المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

 
الكتاب: المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف: عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بن عبد الرحيم بن محمد بدران (المتوفى: 1346هـ)
عدد الأجزاء: 1
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم نحمدك يَا من هُوَ مَحْمُود بِكُل لِسَان
حمد من اتّصف بِالْإِيمَان بقوله وَعَمله والجنان
وننزهك يَا من لَيْسَ كمثله شَيْء فَلَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن
وَلَا يَخْلُو من علمه مَكَان
عَن كل مَا يصفك بِهِ أولو الزيغ والطغيان
والافتراء والبهتان
نصفك بِمَا وصفت بِهِ نَفسك فِي كتابك الْمنزل
وَبِمَا بلغنَا عَن نبيك الْمُصْطَفى الْمُرْسل
من غير تَشْبِيه وَلَا تَمْثِيل
وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَعْطِيل
وَنكل علم حَقِيقَة ذَلِك إِلَيْك يَا وَاجِب الْوُجُود
وَيَا مفيض الْكَرم على عِبَادك والجود
سُبْحَانَكَ لَا تمثلك الْعُقُول بالتفكير
وَلَا تتوهمك الْقُلُوب بالتصوير
فالخلق عاجزون عَن كنه الْحَقِيقَة
وَلَو خبروا الْعلم بأجمعه ودقيقه
ونشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك شَهَادَة مقرّ بالعبودية لَا يَجْعَل بَيْنك وَبَينه أندادا
وَلَا ينقاد إِلَّا إِلَى شرعك الَّذِي أوحيته إِلَى نبيك انقيادا
ويجتهد فِيمَا يرضيك من الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل اجْتِهَادًا
عله أَن يبلغ من رضاك ورحمتك مرَادا
وَأَن ترزقه فِي دُنْيَاهُ وأخراه إسعادا
ونشهد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك خير خلقك ومهبط
(1/41)
 
 
وحيك والمبلغ لشرعك والأمين على مَا أنزلت عَلَيْهِ من كتابك وَدينك {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} آل عمرَان 19
صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه عُمُوما البررة الْكِرَام السَّادة الْأَعْلَام
مَا سرت فِي ميادين الطروس وعَلى جباهها الأقلام
وَمَا غردت حمائم الأيك على الصون
وأطرب العيس حادي العيس بألطف الْأَلْفَاظ وأعذب اللحون
واستنبط من الْكتاب الْعَزِيز وَمَا صَحَّ عَن الْمُصْطَفى الْمُخْتَار أدق الْمعَانِي المستنبطون وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد فَيَقُول الْفَقِير لعفو ربه المنان عبد الْقَادِر بن أَحْمد بن مصطفى بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد الْمَشْهُور كأسلافه بِابْن بدران أنني لما من الله عَليّ بِطَلَب الْعلم هجرت لَهُ الوطن والوسن وَكنت أبكر فِيهِ بكور الْغُرَاب وأطوف الْمعَاهد لتحصيله وأذهب فِيهِ كل مَذْهَب وأتبع فِيهِ كل شعب وَلَو كَانَ عسرا أشرف على كل يفاع كل غور فَتَارَة أطوح بنفسي فِيمَا سلكه ابْن سينا فِي الشفار والإشارات وَتارَة أتلقف مَا سبكه أَبُو نصر الفارابي من صناعَة الْمنطق وَتلك الْعبارَات
وَتارَة أجول فِي مَوَاقِف الْمَقَاصِد والمواقف
وَأَحْيَانا أطلب الْهِدَايَة ظنا مني أَنَّهَا تهدي إِلَى رشد
فأضم إِلَيْهَا مَا سلكه ابْن رشد
ثمَّ أردد فِي الطبيعي والإلهي نظرا
وَفِي تشريح الأفلاك أتطلب خَبرا أَو خَبرا
ثمَّ أجول فِي ميادين الْعُلُوم مُدَّة كعدد السَّبع الْبَقَرَات الْعِجَاف فأرتد إِلَيّ الطّرف خاسئا وَهُوَ حسير وَلم أحصل من معرفَة الله جلّ جَلَاله إِلَّا على أَوْهَام وخطرات وساوس وأشكال تنشأ من الْبَحْث والتدقيق فأدفعه بِمَا أقنع نَفسِي بنفسي فَلَمَّا هَمت فِي تِلْكَ الْبَيْدَاء الَّتِي هِيَ على حد قَول أبي الطّيب يَتلون الخريت من خوف التوى فِيهَا كَمَا تلون الحرباء
(1/42)
 
 
ناداني مُنَادِي الْهدى الْحَقِيقِيّ هَلُمَّ إِلَى الشّرف والكمال ودع نجاة ابْن سينا الموهومة إِلَى النجَاة الْحَقِيقِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا بِأَن تكون على مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف الْكِرَام من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان فَإِن الْأَمر لَيْسَ على مَا تتوهم وَحَقِيقَة الرب لَا يُمكن أَن يُدْرِكهَا المربوب وَمَا السَّلامَة إِلَّا بِالتَّسْلِيمِ وَكتاب الله حق وَلَيْسَ بعد الْحق إِلَّا الضلال
فهنالك هدأ روعي وَجعلت عقيدتي كتاب الله أكل علم صِفَاته إِلَيْهِ بِلَا تجسيم وَلَا تَأْوِيل وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَعْطِيل وانجلى مَا كَانَ على قلبِي من رأن أورثته قَوَاعِد أرسطوطاليس وَقلت مَا كَانَ إِلَّا من النّظر فِي تِلْكَ الوساوس والبدع والدسائس فَمن أَيْن لعباد الْكَوَاكِب أَن يرشدونا إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَمَا كَانُوا مهتدين
وَمن أَيْن لأَصْحَاب المقالات أَن يعلمُوا حَقِيقَة قيوم الأَرْض وَالسَّمَوَات وَلَو كَانَت حَقِيقَة صِفَات الله تَعَالَى تدْرك بالعقول لوصل أَصْحَاب رسائل إخْوَان الصفاء إِلَى الصَّفَا ولاتصل صَاحب النَّجَاء والشفاء إِلَى النجَاة وغليل لبه وشفا وَلَكِن {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} وَأَيْنَ هم من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين من بعدِي عضوا عَلَيْهَا بالنواجذ وَإِيَّاكُم ومحدثات الْأُمُور فَإِن كل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة لَكِن من اتبع هَوَاهُ هام فِي كل وَاد وَلم يبال بِأَيّ شعب سلك وَلَا بِأَيّ طَرِيق هلك
(1/43)
 
 
فَمن ثمَّ جعلت شغلي كتاب الله تدريسا وتفسيرا أَو بِسنة نبيه الْمُخْتَار قِرَاءَة أَيْضا وشرحا وتحريرا فَللَّه الْحَمد على هَذِه الْمِنَّة وأسأله الثَّبَات على ذَلِك وازدياد النِّعْمَة ثمَّ إِنِّي زججت نَفسِي فِي بحار الْأُصُول وَالْفُرُوع والبحث عَن الْأَدِلَّة حَتَّى لَا أكون منقادا لكل قَائِد وَلَا مُقَلدًا تقليدا أعمى لمن يَقُودهُ فَإِن هَذِه حَالَة لَا يرضى بهَا الصّبيان فضلا عَمَّن أُوتِيَ شَيْئا من الْعقل ثمَّ سبرت الْمذَاهب المتبوعة الْآن وَكَثِيرًا من غير المتبوعة فَوجدت كلا مِنْهُم قدس الله أسرارهم وَجعل فِي عليين مَنَازِلهمْ قد اجْتهد فِي طلب الْحق وَلم يأل جهدا فِي طلبه وَلَا قصر فِي اجْتِهَاده بل قَامَ بِمَا عهد إِلَيْهِ حق الْقيام ونصح الْأمة واجتنب كل مَا يشين غير أَن الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ كَانَ أوسعهم معرفَة بِحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعلم من اطلع على مُسْنده الْمَشْهُور وَأَكْثَرهم تتبعا لمذاهب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَلذَلِك كَانَ مذْهبه مؤيدا بالأدلة السمعية حَتَّى كَأَنَّهُ ظهر فِي الْقرن الأول لشدَّة اتِّبَاعه لِلْقُرْآنِ وَالسّنة إِلَّا أَنه كَانَ رَحمَه الله تَعَالَى لشدَّة ورعه ينْهَى عَن كِتَابَة كَلَامه ليبقي بَاب الِاجْتِهَاد لمن هُوَ أهل لَهُ مَفْتُوحًا وليعلم الْقَوْم أَن فضل الله لَا يَنْقَطِع وَأَن خزائنه لم تنفذ على عكس مَا يَدعِيهِ القاصرون وينتحله المبطلون ولحسن نِيَّته قيض الله من دون فَتَاوَاهُ وَجَمعهَا ورتبها حَتَّى صَار لَهُ مَذْهَب مُسْتَقل مَعْدُود بَين
(1/44)
 
 
الْأَئِمَّة الَّذين دونوا وألفوا ثمَّ هيأ الله لَهُ أتباعا وأصحابا سلكوا فِي رواياته مَسْلَك الِاجْتِهَاد كَمَا تعلمه مِمَّا سَيَأْتِي وألفوا فِي ذَلِك المطولات والمتوسطات والمختصرات فجزاهم الله خيرا غير أَنهم تركُوا اصْطِلَاحَات مُتَفَرِّقَة فِي غُضُون الْكتب لَا يعلمهَا إِلَّا المتقنون وسلكوا مسالك لَا يُدْرِكهَا إِلَّا المحصلون وَأصَاب هَذَا الْمَذْهَب مَا أصَاب غَيره من تشَتت كتبه حَتَّى آلت إِلَى الاندراس وأكب النَّاس على الدُّنْيَا فنظروا إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ منهل سنة وَفقه صَحِيح لَا مورد مَال فهجره كثير مِمَّن كَانَ مُتبعا لَهُ رَجَاء طلب قَضَاء أَو وَظِيفَة فَمن ثمَّ تقلص ظله من بِلَادنَا السورية وخصوصا فِي دمشق إِلَّا قَلِيلا وأشرق نوره فِي الْبِلَاد النجدية من جَزِيرَة الْعَرَب وهب قوم كرام مِنْهُم لطبع كتبه وأنفقوا الْأَمْوَال الطائلة لإحياء هَذَا الْمَذْهَب لَا يطْلبُونَ بذلك إِلَّا وَجه الله تَعَالَى وَلَا يقصدون إِلَّا إحْيَاء مَذْهَب السّلف وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَة والتابعون فجزاهم الله خيرا وَأحسن إِلَيْهِم على أَن قوما من أولي التَّقْلِيد الْأَعْمَى أسراء الْوَهم والخيالات الْفَاسِدَة وَالْجهل الْمركب يطعنون فِي أُولَئِكَ وينفرون النَّاس مِنْهُم وَمَا ذَلِك إِلَّا أَن الله أَرَادَ بأولئك الْقَوْم خيرا فاظهر لَهُم أَعدَاء لينشروا فَضلهمْ من حَيْثُ لَا يعلمُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} الشُّعَرَاء 227 وَمَا هَؤُلَاءِ إِلَّا على حد مَا حَكَاهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي فِي أَوَائِل تَارِيخه عَن أبي يحيى السكرِي قَالَ دخلت مَسْجِد دمشق فَرَأَيْت بِهِ حلقا فَقلت هَذَا بلد دخله جمَاعَة من الصَّحَابَة فملت إِلَى حَلقَة فِي صدرها شيخ جَالس فَجَلَست إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رجل أَمَامه من عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ خفاق يَعْنِي ضَعِيفا كَانَ بالعراق اجْتمعت عَلَيْهِ جمَاعَة فقصد أَمِير الْمُؤمنِينَ أَن يحاربه فنصره الله عَلَيْهِ قَالَ فاستعظمت ذَلِك وَقمت فَرَأَيْت فِي جَانب
(1/45)
 
 
الْمَسْجِد شَيخا يُصَلِّي إِلَى سَارِيَة حسن السمة وَالصَّلَاة والهيئة فَقلت لَهُ يَا شيخ أَنا رجل من أهل الْعرَاق جَلَست إِلَى تِلْكَ الْحلقَة وقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ فِي هَذَا الْمَسْجِد عجائب بَلغنِي أَن بَعضهم يطعن على أبي مُحَمَّد الْحجَّاج بن يُوسُف فعلي بن أبي طَالب من هُوَ ثمَّ جعل يبكي انْتهى
فَهَؤُلَاءِ مَا عرفُوا إِلَّا عليا المركون فِي مخيلتهم وَلم يعلمُوا عليا الْحَقِيقِيّ وَكَذَلِكَ الَّذين يطعنون على المتبعين لمَذْهَب السّلف يطعنون على قوم لَا وجود لَهُم إِلَّا فِي مخيلتهم الْفَاسِدَة وتصوراتهم المختلة وَلَو فَهموا حَقِيقَة الْقَوْم لانقادوا إِلَيْهِم وجعلوهم أَئِمَّة هدَاهُم وَلذَلِك وضعت كتابي خدمَة لهَذَا الْمَذْهَب الْحق ومشاركة لَهُم فِي إحيائه عله ينالني من الْأجر مَا ينالون وَمن الْخَيْر وَالْبركَة مَا يؤملون
وَلما رتبته وأتممته وسميته بالمدخل إِلَى مَذْهَب الإِمَام أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل وضمنته جلّ مَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته المشتغل بِهَذَا الْمَذْهَب وسلكت بِهِ مسلكا لم أجد غَيْرِي سلكه حَتَّى صَار بحيا يسْتَحق أَن يكون مدخلًا لسَائِر الْمذَاهب وَلَيْسَ على المخترع أَن يَسْتَوْفِي جَمِيع الْأَقْسَام بل عَلَيْهِ أَن يفتح الْبَاب ثمَّ لَا يَخْلُو فِيمَا بعد من مستحسن لَهُ يقف عِنْد مَا دونه أَو مُسْتَدْرك عَلَيْهِ بِذكر مَا أخل بِهِ أَو مُخْتَصر لَهُ يحذف مَا يرَاهُ من الزِّيَادَات يزعمه على أَنه لَا يُمكن الْإِنْسَان أَن يَأْتِي بِمَا يستحسنه جَمِيع الْبشر فَإِن هَذَا شَأْن الْعلي الْأَعْلَى جلّ وَعلا
ورتبت هَذَا الْمدْخل على ثَمَانِيَة عُقُود عدد أَبْوَاب الْجنان رَجَاء أَن يدخلنا الله يَوْم الْقِيَامَة مِنْهَا كلهَا وَهَذِه فهرست تِلْكَ الْعُقُود
(1/46)
 
 
العقد الأول فِي العقائد الَّتِي نقلت عَن الإِمَام المبجل أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل
العقد الثَّانِي فِي السَّبَب الَّذِي لأَجله اخْتَار كثير من كبار الْعلمَاء مَذْهَب الإِمَام أَحْمد على مَذْهَب غَيره
العقد الثَّالِث فِي ذكر أصُول مذْهبه فِي استنباط الْفُرُوع وَبَيَان طَرِيقَته
العقد الرَّابِع فِي مَسْلَك كبار أَصْحَابه فِي تَرْتِيب مذْهبه واستنباطه من فتياه وَالرِّوَايَات عَنهُ وتصرفهم فِي ذَلِك الْإِرْث المحمدي الأحمدي
العقد الْخَامِس فِي الْأُصُول الْفِقْهِيَّة الَّتِي دونهَا الْأَصْحَاب وَفِي فن الجدل
العقد السَّادِس فِيمَا اصْطلحَ عَلَيْهِ المؤلفون فِي فقه الإِمَام أَحْمد مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ المبتدىء
العقد السَّابِع فِي ذكر الْكتب الْمَشْهُورَة فِي الْمَذْهَب وَبَيَان طَريقَة بَعْضهَا وَمَا عَلَيْهِ من التعليقات والحواشي حسب الْإِمْكَان
العقد الثَّامِن فِي أَقسَام الْفِقْه عِنْد أَصْحَابنَا وَمَا ألف فِي هَذَا النَّوْع وَفِي هَذَا العقد دُرَر ورد الْعَجز على الصَّدْر
وَهَذِه طلائع تِلْكَ الْعُقُود وَمَا أودع فِيهَا من الْفقر والدرر وَالله الْمعِين
(1/47)
 
 
العقد الأول
فِي العقائد الَّتِي نقلت عَن الإِمَام المبجل أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل اعْلَم أننا ذاكرون إِن شَاءَ الله مَا كَانَ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد من الِاعْتِقَاد الَّذِي هُوَ مَذْهَب الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين والسادة الْمُحدثين رضوَان الله عَلَيْهِم ولسنا نذْكر إِلَّا مَا نَقله لنا الثِّقَات من كَلَامه فِي هَذَا النَّوْع ليستغني بذلك أَتْبَاعه عَمَّا ألف فِي علم العقائد عُمُوما مِمَّا دخله التَّأْوِيل والتعطيل والتشبيه والتمثيل أَو حام حول الْحُلُول والاتحاد أَو كَانَ من قبيل مغالطة الْخصم فِي الجدل فَظَنهُ الغبي مذهبا لقائله فقلده بِهِ تقليدا أعمى فضل وأضل حَيْثُ إِن مسالك الجدل غير مسالك الِاعْتِقَاد وَأَنت إِذا طرحت التعصب وَنظرت فِي كتب عُلَمَاء الْكَلَام الموثوق بهم بإنصاف وسبرت غورهم فِي عقائدهم تجدها رَاجِعَة إِلَى عقيدة السّلف إِمَّا بالاضطرار وَإِمَّا بِصَرِيح التَّصْرِيح أَو التَّلْوِيح كَمَا جرى لأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ فَإِنَّهُ لما ألف الْكتب فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة على طَريقَة فن الجدل أعلن أخيرا بِبَيَان عقيدته فِي كِتَابه الْمُسَمّى بالإنابة عَن مَذْهَب أهل الْحق وَصرح فِيهِ بِأَن مذْهبه مَذْهَب الصَّحَابَة وتابعيهم بِإِحْسَان فَمن فهم مقاصده أصبح سلفيا
(1/49)
 
 
بحتا وَمن لم يفهم موارده الْتقط مسَائِل كتبه الَّتِي رد بهَا على الْمُعْتَزلَة على علاتها وَجعلهَا مذهبا لَهُ ونسبها إِلَى الْأَشْعَرِيّ وَمَا رَأَيْت أحدا من الأشاعرة كشف هَذَا الْمَعْنى ونادى بِالصَّوَابِ سوى الشَّيْخ مُحَمَّد بن يُوسُف السنوسي فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح لَهُ صَغِير على عقيدته الْمَشْهُورَة الْمُسَمَّاة بِأم الْبَرَاهِين عِنْد الْكَلَام على صفة الْكَلَام مَا نَصه وكنه هَذِه الصّفة يَعْنِي صفة الْكَلَام وَسَائِر صِفَات الله جلّ وَعز مَحْجُوب عَن الْعقل كالذات الْعلية فَلَيْسَ لأحد أَن يَخُوض فِي الكنه بعد مَا يجب لذاته سُبْحَانَهُ أَو لصفاته وَمَا يُوجد فِي الْكتب من التَّمْثِيل بالكمال النَّفْسِيّ إِنَّمَا هُوَ للرَّدّ على الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا إِن الْكَلَام لَا يُوجد من غير حرف وَلَا صَوت فَقَالَ أهل السّنة إِنَّا نجد لنا كلَاما نفسيا بِلَا حرف وَلَا صَوت وَفِيه من كَلَام الفصحاء إِن الْكَلَام لفي الْفُؤَاد وَإِنَّمَا جعل اللِّسَان على الْفُؤَاد دَلِيلا
وَمَا قصدُوا إِلَّا التَّمْثِيل من حَيْثُ الْحَرْف وَالصَّوْت فَقَط أما الْحَقِيقَة فَجلت صِفَات الله أَن يماثلها شَيْء من صِفَات خلقه فَإِن كلامنا النَّفْسِيّ فِيهِ حُرُوف متعاقبة تنعدم وتحدث وَيُوجد فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير وترتيب وَغير ذَلِك فاعرف هَذَا فقد زلت هُنَا أَقْدَام لم تؤيد بِنور من الْملك العلام
هَذَا كَلَامه فقد صرح بِالْحَقِّ وَلم يخْش فِيهِ لومة لائم ولي فِي هَذَا مَسْلَك
(1/50)
 
 
آخر وَهُوَ أَن الْأَعْيَان إِمَّا جَوَاهِر وَإِمَّا أَعْرَاض وَالْكَلَام لَا شكّ فِي أَنه عرض يحْتَاج إِلَى مَحل يقوم بِهِ وَهُوَ الْجَوْهَر وَهُوَ يَقْتَضِي أَن وجود الْجَوْهَر سَابق على وجود الْعرض فَإِذا قُلْنَا بالْكلَام النَّفْسِيّ لزم أَن يكون ذَلِك الْعرض قَائِما بالجوهر وَهُوَ النَّفس وَلزِمَ مِنْهُ إِثْبَات النَّفس لله تَعَالَى وحدوث الْكَلَام ضَرُورَة أَن الْعرض حَادث لَا محَالة وَحِينَئِذٍ فإمَّا أَن نبقي الْكَلَام على ظَاهره وندعي حُدُوث كَلَامه تَعَالَى وَثُبُوت النفسية لَهُ تَعَالَى وَهُوَ خلاف الْمَطْلُوب تنزيهه تَعَالَى عَن سمات الْحَوَادِث وَيلْزم مِنْهُ أَن الْكَلَام صفة لله تَعَالَى قَائِمَة بِذَاتِهِ وَهُوَ حَادث والمركب من الْحَادِث وَالْقَدِيم حَادث وينتج الدَّلِيل أَنه تَعَالَى حَادث وَهُوَ خلاف الْمُدعى لِأَنَّهُ إِقَامَة الدَّلِيل على قدم الصِّفَات والذات مَعًا وَإِمَّا أَن نجنح إِلَى التَّأْوِيل فَنَقُول كَلَام نَفسِي يَلِيق بِذَاتِهِ فَيُقَال لَهُ حِينَئِذٍ قل من أول الْأَمر وكلم الله مُوسَى تكليما بِكَلَام يَلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى وَاقْتصر على هَذَا ودع عَنْك ذَلِك التَّطْوِيل الَّذِي لَيْسَ هُوَ من شَأْن البلغاء والعقلاء وَمثل هَذَا يُقَال فِي تَأْوِيل الْيَد بِالْقُدْرَةِ والاستواء بِالِاسْتِيلَاءِ فَإِن الْقُدْرَة صفة مُشْتَركَة بَين الْخَالِق والمخلوق فَإِذا قلت بهَا لزمك أَن تَقول قدرَة تلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى فاطرح هَذَا وَقل يَد تلِيق بِذَاتِهِ تَعَالَى وَأَيْضًا فالقدرة عرض تحْتَاج إِلَى أَن تقوم بالجوهر وَيلْزم فِي ذَلِك مَا لزم فِي صفة الْكَلَام من الْحُدُوث لله تَعَالَى وَأما الِاسْتِيلَاء فَإِن مادته تَقْتَضِي سبق مستول سَابق وَأَن الثَّانِي قهر الأول وَاسْتولى على مَا كَانَ مستوليا عَلَيْهِ فليت شعري من كَانَ المستولي أَولا على الْعَرْش حَتَّى إِن الله تَعَالَى قهره وَاسْتولى عَلَيْهِ أَلا يرى أَن قَوْلهم اسْتَوَى بشر على الْعرَاق
(1/51)
 
 
يُنَادي على أَن الْعرَاق لم يكن بيد بشر بل كَانَ فِي يَد غَيره ثمَّ إِن بشرا غلب ذَلِك المستولي وَضم الْعرَاق إِلَيْهِ أفيليق بشأن عَاقل أَن يصف ربه بِتِلْكَ الصِّفَات تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
وَحَيْثُ تبين أَن الْحق الصراح هُوَ مَذْهَب السّلف وَأَن هَذَا الْمَذْهَب ظهر على لِسَان الْأَئِمَّة وأخصهم بذلك الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل وَجب علينا أَن ننقل لطلاب الْيَقِين كَلَامه بنصه ليهتدوا بِهِ إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم فَنَقُول روى القَاضِي أَبُو يعلى مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن خلف الْفراء فِي الطَّبَقَات والحافظ أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن الْجَوْزِيّ الْحَنْبَلِيّ فِي كِتَابه مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد وَذكر القَاضِي برهَان الدّين إِبْرَاهِيم بن مُفْلِح فِي كِتَابه الْمَقْصد الأرشد أَن أَبَا بكر أَحْمد بن مُحَمَّد البردعي التَّمِيمِي قَالَ لما أشكل على مُسَدّد بن مسر هد أَمر الْفِتْنَة يَعْنِي فِي القَوْل بِخلق الْقُرْآن وَمَا وَقع فِيهِ النَّاس من الِاخْتِلَاف فِي الْقدر والرفض والاعتزال وَخلق الْقُرْآن والإرجاء كتب إِلَى أَحْمد بن حَنْبَل أَن أكتب إِلَيّ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ورد الْكتاب على أَحْمد بن حَنْبَل بَكَى وَقَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون يزْعم هَذَا الْبَصْرِيّ أَنه قد أنْفق على الْعلم مَالا عَظِيما وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَيّ سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكتب إِلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي كل زمَان بقايا من أهل الْعلم يدعونَ من ضل إِلَى الْهدى وَينْهَوْنَ عَن الردى ويحيون بِكِتَاب الله الْمَوْتَى
(1/52)
 
 
وبسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْجَهَالَة والردى فكم من قيل لإبليس قد أحيوه وَكم من ضال تائه قد هدوه فَمَا أحسن آثَارهم على النَّاس ينفون عَن دين الله تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الضَّالّين الَّذين عقدوا ألوية الْبدع وأطلقوا عنان الْفِتْنَة مخالفين فِي الْكتاب يَقُولُونَ على الله وَفِي الله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ علوا كَبِيرا} فِي كِتَابه بِغَيْر علم
فنعوذ بِاللَّه من كل فتْنَة مضلة وَصلى الله على مُحَمَّد النَّبِي وَآله وَسلم تَسْلِيمًا
أما بعد وفقنا الله وَإِيَّاكُم لكل مَا فِيهِ رِضَاهُ وطاعته وجنبنا وَإِيَّاكُم مَا فِيهِ سخطه واستعملنا وَإِيَّاكُم عمل الخاشعين لَهُ العارفين بِهِ الْخَائِفِينَ مِنْهُ فَإِنَّهُ المسؤول ذَلِك وأوصيكم وَنَفْسِي بتقوى الله الْعَظِيم وَلُزُوم السّنة وَالْجَمَاعَة فقد علمْتُم مَا حل بِمن خالفها وَمَا جَاءَ فِيمَن أتبعهَا فَإِنَّهُ بلغنَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ إِن الله ليدْخل العَبْد الْجنَّة بِالسنةِ يتَمَسَّك بهَا وآمركم أَن لَا تؤثروا على الْقُرْآن شَيْئا فَإِنَّهُ كَلَام الله وَمَا تكلم الله بِهِ فَلَيْسَ بمخلوق وَمَا أخبر بِهِ عَن الْقُرُون الْمَاضِيَة فَلَيْسَ بمخلوق وَمَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَمَا فِي الْمُصحف وتلاوة النَّاس وكيفما قرىء وكيفما وصف فَهُوَ كَلَام الله غير مَخْلُوق فَمن قَالَ مَخْلُوق فَهُوَ كَافِر بِاللَّه الْعَظِيم وَمن لم يكفره فَهُوَ كَافِر ثمَّ من بعد كتاب الله سنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والْحَدِيث عَنهُ وَعَن المهديين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالتَّابِعِينَ من بعدهمْ والتصديق
(1/53)
 
 
بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَاتِّبَاع السّنة نجاة وَهِي الَّتِي نقلهَا أهل الْعلم كَابِرًا عَن كَابر واحذروا رَأْي جهم فَإِنَّهُ صَاحب رَأْي وَكَلَام وخصومات وَأما الْجَهْمِية فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم قَالُوا إِن الْجَهْمِية افْتَرَقت ثَلَاث فرق فَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم الْقُرْآن كَلَام الله وَهُوَ مَخْلُوق وَقَالَت طَائِفَة الْقُرْآن كَلَام الله وسكتت وَهِي الواقفة الملعونة
وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم ألفاظنا بِالْقُرْآنِ مخلوقة فَهَؤُلَاءِ كلهم جهمية كفار يستتابون فَإِن تَابُوا وَإِلَّا قتلوا
وَأجْمع من أدركنا من أهل الْعلم على أَن من هَذِه مقَالَته إِن لم يتب لم يناكح وَلَا يجوز قَضَاؤُهُ وَلَا تُؤْكَل ذَبِيحَته وَالْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص زِيَادَته إِذا أَحْسَنت ونقصانه إِذا أساءت وَيخرج الرجل من الْإِيمَان إِلَى الْإِسْلَام فَإِن تَابَ رَجَعَ إِلَى الْإِيمَان وَلَا يُخرجهُ من الْإِسْلَام إِلَّا الشّرك بِاللَّه الْعَظِيم أَو برد فَرِيضَة من فَرَائض الله جاحدا لَهَا فَإِن تَركهَا كسلا أَو تهاونا بهَا كَانَ فِي مَشِيئَة الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ
وَأما الْمُعْتَزلَة فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم يكفرون بالذنب وَمن كَانَ مِنْهُم كَذَلِك فقد زعم أَن آدم كَانَ كَافِرًا وَأَن إخْوَة يُوسُف حِين كذبُوا أباهم عَلَيْهِ السَّلَام كَانُوا كفَّارًا وأجمعت الْمُعْتَزلَة على أَن من سرق حَبَّة فَهُوَ كَافِر وَفِي لفظ فِي النَّار تبين مِنْهُ امْرَأَته ويستأنف الْحَج إِن كَانَ حج فَهَؤُلَاءِ الَّذين يَقُولُونَ بِهَذِهِ الْمقَالة كفَّارًا وحكمهم أَلا يكلموا وَلَا يناكحوا وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم وَلَا تقبل شَهَادَتهم حَتَّى يتوبوا
(1/54)
 
 
وَأما الرافضة فقد أجمع من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم قَالُوا إِن عليا بن أبي طَالب أفضل من أبي بكر الصّديق وَأَن إِسْلَام عَليّ كَانَ أقدم من إِسْلَام أبي بكر فَمن زعم أَن عليا بن أبي طَالب أفضل من أبي بكر فقد رد الْكتاب وَالسّنة يَقُول الله تَعَالَى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} الْفَتْح 92 فَقدم الله أَبَا بكر بعد النَّبِي وَلم يقدم عليا وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كنت متخذا خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن الله قد اتخذ صَاحبكُم خَلِيلًا يَعْنِي نَفسه وَلَا نَبِي بعدِي وَمن زعم أَن إِسْلَام عَليّ كَانَ أقدم من إِسْلَام أبي بكر فقد أَخطَأ لِأَن أَبَا بكر أسلم وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن خمس وَثَلَاثِينَ سنة وَعلي يَوْمئِذٍ ابْن سبع سِنِين لم تجر عَلَيْهِ الْأَحْكَام وَالْحُدُود والفرائض
ونؤمن بِالْقضَاءِ وَالْقدر خَيره وشره وحلوه ومره من الله وَأَن الله خلق الْجنَّة قبل خلق الْخلق وَخلق لَهَا أَهلا وَنَعِيمهَا دَائِم فَمن زعم أَنه يبيد من الْجنَّة شَيْء فَهُوَ كَافِر وَخلق النَّار قبل خلق الْخلق وَخلق لَهَا أَهلا وعذابها دَائِم وَأَن الله يخرج أَقْوَامًا من النَّار بشفاعة النَّبِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن أهل الْجنَّة يرَوْنَ رَبهم بِأَبْصَارِهِمْ لَا محَالة وَأَن الله كلم مُوسَى تكليما وَاتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا
(1/55)
 
 
وَالْمِيزَان حق والصراط حق والأنبياء حق وَعِيسَى ابْن مَرْيَم عبد الله وَرَسُوله وكلمته وَالْإِيمَان بالحوض والشفاعة وَالْإِيمَان بالعرش والكرسي وَالْإِيمَان بِملك الْمَوْت وَأَنه يقبض الْأَرْوَاح ثمَّ ترد إِلَى الأجساد فِي الْقُبُور ويسألون عَن الْإِيمَان والتوحيد وَالرسل وَالْإِيمَان بمنكر وَنَكِير وَعَذَاب الْقَبْر وَالْإِيمَان بالنفخ فِي الصُّور والصور قرن ينْفخ فِيهِ إسْرَافيل وَأَن الْقَبْر الَّذِي هُوَ بِالْمَدِينَةِ قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه أَبُو بكر وَعمر وَقُلُوب الْعباد بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن عز وَجل والدجال خَارج فِي هَذِه الْأمة لَا محَالة وَينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم إِلَى الأَرْض فيقتله بِبَاب لد وَمَا أنكرته الْعلمَاء من أهل السّنة من الشُّبْهَة فَهُوَ مُنكر واحذروا الْبدع كلهَا وَلَا عين تطرف بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من أبي بكر وَلَا عين تطرف بعد أبي بكر أفضل من عمر وَلَا بعد عمر عين تطرف أفضل من عُثْمَان
وَلَا بعد عُثْمَان بن عَفَّان عين تطرف أفضل من عَليّ بن أبي طَالب قَالَ أَحْمد كُنَّا نقُول أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ونسكت عَن عَليّ حَتَّى صَحَّ لنا حَدِيث ابْن عمر بالتفضيل
(1/56)
 
 
قَالَ أَحْمد هم وَالله الْخُلَفَاء الراشدون المهديون
وَإِنَّا نشْهد للعشرة أَنهم فِي الْجنَّة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح فَمن شهد لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ شَهِدنَا لَهُ بهَا
وَرفع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة زِيَادَة فِي الْحَسَنَات والجهر بآمين عِنْد قَول الإِمَام وَلَا الضَّالّين وَالصَّلَاة على من مَاتَ من أهل هَذِه الْقبْلَة وحسابهم على الله عز وَجل وَالْخُرُوج مَعَ كل إِمَام خرج فِي غَزْوَة وَحجَّة وَالصَّلَاة خلف كل بر وَفَاجِر صَلَاة الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَالدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين بالصلاح وَلَا نخرج عَلَيْهِم بِالسَّيْفِ وَلَا نُقَاتِل فِي الْفِتْنَة وَلَا نبالي على أحد من الْمُسلمين أَن يَقُول فلَان فِي الْجنَّة وَفُلَان فِي النَّار إِلَّا الْعشْرَة الَّذين شهد لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ والكف عَن مساوىء أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحدثُوا بفضائلهم وأمسكوا عَمَّا شجر بَينهم وَلَا تشَاور أهل الْبدع فِي دينك وَلَا ترافق أحدا مِنْهُم فِي سفرك وصفوا الله بِمَا وصف بِهِ نَفسه وانفوا عَن الله مَا نَفَاهُ عَن نَفسه واحذروا الْجِدَال مَعَ أَصْحَاب الْأَهْوَاء وَلَا نِكَاح إِلَّا بولِي وخاطب وشاهدي عدل والمتعة حرَام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَالتَّكْبِير على الْجَنَائِز أَربع فَإِن كبر الإِمَام خمْسا فَكبر مَعَه كَفعل عَليّ بن أبي طَالب قَالَ عبد الله بن مَسْعُود كبر مَا
(1/57)
 
 
كبر إمامك قَالَ أَحْمد خالفني الشَّافِعِي فَقَالَ إِن زَاد على أَربع تَكْبِيرَات تُعَاد الصَّلَاة وَاحْتج عَليّ بِحَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه صلى على جَنَازَة فَكبر أَرْبعا وَفِي رِوَايَة صلى على النَّجَاشِيّ فَكبر أَرْبعا وَزَاد ابْن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد وَمن طلق ثَلَاثًا فِي لفظ وَاحِد فقد جهل وَحرمت عَلَيْهِ زَوجته وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة فِي رِوَايَة الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ للْمُسَافِر ثَلَاثَة أَيَّام ولياليهن وللمقيم يَوْم وَلَيْلَة وَصَلَاة اللَّيْل وَالنَّهَار مثنى مثنى وَلَا صَلَاة قبل الْعِيد وَإِذا دخلت الْمَسْجِد فَلَا تجْلِس حَتَّى تصلي رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّة الْمَسْجِد وَالْوتر رَكْعَة وَالْإِقَامَة فُرَادَى أَحبُّوا أهل السّنة على مَا كَانَ مِنْهُم أماتنا الله وَإِيَّاكُم على الْإِسْلَام وَالسّنة ورزقنا وَإِيَّاكُم الْعلم ووفقنا وَإِيَّاكُم لما يحب ويرضى هَذَا آخر مَا اتَّصل بِنَا مِمَّا كتبه الإِمَام إِلَى مُسَدّد رحمهمَا الله تَعَالَى
وَفِي الْأُصُول الَّتِي نقلنا عَنْهَا خلاف فِي بعض الْمسَائِل بِحَيْثُ تُوجد الْمَسْأَلَة فِي رِوَايَة ابْن الْجَوْزِيّ وَلم تُوجد فِيمَا نَقله صَاحب الْمَقْصد وَقد ضممنا زِيَادَة بعض إِلَى بعض
(1/58)
 
 
وَأما التَّصْرِيح باللعن فَلم نجده إِلَّا فِيمَا نَقله الْبُرْهَان بن مُفْلِح وَلَعَلَّه من زِيَادَة الروَاة فَإِن ورع وزهده يَأْبَى لَهُ ذَلِك وَبَقِي فِي هَذِه الرسَالَة مَوَاضِع تحْتَاج إِلَى بَيَان لَا بَأْس بإيراده فلنذكره على شريطة التَّلْخِيص فَنَقُول الْموضع الأول قَول الإِمَام فِي قدم الْقُرْآن وَمَا فِي الْمُصحف وتلاوة النَّاس غير مَخْلُوق مَعْنَاهُ أَن الْقُرْآن مهما تكيف بكيفية فَهُوَ كَلَام الله وَكَلَامه تَعَالَى غير مَخْلُوق سَوَاء كتب فِي الْمَصَاحِف أَو تكلم بِهِ التَّالِي فَإِنَّهُ لَا يخرج عَن كَونه كَلَام الله تَعَالَى وَإِيَّاك أَن تذْهب فِي كَلَامه مَذْهَب سعد الدّين مَسْعُود التَّفْتَازَانِيّ فِي شَرحه لعقائد النَّسَفِيّ حَيْثُ نسب إِلَى بعض الْأَصْحَاب أَنهم يَقُولُونَ بقدم جلد الْمُصحف والكاغد والحبر الَّذِي كتب بِهِ الكاغد فَتكون قد أعظمت الافتراء على الْقَوْم ونسبت إِلَيْهِم مَا لم يقل بِهِ عَاقل فضلا عَن أَئِمَّة أَعْلَام وَلم تدر أَن مُرَادهم تَنْزِيه كَلَام الله تَعَالَى عَن أَن ينْسب إِلَيْهِ كَونه مخلوقا فَإِنَّهُ مهما قرىء أَو كتب فَلَا يخرج عَن كَونه كَلَام الله تَعَالَى وَلَا يَلِيق بِأحد أَن يَدعِي أَن كَلَامه تَعَالَى مَخْلُوق فحقق هَذَا الْمقَام واطرح التعصب ينور الله قَلْبك بِنور الْإِيمَان والعرفان
الْموضع الثَّانِي قَوْله واحذروا رَأْي جهم أَرَادَ بِهِ جهما بن صَفْوَان وَهُوَ من الجبرية الْخَالِصَة ظَهرت بدعته بترمز وَقَتله سلم بن يمر فِي آخر ملك بني أُميَّة وَوَافَقَ الْمُعْتَزلَة فِي نفي الصِّفَات الأزلية وَزَاد عَلَيْهِم بأَشْيَاء مِنْهَا قَوْله لَا يجوز أَن يُوصف الْبَارِي تَعَالَى بِصفة تكون مُشْتَركَة بَينه وَبَين خلقه لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي تَشْبِيها فَقَالَ لَا يجوز أَن يُوصف تَعَالَى بِكَوْنِهِ حَيا عَالما وَأثبت كَونه قَادِرًا فَاعِلا لِأَنَّهُ لَا يُوصف شَيْء من خلقه بِالْقُدْرَةِ وَالْفِعْل والخلق
(1/59)
 
 
وَمِنْهَا أَنه أثبت لله تَعَالَى علوما حَادِثَة لَا فِي مَحل قَالَ لَا يجوز أَن يعلم الشَّيْء قبل خلقه لِأَنَّهُ لَو علم ثمَّ خلق أفيبقى علمه على مَا كَانَ أَو لم يبْق فَإِن بَقِي فَهُوَ جهل فَإِن الْعلم بِأَن سيوجد غير الْعلم بِأَن قد وجد وَإِن لم يبْق فقد تغير والمتغير مَخْلُوق لَيْسَ بقديم وَوَافَقَ فِي هَذَا مَذْهَب هِشَام بن الحكم قَالَ وَإِذا ثَبت حُدُوث الْعلم فَلَيْسَ يَخْلُو إِمَّا أَن يحدث فِي ذَاته تَعَالَى وَذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى التَّغَيُّر فِي ذَاته وَأَن يكون محلا للحوادث وَإِمَّا أَن يحدث فِي مَحل فَيكون الْمحل مَوْصُوفا بِهِ لَا الْبَارِي تَعَالَى فَتعين أَنه لَا مَحل لَهُ فَأثْبت علوما حَادِثَة بِعَدَد المعلومات الْمَوْجُودَة وَمِنْهَا قَوْله فِي الْقُدْرَة الْحَادِثَة إِن الْإِنْسَان لَيْسَ يقدر على شَيْء وَلَا يُوصف بالاستطاعة وَإِنَّمَا هُوَ مجبور فِي أَفعاله لَا قدرَة لَهُ وَلَا إِرَادَة وَلَا اخْتِيَار وَإِنَّمَا يخلق الله تَعَالَى الْأَفْعَال فِيهِ على حسب مَا يخلق فِي سَائِر الجمادات وينسب إِلَيْهِ الْأَفْعَال مجَازًا كَمَا ينْسب إِلَى الجمادات كَمَا يَقُول أثمرت الشَّجَرَة وجري المَاء وتحرك الْحجر وطلعت الشَّمْس وغربت وتغيمت السَّمَاء وأمطرت وأزهرت الأَرْض وأنبتت إِلَى غير ذَلِك وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب جبر كَمَا أَن الْأَفْعَال جبر قَالَ وَإِذا ثَبت الْجَبْر فالتكليف أَيْضا كَانَ جبرا
وَمِنْهَا قَوْله إِن حركات أهل الْجنَّة وَالنَّار تَنْقَطِع وَالْجنَّة وَالنَّار تفنيان بعد دُخُول أَهلهَا فِيهَا وتلذذ أهل الْجنَّة بنعيمها وتألم أهل النَّار بجحيمها إِذْ لَا يتَصَوَّر حركات لَا تتناهى آخرا كَمَا لَا تتَصَوَّر حركات لَا تتناهى أَولا وَحمل قَوْله تَعَالَى {خَالِدِينَ فِيهَا} هود 107 على التَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة دون الْحَقِيقَة فِي التخليد كَمَا يُقَال خلد ملك فلَان وَاسْتشْهدَ على الِانْقِطَاع بقوله تَعَالَى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} هود 107 فالآية
(1/60)
 
 
اشْتَمَلت على شَرْطِيَّة واستثناء وَالْخُلُود والتأبيد لَا شَرط فِيهِ وَلَا اسْتثِْنَاء وَمِنْهَا قَوْله من أَتَى بالمعرفة ثمَّ جحد بِلِسَانِهِ لم يكفر بجحده لِأَن الْعلم والمعرفة لَا يزولان بالجحد فَهُوَ مُؤمن قَالَ وَالْإِيمَان لَا يَتَبَعَّض أَي لَا يَنْقَسِم إِلَى عقد وَقَول وَعمل قَالَ وَلَا يتفاضل أَهله فِيهِ فإيمان الْأَنْبِيَاء وإيمان الْأمة على نمط وَاحِد إِذْ المعارف لَا تتفاضل وَكَانَ السّلف كلهم من أَشد الرادين على جهم ونسبته إِلَى التعطيل الْمَحْض وَهُوَ أَيْضا مُوَافق للمعتزلة فِي نفي رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ لرَبهم يَوْم الْقِيَامَة وَفِي إِثْبَات خلق الْكَلَام وَإِيجَاب المعارف بِالْعقلِ قبل وُرُود الشَّرْع وَقد شن الْغَارة على جهم وَأَتْبَاعه وإخوانه من المبتدعة أساطين الْعلمَاء
وردوا استدلالهم وَأكْثر من نصب نَفسه لبَيَان الْحق وَالرَّدّ عَلَيْهِم من طريقي الْعقل وَالنَّقْل الإِمَام أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن حزم الظَّاهِرِيّ ثمَّ شيخ الْإِسْلَام أَحْمد بن تَيْمِية الْحَرَّانِي ثمَّ صَاحبه شمس الدّين مُحَمَّد بن قيم الجوزية قدس الله أسرارهم فَمن أَرَادَ الِاطِّلَاع على كسر جيوشهم وغلبتهم فِي ميدان الِاسْتِدْلَال فَعَلَيهِ بكتب هَؤُلَاءِ الْأَعْلَام وَلَو أننا اشترطنا فِي كتَابنَا هَذَا الِاخْتِصَار لاقتفينا أثر أُولَئِكَ النُّجُوم فاهتدينا بهم وعسانا إِن شرعنا بشرح نونية ابْن الْقيم أَن نأتي بِمَا يَكْفِي ويشفي
الْموضع الثَّالِث ذكر الإِمَام رَضِي الله عَنهُ الْمُعْتَزلَة وهم طوائف كَثِيرَة استوفى أقسامها من ألف فِي الْملَل والنحل كَأبي مَنْصُور الْبَغْدَادِيّ وَأبي الْفَتْح مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني وَلَكنهُمْ على كثرتهم يعمهم القَوْل بأصول اتَّخَذُوهَا أساسا لمداركهم ونحلتهم وَهِي قَوْلهم إِن الله تَعَالَى قديم والقدم أخص وصف ذَاته وَنَفَوْا
(1/61)
 
 
الصِّفَات الْقَدِيمَة أصلا فَقَالُوا هُوَ عَالم بِذَاتِهِ قَادر بِذَاتِهِ لَا بِعلم وَلَا قدرَة وحياة هِيَ صِفَات قديمَة وَمَعَان قَائِمَة بِهِ لِأَنَّهُ لَو شاركته الصِّفَات فِي الْقدَم الَّذِي هُوَ أخص الْوَصْف لشاركته فِي الألهية وَاتَّفَقُوا على أَن كَلَامه مُحدث مَخْلُوق فِي مَحل وَهُوَ حرف وَصَوت كتب أَمْثَاله فِي الْمَصَاحِف حكايات عَنهُ فأينما وجد فِي الْمحل عرض فقد فني فِي الْحَال وَاتَّفَقُوا على أَن الْإِرَادَة والسمع وَالْبَصَر لَيست مَعَاني قَائِمَة بذاتها لَكِن اخْتلفُوا فِي وُجُوه وجودهَا ومحامل مَعَانِيهَا وَاتَّفَقُوا على رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي دَار الْقَرار وَنفي التَّشْبِيه عَنهُ من كل وَجه جِهَة ومكانا وَصُورَة وجسما وتحيزا وانتقالا وزوالا وتغيرا وتأثرا وأحبوا تَأْوِيل الْآيَات المتشابهة الَّتِي يشْتَبه فِيهَا وَسموا هَذَا النمط توحيدا وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد قَادر خَالق لأفعاله خَيرهَا وشرها مُسْتَحقّ على مَا يَفْعَله ثَوابًا وعقابا فِي الدَّار الْآخِرَة والرب منزه أَن يُضَاف إِلَيْهِ شَرّ وظلم وَفعل هُوَ كفر ومعصية لِأَنَّهُ لَو خلق الظُّلم كَانَ ظَالِما كَمَا لَو خلق الْعدْل كَانَ عادلا وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَكِيم لَا يفعل إِلَّا الصّلاح وَالْخَيْر وَيجب من حَيْثُ الْحِكْمَة رِعَايَة مصَالح الْعباد وَأما الْأَصْلَح والألطف فَفِي وُجُوبه خلاف عِنْدهم وَسموا هَذَا النمط عدلا وَاتَّفَقُوا على أَن الْمُؤمن إِذا خرج من الدُّنْيَا على طَاعَة وتوبة اسْتحق الثَّوَاب والعوض والتفضيل معنى آخر وَرَاء الثَّوَاب وَإِذا خرج من غير تَوْبَة عَن كَبِيرَة ارتكبها اسْتحق الخلود فِي النَّار وَلَكِن يكون عِقَابه أخف من عِقَاب الْكفَّار وَسموا هَذَا النمط وَعدا ووعيدا
(1/62)
 
 
وَاتَّفَقُوا على أَن أصُول الْمعرفَة وشكر النِّعْمَة وَاجِب قبل وُرُود السّمع وَالْحسن والقبيح يجب معرفتهما بِالْعقلِ واعتناق الْحسن وَاجْتنَاب الْقَبِيح وَاجِب كَذَلِك وورود التكاليف إلطاف للباري تَعَالَى أرسلها إِلَى الْعباد بتوسط الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام امتحانا واختبارا ليهلك من هلك عَن بَيِّنَة ويحيي من حييّ عَن بَيِّنَة وَاخْتلفُوا فِي الْإِمَامَة وَالْقَوْل فِيهَا نصا واختيارا فَهَذِهِ أصُول مذاهبهم وَأما الْفُرُوع فللطوائف فِيهَا اخْتِلَاف يطول بَيَانه
الْموضع الرَّابِع ذكر الإِمَام رَضِي الله عَنهُ الرافضة وهم أَيْضا فرق ويجمعهم القَوْل بِوُجُوب التَّعْيِين والتخصيص فَإِنَّهُم شايعوا عليا عَلَيْهِ السَّلَام على الْخُصُوص وَقَالُوا بإمامته وخلافته نصا ووصاية إِمَّا جليا وَإِمَّا خفِيا واعتقدوا أَن الْإِمَامَة لَا تخرج من أَوْلَاده وَإِن خرجت فبظلم يكون من غَيره أَو بتقية من عِنْده قَالُوا وَلَيْسَت الْإِمَامَة قَضِيَّة مصلحية تناط بِاخْتِيَار الْعَامَّة وينتصب الإِمَام بنصبهم بل هِيَ قَضِيَّة أصولية هِيَ ركن الدّين لَا يجوز للرسول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إغفاله وإهماله وَلَا تفويضه إِلَى الْعَامَّة وإرساله وَقَالُوا بِثُبُوت عصمَة الْأَئِمَّة وجوبا عَن الْكَبَائِر والصغائر وَالْقَوْل بالتولي والتبري قولا وفعلا وعقدا إِلَّا فِي حَال التقية ويخالفهم بعض الزيدية فِي ذَلِك وَالْإِمَام رَضِي الله عَنهُ رد على المفضلة فَقَط وترفع عَن أَن يذكر مِنْهُم من ينْسب الشَّيْخَيْنِ للاتفاق على قَبِيح مقاصدهم وَقد أحسن ابْن حزم حَيْثُ قَالَ فِي كِتَابه الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل بعد أَن أتم الْكَلَام على المرجئة وَالْأَصْل فِي أَكثر خُرُوج هَذِه الطوائف عَن ديانَة الْإِسْلَام أَن الْفرس كَانُوا من سَعَة الْملك وعلو الْيَد على جَمِيع الْأُمَم وجلالة الحظير فِي أنفسهم حَتَّى إِنَّهُم كَانُوا يسمون أنفسهم الْأَحْرَار وَالْأَبْنَاء وَكَانُوا يعدون سَائِر النَّاس عبيدا لَهُم فَلَمَّا امتحنوا بِزَوَال الدولة عَنْهُم على
(1/63)
 
 
أَيدي الْعَرَب وَكَانَت الْعَرَب أقل الْأُمَم عِنْد الْفرس خطرا تعاظمهم الْأَمر وتضاعفت لديهم الْمُصِيبَة وراموا كيد الْإِسْلَام بالمحاربة فِي أَوْقَات شَتَّى وَفِي كل ذَلِك يظْهر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحق وَكَانَ من قائمتهم ستقادة واستاسيس وَالْمقنع وبابك وَغَيرهم
وَقبل هَؤُلَاءِ رام ذَلِك عمار الملقب بخداش وَأَبُو سلم السراج فَرَأَوْا أَن كيد الْإِسْلَام على الْحِيلَة أنجع فأظهر قوم مِنْهُم الْإِسْلَام واستمالوا أهل التَّشَيُّع بِإِظْهَار محبَّة أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستشناع ظلم عَليّ رَضِي الله عَنهُ ثمَّ سلكوا بهم مسالك شَتَّى حَتَّى أخرجوهم عَن الْإِسْلَام فقوم مِنْهُم أدخلوهم إِلَى القَوْل بِأَن رجلا ينْتَظر يدعى الْمهْدي عِنْده حَقِيقَة الدّين إِذْ لَا يجوز أَن يُؤْخَذ الدّين من هَؤُلَاءِ الْكفَّار إِذا نسبوا أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْكفْر وَقوم خَرجُوا إِلَى نبوة من ادعوا لَهُ النُّبُوَّة وَقوم سلكوا بهم المسلك الْقَائِل صَاحبه بالحلول وَسُقُوط الشَّرَائِع وَآخَرُونَ تلاعبوا فأوجبوا عَلَيْهِم خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَآخَرُونَ قَالُوا بل هِيَ سبع عشرَة صَلَاة فِي كل صَلَاة خمس عشرَة رَكْعَة وَهَذَا قَول عبد الله بن عمر بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ قبل أَن يصير خارجيا صفريا وَقد سلك هَذَا المسلك أَيْضا عبد الله بن سبأ الْحِمْيَرِي الْيَهُودِيّ فَإِنَّهُ لَعنه الله أظهر الْإِسْلَام لكيد أَهله فَهُوَ كَانَ أصل إثارة النَّاس على عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ وأحرق عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ مِنْهُم طوائف أعْلنُوا لَهُ بالألهية وَمن هَذِه الْأُصُول الملعونة حدثت الإسماعيلية والقرامطة وهما طَائِفَتَانِ مجاهرتان بترك الْإِسْلَام جملَة قائلتان بالمجوسية الْمَحْضَة ثمَّ مَذْهَب مردك الموبذ الَّذِي كَانَ على عهد أنوشروان ابْن قيماد ملك الْفرس وَكَانَ يَقُول بِوُجُوب تأسي النَّاس فِي النِّسَاء وَالْأَمْوَال
(1/64)
 
 
قَالَ ابْن حزم فَإِذا بلغ النَّاس إِلَى هذَيْن الشعبين أَخْرجُوهُ عَن الْإِسْلَام كَيفَ شاؤوا إِذْ هَذَا هُوَ غرضهم فَقَط فَالله الله عباد الله اتَّقوا الله فِي أَنفسكُم وَلَا يَغُرنكُمْ أهل الْكفْر والإلحاد وَمن موه كَلَامه بِغَيْر برهَان لَكِن تمويهات وَوعظ على خلاف مَا أَتَاكُم بِهِ كتاب ربكُم وَكَلَام نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا خير فِيمَا سواهُمَا
وَاعْلَمُوا أَن دين الله ظَاهر لَا بَاطِن فِيهِ وجهر لَا سر تَحْتَهُ كُله برهَان وَلَا مُسَامَحَة فِيهِ واتهموا كل من يَدْعُو أَن يتبع بِلَا برهَان وكل من ادّعى للديانة سرا وَبَاطنا فَهِيَ دعاوى ومخارق وَاعْلَمُوا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكتم من الشَّرِيعَة كلمة فَمَا فَوْقهَا وَلَا اطلع أخص النَّاس بِهِ من زَوْجَة أَو ابْنة أَو عَم أَو ابْن عَم أَو صَاحب على شَيْء من الشَّرِيعَة كتمه عَن الْأَحْمَر وَالْأسود ورعاة الْغنم وَلَا كَانَ عِنْده عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سر وَلَا رمز وَلَا بَاطِن غير مَا دعى النَّاس كلهم إِلَيْهِ وَلَو كتمهم شَيْئا لما بلغ كَمَا أَمر وَمن قَالَ هَذَا فَهُوَ كَافِر فإياكم وكل قَول لم يبين سَبيله وَلَا وضح دَلِيله وَلَا تعوجا عَن مَا مضى عَلَيْهِ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم قَالَ وَجُمْلَة الْخَيْر كُله أَن تلتزموا مَا قصّ عَلَيْكُم ربكُم تَعَالَى فِي الْقُرْآن بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين لم يفرط فِيهِ من شَيْء تبيانا لكل شَيْء وَمَا صَحَّ عَن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرِوَايَة الثِّقَات من أَئِمَّة أَصْحَاب الحَدِيث رَضِي الله عَنْهُم مُسْندًا إِلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهما طريقتان يوصلانكم إِلَى رِضَاء ربكُم عز وَجل هَذَا كَلَامه فقد نَادَى بِالْحَقِّ علنا وَأَبَان عَن عقيدة الْفرْقَة النَّاجِية فرحمه الله تَعَالَى
الْموضع الْخَامِس قَول الإِمَام رَضِي الله عَنهُ كُنَّا نقُول أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ونسكت عَن عَليّ حَتَّى صَحَّ لنا حَدِيث ابْن عمر
(1/65)
 
 
بالتفضيل يُشِير إِلَى أَنه رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَدُور مَعَ الدَّلِيل الصَّحِيح كَيْفَمَا دَار فَإِذا أشكل عَلَيْهِ سكت إِلَى أَن يتجلى لَهُ الْحق وَلما كَانَ عِنْده تردد فِي حَدِيث ابْن عمر من حَيْثُ الصِّحَّة وَعدمهَا أطرح الْميل القلبي وَلم يعبأ بِهِ فَلَمَّا تبين لَهُ صِحَّته باح بمضمونه وَلَيْسَ سُكُوته أَيْضا إِلَّا عَن دَلِيل فقد قَالَ فِي مُسْنده حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدثنَا سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا نعد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ وَأَصْحَابه متوافرون أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان ثمَّ نسكت وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب من هَذَا الْوَجْه يستغرب من حَدِيث عبيد الله بن عمر وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من غير وَجه عَن ابْن عمر انْتهى
(1/66)
 
 
وَقَوله من غير وَجه أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فَلَيْسَ بغريب من هَذَا الْوَجْه وَأما الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الإِمَام فَإِنِّي كشفت عَلَيْهِ فِي الْمسند فَلم أَجِدهُ وَلست أَدْرِي هَل هُوَ فِيهِ فزاغ عَنهُ الْبَصَر أم هُوَ مَفْقُود مِنْهُ وَكَذَلِكَ فتشت عَلَيْهِ فِي الْكتب السِّتَّة فَلم أَجِدهُ لكنني وجدت أَن الْحَافِظ أَبَا الْقَاسِم عَليّ بن عَسَاكِر الدِّمَشْقِي رَوَاهُ فِي تَرْجَمَة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ من تَارِيخه الْكَبِير عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا نقُول وَرَسُول الله حَيّ أفضل الْأمة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ثمَّ عَليّ فَيبلغ ذَلِك رَسُول الله وَلَا يُنكره وَفِي لفظ ثمَّ نَدع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا نفاضل بَينهم
وَحَيْثُ إِن الإِمَام أَشَارَ إِلَى صِحَة هَذَا الحَدِيث تركنَا الْكَلَام عَلَيْهِ اكْتِفَاء بتوثيق إِمَام الْمُحدثين
وَقد أخرج ابْن عَسَاكِر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من فضلني على أبي بكر وَعمر جلدته جلد المفتري وَهل أَنا إِلَّا حَسَنَة من حَسَنَات أبي بكر وَعمر
وَله كَلَام غير هَذَا ذكرته فِي كتابي تَهْذِيب تَارِيخ ابْن عَسَاكِر
وروى الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْقَاضِي أَبُو يعلى فِي طبقاته وبرهان الدّين بن مُفْلِح فِي الْمَقْصد الأرشد عَن مُحَمَّد بن حميد الأندراني عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ صفة الْمُؤمن من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأقر بِجَمِيعِ مَا أَتَت بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالرسل وَعقد قلبه على مَا ظهر من لِسَانه وَلم يشك فِي إيمَانه وَلم يكفر أحدا من أهل التَّوْحِيد بذنب وأرجأ مَا غَابَ عَنهُ من الْأُمُور إِلَى الله عز وَجل وفوض أمره إِلَى الله وَلم يقطع بِالذنُوبِ الْعِصْمَة من عِنْد الله وَعلم
(1/67)
 
 
أَن كل شَيْء بِقَضَاء الله وَقدره الْخَيْر وَالشَّر جَمِيعًا وَرَجا لمحسن أمة مُحَمَّد وتخوف على مسيئتهم وَلم ينزل أحدا من أمة مُحَمَّد الْجنَّة بِالْإِحْسَانِ وَلَا النَّار بذنب اكْتَسبهُ حَتَّى يكون الله الَّذِي ينزل بخلقه كَيفَ يَشَاء وَعرف حق السّلف الَّذين اخْتَارَهُمْ الله لصحبة نبيه وَقدم أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعرف حق عَليّ بن أبي طَالب وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد بن أبي وَقاص وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل على سَائِر الصَّحَابَة فَإِن هَؤُلَاءِ التِّسْعَة الَّذين كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جبل حراء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسكن حراء فَمَا عَلَيْك إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عاشرهم وترحم على جَمِيع أَصْحَاب مُحَمَّد صَغِيرهمْ وَكَبِيرهمْ وَحدث بفضائلهم وَأمْسك عَمَّا شجر بَينهم وَصَلَاة الْعِيدَيْنِ والخسوف وَالْجُمُعَة وَالْجَمَاعَات مَعَ كل أَمِير بر أَو فَاجر وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ فِي السّفر والحضر وَالْقصر فِي السفير
وَالْقُرْآن كَلَام الله وتنزيله وَلَيْسَ بمخلوق وَالْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص وَالْجهَاد مَاض مُنْذُ بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى آخر عِصَابَة يُقَاتلُون الدَّجَّال لَا يضرهم جور جَائِر
وَالشِّرَاء وَالْبيع حَلَال إِلَى يَوْم الْقِيَامَة على حكم الْكتاب وَالسّنة
(1/68)
 
 
وَالتَّكْبِير على الْجَنَائِز أَرْبعا وَالدُّعَاء لأئمة الْمُسلمين بالصلاح وَلَا تخرج عَلَيْهِم بسيفك وَلَا تقَاتل فِي فتْنَة والزم بَيْتك
وَالْإِيمَان بِعَذَاب الْقَبْر وَالْإِيمَان بمنكر وَنَكِير وَالْإِيمَان بالحوض والشفاعة
وَالْإِيمَان بِأَن أهل الْجنَّة يرَوْنَ رَبهم تبَارك وَتَعَالَى
وَالْإِيمَان بِأَن الْمُوَحِّدين يخرجُون من النَّار بَعْدَمَا امتحشوا كَمَا جَاءَت الْأَحَادِيث فِي هَذِه الْأَشْيَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نؤمن بتصديقها وَلَا نضرب لَهَا الْأَمْثَال
هَذَا مَا اجْتمع عَلَيْهِ الْعلمَاء فِي جَمِيع الْآفَاق انْتَهَت رِوَايَة الأندراني وتليها رِوَايَة عَبدُوس
روى أَبُو يعلى فِي الطَّبَقَات والخلال والحافظ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المناقب عَن عَبدُوس بن مَالك أَبُو مُحَمَّد الْعَطَّار قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل يَقُول أصُول السّنة عندنَا التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والاقتداء بهم وَترك الْبدع وكل بِدعَة فَهِيَ ضَلَالَة وَترك المراء والجدال والخصومات فِي الدّين
وَالسّنة عندنَا آثَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالسّنة تفسر الْقُرْآن وَهِي دَلَائِل الْقُرْآن وَلَيْسَ فِي السّنة قِيَاس وَلَا تضرب لَهَا الْأَمْثَال وَلَا تدْرك بالعقول وَلَا الْأَهْوَاء وَإِنَّمَا هُوَ الِاتِّبَاع وَترك الْهوى
وَمن السّنة اللَّازِمَة الَّتِي من ترك مِنْهَا خصْلَة لم يقبلهَا ويؤمن بهَا لم يكن من أَهلهَا الْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره والتصديق بالأحاديث فِيهِ وَالْإِيمَان بهَا وَلَا يُقَال لم وَلَا كَيفَ إِنَّمَا هُوَ التَّصْدِيق وَالْإِيمَان بهَا وَمن لم يعرف تَفْسِير الحَدِيث ويبلغه عقله فقد كفى ذَلِك واحكم لَهُ فَعَلَيهِ الْإِيمَان بِهِ وَالتَّسْلِيم لَهُ مثل
(1/69)
 
 
حَدِيث الصَّادِق المصدوق وَمثل مَا كَانَ مثله فِي الْقَضَاء وَالْقدر وَمثل أَحَادِيث الرُّؤْيَة كلهَا وَإِن نبت عَن الأسماع واستوحش مِنْهَا المستمع فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِيمَان بهَا وَأَن لَا يرد فِيهَا حرفا وَاحِدًا وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث المأثورات عَن الثِّقَات وَأَن لَا يُخَاصم أحدا وَلَا يناظره وَلَا يتَعَلَّم الْجِدَال فَإِن الْكَلَام فِي الْقدر والرؤية وَالْقُرْآن وَغَيرهَا من السّنَن مَكْرُوه مَنْهِيّ عَنهُ لَا يكون صَاحبه وَإِن أصَاب بِكَلَامِهِ السّنة من أهل السّنة حَتَّى يدع الْجِدَال وَيسلم ويؤمن بالآثار وَالْقُرْآن كَلَام الله وَلَيْسَ بمخلوق وَلَا يضعف أَن يَقُول الْقُرْآن لَيْسَ بمخلوق فَإِن كَلَام الله لَيْسَ ببائن مِنْهُ وَلَيْسَ مِنْهُ شَيْء مَخْلُوق
وَإِيَّاك ومناظرة من أحدث فِيهِ وَمن قَالَ بِاللَّفْظِ وَغَيره وَمن وقف فِيهِ فَقَالَ لَا أَدْرِي أمخلوق أَو لَيْسَ بمخلوق وَإِنَّمَا هُوَ
(1/70)
 
 
كَلَام الله فَهَذَا صَاحب بِدعَة مثل من قَالَ هُوَ مَخْلُوق وَإِنَّمَا هُوَ كَلَام الله وَلَيْسَ بمخلوق
وَالْإِيمَان بِالرُّؤْيَةِ يَوْم الْقِيَامَة كَمَا رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَحَادِيث الصِّحَاح وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رأى ربه فَإِنَّهُ مأثور عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَحِيح رَوَاهُ قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وَرَوَاهُ الْحَاكِم بن أبان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وَرَوَاهُ عَليّ بن زيد عَن يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس
والْحَدِيث عندنَا على ظَاهره كَمَا جَاءَ
(1/71)
 
 
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْكَلَام فِيهِ بِدعَة وَلَكِن نؤمن بِهِ على ظَاهره وَلَا نناظر فِيهِ أحدا
وَالْإِيمَان بالميزان يَوْم الْقِيَامَة كَمَا جَاءَ يُوزن العَبْد يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يزن جنَاح بعوضة وتوزن أَعمال الْعباد كَمَا جَاءَ فِي الْأَثر والتصديق بِهِ والأعراض عَمَّن رد ذَلِك وَترك مجادلته
وَإِن الله يكلم الْعباد يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ بَينه وَبينهمْ ترجمان وَالْإِيمَان بِهِ والتصديق
(1/72)
 
 
وَالْإِيمَان بالحوض وَأَن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حوضا يَوْم الْقِيَامَة ترد عَلَيْهِ أمته عرضه مثل طوله مسيرَة شهر آنيته كعدد نُجُوم السَّمَاء على مَا صحت بِهِ الْأَخْبَار من غير وَجه
وَالْإِيمَان بِعَذَاب الْقَبْر وَأَن هَذِه الْأمة تفتن فِي قبورها وتسأل عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَمن ربه وَمن نبيه ويأتيه مُنكر وَنَكِير كَيفَ شَاءَ الله وَكَيف أَرَادَ
وَالْإِيمَان بِهِ والتصديق بِهِ
وَالْإِيمَان بشفاعة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبقوم يخرجُون من النَّار بعد مَا احترقوا وصاروا فحما فَيُؤْمَر بهم إِلَى نهر على بَاب
(1/73)
 
 
الْجنَّة كَمَا جَاءَ الْأَثر كَيفَ يَشَاء وكما شَاءَ إِنَّمَا هُوَ الْإِيمَان بِهِ والتصديق بِهِ
وَالْإِيمَان بِأَن الْمَسِيح الدَّجَّال خَارج مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر وَالْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت فِيهِ وَالْإِيمَان بِأَن ذَلِك كَائِن وَأَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام ينزل فيقتله بِبَاب لد
وَالْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر أكمل
(1/74)
 
 
الْمُؤمنِينَ إِيمَانًا أحْسنهم خلقا وَمن ترك الصَّلَاة فقد كفر وَلَيْسَ من الْأَعْمَال شَيْء تَركه كفر إِلَّا الصَّلَاة من تَركهَا فَهُوَ كَافِر وَقد أحل الله قَتله والنفاق هُوَ الْكفْر أَن يكفر بِاللَّه ويعبد غَيره وَيظْهر الْإِسْلَام فِي الْعَلَانِيَة مثل الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من كن فِيهِ فَهُوَ مُنَافِق على التَّغْلِيظ يروونها كَمَا جَاءَت وَلَا نفسرها
وَقَوله لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا ضلالا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض
وَمثل إِذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار وَمثل سباب الْمُؤمن فسوق
(1/75)
 
 
وقتاله كفر وَمثل من قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِر فقد بَاء بهَا أَحدهمَا
وَمثل كفر بِاللَّه تَعَالَى من تَبرأ من نسب وَإِن دق
وَنَحْو هَذِه الْأَحَادِيث مِمَّا قد صَحَّ وَحفظ وَإِنَّا نسلم لَهُ وَإِن لم نعلم تَفْسِيرهَا وَلَا نتكلم فِيهِ وَلَا نجادل فِيهِ وَلَا نفسر هَذِه الْأَحَادِيث إِلَّا بِمثل مَا جَاءَت لَا نردها إِلَّا بِأَحَق مِنْهَا
وَالرَّجم حق على من زنا وَقد أحصن إِذا اعْترف أَو قَامَت عَلَيْهِ الْبَيِّنَة قد رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورجمت الْخُلَفَاء الراشدون قَالَ وَلَا نشْهد على أحد من أهل الْقبْلَة بِعَمَل يعمله بجنة وَلَا نَار نرجو للصالح ونخاف على الْمُسِيء المذنب وَنَرْجُو لَهُ رَحْمَة الله
وَمن لَقِي الله بذنب تجب لَهُ بِهِ النَّار تَائِبًا غير مصر عَلَيْهِ فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ {يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} الشورى 25 وَمن لقِيه وَقد أقيم عَلَيْهِ حد ذَلِك فِي الدُّنْيَا من
(1/76)
 
 
الذُّنُوب الَّتِي قد اسْتوْجبَ بهَا الْعقُوبَة فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
قَالَ وَمن الْإِيمَان الِاعْتِقَاد بِأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان قد خلقتا كَمَا جَاءَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخلت الْجنَّة فَرَأَيْت قصرا وَرَأَيْت فِيهَا الْكَوْثَر واطلعت فِي الْجنَّة فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا كَذَا وأطلعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا كَذَا وَكَذَا فَمن زعم أَنَّهُمَا لم يخلقا فَهُوَ مكذب بِالْقُرْآنِ وَأَحَادِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَحْسبهُ يُؤمن بِالْجنَّةِ وَالنَّار
(1/77)
 
 
وَمن مَاتَ من أهل الْقبْلَة موحدا نصلي عَلَيْهِ ونستغفر لَهُ وَلَا يحجب عَنهُ الاسْتِغْفَار وَلَا نَتْرُك الصَّلَاة عَلَيْهِ لذنب أذنبه صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا ونفوض أمره إِلَى الله عز وَجل
وقتال اللُّصُوص والخوارج جَائِز إِذا عرضوا للرجل فِي نَفسه وَمَاله فَلهُ أَن يُقَاتل عَن نَفسه وَمَاله وَيدْفَع عَنْهُمَا بِكُل مَا يقدر وَلَيْسَ لَهُ إِذا فارقوه أَو تَرَكُوهُ أَن يطلبهم وَلَا يتتبع آثَارهم لَيْسَ لأحد إِلَّا للْإِمَام أَو وُلَاة الْمُسلمين إِنَّمَا لَهُ أَن يدْفع عَن نَفسه فِي مقَامه وَيَنْوِي بِجهْدِهِ أَن لَا يقتل أحدا فَإِن أَتَى على بدنه فِي دَفعه عَن نَفسه فِي المعركة فأبعد الله الْمَقْتُول وَإِن قتل هَذَا فِي تِلْكَ الْحَال وَهُوَ يدْفع عَن نَفسه وَمَاله رَجَوْت لَهُ الشَّهَادَة كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيث وَجَمِيع الْآثَار فِي هَذَا إِنَّمَا أَمر بقتاله وَلم يُؤمر بقتْله وَلَا اتِّبَاعه وَلَا يُجهز عَلَيْهِ إِن صرع وَإِن كَانَ طريحا وَإِن أَخذه أَسِيرًا فَلَيْسَ لَهُ أَن يقْتله وَلَا أَن يُقيم عَلَيْهِ الْحَد وَلَكِن يرفع أمره إِلَى من ولاه الله فَيحكم فِيهِ
والسمع وَالطَّاعَة للأئمة وأمير الْمُؤمنِينَ الْبر والفاجر وَمن ولي الْخلَافَة من اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ ورضوه وَمن غلبهم بِالسَّيْفِ حَتَّى صَار خَليفَة وَيُسمى أَمِير الْمُؤمنِينَ والغزو مَاض مَعَ الْأُمَرَاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة الْبر والفاجر لَا يتْرك وَقِسْمَة الْفَيْء وَإِقَامَة الْحُدُود إِلَى الْأَئِمَّة مَاض لَيْسَ لأحد أَن يطعن عَلَيْهِم وَلَا ينازعهم وَدفع الصَّدقَات إِلَيْهِم جَائِزَة نَافِذَة من دَفعهَا إِلَيْهِم أَجْزَأت عَنهُ برا كَانَ أَو فَاجِرًا
(1/78)
 
 
وَصَلَاة الْجُمُعَة خَلفه وَخلف من ولي جَائِزَة إِمَامَته رَكْعَتَيْنِ من أعادهما فَهُوَ مُبْتَدع تَارِك للآثار مُخَالف للسّنة لَيْسَ لَهُ من فضل الْجُمُعَة شَيْء إِذا لم ير الصَّلَاة خلف الْأَئِمَّة كائنين من كَانُوا برهم وفاجرهم فَالسنة أَن تصلي مَعَهم رَكْعَتَيْنِ وَتَدين بِأَنَّهَا تَامَّة لَا يكن فِي صدرك شكّ وَمن خرج على إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَقد كَانُوا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ وأقروا لَهُ بالخلافة بِأَيّ وَجه كَانَ بِالرِّضَا أَو بالغلبة فقد شقّ هَذَا الْخَارِج عَصا الْمُسلمين وَخَالف الْآثَار عَن رَسُول الله فَإِن مَاتَ الْخَارِج عَلَيْهِ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَلَا يحل قتال السُّلْطَان وَلَا الْخُرُوج عَلَيْهِ لأحد من النَّاس فَمن فعل ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع على غير السّنة وَالطَّرِيق انْتَهَت رِوَايَة عَبدُوس وَإِلَيْك غَيرهَا
أخرج أَبُو يعلى فِي الطَّبَقَات والحافظ ابْن الْجَوْزِيّ فِي المناقب وَذكر الْبُرْهَان ابْن مُفْلِح فِي الطَّبَقَات عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل الربعِي أَنه قَالَ قَالَ لي أَحْمد بن حَنْبَل إِمَام أهل السّنة والصابر لله عز وَجل تَحت المحنة اجْمَعْ تسعون رجلا من التَّابِعين وأئمة الْمُسلمين وأئمة السّلف وفقهاء الْأَمْصَار على أَن السّنة الَّتِي توفّي عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَولهَا الرضاء بِقَضَاء الله تَعَالَى وَالتَّسْلِيم لأَمره وَالصَّبْر تَحت حكمه وَالْأَخْذ بِمَا أَمر الله بِهِ وَالنَّهْي عَمَّا نهى الله عَنهُ وإخلاص الْعَمَل لله وَالْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره وَترك المراء والجدال والخصومات فِي الدّين وَالْمسح على الْخُفَّيْنِ وَالْجهَاد مَعَ كل خَليفَة بر وَفَاجِر وَالصَّلَاة على من تَابَ من أهل الْقبْلَة وَالْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد الطَّاعَة وَينْقص بالمعصية وَالْقُرْآن كَلَام الله منزل على قلب نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير مَخْلُوق من حَيْثُ تلى وَالصَّبْر تَحت لِوَاء
(1/79)
 
 
السُّلْطَان مَا كَانَ مِنْهُ من عدل أَو جور وَلَا نخرج على الْأُمَرَاء بِالسَّيْفِ وَإِن جاروا وَلَا نكفر أحدا من أهل التَّوْحِيد وَإِن عمِلُوا بالكبائر والكف عَمَّا شجر بَين أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأفضل النَّاس بعد رَسُول الله أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي ابْن عَم رَسُول الله والترحم على جَمِيع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأزواجه وَأَوْلَاده وأصهاره رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فَهَذِهِ هِيَ السّنة الزموها تسلموا أَخذهَا بركَة وَتركهَا ضَلَالَة
(1/80)
 
 
رَوْضَة فِي كَلِمَات للْإِمَام فِي مسَائِل من أصُول الدّين
روى عَنهُ أَبُو دَاوُد صَاحب السّنَن أَنه قَالَ الْإِيمَان قَول وَعمل وَيزِيد وَينْقص الْبر كُله من الْإِيمَان والمعاصي تنقص الْإِيمَان
وروى الْحَافِظ ابْن الْجَوْزِيّ عَن صَالح بن الإِمَام أَحْمد قَالَ تناهى إِلَيّ أَن أَبَا طَالب يَحْكِي عَن أبي أَنه يَقُول لَفْظِي بالمخلوق غير مَخْلُوق فَأخْبرت أبي بذلك فَقَالَ من أخْبرك فَقلت فلَان فَقَالَ ابْعَثْ إِلَى أبي طَالب فوجهت إِلَيْهِ فجَاء وَجَاء بوران فَقَالَ لَهُ إِنِّي أَنا قلت لَك لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق وَغَضب وَجعل يرعد فَقَالَ قَرَأت قل هُوَ الله أحد فَقلت هَذَا لَيْسَ بمخلوق فَقَالَ لَهُ لم حكيت عني أَنِّي قلت لَك لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق وَبَلغنِي أَنَّك وضعت ذَلِك فِي كتاب وكتبت بِهِ إِلَى قوم فَإِن كَانَ فِي كتابك فامحه أَشد المحو واكتب إِلَى الْقَوْم الَّذين كتبت إِلَيْهِم إِنَّنِي لم أقل ذَلِك فَجعل بوران يعْتَذر لَهُ وَانْصَرف أَبُو طَالب فَذكر أَنه قد كَانَ حك ذَلِك من كِتَابه وَأَنه قد كتب إِلَى الْقَوْم يُخْبِرهُمْ أَنه وهم على أبي فِي الْحِكَايَة
هَذَا
(1/81)
 
 
قلت وَلَقَد وهم أَبُو طَالب حَقًا فَإِن قَول الإِمَام هَذَا لَيْسَ بمخلوق أَشَارَ بِهِ إِلَى المقروء وَأَبُو طَالب فهم أَنه أَشَارَ بِهِ إِلَى أَلْفَاظ القارىء وَهَذَا أَشد الْغَلَط وحاشا أَن يَجْعَل لَفظه بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق فليفهم
وَكَانَ يَقُول فِي أَحَادِيث الصِّفَات يرونها كَمَا جَاءَت وَكَانَ يَقُول عُلَمَاء الْمُعْتَزلَة زنادقة وَقَالَ لِابْنِهِ عبد الله لَا تصل خلف من قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَإِن صلى رجل خَلفه أعَاد الصَّلَاة وَقَالَ للميموني يَا أَبَا الْحسن إِذا رَأَيْت رجلا يذكر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسوء فاتهمه على الْإِسْلَام
وَقَالَ لما مرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم أَبَا بكر ليُصَلِّي بِالنَّاسِ وَقد كَانَ فِي الْقَوْم من هُوَ أَقرَأ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْخلَافَة وَأخرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي المناقب وَأَبُو يعلى فِي طبقاته عَن عَبدُوس بن مَالك الْعَطَّار قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل يَقُول خير هَذِه الْأمة بعد نبيها أَبُو بكر الصّديق ثمَّ عمر بن الْخطاب ثمَّ عُثْمَان بن عَفَّان نقدم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَمَا قدمهم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِك ثمَّ من بعد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة أَصْحَاب الشورى الْخَمْسَة عَليّ وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَسعد وَكلهمْ يصلح للخلافة وَكلهمْ إِمَام نَذْهَب فِي ذَلِك إِلَى حَدِيث ابْن عمر كُنَّا نعد وَرَسُول الله حَيّ وَأَصْحَابه
(1/82)
 
 
متوافرون أَبُو بكر ثمَّ عمر ثمَّ عُثْمَان ونسكت ثمَّ نعد أَصْحَاب الشورى أهل بدر من الْمُهَاجِرين وَأهل بدر من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قدر الْهِجْرَة والسابقة أَولا فأولا ثمَّ أفضل النَّاس بعد هَؤُلَاءِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقرن الَّذِي بعث فيهم كل من صَحبه سنة أَو شهرا أَو يَوْمًا أَو سَاعَة أَو رَآهُ فَهُوَ من أَصْحَابه لَهُ من الصُّحْبَة على قدر مَا صَحبه وَكَانَت سابقته مَعَه وَسمع مِنْهُ وَنظر إِلَيْهِ نظرة فأدناهم صُحْبَة هُوَ أفضل من الْقرن الَّذِي لم يروه وَلَو لقوا الله بِجَمِيعِ الْأَعْمَال كَانَ هَؤُلَاءِ الَّذين صحبوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورأوه وسمعوا مِنْهُ وَرَآهُ بِعَيْنِه وآمن بِهِ وَلَو سَاعَة أفضل لصحبتهم من التَّابِعين وَلَو عمِلُوا كل أَعمال الْخَيْر وَمن انْتقصَ أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبغضه لحَدث كَانَ مِنْهُ أَو ذكر مساويه كَانَ مبتدعا حَتَّى يترحم عَلَيْهِم جَمِيعًا وَيكون قلبه سليما
تَنْبِيه أدرج أَبُو يعلى هَذِه الرِّوَايَة فِي رِوَايَة عَبدُوس السَّابِقَة وأفردها ابْن الْجَوْزِيّ وَنحن تَبِعْنَاهُ فِي إفرادها وَكَانَ يَقُول قدمُوا عُثْمَان على عَليّ وَقَالَ من قدم عليا على عُثْمَان فقد أزرى بأصحاب الشورى
وَقَالَ أَيْضا من فضل عليا على أبي بكر فقد طعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن قدم عليا على عمر فقد طعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أبي بكر وَمن قدم عليا على عُثْمَان فقد طعن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وعَلى الْمُهَاجِرين وَلَا أَحسب يصلح لَهُ عمل
روى ابْن الْجَوْزِيّ ذَلِك عَن مُحَمَّد بن عَوْف عَن أَحْمد
(1/83)
 
 
وروى أَيْضا عَن عبد الله بن الإِمَام أَحْمد قَالَ كنت بَين يَدي أبي جَالِسا ذَات يَوْم فَجَاءَت طَائِفَة من الكرخية فَذكرُوا خلَافَة أبي بكر وَخِلَافَة عمر وَخِلَافَة عُثْمَان فَأَكْثرُوا وَذكروا خلَافَة عَليّ بن أبي طَالب فزادوا وأطالوا فَرفع أبي رَأسه إِلَيْهِم فَقَالَ يَا هَؤُلَاءِ قد أَكثرْتُم القَوْل فِي عَليّ والخلافة إِن الْخلَافَة لَا تزين عليا بل عَليّ يزينها قَالَ البشاري فَحدثت بِهَذَا بعض الشِّيعَة فَقَالَ لي قد أخرجت نصف مَا كَانَ فِي قلبِي على أَحْمد بن حَنْبَل من البغض
وَكَانَ الإِمَام أَحْمد يَقُول مَا لأحد من الصَّحَابَة من الْفَضَائِل بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاح مَا لعَلي رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ من لم يثبت الْإِمَامَة لعَلي فَهُوَ أضلّ من حمَار أَهله
وروى ابْن الْجَوْزِيّ عَن حَنْبَل قَالَ قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل هَل خلَافَة عَليّ ثَابِتَة فَقَالَ سُبْحَانَ الله يُقيم على الْحُدُود وَيقطع وَيَأْخُذ الصَّدَقَة ويقسمها بِلَا حق وَجب لَهُ أعوذ بِاللَّه من هَذِه الْمقَالة نعم هُوَ خَليفَة رضية أَصْحَاب رَسُول الله وصلوا خَلفه وغزوا مَعَه وَجَاهدُوا وحجوا وَكَانُوا ي
بُد الله سَأَلت أبي عَن رجل شتم رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله فَقَالَ مَا أرَاهُ على الْإِسْلَام
(1/84)
 
 
شذرة أَيْضا فِي كَلَامه فِي الْأُصُول
أخرج ابْن الْجَوْزِيّ عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن هانىء الطَّائِي الْمَعْرُوف بالأثرم قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول إِنَّمَا هُوَ السّنة والاتباع وَإِنَّمَا الْقيَاس يقيس على أصل ثمَّ يَجِيء إِلَى الأَصْل فيهدمه ثمَّ يَقُول هَذَا قِيَاس فعلى أَي شَيْء كَانَ هَذَا الْقيَاس وَقيل لَهُ لَا يَنْبَغِي أَن يقيس إِلَّا رجل عَالم كَبِير يعرف نِسْبَة الشَّيْء بالشَّيْء معرفَة كَثِيرَة فَقَالَ أجل لَا يَنْبَغِي
قَالَ الْأَثْرَم وَسمعت أَبَا عبد الله يَقُول إِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث لم نَأْخُذ فِيهَا بقول أحد من الصَّحَابَة وَلَا بقول من بعدهمْ وَإِذا كَانَ فِي الْمَسْأَلَة عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَول مُخْتَلف نتخير من أقاويلهم وَلَا نَأْخُذ بقول من بعدهمْ وَإِذا لم يكن فِيهَا حَدِيث وَلَا قَول لأحد من الصَّحَابَة نتخير من أَقْوَال التَّابِعين وَرُبمَا كَانَ الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي إِسْنَاده شَيْء فنأخذ بِهِ إِذا لم يجىء خِلَافه قَالَ أَخذنَا بِالْحَدِيثِ الْمُرْسل إِذا لم يجىء خِلَافه
وروى مُحَمَّد بن عَوْف بن سُفْيَان الطَّائِي الْحِمصِي عَن الإِمَام أَحْمد مقَالَة طَوِيلَة فِي الِاعْتِقَاد حَكَاهَا عَنهُ أَبُو يعلى فِي الطَّبَقَات لَكِنَّهَا لما كَانَت مسائلها قد تضمنتها رسالتي مُسَدّد وعبدوس أضربنا عَن ذكرهَا خوف التَّطْوِيل
وروى أَبُو يعلى فِي تَرْجَمَة أَحْمد بن يَعْقُوب الْفَارِسِي
(1/85)
 
 
الأصطخري عَنهُ رِسَالَة مُطَوَّلَة عَن الإِمَام أَحْمد وَنحن ننقلها هُنَا وَإِن كَانَ فِيهَا تكْرَار لما مضى فَإِن المكرر أحلى
قَالَ الأصطخري قَالَ أَبُو عبد الله أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل هَذِه مَذَاهِب أهل الْعلم وَأَصْحَاب الْأَثر وَأهل السّنة المتمسكين بعروقها المعروفين بهَا المقتدى بهم فِيهَا من لدن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَأدْركت من أدْركْت من عُلَمَاء أهل الْحجاز وَالشَّام وَغَيرهم عَلَيْهَا فَمن خَالف شَيْئا من هَذِه الْمذَاهب أَو طعن فِيهَا أَو أعاب قَائِلهَا فَهُوَ مُبْتَدع خَارج من الْجَمَاعَة زائل عَن مَنْهَج السّنة وسبيل الْحق وَكَانَ قَوْلهم إِن الْإِيمَان قَول وَعمل وَنِيَّة وَتمسك بِالسنةِ وَالْإِيمَان يزِيد وَينْقص وَيسْتَثْنى فِي الْإِيمَان غير أَن لَا يكون الِاسْتِثْنَاء شكا إِنَّمَا هِيَ سنة عِنْد الْعلمَاء مَاضِيَة قَالَ وَإِذا سُئِلَ رجل أمؤمن أَنْت فَإِنَّهُ يَقُول أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله أَو مُؤمن أَرْجُو أَو يَقُول آمَنت بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله
أَن الْإِيمَان قَول بِلَا عمل فَهُوَ مرجىء
(1/86)
 
 
وَمن زعم أَن الْإِيمَان هُوَ القَوْل والأعمال شرائع فَهُوَ مرجىء
وَمن زعم أَن الْإِيمَان لَا يزِيد وَلَا ينقص فقد قَالَ بقول المرجئة
وَمن لم ير الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِيمَان فَهُوَ مرجىء
وَمن زعم أَن إيمَانه كَإِيمَانِ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة فَهُوَ مرجىء قَالَ وَمن زعم أَن الْمعرفَة تَنْفَع فِي الْقلب لَا يتَكَلَّم بهَا فَهُوَ مرجىء
قَالَ وَالْقدر خَيره وشره وقليله وَكَثِيره وَظَاهره وباطنه وحلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وَحسنه وقبيحه وأوله وَآخره من الله قَضَاء قَضَاهُ وَقدرا قدره عَلَيْهِم لَا يعدو أحد مِنْهُم مَشِيئَة الله عز وَجل وَلَا يُجَاوز قَضَاءَهُ بل هم كلهم صائرون إِلَى مَا خلقهمْ لَهُ واقعون فِيمَا قدر عَلَيْهِم لأفعاله وَهُوَ عدل مِنْهُ عز وَجل
وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَقتل النَّفس وَأكل المَال الْحَرَام والشرك بِاللَّه والمعاصي كلهَا بِقَضَاء وَقدر من غير أَن يكون أحد من الْخلق على الله حجَّة بل لله الْحجَّة الْبَالِغَة على خلقه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الْأَنْبِيَاء 23 علم الله تَعَالَى مَاض فِي خلقه بِمَشِيئَة مِنْهُ قد علم من إِبْلِيس وَمن غَيره مِمَّن عَصَاهُ من لدن أَن عصي تبَارك وَتَعَالَى إِلَى أَن تقوم السَّاعَة الْمعْصِيَة وخلقهم لَهَا وَعلم الطَّاعَة من أهل الطَّاعَة وخلقهم لَهَا وكل يعْمل لما خلق لَهُ وصائر إِلَى مَا قضي عَلَيْهِ وَعلم مِنْهُ لَا يعدو أحد مِنْهُم قدر الله ومشيئته وَالله الْفَاعِل لما يُرِيد الفعال لما يَشَاء وَمن زعم أَن الله شَاءَ لِعِبَادِهِ الَّذين عصوه الْخَيْر وَالطَّاعَة وَأَن الْعباد شَاءُوا لأَنْفُسِهِمْ الشَّرّ وَالْمَعْصِيَة فعملوا على مشيئتهم فقد زعم أَن مَشِيئَة الْعباد أغْلظ من مَشِيئَة الله تبَارك وَتَعَالَى فَأَي افتراء أكبر على الله عز وَجل من هَذَا وَمن زعم أَن الزِّنَا لَيْسَ بِقدر قيل لَهُ أَرَأَيْت هَذِه الْمَرْأَة إِن
(1/87)
 
 
حملت من الزِّنَا وَجَاءَت بِولد هَل شَاءَ الله عز وَجل أَن يخلق هَذَا الْوَلَد وَهل مضى فِي سَابق علمه فَإِن قَالَ لَا فقد زعم أَن مَعَ الله خَالِقًا وَهَذَا هُوَ الشّرك صراحا وَمن زعم أَن السّرقَة وَشرب الْخمر وَأكل المَال الْحَرَام لَيْسَ بِقَضَاء وَقدر فقد زعم أَن هَذَا الْإِنْسَان قَادر على أَن يَأْكُل رزق غَيره وَهَذَا صراح قَول الْمَجُوسِيَّة بل أكل رزقه وَقضى الله أَن يَأْكُلهُ من الْوَجْه الَّذِي أكله
وَمن زعم أَن قتل النَّفس لَيْسَ بِقدر من الله عز وَجل فقد زعم أَن الْمَقْتُول مَاتَ بِغَيْر أَجله وَأي كفر أوضح من هَذَا بل ذَلِك بِقَضَاء الله عز وَجل وَذَلِكَ بمشيئته فِي خلقه وتدبيره فيهم وَمَا جرى من سَابق علمه فيهم وَهُوَ الْعدْل الْحق الَّذِي يفعل مَا يُرِيد وَمن أقرّ بِالْعلمِ لزمَه الْإِقْرَار بِالْقُدْرَةِ والمشيئة على الصغر والقمأ وَلَا نشْهد على أحد من أهل الْقبْلَة أَنه فِي النَّار لذنب عمله وَلَا لكبيرة أَتَاهَا إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك كَمَا جَاءَ على مَا رُوِيَ بِصَدقَة ونعلم أَنه كَمَا جَاءَ وَلَا ننص الشَّهَادَة والخلافة فِي قُرَيْش مَا بَقِي من النَّاس اثْنَان لَيْسَ لأحد من النَّاس أَن ينازعهم فِيهَا وَلَا يخرج عَلَيْهِم وَلَا يقر لغَيرهم بهَا إِلَى قيام السَّاعَة وَالْجهَاد مَاض قَائِم مَعَ الْأَئِمَّة بروا أَو فجروا لَا يُبطلهُ جور
(1/88)
 
 
جَائِر وَلَا عدل عَادل وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ وَالْحج مَعَ السُّلْطَان وَإِن لم يَكُونُوا بررة وَلَا أتقياء وَلَا عُدُولًا
وَدفع الصَّدقَات وَالْخَرَاج والأعشار والفيء والغنائم إِلَى الْأُمَرَاء عدلوا فِيهَا أم جارو والانقياد إِلَى من ولاه الله أَمركُم لَا تنْزع يدا من طَاعَته وَلَا تخرج عَلَيْهِ بسيفك حَتَّى يَجْعَل الله لَك فرجا ومخرجا وَلَا تخرج على السلطات وَتسمع وتطيع
وَلَا تنكث بيعَة فَمن فعل ذَلِك فَهُوَ مُبْتَدع مُخَالف مفارق للْجَمَاعَة
وَإِن أَمرك السُّلْطَان بِأَمْر هُوَ لله مَعْصِيّة فَلَيْسَ لَك أَن تُطِيعهُ أَلْبَتَّة وَلَيْسَ لَك أَن تخرج عَلَيْهِ وَلَا تَمنعهُ حَقه
والإمساك فِي الْفِتْنَة سنة مَاضِيَة وَاجِب لُزُومهَا فَإِن ابْتليت فَقدم نَفسك دون دينك وَلَا تعن على الْفِتْنَة وَلَا بِلِسَان وَلَكِن اكفف يدك وَلِسَانك وهواك وَالله الْمعِين
والكف عَن أهل الْقبْلَة وَلَا تكفر أحدا مِنْهُم بذنب وَلَا تخرجه من الْإِسْلَام بِعَمَل إِلَّا أَن يكون فِي ذَلِك حَدِيث فيروى الحَدِيث كَمَا جَاءَ وكما رُوِيَ ونصدقه ونقبله ونعلم أَنه كَمَا رُوِيَ نَحْو ترك الصَّلَاة وَشرب الْخمر وَمَا أشبه ذَلِك أَو يبتدع بِدعَة ينْسب صَاحبهَا إِلَى الْكفْر وَالْخُرُوج من الْإِسْلَام فَاتبع الْأَثر فِي ذَلِك وَلَا تجاوزه والأعور الدَّجَّال خَارج لَا شكّ فِي ذَلِك وَلَا ارتياب وَهُوَ أكذب الْكَاذِبين
وَعَذَاب الْقَبْر حق يسْأَل العَبْد عَن دينه وَعَن ربه وَعَن الْجنَّة وَعَن النَّار ومنكر وَنَكِير حق وهما فتانا الْقَبْر فنسأل الله الثَّبَات
وحوض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حق ترده أمته وَله آنِية يشربون بهَا مِنْهُ
(1/89)
 
 
والصراط حق وضع على سَوَاء جَهَنَّم ويمر النَّاس عَلَيْهِ وَالْجنَّة من وَرَاء ذَلِك نسْأَل الله السَّلامَة
وَالْمِيزَان حق توزن بِهِ الْحَسَنَات والسيئات كَمَا شَاءَ الله أَن توزن
والصور حق ينْفخ فِيهِ إسْرَافيل فَيَمُوت الْخلق ثمَّ ينْفخ فِيهِ الْأُخْرَى فَيقومُونَ لرب الْعَالمين
والحساب وَالْقَضَاء وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب وَالْجنَّة وَالنَّار واللوح الْمَحْفُوظ تستنسخ مِنْهُ أَعمال الْعباد سبق فِيهِ من الْمَقَادِير وَالْقَضَاء والقلم حق كتب الله بِهِ مقادير كل شَيْء وأحصاه فِي الذّكر تبَارك وَتَعَالَى
والشفاعة يَوْم الْقِيَامَة حق يشفع قوم فِي قوم فَلَا يصيرون إِلَى النَّار وَيخرج قوم من النَّار بعد مَا دخلوها بشفاعة الشافعين وَيخرج قوم من النَّار بعد مَا دخلوها وَلَبِثُوا فِيهَا مَا شَاءَ الله ثمَّ يخرجهم من النَّار وَقوم يخلدُونَ فِيهَا أبدا أبدا وهم أهل الشّرك والتكذيب والجحود وَالْكفْر بِاللَّه عز وَجل ويذبح الْمَوْت يَوْم الْقِيَامَة بَين الْجنَّة وَالنَّار
وَقد خلقت الْجنَّة وَمَا فِيهَا وَالنَّار وَمَا فِيهَا خلقهما الله عز وَجل وَخلق الْخلق لَهما وَلَا يفنيان وَلَا يفنى مَا فيهمَا أبدا
فَإِن احْتج مُبْتَدع أَو زنديق بقول الله عز وَجل {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} الْقَصَص 88 وَنَحْو هَذَا من متشابه الْقُرْآن قيل لَهُ كل شَيْء مِمَّا كتب الله عَلَيْهِ الفناء والهلاك هَالك وَالْجنَّة وَالنَّار خلقا للبقاء لَا للفناء وَلَا للهلاك وهما من الْآخِرَة لَا من الدُّنْيَا
والحور الْعين لَا يمتن عِنْد قيام السَّاعَة وَلَا عِنْد النفخة وَلَا أبدا لِأَن الله عز وَجل خَلقهنَّ للبقاء لَا للفناء وَلم يكْتب عَلَيْهِنَّ الْمَوْت فَمن قَالَ خلاف هَذَا فَهُوَ مُبْتَدع وَقد ضل عَن سَوَاء السَّبِيل وَخلق سبع سموات بَعْضهَا فَوق بعض وَسبع أَرضين
(1/90)
 
 
بَعْضهَا أَسْفَل من بعض وَبَين الأَرْض العلياء وَالسَّمَاء الدُّنْيَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَبَين كل سَمَاء إِلَى سَمَاء مسيرَة خَمْسمِائَة عَام وَالْمَاء فَوق السَّمَاء الْعليا السَّابِعَة وعرش الرَّحْمَن عز وَجل فَوق المَاء وَالله عز وَجل على الْعَرْش والكرسي مَوضِع قَدَمَيْهِ وَهُوَ يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرضين السَّبع وَمَا بَينهمَا وَمَا تَحت الثرى وَمَا فِي قَعْر الْبحار ومنبت كل شَعْرَة وشجرة وكل زرع وكل نَبَات ومسقط كل ورقة وَعدد كل كلمة وَعدد الْحَصَا والرمل وَالتُّرَاب وَمَثَاقِيل الْجبَال وأعمال الْعباد وآثارهم وَكَلَامهم وأنفاسهم وَيعلم كل شَيْء لَا يخفى عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء وَهُوَ على الْعَرْش فَوق السَّمَاء السَّابِعَة ودونه حجب من نَار وظلمة وَمَا هُوَ أعلم بهَا
فَإِن احْتج مُبْتَدع ومخالف بقول الله عز وَجل {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} الْحَدِيد 4 وَبِقَوْلِهِ {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} المجادلة 7 وَنَحْو هَذَا من متشابه الْقُرْآن فَقل إِنَّمَا يَعْنِي بذلك الْعلم لِأَن الله تَعَالَى على الْعَرْش فَوق السَّمَاء السَّابِعَة الْعليا يعلم ذَلِك كُله وَهُوَ بَائِن من خلقه لَا يَخْلُو من علمه مَكَان وَللَّه عز وَجل عرش وللعرش حَملَة يحملونه وَالله عز وَجل على عَرْشه وَلَيْسَ لَهُ حد وَالله أعلم بحده وَالله عز وَجل سميع لَا يشك بَصِير لَا يرتاب عليم لَا يجهل جواد لَا يبخل حَلِيم لَا يعجل حفيظ لَا ينسى يقظان لَا يسهو قريب لَا يغْفل يَتَحَرَّك وَيتَكَلَّم وَينظر ويبسط ويضحك ويفرح وَيُحب وَيكرم وَيبغض ويرضى ويغضب ويسخط وَيرْحَم وَيَعْفُو وَيُعْطِي وَيمْنَع وَينزل كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا كَيفَ يَشَاء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} الشورى
(1/91)
 
 
11 -) وَقُلُوب الْعباد بَين إِصْبَعَيْنِ من أَصَابِع الرَّحْمَن يقلبها كَيفَ يَشَاء ويوعيها مَا أَرَادَ وَخلق آدم بِيَدِهِ على صورته وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فِي كَفه
وَيَضَع قدمه فِي النَّار فتنزوي وَيخرج قوما من النَّار بِيَدِهِ
(1/92)
 
 
وَينظر إِلَى وَجهه أهل الْجنَّة يرونه فيكرمهم ويتجلى لَهُم فيعطيهم
وَتعرض عَلَيْهِ الْعباد يَوْم الْقِيَامَة ويتولى حسابهم بِنَفسِهِ لَا يَلِي ذَلِك غَيره عز وَجل
وَالْقُرْآن كَلَام الله تكلم بِهِ لَيْسَ بمخلوق وَمن زعم أَن الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ جهمي كَافِر
وَمن زعم أَن الْقُرْآن كَلَام الله ووقف وَلم يقل لَيْسَ بمخلوق فَهُوَ أَخبث من قَول الأول وَمن زعم أَن ألفاظنا بِهِ وتلاوتنا لَهُ مخلوقة وَالْقُرْآن كَلَام الله فَهُوَ جهمي وَمن لم يكفر هَؤُلَاءِ الْقَوْم كلهم فَهُوَ مثلهم {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} النِّسَاء 164 من فِيهِ وناوله التَّوْرَاة من يَده إِلَى يَده وَلم يزل الله عز وَجل متكلما {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} الْمُؤْمِنُونَ 14 والرؤيا من الله عز وَجل وَهِي حق إِذا رأى صَاحبهَا شَيْئا فِي مَنَامه مَا لَيْسَ هُوَ صَعب فَقَصَّهَا على عَالم وَصدق فِيهَا وأولها الْعَالم على أصل تَأْوِيلهَا الصَّحِيح وَلم يحرف فالرؤيا تَأْوِيلهَا حِينَئِذٍ حق وَقد كَانَت الرُّؤْيَا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَحيا فَأَي جَاهِل أَجْهَل مِمَّن يطعن فِي الرُّؤْيَا وَيَزْعُم أَنَّهَا لَيست بِشَيْء وَبَلغنِي أَن من قَالَ هَذَا القَوْل لَا يرى الِاغْتِسَال من الِاحْتِلَام وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رُؤْيا الْمُؤمن كَلَام يكلم الرب عَبده وَقَالَ إِن الرُّؤْيَا من الله عز وَجل وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
(1/93)
 
 
وَمن الْحجَّة الْوَاضِحَة الثَّابِتَة الْبَيِّنَة الْمَعْرُوفَة ذكر محَاسِن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم أَجْمَعِينَ والكف عَن ذكر مساويهم الَّتِي شجرت بَينهم فَمن سبّ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو وَاحِدًا مِنْهُم أَو تنقص أَو طعن عَلَيْهِم أَو عرض بعيبهم أَو عَابَ وَاحِدًا مِنْهُم فَهُوَ مُبْتَدع رَافِضِي خَبِيث مُخَالف لَا يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا بل حبهم سنة وَالدُّعَاء لَهُم قربَة والاقتداء بهم وَسِيلَة وَالْأَخْذ بآثارهم فَضِيلَة و