المسودة في أصول الفقه

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الكتاب: المسودة في أصول الفقه
المؤلف: آل تيمية [بدأ بتصنيفها الجدّ: مجد الدين عبد السلام بن تيمية (ت: 652هـ) ، وأضاف إليها الأب، : عبد الحليم بن تيمية (ت: 682هـ) ، ثم أكملها الابن الحفيد: أحمد بن تيمية (728هـ) ]
عدد الأجزاء: 1
 
مسائل الأوامر: إذا وردت صيغة أفعل من الأعلى
...
مسائل الأوامر*
مسألة: إذا وردت صيغة "أفعل" من الأعلى
إلى من هو دونه متجردة عن القرائن فهي أمر وقالت المعتزلة1 لا يكون أمرا إلا بإرادته الفعل2 وقالت الأشعرية ليست3 للأمر صيغة وصيغة أفعل لا تدل عليه إلا بقرينة وإنما الأمر معنى قائم بالنفس4.
وقال ابن برهان إرادة المتكلم بالصيغة لا خلاف في اعتبارها حتى لو صدرت من مجنون أو نائم أو [ساه] 5 لم يكن أمرا [وأما إرادة كونها أمرا] 6 فاعتبره المتكلمون من أصحابنا ليصرف [اللفظ بها] عنها من جهة الأعذار والإنذار والتعجيز والتكوين [أو يعبر بها] عن المعنى القائم بالنفس.
قال وقال الفقهاء من أصحابنا لا يشترط ذلك بل اللفظ بإطلاقه وتجرده عن القرائن يصرف إلى الأمر ولا يصرف إلى غيره إلا بقرينة "ز هـ"
__________
* انظر المباحث الأمر في الإحكام لسيف الدين الآمدي "2/188 - 274" طبع دار المعارف في سنة "1332 هـ 1914م" وفي فواتح الرحموت بشرح الثبوت "1/367 - 395" بولاق سنة "1322هـ" وفي إرشاد الفحول للشوكاني "86 - 102" طبع السعادة "1327هـ" وفي التقرير والتحبير لابن أمير حاج "1/303 - 329" بولاق في سنة "1316هـ" وفي نهاية السول للاسنوي بهامشه "1/247 - 277" وفي شروح جمع الجوامع انظر حاشية البتاني "283 202" طبع بولاق 1285هـ" والآيات البينات لابن قاسم العبادي "2/203 - 237" بولاق سنة 1289هـ" وفي المستصفى للغزالي "2/1 - 24" بولاق وفي شروح مختصر المنتهى لابن الحاجب "2/77 - 95" بولاق "1317هـ" وفي روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة المقدسي الحنبلي "2/62 - 111" طبع السلفية في سنة "1342هـ.
1 في ا "وقال المعتزلة".
2 في ا "بإرادة الفعل".
3 في ا "ليس للأمر".
4 في ا "قائم في النفس".
5 في مكان هذه الكلمة بياض في ا.
6 سقطت هذه الجملة من ب وحدها وأحسبه سبق نظر من الناسخ.
(1/4)
 
 
فصل:
الأمر بالأمر بالشيء ليس آمرا به مع عدم الدليل عليه ذكره الرازي والمقدسي.
(1/5)
 
 
مسألة: الأصل في الأمر الوجوب
نص عليه في مواضع وبه قال عامة المالكية وجمهور الفقهاء والشافعي وغيره وقالت المعتزلة وبعض الشافعية: الأصل فيه الندب وقال أكثر الأشعرية وشيخهم هو على الوقف بينهما إذا ثبت الاستدعاء وقال قوم الأصل في صيغة الأمر مجردة الإباحة وقد نقل الميمون عن أحمد أنه قال: الأمر أسهل من النهي ونقل عنه علي بن سعيد ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عندي [أسهل مما] 1 نهي عنه فيحتمل أنه أراد أنه على الندب [وهو بعيد لمخالفته] منصوص الكثيرة ويحتمل وهو الأظهر أنه قصد أنه [أسهل] بمعنى أن جماعة من الفقهاء قالوا بالتفرقة بأن الأمر للندب والنهي للتحريم والنهي على الدوام والأمر لا يقتضي [التكرار وزعم] أبو الخطاب أن هذا يدل على [أن] إطلاق الأمر يقتضي الندب قال والد شيخنا: وقد ذكر أصحابنا رواية الميمون وعلي بن سعيد [عن الإمام أحمد رحمه الله] بأن الأمر أسهل من النهي فهل يجوز جعلها رواية [عنه ينبني] ذلك على أصلين من أصول المذهب على ما هو مقرر في موضعه أحدهما أن الإمام إذا سئل عن مسألة فأجاب فيها بحظر أو إباحة ثم سئل عن غيرها فقال ذلك أسهل وذلك أشد أو قال: كذا أسهل من كذا فهل يقتضي ذلك المساواة بينهما في الحكم أم الاختلاف اختلف في ذلك الأصحاب فذهب أبو بكر غلام الخلال إلى المساواة [بينهما] في الحكم وقال أبو عبد الله بن حامد يقتضي ذلك الاختلاف [لا المساواة] الأصل الثاني إذا رويت عنه رواية تخالف أكثر منصوص فهل يجوز جعلها مذهبا له [أم لا] ؟ فذكر أبو بكر2 الخلال وصاحبه عبد [العزيز إلى] أنها ليست
__________
1 كل ما بين المعقوفين – إلا ما ننوه به – زيادة عن ب ومكان أكثر بياض أو تحريق في أوراق ا.
2 في ب "فذهب أبو بكر الخلال".
(1/5)
 
 
مذهبا [له] 1 وذهب ابن حامد إلى أنه لا يطلق ذلك وإن كان دليلها أقوى قدمت.
فتحرر من ذلك أن لأصحابنا في إثباتها رواية أعني رواية الميمون وعلى ابن سعيد في الأمر طريقين [فطريقة أبي بكر نفيها في الأصلين وهو الأولى2] في مسألة الأمر [خصوصها3] لضعف دليلها ومخالفتها لأكثر العلماء وأكثر منصوص وطريقة ابن حامد إثباتها4 في الأصلين وهو حسن والله أعلم.
وذهب أبو الحسين البصري وجماعة [من] المعتزلة إلى أنها للوجوب كقولنا قال ابن برهان: هو قول الفقهاء قاطبة.
__________
1 هذه الكلمة وحدها ساقطة من ب.
2 تقرأ في ب "وهو الأول".
3 هذه الكلمة في ب وحدها.
4 في ب "في إثباتها في الأصلين" وواضح أن كلمة "في" الأولى لا حاجة بالكلام إليها وهي ساقطة من ا.
(1/6)
 
 
مسألة: لفظ الأمر إذا أريد به الندب
فهو حقيقة فيه على ظاهر كلامه واختار أكثر أصحابنا القاضي وابن عقيل وهو نص الشافعي حكاه أبو الطيب وقال هو الصحيح من مذهبه وقالت الحنفية الكري والرازي هو مجاز واختاره عبد الرحمن الحلواني من أصحابنا وعن الشافعي كالمذهبين "ز" وللمالكية وجهان والثاني اختيار أبي الطيب لما أفرد المسألة وحكاه أبو الطيب في أوائل كتابه عن نص الشافعي أنه مأمور به بخلاف قوله: لما أفرده مسألة واختاره ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم [من] الأصوليين والفقهاء.
(1/6)
 
 
مسألة: وإن أريد به الإباحة
فعندي أنه مجاز وهو قول الحنفية والمقدسي واختيار1 ابن عقيل وقال هو قول أكثر أهل العلم من الأصوليين وذكر أبو الخطاب أن هذه المسألة من فوائد الأمر هل هو حقيقة في الندب فيجيء
__________
1 في ب "واختار ابن عقيل".
(1/6)
 
 
فيها1 الوجهان لنا وقال القاضي [يكون حقيقة] أيضا وحكي عن الشافعية كالمذهبين وهو مقتضى كلام القاضي في مسألة الأمر بعد الحظر وحكي ابن عقيل أن الإباحة أمر وأن المباح مأمور به عن البلخي وأصحابه والأول أصح وهو للمقدسي في أوائله في [قسمة] المباح.
فصل:
التحقيق في مسألة أمر الندب مع قولنا إن الأمر المطلق يفيد الإيجاب أن يقال الأمر المطلق لا يكون إلا إيجابا وأما المندوب إليه فهو مأمور به أمرا مقيدا لا مطلقا فيدخل في مطلق الأمر لا في الأمر المطلق يبقى أن يقال فهل يكون حقيقة أو مجازا فهذا بحث [اصطلاحي] .
وقد أجاب عنه أبو محمد البغدادي بأنه مشكك كالوجود والبياض.
وأجاب القاضي بأن الندب يقتضي الوجوب فهو كدلالة العلم على بعضه2 وهو عنده ليس مجازا3 وإنما المجاز دلالته على غيره.
قال شيخنا رضي الله عنه قلت: الندب الذي [هو الطلب] غير الجازم [جزء من] الطلب [الجازم] فتكون [فيه الأقوال الثلاثة التي هي في العام] يفرق في الثالثة بين القرينة4 اللفظية المتصلة كقولك من فعل فقد [أحسن] وبين غيرها
فصل:
ذكر القاضي وغيره في ضمن المسألة أن المندوب5 طاعة فوجب أن يكون
__________
1 في ب "فيه وجهان لنا".
2 قرئت في ا "كدلالة المتكلم على نفسه" والعلم المركب كعبد الله يدل جزؤه على معنى ليس هو جزء معنى العلم المقصود بعد علميته.
3 في ب "ليس بمجاز".
4 في ب "بين القرينتين.....إلخ".
5 في ب "بأن المندوب....إلخ".
(1/7)
 
 
مأمورا به كالواجب وسائر كلامه في المسألة يقتضي أن كل مندوب إليه فهو مأمور به حقيقة وهذا قول أبي محمد وهو غير قولنا المأمور به ندبا مأمور به حقيقة فإن هذا [أخص من] 1 الأول وكلام [الإمام] أحمد في إطلاق الأمر على [ما أمر] به النبي صلى الله عليه وسلم أمر ندب دليل على أنه ليس كل ما بعد قربة فقد أمر به حقيقة وهذا أصح فيصير في المسألتين ثلاثة أقوال وقد ذكر القاضي أيضا في موضع [آخر] أن المرغب فيه لا يكون مأمورا به وإن كان طاعة فصار أيضا في المرغب فيه من غير أمر هل يسمى طاعة وأمرا حقيقة ثلاثة أقوال الثالث أنه طاعة وليس بمأمور به.
فصل:
قال القاضي كون الفعل حسنا ومرادا على الوجوب ما لم يدل دليل على التخيير وفي النوافل والمباحات قد ذكر الدليل فلهذا لم يقتض الوجوب قال: وجواب آخر أنا لا نسلم أن الأمر يدل على حسن المأمور به وإنما يدل على طلب الفعل واستدعائه من الوجه الذي بينا وذلك يقتضي الوجوب وهذا هو [الجواب] 2 المعول عليه.
قال شيخنا قلت: فيه فائدتان إحداهما نفي الأول والثانية قوله: "يدل على الطلب والاستدعاء" فجعله مدلول الأمر لا غير [الأمر] 3 "زد".
فصل:
قال الرازي ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك هذا هو المختار وهو قول القاضي أبي بكر خلافا للمعتزلة4.
__________
1 في ا "وقال هذا خلاف الأول".
2 هذه الكلمة ساقطة من ب.
3 هذه الكلمة في ب وحدها.
4 في ا "خلافا للغزالي".
(1/8)
 
 
مسألة: في أن للأمر صيغة [حقق الجويني]
صحة هذه العبارة على كلا
(1/8)
 
 
المذهبين مذهب [مثبتي] كلام [النفس] ومذهب نفاته فقولنا صيغة الأمر عند من أثبته فمعناه أن لهذا المعنى صيغة عبارة تشعر به وأما من نفاه فقولهم صيغة الأمر كقولك1 ذات الشيء ونفسه وآيات القرآن وأن الأشعرية القائلين بالوقف اختلفوا في تنزيل مذهبه فمنهم من قال: الصيغة مشتركة وضعا ومنهم من قال: المعنى بالوقف أنا لا ندري على أي وضع جرى قول القائل "افعل" في اللسان فهو إذا مشكوك فيه "ز" ومنع ابن عقيل أن يقال للأمر والنهي صيغة أو أن يقال هي دالة عليه بل الصيغة نفسها هي الأمر والنهي2 والشيء لا يدل على نفسه قال: وإنما يصح هذا على قول المعتزلة الذين يقولون الأمر والنهي والإرادة والكراهة والأشاعرة الذين يقولون هما معنى قائم في النفس والصيغة دالة على ذلك المعنى وحكاه عنه وأما أصحابنا فإني تأملت المذهب فإذا به يحكم بأن الصيغتين أمر ونهي قال: فقول شيخنا الصيغة دالة بنفسها على الأمر والنهي اتباع لقول المتكلمين وإلا فليس لنا أمر ونهي غير الصيغة بل ذلك قول وصيغة والشيء لا يدل على نفسه
[قال شيخنا أبو العباس حفيد المصنف] قلت: قول القاضي وموافقيه صحيح من وجهين أحدهما أن الأمر مجموع اللفظ والمعنى فاللفظ دال على التركيب وليس هو عين المدلول3 الثاني أن اللفظ دال على صيغته التي هي الأمر به كما يقال يدل [على] كونه أمرا ولم يقل على الأمر
فصل:
حقق ابن عقيل صيغة الأمر على مذهب أهل السنة ومذهب الأشعرية في
__________
1 في ب "مثل قولك".
2 في ا "بل الصيغة نفسها من الأمر والنهي" تحريف.
3 في ا "وليس هو غير المدلول".
(1/9)
 
 
أول كتابه في الحدود وفي مسائل الخلاف وقال الفخر إسماعيل في حد الأمر انه خطاب أصلي يستدعي به الأعلى من الأدنى فعلا وذكر لاشتراط الأصالة فوائد فلينظر.
وحاصل قول ابن عقيل أن نفس الإيجاب الذي هو استدعاء الأعلى من الأدنى على وجه الحتم والتضييق لا يقبل التزايد والتفاضل كسائغ وجائز ولازم وقولنا في الخبر صادق وكاذب وفي الصفات عالم فإن ذلك كله لما انتظم حد واحد وكان حقيقة واحدة فلا يقال أعلم وأصدق وأكذب وكما لا يمكن أن تكون معرفة المعلوم على ما هو به أمرا يتزايد كذلك الاستدعاء ونسلم اختلافه بحسب الثواب والعقاب لتعدد المحل كاختلاف العلم بالنسبة إلى المعلومات وسلم له العماد أن الصدق على الشيء الواحد أو الكذب لا يتفاوت ومنعه في العلم والمعرفة بناء على مسألة الإيمان وذكر في حجة المخالفة صحة التفاضل بقولهم أحب وأحسن وأبغض وأقبح وأنه لا خلاف أنه يحسن أن يقال الظلم صفة أقبح الزيادة1 وادعى أيضا أن حقيقة الطهارة والسكون وكون الشيء سنة2 لا تقبل الزيادة بخلاف [الحموضة] والحلاوة وأما التزايد بحسب المفعول أو الأمر وهو التعلق [فلا خلاف فيه] وقد يسلم قولهم أصدق [باعتبار خبرين] وكثرة الصدق [وقلته] ويسلم أيضا أوجب بمعنى زيادة الثواب والعقاب وهو يمنع التفاضل في نفس الصفة المتعلقة وتسمية التعلق وهذا ضعيف والصواب أن جميع الصفات المشروطة بالحياة تقبل التزايد وكذلك غير المشروطة بالحياة تقبل التزايد ولنا في المعرفة الحاصلة في القلب في الإيمان هل تقبل الزيادة والنقص روايتان والصحيح [في] مذهبنا ومذهب جمهور أهل السنة إمكان الزيادة في جميع هذا الباب وذلك أمر يجده الإنسان من نفسه عند التأمل.
__________
1 في ا "أقبح الوفادة" وكلتا الكلمتين لا يستدعيهما الكلام.
2 في ا "وكون الشيء سيئة" تحريف.
(1/10)
 
 
فصل:
ولا بد في أصل الصيغة المطلقة من اقترانها بما يفهم منه [المأمور] 1 أن مطلقها ليس بحاك عن غيره ولا هو2 كالنائم ونحوه
فصل:
ذكر القاضي في كتاب الروايتين والوجهين خلافا في الوقف في الظواهر [في المذهب] 3 فقال هل للأمر صيغة له مبينه في اللغة تدل بمجردها على كونه أمرا إذا تعرت4 عن القرائن أم لا نقل عبد الله عنه في الآية إذا جاءت عامة مثل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 5 وأن قوما قالوا: يتوقف فيها فقال أحمد قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 6 فكنا نقف لا نورث حتى ينزل أن لا يرث قاتل ولا مشرك ونقل صالح أيضا في كتاب طاعة الرسول قال: وقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 5 فالظاهر يدل على أن من وقع عليه اسم سارق وإن قل وجب عليه القطع حتى بين النبي صلى الله عليه وسلم القطع في ربع دينار وثمن المجن فقد صرح بالأخذ بمجرد اللفظ ومنع من الوقف فيه وهذا يدل على أن له صيغة تدل بمجردها7 على كونه أمرا وقال في رواية أبي عبد الرحيم الجوزجاني من تأول القرآن على ظاهره بلا أدلة من الرسول ولا أحد من الصحابة فهو تأويل أهل البدع لأن الآية قد تكون عامة قصدت لشيء بعينه ورسول الله
__________
1 هذه الكلمة ليست في افيقرأ فيها "يفهم" بالبناء للمجهول.
2 في ا "ولا هاذى كالنائم" تحريف.
3 هذه الكلمة ساقطة من ب.
4 في ب "إذا تفرد عن القرائن".
5 من الآية 38 من سورة المائدة.
6 من الآية11 من سورة النساء.
7 في ا "على أن الصيغة تدل مجردها – إلخ" واتفقتا فيما يلي على ما أثبتناه موافقا لما في ب والمعنى المراد واضح.
(1/11)
 
 
صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله تعالى [وقال] فقد منع من الأخذ بظاهر الآية حتى يقترن ببيان الرسول فظاهر هذا أنه لا صيغة له تدل بمجردها على كونه أمرا بل هو على الوقف حتى يدل الدليل على المراد بها من وجوب أو ندب والمذهب هو الأول وأن له صيغة تدل بمجردها على كونه أمرا ولا يجب الوقف وقد صرح به في مواضع كثيرة من كلامه في مسائل الفروع.
قلت قال الشيخ: أولا نصوص أحمد إنما هي في العموم لا في الأمر لكن القاضي اعتبر جنس الظواهر من الأمر والعموم وغيرهما وهو اعتبار جيد من هذا الوجه فيبقى أنه قد حكى عن أحمد رواية بمنع التمسك بالظواهر المجردة [كما حكى عنه رواية بالقياس بمنع التمسك بالمعاني المجردة] وقد جمعهما في قوله: ينبغي للمتكلم [في أمر] 1 الفقه أن يجتنب2 هذين الأصلين المجمل والقياس ومن أصحابنا من يدفع هاتين الروايتين ويفسرهما بما يوافق سائر كلامه فيكون مقصوده أحد شيئين إما منع التمسك بالظواهر3 حتى تطلب المفسرات لها من السنة والإجماع كما هو إحدى الروايتين المعروفتين وأما منع إلا كتفاء بها وحدها4 مع معارضة السنة5 [والإجماع كما هو طريقة كثير من أهل الكلام والرأي أنهم يدفعون السنة والأثر] بمخالفة ظاهر القرآن ولهذا صنف رسالته المشهورة في الرد على من اتبع الظاهر وإن خالف السنة والأثر وهذا المعنى لا ريب أنه أراده فإنه كثير في كلامه وقد قصد إليه بوضع كتاب والمعنى الذي قبله قريب من كلامه فيحكى6 حينئذ في اتباع الظواهر ثلاث روايات إحداهن اتباعها [مطلقا] 7
__________
1 في اهنا "بالمعاني المجردة" وسقط منها ما بين المعقوفين والظاهر أن ذلك وقع عن انتقال نظر الناسخ.
2 كلمة "أمر" ساقطة من ب.
3 في ا "أن يحقق هذين الأصلين.....إلخ".
4 في ب "بهما وحدهما".
5 في ب "مع مخلفة السنة والأثر" سقط منها ما بين المعقوفين.
6 في ا "فحكي".
7 كلمة "مطلقا" من ا.
(1/12)
 
 
ابتداء إلا أن يعلم ما يخالفها ويبين المراد بها والثاني لا تتبع حتى يعلم ما يفسرها وهو الوقف المطلق ولا أبعد أنه قول طائفة من المحدثين كما في القياس وكذلك حكى أبو حاتم في اللامع أن أكثر ظواهر القرآن تدل على الأشياء بأنفسها [ومن الناس] من قال: كل شيء منه محتاج إلى تفسير الرسول والأئمة1 التي أخذت عن الرسول والثالث وهو الأشبه بأصوله وعليه [أكثر أجوبته] أنه يتوقف فيها إلى أن يبحث عن المعارض فإذا لم يوجد المعارض عمل بها وهذا هو الصواب إن شاء الله كما اختاره أبو الخطاب2.
ثم إن هنا لطيفة وهي أن أحمد لم يقف لأجل الشك في اللغة كما هو مذهب الواقفة في الأمر والعموم وقد سلم الظهور في اللغة ولكن هل يجوز العمل بالظن المستفاد من الظواهر الأقيسة هذا مورد كلامه فتدبره ففرق بين وقف لتكافؤ الاحتمالات عنده وإن سلم ظهور بعضها في اللغة لكن لأن التفسير والبيان قد جاء كثيرا بخلاف الظهور اللغوي إما لوضع شرعي أو عرفي أو لقرائن متصلة أو منفصلة فصاحب هذه الرواية يقف وقفا شرعيا والمحكى خلافهم في الأصول يقفون وقفا لغويا.
ثم قال:
__________
1 موضع هذه الألفاظ خروق في ا.
2 من هنا ساقط من اوسنبين آخره عند نهاية السقط.
(1/13)
 
 
مسألة: إذا ثبت أن له صيغة مبنية له
تدل بمجردها على كونه أمرا فهل يدل إطلاقها على الوجوب أم لا نقل عنه أبو الحارث إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به فظاهر هذا أنه يقتضي الوجوب.
قلت يقتضي وجوب العمل به على ما اقتضاه من إيجاب أو استحباب أو تحريم
(1/13)
 
 
قال: وكذلك نقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف أن يعيد الصلاة وكذلك نقل عنه إبراهيم بن الحارث إذا أخرج القيمة في الزكاة أخشى إلا يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا ونقل صالح في كتاب طاعة الرسول في قوله: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} 1 بالظاهر يدل على أنه إذا ابتاع شيئا أشهد عليه فلما تبايع الناس وتركوا الإشهاد استقر حكم الآية على ذلك ونقل الميمون عنه وقد سئل عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وما نهيتكم عنه فانتهوا" فقال الأمر أسهل من النهي وكذلك نقل علي بن سعيد قال: ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندي أسهل مما نهي عنه فقال فقد غلظ في النهي وسهل في الأمر وظاهر هذا يمنع من الوجوب وأنه على الندب.
قلت بل يقتضي أن الأمر بالشيء ليس نهيا عن ضده وذكر القاضي النهي محل وفاق في المذهب في اقتضائه التحريم.
فصل:
وذكر القاضي أن الكتابة والإشارة لا تسمى أمرا يعنى حقيقة ذكره محل وفاق وقد ذكر في موضع آخر أن الكتابة عندنا كلام حقيقة وأظنه في مسألة الطلاق بالكتابة.
فصل:
وذكر القاضي هل يجيء الاستفهام عن الأمر المجرد هل هو واجب أو مستحب فيه منع وتسليم.
__________
1 من الآية "282" من سورة البقرة.
(1/14)
 
 
فصل:
ذكر القاضي من ألفاظ أحمد التي أخذ منها أن الأمر عنده على الوجوب قال في رواية أبي الحارث: إذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب العمل به.
قلت دلالة هذا ضعيفة.
وقال في رواية مهنا وذكر له قول مالك في الكلب يلغ في الإناء لا بأس به فقال ما أقبح هذا من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغسل سؤر الكلب سبع مرات" ونقل صالح عنه فيمن صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة وهذا كثير في كلامه وقال في كتاب طاعة الرسول: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فالظاهر يدل على أنه إذا ابتاع شيئا أشهد فلما تأول قوم من العلماء: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} 1 استقر حكم الآية على ذلك.
قلت: هذه الرواية نص في أن ظاهر افعل هو الأمر.
وقال مسألة الأمر إذا لم يرد به الإيجاب وإنما أريد به الندب فهو حقيقة في الندب كما هو حقيقة في الإيجاب نص عليه أحمد في رواية ابن إبراهيم فقال آمين أمر من النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا أمن القارئ فأمنوا" فهو أمر من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل الميمون عنه إذا زنت الأمة الرابعة قال: عليه أن يبيعها وإلا كان تاركا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نقل حنبل عنه يقاد إلى المذبح قودا رفيقا وتورى السكين ولا تظهر عند الذبح أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت أما رواية الميمون فدلالتها] 2 على أن الأمر عنده للوجوب أظهر فإن فتياه تدل على أنه أوجب البيع لأجل الأمر.
__________
1 من الآية "283" من سورة البقرة
2 إلى هنا ينتهي السقط الذي نبهنا على أوله في ص "13".
(1/15)
 
 
مسألة: وإذا صرف الأمر عن الوجوب جاز أن يحتج به
على الندب أو الإباحة وبه قال بعض الحنفية وبعض الشافعية "ز" ومنهم الرازي وبعضهم قال: لا يحتج به كذا حكاه القاضي وكذلك اختاره ابن برهان ولفظه الأمر إذا دل على وجوب فعل ثم نسخ وجوبه لا يبقى دليلا على الجواز بل يرجع إلى ما كان عليه خلافا للحنفية وكذلك [اختاره] أبو الطيب الطبري ولفظه إذا صرف الأمر عن الوجوب لم يجز أن يحتج به على الجواز قال: لأن اللفظ موضوع لإفادة الوجوب دون الجواز وإنما الجواز تبع للوجوب إذ لا يجوز أن يكون واجبا ولا يجوز فعله فإذا سقط الوجوب يسقط التابع له1 "ز" وهذا الذي ذكره أبو محمد التميمي من أصحابنا "ز د" وذكر أبو الخطاب [أن] هذه المسألة من فوائد الأمر هل هو حقيقة في الندب فيجيء فيها الوجهان "ح" وكذلك ذكر القاضي في مسألة الأمر بعد الحظر.
__________
1 في ب "سقط التابع له".
(1/16)
 
 
مسألة: الفعل لا يسمى أمرا حقيقة بل مجازا
في قول إمامنا وأصحابه والجمهور "ح" وأكثر المالكية وقال بعض متأخري الشافعية يسمى أمرا حقيقة "د" وذهب أبو الحسين البصري والقاضي أبو يعلى في الكفاية إلى أن1 لفظ الأمر مشترك بين القول وبين البيان والطريقة وما أشبه ذلك وهذا هو الصحيح لمن أنصف "د" ونصره ابن برهان وأبو الطيب وهو مذهب بعض المالكية أعنى أن الفعل يسمى أمرا حقيقة.
__________
1في ا "لفظة افعل مشتركة....إلخ" وفي ب "في الكافية" تحريف.
(1/16)
 
 
مسألة صيغة الأمر بعد الحظر
لا تفيد إلا مجرد الإباحة عند أصحابنا "د" وهو قول مالك وأصحابه "هـ" وهو ظاهر قول الشافعي وبعض الحنفية وحكاه ابن برهان وقال أكثر الفقهاء حكمها حكم ورودها ابتداء "ز" وحكي عن بعض أصحابنا وللشافعية فيه وجهان والثاني اختيار أبي الطيب وذكر أن القول
(1/16)
 
 
بالإباحة1 ظاهر المذهب قال: وإليه ذهب أكثر من تكلم في أصول الفقه
قلت واختار الجويني في لفظ الأمر بعد الحظر أنه على الوقف بين الإباحة والوجوب مع كونه أبطل الوقف في لفظه ابتداء من غير سابقة حظر وحكي عن أبي إسحاق الاسفرائينى أن النهي بعد الأمر على الحظر بالإجماع ثم قالت ولست أرى مسلما له أما أنا فأسحب ذيل الوقف عليه وما أرى المخالفين في الأمر بعد الحظر يسلمون ذلك
قلت ولقد أصاب في ذلك فإن القاضي أبا يعلى ذكر فيها وجهين وكذلك المقدسي "ح" أحدهما التنزيه والآخر التحريم واختار ابن عقيل قولا ثالثا غيرهما وذكر بعض أصحابنا في مسألتي الأمر بعد الحظر والنهي بعد الأمر ثلاثة أوجه أحدها حملهما على موجبهما ابتداء من الإيجاب والتحريم والثاني حملهما على الإباحة والثالث حمل الأمر على إباحة الفعل والنهي على إباحة الترك
فصل:
قال القاضي صيغة الأمر إذا وردت بعد الحظر اقتضت الإباحة وإطلاق محظور ولا يكون أمرا وهذا من القاضي يقتضي أن المباح ليس مأمورا به لأن حقيقة الأمر لو وجدت بعد الحظر كانت على بابها وقد نص أحمد في رواية صالح وعبد الله في قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} 2 {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} 3 فقال أكثر من سمعنا إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل كأنهم ذهبوا إلى أنه ليس بواجب وليس هما على ظاهرهما
قلت هذا اللفظ يقتضي أن ظاهرهما الوجوب وأنه من المواضع المعدولة عن الظاهر لدليل ولذلك ذكره في الرد على المتمسك بالظاهر معرضا عما يفسره وقد مثل القاضي في هذه المسألة بقوله: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} 4 وليس من هذا لكن
__________
1 من هنا تنفرد النسخة النجدية وينتهي انفرادها في ص "24" الآتية.
2 من الآية "2" من سورة المائدة.
3 من الآية "10" من سورة الجمعة.
4 من الآية "53" من سورة الأحزاب.
(1/17)
 
 
من أمثلتها التي ذكرها المزني قوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} 1 وقوله: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} 2.
والتحقيق أن يقال صيغة أفعل بعد الحظر لرفع ذلك الحظر وإعادة حال الفعل إلى ما كان قبل الحظر فإن كان مباحا كان مباحا وإن كان واجبا أو مستحبا كان كذلك وعلى هذا يخرج قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 3 فإن الصيغة رفعت الحظر وأعادته إلى ما كان أولا وقد كان واجبا وقد قرر المزني هذا المعنى.
__________
1 من الآية "4" من سورة النساء.
2 من الآية "4" من سورة المائدة.
3 من الآية "5" من سورة التوبة.
(1/18)
 
 
مسألة: صيغة الأمر بعد الحظر تنقسم إلى حظر من جهة لمخاطب بصيغة افعل
...
مسألة1: صيغة الأمر بعد الحظر تنقسم إلى حظر من جهة المخاطب بصيغة افعل
فيكون قوله: افعل إذنا ورفعا لذلك الحظر والى حظر ثابت من جهة غيره فلا يكون أباحة بل أمرا مبتدأ ذكره القاضي في ضمن المسألة وكذلك ابن عقيل وفي كلام القاضي ما يقتضي التسوية وينبني على ذلك أن رفع الأول نسخ دون الثاني وهذا كما قسمت الوجوب إلى معنيين كما يجيء.
فصل:
ولو نهاه عن شيء فاستأذن العبد في فعله فقال "افعل" فقال القاضي هذا لا يقتضي الوجوب بلا خلاف وذكر بعد هذا إذا استأذنه في فعل شيء فقال "افعل" حمل على الإباحة بالاستئذان والإذن جميعا جعله محل وفاق.
فصل:
الأمر بعد الحظر قسمان لأن الحظر إما أن يكون نهيا من الأمر أو يكون محظورا يعنى نهيا من [غير] الآمر2 فذكر من جملة الصور التي تفيد في العرف
__________
1 في النجدية "مسألة" وفوقها "فصل".
2 كلمة "غير" ليست في الأصل ولا بد منها لتحقيق القسمين وليتطابق مع تقرير المثال الذي ذكره ولولا ذكر هذه الكلمة لكان القسم الثاني هو الأول بعينه.
(1/18)
 
 
الإذن ما يشمل القسمين وهو ما إذا قال "لا تدخل بستان فلان ولا تحضر دعوته ولا تغسل ثيابك" ثم قال له بعد ذلك: ادخل واحضر واغسل ثيابك قال: وكذلك قول الرجل لضيفه كل ولمن دخل داره ادخل فقيل له غير هذا إلا ترى أنه يقول لعبده لا تقتل زيدا فيكون حظرا فإذا قال: اقتله بعد هذا كان حظرا على الوجوب1 قال: لأن الأصل حظر قتل زيد فقوله لا تقتل زيدا توكيد للحظر المتقدم لا لأنه مستفاد به حظر وفي مسألتنا وقع النهي ثم رفع النهي فيجب أن يعود إلى ما كان إليه2.
قلت وهذا تصريح بأن الخلاف إنما هو في حظر أفاده النهي لا في حظر غيره وأن ذلك النهي ... 3 فصار قولان.
ثم حظر النهي منه ما يكون مغي كقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} 4 ومنه ما يكون في معنى المغي كالنهي عن الصيد والانتشار5 ومنه ما يكون نسخا كالحديث ونازع القاضي في قوله: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 6 فقال لا نسلم أن وجوب قتل المشركين استفيد بهذه الآية بل بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} 7 ونحوها مما لم يتقدمه حظر.
قلت وهذا ضعيف بل الأمر بعد الحظر يرفع الحظر ويكون كما قبل الحظر والأمر في هذه الآية كذلك وقد قرر القاضي أن الأمر بعد الحظر بمنزلة الغاية فيفيد
__________
1 في أصل النجدية "لكان أمرا على الوجوب" وفي هامشها "حطرا" ومعها علامة التصحيح وهي التي توافق تقريره بعد.
2 لعله لو قال "يعود لما كان عليه" كان أدق.
3 كذا وسقط خبر إن.
4 من الآية "222" من سورة البقرة.
5 أما النهي عن الصيد فيشير به إلى قوله تعالى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} إلى قوله جل وجلاله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} وأما الانتشار فيشير به إلى قوله تباركت كلماته: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} .
6 من الآية "5" من سورة التوبة.
7 من الآية "29" من سورة التوبة.
(1/19)
 
 
زوال الحكم عند انقضائها وهذا يؤيد ما ذكرته واحتج بقوله: {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 1 ولا حجة فيه.
فصل:
فإذا كان بعد الحظر أمر صريح بلفظه كما لو قال: أمرتكم بالصيد إذا حللتم فحكي المقدسي عن قوم أنه يقتضي الوجوب بخلاف صيغة أفعل بعد ما صدر الكلام في المسألة السابقة بكلام مطلق يقتضي التسوية بينهما عنده وعندي أن هذا التفضيل هو كل المذهب وكلام القاضي وغيره يدل عليه فإنه سرح بأن هذا ليس بأمر إنما صيغته صيغة الأمر وإنما هو إطلاق فظاهر كلام ابن عقيل في الأدلة يعطي أنه إذا جاء خطاب بلفظ الأمر أو الوجوب اقتضى الوجوب وإن جاء بصيغة الأمر فإنه لا يكون أمرا بل مجرد إذن وهذا لا يتأتى في لفظ الأمر.
__________
1 من الآية "196" من سورة البقرة.
(1/20)
 
 
مسألة: الأمر المطلق يقتضي التكرار والدوام
حسب الطاقة عند أكثر أصحابنا وبعض الشافعية وهو أبو إسحاق الاسفرائينى والجويني وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين لا يقتضيه ولم يذكر القاضي عن أحمد إلا كلامه في الوجوب كما يأتي بل يكون ممتثلا بالمرة واختاره أبو الخطاب والمقدسي وهو الذي ذكره أبو محمد المقدسي وقالت الأشعرية هو على الوقف وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية إن كان معلقا بشرط يتكرر اقتضى التكرار وإلا فلا وهو أصح عندي وقال القاضي في المقدمة التي في أصول الفقه في آخر المجرد وإذا ورد الأمر مقيدا بوقت اقتضى التكرار وإن ورد مطلقا ففال شيخنا يقتضي التكرار وقال غيره لاقتضى التكرار وحكي ابن برهان أن بالقول بالتكرار قال أصحاب
(1/20)
 
 
أبي حنفية والمتكلمون: ونصر الجويني القول بالوقف فيما زاد على المرة الواحدة وقال لست أنفيه ولا أثبته مع كوني أبطل قول الوقف في مسألة الوجوب والندب ويحقق ذلك عندي أنه يرجع إلى قول من قال: لا يقتضى التكرار.
قال القاضي في كتاب اختلاف الروايتين والوجهين مسألة الأمر إذا ورد مطلقا من غير تقييد بوقت هل يقتضى التكرار أم لا قال شيخنا أبو عبد الله: يقتضى التكرار كما لو ورد مقيدا بوقت وقد نص أحمد في رواية صالح في إيجاب طاعة الرسول على الأمر المقيد بوقت أنه يقتضى التكرار فقال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} فالظاهر يدل على أنه إذا قام إلى الصلاة فعليه ما وصف فلما كان يوم الفتح صلى النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء واحد قال: وعندي أنه لا يقتضى التكرار وقد قال في رواية صالح ويعقوب بن بختان: إذا أذن له سيده بتزوج قال: واحدة وإن أراد أن يتزوج الأخرى استأذنه وقال أيضا إذا خير زوجته لم يجز لها أن تطلق نفسها إلا طلقة واحدة وسلم أن قوله: [كل] أمر بالأكل مرتين.
قلت المذهب في قوله: "طلقي نفسك" مع الإطلاق هل تملك به الثلاث وهي مكتوبة في موضعها لكن طلقي وتزوجي واختاري كل هذا ليس بأمر وإنما هو إذن وإباحة فإن كانت صيغة أفعل إذا أريد بها الإباحة كقوله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا} تختلف في إفادتها التكرار كما في ما أريد بها الأمر فما هو ببعيد ومسألة طلقي نفسك كأن قد كثر منها في1 العدة والتزم "طلقي نفسك بألف" وقوله لوكيله طلق فلانة فقال والجواب أن مهنا نقل عن أحمد إذا قال: طلقي نفسك فقالت طلقت نفسي ثلاثا هي ثلاث فظاهر هذا أنه اعتبر عموم اللفظ ثم ضرب على هذا واعتذر بأن هذا ثبت بالشرع والخلاف في موجب اللغة وأما ما ذكروه من نص أحمد في المعلق بشرط فيحتمل أن يكون التكرار حصل من صيغة إذا فإن أصحابنا وإن فرقوا بينها وبين
__________
1 في هذه العبارة قلق لا يظهر لنا وجه استقامتها.
(1/21)
 
 
متى فجعلوا في متى وجهين بخلاف إذا ففي الفرق نظر ويحتمل أنه من عموم لفظ الصلاة كأنه قال: إذا قمتم إلى أي فرد من أفراد الصلاة فاغسلوا وكذلك يحتمل أن يقال هذا في قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي عند كل فرد من أفراد دلوك الشمس وهذا الباب متعلق بأدوات الشروط في الإيقاعات كالطلاق ونحوه وللأوامر والوعد والوعيد وقد أفرط القاضي حتى منع حسن الاستفهام عن التكرار ثم سلم وأجازه في الوجوب وهذا بارد مخالف للحديث الصحيح وأما في مسألة الفور فقال إذا كان الأمر ممن لا يضع الشيء في غير موضعه لم يحسن منه الاستفهام فلم يتردد وسلم أن اليمين لا فور فيها لأنها غير موجبه وأما الندب فقال لا يمتنع أن يقول يجب على الفور وقال لا يمتنع أن يقول يختص بالمكان الذي أمر بالفعل فيه لأنه على الفور.
وذكر أبو محمد التميمي مسائل الأوامر عن أحمد أن الأمر عنده للوجوب وهو عنده على الفور وكان يذهب إلى أنه لا يقتضى التكرار إلا بقرينة ومتى تكرر الأمر فهو توكيد المأمور وإذا ورد بعد تقدم نهي دل على الإباحة ومتى خير المأمور بين أشياء ليفعلها فالواجب واحد لا بعينه ومتى قام الدليل على أنه لم يرد به الوجوب لم يدل على الجواز والمندوب إليه داخل تحت الأمر والأمر بالشيء نهي عن ضده ولا تدخل الأمة في الأمر المطلق ويدخل العبيد عنده في الأمر المطلق ولا تدخل النساء في خطاب الذكور والزيادة على المأمور به ليس بواجب ولا يقع الأمر من الأمر على وجه مكروه وكان يقول إن النهي بدل على فساد المنهي عنه وله عنده صيغة وإذا ورد الأمر وفيه استثناء من غير جنسه لم يكن استثناء صحيحا عنده قال: وقد اختلف في جميع ذلك أصحابه وذكر السرخسي أن الصحيح من قول علمائهم أن صيغة الأمر لا توجب التكرار ولا تحتمله ولكن الأمر بالفعل يقتضى أدنى ما يكون من جنسه على احتمال الكل إلا بدليل وقال بعضهم هذا إذا لم يكن معلقا بشرط ولا مقيدا
(1/22)
 
 
بوصف فإن كان فمقتضاه التكرار بتكرار ما قيد به قال: وعلى قول الشافعي مطلقة لا يوجب التكرار ولكنه يحتمله والعدد أيضا إذا اقترن به دليل وقال بعضهم مطلقة يوجب التكرار إلا أن يقوم دليل يمنع منه ويحكى هذا عن المزني.
(1/23)
 
 
مسألة: واختلف من قال: الأمر لا يقتضى التكرار
إذا تكرر لفظه كقوله "صل" و "صم" فالذي نقله ابن برهان القول بالتكرار وهو قول الفقهاء قاطبة قال: وصار بعض المعتزلة إلى أنه لا يقتضى التكرار وأما نقل القاضي وغيره فإنه قال في ذلك: قالت الحنفية يكون أمرا ثانيا ويحكى عن أبي حنيفة أيضا إلا أن يكون فيه قرينة توجب تعريف الأول كقوله: "صل ركعتين صل الصلاة" واختلف الشافعية فمنهم من قال بذلك وأنه يكون أمرا ثانيا إلا أن تمنع منه العادة مثل قوله: صل ركعتين صل الصلاة وهو قول عبد الجبار بن أحمد وكقوله: "اسقني ماء اسقني ماء" واختاره أبو إسحاق الفيروز أبادى ومنهم من جعله تأكيدا كي لا يجعله أمرا بالشك وهذا اختيار القاضي في الكفاية بعد أن ذكر تقسيمات كثيرة واختاره أبو بكر الصيرفي وأبو الخطاب والمقدسي ومنهم من قال بالوقف وهو قول البصري قال ابن عقيل: وهو قول الأشعري فيما حكاه بعض الفقهاء عنهم والأول عندي أشبه بمذهبنا وهو قول القاضي في كتاب الروايتين مع اختياره فيه أن الواحد لا يقتضى التكرار لو قدرنا موافقتهم على الأصل المتقدم لأنا نقول فيمن قال لزوجته: "أنت طالق أنت طالق" أو قال: "اخرجي اخرجي" يريد الطلاق ولم ينو عددا ولا تأكيدا انه يلزمه طلقتان [ح] وهذا هو الذي ذكره القاضي في مقدمة المجرد مع ذكره للخلاف في الواحد فقال وإذا تكرر الأمر بالشيء اقتضى ذلك وجوب تكرار المأمور به إلا أن يكون ما يدل على أن المراد بالثاني التأكيد وحكي ابن عقيل عن ابن الباقلاني أنه على التكرار وليس على الوقف بخلاف قوله في الأمر والعموم لأن الأصل أن كل لفظة لها معنى تدل عليه وهذا
(1/23)
 
 
يختل بالوقف هنا دون الوقف في الأمر والعموم وهذا بخلاف المذكور في الأمر المتكرر إذا كان الثاني معادا من غير عطف وكان المأمور به يقبل الزيادة حيث لم يقتض الأمر التكرار إما على الإطلاق أو مع دلالة كقوله: "صل مرة".
فأما إن كان الثاني معطوفا على الأول بغير تعريف كقوله: صل ركعتين وصل ركعتين وقوله اسقني ماء واسقني ماء فإنه يفيد التكرار فإن كان المعطوف معرفا مثل: صل ركعتين وصل الصلاة فإنه يحمل على الصلاة الأولى لأجل التعريف قاله القاضي وأظن أبا الحسين البصري وقيل يحمل على صلاة أخرى وقيل بالوقف.
فان كان مما لا يصح التزايد فيه حسا كالقتل أو حكما كالعتق لم يتكرر سواء كان بعطف أو بغير عطف ثم لا يخلو أما أن يكونا عامين أو خاصين أو أحدهما عاما والآخر خاصا وسواء تقدم العام أو تأخر.
فصل:
وهل يقتضى وجوب التكرار اعتقاد الوجوب وعزم الامتثال قال القاضي: ملزما لمخالفيه أنه يجب وحكي عن الجرجاني الحنفي أنه لا يجب وإنما يجب البقاء على حكم الاعتقاد من غير فسخ له كالنية في العبادات أو كاعتقاد ما يجب اعتقاده وهذا أصح.
(1/24)
 
 
مسألة1: إذا لم يرد بالأمر التكرار
إما لدليل وإما بإطلاقه عند من يقول بذلك فهو على الفور عند أصحابنا وهو ظاهر كلامه [ح] ولم يذكر القاضي عن أحمد هذا وبه قالت الحنفية [ح] وكذلك المالكية وحكاه الحلواني وبعض الشافعية وقالت المعتزلة وأكثر الشافعية هو على التراخي والفورية معزية2 إلى أبي حنيفة
__________
1 من هنا اتفقت النسختان بعد الافتراق الذي نبهنا إليه في ص "17".
2 كذا والعربية تقتضي أن يقال "معزوة" بالواو مشددة اسم مفعول فعله "عزاه يعزوه" أي نسبه.
(1/24)
 
 
ومتبعيه والتراخي للشافعي قالهما الجويني [ح] وقال القاضي وقد أومأ أحمد إليه في رواية الأثرم وذكرها [ر] ونقل الأثرم عن أحمد وقد سئل عن قضاء رمضان يفرق قال: نعم إنما قال الله: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} 1 فظاهر هذا أنه على التراخي وحكي ابن برهان الفورية عن المعتزلة أيضا والقاضي أبي حامد المروزي من أصحابه وحكي التراخي عن أبي علي الجبائى وأبى هاشم من المعتزلة وحكاها أبو الطيب عن ثلاثة من أصحابه أبي بكر الصيرفي وأبى بكر الدقاق والقاضي أبي حامد وحكاه أيضا عن أبي الحسن الأشعري نفسه وحكي مذهب الوقف عن قوم من المتكلمين وقال أكثر الأشعرية هو على الوقف هكذا حكاه جماعة وعندي أن مذهب الوقف والتراخي شيء واحد [ر] وقال السرخسي الذي يصح عندي من مذهب علمائنا أنه على التراخي فلا يثبت وجوب الأداء على الفور بمطلق الأمر نص عليه في الجامع قال فيمن نذر أن يعتكف شهرا: له أن يعتكف أي شهر شاء وكذلك لو نذر أن يصوم شهرا والوفاء بالنذور2 واجب بمطلق الأمر وفي كتاب الصوم أشار في قضاء رمضان إلى أنه يقضى متى شاء وفي الزكاة وصدقة الفطر والعشر المذهب معلوم أنه لا يصير مفرطا بتأخير الأداء وكان الكرخى3 يطلق الأمر بوجوب الأداء على الفور وهو الظاهر من مذهب الشافعي فقد ذكر في كتابه أنا استدللنا بتأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج [مع4] الإمكان على أن وقته [موسع4] فهذا منه إشارة إلى أن موجب مطلق5 الأمر الفور وبعض أصحاب الشافعي قال: هو موقوف على البيان وذكر أنه إذا لم يؤد حتى مات يكون مفوتا مفرطا آثما بالإجماع قال: ومن أصحابنا من جعل
__________
1 من الآية "184" من سورة البقرة
2 في ا "والوفاء بالنذر" على الإفراد.
3 في ب "وقال الكرخي مطلق الأمر – إلخ" وأثبتنا ما في ا.
4 مكان هذه الكلمة مقطوع في ب.
5 هذه الكلمة ساقطة من ا.
(1/25)
 
 
هذا الفصل على الخلاف بين أصحابنا في الحج هل هو على الفور أو على التراخي [قال وعندي أن هذا غلط لأن الحج موقت بأشهره فأبو يوسف يقول تتعين السنة الأولى ومحمد لا تتعين] وعن أبي حنيفة [روايتان واختار الفور] 1 كمذهبنا من الشافعية أبو بكر الصيرفي والقاضي وأبو حامد واختار ابن الباقلاني أنه على التراخي وكذلك حكاه [ابن عقيل رواية] عن أحمد وممن اختاره من الشافعية أبو على بن أبي هريرة وأبو على الطبري وأبو بكر الدقاق وفي كتاب أبي الطيب أبو بكر القفال بدل الدقاق وقد ذكرنا فيما تقدم أن مذهب الوقف كالتراخي بناء على تقدير الإجماع [على جواز الفورية] وقد ذكر أبو الطيب ما يدل عليه وحكي موافقة طائفة أخرى أنهم يقفون على ذلك وأنكره عليهم وحكي عن طائفة آخرين أنهم [يقفون فلا يجزمون بجواز الفعل على الفور و] لا يجزمون بجواز تأخيره فعلى هذا يتحقق الوقف مذهبا
فصل:
إذا أريد بالأمر الندب فإنه يقتضى الفور إلى فعل المندوب كالأمر بالواجب ذكره القاضي ملتزما له على قوله: انه أمر حقيقة بما يقتضى أن الحنفية لا يقولون بالفورية.
__________
1 ما بين هذين المعقوفين لا يقرأ في ب وذكر أبي يوسف ومحمد في هذا الموضع محل نظر عندي.
(1/26)
 
 
مسألة: إذا ثبت أنه على الفور فلم يفعله المكلف في أول أوقات الإمكان لم يسقط عنه
في قولنا وقول الجمهور [ح] وأكثر المالكية واختلف الحنفية فقال الرازي كقولنا وقال غيره منهم يسقط كالموت1 عندهم هذا قول الكرخى وغيره [ح] وأبو الفرج المالكي وقد ذكر الجويني ما يقتضى أن الأول كالإجماع فقال أجمع المسلمون أن كل مأمور به بأمر مطلق إذا أخره ثم أقامه فهو [مؤد لا قاض] وهذا ظاهر كلام المقدسي.
__________
1 في ا "كالوقت عندهم".
(1/26)
 
 
[ح] مسألة: الأمر المؤقت لا يسقط بذهاب وقته
بل يجب القضاء به عند القاضي [به] والمقدسي [ح, ر] والحلواني من أصحابنا وبعض الشافعية وقال أكثر الفقهاء والمتكلمين يسقط ولا يجب القضاء إلا بأمر جديد وهو أقوى عندي وكذلك اختاره ابن عقيل وأبو الخطاب [ونصره] وحكي الأول ابن برهان عن بعض الحنفية [والمعتزلة] .
(1/27)
 
 
مسألة: الأمر يقتضى الإجزاء بفعل المأمور به
وذكر القاضي وأبو الطيب أن ذلك قول جماعة الفقهاء وأكثر المتكلمين من الأشعرية وغيرهم وقالت طوائف من المعتزلة يقف الإجزاء على دليل آخر [ح] وهذا قول [ابن] الباقلاني فإنه قال: هو [مجزى] [بمعنى أنه أدى ما أمر به لا1] بمعنى أنه لا يلزمه القضاء ولا الإتمام2 وقال ابن برهان هو قول عبد الجبار بن أحمد وذكر أن الأول مذهب الفقهاء قال أبو الخطاب: هو قول عبد الجبار وطائفة من المعتزلة وزيف الجويني ذلك تزييفا بليغا وقال لست أرى هذه المسألة خلافية ولا المعترض فيها بإشكال الفقه معدودا خلافه [ر] وذكر الرازي لتفسير الإجزاء [وجهين] 3.
__________
1 هذه الجملة ساقطة من اوالكلمة قبلها ساقطةمن ب.
2 في ا "لا يلزمه القضاء والإتمام" وما أثبتناه موافقا لما في ب أدق.
3 لم تذكر الوجهين إحدى النسخ ولعلهما ما يؤخذ ن كلام الباقلاني أحدهما: أن معناه أن المكلف أدى ما أمر به والثاني: معناه أنه لا يلزمه القضاء ولا الإتمام.
(1/27)
 
 
مسألة إذا ورد الأمر الموجب بأشياء على جهة التخيير
كخصال الكفارة فالواجب منها واحد لا بعينه وبه قال جماعة الفقهاء والشاعرية وقال المعتزلة الجميع واجب بصفة التخيير وكان الكرخى الحنفي [مرة ينصر هذا ومرة ينصر هذا كقولنا ثم هذا الاختلاف قد قيل [هو] في مجرد عبارة وقيل بل [هو] في المعنى وحكي ابن برهان والجوبني أن وجوب الكل قول
(1/27)
 
 
بعض المعتزلة وهو أبو هاشم قال ابن برهان: [وقال بعض الناس1] الواجب ما علم الله [أنه يخرجه] [ح, ر] وربما أشار القاضي إليه وهو ضعيف وصرح الجويني بأن أبا هاشم صرح بأنه لو ترك الكل لم يأثم إثم من ترك واحد2 ولو أتى بالكل لم يثب ثواب من فعل واحدا
فصل:3
قال ابن برهان عندي إذا فعل الجميع أثيب ثواب الواجب على أعلاها.
[قلت وفي تصور إخراج] الكل دفعة [واحدة نظر ومع التفريق يعتبر السابق] قال: وإن منع الكل أثم إثم ترك أدناها [ح, ر] قال أبو الطيب والقاضي محققا لذلك: يأثم بمقدار عقاب أدناها لا أنه4 نفس عقاب أدناها
__________
1 لا توجد هذه العبارة في ا.
2 في ا "إثم من ترك واجبا" وكذلك في قسيمه "لم يثبت ثواب من فعل واجبا".
3 كلمة "فصل" لا توجد في ب ولعله هو الصواب لأن ما بعده من تمام ما قبله.
4 في ب "لأنه نفس – إلخ" خطأ.
(1/28)
 
 
مسألة العبادة إذا علق وجوبها بوقت [موسع]
كالصلاة فإن وجوبها [يتعلق] بجميع الوقت وجوبا موسعا عند أصحابنا والشافعية ومحمد بن شجاع وأبى على وأبى هاشم وقال [أبو الطيب1] هو مذهب الشافعي وأصحابه وهل يشترط لجواز التأخير عن أول الوقت العزم فيه وجهان للشافعية أحدهما يشترط كقول أصحابنا وأبى نصر المالكي على أصول أصحابه واختاره أبو الطيب وابن الباقلاني والثاني لا يجب العزم وهو أصح عندي وبه قال أبو علي وأبو هاشم واختاره أبو الخطاب والجويني وأنكره2 إنكارا شديدا [د] واختاره الرازي وذكر أنه قول أبي الحسين البصري وأن الأول قول أكثر المتقدمين3 وتكلم الجويني على حقيقة هذه المسألة بكلام يميل إلى التحقيق في مسألة الفور [ح, ر] ومال الشيخ
__________
1 ساقط من ا.
2 هكذا وأرجح أن الأصل "والجويني أنكره".
3 في ا "أكثر المتكلمين".
(1/28)
 
 
يعنى الموفق إلى اختيار القاضي في الكفاية عدم اشتراط العزم وقال الحنفية بل يتعلق بآخر الوقت واختلفوا فيما إذا فعله في أوله فقال بعضهم تكون موقوفة مراعاة على سلامته آخر من موانع الوجوب1 وقال الكرخى الوجوب يتعلق بآخر الوقت أو بالدخول في الصلاة قبله وعلى قول جميعهم متى لم يفعل وطرأ في آخر الوقت ما يمنع الوجوب فلا وجوب بحال وقال بعض المتكلمين الوجوب متعلق بجزء من الوقت غير معين كما يتعلق في الكفارات ابتداء بواحد غير معين الوجوب فيها ويتأدى الوجوب فيهما بالمعين وهذا أصح وأشبه بأصولنا في الكفارات فيجب أن يحمل مراد أصحابنا عليه ويكون الخلل في العبادة2 وقد صرح القاضي وابن عقيل وغيرهما بالفرق وأسند ذلك إلى ظاهر القرآن وفرق من جهة المعنى وقال قوم أول الوقت هو وقت الوجوب وجوبا موسعا وإنما ضرب آخره للقضاء.
__________
1 في ا "سلامته لآخر الوقت مع موانع الوجوب".
2 هكذا وأرجح أن الأصل "ويكون الخلاف في العبارة".
(1/29)
 
 
مسألة: يستقر الوجوب عندنا في العبادة الموسعة بمجرد دخول الوقت في أصح الروايتين أو الوجهين
وبه قال سائر الفقهاء وقال الشافعي: لا يستقر إلا بإمكان الأداء كالرواية الأخرى وقال أبو حنيفة نحو ذلك.
(1/29)
 
 
مسألة: صوم رمضان لازم للمريض والمسافر
والحائض في الحال وما يفعلونه فيما بعد يقع قضاء عن وجوب سابق نص عليه واختاره أصحابنا قال ابن برهان: هو قول الفقهاء قاطبة وقالت الحنفية لا يلزمهم في الحال وإنما يجب إذا زال العذر حكاه القاضي وكذلك حكاه ابن عقيل عن الحنفية وذكر ابن عقيل في الجزء الثاني ما يقتضى أن الحائض ونحوها لم يجب عليها إلا القضاء وقسم التكليف إلى ثلاثة أقسام بكلام قريب قسم وجوبه بمعنى أنه يسقط القضاء كالجمعة على المريض وقسم وجوبه بمعنى أنه يوجب القضاء كالصوم على الحائض والقسم الثالث له بدل يفعل وقال الحلواني عن
(1/29)
 
 
الأشعري: أن المسافر عليه صوم أحد شهرين لا بعينه شهر الأداء أو شهر القضاء كإحدى خصال الكفارة وكذلك ابن عقيل حكاه وحكي ابن برهان قول أهل العراق انه لا يجب القضاء على المريض ويلزم المسافر صوم أحد شهرين وسيأتي بعضها فيما بعد العمومات.
(1/30)
 
 
مسألة: لا فرق بين فرض العين وفرض الكفاية
ابتداء وهو للمقدسي في مسائل الأوامر.
(1/30)
 
 
[ح] مسألة: الأمر لجماعة يقتضى وجوبه على كل واحد منهم
ولا يسقط الواجب عمن لم يفعل بمن فعل إلا أن يدل دليل كفرض الكفاية.
فصل:
في كيفية الأمر بفروض الكفايات
وذلك أن الأمر يتناول جماعة لا على وجه الجمع كالأمر بالجهاد والصلاة على الميت ونحو ذلك الكل مخاطبون لا على طريق1 الجمع فإذا حصل ذلك بالغير لم يلزم الباقين والفرض في ذلك موقوف على غالب الظن فإذا غلب على الظن جماعة أن غيرها يقوم بذلك سقط عنها وإن غلب على ظنها أن غيرها لا يقوم به وجب عليها وإن غلب على ظن كل طائفة أن غيرها لا يقوم به وجب على كل واحد منها القيام به وقال أحمد رضى الله عنه في رواية حنبل الغزو واجب على الناس كلهم فإذا غزا بعضهم أجزأ عنهم فقد نص على أن المخاطبة بالغزو واجب على الناس وإنما يسقط عن بقيتهم في الثاني هذا لفظ الكفاية للقاضي أبي يعلى نقلته نقل المسطرة وكذا ذكره صاحب المغنى قريبا من هذا
__________
1 في ا "لا على وجه الجمع".
(1/30)
 
 
[ر, ح] فصل:
فروض الكفاية إذا قام بها رجل يسقط الفرض عن الباقين وإذا فعل الكل ذلك الفرض كان كله فرضا ذكره ابن عقيل محل وفاق لكن لعله إذا فعلوه جميعا1 فإنه لا خلاف فيه وفي فعل البعض بعد البعض وجهان وفرق بينه وبين تطويل الواجب بأن الفرض يتناول أهل القرية كلهم2 وذكر أن المسافر يسقط فرضه بركعتين ولو صلاها أربعا فإنه يكون الكل واجبا.
__________
1 يريد إذا فعلوه مجتمعين بدليل مقابله.
2 في ا "أهل القرية جميعهم".
(1/31)
 
 
مسألة: إذا أمر الله نبيه بشيء أو شرع له شيئا فأمته أسوته في ذلك
ما لم يقم دليل التخصيص وكذلك الخطاب إذا توجه من الله تعالى إلى الصحابة رضى الله عنهم دخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حكمه على الواحد من الصحابة حكم على الأمة نص عليه في مواضع واختاره أكثر أصحابنا وبه قالت المالكية والشافعية والحنفية هذا مقتضى نقل أصحابنا لهذه المذاهب في مسألة أفعاله هل تدل على الوجوب على أمته أو الندب صرح بذلك ابن عقيل وغيره وكذلك ذكره أبو الطيب إذا عرف الفعل وكذلك ذكر ابن برهان مذهب المتكلمين من أصحاب أبي الحسن قال: لا يختلف مذهب أصحابنا فيه وقالت المعتزلة أنهم كلهم لا يخاطبون بذلك وكذلك حكى الجويني عن أبي حنيفة وأصحابه أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته قال ابن برهان: هو قول الفقهاء واختار الجويني الوقف في القول دون الفعل وقد ذكرناه في الأفعال وجعل الحكم على واحد من أصحابه حكما على الأمة وألحقه بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم دون الخطاب له وهذا تفصيل عجيب وقالت الأشعرية وبعض الشافعية وأبو الحسن التميمي وأبو الخطاب من أصحابنا لا يثبت الحكم في غير المعين إلا
(1/31)
 
 
بدليل وكذلك حكم فعله عليه السلام إذا عرف وجهه هل يتعدى إلى أمته على هذا الخلاف قد صرح الجويني أن الواقفة في الفعل وافقوا على أن خطابه للواحد من أمته وتقريره له يكون خطابا وتقريرا للامه صرح بذلك في آخر مسائل الأفعال فحينئذ يصير كلام التميمي محررا [ح, هـ] وظاهر كلام أصحابنا الثاني وغيره يقتضى خلاف التميمي في المسألتين وأبو الخطاب ذكر أن حكم الواحد من أمته حكم الباقين وجعل ذلك محل وفاق كما قال الجويني: بخلاف حكمه مع أمته وسنذكر حكمه والخلاف في أصله وكيفيته1 وحكي ابن عقيل اختيار أبي الحسن أن فعله يحمل على الندب في حقه وحق أمته إلى أن يقوم دليل بخلافه وهذا يخالف ما حكيناه عنه أولا.
__________
1 في ا "وسنذكر حكمه في الخلاف فيه أصله وكيفيته" وما أثبتناه موافقا لما في ب أدق وأسلم من الاستغلاق والاضطراب.
(1/32)
 
 
مسألة: هل يدخل الأمر والمخاطب تحت الخطاب
في مثل قول القائل لمأموره: "من دخل هذه الدار فأعطه درهما" فلو دخل هذا القائل فهل يعطى بحكم هذا اللفظ إذا لم يمنع منه قرينه يخرج على مذهبين للأصوليين أحدهما يدخل اختاره الجويني وهو أقيس بكلام أصحابنا1 [ح, ر] وقال القاضي في مختصر له في أصول الفقه الأمر لا يدخل تحت أمره لأن الأمر يجب أن يكون فوق المأمور فأما النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله تعالى فهو وغيره فيه سواء إلا ما خصه الدليل وأما ما أمر به من ذات نفسه فلا يدخل فيه إلا أن يقره الله عليه فحينئذ يدخل فيه لأن الأصل أن المخاطب لا يدخل تحت خطابه إلا بدليل ولهذا إذا قال: "أنا ضارب من في البيت" لا تدخل نفسه فيه [ر, و] وصرح القاضي به في الكفاية فقال والأمر يدخل تحت الأمر خلافا لأكثر الفقهاء والمتكلمين في قولهم لا يدخل وذكر أن قول أكثر الفقهاء والمتكلمين أن الأمر لا يدخل تحت الأمر [ح] ثم انه [في بحث] المسألة بين أن صورة المسألة إذا أمر النبي
__________
1 في ا "وهو الأقيس بمذهب أصحابنا".
(1/32)
 
 
صلى الله عليه وسلم [أمته بشيء وعلله] بأنه ليس يأمر نفسه وإنما هو مبلغ أمر الله قال: وعلى أنه غير ممتنع أن يقول لنفسه افعلي ويريد منه الفعل وقد ذكر عن [المخالف] أنه لا يجوز أن يأمر نفسه بلفظ يخصه فلا يجوز أن يكون آمرا بلفظ [يعمه وغيره فأجاب بهذا] فصارت المسألة ثلاثة أقسام أحدها أن يأمر نفسه بلفظ خاص الثاني أن يأمر نفسه وغيره الثالث إذا أمرهم مبلغا عن غيره [ر, و] وظاهر قول الحلواني أن هذه المسألة من جملة صورها ما إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بشيء فهل يدخل أم لا؟ [ح] وقال أبو محمد التميمي لا يدخل الأمر تحت الأمر المطلق إلا بدليل وهذه متصلة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأمته هل يدخل فيه فإن لها "مأخذين" أحدهما أن أمره من الله تعالى فيكون هو مبلغا لأمر الله1 والثاني بتقدير أن يكون هو الأمر فهل يدخل الأمر تحت أمر نفسه أكثر كلام القاضي أنه لا يدخل وفيه وجه آخر أنه يدخل وقال القاضي في [مقدمة2] المجرد وإذا أمر الرسول بأمر فإنه يدخل هو صلى الله عليه وسلم في حكم ذلك3 الأمر إلا أن يكون في مقتضى اللفظ ما يمنع دخوله فيه4.
__________
1 في ا "فيكون هو المبلغ لأمر الله".
2 كلمة "مقدمة" ليست في ا.
3 في ب "فحكم ذلك الأمر" تحريف وأثبتنا ما في ا.
4 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله".
(1/33)
 
 
مسألة يدخل الرسول في خطاب القرآن
كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهذا قول عامة الأصوليين قال الجويني: وذهبت شرذمة لا يؤبه لهم1 إلى أنه غير داخل لأن له خصائص قال الجويني: وهذا هذيان لأن خصائصه في بعض القضايا لا يوجب خروجه من الخطابات الكلية وما من صنف من الناس إلا وقد اختصوا بخصائص عن غيرهم كالمسافرين
__________
1 في ا "لا يؤبه إليهم" وما أثبتناه موافق لما في ب وللاستعمال الشائع في لسان العرب.
(1/33)
 
 
والمرضى ثم لم يمنع ذلك من دخولهم في العام قال: وذهب بعض أهل الفقه منهم أبو بكر الصيرفي والحليمي إلى أنه [إن صدر] الخطاب العام [بأمر] الرسول [بتبليغه] كقوله قل يا أيها الناس لم يدخل فيهم وإلا دخل [ثم ضعف] ذلك [وزيفه] .
(1/34)
 
 
مسألة: إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بشيء دخل في حكمه
عند أصحابنا وهو ظاهر كلام أحمد لأنه في مواضع كثيرة عارض نهيه وأمره بفعله وتكلم على ذلك وبهذا قال بعض الشافعية1 خلافا لأكثر الفقهاء والمتكلمين: لا يدخل في حكمه والأول قول عبد الجبار بن أحمد وجماعة من المعتزلة والثاني اختيار أبي الطيب2 من الشافعية كأكثرهم واختاره أبو الخطاب وقال بأن كلام أحمد إنما يدل على معارضة فعله لقوله3 حيث إن فعله يتعدى إلى أمته [أما] العكس فلا.
وصورة المسألة أن يقول افعلوا كذا أو يقول إن الله يأمركم بكذا فأما إن قال: "إن الله يأمر بكذا" أو يأمرنا بكذا فإنه يدخل فيه بلا خلاف نعلمه.
__________
1 في ا "وبهذا قال الشافعي".
2 في ا "اختيار أبو الطيب – إلخ" وصحيح العربية يأباه.
3 في ا "معارضة قوله لفعله" وكلاهما صحيح.
(1/34)
 
 
مسألة: [العبيد] يدخلون في مطلق الخطاب
نص عليه وبه قال جماعة من الشافعية واختاره أبو بكر [بن] الباقلاني وأبو عبد الله الجرجاني الحنفي خلافا لبعض أصحابنا [ح] وأكثر المالكية وقال بعض الشافعية [ح] والمالكية لا يدخلون [ح] حكاه القاضي وحكي أبو سفيان وأبو الطيب أيضا والحلواني أيضا عن الرازي أن ما تعلق بحقوق الآدميين لم يدخلوا فيه قال: ولهذا لم يجز أصحابنا شهادة العبيد والأول اختيار الجويني وضعف الثاني جدا في كتاب العموم
(1/34)
 
 
مسألة: السكران مخاطب
هذا مذهب الفقهاء قاطبة قاله ابن برهان قال خلافا للمتكلمين من أصحابنا والمعتزلة واختاره الجويني وقال خلافا لطوائف من الفقهاء والمقدسي مثله وابن عقيل.
(1/35)
 
 
مسألة: المكره مكلف
في قول أصحابنا والشافعية قال ابن برهان: وحكي عن أبي حنيفة والمعتزلة أنه غير مكلف فيما أكره عليه قال الجويني: ذهبت المعتزلة إلى أنه لا يجوز تكليفه بالعبادة لأن من أصلهم وجوب إثابة المكلف والمحمول على الشيء1 لا يثاب عليه قال: وقد ألزمهم القاضي الإكراه على [القتل] وهو هفوة عظيمة لأنهم لا يمنعون النهي عن الشيء مع الإكراه وإنما الذي منعوه الاضطرار إلى فعل شيء مع الأمر به.
__________
1 المحمول على الشيء أي الذي حمله غيره وأكرمه على أن يأتيه.
(1/35)
 
 
مسألة: الصبي والمجنون ليسا بمكلفين
في قول الجمهور واختار قوم تكليفهما.
(1/35)
 
 
مسألة: الناسي في حالة2 نسيانه غير مكلف واختاره الجويني والمقدسي ومن الناس من قال: هو مكلف ورده3 ابن عقيل وبين أنه نزاع في العبارة4 والمعنى متفق عليه من مسائل التكليف.
__________
1 في ا "الناسي حال النسيانه".
2 في ا "وزيفه ابن عقيل".
3 في ب "نزاع في عبارة".
(1/35)
 
 
مسألة: الأمر المحمول على الندب والنهي للكراهية عدهما ابن الباقلاني من التكليف وخالفه الجويني لوجود التخيير فيهما ثم قال: والأمر في ذلك قريب يؤول إلى مناقشة عبارة والأول قول أصحابنا ذكره صاحب المغنى في فصل شروط التكليف وابن عقيل في الجزء الثالث وفصل الرازي ذلك.
(1/35)
 
 
مسألة: الشرع يجمع الوجوب والندب والحظر والكراهة
فأما الإباحة فليست من أحكام التكليف قاله الجويني وكلام ابن عقيل يقتضى ذلك حيث قال: التكليف إلزام العبد ما عليه فيه التكليف بالفعل أو الاجتناب بالترك قال الجويني: قال الأستاذ: هي من التكليف وهي هفوة ظاهرة ثم فسر قوله بأنه يجب اعتقاد الإباحة والذي ذكره رد الكلام إلى التكليف الواجب وهو معدود من التكليف وقال صاحب المغنى أقسام أحكام التكليف خمسة واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحظور والتحقيق في ذلك عندي أن المباح من أقسام [أحكام1] التكليف بمعنى أنه يختص بالمكلفين أي أن الإباحة2 والتخيير لا يكون إلا لمن يصح إلزامه بالفعل أو الترك فأما الناسي والنائم والمجنون فلا إباحة في حقهم كما لا حظر ولا إيجاب فهذا معنى جعلها في أحكام التكليف لا بمعنى أن المباح مكلف به.
__________
1 هذه الكلمة ساقطة من ب وما يأتي في كلامه يدل على ضرورة إثباتها كما في ا.
2 في ب "أي لأن الإباحة".
(1/36)
 
 
مسألة: الإباحة حكم شرعي
قال الجويني: هي معدودة من الشرع على تأويل أن الخبر ورد بها وذكر [عن] المعتزلة أن الإباحة ليست من الشرع وفصل الرازي ذلك وذكر صاحب المغنى فيما لم يرد فيه دليل سمعي احتمالين أحدهما أنه1 لا حكم له بل نفي الحرج فيه على ما كان قبل السمع والثاني أن الإباحة فيه حكم شرعي بناء على دعوى أنه قد دلت عمومات [سمعية] على أن ما لم يرد فيه حظر2 ولا إلزام فهو مباح [ر] والتحقيق أن الإباحة "تفسر بشيئين" أحدهما الإذن بالفعل3 فهي شرعية محضة إلا عند من يقول العقل يبيح فقد
__________
1 في ا "أحدهما أن لا حكم له".
2 في ا "على أنه لم يرد – إلخ" وما أثبتناه موافقا لما في ب أوضح وأدق.
3 في ب "أحدهما الإدراك في الفعل" وهو خطأ ظاهر.
(1/36)
 
 
تكون عقلية أيضا والثاني عدم العقوبة فهذا العفو يكون عقليا وقد يسمى شرعيا بمعنى التقرير وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم القسمين بقوله: "الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه".
فصل:
النائم والناسي غير مكلفين وذكر الآية: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} 1 وأجاب عنه وكذلك ذكره ابن عقيل وهو قول أكثر المتكلمين [قال شيخنا] 2 وكذلك المغمى عليه والذي عليه أكثر الفقهاء أنهم مكلفون وهو ظاهر كلام أحمد قال: وقد سئل عن المجنون يفيق يقضى ما فاته من الصوم فقال المجنون غير المغمى عليه فقيل له لأن المجنون رفع عنه القلم قال: نعم قال القاضي: فأسقط القضاء عن المجنون وجعل العلة فيه رفع القلم فاقتضى أنه غير مرفوع عن المغمى عليه وهذا أشبه بأصلنا حيث أوجبنا الصوم على الحائض مع استحالة الفعل منها [بمعنى ثبوت] الوجوب في الذمة.
فصل:
فأما السكران فقد نص أحمد أن القلم يجرى عليه وكذلك الشافعي وهو قلم الإثم ليس مثل المغمى عليه والنائم فإن قلم الإثم مرفوع عنهما إجماعا وقال ابن عقيل وأكثر المتكلمين هو غير مكلف وينبغي أن يخرج في لحوق المآثم3 له روايتان4.
__________
1 من الآية "43" من سورة النساء.
2 ساقطة من ب.
3 في ب "التأثيم".
4 في ب "له بأفعاله روايتان".
(1/37)
 
 
فصل:
إذا كان المأمور به بعضه واجبا وبعضه مستحبا كقوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} 1 وقوله: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ونحو ذلك وهو كثير في الكتاب والسنة فقد قال بعضهم: إن حمل الأمر على الوجوب خرجت منه المستحبات وإن حمل على الندب خرجت منه الواجبات مع أنه تحكم وإن حمل عليهما لزم حمل اللفظ على حقيقته [ومجازه أو على حقيقتيه2] قال ابن عبد السلام في قواعده: والحمل على الوجوب مع التزام التخصيص أولى لأن الغالب على صيغة الأمر الإيجاب والغالب على العموم التخصيص فإن حمله على الغالب أولى.
[قلت3] الصواب أن يقال الأمر عام في كل ما تناوله لقيام المقتضى للعموم ثم لك مسلكان:
أحدهما: أن تقول هو دال على القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب وما امتاز به بعضها من الإذن في الترك والمنع منه مستفاد من دليل منفصل وهذا وإن كان فيه تجوز عند من يقول مطلق الأمر إيجاب فالمحافظة عليه أولى من تخصيصه بالأمور الواجبة فقط لأن ذلك يسقط فائدة هذا الخطاب فانا لا نحمله إلا على ما علمنا [وجوده من غيره وما علمنا وجوده من غيره غنينا فيه] عن هذا الخطاب ولا يبقى للمخاطبة بمثل هذا فائدة ولان معه قرينة [تنفي] عنه الوجوب وهو دخول ما علمنا عدم وجوبه وليس معه قرينه تنفي عنه العموم وحمل كلام الله وكلام رسوله على ما يحصل بيانه بنفسه أولى من حمله على ما لا يعلم بيانه إلا بأدلة
__________
1 من الآية "77" من سورة الحج.
2 إن قلنا إن الأمر حقيقة في الوجوب مجاز في الندب كان حمله عليهما في هذه الصورة حملا للفظ على حقيقته ومجازه وإن قلنا إن الأمر حقيقة في الوجوب وفي الندب جميعا كان حملا للفظ المشترك على حقيقتيه.
3 ساقطة من ب.
(1/38)
 
 
كثيرة سبق حصرها [ولأنا لا نسلم] أن التخصيص في الأوامر1 أكثر من صرفها عن الوجوب وفي هذا المنع نظر ولان في مثل هذا يكون الخارج اللفظ العام أقل من الداخل فيه لكثرة مسمى الخير وكثرة الريب2 وحمل العام على مثل هذا ممتنع أو بعيد
المسلك الثاني وهو الأظهر [إن] شاء الله أن تقول هذا الأمر [إن] أريد به الوجوب في الواجبات والاستحباب: "في المستحبات" لأن المقتضى لعمومه مطلقا ووجوبه في الواجبات قائم ولا مانع من هذا المقتضى فيعمل عمله وإخراج بعض المأمورات منه أو إخراجه عن الوجوب مع ثبوت الوجوب إخراج للمقتضى عن عمله.
وما ذكره من كونه جمعا بين حقيقة ومجاز أو حقيقتين فعنه جوابان:
أحدهما أن هذا لا يضر فإن هذا جائز وغايته أنه نوع من المجاز والمصير إليه أولى لأن التخصيص والندب مجازان أيضا لكن لا دليل على ثبوتهما لأن الدليل المنفصل إنما أوجب إخراج بعض المأمور به أن يكون واجبا فيجب العمل به هنا وما زاد [على ذلك] لا وجه لصرف الكلام [فيه] عن ظاهره فالمجاز الذي تبقى معه3 دلالة اللفظ أوفر يكون الحمل عليه أولى.
ولا بد من تحرير هذا المقام أذلة أن يقول هذا مشترك.
الجواب الثاني وهو أجود إن شاء الله أن هذا ليس من باب استعمال اللفظ في مفهوميه4 بل هو من باب تخصيص العام وذلك أن الأمر المتناول أفعالا هو عام بالنسبة إلى تلك الأفعال فإخراج بعضها عن أن يكون واجبا
__________
1 في ا "الأمر" وضمير "صرفها" يدل على أن أصل العبارة كما أثبتنا موافقا لما في ب.
2 في ا "وكثرة المراتب" خطأ وهو يشير إلى الحديث الذي أثره في مطلع المسألة وهو "دع ما يريبك".
3 في ا "مع دلالة اللفظ".
4 في ب "في مفهومه" بالإفراد وخطؤه ظاهر.
(1/39)
 
 
تخصيص لدلالة الوجوب بل هو أقوى من تخصيص العام لأن التخصيص إخراج بعض الأفراد عن دخولها في اللفظ مطلقا وهذا إخراج للبعض من دخوله في دلالة اللفظ فإن الأمر يدل على الطلب وعلى المنع من الترك ويدل على شمول هذين المعنيين لجميع الأفعال المأمور بها فثبوت المعنيين في جميع الأفعال وثبوت أحدهما في الباقي إخراج لبعض الأفعال من أحد معني اللفظ وهذا أجود من إخراجه من جميع المعنى
وقد يقال إن الأمر المتناول لأفعال بمنزلة أمور متعددة فيجوز أن يراد ببعضها ما لا يراد بالآخر والأول أجود فإن هذا مبنى على أن اللفظ المجموع ليس كاللفظ المفرد في [إرادة] مجموع [موارده و] معانيه والأول يجعل اللفظ قد أريد به معنى واحد في جميع موارده وأريد به في البعض قدر زائد على المعنى المشترك وذلك القدر الزائد هو من مدلول اللفظ وهذا نوع تخصيص وحاصله يرجع إلى أن صرف الأمر عن الإيجاب إلى الاستحباب نوع تخصيص وإذا كان لا بد من تخصيص صيغة الأمر أو تخصيص صيغة المأمور به [بأن يحمل لفظ الأمر على بعض معناه في جميع المأمور أو يحمل] على جميع معناه في بعض المأمور فالقسم الثالث وهو إخراج بعض معناه عن بعض المأمور أولى من هذين الوجهين لما فيه من قلة التخصيص ولما في ذينك من كثرته ويشبه هذا قول من يقول إن اللفظ العام حقيقة باعتبار ما دخل فيه مجاز باعتبار ما خرج منه والذي أبوه في حمل اللفظ1 على معنييه أن يحمله على جميع مفهوميه الحقيقي والمجازى أو الحقيقيين وليس الأمر هنا كذلك فإنه يحمل على حقيقته في بعض المواضع وعلى مجازه في بعضها وهذا أقل محذورا من إخراج ذلك البعض المجازى بالكلية والله أعلم بالصواب
__________
1 في ا "من حمل اللفظ – إلخ".
(1/40)
 
 
فصل:
في الأقسام التي وردت بصيغة الأمر وليس المراد بها الأمر.
وهي خمسة عشر قسما ذكرها الرازي في الأوامر:
(1/41)
 
 
مسألة: في استقرار الوجوب
إما أن تكون العبادة مؤقتة أولا فإن لم تكن [مؤقتة] 1 ففي استقراره بمجرد وقوعه روايتان كالحج وهذا بناء على أن الأمر يقتضى الفورية وإن كانت مؤقتة استقر الوجوب بمجرد دخول الوقت في المشهور من المذهب وفيه خلاف وإن ترددت العبادة بين التوقيت وعدمه كالزكاة انبنى2 على هذا ونعنى بالاستقرار وجوب القضاء إذ الفعل أداء غير ممكن ولا مأثوم على تركه3.
__________
1 ساقطة من ب.
2 في "ابتنى".
3 لعل الأصل "ولا مأثم على تركه".
(1/41)
 
 
مسألة: الأمر لا بد أن يكون أعلى مرتبة من المأمور
من حيث هو آمر وإلا كان سؤالا وتضرعا ويسمى أمرا مجازا هذا قول أصحابنا والجمهور وقال بعض الأشعرية لا تشترط الرتبة.
(1/41)
 
 
مسألة: ليس من شرط الوجوب تحقق العقاب على الترك وهو قولنا وقول القاضي أبي بكر بن الباقلاني1.
__________
1 هذه المسألة برمتها ساقطة من ا.
(1/41)
 
 
مسألة: الأمر الذي أريد به جواز التراخي
بدليل أو بمقتضاه عند من يراه إذا مات المأمور بعد تمكنه منه وقبل الفعل لم يكن عاصيا عند الأكثرين وقال قوم يموت عاصيا واختاره الجويني في مسألة الفور والتراخي وحكي أن الأول مذهب الشافعي والمحققين من أصحابه في الصلاة كقولنا وهو للمقدسي في أوائله وهذا إنما يصح إذا جوزنا أن يكون الواجب متراخيا وكلام أكثر أصحابنا يقتضى أن هذا لا يجوز بحال والقاضي في الكفاية قد جوزه
(1/41)
 
 
فصل:
قال القاضي إطلاق القواعد يقتضى الوجوب لفعل ما يوعد عليه فإن عدلنا عنه في موضع فلدليل وكلام ابن عقيل في العمدة يوافق ذلك أجاب بهذا لما استدل على وجوب [الإجابة إلى1] الوليمة بقوله: "من لم يجب فقد عصى الله ورسوله" قال: وهذا يدل على الوجوب لأنه توعد عليه بالمعصية فقيل له لا يمتنع أن يتوعد عليه على طريق الاستحباب كما قال: "من سمع النداء فخرج من المسجد قبل أن يصلى فقد عصى أبا القاسم" وقال: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا" فأجاب بما تقدم وقد ذكر مثل ذلك في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} 2.
قلت هذا ضعيف بل الوعيد نص في الوجوب لا يقبل التأويل فإن خاصة الواجب ما توعد بالعقاب على تركه ويمتنع وجود خاصة الشيء بدون ثبوته إلا في كلام مجاز.
فصل:
صيغة الوجوب ينبغي أن تكون نصا في معنى الوجوب وذهبت طائفة من أصحابنا وغيرهم إلى أنها تحتمل توكيد الاستحباب كما في قوله: "حقك على واجب" وذكر هذا التأويل في "غسل الجمعة واجب على كل محتلم".
فصل:
فأما لفظ الفرض فقد قيل انه يقبل التأويل بمعنى التقدير واختلفت الرواية عن أحمد في صدقة الفطر هل تسمى فرضا على الروايتين ومن قال: ليست بفرض تأول قول ابن عمر فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر
__________
1 زيادة لا بد منها ليستقيم الكلام.
2 من الآية "7" من سورة الماعون.
(1/42)
 
 
بمعنى قدر والأظهر أنها نص وقولهم فرض القاضي النفقة وفرض الصداق لا يخرج عن معنى الوجوب وإن انضم إليه التقدير وقال القاضي في اختلاف الروايتين في البحث مع الواقف وما قالوه من أن هذه اللفظة ترد مشتركة في الوجوب والندب وغيره فهذا لا يمنع من أن الصيغة كأسماء الحقائق كالأسد والحمار فإنها حقيقة في البهائم ويراد بها الرجل بقرينة ومع هذا فلا يمتنع أن يكون إطلاقها لحقيقة البهيمية ويبطل بقوله فرضت وأوجبت وألزمت فإن هذا يرد والمراد به الوجوب ويرد والمراد به الندب كقوله غسل الجمعة واجب على كل محتلم ومعناه وجوب اختيار وكذلك فرضت يحتمل الوجوب ويحتمل التقدير كذلك ألفاظ الوعيد ترد والمراد بها الوجوب والمندوب1 قال الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} وذلك مندوب إليه ومع هذا اطلاقة يقتضى الوجوب وكذلك ذكر في العمدة وزاد عليه قوله: وما حقها قال: اطراق فحلها ومنحه لبنها يوم وردها قال: فتوعد [على] 2 هذا وهو مندوب إليه ومع هذا اطلاقة يقتضى الوجوب.
فصل:
قال القاضي العبادة كل ما كان طاعة لله أو قربة إليه أو امتثالا لأمره ولا فرق بين أن يكون فعلا أو تركا فالفعل كالوضوء والغسل والزكاة وقضاء الدين والترك كترك الزنا وترك أكل المحرم وشربه وترك الربا وزالت النجاسة فأما الترك فلا يفتقر إلى النية بمنزلة رد المغصوب وإطلاق المحرم الصيد وغسل الطيب عن بدنه وثوبه لأن ذلك كله طريقه الترك فيخالف الوضوء لأنه فعل مجرد ليس فيه ترك وقال أصحاب أبي حنيفة الوضوء ليس بعبادة من شرطها النية
__________
1 دقة المقابلة تقتضي أي يقال "الوجوب والندب".
2 زيادة لا بد منها ليستقيم الكلام.
(1/43)
 
 
وأفسده وقال سقوط النية في صحة الفعل المأمور به لا يدل على أنه ليس بعبادة كما لا يدل على أنه ليس بطاعة [وقربة] .
فصل:
قال القاضي في الحدود وكذلك ذكر في مسألة المأمور به أمر [ندب] أن كل طاعة فهو مأمور به الطاعة موافقة الأمر والمعصية مخالفة الأمر وقال على ظهر المجرد1 حد الأمر ما كان المأمور بفعله ممتثلا وليس حده ما كان طاعة لأن الفعل يكون طاعة بالترغيب في الفعل [وان لم يأمر به] كقوله: "من صلى غفرت له ومن صام فقد أطاعني" ولا يكون ذلك أمرا.
__________
1 في ب "على ظهر الجزء" تحريف وعادة الشيخ أي يقول "في مقدمة المجرد".
(1/44)
 
 
مسألة: التفاضل في العقاب والثواب لايعطي التفاضل
...
مسألة قال ابن عقيل: التفاضل في العقاب والثواب لا يعطي التفاضل
في حقيقة الإيجاب الذي هو الاستدعاء لأنه إذا لم [يفسخ] في الإخلال بواحد منهما فلا يعاقب على الإخلال بواحد منهما وكان سبحانه لو رفع العقاب رأسا والثواب لما ارتفع صحة قوله: أوجبت وحتمت وصح أن يقوم بنفسه حقيقة معقولة وهذا قول ابن الباقلاني في أن الإيجاب لا يستلزم العقاب وقال أبو المعالي والغزالي لا يعقل الوجوب إلا مع استحقاق العقاب على الترك.
(1/44)
 
 
مسألة الأمر يتناول المعدوم
بشرط أن يوجد وبه قالت الشافعية والأشعرية خلافا للحنفية والمعتزلة لا يتناو [له] وإنما يثبت الحكم فيه إذا وجد بالقياس وقالت طائفة [إن كان] هناك موجود يتناوله الخطاب دخل فيه المعدوم تبعا وإلا فلا حكاه أبو الخطاب وقال بعضهم يتناول المعدوم ويكون إعلاما لا إلزاما [وزيف] ابن برهان من قال من أصحابه وغيرهم بشرط الوجود
(1/44)
 
 
وترجم المسألة بأن المعدوم مأمور ومنهي وزيف الجويني ذلك وقال بل حقيقة المسألة أن المعدوم هل يتصور آمرا ولا مأمور وهو مشكل قال ابن الباقلاني في مسألة أمر: المعدوم دليلنا إجماع الأمة على أن الله سبحانه أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم بهذه العبادات ودخل فيها من كان موجودا في تلك الحال ومن كان غير موجود في تلك الحال فإن من وجد بعدهم ما أمروا بأمر آخر بل هم مأمورون بالأمر الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهذا مقتضى ما نقله الأشعرية1 مصارعة للمعتزلة.
فصل:
أمر الصبي بشرط البلوغ وأمر المجنون بشرط الإفاقة بمنزلة أمر المعدوم بشرط الوجود ذكره ابن عقيل ملتزما له وقال إن دعوى الإجماع على خلافه باطلة وعلى قياس هذا جميع شروط الخطاب وموانعه من النوم والسكر والإغماء والغيبة وقد ذكر الغيبة في أثناء المسألة مستشهدا بها وقال أيضا ما الذي ينكر من صرف الخطاب إلى من المعلوم أنه يبلغ ويعقل وتتكامل شروط التكليف فيه وذكر في أثناء المسألة أن تعلق المدح والذم به كتعلق الأمر والنهي ومنع قولهم لا يصح أن يكون الأمر معدوما بأنه يصح أن يكون معدوما حين تعلق أمره بالمأمور مع كونه آمرا حقيقة مستندا إلى وجوده لكن ابتداء لا بد فيه من وجود الأمر كما أن انتهاءه إلى المأمور لا بد فيه من وجود المأمور فالانتهاء في هذا كالابتداء في ذلك.
__________
1 في ا "ما نقله متأخرو مصارعة المعتزلة" وما أثبتناه موافق لما في ب.
(1/45)
 
 
مسألة: يدخل النساء في خطاب الذكور
الذي هو نحو المؤمنين والقائمين وافعلوا ولا تفعلوا ونحوه عند أصحابنا والحنفية فيما ذكره البستي قال القاضي: ذكره شيخنا وأومأ إليه أحمد وهو ظاهر كلامه وبهذا قال ابن داوود وبعض الحنفية والكرامية فيما حكاه الحلواني
(1/45)
 
 
وقالت الشافعية والأشعرية وأكثر الحنفية لا يدخلون وهذا الذي ذكره التميمي وحكي أبو الطيب مثل مذهبنا عن بعض أصحابهم وعن أبي بكر بن داود وأصحاب أبي حنيفة واختاره أبو الخطاب كمذهب المخالفين وقال هو الأقوى عندي لكن ننصر قول شيخنا رياضة وذكر الأدلة ونصر الجويني الثاني كمذهب أصحابه وضعف الأول جدا وقال الحلواني عن أحمد ما يقتضى أنه لا يدخل النساء في خطاب الرجال لأنه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا فيما أعطاه الوالد لولده" أن الوالدة لا تملك الرجوع في الهبة.
فصل:
فان جاء المذكر بلفظ الواحد مثل قوله: إذا جاء مسلم فأعطه درهما فذكر الحلواني وغيره في المسألة في هذه الصورة احتمالين ولفظه واحتجوا بأنه لفظ موضوع للذكور فلا يدخل فيه الإناث كلفظ الواحد وقال في الجواب يحتمل إلا نسلم [الحكم في الأصل وإن سلمناه ثم فرق] .
(1/46)
 
 
مسألة: يدخل الكفار في مطلق الخطاب
بلفظ الناس ويا أولى الألباب ونحوه في أصح الروايتين وبها قال الشافعي وأكثر الشافعية [ر] وبعض المالكية والرازي والكرخى وجماعة من الحنفية والمتكلمون من المعتزلة والأشعرية والرواية الأخرى عن أحمد لا يدخلون في الأوامر بالفروع وإنما يتناولهم خطاب الإيمان والنواهي [ر] وهو الذي ذكره القاضي في مقدمة المجرد فقال الكفار مخاطبون بالإيمان وأما العبادات من الصوم والصلاة والزكاة فقال شيخنا إنهم مخاطبون1 بذلك وقال أحمد في رواية عبد الله معنى قوله: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} 2 يعنى من الموحدين وذكر بعض أصحابنا فيها ثلاث
__________
1 في ب "إنهم غير مخاطبين بذلك".
2 من الآية "43" من سورة المدثر.
(1/46)
 
 
روايات كالمذاهب الثلاثة الثالثة لا يخاطبون بشيء وبها قال الجرجاني الحنفي [ح, ر] وبعض المالكية وبعض الشافعية واختاره الشيخ أبو حامد [منهم] وقال بعض الحنفية لا يخاطبون بالفروع على الإطلاق وفصل الجويني في ذلك تفصيلا محققا [ح, ز] 1 [وقال والد شيخنا] 2 وذكر الرازي فائدة هذه المسألة
فصل:
خطاب الله لأهل الكتاب وبني إسرائيل في القرآن على وجهين:
أحدهما خطاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم تسليما مثل قوله في سورة البقرة: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} 3 إلى قطعة من السورة وكذلك في آل عمران والنساء: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} 4 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا} 5 ونحو ذلك فهذا حكم سائر الناس فيه حكم بنى إسرائيل وأهل الكتاب [إن شركوهم] في المعنى دخلوا وإلا لم يدخلوا لأن بنى إسرائيل وأهل الكتاب صنف من المأمورين بالقرآن بمنزلة خطابه لأهل أحد وعتابه لهم في قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} 6 إلى أواخر السورة أو خطابه لأهل بدر بقوله: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} 7 وبمنزلة قوله: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} 8 ونحو ذلك فإن الخطاب المواجه به صنف من الأمة المدعوة أو شخص يشمل سائر المدعوين وهذا نظير خطابه لواحد من الأمة [المدعوة] فإنه [يثبت الحكم]
__________
1 في اهنا زيادة نصها "وذكر بعض أصحابنا فيها ثلاث روايات الثالثة لا يخاطبون بشيء" وقد تقدمت هذه العبارة في النسخة قبل أسطر قليلة لذلك لم نر إلحاقها بالأصل في هذا الموضع أيضا.
2 هذه الجملة في اوحدها.
3 من الآية "40" من سورة البقرة.
4 من الآية "171" من سورة النساء.
5 من الآية "47" من سورة النساء.
6 من الآية "122" من سورة آل عمران.
7 من الآية "69" من سورة الأنفال.
8 من الآية "38" من سورة لأنفال.
(1/47)
 
 
في حق مثله إذ الأمر تارة يتوجه إلى الأمة المدعوة وتارة [يتوجه] إلى الأمة المجيبة ثم الشمول هنا هل هو بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي فيه الخلاف المعروف وسره أن المخاطب قصد بنفس ذلك الخطاب الخاص في اللغة العموم أو لم يقصد به إلا الخاص لكن قصد العموم من غير هذا الخطاب وعلى هذا يبنى1 استدلال عامة الأمة على حكمنا بمثل قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 2 فإن هذه الضمائر جميعها مع بنى إسرائيل.
فأما خطابه لهم على لسان موسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام فهي مسألة شرع من قبلنا والحكم هنا لا يثبت بطريق العموم الخطابي قطعا لكن يثبت بطريق الاعتبار العقلي عند الجمهور كما دل عليه قوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} 3 وقوله: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} 4 وقوله: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5 ونحو ذلك وهذا ينتفع به ويحتاج في أكثر المواضع إلى أصل آخر يعم هذا وغيره وهو أن الحمد والذم إذا كان على جنس فعل قد علق به ثواب أو عقاب فإنه يحصل للمكلف من ذلك الجنس بقدر نصيبه منه فإن قام به البعض استوجب بعض الثواب إذا لم يكن فعل البعض شرطا في فعل البعض كصوم طرفي النهار مثلا والغالب في الذم عدم الارتباط وفي الحمد قد يقع الارتباط فإن استحقاق الذم على المعصية ليس مشروطا في الغالب بمعصية أخرى بخلاف فإن استحقاق الثواب على الطاعة فإذا ذموا على جنس فعل ذم قليله وكثيره ثم ذلك الجنس قد يشمله اللفظ وهو ظاهر كقوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} 6 {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} 7 وقد لا يشمله اللفظ
__________
1 في ا "ينبني".
2 من الآية "44" من سورة البقرة.
3 من الآية "111" من سورة يوسف.
4 من الآية "66" من سورة البقرة.
5 من الآية "2" من سورة الحشر.
6 من الآية "42" من سورة البقرة.
7 من الآية "44" من سورة البقرة.
(1/48)
 
 
إلا بطريق العبرة كما في قوله: {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} 1 ونحو ذلك وقد يكون الشمول هنا بالعموم العرفي كما في قوله: "قنطار" و"دينار" و "أف" ونحو ذلك
فالحاصل أن العموم يكون للأشخاص تارة وللأعمال تارة أخرى وفي كلا الموضعين يعم بالوضع اللغوي أو بالعادة العرفية أو بالعبرة العقلية فصار لغة2 وعر فا وعقلا ويترتب على عموم الفعل أنه عموم مطلق أو مشروط بالاقتران وإذا كان مطلقا فحيث وجد بعض الفعل المشمول [تبعه] الحكم3.
__________
1 من الآية "91" من سورة البقرة.
2 في ا "فصار لغة عرفا وعقلا" بدون واو قبل عرفا وقد يكون لها وجه.
3 في ب "تبعه حكمه".
(1/49)
 
 
مسألة: الأمر بالشيء نهي عن ضده
من طريق المعنى دون اللفظ في قول أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة والشافعي والكعبي [ح] ومالك وقالت الأشعرية هو نهي عنه من جهة اللفظ بناء على أصلهم أن الأمر والنهي لا صيغة لهما وقال سائر المعتزلة وبعض الشافعية لا يكون نهيا عن ضده لا لفظا ولا معنى قال القاضي: بناء على أصلهم يعنى المعتزلة في اعتبار إرادة الناهي وذلك غير معلوم عندهم وأما قول بعض الشافعية فحكاه ابن عقيل وقال ابن برهان هو بناء على مسألة لا يتم الواجب إلا به [ح] وقال القاضي في مسألة الوجوب الأمر إذا كان مضيقا كان نهيا عن ضده والذي اختاره الجويني أن الأمر بالشيء لا يكون نهيا عن ضده لا لفظا و