العلم" انظر طبقات الحنابلة "2/12 – 15" شذرات الذهب "40/55".
2 صاحب التلخيص هو فخر الدين أبو عبد الله محمد بن الخضر بن محمد بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني [542 – 622هـ] و"التلخيص" اختصار لعنوان مصنف كبير له في الفقه وهو: "تلخيص المطلب في تلخيص المذهب" ومن تصانيفه أيضا: "ترغيب القاصد في تقريب المقاصد" و"شرح الهداية لأبي الخطاب" انظر طبقات الحنابلة "2/151" وشذرات الذهب "7/179".
(1/40)
 
 
الشبه بالممتنع من الضوال في اللقطة فإن له نوع استقلال قال والمختار عند أصحابنا أنه يكون لقيطا لأنهم قالوا: إذا التقط رجل وامرأة معا من له أكثر من سبع سنين أقرع ولم يجبر بخلاف الأبوين.
ومنها: إذا قلنا للولد المنازع فيه أن ينتسب إلى من شاء من المدعين إذا بلغ فهل المميز كذلك أم لا المذهب أنه لا يقبل الانتساب وقاله غير واحد من الأصحاب وأبدى الحارثى احتمالا بالقبول.
ومنها: هبته هل تصح أم لا.
والمنصوص عن أحمد عدم الصحة أذن الولى أم لا؟ قال أبو داود1 سمعت أحمد سئل متى يجوز هبة الغلام قال ليس فيه اختلاف إذا احتلم أو يصير ابن خمس عشرة سنة وذكر بعض أصحابنا رواية في صحة إبرائه فالهبة مثله.
ومنها: هل هو أهل لقبض الهبة وقبولها أم لا؟
في المسألة روايتان أشهرهما ليس هو أهلا نص على ذلك في رواية ابن منصور2 وعليه معظم الأصحاب والثانية هو أهل قال المروذى3 قلت لأحمد نعطى يتيما من الزكاة قال نعم يدفعها إلى الغلام قلت: فإني أخاف أن يضيعه قال يدفع إلى من يقوم بأمره وهذا اختيار صاحب المغنى والحارثى وأبدى في المغنى احتمالا أن صحة. قبضه تقف على إذن الولى دون القبول لأن القبض يحصل به مستوليا على المال فلا يؤمن من تضييعه له فتعين حفظه
__________
1 هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشر بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني صاحب السنن [203 – 275هـ] انظر طبقات الحنابلة "1/159" شذرات الذهب "3/313" سير أعلام النبلاء "13/203".
2 هو أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج المروذي [ت 251هـ] روى عن الإمام أحمد ودون عنه المسائل الفقهية. انظر طبقات الحنابلة "1/113" شذرات الذهب "3/234".
3 هو أبو بكر أحمد بن الحجاج بن عبد العزيز المروذي [ت 275هـ] كان من أصحاب الإمام أحمد ومن المقدمين عنده روى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/56" شذرات الذهب "3/313".
(1/41)
 
 
عن ذلك توقفه على الإذن كقبض وديعته وأما القبول فيحصل به الملك من غير ضرر فجاز من غير إذن كاحتشاشه واصطياده.
ومنها: وصيته والمذهب المنصوص الذي نقله الجماعة صحتها ومن الأصحاب من حكى وجها أنها لا تصح حتى يبلغ.
وإذا قلنا بالمذهب فالأشهر عند أحمد التحديد بعشر سنين فصاعدا نص عليه في رواية طائفة من أصحابه حتى قيل عن أبى بكر لا يختلف المذهب أن من له عشر سنين تصح وصيته.
وفيما قاله رحمه الله نظر فإن الأثرم قال في كتبه قيل لأبى عبد الله1 الصغير يوصي ولم يحتلم قال إذا أصاب الحق وكان ابن ثنتي عشرة سنة فهو جائز قلت: ابن ثنتي عشرة سنة قال نعم قلت: على حديث عمرو بن سليم عن عمر قال نعم.
وفي مسائل حرب2 سألت أحمد بن حنبل هل تجوز وصية الغلام قال إذا أصاب الحق وأراه قال إذا كان ابن ثنتى عشرة سنة وفي كتاب الخلال3 قال حنبل قلت لأبى عبد الله فالصبي وصى بالوصية قال إذا بلغ ثنتى عشرة سنة أو نحوها جازت إذا وافق الحق قلت: مثل ماذا قال يوصى لوارث أو يحيف في الوصية رده الحاكم إلى الحق.
وذلك نص في التحديد بثنتى عشرة سنة وحكى القاضي في المجرد وغيره عن أبى بكر عبد العزيز أنه حكى عن أحمد رواية أنها تصح وصية من له فوق سبع سنين اعتبارا بإسلامه وبتخييره قال الحارثى وهذا لم أجده منصوصا عن أحمد وأظنه مخرجا من نصه في إسلام ابن ثمان.
__________
1 المقصود أحمد بن حنبل.
2 هي المسائل التي نقلها وجمعها حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي عن الإمام أحمد بن حنبل.
3 لعله يشير إلى كتاب "الجامع لعلوم الإمام أحمد" لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون المعروف "بالخلال".
(1/42)
 
 
ويؤيد ذلك أن ابن أبى موسى ذكر في الإرشاد1 أن وصية الغلام الزى لم يبلغ عشرا والجارية التي لم تبلغ تسعا باطلة قولا واحدا وابن أبى موسى خبير بالمذهب جدا وإذا قيل بالأشهر عن أحمد وأن ذلك محدود بعشر فظاهر إطلاق أبى الخطاب وأبى محمد المقدسي لا فرق بين الذكر والأنثى ولكن نص أحمد في رواية صالح2 على الصحة في الأنثى لتسع سنين وفي الذكر لعشر واختاره أبو بكر عبد العزيز وابن أبى موسى.
تنبيه:
كثيرا ما يقيدون الصحة في وصية الصبي بأصلية الحق مع أن ذلك معتبر في كل وصية وانما قيدوه لكون المخالفة تكثر فيه لعدم وصف التكليف فاحتيج إلى التأكيد ذكره الحارثى.
وقال أبو العباس قول أحمد وغيره من السلف في وصية الصبى إذا أصاب الحق يحتمل في بادى الرأي وجهين.
أحدهما أن اصابة الحق إذا أوصى بما يجوز للبالغ لكن هذا فيه نظر فإن هذا الشرط ثابت في حق كل موص فلا حاجة إلى تخصيص الصبي به.
والثاني: أنه إذا أوصى بما يشرع له ويستحب أن يوصى به مثل أن يوصى لأقاربه الذين لا يرثونه فعلى هذا لو أوصى لبعيد دون القريب المحتاج لم تنفذ وصيته بخلاف البالغ لأن الصبي لما كان قاصر النظر فلا بد أن ينضم نظر الشرع كما احتاج بيعه إلى إذن الولي وكذلك إحرامه بالحج على إحدى الروايتين.
__________
1 هو الإرشاد في الفقه الحنبلي للقاضي أبي علي بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي وممن شرحه أبو محمد رزق الله التميمي [ت 488هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/182".
2 المقصود هو: أبو الفضل صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل [203 – 266هـ] أكبر أولاد الإمام أحمد روى الكثير عن والده وحدث عن علي بن المديني وغيره كما تولى القضاء بطرسوس ثم بأصبهان حيث توفي انظر طبقات الحنابلة "1/324" شذرات الذهب "3/301".
(1/43)
 
 
ويدل عليه أن أصحابنا عللوا ذلك بأنه إن مات كان صرف ما أوصى به إلى جهة القرب وما يحصل له به الثواب أولى من صرفه إلى ورثته وهذا إنما يتم في الوصية المستحبة فأما إن كان المال قليلا والورثة فقراء فترك المال لهم أفضل وما أظنهم والله أعلم قصدوا إلا هذا انتهى.
ومنها: هل يجبر الأب الثيب والبكر المميزتين بعد التسع أم لا في المسألة روايتان.
ومنها: هل يصح أن يكون وصيا في المسألة وجهان قال القاضى قياس المذهب الصحة لأن أحمد نص على صحة وكالته وعلى جواز بيعه إذا كان مأذونا له وهذا قاله كثير من الأصحاب وعدم الصحة اختيار أبى محمد في المغنى واختاره صاحب المحرر أيضا.
ومنها: بنت تسع سنين حيث قلنا لا تجبر فلها إذن صحيح هذا هو المذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله في رواية عبد الله وابن منصور وأبى طالب وأبى الحارث1 وابن هانى2 والميمونى3 والاثرم4 وهو الذي ذكره أبو بكر وأبن أبى موسى وابن حامد والقاضي ولم يذكروا فيه خلافا وكذلك أكثر أصحاب القاضى وذكر أبو الخطاب وغيره رواية ليس فيها إذن صحيح ولم يذكرها في رءوس المسائل5 وهي مأخوذة مما روى الاثرم عن أحمد أن غير الأب لا يزوج الصغيرة حتى تبلغ فيستأمرها
__________
1 هو أبو الحارث أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحارث الصائغ صاحب الإمام أحمد وروى عنه كثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/74".
2 هو أبو إسحاق إبراهيم بن هانيء النيسابوري [ت265هـ] صاحب الإمام أحمد ونقل عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/97 – 98".
3 هو أبو الحسن عبد الملك بن عبد لحميد بن مهران الميموني الرقي [ت 274هـ] من كبار أصحاب الإمام أحمد وروى عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/212" شذرات الذهب "3/310".
4 هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانيء الطائي الأثرم [ت 273هـ] محدث حافظ جليل القدر نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا له كتاب في العلل وكتاب في السنن انظر طبقات الحنابلة "1/66 – 74".
5 "رؤوس المسائل" في الفقه لأبي الخطاب الكلوذاني ويعرف أيضا بـ "الخلاف الصغير".
(1/44)
 
 
وهذا لا يثبت فإن في سياق رواية الاثرم أن الأب يزوج الصغيرة بدون إذنها إذا كانت صغيرة حين زوجها لم تبلغ تسع سنين وهذا موافق لرواية حرب أن غاية الصغر تسع سنين.
وقوله حتى تبلغ حد الإذن وقد فسر الخلال كلام أحمد في بلوغ الصغيرة وإدراكه على بلوغ سن التمييز في كتاب الجنائز1 وغيرها.
وأما ابن تسع سنين فقال القاضى في الجامع الكبير ربما تجب صحة نكاح بنت تسع سنين ولا يلزم على هذا الغلام إذا بلغ هذا السن لأنه لا حاجة به إلى العقد لأنه لا شهوة له وفيه ضرر عليه من استحقاق المهر والنفقة.
وقال في كتاب الطلاق في الجامع أيضا وأما نكاح الصبى المميز فالمنصوص عن أحمد أنه يصح.
وقال في رواية المروذى في غلام زوجه عمه وهو صغير فقال قبلت ليس بشيء حتى يبلغ عشر سنين.
وقال في موضع آخر لا يجوز قبوله حتى يبلغ عشر سنين.
وقال أبو بكر يصح ويجب أن يكون هذا موقوفا على حصول الإذن من جهة الولى انتهى.
وظهر من هذا أنه يصح أن يتزوج بإذن وليه وأن ذلك مقدر بعشر سنين وقد تقدم أن طائفة من الأصحاب فرقت بين الغلام والجارية في الوصية وأنه يقدر سن الغلام بعشر والجارية بتسع فكذلك ههنا.
ومنها: هل يجبر الصبى المميز على النكاح قال أبو يعلى الصغير2 يحتمل أنه كالبنت وان سلمناه فلا مصلحة له وإذنه نطق لا يكفي صمته ولا ولاية عليه بعد بلوغه.
__________
1 أي القسم الذي يتناول المسائل المتعلقة بالجنائز في كتابه.
2 هو عماد الدين محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء حفيد القاضي أبي يعلى [494 – 560هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/244" وشذرات الذهب "6/316".
(1/45)
 
