عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

الحمد لله الذي أظهر الحق وأوضحه، وكشف عن سبيله وبينه، وهدى من شاء من خلقه إلى طريقه، وشرح به صدره وأنجاه من الضلالة حين أشفا عليها، فحفظه وعصمه من الفتنة في دينه، فأنقذه من مهاوي الهلكة، وأقامه على سنن الهدى وثبته، وآتاه اليقين في اتباع رسوله وصحابته، ووفقه وحرس قلبه من وساوس البدعة وأيده، وأضل من أراد منهم وبعَّده، وجعل على قلبه غشاوة، وأهمله في غمرته ساهيا، وفي ضلالته لاهيا، ونزع من صدره الإيمان، وختم على سمعه وبصره، ليبلغ الكتاب فيه أجله، ويتحقق القول عليه بما سبق من علمه فيه من قبل خلقه له وتكوينه إياه ليعلم عباده أن إليه الدفع والمنع، وبيده الضر والنفع، من غير غرض له فيه ولا حاجة به إليه، لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون، إذ لم يُطلع على غيبه أحدا، ولا جعل السبيل إلى علمه في خلقه أبدا. لا المحسن استحق الجزاء منه بوسيلة سبقت منه إليه، ولا الكافر كان له جرم أو جريرة حين قضى وقدر النار عليه، فمن أراد أن يجعله لإحدى المنزلتين ألهمه إياها وجعل موارده ومصادره نحوها ومتقلبه ومنقلبه ومتصرفاته فيها وكَدَّه وجهده ونصبه عليها ليتحقق وعده المحتوم وكتابه المختوم وغيبه المكتوم (والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق) من ربهم (والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات)

 ونشهد أن لا إله إلا الله وحده الذي لا شريك له يحيي ويميت ويبدىء ويعيد شهادة مقر بعبوديته ومذعن بألوهيته ومتبريء عن الحول والقوة إلا به.

 ونشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه إلى إلى الناس كافة وأمره أن يدعو الناس عامة لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين.

أما بعد فإن أوجب ما على المرء: معرفة اعتقاد الدين وما كلف الله به عباده من فهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين وكان من أعظم مقول وأوضح حجة ومعقول:

 كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون.

فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة والآثار المحفوظة المنقولة وطرائق الحق المسلوكة والدلائل المشهورة والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون ومن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين ثم من اقتدى بهم من أئمة المهتدين واقتفى آثارهم من المتبعين  واجتهد في سلوك سبيل المتقين وكان مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.

وكان ممن سلك سبيل السلف في هذا الاتباع وكتب رسالة أثرية تطرب لها الأسماع وضرب فيه بسهم ولم يلحقه فيه خطأ ولا وهم الإمام المزني الذي تتابعت كلمات العلماء عليه بالثناء والشكر والدعاء سقا الله جدثه وبلل بالعفو أمره آمين.

ترجمة الإمام المزني:

هو الإمام العلامة فقيه الملة علم الزهاد أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن مسلم المزني المصري تلميذ الشافعي ولد -رحمه الله -في سنة موت الليث بن سعد سنة خمس وسبعين ومائة.

حدث عن : الشافعي ونعيم بن حماد وغيرهم وهو قليل الرواية لكنه كان رأسا في الفقه كان على عقيدة القرون الأول المفضلة وليس أدل على ذلك من رسالته هذه (شرح السنة) التي ضمنها مجمل اعتقاد السلف.

حدث عنه: إمام الأئمة ابن خزيمة وأبو جعفر الطحاوي وعبد الرحمن بن أبي حاتم وخلق كثير من المشارقة والمغاربة ونالت مؤلفاته استحسان العلماء لاسيما مختصره الشهير الذي امتلأت البلاد به  وقد استغرق في تأليفه عشرين سنة  وقد شرحه عدة من الكبار بحيث يقال: كانت البكر يكون في جهازها نسخة من مختصر المزني.

قال الشافعي: المزني ناصر مذهبي وقد تفرس فيه الشافعي العلم فقال له: لتدركن زمانا تكون فيه أقيس أهل ذلك الزمان.

وقد لازم المزنيُّ شيخه الشافعي وبه تخرج وكان يقول عن نفسه : أنا خُلق من أخلاق الشافعي حتى إنه أدمن قراة كتاب شيخه: (الرسالة ) فقال: قرأت كتاب الرسالة للشافعي خمسمائة مرة ما من مرة إلا واستفدت منها فائدة جليلة لم أستفدها في الأخرى.

وهو الذي تولى غسل شيخه الشافعي

قال ابن يونس عنه: صاحبُ الشافعي كانت له عبادة وفضل ثقة في الحديث لايختلف فيه حاذق من أهل الفقه وكان أحد الزهاد في الدينا وكان من خير خلق الله ومناقبه كثيرة.

وقال حافظ المغرب ابن عبد البر: كان فقيها عالما راجح المعرفة جليل القدر في النظر عارفا بوجوه الكلام والجدل حسن البيان.. إلى أن قال :وكان تقيا ورعا دينا صبورا على الإقلال والتقشف.

وقال الذهبي: بلغنا أن المزني كان مجاب الدعوة ذا زهد وتأله وكان يغسل الموتى احتسابا ولم يل قضاء وكان قانعا شريف النفس أخذ عنه خلق من العلماء وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الأفاق.

توفي في رمضان لست بقين منه سنة أربع وستين ومائتين وله تسع وثمانون سنة.

رحمه الله تعالى.

قال الإمام المزني -رحمه الله- :

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

عصمنا الله وَإِيَّاكُم بالتقوى ووفقنا وَإِيَّاكُم لموافقة الْهدى

 أما بعد فَإنَّك أصلحك الله سَأَلتنِي أَن أوضح لَك من السّنة أمرا تصبر نَفسك على التَّمَسُّك بِهِ وتدرأ بِهِ عَنْك شبه الْأَقَاوِيل وزيغ محدثات الضَّالّين وَقد شرحت لَك منهاجا موضحا منيرا لم آل نَفسِي وَإِيَّاك فِيهِ نصحا

 بدأت فِيهِ بِحَمْد الله ذِي الرشد والتسديد:

الْحَمد لله أَحَق من ذكر وَأولى من شكر وَعَلِيهِ أثني الْوَاحِد الصَّمد الَّذِي لَيْسَ لَهُ صَاحِبَة وَلَا ولد

 جلّ عَن المثيل فَلَا شَبيه لَهُ وَلَا عديل السَّمِيع الْبَصِير الْعَلِيم الْخَبِير المنيع الرفيع..

