فوائد وأحكام عاشوراء لفضيلة الشيخ المحدث علي بن عبدالله النمي

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

صيام الأشهر الحرم
ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَشْهُرَ الحُرُمِ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ مُجِيبَةَ البَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَالَ: (صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ). أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ. 

نحن أحق بموسى من اليهود
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا – قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ - ﷺ - المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - ﷺ - قَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ التِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ". رَوَاهُ مُسْلمٌ.

تحري النبي ﷺ بصيام يوم عاشوراء
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ - ﷺ - يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ، إِلَّا هَذَا اليَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ؛ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

تكفير صغار الذنوب
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ. الفَتَاوَى الكُبْرَى.
فَاحْرِصْ يَا عَبْدَ اللهِ عَلَى التَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ؛ فَإِنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.

استحباب صيام تاسوعاء
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: فَإِذَا كَانَ العَامُ المُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ، صُمْنَا اليَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ ﷺ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: ذَكَرَ العُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا:
(أَحَدُهَا): أَنَّ المُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ اليَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى العَاشِرِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(الثاني): أَنَّ المُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ، كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الجُمُعَةِ وَحْدَهُ.
(الثَّالِثُ): الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ العَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الهِلَالِ، وَوُقُوعِ غَلَطٍ، فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي العَدَدِ هُوَ العَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: (اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ التَّاسِعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَوْمُ العَاشِرِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ، وَبِهَذَا الحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ).

صيام عاشوراء مستحب
عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَتْ قُرَيشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ: كَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فَرْضًا، وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ لَمْ يُنْسَخْ، قَالَ: وَانْقَرَضَ القَائِلُونَ بِهَذَا، وَحَصَلَ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ قَصْدِ صَوْمِهِ وَتَعْيِينِهِ بِالصَّوْمِ. وَالعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَعْيِينِهِ؛ لِلْأَحَادِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَصُومُهُ، ثُمَّ تُرِكَ، فَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا كَانَ مِنَ الوُجُوبِ، وَتَأَكَّدَ النَّدْبُ.

لا يجوز التشبه باليهود في اتخاذ يوم عاشوراء عيدًا
عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: (كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا، وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - فَصُومُوهُ أَنْتُمْ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
لَا يَجُوزُ التَّشَبُّهُ بِاليَهُودِ فِي اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ عِيدًا، يُفْعَلُ فِيهِ كَمَا يُفْعَلُ فِي العِيدِ مِنَ التَّجَمُّلِ الخَاصِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

صوموا التاسع والعاشر، خالفوا اليهود
رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنِ الحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: «انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ المُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَصُومُهُ؟، قَالَ: نَعَمْ».
وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: "لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ. فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ".
وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَمَرَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، يَوْمِ العَاشِرِ». قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ المُبَارَكْفُورِيّ: (ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، لَمْ يَسْمَعِ الحَسَنُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ). انتَهَى.
وَالخُلَاصَةُ: أَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - قَوْلُهُ: "صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، خَالِفُوا اليَهُودَ". أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ رَجَبٍ.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَخَالِفُوا اليَهُودَ، وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا، وَبَعْدَهُ يَوْمًا». 
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: رِوَايَةُ أَحْمَدَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى. انْتَهَى.

مراتب صوم عاشوراء ثلاث
وَنَصَّ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُمُ ابْنُ القَيِّمِ، عَلَى أَنَّ مَرَاتِبَ صَوْمِ عَاشُورَاءَ ثَلَاثٌ: 
أَفْضَلُهَا: أَنْ يَصُومَ يَوْمَ العَاشِرِ، وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ.
وَثَانِيهَا: أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ.
وَثَالِثُهَا: أَنْ يَصُومَ العَاشِرَ فَقَطْ.
إِفْرَادُ عَاشُورَاءَ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ، جَائِزٌ، وَالأَفْضَلُ صَوْمُ تَاسُوعَاءَ مَعَهُ لِظَاهِرِ السُّنَّةِ.
وَقَالَ الحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ إِفْرَادِهِ.

حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا
وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَمُقتَضَى كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى العَاشِرِ؛ لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَأَفْتَى بِصَوْمِ اليَوْمَيْنِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ، وَجَعَلَ هَذَا هُوَ السُّنَّةَ لِمَنْ أَرَادَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَاتَّبَعَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يَكْرَهُ إِفْرَادَ العَاشِرِ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ". وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَلَا يُكْرَهُ إِفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ".

عاشوراء يكفر السنة التي قبله
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عاشوراء يكفر الذنوب إلا الكبائر
قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "وَتَقْدِيرُهُ: يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إِلَّا الكَبَائِرَ. فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنَ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ، وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ، وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنَ الكَبَائِرِ". اهـ.

صيام اليهود يوم عاشوراء
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: مَا هَذَا اليَوْمُ الذِي تَصُومُونَهُ، فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ - ﷺ -، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
وَإِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - المَدِينَةَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
فَتَوْجِيهُ الحَدِيثِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ القَيِّمِ: أَنَّ أَوَّلَ عِلْمِهِ بِوُقُوعِ القِصَّةِ فِي العَامِ الثَّانِي الذِي كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ المَدِينَةَ، إِنْ كَانَ حِسَابُ أَهْلِ الكِتَابِ فِي صَوْمِهِ بِالأَشْهُرِ الهِلَالِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِالشَّمْسِيَّةِ زَالَ الإِشْكَالُ بِالكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ اليَوْمُ الذِي نَجَّى اللهُ فِيهِ مُوسَى هُوَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ أَوَّلِ المُحَرَّمِ، فَضَبَطَهُ أَهْلُ الكِتَابِ بِالشُّهُورِ الشَّمْسِيَّةِ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَقْدَمَ النَّبِيِّ - ﷺ - المَدِينَةَ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ.

عاشوراء.. مَن شاء صامه، ومَن شاء تركه
ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَتْ قُرَيشٌ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَصُومُهُ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ صَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ شَهْرُ رَمَضَانَ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ».

تعظيم صيام يوم عاشوراء
ذَكَرَ ابْنُ القَيِّمِ تَوْجِيهَ الحَدِيثِ مَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - ﷺ - المَدِينَةَ صَامَهُ أَيْضًا عَلَى عَادَتِهِ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ؛ تَقْرِيرًا لِتَعْظِيمِهِ وَتَأْكِيدًا، وَأَخْبَرَ - ﷺ - أَنَّهُ وَأُمَّتَهُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنَ اليَهُودِ، فَإِذَا صَامَهُ مُوسَى شُكْرًا للهِ، كُنَّا أَحَقَّ أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِ مِنَ اليَهُودِ.

صيام عاشوراء كان فرضا قبل رمضان
ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ": «أَنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يَتَغَدَّى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، ادْنُ إِلَى الغَدَاءِ. فَقَالَ: أَوَلَيْسَ اليَوْمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ؟، فَقَالَ: وَهَلْ تَدْرِي مَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ؟، قَالَ: وَمَا هُوَ؟، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمٌ كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَصُومُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ تَرَكَهُ».
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: فَهَذَا لَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إِلَّا بِأَنَّ صِيَامَهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ رَمَضَانَ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ المَتْرُوكُ وُجُوبَ صَوْمِهِ لَا اسْتِحْبَابَهُ، وَيَتَعَيَّنُ هَذَا وَلَا بُدَّ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ، وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ اليَهُودَ يَصُومُونَهُ: «لَئِنْ عِشْتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ». أَيْ: مَعَ العَاشِرِ.