 
ومنها: إذا أعتق فقال طائفة من الأصحاب لا يصح بغير خلاف وأثبت غير واحد الخلاف فقال في المبهج1 والترغيب في عتق ابن عشر وابنة تسع روايتان وقدم في التبصرة صحة عتق المميز وفي عيون المسائل قال أحمد يصح عتقه.
قلت: ونقل أبو طالب وأبو الحارث ومحمد بن موسى بن مشيش صحة عتقه.
وإذا قلنا بصحة عتقه فضبطه طائفة بعقله العتق وقاله أحمد في رواية صالح وأبى الحارث وابن مشيش2.
وضبطه طائفة بعشر في الغلام وفي الجارية بتسع كما ذكرناه عن صاحب المبهج والترغيب وقال أحمد في رواية أبى طالب في الغلام الذي لم يحتلم يطلق امرأته إذ عقل الطلاق جاز طلاقه ما بين عشر سنين إلى ثنتى عشرة سنة وكذلك إذا اعتق جاز عتقه انتهى.
وممن اختار من الأصحاب صحة عتقه أبو بكر عبد العزيز ذكره في آخر كتاب المدبر من الخلاف3 قال وتدبير الغلام إذا كان له عشر سنين صحيح وكذلك عتقه وطلاقه.
ومنها: هل يكون وليا في النكاح أم لا فقال أبو بكر في كتاب المقنع4 اختلف قول أحمد في الصغير هل يكون وليا فالذي نقله ابن منصور في إحدى الروايتين عنه أنه لا يكون وليا حتى يبلغ وتجري عليه الحدود وظاهر كلامه تخريج المسألة على روايتين.
__________
1 "المبهج" في الفقه الحنبلي لأبي الفرج عبد الواحد الشيرازي ثم الدمشقي [ت 486هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "1/72".
2 هو محمد بن موسى بن مشيش البغدادي من أصحاب الإمام أحمد كان يستملي له ونقل عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/323".
3 لعله كتاب "الخلاف مع الشافعي" لأبي بكر عبد العزيز بن جعفر المعروف "بغلام الخلال".
4 "المقنع" مصنف ضخم في الفقه الحنبلي لأبي بكر عبد العزبز بن جعفر المعروف بغلام الخلال.
(1/46)
 
 
وحكى جماعة عن أحمد روايتين تصريحا والمذهب لا يكون وليا نص عليه في رواية ابن منصور والاثرم وعلى بن سعيد وحرب.
وإذا قلنا بأنه يكون وليا فمقدار سنه عشر سنين وعنه اثنتى عشرة سنة حكاهما في المستوعب1.
ومنها: أنه يجوز أن ينظر إلي ما فوق السرة وتحت الركبة إن لم يكن له شهوة وعنه هو كالمحرم.
وان كان له شهوة فهل هو كالمحرم أو كالأجنبي في المسألة روايتان إحداهما لا يقع حتى يبلغ نقل أبو طالب لا يجوز طلاقه حتى يحتلم والأصحاب على وقوع طلاقه وهو المنصوص عن الإمام أحمد في رواية الجماعة منهم صالح وعبد الله وابن منصور والحسن بن ثواب2 والاثرم وإسحاق ابن هانىء والفضل بن زياد3 وحرب والميمونى.
وإذا قلنا بوقوع طلاقه كما هو المذهب فقال القاضى في الجامع الكبير ظاهر كلام أحمد في رواية الجماعة أن ذلك موقوف على حصول العقل والتمييز من غير تحديد بسن ونقل أبو الحارث عنه من عشر سنين إلى ثنتى عشرة سنة وكذلك قال في رواية إسحاق بن هانىء.
وعندى أن هذا ليس على طريق التحديد من أحمد لأن العقل والتمييز قد يحصلان فيما دون ذلك ولهذا أجاز تخيير الولد بين أبويه لسبع سنين.
وعلى هذا الأصل إذا قلنا يصح إسلامه وردته إذا كان يعقل الإسلام والردة فإنه غير محدود وانما ذكر أحمد العشر لأن الغالب أن العقل والتمييز
__________
1 هو كتاب "المستوعب في الفقه" للقاضي نصر الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري المعروف بـ "ابن سنينة" [ت 616هـ] انظر ذيل طبقات الحنابلة "2/121".
2 هو أبو علي الحسن بن ثواب الثعلبي المخرمي [ت 268هـ] كان من الأصحاب المقربين إلى الإمام أحمد وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/131".
3 هو أبو العباس الفضل بن زياد القطان كان من أصحاب الإمام أحمد المتقدمين عنه وروى عنه مسائل كثيرة انظر طبقات الحنابلة "1/251 – 253".
(1/47)
 
 
لا يحصلان له فيما دون ذلك تحييرا انتهى.
وفي المستوعب رواية تحده بثنتى عشرة سنة وهذا الكلام فيما إذا باشر طلاق زوجته فأما إذا وكل في طلاق زوجته رجلا أو توكل لرجل بالغ في طلاق زوجته أو رد طلاقه إلى زوجته وهى بالغة فهل يصح ذلك أم لا؟
قال القاضي في الجامع الكبير ظاهر كلام أحمد أنه يصح فقال في رواية صالح في رجل قال لصبى طلق امرأتي فقال قد طلقتك ثلاثا لا يجوز عليها حتى يعقل الطلاق أرأيت لو كان لهذا الصبي امرأة فطلقها أكان يجوز طلاقه وهو لا يعقل فقيل له فان كان له زوجة وهى صبية فقالت له صير أمرى إلى فقال لها أمرك بيدك فقالت قد اخترت نفسي فقال ليس بشيء حتى يكون مثلها يعقل الطلاق. فقد شبه أحمد توكيل الغير له في زوجته بإيقاع طلاقه لنفسه واعتبر العقل في ذلك. وكذلك اعتبر العقل إذا رد الطلاق إلى زوجته وهى صغيرة وهذا يدل على أن التوكيل كالإيقاع.
واختار أبو بكر ورواه عن أحمد إذا وكل في طلاق امرأته لا يقع حتى تبلغ ولا يكون وليا حتى يبلغ المذهب على ما حكيا لان أبا بكر قال إذا طلق بنفسه صح طلاقه وكل من صح طلاقه صح أن يوكل ويتوكل فيه والتوكيل أوسع من الإيقاع وما روى عن أحمد محمول على قولنا بأنه لا يصح طلاقه.
وإذا قلنا بصحة طلاقه فهل يصح ظهاره وايلاؤه أم لا؟
الأكثر من أصحابنا على صحة ذلك وقال أبو محمد المقدسي والأقوى عندي أنه لا يصح من الصبي ظهار ولا ايلاء لأنه يمين مكفرة فلم تنعقد في حقه.
قلت: وحكى في المذهب في صحة انعقاد يمينه وجهين.
ومنها: إذا عقد لابن عشر سنين عقد نكاح وأتت امرأته بولد لستة أشهر فصاعدا فالمذهب يلحقه نسبه ولا يلحقه إذا كان سنه أقل من ذلك وقال القاضى يلحقه نسبه إذا أتت به لتسعة أعوام ونصف عام مدة الحمل.
وقيل لا يلحقه إلا إذا كان له اثنتا عشرة سنة.
(1/48)
 
 
واختار أبو بكر وابن عقيل لا يلحقه حتى يبلغ واختاره أبو الخطاب أيضا في تحريم الزانية وتحريم المصاهرة.
وعلى المذهب إذا قلنا يلحقه لا يصير بالغا ولا يتقرر مهر ولا يلزم عدة ولا رجعة إن شككنا في بلوغه.
ومنها: إذا بلغ الغلام سبع سنين وهو عاقل فعن أحمد أن أباه أحق به وعنه أمه والمذهب يخير بينهما.
وان بلغت الجارية سبعا فالمذهب أنها عند الأب وعن أحمد رواية أن الأم أحق بحضانتها حتى تحيض ذكرها ابن أبى موسى قال في الهدى1 هي الأشهر عن أحمد وأصح دليلا.
وقيل تخير وذكره في الهدى رواية عن أحمد وقال نص عليها.
ومنها: إذا قذف هل يجب الحد على قاذفه؟
في المسألة روايتان ذكرهما غير واحد أظهرهما يجب وقال أبو بكر عبد العزيز لا يختلف قول الإمام أحمد أنه يحد قاذفه إذا كان ابن عشر أو اثنتي عشرة سنة قال في الترغيب تفريعا على وجوب الحد لا يمكن مطالبته حتى يبلغ انتهى.
وضبطه طائفة من أصحابنا كصاحب الترغيب وغيره بإمكان الوطء فقط وضبطه السامرى وغيره في الغلام بعشر وفي الجارية بتسع.
وقريب من هذا إذا طلب الزوج زوجته وكانت ممن يوطأ مثلها ولزم التسليم إليه فما حد السن الذي يجب التسليم معه حده الإمام أحمد في رواية. عندى على طريقة أبى الحارث بتسع سنين وقال القاضى ليس هذا للتحديد وانما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها.
وتقدم قول أبى المعالى في أول القاعدة في ابن أربع عشرة سنة إذا ترك
__________
1 المقصود هو "زاد المعاد في هدى خير العباد" لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية وقد طبع عدة مرات وأجودها الطبعة التي صدرت بتحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط.
(1/49)
 
 
الصلاة أنه يعيد وهو محمول على البالغ بالسن أو الإنبات.
وأما إذا قذف أو قتل لم يقم عليه الحد ولم يجب عليه القصاص ولم أر خلافا في ذلك بين الأصحاب ولا عن الإمام أحمد ولا يتخرج وجوب ذلك على تكليفه لأن الحدود تدرأ بالشبهات والصغر شبهة وأكثر الناس على عدم تكليفه فيكون اختلافهم شبهة مانعه من وجوب القصاص والحد ولأن الحد والقصاص حق على البدن وبدن الصبى يضعف عن ذلك.
ومنها: إسلامه وردته فظاهر المذهب صحتهما وعن الإمام أحمد رواية لا يصحان وعنه يصح إسلامه دون ردته.
قال في المحرر ويحال بينه وبين الكفار على الروايات كلها وإذا صححنا ردته لا يقتل حتى يستتاب بعد بلوغه.
وضبطه طائفة من الأصحاب من يصح إسلامه وردته بعقله وطائفة حكت روايتين إحداهما سبع سنين والأخرى عشر سنين.
ومنها: لو تنازع شخصان صبيا مميزا في يديهما فقال إني حر ولم تقم بينة برقه فالمذهب الصحيح أن القول قوله.
ومنها: أمانة الكافر هل تصح أم لا في المسألة روايات.
ومنها: حيث حكمنا بإسلام الطفل بإسلام أحد أبويه أو تسببه منفردا عنهما أو موتهما أو أحدهما في دار الإسلام على رواية فهل المميز كالبالغ لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه أو هو كالطفل المنصوص عن أحمد هو كالطفل ولنا قول هو كالبالغ.
ومنها: شهادته وأصح الروايات عنه أنها لا تقبل وروى. عنه تقبل وقال في رواية ابن هانئ تقبل شهادة ابن عشر وروى عنه تقبل في الجراح والقتل خاصة إذا أدوها وأشهدوا على شهادتهم قبل تفرقهم ولا يؤثر رجوعهم بعد ذلك ذكره القاضى في الجامع.
ولنا قول تقبل شهادته على مثله وسأل عبد الله أباه1 عن شهادة الصبيان
__________
1 أي: أحمد بن حنبل.
(1/50)
 
