لباس الصحابيات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

قال الشيخ محمد بن صالح العُثيمين - رحمه الله -: وقد ذكَر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كنَّ يلبسْنَ القمُص اللاتي تَصِل إلى الكعبين في القدمين، وإلى الكفَّين في اليدَين[1].
مِن هذا المُنطَلق قال ابن قدامة - رحمه الله -: قال الأثرم: سألتُ أبا عبدالله عن رجل يَنظُر إلى شعر امرأة أبيه أو امرأة ابنه؟ فقال: هذا القرآن: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ إلا لكذا وكذا، قلت: فينظر إلى ساق امرأة أبيه وصدرها؟ قال: لا، ما يُعجِبني، ثم قال: أنا أكرَهُ أن يَنظُر من أمه وأخته إلى مثل هذا[2].
وقال ابن حزم - رحمه الله -: صحَّ عن إبراهيم ألا ينظر مِن ذات المحرَم إلا إلى ما فوق الصدر[3]، وكره الساقين[4].
2- قال تعالى: ﴿ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 60]، وقال تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]...إلى غير ذلك من الآيات.

وجه الدلالة من الآيات:
إن المتأمِّل لهذه الآيات بعيدًا عن المؤثِّرات الخارجية يجد مقاصد كلية جامعة، ويقف على حصانة منيعة وحِراسة محكمة لحدود العلاقة بين الجنسَين، لا يتصور معها إطلاقًا السماح لشابَّة حسناء وضيئة أن تُبرِز أعضاءها الساحرة الجميلة، وتتمشَّى بين محارمها ونسائها كاشفة ما فوق سُرتها وتحت ركبتها أيعقل هذا يا عباد الله! في شريعة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد؟!

3- قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ﴾ [الأحزاب: 59]، وقال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ﴾ [الأعراف: 26].

وجه الدلالة من الآيتين:
إن الله - جل وعلا - جعل كون نساء المؤمنين يُعرفْنَ باللباس الفارق أمرًا مقصودًا، فلِباس المرأة يُقصَد منه ما يلي:
• الاستِتار والاحتِشام.
• إظهار الفرْق بين النِّساء والرجال.
• إظهار الفَرْق بين المُسلِمات والكافرات.
• إظهار الفَرق بين العفيفات والعاهِرات.

إذا تقرَّر هذا فالملابس النسائية القصيرة والشفافة والضيقة تَخلو مِن روح هذه المقاصد الشرعية.
4- قال تعالى: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب:33].

وجْه الدلالة من الآية:
إن الله - جل وعلا - نهى نساءنا عن تبرُّج الجاهلية الأولى، فدلت الآية بمنطوقها على أنه يَحرُم على المؤمنات أن يلبسْنَ القصير أو الشفاف أو الضيِّق؛ لأن المرأة فيها متبرِّجة شرعًا وعرفًا ولغةً، والآية عامة لم تُفرِّق بين أن يكون التبرُّج عند قريب أو بعيد، فمَن حمَل الآية على البعيد دون القريب فقد تأولها على غير تأويلها، والتخصيص يَحتاج إلى دليل ممَّن جاءنا بالإسلام والإيمان والإحسان، ولا دليلَ هنا.
هذا، ولا ريب في تحريم مُشابهة الجاهليات في هيئتهنَّ وهديهن وزيِّهن، وهذه الثياب المَحظورة سمة لهنَّ؛ فعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن تشبَّه بقوم فهو مِنهم))[5].
وقال علي - رضي الله عنه -: "مَن تزيَّا بزيِّ قوم فهو منهم".

5- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة عَورة، فإذا خرجَت استَشْرَفها الشيطان))[6].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المرأة عَورة))[7].

وجْه الدَّلالة من الحديث:
إنه على وجازته صريح في كون المرأة عورة، هذا قول مَن أُعطي جوامع الكَلِم، فلا يَحِلُّ لنا أن نردَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ونقول: إن ما فوق السرة وتحت الركبة ليس بعورة، إلا أن يكون معَنا منه دليل يصحُّ الاحتِجاج به، ولا دليل هنا.
وقد أخرج سعيد بن منصور والبَيهقي في سننه وابن المُنذِر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتَب إلى أبي عبيدة أما بعد؛ فإنه بلغَني أن نساء المسلمين يَدخلْنَ الحمَّامات مع نساء أهل الشرك، فإنه لا يحلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يَنظُر إلى عورتها إلا أهل ملَّتها[8]، فسمَّى بدن المرأة عورة؛ لأن ما بين السرة والرُّكبة لا يَحِلُّ لأحد غير الزوج أن ينظر إليه.
وعن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال: كلُّ شيء مِن المرأة عورة حتى ظفرها[9]، وروي مِثلُ ذلك عن الإمام أحمد[10]، وهو قول مالك[11].
وقال الإمام أحمد - على ما نقَله أبو طالب -: "ظُفر المرأة عورة، فإذا خرجَت مِن بيتِها فلا تُبِن منها شيئًا ولا خفَّها، فإن الخفَّ يَصِف القدَم، وأحبُّ إليَّ أن تجعل لكمِّها زرًّا عند يدِها، حتى لا يَبين منها شيء".
فثبَت بهذا الحديث وما في معناه: أن الأصل في المرأة أن كل شيء منها عورة، فلا يحلُّ إخراج شيء مِن هذا العموم حتى يقوم دليل صَحيح صريح على إخراجه، فمَن قال: إن ما فوق السرَّة وتحت الركبة ليس بعورة عند النساء والمَحارم، قيل له: أين الدليل على ذلك؟ ولا دليلَ هنا.
وثمَّة مِن جِهة النظر على طريقة الفقهاء ما يؤيد أن ما لا يظهَر غالبًا عورة، وهو أنه لا يلزم المرأة كشفُه في الإحرام، ولا يَجوز لها إظهاره في الصلاة، ولا يشقُّ سترُه، ولا تدعو الحاجة إلى ترك تغطيتِه، ويُوارى عادة.

6- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عَورة الرجل على الرجل كعورة المرأة على الرجل، وعورة المرأة على المرأة كعَورة المرأة على الرجل))[12].

وجْه الدلالة من الحديث:
وجوب تَستُّر المرأة مع المرأة، وأنه لا يَجوز لها أن تتهاوَن فتَتكشَّف بحُجَّة أنها عند امرأة، وقد دلَّ الحديثُ على أن المرأة يجب عليها أن تستُرَ عند المرأة ما يُغطَّى عادة في بيتها؛ لأن المرأة لا يَجوز لها أن تتعرَّى عند محرمها مُكتفيةً بسَترِ ما بين السرة والركبة.

7- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "((مَن جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة))، فقالت أمُّ سلَمة: فكيف يصنَع النساء بذيولهنَّ؟ قال: ((يُرخين شِبرًا)) فقالت: إذًا تَنكشِف أقدامهنَّ، قال: ((فيُرخينه ذراعًا لا يَزدن عليه))[13]، وفي حديث عائشة رضي الله عنها: ((إذًا تَخرُج سوقهنَّ))[14]، ورواه أحمد ولفظه: "إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه عن الذَّيل، فقال: ((اجعلنه شِبرًا))، فقلْن: إن شبرًا لا يستر من عورة، فقال: ((اجعلنه ذراعًا)).
وللبزار من حديث عمر - رضي الله عنه - قال: ((شِبرًا))، فقلن: شبر قليل، تخرُج منه العورة، قال: ((فذراعًا))، قلْن: تبدو أقدامهُنَّ، قال: ((ذراعًا لا يزدْن على ذلك))[15].

وجه الدلالة من الحديث:
إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر نساءه على قولهنَّ: إن شِبرًا لا يستر من عورة، وعَملُ كثير من الفتيات اليوم - هداهنَّ الله - مُناقض لعمل الصحابيات تمامًا، وذلك أنهنَّ يَخرجن للحفلات والسهرات وقصور الأفراح بالملابس المحظورة؛ كالقصيرة، والشفافة، والضيِّقة، ويستفاد من عمل الصحابيات رضي الله عنهنَّ في جر ذيولهنَّ ذراعًا أن المتعين على المرأة إذا خرجت من بيتها أن تستتِرَ سترًا شاملاً لا فتنة فيه.
إذا تقرَّر هذا فإن من المخالفات ما تفعله بعض الفتيات؛ حيث يلبسْنَ الثياب القصيرة التي تبلغ الركبتَين، وتلبس تحته السراويل الطويلة الضيقة المحجِّمة لسوقهن وأقدامهنَّ؛ لأنَّ هذا وإن ستر لون البشرة إلا أنه يُظهِر حجم الساق، وهذا يُنافي ملبوس المُحتشمات وعمل المسلمات قرنًا بعد قرن.
وقد نقل ابن تيميَّة حديث أم سلمة، ثم ذكَر أن هذا ليس معينًا للستر، فلو لبست المرأة خفًّا واسعًا صلبًا كالموق، وتدلَّى فوقه الجلباب بحيث لا يظهَر حجم القدم، لكان هذا مُحصِّلاً للمقصود[16].
وثمَّة توجُّس أن تكون لبسة النساء لهذه الملابس المحظورة من جنس الخُيلاء المنهي عنه؛ لأن جرَّ الثياب في حق الرجال من المخيلة، فحَسرُ الثياب في حق النساء لا يُستبعد أن يكون من المخيلة التي لا يُحبها الله، وكثيرًا ما يختال ضعيفات الإيمان ناقصات العقول بمثل هذه الملابس، ويُباهين به ليراه الناس، نعوذ بالله من انتِكاس الفِطَر.


[1] ابن عثيمين: فتاوى أركان الإسلام (ص: 294).
[2] ابن قدامة: المغني: 9: 491 - 492.
[3] ابن حزم: المحلى10: 32.
[4] الجصاص: أحكام القرآن 3: 463.
[5] حسن؛ للكلام في عبدالرحمن بن ثابت، وله شواهد؛ انظر: نصب الراية (4: 346 - 347) وطريق آخر جميعها لا تخلو من مقال، وقد أخرج الحديث أحمد (2: 50) وأبو داود (4031) وابن أبي شيبة (المصنف: 4 :575) والبيهقي (الشعب: 2: 75) والطحاوي (مشكل: 1: 88) وغيرهم، قال ابن تيمية (الاقتضاء: 1: 240 - 241): هذا إسناد جيد، وقد احتجَّ الإمام أحمد وغيره بهذا الحديث اهـ، وصحح إسناده العراقي؛ تخريج الإحياء: (797)، وانظر: (3639)، وصحَّحه ابن حبان (بلوغ: 1499)، وابن حجر (الفتح: 10: 274)، والبهوتي (الروض: ص 145)، والألباني (الإرواء: 2384)، وحسَّنه السيوطي في الجامع الصغير (الفيض: 6: 104)، وقال الذهبي (السير: 15: 509): إسناده صالح، وقال الهيثمي (مجمع: 5: 267): رواه الطبراني، وقال (مجمع: 6: 49): رواه أحمد، وفيه عبدالرحمن بن ثابت، وثَّقه ابن المديني وغيره، وضعَّفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات اهـ، وذكر المناوي في الفيض مَن ضعَّفه، وحسن إسناده في (التيسير: 2: 410) من حديث حذيفة، وقال ابن حجر (الفتح 6: 98): وله شاهد مُرسَل بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة، وقال الصنعاني في سبل السلام: له شواهد تُخرِجه عن الضعف.
[6] صحيح: الترمذي (1173) وغيره، قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان، وقال ابن قدامة (المغني: 9: 491): حديث حسن، وقال ابن رجب (فتح الباري: 8: 52): إسناده كلهم ثقات، قال الدارقطني (العلل: 5: 314 - 315): رفْعُه صحيح من حديث قتادة، وقال الهيثمي (مجمع: 2116): رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثَّقون.
[7] قال الهيثمي "مجمع الزوائد" (7671): رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح.
[8] السيوطي: الدر المنثور (6: 183).
[9] مصنف ابن أبي شيبة (18008).
[10] ابن تيمية: الفتاوى (22: 115).
[11] ابن تيمية: الفتاوى (22: 110).
[12] ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن علي الرافعي، قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن عدي: هو وسط، وأخرج الحديث الحاكم "المستدرك" (4: 180)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، قال الذهبي: الرافعي ضعَّفوه، ورمز له السيوطي في الجامع الصغير (الفيض: 5642) بعلامة الحسن.
[13] صحيح: عبدالرزاق (المصنف: 19984)، ومن طريقه الترمذي (1731) النسائي (الصغرى: 5336) (الكبرى: 9735) من طريق نافع، عن ابن عمر، وللنسائي (5337) عن نافع، عن أم سلمة.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحَّح إسناده الساعاتي (الفتح الرباني: 17: 295 - 296)، وأخرجه مالك (الموطأ: 2: 915)، وأبو داود (4117)، والنسائي (5338)، وأبو يعلى (6855)، وابن حبان (الإحسان: 5451) من طريق نافع، عن صفية بنت أبي عبيد، عن أم سلمة، والنسائي (5339)، وابن ماجه (3580) من طريق نافع عن سليمان بن يسار، عن أم سلمة.
[14] ضعيف؛ لضعف أبي المهزم؛ أخرجه أحمد (الفتح الرباني: 17: 296) ابن ماجه (3583)، وأعلَّه البوصيري (مصباح الزجاجة: 1252)، والساعاتي في الفتح بأبي المهزم.
[15] أحمد (2:90) والنسائي (الكبرى: 9733) من طرق عن مطرف، عن زيد العمي، عن أبي الصديق الناجي، عن ابن عمر، وعند النسائي عن ابن عمر عن عمر، وقال الهيثمي (مجمع الزوائد: 8542): رواه البزار، وفيه زيد بن الحواري العمي، وقد وثق، وضعَّفه أكثر الأئمة.
[16] انظر: الفتاوى 22: 148.