الشرح:

هذه الرسالة هي جواب الامام المزني لمن سأله عن أمور في العقيدة وقد اعتنت بجملة من مسائل العقائد وقد ظهرت جملة من البدع في ذلك الصدر كبدعة الإرجاء وبدعة القدر في نفيه وإثباته كذلك بدعة القول بخلق القرآن وفي هذا أيضا أنه ربما تظهر قالات أو أقوال فتنسب لإمام من الأئمة أو لعالم من العلماء فتنسب وتشتهر وربما ليست صحيحة كما حدث مع المزني فإنهم لما سمعوا ما نقل عنه أرادوا أن يتثبتوا فكتبوا إليه حتى يأخذوا منه وهذا هو الواجب على طالب العلم أن يتثيت من الإمام أو العالم حتى لاينسب له شيئا هو منه برئ.

وبدأ- رحمه الله- بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وكذلك تأسيًا برسول الله

-صلى الله عليه وسلم -الذي كان يبدأ بالبسملة في مكاتبته إلى القبائل.

ثم دعا في أول رسالته قائلا:

 عصمنا الله وَإِيَّاكُم بالتقوى..

في هذا إشارة إلى وجود شيئ من الفتن وكذلك أيضا الأقوال والأراء والأهواء لذا فينبغي على الإنسان أن يلتجئ ويعتصم بالله- سبحانه وتعالى -منها لأجل ذلك بدأ

 -رحمه الله- بالدعاء قبل البيان، وهنا أنه سأله عن السنة وعن شيئ يستمسك به والسنة :هي الطريقة كما في حديث العرباض –رضى الله عنه- عند أحمد وغيره (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين(..  وفي الصحيح:( من سن في الإسلام سنة حسنة..)والمراد بذلك :هي الطريقة التي يسلكها الإنسان. وأما في الاصطلاح: فلها معان كثيرة والمقصود هنا :أمور في العقيدة لأن الأئمة يسمون العقيدة السنة إذ لامجال للرأي فيها ولا الاجتهاد فمبناها على الكتاب وصحيح السنة .

وقوله: (تصبر نفسك على التمسك به) أي عما ينازعه والتمسك يكون بالشيئ الذي ينازع فيه الإنسان و الإنسان كلما نازعه احد في شيئ فإنه يستمسك به أكثر بخلاف ما لو لم ينازعه أحد فإنه لايستمسك به كاستمساكه كما لو نازعه أحد.

قال: (الحمد الله...)

والحمد: هو ذكر صفات المحبوب على وجه الحب له وقيل: إن الحمد والشكر بمعنى واحد وقيل إن بينها عمومًا وخصوصا وفي الحمد يحمد الإنسان على ما ظهر من فعله وأما الشكر فالإنسان يشكر على صفاته المتعدية بمعنى: أنه إذا أحسن إلى أحد فيقول له: أشكرك ولا يقول: أحمدك، فقوله:) الحمدلله أحق من ذُكر) وذلك لأن ذكر الله هو أعلى الذكروأسماه وأزكاه وهو- سبحانه- أولى من شُكر لسعة نعمه على عباده التى لانحصى ولاتدرك فلا أول لها ولا آخر ويجب على الإنسان أن يحدث لكل نعمة شكرًا لكن الله لطيف بعباده فجعل الشكر على ما يطيقه الإنسان فله الحمد دائما وأبدا وله الشكر –سبحانه- على كل نعمة أنعم بها علينا من نعم الدنيا والدين.

قوله): وَعَلِيهِ أثني الْوَاحِد الصَّمد الَّذِي لَيْسَ لَهُ صَاحِبَة وَلَا ولد)

 جلّ عَن المثيل فَلَا شَبيه لَهُ وَلَا عديل..

أي أثني عليه بمحامده وما له من الإجلال والتعظيم والكمال.

(الواحد الصمد..)

وهو -سبحانه وتعالى- الواحد والواحد من أسماء الله وهو دال على الوحدانية وأن الله –وحده- المستحق للعبادة دون سواه وهو -عز وجل- أحد في ذاته أحد في صفاته وهو الصمد والصمد من أسمائه كذلك لأنه -تبارك وتعالى- لا يحتاج إلى معين بل إليه -عز وجل -تصمد كل الخلائق وتطلب حوائجها فهو –سبحانه- يقضي الحاجات ويفرج الكربات ولما ثبت له من الأسماء الدالة على صفات الكمال نفى عنه صفات النقص والعيب ومشابهة المخلوقات فقال:

(ليس له صاحبة ولا ولد..)

أي: ليس له شبيه ولانظير جل- سبحانه-  عن الصاحبة والولد وعن المثل، قال- تعالى- (ليس كمثله شيئ وهو السميع البصير) وقال –سبحانه-

 (وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) وقال: (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)

قوله: (فلاشبيه له ولا عديل..)

يعني: ليس هناك أحد يعدله والعديل: هو النظير والمساوي قال –تعالى- (الحمد لله الذي خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)

يعني: هو الذي فعل هذه الأمور خلق السموات والارض وخلق الشمس والقمر وخلق الظلمات والنور ومع ذلك فإن المشركين يعدلون به غيره ممن لم يخلقوا شيئا وهم يخلقون.

قوله: (السميع البصير الخبير المنيع الرفيع..)

سمع وبصر يليقان به- سبحانه وتعالى- من غير تكيف ولاتمثيل ولا تشبيه سميع يسمع جميع الأصوات بصير نفذ بصره كل المبصرات عليم أحاط علمه بجميع من وما في السموات والأرض جليًا كان أو خفيا وكل علم في الخلق فهو من علم الله وتعليم الله لهم بواسطة الرسل الكرام والكتب المنزلة منيع ذو العزة والعظمة وذو القوة والقهرلغيره أما الرفيع فمأخوذ من الرفعة والرفعة يقصد بها رفعة المكان كونه -سبحانه وتعالى -استوى على العرش ورفعة المكانة أنه هو الإله الحق الذي تخضع لجبروته وكماله كل المخلوقات.

العلو:

(عَال على عَرْشه وَهُوَ دَان بِعِلْمِهِ من خلقه أحَاط علمه بالأمور وأنفذ فِي خلقه سَابق الْمَقْدُور) (يعلم خَائِنَة الْأَعْين وَمَا تخفي الصُّدُور)

علو الله تبارك وتعالى فوق عرشه: وللعلو معان ثلاثة :

 فهو عال على عرشه قد استوى عليه استواء يليق بعظمته

بائن من خلقه :

 أي منفصل عنهم وليس في شيء من مخلوقاته وليس فيه شيء من مخلوقاته.

علو الشأن والعظم :

فالله شأنه عظيم له العلو أي علو الشأن والعظمة.

علو القهر والغلبة:

كما قال -عز وجل- : (والله غالب على أمره)، وقال: (وهو القاهر فوق عباده) وأهل البدع لم ينازعوا في علو القهر والغلبة، والعظمة والشأن وإنما نازعوا وضلوا في علو الله فوق مخلوقاته بذاته فمنهم من أنكر العلو وجحد هذه الصفة كالجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم من أهل البدع ومنهم من فسره بتأويل باطل مذموم وذلك كالأشاعرة ونحوهم وأما أهل السنة والجماعة فإنهم يؤمنون بأنواع العلو الثلاثة وهو مع علوه بذاته وأسمائه وصفاته قريب من خلقه بعلمه فلا منافاة بين نصوص العلو والفوقية وبين نصوص القرب والمعية فهو عال بذاته وهو مع جميع خلقه بعلمه وإحاطته وهذه هي المعية العامة ومع عباده الصالحين بمعيتة الخاصة والعامة ، قال تعالى "ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبؤهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)، فختم الآية بقوله: (إن الله بكل شيء عليم) فالمعية العامة هنا معية علم وإحاطة والخاصة

(إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) بالنصر والتأييد والتوفيق.

قوله: (أحاط علمه بالأمور وأنفذ في خلقه سابق المقدور..)

أي كل ما قدره الله وقضاه في الأزل فلابد أن ينفذ كما قدره وقضاه، كما في مسند الإمام أحمد: (إن أول ما خلق الله القلم...) فجرى القلم تلك الساعة بما هوكائن إلى قيام الساعة في الأزل فلابد أن ينفذ ولايتغير منه شيء ولا يتقدم، ولا يتأخر منه شيء، ويقع كما قدره الله في الأزل لكمال علمه -سبحانه وتعالى- وإحاطته بالكون وما ومن فيه (فتبارك الله أحسن الخالقين) (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)

وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة كما سبق وأنهم يعتقدون أن الله فوق عرشه بذاته وأنه مع خلقه بعلمه وأن قضاءه فيهم نافذ وقدره فيهم جار يهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله (لا يسأل عما يفعل وهو يسئلون)

وأورد المؤلف -رحمه الله- قوله عز وجل: (يعلم خائنة الأعين...) للاستدلال على إثبات أحاطة علم الله لجميع مخلوقاته ما ظهر منها وما بطن وما أسروه وما أعلنوه فهو –سبحانه- يعلم ما توسوس به النفوس وما تنطق به الألسن وما ذلك إلا لكمال علمه -سبحانه وتعالى- (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)

 القضاء والقدر:

(فالخلق عاملون بسابق علمه ونافذون لما خلقهمْ لَهُ من خير وَشر لَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ من الطَّاعَة نفعا وَلَا يَجدونَ إِلَى صرف الْمعْصِيَة عَنْهَا دفعا..)

هنا انتقل المؤلف لمسألة القضاء والقدر وأن كله صادر عن علم الله -تبارك وتعالى- وواقع بقضائه وقدره لذا قال: (فالخلق عاملون بسابق علمه..) أي: أن العمل في شيء قد فرغ منه أي قد قدره الله وقضاه وهذا أيضًا فيه رد على القدرية الذين يزعمون أن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون وقد سأل المصنفُ المزنيُّ شيخَه الشافعيَّ فقال: (يا أبا عبدالله، من القدرية؟ فقال: هم الذين زعموا أن الله لا يعلم المعاصي حتى تكون.!

فالخير والشر والقليل والكثير والطاعة والمعصية وكل ما يجري في هذه الحياة وبعد الممات فهو بقضاء الله وقدره، وقد جرى به القلم

والناس في باب القضاء والقدر أقسام:

قسم غلو في نفي القدر فنفوا تقدير الله في الخير والشر وقالوا: إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه وهم غلاه القدرية الذين جعلوا مع الله خالقين متعددين أي أن كل مخلوق يخلق فعل نفسه من خير وشر وهم أقسام كذلك فمنهم من قال إن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه خيرا وشرا وقسم قالوا: إن الله يقدر الخير ولا يقدر الشر والطائفتان على ضلال لأن الله خلق العاملين وأعمالهم خيرها وشرها، قال –تعالى-: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وقال: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) فالعباد عاملون وينسب إليهم عملهم خيره وشره فعلا وكسبا وعلى ذلك يترتب الجزاء

المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (ولا يظلم ربك أحدا)

والقسم الثاني من الناس الجبرية: وهي طائفة هالكة ضالة من طوائف أهل البدع والضلالة غلوا في إثبات الأفعال ونسبتها إلى الله -عز وجل- وحده فقالوا: إن الفاعل في الحقيقة هو الله أي في الخير والشر ونسبة الأعمال إلى العباد ليست على الحقيقة وإنما الفاعل في الحقيقة عندهم هو الله ولذا قالوا: إن العبد مجبور على فعل المعاصي وإذا عذبه الله على معصيته عذبه ظلما فضلوا بهذا ضلالا مبينا

وتوسط أهل السنة والجماعة بين الجبرية والقدرية فأثبتوا لله -تبارك وتعالى- القضاء والقدر وأن للعبد مشيئة واختيارا تابعين لمشيئة الله –تعالى- (ولا يظلم ربك أحدا) فمن فعل الخير فبفضل الله ورحمته فعل ثم بكسبه وعمله ومن فعل الشر فبعدله وحكمته فعل وكذلك بفعله وكسبه وعلى ذلك يترتب الجزاء فيثاب المطيع ويستحق العاصي العقاب فالله قد جعل للعباد كسبا واختيارا يعاقبهم أو يثيبهم عليه ، قال –تعالى- في أهل النار: (اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون)، وقال في أهل الجنة: (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون)

الملائكة:

(خلق الْخلق بمشيئته عَن غير حَاجَة كَانَت بِهِ فخلق الْمَلَائِكَة جَمِيعًا لطاعته وجبلهم على عِبَادَته فَمنهمْ مَلَائِكَة بقدرته للعرش حاملون وَطَائِفَة مِنْهُم حول عَرْشه يسبحون وَآخَرُونَ بِحَمْدِهِ يقدسون وَاصْطفى مِنْهُم رسلًا إِلَى رسله وَبَعضٌ مدبرون لأَمره)

أي: أن الله غني عن خلقه ملائكتهم وإنسهم وجنهم والعرش والسموات والأرض لاحاجة له في مخلوق من مخلوقاته -سبحانه وتعالى- فهو الغني والخلق كلهم فقراء وهذا دليل على كمال غناه –عز وجل- عن مخلوقاته وإنما خلق الخلق لحكمه بالغة كما قال –تعالى-: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

ومن جملة مخلوقاته العظام الملائكة الكرام فهم خلق من خلق الله خلقهم وجبلهم على طاعته فلا سبيل لهم إلى المعصية أبدا أي: لا يعصون الله أبدا، كما زكاهم الله في قوله: (لا يعصون الله ما أمرهم) وزكاهم في عبادتهم بقوله: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وهم خلق كثير لا يحصي عددهم إلا خالقهم ولهم وظائف كلفهم الله بها فأجابوا وأطاعوا فمنهم حملة العرش قال –تعالى-: (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم) وقوله: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)، وقد أمدهم الله بعونه لهم وإقداره فحملوا عرشه ومنهم ملائكة جعلهم الله رسلا يأمرهم بأمره فيأتمرون ومنهم الحفظة والمعقبات ومنهم خزنة النار وخزنة الجنة وملائكة الجبال وملائكة في السموات يعبدون الله فوجب الإيمان بهم من سمى الله كجبريل وميكائيل وغيرهما ومن لم يسم لأن الإيمان بالملائكة من أركان الإيمان الستة من جحده فقد كفر.

آدم -عليه السلام-:

( ثمَّ خلق آدم بِيَدِهِ وَأَسْكَنَهُ جنته وَقبل ذَلِك للْأَرْض خلقه وَنَهَاهُ عَن شَجَرَة قد نفذ قَضَاؤُهُ عَلَيْهِ بأكلها ثمَّ ابتلاه بِمَا نَهَاهُ عَنهُ مِنْهَا ثمَّ سلط عَلَيْهِ عدوه فأغواه عَلَيْهَا وَجعل أكله لها إِلَى الأَرْض سَببا فَمَا وجد إِلَى ترك أكلهَا سَبِيلا وَلَا عَنهُ لَهَا مذهبا)

هذا بيان لخلق الله -عز وجل- لآدم وإسكانه الجنة وما ابتلاه به من الأكل من الشجرة ثم الخروج من الجنة ثم الهبوط إلى الأرض دار البلاء والمحن وتسليط إبليس وإغوائه نؤمن بذلك كله وأن كل ذلك قدره الله وقضاه وكتب عليه قبل أن يخلقه وجرى به القلم وهذا كله لحكمة يعلمها الله ، وفي هذا أيضًا إثبات صفة اليد لله -تبارك وتعالى- على الوجه اللائق به -سبحانه وتعالى- .

أعمال أهل الجنة والنار:

( ثمَّ خلق للجنة من ذُريَّته أَهلا فهم بأعمالها بمشيئته عاملون وبقدرته وبإرادته ينفذون)

الجنة والنار مخلوقتان خلقهم الله وخلق لهما أهلا وهما موجودتان الآن وقد سبق بذلك القلم في اللوح المحفوظ لأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم وكذلك بأسماء أهل النار وأسماء ابائهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص وكل ذلك جرى به القلم وسبق به القدر قال –تعالى-: (فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى)، فالمطيع أطاع بفضل الله ورحمته ثم بسعيه وكسبه والعاصي عصى بعدل الله وحكمته ثم بسعيه وكسبه والجزاء على هذا طاعة ومعصية.

الإيمان:

( وَالْإِيمَان قَول وَعمل مَعَ اعْتِقَاده بالجنان قَول بِاللِّسَانِ وَعمل بالجوارح والأركان وهما سيان ونظامان وقرينان لَا نفرق بَينهمَا لَا إِيمَان إِلَّا بِعَمَل وَلَا عمل إِلَّا بِإِيمَان والمؤمنون فِي الْإِيمَان يتفاضلون وبصالح الْأَعْمَال هم متزايدون وَلَا يخرجُون بِالذنُوبِ من الْإِيمَان وَلَا يكفرون بركوب كَبِيرَة وَلَا عصيان وَلَا نوجب لمحسنهم الْجنان بعد من أوجب لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نشْهد على مسيئهم بالنَّار)

هذا بيان لعقيدة أهل السنة والجماعة في أنه قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان وأجمع السلف الصالح على ذلك فهو قول باللسان كالنطق بالشهادتين وسائر الأقوال الطيبة من ذكر وقراءة قرآن وتسبيح وغير ذلك واعتقاد بالجنان أي: أن القلب يكون منعقدا على ما قاله اللسان وعمل بالجوارح كالتكاليف الشرعية من صلاة وصوم وحج وغير ذلك ولا يفرق بين الاعتقاد والعمل فلا إيمان إلا بعمل ولا يفرق بين الإيمان وبين العمل فلابد من اجتماعهما وما ذكرناه هو مذهب القرون الأولى المفضلة خلافا لبعض الطوائف الضالة في هذا كمرجئة الجهمية الذين قالوا: هو المعرفة بالقلب فقط دون عمل ومثلهم في هذا مرجئة الكرامية وكالأشاعرة الذين قالوا: هو قول واعتقاد وأخرجوا العمل عن مسمى الإيمان لكن الحق في ذلك ما ذكرناه وهو أن الإيمان قول واعتقاد وعمل وهذا مذهب الصحابة الكرام والسلف الأبرار.

(والمؤمنون في الإيمان يتفاضلون ..)

أي: نعتقد أن المؤمنين يتفاضلون في أعمالهم فهم درجات وطبقات متفاوتة وفي الجنة يقتسمون المنازل بأعمالهم يدخلونها بمحض فضل الله ويقتسمون المنازل والدرجات بأعمالهم فهم متفاضلون في الإيمان وعلى هذا التفاضل يتفاضلون في الدرجات في الجنة وكذلك يتفاضلون في صالح الأعمال كالصلاة والزكاة ونحو ذلك.

كذلك من معتقد السلف الصالح أهل الحديث والسنة: أنهم لا يُخرجون بالذنوب من الإيمان أحدا والمراد بالذنوب: ما كان دون الشرك الأكبر والنفاق الاعتقادي ولا يكفرون بركوب كبيرة ولا معصية كالزنا والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك من الذنوب فأهل الحديث والأثر وسط بين الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة ويخرجون بها العبد عن مسمى الإيمان والإسلام وبين المعتزلة الذين جعلوه في منزلة بين المنزلتين أي: لا هو مشرك ولا هو مسلم وإن كانوا اتفقوا مع الخوارج على خلوده في النار في الآخرة فهم وسط بين هذه الطوائف المبتدعة فأهل السنة والجماعة يقولون: هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولا يخرجونه عن مسمى الإيمان.

(ولا نوجب لمحسنهم الجنان ..)

أي: لا يحكمون لمعين بالجنة أو بالنار إلا ما شهد له الوحي وأوجب له النبي -صلى الله عليه وسلم- الجنة كالعشرة وأهل بيعة الشجرة فإنه -صلى الله عليه وسلم- شهد لهم بالجنة ويرجون للمحسن ويخافون على المسيء فهم أرحم الخلق بالخلق .

القرآن:

(وَالْقُرْآن كَلَام الله عز وَجل وَمن لَدنه وَلَيْسَ بمخلوق فيبيد)

وهذا أصل آخر من أصول أهل السنة والجماعة أهل الحديث الطائفة المنصورة والفرقة الناجية وهو أن القرآن كلام الله تكلم به قولا وأنزله على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وحيا إذ تلقاه جبريل -عليه السلام- عن رب العالمين -تبارك وتعالى- وبلغه إلى محمد النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم- وبلغه النبي إلى أمته وتلقته عنه جيلا فجيلا فهو كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، كما ثبت أنه سيرفع في آخر الزمان ولا يبقى في صدور الناس منه شيء وضل في كلام الله طوائف أشهرهم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فالجهمية لا يثبتون شيئا من صفات الله وكلام الله صفته وهو صفة ذاتية أزلية بأزليته –عز وجل- وصفة فعل باعتبار تنزله بمشيئة الله واختياره لكن المعتزلة والجهمية لا يثبتون هذا وأما الأشاعرة الماتردية فهؤلاء أولوا تأويلا باطلا وإن شئت فقل حرفوا حيث قالوا: كلام الله ليس بحرف ولا صوت وقالوا: إن الله منزه عن الحرف والصوت، وأهل السنة يعتقدون أن الله تكلم بحرف وصوت وأن القرآن كلام الله ألفاظه وحروفه ومعانيه فليس كلامه المعاني دون الحروف ولا الحروف دون المعاني فكلامه سبحانه صفة من صفاته يليق بعظمة الله وجلاله ليس كصفات المخلوقين.

الصفات:

(وكلمات الله وقدرة الله ونعته وَصِفَاته كاملات غير مخلوقات دائمات أزليات وَلَيْسَت بمحدثات فتبيد وَلَا كَانَ رَبنَا نَاقِصا فيزيد

جلت صِفَاته عَن شبه صِفَات المخلوقين وَقصرت عَنهُ فطن الواصفين

 قريب بالإجابة عِنْد السُّؤَال بعيد بالتعزز لَا ينَال)

لا يزال المصنف يقرر ما قرره أئمة السلف الصالح قبله من أصول الدين التي يجب اعتقادها فكلمات الله صفاته كالقرآن وغيره وقدرة الله صفة ذاتية لله -تبارك وتعالى- ونعته بأسمائه وصفاته اللائقة بعظمته وجلالة حق وصدق لا يجوز فيهما التشبيه ولا التمثيل ولا التحريف ولا التعطيل ولا التأويل وهي توقيفية يجب أن نصفه بما وصف به نفسه -سبحانه- في كتابه وبما وصفه به رسوله –صلى الله عليه وسلم- في سنته الصحيحة نثبت ما أثبته الكتاب والسنة ونتوقف عند ذلك ونؤمن بما دلت عليه هذه الصفات من المعاني وصفاته كاملات لأنه من كمال الرب -سبحانه وتعالى- (والقول في الصفات كالقول في الذات) و (القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر) فذات الله ذات كمال لا تشبه ذوات المخلوقين ولا تماثلها ذوات المخلوقين (ليس كمثله شيء) رد على المشبهة الذين يثبتون لله أوصافا تشبه صفات المخلوقين (وهو السميع البصير) رد على المعطلة الذين ينفون عن الله أسمائه وصفاته فصفات الباري صفات كمال ليست كصفات خلقه والاتفاق في أسماء الصفات لا يلزم منه الاتفاق في الحقائق فقولنا : (إن الله حي والمخلوق حي) فإن حياة المخلوق سبقت بالعدم وسيلحقها الفناء أما صفات الله -عز وجل- فليست كذلك وهكذا القول في سائر الصفات غير مخلوقات لأن الله هو الخالق –وحده- وما سواه من العالم مخلوق فالعالم كله مخلوق ولكن صفات ربنا غير مخلوقة وهي دائمة بدوام ذاته وأزلية بأزليته -تبارك وتعالى- وليس بمحدثات لأن المحدث سيبيد ويفنى ولا كان ربنا ناقصا حتى وصفه العباد بهذه الصفات أي: وليس ربنا ناقصا فالناقص يحتاج إلى زيادة والنقص وصف للمخلوق وإنما ربنا الخالق صاحب الكمال المطلق ذاتا وأسماء وصفات فهو –سبحانه- موصوف بصفاته أزلا وأبدا.

(جلت صفاته عن شبه صفات المخلوقين)

أي: أن الله ليس له شبيه من خلقه ولا يشبه شيئا من خلقه ولا يشبهه شيئ من خلقه .

(قريب بالإجابة عند السؤال)

أي: أن الله قريب من عباده بعلمه وإحاطته وسمعه وبصره وكذلك بنصره وتأييده للمؤمنين كما قال –تعالى-: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب...)

(بعيد بالتعزز لا ينال)

هو العزيز له العزة وله المكان العالي لا ينال جنابه فهو العزيز الذي قهر كل شيء عزة وحكما.

الآجال:

(والخلق ميتون بآجالهم عِنْد نفاد أَرْزَاقهم وَانْقِطَاع آثَارهم)

قال –تعالى-: (لكل أجل كتاب) فكل مخلوق خلقه الله في عالم السموات والأرضين له أجل ينتهي إليه فإذا حضر الأجل انقطع الرزق وانتهى زمن العمل، قال –تعالى-: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى )

القبر:

(ثمَّ هم بعد الضغطة فِي الْقُبُور مساءلون..)