عاشوراء هو اليوم العاشر
رَوَى مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" عَنِ الحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ قَالَ: «انْتَهَيْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ، فَقُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ المُحَرَّمِ فَاعْدُدْ، وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا، قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَصُومُهُ؟، قَالَ: نَعَمْ».
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: فَمَنْ تَأَمَّلَ مَجْمُوعَ رِوَايَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ تَبَيَّنَ لَهُ سَعَةُ عِلْمِهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَوْمَ التَّاسِعَ؛ بَلْ قَالَ لِلسَّائِلِ: صُمِ اليَوْمَ التَّاسِعَ، وَاكْتَفَى بِمَعْرِفَةِ السَّائِلِ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَوْمُ العَاشِرُ، الذِي يَعُدُّهُ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَأَرْشَدَ السَّائِلَ إِلَى صِيَامِ التَّاسِعِ مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ القَيِّمِ: وَأَمَّا الإِشْكَالُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَالَ: «لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لِأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»، وَأَنَّهُ تُوُفِّيَ قَبْلَ العَامِ المُقْبِلِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - كَانَ يَصُومُ التَّاسِعَ، فَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا وَهَذَا، وَصَحَّ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا؛ إِذْ مِنَ المُمْكِنِ أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ، وَيُخْبِرَ أَنَّهُ إِنْ بَقِيَ إِلَى العَامِ القَابِلِ صَامَهُ. أَوْ يَكُونَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِهِ، مُسْتَنِدًا إِلَى مَا عَزَمَ عَلَيْهِ، وَوَعَدَ بِهِ.

معنيان في صوم اليوم التاسع
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَفِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعْنَيَانِ مَنْقُولَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الاحْتِيَاطُ، وَمُخَالَفَةُ اليَهُودِ. اهـ. ذَكَرَهُمَا فِي "التَّلْخِيصِ".
- رَوَى البَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَصُومُ عَاشُورَاءَ يَوْمَيْنِ، وَيُوَالِي بَيْنَهُمَا مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ. فَهَذَا المَعْنَى الأَوَّلُ.
- وَأَمَّا المَعْنَى الثَّانِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ، وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ".

صيام يوم عاشوراء يُكفّر السنة التي قبله
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ النَّبِيَّ - ﷺ - قَالَ: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التِي قَبْلَهُ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

تكفير الصغائر مشروط باجتناب الكبائر
- ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ الحَدِيثَ خَاصٌّ بِالصَّغَائِرِ، وَأَمَّا الكَبَائِرُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْبَةٍ.
- وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الكَبَائِرَ دَاخِلَةٌ فِي التَّكْفِيرِ؛ لِعُمُومِ الحَدِيثِ.
- وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ إِلَى أَنَّ تَكْفِيرَ الصَّغَائِرِ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - قَالَ: "الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَمَا أَعْظَمَ شُؤْمَ الإِصْرَارِ عَلَى الكَبِيرَةِ!

غَدَاة عاشوراء
عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، قَالَتْ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ - ﷺ - غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ، مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ العِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

مخالفة اليهود بصيام التاسع والعاشر
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: خَالِفُوا اليَهُودَ، صُومُوا التَّاسِعَ وَالعَاشِرَ.
قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ: أَنَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ.

صيام عاشوراء في السفر
وَرَوَى ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ، وَيُوَالِي بَيْنَ اليَوْمَيْنِ خَشْيَةَ فَوَاتِهِ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ صَامَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَيَوْمًا قَبْلَهُ، وَيَوْمًا بَعْدَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَفُوتَنِي، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ الاخْتِلَافِ فِي هِلَالِ الشَّهْرِ احْتِيَاطًا.

عاشوراء هو اليوم العاشر
وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ: أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ تَاسِعُ المُحَرَّمِ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ اليَوْمُ العَاشِرُ، إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُ التَّاسِعُ. 
وَقَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ المَيْمُونِيِّ: لَا أَدْرِي هُوَ التَّاسِعُ أَوِ العَاشِرُ، وَلَكِنْ نَصُومُهُمَا، فَإِنِ اخْتُلِفَ فِي الهِلَالِ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ احْتِيَاطًا، وَابْنُ سِيرِينَ يَقُولُ ذَلِكَ. انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَنَسْتَحِبُّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ التَّاسِعُ مِنَ المُحَرَّمِ، وَإِنْ صَامَ العَاشِرَ بَعْدَهُ فَحَسَنٌ. اهـ.
وَجُمْهُورُ العُلَمَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ اليَوْمُ العَاشِرُ.

مراتب صيام يوم عاشوراء
وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ: فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ؛ أَكْمَلُهَا: أَنْ يُصَامَ قَبْلَهُ يَوْمٌ وَبَعْدَهُ يَوْمٌ، وَيَلِي ذَلِكَ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالعَاشِرُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الأَحَادِيثِ، وَيَلِي ذَلِكَ إِفْرَادُ العَاشِرِ وَحْدَهُ بِالصَّوْمِ.
وَأَمَّا إِفْرَادُ التَّاسِعِ، فَمِنْ نَقْصِ فَهْمِ الآثَارِ، وَعَدَمِ تَتَبُّعِ أَلْفَاظِهَا وَطُرُقِهَا، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنَ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ، وَاللهُ المُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

الأشهر الحرم الأربعة
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (فِيهِنَّ)، فِي كُلِّهِنَّ. ثُمَّ خَصَّ مِنْ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَجَعَلَهُنَّ حُرُمًا، وَعَظَّمَ حُرُمَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ الذَّنْبَ فِيهِنَّ أَعْظَمَ، وَالعَمَلَ الصَّالِحَ وَالأَجْرَ أَعْظَمَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ.

صيام يوم عاشوراء في السفر
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَكَانَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ فِي السَّفَرِ؛ مِنْهُمُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَالَ: رَمَضَانُ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَاشُورَاءُ يَفُوتُ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنْ يُصَامَ عَاشُورَاءُ فِي السَّفَرِ.

الاكتحال في يوم عاشوراء
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِ الاكْتِحَالِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَالاخْتِضَابِ وَالاغْتِسَالِ فِيهِ؛ فَمَوْضُوعٌ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فِيهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ فَكَأَنَّمَا صَامَ السَّنَةَ، وَمَنْ تَصَدَّقَ فِيهِ كَانَ كَصَدَقَةِ السَّنَةِ. أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى المَدِينِيُّ.

التوسعة على العيال في يوم عاشوراء
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا التَّوْسِعَةُ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ عَلَى العِيَالِ، فَقَالَ حَرْبٌ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الحَدِيثِ الذِي جَاءَ: "مَنْ وَسَّعَ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ"، فَلَمْ يَرَهُ شَيْئًا.
وَقَالَ العُقَيْلِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ.

اتخاذ الرافضة عاشوراء مأتمًا
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَأَمَّا اتِّخَاذُ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ لِأَجْلِ مَقْتَلِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ مَنْ ضَلَّ سَعْيُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ بِاتِّخَاذِ أَيَّامِ مَصَائِبِ الأَنْبِيَاءِ وَمَوْتِهِمْ مَأْتَمًا، فَكَيْفَ بِمَنْ دُونَهُمْ؟!.

المُحَرَّم شهر الله
رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا: (المُحَرَّمُ شَهْرُ اللهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ).
قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَقَوْلُهُ: «وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى آخَرِينَ»: حَثٌّ لِلنَّاسِ عَلَى تَجْدِيدِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَتَرَجِّيهِ لِقَبُولِ التَّوْبَةِ، فَمَنْ تَابَ فِيهِ إِلَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مِنْ ذُنُوبِهِ، تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، كَمَا تَابَ فِيهِ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ.

الهجرة فرّقت بين الحق والباطل
أَخْرَجَ الحَاكِمُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ: إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَارِيخٌ، فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالمَبْعَثِ، وَبَعْضُهُمْ: أَرِّخْ بِالهِجْرَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: الهِجْرَةُ فَرَقَتْ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، فَأَرِّخُوا بِهَا، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا اتَّفَقُوا قَالَ بَعْضُهُمْ: ابْدَأُوْا بِرَمَضَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَلِ المُحَرَّم، فَإِنَّهُ مُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ.