مقدمة فيما يجب ستره من المرأة عند النساء والمحارم

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا، والصلاة والسلام على رسوله صاحب الخلُق العظيم والقلب السليم، المبعوث بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسنِ الأفعال، وعلى آله وصحبه أجمل الناس علمًا وأصلحِهم عملاً.

أما بعد؛
فهذه رسالة بعنوان: "الأدلة الصوارم على ما يجب ستره من المرأة عند النساء والمحارم" كتبتُها نُصْحًا للأمة، وبراءةً للذمَّة، وإرغامًا للشيطان وأعوانه معاول الهدم، وعَتَل الحطم؛ الداعين للإباحية والفساد، المُغرمين بتعاظل الكلاب للسفاد، الساعين إلى أن تَنسلِخ المرأة من الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية؛ ليجعلوها عبوة ناسفة لاستقرار المجتمعات الإسلامية، ولغمًا مُزلزِلاً للإطاحة بمبادئها وقيَمِها وأخلاقها ودينها، لقد تفنَّن لصوص الفضيلة وقُطَّاع طرق الأخلاق الجميلة في أساليب الضر ووسائل الشرِّ، وعمِلوا على تشويه الحقائق، وتغيير الفِطَر، وانتكاس البصائر، وقَلْب المَفاهيم، ليرى الواقعون في شِباكهم المعروف مُنكرًا والمنكر معروفًا، والتخلُّف تمدنًا وتطورًا، والرجعية تقدمًا وتحضُّرًا، والهبوط رقيًّا وعلوًّا، والنقص تمامًا وكمالاً والمستقبَح حسنًا وجمالاً، طموحهم أن تُقلِّد المسلمة الكافرات في عريهنَّ وعُهرِهن، لينمحي الطابَع المميِّز لشخصيتِها، وتنطمس العلامة الفارقة لهُويتها.
إن من كيد شياطين الإنس والجن وإغوائهم العمل على فتنة بني آدم حتى يكشفوا عن عوراتهم؛ قال تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 27].

خطوة شيطانية:
لقد انتشرَت في الآونة الأخيرة ألبسة نسائية تشمئزُّ منها النفوس الزكية، روَّج تصاميمها المُغرضون، ثياب تزري بالفتيات حين يرتدينها، ويُعاب على أهلهن لذلك؛ فتَنَهنَّ الشيطان بها، وألقى في قلوبهن: هل أدلكنَّ على زي التحضر والتمدن؟ فانخدعن بتزيينه وغرَّهن بأباطيله، فبدأ معهن بأول خطوة استدراجية ناحٍ بهن إلى بؤرة التجرُّد والعري، لقد أمرهن - عدو الله تنفيذًا لخطته المحبوكة - بلبس القصير والشفاف والضيق عند النساء والمحارم؛ ليبدأ مشروعه "تبرج النساء" من هنا، فأطعْنه جهلاً أو تجاهلاً، وأدخل حبَّ تلك الثياب الفاضحة في أفئدتهن بلجاجته وتجنيد النفس الأمارة بالسوء؛ ليَنتهي بهن حيث يريد، فله خبرة سابقة وتجربة ناجحة مع بني إسرائيل، ففي الحديث: ((إنَّ أول فتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء))[1].

أسلوب التدرُّج:
كان لوقت قريب لبْس النِّساء للقصير والشفاف والضيق مرفوضًا برمَّته دينًا ومروءة من قِبَل الفتاة وأهلها ومجتمعِها المحافظ، وحين سُلِّطَتْ عوامل التبرج بجهود مَصنوعة، وتخلَّلت الدعوات المضللة المجتمع الإسلامي، بدأت التنازلات، فلبسَت الفتاة الجريئة الثياب الضيقة، لكنها ثياب ساترة، ولا تُلبَس إلا في المنزل عند النساء والمَحارِمِ فقط، وإذا أرادت أن تَخرج لبست الجلباب "العباءة" فليس في نظرها ثمة مَحظور.
ومن ينهَ أهله عن ذلك ويتغيَّظ عليهم فخليق أن يقال عليه: متزمِّت.
ثم بدأ الثوب يتقلَّص من أطرافه قليلاً، وتلبسه الفتاة على استحياء عند النساء والمحارم فقط، ولا تلبسه ذات الحياء أمام مَن له هيبة من أقربائها، فإن فعلت خمَّرت صدرها بالخمار "الشيلة" وغطت عضديها بالملحفة "الجلال" ولا جرم؛ فالوالدان في عراك مع الواقع، لكنهما مُطمئنان؛ إذ يستحيل على ابنتهم أن تَخرُج به.
ثم تطوَّر التقلُّص، فشُمِّر الثوب أكثر وأكثر حتى أظهرت الفتاة مفاتنَها لكن عند النساء وبين المَحارم، وسرعان ما جرَّها التيار، ودفعتْها أيدي المكر، فخرجَت بثوب العري إلى حيث تَشاء، لكن الجلباب - الذي يحتاج إلى جلباب - فوقه حين تمرُّ بالرجال الأجانب، فإن احتشمَت عند النساء والمَحارم جعلت تحت الثوب القصير جدًّا سراويل طويلة رقيقة ضيِّقة، إلا أنها تسترُ لون البشرة، ولها أشكال و"مديلات" بعضها شرٌّ من بعض.
عندها نطق الشيطان على لسانها ولقَّنها حجَّتها: أليسَت عورة المرأة من السرة إلى الركبة؟ وهل يعني إذا خرجت المرأة بهذا الزيِّ أنها ستَبيع عرضها وتتخلى عن دينها وأخلاقها؟ ثم إن فلانة الصالحة أو ابنة العبد الصالح رُؤيت في الحفلة الفلانية لابسة كذا وكذا، وركن الوالدان إلى مراد ابنتهما ومالا إلى هواها، وهوَّنا على أنفسهما (هي أهوَنُ مِن غيرها).

علم من أعلام النبوة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه - ذكر الحديث وفيه -: ((إنَّ من أشراط الساعة أن يظهر الشحُّ، ويظهر ثياب يلبسها نساء كاسيات عاريات...))، "أكذاك يا عبدالله بن مسعود سمعته من حبِّي؟" قال: "نعم ورب الكعبة" [2].
وعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيكون في آخر أمتي رجال...نساؤهم كاسيات عاريات))؛ رواه أحمد[3]، وفيه الَعَلَمُ البيِّن من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وكم له من الأعلام العظيمة؟!

حجة واهية:
لقد تشبَّث غالب المفتونات بالتعري برأيٍ لبعض الفقهاء مرجوح، وهو أن عورة المرأة مع المرأة وأمام الأقارب المَحارم ما بين السرَّة والركبة، كعورة الرجل مع الرجل.
وهذا الرأي علاوة على أنه عارٍ عن الدليل من الكتاب والسنة، فليس فيه متعلِّق للمَفتونات؛ لأن أصحاب هذا الرأي لا يقولون: إنه يجوز للفتيات أن يلبسْنَ القصير والشفاف، ويُظهِرن صدورهن وظهورهن وبطونهن وسوقهن عند النساء والمحارم في بيوتهنَّ، فضلاً عن فعل ذلك في قاعات الاحتفالات وقصور الأفراح، فإن هذا لون، وتجوُّزهم في حد عورة المرأة حيث لم يعهدوا إلا نساءً محتشمات راعوا حاجتهنَّ وقت الأشغال المنزلية المرهِقة في لباس المهنة والبذلة لون آخر.

موضع فرقان:
لا أحسب أن أحدًا يُنازِع في التَّفرِقة بين مَن لبسَت الثياب القصيرة أو الشفافة في كامل الزينة والأبَّهة وتعمَّدت إبراز صدرها وظهرِها وعضدَيها وساقيها سخافة تَبتغي الحسن وتدعو إلى تقليدها، في ثياب باعثة على الشهوة حتى انجذب شابَّات إلى لبسه تقليدًا لهن، أو تحت ضغط الألسنة والأعيُن لسنتهنَّ السيئة، وبين من ظهر ساقها اضطرارًا لا اختيارًا لمُزاولتِها مهنة البيت في ثياب البذلة المنفِّرة؛ فالأولى: ملومة للبَجاحة، والثانية: معذورة للحاجة.

غلطة على العلماء:
لا يَخفى على من فهمَ أصول الشرع ومقاصده وتذوَّق محاسنَه، وما أتى به من درء المفاسد وجلب المصالح، أنه لا يجوز للفتيات ارتداء الثياب القصيرة والشفافة والضيِّقة المُظهِرة للمَفاتن عند المحارم والنساء، على الأقل لحَسمِ المادة وسدِّ الذريعة.
إنه لا يَنبغي أن يكون خلاف في تحريم لبس الفتاة الثوب القصير والشفاف، وخروجها في كامل زينتِها تهتكًا وقلة حياء، ومن قال: إنه جائز، واستند على ما ذكره بعض الفقهاء كضابط للعورة، فقد أخفقَ وغلط على العلماء وعلى الشريعة الإسلامية، وكيف يَستجيز من عرف احتياط العلماء ومقاصد الشريعة القول بذلك؟ فهل قال عالم من المتقدمين يعتدُّ بقوله: إنه يجوز للمرأة أن تستر ما بين سرتها وركبتها ثم تخرج بكامل زينتها إلى لحفلات النسائية، أو تحضر ولائم محارمها على هذه الحال ﴿ سُبحَانَكَ هَذَا بُهتَانٌ عَظيمٌ ﴾ [النور:16].
ومن سَبَر تاريخ الأمة المحمدية المديد، ونظر في اتساع رقعة دولة الإسلام وانتشار أهلها، وتأمل تستُّر المؤمنات واحتشامهن في تلك الأعصار والأمصار مع وجود هذا الضابط في كتب أهل العلم، فهمَ كلام العلماء، وعرف مرادَهم، إذ يُفسِّره عمل المؤمنات وما درجْن عليه قرنًا بعد قرن، فلم يكن يفهمْنَ من هذا الضابط مع قوة النظر ودقة الفهم غير المعنى الصحيح المراد به، ولكن لما خلف مَن بعدهنَّ مَن قلَّ ورعهن وساء فهمهنَّ وقَصدُهن، وضعفت مراقبة الله في صدورهن، تَحَذْلَقْنَ، وكأنهن أجلد رأيًا، وأثقب نظرًا، وأعمَقُ فهمًا، فزعمْنَ أن ذلك الضابط حجة لهن على سوء فعلهن، فجمعْنَ بين سوء قصدٍ، وسوء فهمٍ، وسوء فعلٍ، وسوء ظن بعلماء الأمة، وكان الواجب إمضاء هذا الضابط على ما جاءت به النصوص من الكتاب والسنة.
هذا ولو أننا قلدنا بعض الفقهاء في آرائهم الضعيفة واستَندْنا على ظاهر عباراتهم المطاطة دون أن نردَّ بعضها إلى بعض، حتى يتكون عندنا فهم متكامل وتصور صحيح؛ لتحول مجتمعنا إلى مجتمع عراة رجالاً ونساءً - نعوذ بالله من ذلك - ولأصبح مجتمعُنا يُضاهي المجتمعات الغربية في تخلُّعها وعريها.

بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله


[1] مسلم (2742) حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
[2] روا الطبراني في المعجم الأوسط (752) قال الهيثمي (مجمع الزوائد: 7: 327) قلت: حديث أبي هريرة في الصحيح بعضه، ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن الحارث بن سفيان، وهو ثقة.
[3] أحمد (7083) وصحَّح إسناده الشيخ أحمد شاكر، والحاكم (4: 436)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي بقوله: عبدالله - يعني القتباني - وإن كان قد احتج به مسلم فقد ضعَّفه أبو داود والنسائي، وقال الهيثمي (مجمع: 5: 137): رواه أحمد والطبراني في الثلاثة، ورجال أحمد رجال الصحيح.