أساسيات في العقيدة (5)

عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

قال الله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ۖ فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء ۚ وهو العزيز الحكيم). يضل الله من يستحق الإضلال بعدله، فيسلط عليه شياطين الإنس والجن، فيغوونه، ويتركه لنفسه الأمارة بالسوء، فتسول له، ويهدي من هو أهل للهداية بفضله، فيعينه ويحفظه ويبصره.
وقال تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ۖ ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء).
وقال تعالى: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم).
وقال تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى). الجزاء من جنس العمل.
وقال تعالى: (ختم الله علىٰ قلوبهم وعلىٰ سمعهم ۖ وعلىٰ أبصارهم غشاوة). وذلك بما كسبت أيديهم، فإن أخذوا بأسباب الهداية أزال الله الحجب.
وقال تعالى: (ولٰكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان). وروى اللالكائي أن عمر بن الخطاب قال في خطبته: “من يضلل الله فلا هادي له”. وكان الجثاليق النصراني بين يديه، فقال: إن الله لا يضل أحدا. فقال له عمر: “كذبت يا عدو الله، الله يضلك، فيدخلك النار إن شاء الله”.

قال الله تعالى: (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون). هذه إرادة كونية.
وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). هذه إرادة شرعية.
 وخصائص الإرادة الكونية، أنها بمعنى المشيئة، ويلزم وقوعها، وقد يحبها الله وقد لا يحبها. وقد تكون مقصودة لأمر محبوب، ومثالها قوله تعالى: (إن كان الله يريد أن يغويكم)؛ أي: يشاء أن يغويكم، لأن الله لا يحب أن يغوي العباد.
وهذه الإرادة لا يخرج عن مرادها مخلوق، لا مسلم ولا كافر، ولا بر ولا فاجر، ولا طاعة ولا معصية، ولا خير ولا شر.
وخصائص الإرادة الشرعية، أنها بمعنى المحبة، ولا يلزم وقوعها، ولا تقع إلا بمشيئة الله، وتكون مقصودة لذاتها، ومثالها قوله تعالى: (والله يريد أن يتوب عليكم)؛ فيريد هنا بمعنى يحب.
وقال تعالى: (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر). هذا أمر كوني.
وقال تعالى لإبليس: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك). فهذا أمر شرعي، ولو كان أمرا كونيا لسجد إبليس اضطرارا لا اختيارا.
لقد ضلت القدرية؛ حيث لم تفرق بين الإرادتين والأمرين، فجعلت الجبرية العبد لا مشيئة له، وجعلت المعتزلة العبد يفعل ما لا يشاؤه الله. وهدى الله أهل السنة والجماعة، ففرقت بينهما.

قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل علىٰ رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ۚ ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا).
وثبت عن المقدام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب – يعني: القرآن – ومثله معه). (يوشك أن يقعد الرجل متكئا على أريكته، يحدث بحديث من حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله). رواه أحمد وأبو داود والحاكم، وروى الترمذي نحوه وصححه.
فيجب الإيمان بالقرآن وما فيه، وبالسنة الصحيحة وما فيها، ومن أنكر شيئا مما قال الله عز وجل في كتابه، أو أنكر شيئا صحيحا لا شبهة فيه مما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كفر إجماعا.
قال عبد الله بن مسعود: “من كفر بحرف من القرآن، فقد كفر به أجمع”. رواه اللالكائي وسعيد بن منصور.
وقال إسحاق بن راهويه: “من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته، ثم رده بغير تقية؛ فهو كافر”.

قال الله تعالى: (محمد رسول الله ۚ والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ۖ تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ۖ سيماهم في وجوههم من أثر السجود .. الآية).
وقال تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا).
وثبت عن عبد الله بن مسعود أنه قال: (إن الله نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه). رواه أحمد وغيره.
وقال عبد الله بن عمر: (أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا على الهدى المستقيم، والله رب الكعبة). رواه أبو نعيم.
قال تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم). هذا دعاء أهل السنة والجماعة، السليمة قلوبهم وصدورهم للصحابة جميعا.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه). متفق عليه.
فمن طعن في جميع الصحابة، فلا شك في كفره، ومن قدح في دين وعدالة أحد منهم، أشهرت النصوص فضله وبراءته، فقد كفر.
ونقل الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، فقال: ما أراه على الإسلام.
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين سئل عن القتال الذي حصل بين الصحابة: “تلك دماء طهر الله يدي منها؛ أفلا أطهر منها لساني؟!.
وسئل الإمام أحمد وغيره من السلف عما جرى بين علي ومعاوية، فقرأ قوله تعالى: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون).
فالترحم على الصحابة كلهم، والترضي عنهم – بما فيهم خال المؤمنين، وكاتب الوحي لنبينا، الأمين معاوية رضي الله عنه -، والكف عما شجر بينهم، واعتقاد أن للمصيب منهم أجرين؛ أجر إصابته الحق، وأجر اجتهاده، وللمخطئ منهم أجرا واحدا على اجتهاده؛ أصل في عقيدة أهل السنة والجماعة.

بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله