عدد الزوار 255 التاريخ 15/08/2020

عن طارق بن عبد الله قال: انطلقت حاجا، فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي، أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل أنسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها، وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم؟!). رواه البخاري.
وعن نافع: أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها، فقطعت”. رواه ابن سعد، قال ابن حجر: بإسناد صحيح.
والمقصود: أن ما توهم عوام الناس بأن فيه بركة أو شفاء ونحو ذلك حتى انتابوه عن جهل منهم، فالواجب إزالته مع القدرة، وتوعيتهم بأن البركة في توحيد الله وإخلاص العبادة له، وفي القرآن والسنة والأدعية والأذكار الصحيحة. وعن جابر مرفوعا: (أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة).

قال تعالى: (أولٰئك الذين يدعون يبتغون إلىٰ ربهم الوسيلة أيهم أقرب). الوسيلة هي القربة، وليس بين الله وبين عباده وسائط وحجاب، والوسيلة أو التوسل المشروع هو أن يتوجه العبد إلى الله جل وعلا بقلبه، ثم يسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أو بأعماله الصالحة، كالإيمان به، واتباع سنة نبيه، أو بدعاء الصالحين الأحياء لا الأموات، من غير تكلف. وأما ما أحدثه أهل البدع من التوسل إلى الله تعالى بأصحاب القبور، أو بجاه فلان ونحو ذلك، فإن مثل هذا إما شرك أو بدعة تفضي إلى الشرك، وقد حرمت الشريعة وسائل الشرك وذرائعه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد). متفق عليه. وفي رواية لمسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا، فهو رد).
وعن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة”. رواه أبو داود، والترمذي، وصححه.

ثبت عن محمود بن لبيد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر”، قالوا: يا رسول الله، وما الشرك الأصغر؟ قال: “الرياء”. رواه أحمد وغيره.
وثبت عن ابن مسعود أنه دخل على امرأته وفي عنقها شيء معقود، فجذبه فقطعه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك». قالوا: يا أبا عبد الله فما التولة؟ قال: شيء يصنعه النساء يتحببن إلى أزواجهن، يعني من السحر. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الحاكم، وابن حبان.
الرقى: كلمات فيها شرك يرقى بها أهل البلاء، وأما الرقية بالقرآن وبالأذكار فمشروعة.
والتمائم: التعاليق على الإنسان أو الدابة أو البيت؛ لدفع الحسد والعين.
وثبت عن ابن عمر مرفوعا: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن.
الشرك الأصغر: ما كان ذريعة إلى الأكبر، ووسيلة للوقوع فيه.
وقد يصير الشرك الأصغر شركا أكبر، بحسب ما يقوم بقلب صاحبه من الاعتقاد والغلو، كاعتقاد أن التمائم تؤثر بنفسها، لا أنها سبب.

عن جابر رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه». رواه مسلم. زاد الترمذي وصححه: «وأن يكتب عليه».
قال الشافعي في الأم: ورأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى. يعني على القبر.
وروى مسلم عن أبي الهياج الأسدي، قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟: (أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته). أي: لا يرفع القبر فوق شبر.
وعن أبي مرثد الغنوي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» رواه مسلم.
وعن أنس رضي الله عنه: أنه قام يصلي إلى قبر لا يشعر به، فناداه عمر: القبر القبر. رواه الأثرم، وغيره، وعلقه البخاري مجزوما به.
وعن ابن عباس، قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج». رواه أحمد وأصحاب السنن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان.
لا يجوز البناء على القبور، ولا الصلاة بينها، إلا صلاة الجنازة لمن فاتته، ولا قصدها للدعاء لغير الميت.

قال الله تعالى في أعظم سورة: (إياك نعبد وإياك نستعين). قدم المفعول وهو “إياك”، وكرر للاهتمام والحصر، أي: لا نعبد إلا إياك، ولا نتوكل إلا عليك. ويعود تحقيق توحيد القصد والطلب، وتوحيد الإثبات والمعرفة إلى فهم هذا الحصر، ولذا قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: (إياك نعبد وإياك نستعين). وقدم توحيد العبادة؛ لأنه الذي وقع فيه النزاع، أما توحيد الربوبية فلم ينكره إلا القليل، وأغلبهم جحدوه مكابرة. ومن أعظم أنواع العبادة: الدعاء والاستعانة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: «يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف». رواه الترمذي وصححه.

بقلم فضيلة الشيخ المحدث: علي بن عبد الله النمي حفظه الله