عبودية التفكر

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

1- قال تعالى: (أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ)
فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتفَكَّرَ فِي سُرْعَةِ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَالأَشْهُرِ وَالأَعْوَامِ.
قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: مَا طَالَتْ فِكْرَةُ امْرِئٍ قَطُّ إِلَّا فَهِمَ، وَمَا فَهِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إِلَّا عَلِمَ، وَمَا عَلِمَ امْرُؤٌ قَطُّ إِلَّا عَمِلَ.

2- قال تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ: "إِنِّي لَأَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِي، فَمَا يَقَعُ بَصَرِي عَلَى شَيْءٍ إِلَّا رَأَيْتُ للهِ عَلَيَّ فِيهِ نِعْمَةٌ، أَوْ لِي فِيهِ عِبْرَةٌ".
قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ:
وَلِلَّهِ فِي كُلِّ تَحْرِيكَةٍ ... وَتَسْكِينَةٍ أَبَدًا شَاهِدُ

3- قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا)
سُئِلَ أَعْرَابِيٌّ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: الأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى المَسِيرِ، وَالبَعْرَةُ تَدُلُّ عَلَى البَعِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى السَّمِيعِ البَصِيرِ؟ الجَوَابُ: اللَّهُمَّ بَلَى.
وَفِي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ ... تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ واحِدُ

4- قال تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)، وقال تعالى: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)؛ يَعْنِي أَصْحَابَ العُقُولِ المُتفَكِّرةِ، وَالأَبْصَارِ المُعتَبِرةِ.
كَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَتمَثَّلُ بِهَذَا البَيْتِ:
إِذَا المَرْءُ كَانَتْ لَهُ فِكْرَةْ ... فَفِي كُلِّ شَيْءٍ لَهُ عِبْرَةْ

5- قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)
فَالعَاقِلُ يَعتَبِرُ فِي تَصْرِيفِ اللهِ البَدِيعِ، وَكَيْفَ يَتَعَاقَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَيْفَ يَتَفَاوَتُ الطُّولُ والقِصَرُ. 
فَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ عَلَى رَتِيبَةٍ مُحْكَمَةٍ لَا يَتخَلَّفَانِ، وَلَا يَسْبِقُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَيَتكَرَّرُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّتَيْنِ؛ فَالمَرَّةُ الأُولَى تُسَمَّى بِالاعْتِدَالِ الرَّبِيعِيِّ، وَبَعْدَهُ يَبْدَأُ النَّهَارُ فِي التَّزَايُدِ، وَالمَرَّةُ الثَّانِيَةُ تُسَمَّى بِالاعْتِدَالِ الخَرِيفِيِّ، وَبَعْدَهُ يَبْدَأُ النَّهَارُ فِي التَّنَاقُصِ، فَسُبْحَانَ اللهِ!

 
6- قال تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يَجْرِيَانِ بِعَدَدٍ وَحِسَابٍ".
فَبُرُوجُ الشَّمْسِ اثْنَا عَشَرَ، وَهِيَ: "الحَمَلُ، وَالثَّوْرُ، وَالجَوْزَاءُ، وَالسَّرَطَانُ، وَالأَسَدُ، وَالسُّنْبُلَةُ، وَالمِيزَانُ، وَالعَقْرَبُ، وَالقَوْسُ، وَالجَدْيُ، وَالدَّلْوُ، وَالحُوتُ". 
وَمَنَازِلُ القَمَرِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ: "الشَّرَطَانُ، والبُطَيْنُ، والثُّرَيَّا، والدَّبَرَانُ، والهَقْعَةُ، والهَنْعَةُ، والذِّرَاعُ، والنَّثْرَةُ، والطَّرْفُ، والجَبْهَةُ، والزُّبْرَةُ، والصَّرْفَةُ، والعَوَّاءُ، والسِّمَاكُ، والغَفْرُ، والزُّبَانَا، والإِكْلِيلُ، والقَلْبُ، والشَّوْلَةُ، والنَّعَايِمُ، والبَلْدَةُ، وسَعْدُ الذَّابِحِ، وسَعْدُ بُلَعَ، وسَعْدُ سُعُودٍ، وسَعْدُ الأَخْبِيَةِ، والفَرْغُ المُقَدَّمُ، والفَرْغُ المُؤَخَّرُ، والرِّشَاءُ".

7- قال تعالى: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَسْجِدِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَتَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ؟ "قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي .. الآية). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: «وَهُوَ وَقْتُ نِصْفِ اللَّيْلِ». انتهى.
وَلِلشَّمْسِ مُسْتَقَرَّانِ: مَكَانِيٌّ، وَهُوَ سُجُودُهَا تَحْتَ العَرْشِ، وَزَمَانِيٌّ، وَهُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ حِينَ تُكَوَّرُ، وَيَنْتَهِي هَذَا العَالَمُ.

 
8- قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) 
قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: وَضَوئِهَا.
فَالشَّمْسُ كُرَوِيَّةٌ ضَخْمَةٌ، يُمْكِنُ أَنْ يُوضَعَ بِدَاخِلِهَا مِلْيُونٌ وَثَلَاثُمِاَئةِ أَلْفِ كَوْكَبٍ مِثْلِ الأَرْضِ، وَتَجْرِي بِسُرْعَةِ مِائَتَيْ كِيلُومِتْرٍ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَبْلُغُ ارْتِفَاعُهَا عَنِ الأَرْضِ مَسَافَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ تَبْلُغُ حَوَالَيْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِلْيُونَ كِيلُومِتْرٍ، وَدَرَجَةُ حَرَارَتِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ مِلْيُونَ دَرَجَةٍ مِئَوِيَّةٍ؛ فَهَذِهِ عِبْرَةٌ لِمَنْ تَفكَّرَ، وَكُلُّ هَذِهِ التَّقْدِيرَاتُ تَقْرِيبِيَّةٌ.
قال تعالى: (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ).

9- قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)
مَا أَجَلَّ التَّفَكُّرَ فِي الكَوْنِ: عُلوُيِّهِ وَسُفلِيِّهِ، فَكَمْ فِي السَّمَاءِ مِنَ الكَوَاكِبِ الكَثِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ! فَفِي مَجَرَّةِ دَرْبِ التِّبَّانَةِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ مِلْيَارِ كَوْكَبٍ، وَفِي الكَوْنِ أَكْثَرُ مِنْ مِلْيَارِ مَجَرَّةٍ، وَالأَرْضُ كَوْكَبٌ صَغِيرٌ، وَفِيهِ البِحَارُ، وَالجِبَالُ، وَالغَابَاتُ، وَالمَخْلُوقَاتُ الكَثِيرَةُ، وَالكَبِيرَةُ. لَقَدْ سُئِلَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: "أَيُّ عِبَادَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ كَانَتْ أَكْثَرَ؟ قَالَتْ: التَّفَكُّرُ وَالاعْتِبَارُ". وَكَانَ يَقُولُ: "تَفكُّرُ سَاعَةٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ".

10- قال تعالى: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ- إلى قوله: - إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)
فَمَا أَعْظَمَ هَذَا الكَوْنَ! فَكَمْ فِي فَضَائِهِ مِنَ النُّجُومِ، وَالكَوَاكِبِ، وَالشُّمُوسِ، وَالأَقْمَارِ، وَالنَّيَازِكِ، وَالمَجَرَّاتِ، وَالثُّقُوبِ!
كُلُّ ذَلِكَ بِأَعْدَادٍ كَثِيرَةٍ، وَأَحْجَامٍ كَبِيرَةٍ، وَأَوْزَانٍ ثَقِيلَةٍ، وَعُلُوٍّ مُتَنَاهٍ. 
فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ كَلَامُهُ تَذَكُّرًا، وَصَمْتُهُ تَفَكُّرًا، وَنَظَرُهُ عِبَرًا!
11- قال تعالى: (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ)
صَدَقَ اللهُ؛ فَكَمْ مِنْ فَلَكِيٍّ يَقُولُ: المَجَرَّة الفُلَانِيَّةُ تَحْوِي مِلْيَارَاتِ الكَوَاكِبِ، وَالمَجَرَّةُ العُنقُودِيَّةُ الفُلَانِيَّةُ تَحْوِي مِلْيَارَاتِ المَجَرَّاتِ، وَيَبْعُدُ الكَوْكَبُ الفُلَانِيُّ عَنِ الأَرْضِ كَذَا مِلْيَارِ سَنَةٍ ضَوْئِيَّةٍ، وَالشَّمْسُ أَكْبَرُ مِنَ الأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ مِلْيُونِ مَرَّةٍ، وَالنَّجْمُ العِمْلَاقُ الفُلَانِيُّ أَكْبَرُ مِنَ الشَّمْسِ بِكَذَا مِلْيَارٍ، وَالنَّجْمُ الفُلَانِيُّ يُقَدَّرُ وَزْنُ السَّنْتِيمِتْرِ المُكَعَّبِ مِنْهُ بِوَزْنِ سُكَّانِ الأَرْضِ، ثُمَّ لَا يُؤمِنُ بِاللهِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ!!

12- قال تعالى: (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ)
فتَفَكَّرْ يَا عَبْدَ اللهِ فِي هَذَا النِّظَامِ الرَّبَّانِيِّ العَظِيمِ، الدَّقِيقِ، المُنتَظِمِ عَلَى مَرِّ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَالشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ، فَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الدَّوَامِ، لَا يَتخَلَّفُ وَلَا يَخْتَلِفُ، يُدخِلُ مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ، فَيَجْعَلُهُ زِيَادَةً فِي سَاعَاتِهِ، وَيُدخِلُ مَا نَقَصَ مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ، فَيَجْعَلُهُ زِيَادَةً فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ.

13- قال تعالى: (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى)
ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «الشَّمْسُ بِمَنْزِلَةِ السَّاقِيَةِ، تَجْرِي بِالنَّهَارِ فِي السَّمَاءِ فِي فَلَكِهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ جَرَتْ بِاللَّيْلِ فِي فَلَكِهَا تَحْتَ الأَرْضِ حَتَّى تَطْلُعَ مِنْ مَشْرِقِهَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ القَمَرُ». أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ.
فَسُبْحَانَ مَنْ سَخَّرَ الكَوَاكِبَ، وَكَوَّرَهَا، وَأَجْرَاهَا فِي فَلَكٍ مُستَدِيرٍ!

14- قال تعالى: (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
إِنَّ حَرَكَاتِ الأَجْرَامِ السَّمَاوِيَّةِ، كَالشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَالأَرْضِ وَغَيْرِهَا: مُعَقَّدَةٌ؛ حَيْثُ تَتَدَاخَلُ فِيهَا حَرَكَاتٌ مِحوَرِيَّةٌ حَوْلَ نَفسِهَا، وَحَرَكَاتٌ انْتِقَالِيَّةٌ حَوْلَ جِرْمٍ سَمَاوِيٍّ آخَرَ، مِنْ خِلَالِهَا يَحْصُلُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَالهِلَالُ وَالإِبْدَارُ، وَالشُّهُورُ وَالأَعْوَامُ، وَالخُسُوفُ وَالكُسُوفُ، وَالفُصُولُ الأَرْبَعَةُ، فَسُبْحَانَ مُسَخِّرِهَا وَمُسَيِّرِهَا بِإِبْدَاعٍ وَدِقَّةٍ، وَانْتِظَامٍ دَائِمٍ!

15- قال تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ)
فَتَفَكَّرْ يَا عَبْدَ اللهِ فِي مَشَارِقِ الكَوَاكِبِ وَمَغَارِبِهَا، فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، لَا تَتَخَلَّفُ وَلَا تَتَعَطَّلُ أَبَدًا إِلَّا بِأَمْرِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتِّينَ كُوَّةً، فَإِذَا طَلَعَتْ فِي كُوَّةٍ، لَمْ تَطْلُعْ مِنْهَا حَتَّى العَامِ المُقْبِلِ». رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُهُ.

16- قال تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)
مَحَلُّ تَأمُّلٍ وَتَفكُّرٍ.
قَالَ ابْنُ أَبْزَى: مَشَارِقُ الصَّيْفِ وَمَغَارِبُ الصَّيْفِ، مَشْرِقَانِ تَجْرِي فِيهِمَا الشَّمْسُ سِتِّينَ وَثَلَاثَ مِائَةٍ، فِي سِتِّينَ وَثَلَاثِ مِائَةِ بُرْجٍ، لِكُلِّ بُرْجٍ مَطْلَعٌ، لَا تَطْلُعُ يَوْمَيْنِ مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ. وَفِي المَغْرِبِ سِتُّونَ وَثَلَاثُ مِائَةِ بُرْجٍ، لِكُلِّ بُرْجٍ مَغِيبٌ، لَا تَغِيبُ يَوْمَيْنِ فِي بُرْجٍ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَقْصَرُ مَشْرِقٍ فِي السَّنَةِ، وَأَطْوَلُ مَشْرِقٍ فِي السَّنَةِ، وَأَقْصَرُ مَغْرِبٍ فِي السَّنَةِ، وَأَطْوَلُ مَغْرِبٍ فِي السَّنَةِ.

17 - قال تعالى: (رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا)
أَلَا يَدْعُونَا إِلَى التَّفَكُّرِ: شُرُوقُ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَغُرُوبُهُمَا اليَوْمِيُّ الدَّقِيقُ المُنتَظِمُ الدَّائِمُ؟! حَتَّى إِنَّكَ لَتَسْتَطِيعُ مِنْ خِلَالِ التَّقَاوِيمِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ لِمِائَةِ سَنَةٍ أَمَامَكَ: تَحْدِيدَ مَتَى تُشْرِقُ الشَّمْسُ، وَمَتَى تَغرُبُ بِالدَّقِيقَةِ، وَكَذَلِكَ القَمَرُ؛ فَسُبْحَانَ اللهِ الوَاحِدِ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَسْمَائِهِ، وَصِفَاتِهِ!

18- قال تعالى: (وَآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ)
فَعَمَلِيَّةُ إِقْبَالِ اللَّيْلِ وَإِدْبَارِ النَّهَارِ: تَبْعَثُ عَلَى التَّفَكُّرِ، وَلِكُلِّ فَتْرَةٍ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ اسْمٌ عِنْدَ العَرَبِ.
فَأَسْمَاءُ سَاعَاتِ اللَّيْلِ: الشَّفَقُ، والغَسَقُ، والعَتَمَةُ، والسُّدْفَةُ، والفَحْمَةُ، والزُّلَّةُ، والزُّلْفَةُ، والبُهْرَةُ، والسَّحَرُ، والفَجْرُ، والصُّبْحُ، والصَّبَاحُ.
وَأَسْمَاءُ سَاعَاتِ النَّهَارِ: الشُّرُوقُ، والبُكُورُ، والغُدْوَةُ، والضُّحَى، والهَاجِرَةُ، والظَّهِيرَةُ، والرَّوَاحُ، والعَصْرُ، والقَصْرُ، والأَصِيلُ، والعَشِيُّ، والغُرُوبُ. والله أعلم.

19- قال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ)
أَقْسَمَ اللهُ بِآيَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ ظَاهِرَتَيْنِ؛ أَقْسَمَ بِاللَّيْلِ مُدْبِرًا، وَبِالنَّهَارِ مُقْبِلًا، فَأَيْنَ نَحْنُ عَنِ التَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهِمَا، وَفِي خَلْقِ الأَرْضِ كُرَوِيَّةً لِيَتَعَاقَبَ عَلَيْهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ؟!
فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ عَنْ أَحَدِ نِصْفَيِ الكُرَةِ الأَرْضِيَّةِ أَقْبَلَ لَيْلُهُ مِنَ المَشْرِقِ، وَأَدْبَرَ نَهَارُهُ مِنَ المَغْرِبِ؛ لِتَطْلُعَ الشَّمْسُ عَلَى النِّصْفِ الآخَرِ؛ فَيُقْبِلَ نَهَارُهُ، وَيُدْبِرَ لَيْلُهُ.

20- قال تعالى: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)؛ أي: كَعِذْقِ النَّخْلِ اليَابِسِ.
فَتَفَكَّرْ يَا عَبْدَ اللهِ فِي أَطْوَارِ القَمَرِ الَّتِي تُذَكِّرُ بِأَطْوَارِ الإِنْسَانِ، وَفِي مَنَازِلِهِ، وَمَوَاسِمِهِ المُنْتَظِمَةِ: تَجِدِ العِبْرَةَ.
فَأَطْوَارُ القَمْرِ: المُحَاقُ (القَمَرُ المُظلِمُ)، التَّرْبِيعُ المُتَزَايِدُ، الأَحْدَبُ المُتزايِدُ، البَدْرُ، ثُمَّ الأَحْدَبُ المُتَنَاقِصُ، التَّرْبِيعُ المُتَنَاقِصُ، الهِلَالُ المُتَنَاقِصُ، المُحَاقُ (القَمَرُ المُظلِمُ). وَعَدَدُ مَنَازِلِ القَمَرِ: ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، وَكُلُّ مَنْزِلٍ مِنْهَا مَنْسُوبٌ لِنَجْمٍ أَوْ مَجْمُوعَةِ نُجُومٍ تُمَثِّلُهُ.
وَقَسَّمُوا مَنَازِلَ القَمَرِ إِلَى مَوَاسِمَ؛ مِثْلَ: المِرْبَعَانِيَّةِ وَسُهَيْلٍ ... إلخ.

21- قال تعالى: (لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) 
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فِي فَلَكٍ كَفَلَكِ المِغْزَلِ دَوَرَانًا، يَجْرُونَ». 
قَالَ قَتَادَةُ: «إِذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا، ذَهَبَ سُلْطَانُ هَذَا، وَإِذَا جَاءَ سُلْطَانُ هَذَا، ذَهَبَ سُلْطَانُ هَذَا».
فَسُبْحَانَ مَنْ أَبْدَعَ نِظَامَهُ وَأَحْكَمَهُ؛ فَلَا اضْطِرَابَ، وَلَا فَوْضَوِيَّةَ، وَلَا عَشْوَائِيَّةَ!

 
22- قال تعالى: (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
فَاللَّيْلُ جَعَلَهُ اللهُ لِرَاحَةِ الأَذْهَانِ وَالأَبْدَانِ، وَجَعَلَ النَّهَارَ لِلضَّرْبِ فِي الأَسْوَاقِ وَكَسْبِ الأَرْزَاقِ، فَسُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ هَذَا التَّوَازُنَ، وَكُلُّ الكَائِنَاتِ الحَيَّةِ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ! 
كَمَا أَنَّهَا تَعِيشُ تَوَازُنًا آخَرَ، وَهُوَ تَنَاوُبُ الفُصُولِ الأَرْبَعَةِ، فَسُبْحَانَ مَنْ أَجْرَى الشَّمْسَ، وَالقَمَرَ، وَالنُّجُومَ، وَالكَوَاكِبَ، وَالأَرْضَ بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ؛ حَتَّى لَا يَحْدُثَ احْتِرَاقٌ وَلَا تَجَمُّدٌ.

23- قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
فَتَفَكَّر أَيُّهَا المَخْلُوقُ الضَّعِيفُ؛ كَيْفَ سَخَّرَ اللهُ لَكَ مَخْلُوقَاتِهِ الكَثِيرَةَ، الكَبِيرَةَ، الثَّقِيلَةَ، السَّرِيعَةَ؛ وَمِنْهَا: الشَّمْسُ، وَالقَمَرُ، وَاللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالبِحَارُ، وَالأَنْهَارُ، وَغَيْرُهَا مِمَّا لَا حَصْرَ لَهُ.
قال تعالى: (كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

 
24- قال تعالى: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) 
فَهِيَ وَاسِعَةٌ مِنْ غَيْرِ تَمدُّدٍ؛ فَالمَجَرَّاتُ مَثَلًا أُلُوفُ المِلْيَارَاتِ، وَدَاخِلَ كُلِّ مَجَرَّةٍ أُلُوفُ المِلْيَارَاتِ مِنَ الكَوَاكِبِ، بَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنَ الشَّمْسِ بِمِئَاتِ الأُلُوفِ، وَقِيلَ بِالمِلْيَارَاتِ، وَالشَّمْسُ أَكْبَرُ مِنَ الأَرْضِ بِمَا يَزِيدُ عَلَى المِلْيُونِ مَرَّةٍ.
وقال تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كُرْسِيُّهُ مَوضِعُ قَدَمَيْهِ، وَالعَرْشُ لَا يَقْدُرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ». 
وَقَالَ: لَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ، بُسِطْنَ ثُمَّ وُصِلْنَ بَعْضُهُنَّ إِلَى بَعْضٍ؛ مَا كُنَّ فِي سَعَةِ الكُرْسِيِّ، إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الحَلْقَةِ فِي المَفَازَةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

25- قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
 بَسَطَ اللهُ الأَرْضَ طُولًا وَعَرْضًا، فَوَسِعَتِ الدَّوَابَّ المُخْتَلِفَةَ، وَالجِبَالَ المُتَعَدِّدَةَ الفَرْدِيَّةَ، وَالسَّلَاسِلَ، وَالأَحْزِمَةَ الثَّلْجِيَّةَ، وَالبُرْكَانِيَّةَ، وَالخَضْرَاءَ، وَجَعَلَ فِيهَا بِحَارًا وَأَنْهَارًا لَا حَصْرَ لَهَا، وَجَعَلَ فِيهَا الغَابَاتِ وَالثِّمَارَ الكَثِيرَةَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ يَتَعَاقَبَانِ بِسُرْعَةٍ، لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا.
فَأَيْنَ المُتَفَكِّرُونَ بِعُقُولِهِمْ، وَقُلُوبِهِمْ، المُعْتَبِرُونَ بِأَبْصَارِهِمْ، وَبَصَائِرِهِمْ؟!

 
26- قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِعَمَدٍ وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا.
وَقَالَ إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: السَّمَاءُ مُقَبَّبَةٌ عَلَى الأَرْضِ مِثْلَ القُبَّةِ.
قَالَ قَتَادَةُ: "رَفَعَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ". 
وَالمُهِمُّ: أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَنَى السَّمَاءَ، وَأَوْسَعَهَا، وَرَفَعَهَا، وَلَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ فِي قَدْرِ المَسَافَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
وَفِي المُسْنَدِ وَبَعْضِ السُّنَنِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: (بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ)، وَلَهُ شَوَاهِدُ ضَعِيفَةٌ.
فَالسَّمَاءُ وَالأَرْضُ قِبْلَةُ التَّفَكُّرِ.

27- قال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ)
فَالسَّمَاءُ وَمَا فِيهَا مِنَ المَخْلُوقَاتِ المَرْئِيَّةِ وَالمَخفِيَّةِ: آيَاتٌ، وَعِظَاتٌ، وَعِبَرٌ، وَدَلَالَاتٌ وَاضِحَاتٌ، وَبَرَاهِينُ سَاطِعَاتٌ، عَلَى رُبُوبِيَّةِ اللهِ، وَأُلُوهِيَّتِهِ، وَوَحْدَانِيَّتِهِ.
قال تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، وقال تعالى: (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ). 
فَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ المُشْرِكِينَ، وَلَا غَمَضَتْ أَجْفَانُ المَلَاحِدَةِ!

 
28- قال تعالى: (أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)
كَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ: اخْرُجُوا بِنَا نَنْظُرْ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ.
فَالتَّفَكُّرُ فِي مَخْلُوقَاتِ اللهِ السَّمَاوِيَّةِ وَالأَرْضِيَّةِ، يُحْيِّي القَلْبَ، ويُقَوِّي البَصِيرَةَ، ويَزِيدُ فِي الإِيمانِ وَاليَقِينِ.

29- قال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ)؛ أَيْ: مِن إِعْيَاءٍ.
فَالتَّفَكُّرُ فِي بِدَايَةِ الخَلْقِ يُورِثُ الفَهْمَ، وَالعِلْمَ بِنِهَايَتِهِ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَالاسْتِعْدَادِ لَهُ. 
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ ۚ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).