 
فقال على رضى الله عنه أجاز شهادة بعضهم على بعض.
تنبيه:
ذكر القاضى أن الخلاف عند الأصحاب في الشهادة على الجراح الموجبة للقصاص فأما الشهادة بالمال فلا تقبل قال أبو العباس هذا عجب من القاضى فإن الصبيان لا قود بينهم وانما الشهادة بما يوجب المال.
ومنها: إقراره والمنصوص عن أحمد أنه يصح إقراره في قدر ما أذن له فيه دون ما زاد ومنع في الانتصار عدم صحة إقراره ثم سلمه لعدم مصلحته فيه وأطلق في الروضة صحة إقرار المميز قال ابن عقيل في إقراره روايتان أصحهما يصح نص عليه إذا أقر قدر إذنه وحمل القاضى إطلاق ما نقله الاثرم أنه لا يصح حتى يبلغ على غير المأذون قال الازجى ولا يمتنع أن يكون في المسألة روايتان الصحة وعدمها.
وحكى لنا قول أنه يصح إقراره في الشيء اليسير دون الكثير وذكر الآدمى1 البغدادى أن السفيه والمميز إن أقرا بحد أو قود أو نسب أو طلاق لزم وان أقرا بمال أخذ بعد الحجر وهذا غلط وانما هذا الحكم في السفيه لا في الصبى والله أعلم.
__________
1 هو تقي الدبن أحمد بن محمد الآدمي البغدادي صاحب "المنور في راجح المحرر" و"المنتخب".
(1/51)
 
 
القاعدة 3
لا تكليف على الناسى حال نسيانه واختاره الجوينى1 وأبو محمد المقدسي ومن الناس من قال: هو مكلف.
قلت: يحمل قول من قال: ليس بمكلف حال نسيانه على أنه إثم عليه في تلك الحال في فعل أو ترك وأن الخطاب لم يتوجه إليه وما ثبت له من الأحكام المعلقة به فبدليل خارج ويحتمل قول من قال هو مكلف على أن الخطاب توجه إليه وتناوله وتأخر الفعل إلى حال ذكره وامتنع تأثيمه لعدم ترك قصده لهذا.
ولنا خلاف في المعذور إذا قضى ما فاته هل هو بأمر جديد أم بالأمر السابق؟ وينبني على ذلك هل يكون أداء أو قضاء؟ إن قلنا: بأمر جديد فيكون أداء وان قلنا بالأمر الأول فيكون قضاء.
إذا تقرر هذا فههنا مسائل تتعلق بالناسى.
منها: إذا نسى الماء وتيمم فإنه يلزمه الإعادة إذا بان له الخطأ على أصح الروايتين كما لو نسى الرقبة2 وكفر بالصوم وخرج فيها بعض المتأخرين رواية من مسألة الماء.
ومنها: إذا جامع زوجته الحائض ناسيا الحيض وقلنا يلزم الذاكر كفارة فهل تلزم الناسى في المسألة روايتان وقيل وجهان.
ومنها: إذا قلنا لمس الذكر على المذهب ينقض الوضوء إذا كان عامدا
__________
1 المقصود هو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف.
2 أي: لو نسي عتق الرقبة.
(1/52)
 
 
فهل ينقض وضوء الناسى في المسألة روايتان.
ومنها: إذا أوجبنا الترتيب والموالاة في الوضوء كما هو الصحيح فهل يسقط بالنسيان المذهب لا يسقط وقيل يسقط الترتيب فقط.
ومنها: إذا نسى الصلاة فإنه يلزمه قضاؤها لا نعلم فيه خلافا.
ومنها: لو نسى الركوع والسجود والطهارة فإنها لا تجزئه الصلاة ذكره القاضي محل وفاق. ولو نسي السترة لم تجزئه الصلاة. ذكره أبو البركات في موضع محل وفاق.
ومنها: لو نسى وصلى في ثوب حرير أو مغصوب ثم علم صحت صلاته ذكره القاضى وصاحب المحرر إجماعا لزوال علة الفساد وهى اللبس المحرم وحكى عن أحمد رواية لا تصح.
ومنها: إذا صلى وعليه نجاسة علمها قبل الصلاة ثم نسيها وصلى وفرغت الصلاة فهل يلزمه اعادة أم لا؟
في المسألة روايتان ذكرهما طائفة من الأصحاب وذكر القاضى في المجرد وابن عقيل والآمدي أن الناسي تلزمه الإعادة رواية واحدة لتفريطه وانما الروايات في الجاهل فأما الناسى فليس عنه نص فلذلك اختلفت الطريقتان.
ومنها: إذا تكلم في الصلاة ناسيا حكى ابن تميم ثلاث روايات ثالثتها لا تبطل إن كان لمصلحة وقال نص عليه في رواية جماعة.
والكلام غير المبطل ما كان يسيرا فإن كثر فوجهان حكاهما ابن تميم وحكى غيره روايتين وعدم الإبطال اختيار القاضى وغيره.
ومنها: إذا نسى وأكل أو شرب في الصلاة وكان يسيرا فهل تبطل صلاته أم لا؟
في المسألة روايتان ظاهر المذهب أنها لا تبطل وجزم به غير واحد وان كان كثيرا جزم غير واحد بالبطلان كالشيخ أبى محمد وابن تميم وغيرهما وظاهر كلام صاحب المستوعب والتلخيص أنها لا تبطل وإذا
(1/53)
 
 
قلنا بالبطلان فلا فرق بين الفرض والنقل على الصحيح.
ومنها: لو أكل أو شرب المكلف بالصوم في نهار رمضان ناسيا فالمذهب المنصوص عن أحمد لا يفطر نقله الجماعة عنه وقال في الرعاية لا قضاء في الأصح.
ولا يفطر بالاحتجام ناسيا على الصحيح من المذهب ونقله الفضل بن زياد عن أحمد, وعنه يفطر اختاره في التذكرة لظاهر الخبر ولتذكره النسيان فيها ولا يفطر بالاستقاء ناسيا على الصحيح من القولين واختار ابن عقيل الفطر.
ويفطر ويكفر بالجماع ناسيا نقله الجماعة عن الإمام أحمد واختاره الأصحاب. وعنه لا يكفر واختاره أبو عبد الله بن بطة1 وعنه لا يقضى اختاره الآجرى2 وأبو محمد الجوزي وأبو العباس.
ومنها: العمل المستكثر من غير جنس الصلاة إذا فعله ناسيا هل تبطل صلاته أم لا؟
في المسألة طريقان:
أحدهما القطع بالإبطال.
والثانى في المسألة روايتان واختار صاحب المحرر عدم الإبطال.
وهل الكثير في العرف أو الثلاث أو ما ظن أن فاعله ليس في صلاة فيه أوجه.
ومنها: إذا جامع الحاج ناسيا قبل التحلل الأول فسد نسكه هذا المذهب عند الأصحاب ونقله الجماعة عن الإمام أحمد وفي الفصول رواية لا يفدى اختارها أبو العباس.
__________
1 هو أبو عبد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري المعروف بـ "ابن بطة" [302 – 387هـ] انظر طبقات الحنابلة "2/144" وشذرات الذهب "4/463" والبداية والنهاية "11/321".
2 هو أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري الفقيه الحافظ [ت 360هـ] من مصنفاته: "النصيحة" في الفقه انظر سير أعلام النبلاء "16/133".
(1/54)
 
 
ومنها: إذا أوجبنا الدم على من قدم الحلق على الرمى في رواية فإذا فعل ذلك ناسيا فلا شئ عليه.
ومنها: إذا قلنا إن السعى ركن في الحج فإنه يجب عليه أن يفعله بعد طواف الزيارة إن كان متمتعا أو مفردا أو قارنا ولم يكن سعى مع طواف القدوم فإن فعله قبله عالما لم يعتد به وأعاد رواية واحدة.
وان كان ناسيا فهل يجزئه فيه روايتان منصوصتان ذكرهما في المستوعب وغيره وصحح في التلخيص عدم الاجزاء وان كان سعى عقيب طواف القدوم وقع ركنا عن الحج.
ومنها: لو حلق المحرم رأسه أو قلم أظفاره أو قتل صيدا ناسيا وجبت عليه الكفارة في ظاهر المذهب واختار أبو محمد الجوزي لا كفارة في الجميع وحكى رواية عن أحمد.
وان لبس أو تطيب أو غطى رأسه ناسيا فلا كفارة عليه هذا المذهب الذي نقله الجماعة عن أحمد وذكره الشيخ أبو محمد وغيره ظاهر المذهب واختاره الخرقى وغيره.
وعن أحمد رواية تجب الكفارة نصرها القاضى وأصحابه وفرقوا بين الحلق والتقليم وقتل الصيد وبين اللبس والطيب وتغطية الرأس بإمكان التلافي في الثانى دون الأول. وهذا فيه نظر إذ ما صنعه من المحظور لا يمكن رفعه في الصورتين وإزالة اللبس والطيب والتغطية إزالة لما هو في حكم الابتداء والله أعلم.
ومنها: إذا أوجبنا الترتيب في قضاء الفوائت على الصحيح من الروايتين فإنه يسقط بالنسيان على الصحيح من الروايتين وقال بعضهم رواية واحدة.
ومنها: إذا أوجبنا التسمية في الوضوء والحدث الأكبر والذبيحة على إحدى الروايتين فهل تسقط بالنسيان في المسألة روايتان.
(1/55)
 
 
ومنها: إذا أصاب المظاهر المظاهر1 منها ناسيا فهل ينقطع تتابع صيامه في المسألة روايتان.
ومنها: واجبات الصلاة إذا تركها ناسيا لم تبطل صلاته.
ومنها: إذا حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا فهل يحنث أم لا؟
في المسألة ثلاث روايات عن الإمام أحمد ثالثتها يحنث في الطلاق والعتاق دون غيرهما وهى المذهب عند الأصحاب واختار أبو العباس وغيره عدم الحنث مطلقا وقال رواتها بقدر رواة التفرقة وقال الأصحاب عليها يمينه باقية بحالها.
ومنها: إذا خرج المعتكف من المسجد ناسيا لم يبطل اعتكافه كالصوم ذكره القاضى في المجرد وذكره في الخلاف وقال ابن عقيل في الفصول يبطل لمنافاته الاعتكاف كالجماع واختاره أبو البركات وذكر صاحب المحرر أحد الوجهين لا ينقطع ويبنى كمريض وحائض وجزم صاحب المحرر لا ينقطع تتابع المكره وأطلق بعضهم وجهين.
ومنها: لو وطىء المعتكف ناسيا فسد اعتكافه نص عليه أحمد وخرج صاحب المحرر من الصوم أنه لا يبطل.
ومنها: حيث قلنا مباشرة المعتكف تفسد الاعتكاف إذا كان عامدا فإذا كان ناسيا فهل هي كذلك أم لا قال صاحب المحرر ومباشرة الناسى كالعامد على إطلاق أصحابنا واختار هنا لا تفسده كالصوم والله أعلم.
__________
1 الظهار: هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو من تحرم عليه على التأبيد.
(1/56)
 
 
القاعدة 4
في المغمى عليه هل هو مكلف أم لا؟
قال الإمام أحمد وقد سئل عن المجنون يفيق يقضى ما فاته من الصوم؟ فقال المجنون غير المغمى عليه فقيل له لان المجنون رفع عنه القلم قال نعم.
قال القاضى فأسقط القضاء عن المجنون وجعل العلة فيه رفع القلم فاقتضى أنه غير مرفوع عن المغمى عليه وهذا أشبه بأصلنا حيث أوجبنا الصوم على الحائض مع استحالة الفعل منها بمعنى ثبوت الوجوب في الذمة انتهى.
قلت: المغمى عليه يتردد بين النائم والمجنون فبالنظر إلى كون عقله لم يزل بل ستره الإغماء فهو كالنائم ولهذا قيل انه إذا شمم البنج1 أفاق وبالنظر إلى كونه إذا نبه لم ينتبه يشبه المجنون وكذلك اختلفوا في الأحكام المتعلقة به فتارة يلحقونه بالنائم وتارة بالمجنون والأظهر إلحاقه بالنائم والله أعلم.
إذا تقرر هذا فهنا مسائل تتعلق به.
منها: قضاء الصلاة والمنصوص عن الإمام أحمد في رواية صالح وابن منصور وأبى طالب وبكر بن محمد2 لزوم القضاء إلحاقا له بالنائم ولنا قول لا قضاء عليه إلحاقا له بالمجنون.
__________
1 البنج: ضرب من النبات يستعمل للتخدير.
2 هو أبو أحمد بكر بن محمد بن الحكم النسائي الأصل البغدادي صحب الإمام أحمد وروى عنه الكثير من المسائل انظر طبقات الحنابلة "1/119".
(1/57)
 
 
ومنها: إذا نوى الصوم ليلا ثم أغمى عليه جميع النهار لم يصح صومه وفي المستوعب خرج بعض أصحابنا من رواية صحة صوم رمضان بنية واحدة في أنه لا يقضى من أغمى عليه أياما بعد نيته المذكورة وإذا لم يصح الصوم لزمه قضاؤه في أصح القولين.
وهذا مشكل فإنه إن الحق بالنائم فإنه يصح صومه ولا يلزمه قضاء وان ألحق بالمجنون فإنه لا يلزمه قضاء.
ومنها: لو باع شيئا أو اشتراه فأغمى عليه في المجلس.
قال أبو محمد المقدسي قام أبوه أو وصيه أو الحاكم مقامه وجعله كالمجنون.
وقال في الرهن لو أغمى على الراهن قبل التسليم لم يكن للمرتهن قبض الرهن وليس لاحد تقبيضه لأنه لا ولاية عليه وهذا تناقض وكذلك قال الأصحاب في الفرق بينه وبين المجنون في قضاء الصلاة لأن المجنون تثبت عليه الولاية والمغمى عليه لا تثبت عليه الولاية.
وجزم من وقفت على كلامه من الأصحاب بأن الوكالة لا تبطل بالإغماء وحكى مع حكاية بعضهم الخلاف في المجنون وأن المذهب أن الوكالة تبطل بالجنون.
وحكى بعض المتأخرين قولا في كتاب القضاء أنه إذا أفاق المجنون أو من أغمى عليه وقلنا ينعزل بالإغماء فولايته باقية فهذا يقتضى حكاية خلاف في انعزاله عن ولاية القضاء فالوكالة كذلك.
ومنها: إذا حصل بعرفة مغمى عليه هل يجزيه عن الوقوف؟
المذهب أنه لا يجزيه إلحاقا له بالمجنون وعزى إلى نص أحمد ونقل بعضهم أن أحمد توقف في هذه المسألة وقال الحسن1 يقول بطل حجه وعطاء2 رخص فيه وحكى لنا قول بالإجزاء كالنائم على الصحيح.
__________
1 هو التابعي الجليل أبو سعيد الحسن بن يسار الأنصاري البصري [ت 110هـ] .
2 هو التابعي الإمام مفتي الحرم أبو محمد عطاء بن أسلم أبي رباح المكي [ت 115هـ] .
(1/58)
 
 
ومنها: إذا أوجب العقد في النكاح ثم أغمى عليه قبل أن يقبل الزواج أو وجد في عقد البيع أو في الشركة فهل يبطل حكم الإيجاب كالجنون.
قال القاضى في الجامع قياس المذهب أنه لا يبطل لأن أحمد أوجب عليه قضاء الصلاة كالنائم ولم يجعله كالمجنون في إسقاط القضاء وجزم في الكافي1 بأنه يبطل حكم الإيجاب بالجنون والإغماء في النكاح وقاسه على البيع.
ومنها: أن الإغماء لا يبطل به الإحرام بالحج هذا المعروف في المذهب وفي الجنون وجهان وأطلق ابن عقيل في بطلانه بجنون أو إغماء وجهين.
__________
1 تمامه: "الكافي في فقه الإمام أحمد" لموفق الدين بن قدامة المقدسي طبع بتحقيق: سليم يوسف وسعيد محمد اللحام بيروت "1992 – 1994".
(1/59)
 
 
القاعدة 5
في السكران هل هو مكلف أم لا؟
قال الجوينى وابن عقيل والمعتزلة وأكثر المتكلمين هو غير مكلف وكذا قال أبو محمد المقدسي في الروضة واختلف كلامه في المغنى.
قال بعض أصحابنا وينبغى أن يخرج في لحوق المأثم له روايتان وقال ابن برهان1 مذهب الفقهاء قاطبة أنه مخاطب.
قلت: قاله القاضى وغيره من أصحابنا ولأحمد نصوص في تكليفه.
منها: في رواية عبد الله السكران ليس بمرفوع عنه القلم.
ومنها: في رواية أبى بكر بن هانىء السكران ليس بمرفوع عنه القلم فلا يسقط عنه ما صنع.
ومنها: في رواية حنبل ليس هو يعنى السكران بمنزلة المجنون المرفوع عنه القلم جناية من نفسه.
وحكى الإمام أحمد عن الشافعى أنه كان يقول وجدت السكران ليس بمرفوع عنه القلم.
قلت: ونص الشافعى في الأم2 على ذلك أيضا في باب طلاق السكران
__________
1 هو أبو الفتح أحمد بن علي بن محمد الوكيل الحنبلي ثم الشافعي [479 – 520هـ] من تصانيفه "البسيط" "الوجيز" "الوصول إلى الأصول" في أصول الفقه.
2 وهو مطبوع القاهرة "1968" تحقيق حسن عباس زكي.
(1/60)
 
 
فقال ما نصه بحروفه فإن قال قائل فهذا يعنى السكران مغلوب على عقله والمريض والمجنون مغلوب على عقله قيل المريض مأجور ومكفر عنه بالمرض مرفوع عنه القلم إذا ذهب عقله وهذا آثم مضروب على السكر غير مرفوع عنه القلم فكيف يقاس من عليه العقاب بمن له الثواب؟
ونص الشافعى هذا صريح في رد ما قاله الشيخ عز الدين بن عبد السلام1 في قواعده أنه لا ثواب على حصول المصائب والآلام وانما الثواب على الصبر عليها والرضى بها فإن الشافعى حكم بأجره مع زوال عقله.
إذا تقر هذا فحكى صاحب المحرر في أفعاله وأقواله خمس روايات:
إحداها: أنه كالمجنون.
والثانية: كالصاحى.
والثالثة: كالمجنون في أقواله وكالصاحى في أفعاله.
والرابعة: في الحدود كالصاحى وفي غيرها كالمجنون.
والخامسة: أنه فيما يستقل به مثل قتله وعتقه وغيرهما كالصاحى وفيما لا يستقل به مثل بيعه ونكاحه ومعاوضاته كالمجنون حكاها ابن حامد.
واختار طائفة من أصحابنا أنه لا يقع طلاقه منهم أبو بكر وابن عقيل وأبو محمد وأبو العباس.
ونقل الميمونى عن أحمد كنت أقول يقع حتى تبينته فغلب على أنه لا يقع.
ونقل أبو طالب الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة واحدة والذي أمر به أتى بثنتين حرمها عليه وأحلها لغيره.
قال أبو العباس زعم طائفة من أصحاب مالك والشافعى وأحمد أن النزاع
__________
1 أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب السلمي الدمشقي الشافعي [577 – 660هـ] من تصانيفه "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" مطبوع القاهرة "1934" و"شرح منتهى السول والأمل في علم الأصول والجدل" و"اختصار النهاية" في الفقه الشافعي.
(1/61)
 
 
في وقوع طلاقه إنما هو في النشوان فأما الذي تم سكره بحيث لا يقهم ما يقول فانه لا يقع به قولا واحدا قال الائمة الكبار جعلوا النزاع في الجميع.
تنبيه:
حد السكر الذي يمنع ترتب هذه الأحكام على رواية.
قال القاضى وغيره هو إذا كان يخلط في كلامه وقراءته أو يسقط تمييزه بين الأعيان ولا يشترط فيه أن يكون بحيث لا يميز بين السماء والأرض وبين الذكر والأنثى وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية حنبل فقال السكران الذي إذا وضعت ثيابه في ثياب غيره لم يعرفها أو إذا وضع نعله في نعالهم لم يعرفه وإذا هذى فأكثر كلامه وكان معروفا بغير ذلك.
وضبطه بعضهم بأنه الذي يختل في كلامه المنظوم ويبيح بسره المكتوم.
وقال جماعة ولا تصح عبادته قال أحمد ولا تقبل صلاته أربعين يوما حتى يتوب للخبر وقال أبو العباس هذا الكلام في السكران.
وقال في المحرر فأما من تناول البنج فألحقه بعض أصحابنا بالسكران وفرق. الإمام أحمد بينهما بالمجنون وقال القاضى في الجامع الكبير1 إن زال عقله بالبنج نظرت فإن تداوى به فهو معذور ويكون الحكم فيه كالمجنون وان تناوله متلاعبا أو قصد ليزيل عقله ويصير مجنونا فحكمه حكم السكران وكذا قال ابن عقيل في الواضح وهو ظاهر كلام جماعة لأنهم قالوا: ومن تناول ما يزيل عقله لغير حاجة حكمه كالسكران والتداوى حاجته.
ومحل الخلاف في السكران عند جمهور أصحابنا إذا كان آثما في سكره فأما إن أكره على السكر فحكمه حكم المجنون وقال القاضى في الجامع
__________
1 مصنف في الفقه للقاضي أبي يعلى بن الفراء وظاهر كلام ابن أبي يعلى في الطبقات أن والده وصل فيه إلى باب الطلاق انظر طبقات الحنابلة "2/205".
(1/62)
 
 
الكبير في كتاب الطلاق فأما إن أكره على شربها احتمل أن يكون حكمه حكم المختار لما فيه من اللذة واحتمل أن لا يكون حكمه حكم المختار لسقوط المأثم عنه والحد قال وإنما يخرج هذا على الرواية التى تقول إن الإكراه يؤثر في شربها فأما إن قلنا لا يؤثر الإكراه فحكمه حكم المختار.
(1/63)
 
 
القاعدة 6
المكره المحمول كالآلة غير مكلف وهو تكليف بما لا يطاق ولو أكره وباشر بنفسه فمكلف عندنا وعند الشافعية لصحة الفعل منه وتركه ولهذا يأثم المكره على ا