يقرر المصنف أن من أصول أهل السنة أيضًا ما يكون في القبر من الضغطة ومن سؤال الملكين وأنه حق وصدق وواقع لا محالة وبعد السؤال إما نعيم وإما عذاب خلافا للجهمية والمعتزلة الذين أنكروا هذا وسيعلمون في قبورهم عاقبة اعتقادهم الفاسد حينما ينعم المؤمنون ويعذب المرتابون نسأل الله السلامة والعافية.

النشور والحساب:

(وبعد البلى منشورون وَيَوْم الْقِيَامَة إِلَى رَبهم مَحْشُورُونَ ولدى الْعرض عَلَيْهِ محاسبون بِحَضْرَة الموازين وَنشر صحف الدَّوَاوِين أَحْصَاهُ الله ونسوه فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة لَو كَانَ غير الله عز وَجل الْحَاكِم بَين خلقه لكنه الله يَلِي الحكم بَينهم بعدله وَهُوَ أسْرع الحاسبين كَمَا بدأه لَهُم من شقاوة وسعادة يَوْمئِذٍ يعودون فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير..)

أي: بعد أن تبلى أجسامهم فتكون عظاما ورفاتا ينشئهم الله خلقا جديدا فيبعثون يوم القيامة أحياء يوم النشر فيحشرون إلى الله -تعالى- كما في الصحيحين:

 (إنكم محشورون حفاة عراة غرلا)

ويحاسب المؤمنون حسابا يسيرا بخلاف الكافرين، قال –تعالى-: (فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا)، وأما الكفار: (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب)

وتوضع الموازين التي توزن بها الأعمال يوم القيامة قال –تعالى-: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) وقال: (والوزن يومئذ الحق) فالميزان حق وله كفتان إحداهما للحسنات وأخرى للسيئات.

وتنشر الصحف فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله وفي هذه الدواوين ما أملاه المكلفون من الجن والأنس على الكرام الكاتبين وما جرى به القلم في اللوح المحفوظ كل ذلك يكتب في الصحف وينشر كما ذكر الله: (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) ولو كان غير الله الحاكم لكان كذلك يعني: أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غير الله -سبحانه وتعالى- خمسون ألف سنة وهو –سبحانه- يفرغ منه في ساعة لكنه الله –تبارك وتعالى- يلي الحكم بينهم لا حاكم يوم القيامة بين المخلوقات إلا الله لا يولِّي الله أحدا يوم القيامة الحكم بين الناس أبدا ، قال –تعالى-:

 (لمن الملك اليوم لله الواحد القهار).

والناس فريقان سعداء وأشقياء وكل يجازى بجنس عمله نسأل الله التوفيق والعافية.

الجنة والنار:

( وَأهل الْجنَّة يَوْمئِذٍ فِي الْجنَّة يتنعمون وبصنوف اللَّذَّات يتلذذون وبأفضل الكرامات يحبرون..)

الجنة فيها ما لا لعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من دخلها يحيا فلا يموت ويصح فلا يسقم ويشب فلا يهرم وينعم فلا يبئس وأهلها فيها يتنعمون بما يشاؤن من المآكل والمشارب والمساكن والزوجات الحسان والخدم والولدان والنعيم الدائم والكمال والجمال، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وقد نعت الله الجنة بأجمل النعوت فقال -عز شأنه-: (مثل الجنة ما وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى..)، وفي الصحيحين: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم..)

الجنة ما هي إلا ريحانة تهتز ونهر مطرد وثمرة ناضجة وقصر مشيد وامرأة حسناء وحبور لا يشبهه حبور.

ولله برد العيش بين خيامها           وروضاتها والثغر في الروض يبسم

فإن كنت ذا قلب عليل بحبها         فلم يبق إلا وصلها لك مرهم

فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا   فهذا زمان المهر فهو المقدم

رؤية الله -تبارك وتعالى- :

(فهم حِينَئِذٍ إِلَى رَبهم ينظرُونَ لَا يمارون فِي النّظر إِلَيْهِ وَلَا يَشكونَ فوجوههم بكرامته ناضرة وأعينهم بفضله إِلَيْهِ ناظرة فِي نعيم دَائِم مُقيم..)

(لَا يمسهم فِيهَا نصب وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين) (أكلهَا دَائِم وظلها تِلْكَ عُقبى الَّذِي اتَّقوا وعقبى الْكَافرين النَّار)

(وَأهل الْجحْد عَن رَبهم يَوْمئِذٍ محجوبون وَفِي النَّار يسجرون..)

(لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ)

و (لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا وَلَا يُخَفف عَنْهُم من عَذَابهَا)

إلا من شاء الله من الموحدين إخراجهم منها.

ولله أفراح المحبين عندما             يخاطبهم من فوقهم ويسلم

ولله أبصار ترى الله جهرة           فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم

فيا نظرة أهدت إلى القلب نضرة     أمن بعدها يسلو المحب المتيم

رؤية الله -تبارك وتعالى- أعظم نعيم لأهل الجنة فهم يرون ربهم لا يضامون ولا يشكون في رؤيته كما نطقت بذلك النصوص ينظرون إلى ربهم بوجوه حسنة مضيئة، قال –تعالى-: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) فرؤية الله من أعلى أصناف النعيم ونعيم أهل الجنة دائم مقيم ليس له منتهى ومقيم لا يحول ولا يزول وهذا هو معتقد الصدر الأول من السلف الصالح خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يقولون: إنه لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة. ولغلاة الصوفية الذين يقولون: إنه يرى في الدنيا والآخرة. والوسط هم أهل السنة والجماعة الذين نفوا الرؤية في الدنيا وأثبتوا رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة كما صرحت بذلك نصوص الوحيين.

(وأهل الجحد عن ربهم يومئذ محجوبون..)

وأما أهل الجحد فقد أفصح عنهم بقوله (وأهل الجحد عن ربهم يومئذ محجوبون وفي النار يسجرون..) أي: يحرقون ويعذبون (لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون) خالدون دائما أبدا، وهؤلاء هم أهل الشرك الأكبر والنفاق الاعتقادي فهؤلاء أهل النار لا يموتون فيها ولا يحيون بل هم كما قال الله

–تعالى-: (لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور)

وأما عصاة الموحدين: فإنهم يلبثون إلى أمد كل بقدر ما جنى فيخرجهم الله من النار بفضله ورحمته ثم بشفاعة الشافعين، كما قال المصنف:

 (إلا من شاء الله من الموحدين إخراجهم منها..) فيخرجهم من النار ويدخلهم الجنة دار النعيم المقيم ويعطيهم ما لا يتطلعون إلى سواه.

رزقنا الله الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.

طاعة أولى الأمر:

(والطَّاعَة لأولي الْأَمر فِيمَا كَانَ عِنْد الله عز وَجل مرضيا وَاجْتنَاب مَا كَانَ عِنْد الله مسخطا وَترك الْخُرُوج عِنْد تعديهم وجورهم وَالتَّوْبَة إِلَى الله عز وَجل كَيْمَا يعْطف بهم على رعيتهم..)

أهل الحديث يرون أن طاعة المسلم الذي ولاه الله على الأمة ولاية عامة أو خاصة يرون أن طاعته واجبة ولا يجوز مخالفته ما أمر معروف وما لم يأمر بمعصية ويحرم الخروج عليه ويطاع في كل ما كان طاعة لله أو مباحا ولا يجوز الخروج عن طاعته كليا لما في ذلك من الفساد والشر المستطير حتى لو تعدى وجار وإنما يجب الصبر والدعاء لهم بالهداية والتوفيق حتى يعدلوا عن الظلم ويعودوا إلى رحاب الحق وفي الصحيح: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك) وعند مسلم: (سترون بعدي أمورا تنكرونها) فالحاصل: أنه يصبر على جور الحاكم المسلم ولا يخرج عليه عسى الله أن يهديه.

 نسأل الله أن يصلح أئمة وولاة أمور المسلمين ويوفقهم لما فيه صلاح البلاد والعباد إنه جواد كريم.

الإمساك عن تكفير أهل القبلة:

(والإمساك عَن تَكْفِير أهل الْقبْلَة والبراءة مِنْهُم فِيمَا أَحْدَثُوا ويتقرب إِلَى الله عز وَجل بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ ويهجر..)

الإمساك عن تكفير أهل القبلة هو معتقد السلف الصالح ومقتضى دلالة النصوص من الكتاب والسنة  وهو واجب ولا يُكفر أحد من المسلمين بذنب ارتكبه ما لم يكن كفرا أكبر أو نفاقا اعتقاديا أو استحلالا لحكم مجمع عليه كمن استحل مثلا: الزنا وشرب الخمر وغير ذلك من الأشياء المحرمة وإذا كانت بدعته وضلاله مخرجا له من الملة فهذا يبغض ويهجر كليا وإن كان الابتداع والاحداث غير مخرج من الملة فإنه تقام عليه الحجة ويهجر المبتدع بقدر ما فيه ويبغض بقدر ما فيه من البدع حتى يرجع إلى الحق وهذا كله خلافا لأهل الانحراف من المعتزلة والخوارج الذين قالوا: بكفر مرتكب الكبيرة وخلوده في النار وخالفوا بذلك سبيل المؤمنين وطريقة السابقين من أن: مرتكب الكبيرة غير كافر وإنما هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

الصحابة -رضى الله عنهم-:

(وَيُقَال بِفضل خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبي بكر الصّديق- رَضِي الله عَنه- فَهُوَ أفضل الْخلق وأخيرهم بعد النَّبِي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ونثني بعده بالفاروق وَهُوَ عمر بن الْخطاب- رَضِي الله عَنهُ- فهما وزيرا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضجيعاه فِي قَبره ونثلث بِذِ ي النورين عُثْمَان بن عَفَّان- رَضِي الله عَنه- ثمَّ بِذِي الْفضل والتقى عَليّ بن أبي طَالب- رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ-

ثمَّ البَاقِينَ من الْعشْرَة الَّذين أوجب لَهُم رَسُول الله- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -الْجنَّة ونخلص لكل رجل مِنْهُم من الْمحبَّة بِقدر الَّذِي أوجب لَهُم رَسُول الله- صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -من التَّفْضِيل ثم لسائر أصحابه من بعدهم- رضي الله عنهم أجمعين-

وَيُقَال بفضلهم ويذكرون بمحاسن أفعالهم ونمسك عَن الْخَوْض فِيمَا شجر بَينهم فهم خِيَار أهل الأَرْض بعد نَبِيّهم ارتضاهم الله- عز وَجل- لنَبيه وخلقهم أنصارا لدينِهِ فَهم أَئِمَّة الدّين وأعلام الْمُسلمين- رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ-..)

أجمع أهل السنة والجماعة بما فيهم الصحابة -رضي الله عنهم- على أن الخليفة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأجمعوا كذلك على أن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، كما دلت على ذلك نصوص كثيرة واختلفوا في عثمان وعلي أيهما يقدم وحاصل الخلاف تقديم عثمان، تقديم علي، التوقف عن تقديم أحدهما على الآخر، والراجح هو تقديم عثمان، كما دلت الآثار الواردة في مناقب عثمان وإجماع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة وترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة وعلى هذا استقر أمر أهل السنة ومناقب هؤلاء الأربعة متواترة ثم ثنى المصنف بعدهم بسائر العشرة من الصحابة وهؤلاء العشرة شهد لهم رسول الله بالجنة وذكرهم بأسمائهم كما في مسند أحمد وغيره، وهكذا سائر أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وجبت محبتهم على كل مسلم على ما يليق بهم من محبة لا غلو فيها ولا تقصير وهذا كله فيه رد على الرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة ويبغضونهم ويجحدون فضائلهم وأهل السنة براء من هذا المذهب الخبيث كما قال –تعالى-: (والذين جاءوا من بعدهم) أي: بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة من عموم المسلمين (يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)، والأخوة هنا أخوة الدين فهم يستغفرون لأنفسهم ولمن تقدمهم من المهاجرين والأنصار (ولا تجعل في قلوبنا غلا) أي بغضا وغشا وحسدا (للذين آمنوا) والصحابة داخلون في هذا دخولا أوليا لكونهم أشرف المؤمنين ولكون السياق فيهم ويجب الإمساك والخوض فيما شجر بين الصحابة من أصاب منهم فله أجران ومن أخطأ فله أجر.

وكلهم مجتهد مثاب           وخطؤهم يغفره الوهاب

فهم أنصار الدين وحمله الشريعة ونقلة الوحي فالطعن فيهم طعن في الوحي ونيل من الإسلام وقد وصلنا الدين على أكتافهم ودمائهم فواجبنا نحوهم الدعاء والشكر والثناء ومن يتكلم فيمن زكاه الله ورسوله فهو أضل من حمار أهله. 

الصلاة وراء الأئمة والجهاد معهم:

(وَلَا نتْرك حُضُور صَلَاة الْجُمُعَة، وصلاتُها مَعَ بر هَذِه الْأمة وفاجرها لَازمٌ مَا كَانَ من الْبِدْعَة بريا وَالْجهَاد مَعَ كل إِمَام عدل أَو جَائِر وَالْحج..)

أي: أنه يصلى وراء الإمام المسلم برا كان أو فاجرا جمعة كما صلى بعض الصحابة خلف أئمة الجور وهذا حتى لا تشق عصا المسلمين بسبب المخالفة وهذا فيمن كان من البدعة خاليا أما إذا كان ضلاله خروجا من الملة فلا صلاة خلفه والجهاد والحج واجبان وماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة.

قصر الصلاة والاختيار بين الصيام والإفطار في السفر:

(وإقصار الصَّلَاة فِي الْأَسْفَار وَالِاخْتِيَار فِيهِ بَين الصّيام والإفطار فِي الْأَسْفَار إِن شَاءَ صَامَ وَإِن شَاءَ أفطر..)

أي: مشروعية قصر الرباعية في السفر والخيار بين الصوم والإفطار وهو من معتقد أهل السنة والجماعة كما دلت عليه النصوص الشرعية، كقوله –تعالى-: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة..) ومن السنة من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقول المصنف هذا فيه رد على الظاهرية الذين يوجبون الفطر في السفر وكذلك يوجبون القصر في السفر وهذه كلها رخص والأفضل الأخذ بها وبما ثبت في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

اجتماع أئمة الهدى الماضين على هذه المقالات:

(هَذِه مقالات وأفعال اجْتمع عَلَيْهَا الماضون الْأَولونَ من أَئِمَّة الْهدى وبتوفيق الله اعْتصمَ بهَا التابعون قدوة ورضى وجانبوا التَّكَلُّف فِيمَا كُفوا فسددوا بعون الله ووفقوا لم يَرْغَبُوا عَن الِاتِّبَاع فيقصروا وَلم يُجَاوِزُوهُ تزيدا فيعتدوا

فَنحْن بِاللَّه واثقون وَعَلِيهِ متوكلون وَإِلَيْهِ فِي اتِّبَاع آثَارهم راغبون..)

ما أحسن هذه الخاتمة الذي ختم بها المزني عقيدته وبأنه رضي لنفسه بما رضي به القوم لأنفسهم

فكن على نهج سبيل السلف           في مجمع عليه أو مختلف

وأن كل ما ذكره متفق عليه بين أهل السنة والجماعة ودل عليه الكتاب والسنة والإجماع فهو يقر -رحمه الله- بأنه: لم يأت ببدع من القول بل هو سائر على ما مضى عليه الأولون من الصحابة وأئمة التابعين وسائر أهل القرون المفضلة ثم من خيار الأئمة الأعلام بعدهم الذين تركوا التكلف فسددوا وبعون الله وفقوا ولم يزهدوا في اتباع السلف الصالح وإنما اتبعوهم.

وكل خير في اتباع من سلف         وكل شر في ابتداع من خلف

فالحمد لله على ذلك وله الشكر على هذه العقيدة الواضحة المسالك.

خاتمة الرسالة وفيها: المحافظة على أداء الفرائض واجتناب المحرمات ووصايا جامعة:

( فهَذَا شرح السّنة تحريت كشفها وأوضحته فَمن وَفقه الله للْقِيَام بِمَا أبنته مَعَ معونته لَهُ بِالْقيامِ على أَدَاء فَرَائِضه بِالِاحْتِيَاطِ فِي النَّجَاسَات وإسباغ الطَّهَارَة على الطَّاعَات وَأَدَاء الصَّلَوَات على الاستطاعات وإيتاء الزَّكَاة على أهل الْجِدات وَالْحج على أهل الْجِدة والاستطاعات وَصِيَام شَّهْر رمضان لأهل الصحات وَخمْس صلوَات سنّهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصَلَاة الْوتر فِي كل لَيْلَة وركعتي الفجر وصلاة الفطر والنحر وصلاة كسوف الشمس والقمر إذا نزل وصلاة الاستسقاء متى وجب

واجتناب المحارم والاحتراز من النميمة والكذب والغيبة والبغي بغير الحق وأن يقال  على الله ما لا يعلم كل هذه كبائر محرمات والتحري في المكاسب والمطاعم والمحارم والمشارب والملابس واجتناب الشهوات فإنها داعية لركوب المحرمات فمن رعى حول الحمى فإنه يوشك أن يواقع الحمى.

فمن يُسر لهذا فإنه من الدين على هدى ومن الرحمة على على رجا، وفقنا الله وإياك إلى سبيله الأقوم بمنه الجزيل الأقدم وجلاله العلي الأكرم،

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى من قرأ علينا السلام، ولاينال سلامُ الله- تعالى –الضالين، والحمد لله رب العالمين)

لما فرغ المصنف -رحمه الله- من بيان ما تيسر له من أصول العقائد التي يدين لله بها أهل السنة ختم هذه الرسالة بنصائح جميلة تتضمن جملة من الوصايا:

كالحض على فعل الطاعات وتجنب المنكرات والمحرمات وأهل السنة دائماً يبذلون جهدهم في نصح الخلق بفعل ما يرضي الله -عز وجل- وتحذيرهم مما يغضب الرب -جل وعلا- والحض على مكارم الأخلاق من صدق الحديث وحفظ الأمانة والتحذير من الرذائل وسفاسف الأخلاق من الكذب والغيبة والنميمة والفحش وقول الزور والقول على الله بدون علم إذ هذا من أعظم الذنوب وإثمه أشد من إثم الشرك بالله -تبارك وتعالى- وهذه محرمات لا يجوز للمسلم أن يقربها وإنما عليه أن يلزم نفسه بالقيام بالفرائض والتقرب إلى الله بالمستحبات ، وأهل السنة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هم أعرف الناس بالحق كما أنهم أرحم الناس بالخلق.

وإلى هنا تمت رسالة (شرح السنة) المعروفة بعقيدة المزني

رحمه الله ورضي عنه وغفر له وجمعنا به مع النبيين والصديقين الشهداء الصالحين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله